إضراب المحامين

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطـائي 

صاحـب أحسـن تفســـــــــير للقرآن  

وأستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق                   العدد: 738

_____________________             التاريخ: 22/12/2012 

م/لزوم الإستثناء في إضراب المحامين وغيره

 

من المهن الرفيعة التي إحتلت مقاماً اجتماعياً وأدبياً المحاماة اقتبست صفات أخلاقية حميدة منبعثة من أصل الوظيفة التي تؤديها والفلسفة التي ابتنت عليها قواعدها وكأنها وليدة الحاجة سواء على القول بأن للشيء حســناً او قبحـاً عند العقل من غير مدخلية للشرع كما يذهب اليه العدلية، او على القول بأنه لا حكم للعقل في حسن الأفعال او قبحها والشــارع هو الذي يحــدد الحســن للأشياء بالأمر باتيانها وتحبيبها الى النفس او قبحها بالنهي عنها وذمها كما ذهب اليه الأشاعرة.

 والمحاماة لغة هي المنع والذب، يُقال حاميت عنه محاماة وحمِاءً أي دفعت عنه وحميت عليه أي غضبت، وتحاماه الناس: توقوه واجتنبوه هيبة وحذراً. وبغض النظر عن المسألة الكلامية وهي هل الاسم هو عين المسمى؟ أم ان الاسم غير المسمى كما هو المختار فأن وظيفة المحامي لم تبتعد عن المعنى اللغوي.

  لم تكن مهنة المحاماة معروفة في القرون الأولى من العهد الإسلامي المبارك ولعلها جاءت مع هذه القوانين الوضعية فهل من ملازمة بينهما وان تلك الملازمة معتبرة في تشريع المحاماة فلو لم تكن هذه القوانين المدنية لأنتفت الحاجة الى المحاماة كما هو في بدايات الإسلام، الجواب ان هذه الملازمة شبهة بدوية تزول بأدنى تحقيق فصحيح ان تلك القوانين أثرت في وجود مهنة المحاماة ولكنها لم تكن علة تامة او سبباً وحيداً لتشريعها ووجودها واتساعها، فلقد كان مسمى وموضوع مهنة المحاماة حاجة قضائية واجتماعية واخلاقية وادبية وقد بيناه في الجزء الخامس من رسالتنا العملية (الحجة).

 وهناك دلائل في التشريع والقضاء الاسلامي تدل على وقوع وجواز وامكان المحاماة، والمتتبع للتأريخ الاسلامي يجد شواهد كثيرة ومصاديق مباركة على تحققها في الواقع مثل دفاع أمير المؤمنين عليه السلام عن إمرأة أكرهت على الزنا ومنع إقامة الحد عليها , وقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال : أقضاكم علي) .

  وتعتبر المحاماة تخصصاً في هذا الزمان الذي تشعبت فيه العلوم وكثرت فيه الإختصاصات وتفرعت فيه الأعمال فلا موضوعية للقوانين الجديدة في تشريع المحاماة بل هي قضية اتفاقية وليست لزومية , فلو كانت الأنظمة التشريعية الإسلامية هي السائدة في بلد معين لأحتاج الناس فيه ايضاً الى المحاماة كعلم له قواعده وأنظمته. نعم تتخذ المحاماة في منهجيتها دراسة وعملاً رداءً ملائماً لنوع القوانين المعمولة لذا تراها ايضاً على فروع وأقسام فمنها ما يتعلق بدولة او قانون او جنايات معينة او نظام تجاري ومنها ما يتعلق بالقانون الدولي فلا مانع من التعرض لمسائلها.

 ويدرك العقل محبوبية مهنة المحاماة، وعمومات أدلة الوكالة شاملة للمقام موضوعاً ومحمولاً بالإضافة الى ظاهر السنة الشريفة فقد ورد بالإسناد عن ام سلمة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “انما انا بشر وانكم تختصمون اليّ ولعل بعضكم ان يكون ألحَنَ بحجته من بعض فاقضي على نحو ما اسمع فمن قضيت له بحق اخيه شيئاً فلا يأخذه فانما اقطع له قطعة من النار”، وقريب منه جاء في صحيحة هشام بن الحكم عن الإمام الصادق عليه السلام).

  ومهنة المحاماة مستحبة في ذاتها وقد تنطبق عليها الأحكام التكليفية الأربعة الأخرى وهي الوجوب والإباحة والكراهة والحرمة ولكن ذلك الإنطباق يأتي بالعرض وبلحاظ موضوع الدعوى الذي يلتزمه المحامي ويذب عنه بلسانه وقلمه على نحو الإختيار والقصد، والوجوه السلبية منه لاسيما الحرمة لا تضر في بقاء أصل الإستحباب.

 وبلغني أن نقابة المحامين أعلنت الإضراب لمدة شهرين في محافظة الديوانية على نحو الخصوص لتأخر صرف أجور الإنتداب في كثير من محافظات العراق، وفلسفة الإضراب لغة في إنتزاع الحقوق وبيان الشأن والمقام، ولكن قاعدة لاضرر ولا ضرار في الإسلام سيالة في كل أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات وفي الصناعات والمهن.

 وقد ترتب على هذا الإضراب تأخر عدد من السجناء في السجن لعدم إنجاز معاملات الإفراج عنهم بسبب تخلف المحامي المنتدب من المحكمة عن الحضور، وبادر أحد المحامين للحضور فتمت معاقبته تأديباً من النقابة.

 وهل يحق لهؤلاء السجناء طلب تعويض باهض عن الأيام الإضافية لسجنهم من الذين إتخذوا قرار إعادتهم للسجن أو كانوا سبباً فيها، ولو تعرض أحدهم للموت بسبب تأخره قهراً في السجن فان الحساب يوم القيامة لا يكون على الهيئات الإعتبارية بل على الأشخاص أنفسهم لموضوعية السببية في الجناية عند تخلف المباشرة رتبة، وقد يرد أنه من حق القاضي الإكتفاء بقول المتهم وتيسير أمر إطلاقه,فلابد من الإلتفات لأحكام الضرورة والأمور الإنسانية في ثنايا الإضراب، ويلزم دراسة الموضوع من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومعرفة تجارب البلدان المتقدمة في مسألة الإضرابات، ترى أين يكون تأخير إطلاق سراح بعض السجناء وتأخير أوراق ودعاوى وإفراج بسبب الإضراب في ميزان حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية العالمية،.

 ويلحق السجين وذويه وعائلته الأذى والإحباط عندما يأتي في الصباح الباكر إلى المحكمة , وأفراد الشرطة يبشرونه بأنه لن يعود إلى السجن ويودعه ويغبطه أصحاب السجن، ثم يرى القضاة يشاطرونه الحزن والأسى لعجزهم وفق القانون عن إطلاق سراحه بسببب الإضراب الذي أعلنته نقابة المحامين بخصوص (أم الثورات) في أيام الإحتلال والملكية مدينة الديوانية ذات الإشراقات الإيمانية المتوارثة, ويدرك أذى اللبث الإضافي في السجن أولئك الذين دخلوا السجن ولاقوا مرارته، وقد سجنت أنا وعيالي في أربع محافظات بتهمة مسؤول حزب الدعوة في كربلاء، وسأنشر هذه الفتوى في الجزء الخامس والتسعين من التفسير الذي أقوم بكتابته وتصحيحه ومراجعته بمفردي هذه الأيام الذي هو بفيض من الله آية علمية لم يشهد لها التأريخ مثيلاً.

 لقد ورد في المادة الثانية من الدستور العراقي أولاً : (الإسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر اساس للتشريع) وهذه العبارة من الكلي المشكك الذي يكون على مراتب متفاوتة قوة وضعفاً، وظهوراً وخفوتاً، وتقع على عاتق القضاة والمحامين مسؤوليات صيرورة أحكام الشريعة الإسلامية الأصل في تشريع ووضع مواد القانون،والصدور عنه , لذا نقول باستحباب تولي المؤمنين وظيفة القضاء في المحاكم، كما أصدرت فتوى تفصيلية بجواز تولي المرأة للقضاء في المحاكم الوضعية معروضة على موقعنا

(www.marjaiaa.com) ونقترح ما يلي:

 الأول: إستثناء الضرورة والحاجة ودفع المفسدة في الإضراب فما من عام إلا وقد خصّ , مع كراهة الإكثار من اللجوء إلى الإضراب وما قد تسببه كثرته وطول مدته من الكدورة وأسباب النفرة.

 الثاني : وضع مادة صريحة في القانون تتيح للقاضي الإكتفاء بقول المتهم في مثل هذه الحال.

 الثالث : تعجيل صرف مخصصات إنتداب المحامي، ووضع آلية مرنة وسهلة في صرفها

                             صالح الطائي

 

مشاركة

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn