بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
م/ إستفتاء
آية الله الشيخ صالح الطائي” دام ظله”
هناك مقولة لا أعرف مصدرها أن الشخص الحسود يقال لا ينفع معه أي شيء وهو يعلم أنه يحسد وعينه ضارة جداً يقال يغسلونه غسل الميت ويذهب من عنده الحسد.
ما صحة هذه المقولة هل واردة من معصوم أو حديث من الأئمة أو هذا من فقه العجائز؟
أفتونا مأجورين
فضيلة العلامة الشيخ باسم الفؤادي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
العدد: 151/15
التاريخ: 10/ 2/2015
الحمد لله الذي جعل القرآن [تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] (1) في العبادات والمعاملات والأحكام وفي أمور الدنيا والآخرة , وصدر والحمد لله قبل يومين الجزء الثالث عشر بعد المائة من(معالم الإيمان في تفسير القرآن) في آية واحدة من القرآن [وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً].
وهل إصابة الإنسان بالحسد مما هو مكتوب عليه , الجواب نعم، ولكنه من مصاديق قوله تعالى[يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ و َيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ](2)، ومنه موضوع الحسد إذ ذكرت مادة (حسد)في القرآن خمس مرات ، وفيها مجتمعة ومتفرقة مسائل :
الأولى : إنها مناسبة للتفقه في الدين .
الثانية : كل آية منها تأديب للمسلمين وبعث للنفرة في نفوسهم من الحسد وورد[عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أدبني ربي فأحسن تأديبي](3).
الثالثة : إرتقاء المسلمين في المعارف الإلهية والتنزه عن الحسد وخبث الطبع والكدورات النفسية ، وقد أختتم القرآن بسورتي الفلق والناس , وذكر الحسد في سورة الفلق وإقترانه بقوله تعالى [ْوَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ](4)في ذات السورة مرتين , وفي آية واحدة بقوله تعالى [وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ](5) لبيان الصلة والتداخل بين السحر والحسد ، والقبح الذاتي لكل منهما، والمراد من النفاثات هن الساحرات اللائي يعقدن عقدة ثم ينفثن فيها السحر ، وقيل المراد بنات لبيد بن الأعصم , والآية أعم في سبب نزولها ومعناها.
قال عنترة بن شداد :
فإنْ يَبْرَأْ فلم أَنْفُثْ عليه … وإن يُفْقَدْ فَحَقَّ له الفُقودُ(6).
والحسد إرادة زوال النعمة عن المحسود، وهل هو فعل إرادة وأمر وجودي أم أنه ليس بإرادي، وقد تحصل الوقائع المصاحبة له صدفة وإتفاقاً، الجواب هو الأول.
[عن زيد بن أسلم قال : سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود، فاشتكى لذلك أياما، قال: فجاءه جبريل فقال: إن رجلا من اليهود سحرك، عقد لك عُقَدًا في بئر كذا وكذا، فَأرْسِل إليها من يجيء بها. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا عليه السلام , فاستخرجها، فجاء بها فحللها قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نَشط من عقال)(7).
[عن عائشة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلام يهودي يخدمه يقال له لبيد بن أعصم ، فلم تزل به يهود أي يحرضه بعضهم حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذوب ولا يدري ما وجعه.
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذا أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه ، فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه: ما وجعه؟ قال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال : لبيد بن أعصم.
قال: بم طبه؟ قال : بمشط وماشطة وجف طلعة ذكر بذي أروان وهي تحت راعوفة البئر.
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غدا ومعه أصحابه إلى البئر فنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن مشاطة رأسه ، وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا فيها أبر مغروزة ، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فأتاه جبريل بالمعوّذتين فقال: يا محمد{قل أعوذ برب الفلق}(8) وحل عقدة{من شر ما خلق} وحل عقدة حتى فرغ منها وحل العقد كلها وجعل لا ينزع إبرة إلا يجد لها ألماً ثم يجد بعد ذلك راحة.
فقيل: يا رسول الله لو قتلت اليهودي فقال: قد عافاني الله وما وراءه من عذاب الله أشد فأخرجه](9).
وأشكل على الحديث من وجوه منها أن المعوذتين مكيتان أي نزلتا في مكة قبل الهجرة، وقصة لبيد بن الأعصم وقعت في المدينة بعد الهجرة، ووردت نصوص مستفيضة في ذم الحسد والحاسد، إلا أن الحديث والواقعة على فرض صحتها لا تتعارض مع العصمة، ولا موضوعية أو أثر لها على الوحي وتبليغه لأنها تتعلق بالوجع من غير تعيين ماهيته، ليتعظ المسلمون ويحذروا من الحسد ويتعلموا كيف يدفعونه وآثاره بآيات القرآن.
وبين الحسد والغبطة عموم وخصوص من وجه ، فمادة الإلتقاء هي النعمة التي عند المحسود والمغبوط ، ومادة الإفتراق أن الحسد تمني زوال نعمة الغير ، أما الغبطة فهي رجاء أن يكون عنده مثل ما عند المغبوط ، لذا [ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : إن المؤمن يغبط ولا يحسد والمنافق يحسد ولا يغبط](10).
والنسبة بين الحسد والعين هي العموم والخصوص المطلق، إذ تصيب العين والعائن المعيون بعد النظر إليه، وهل يلزم النظر بالذات والمباشرة أم تكفي الصورة والوسائل المرئية , الجواب هو الثاني لإلحاق ما يرى بالتلفزيون ونحوه بالمعاينة .
أما الحسد فانه يقع سواء برؤية المحسود أو في حال غيبته , وتتعلق العين بحال المعيون عند النظر إليه ، ويشمل الحسد أفراد الزمان الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل ، ويصيب ذات الإنسان أو الأعيان والجواهر أو الأعراض الخاصة به وأثر الحسد أطول في مدته وأشد في ضرره في الغالب .
ولا ملازمة بين العين والبغض والعداوة , فقد تصيب عين الإنسان نفسه وأهل بيته وما يملك لأن أثر العين هنا يتقوم بالتعجب من الحال أو الملك.
وتدفع العين بأمور:
الأول : شكر الله على النعمة ، قال تعالى [لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ] (11)، وتدل الآية أعلاه في مفهومها على أن الشكر واقية من الحسد الذي هو نقصان وأذى , وكأن صرف شر العين والحسد من مصاديق قوله تعالى[وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ](12).
الثاني : إستحضار حقيقة وهي أن هذه النعم من عند الله .
الثالثة : قراءة المعوذتين وآيات القرآن .
الرابع : إخراج الصدقة .
الخامس : قول لا حول ولا قوة إلا بالله .
السادس : الصلاة على محمد وآل محمد .
السابع : الأدعية الخاصة بطرد العين .
والمشهور والمختار أن الأنبياء في مأمن وحرز من تأثير السحر، وتدل عليه آيات القرآن بخصوص موسى عليه السلام وسحَرة فرعون ،وإفتضاح زيف السحرة بمعجزة العصا ودخوله الإسلام ، وعدم ترتب أثر عليه ، إنما هو في البدن بأن كان حل العقدة سبباً بنشاط وحيوية مستحدثة مفاجئة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم كأمارة على السلامة منه ، ولم يكن له سلطان أو تأثير على أقوال أو أفعال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
أما ما ذكر عن غسل الحاسد غسل الميت فلم أجد له أصلاً معتبراً ، بل من الحكايات والتشديد على النفس فلا يجوز فعله، ويحكى أن شاباً بهي الطلعة وذو خلق حميد ويتصف بالحسد بعينه وإجتهد في العلاج وذكر الله وصلى على النبي ولم ينتفع فأخذ الناس ينفرون منه ،ويتجنبون لقائه فقام أبناء عمومته بعلاجه بأن وضعوه على المغتسل ، وغسلُوه وكفنوه وصلوا عليه صلاة الميت وأنزلوه إلى القبر ثم أخرجوه , وكان شخص ماراً فوقف معهم في الصلاة على الميت، فغمزه الميت بعينه فأصيب بالفزع والرعب، وإلتفت إلى أخوته وعمومته فلم يجد عليهم سيماء الحزن , وقيل أنه بعد أيام رآى ذات الميت رآه فإزداد فزعه ولكنه ناداه وبين له الأمر وأن أبناء عمومته أرادوا صرف شر عينه.
وصحيح أن أثر الحاسد والعاين ينتهي بموتهما إلا أن القصة أعلاه غير تامة ولا دليل عليها من الشريعة ، وهي من الحرج الذي يتنافى مع الدين ، نعم وردت النصوص بأن يتوضأ الحاسد ويغتسل المحسود بالماء، قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي أمامة ابن سهل بن حُنَيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حُنَيف، وهو يغتسل، فقال: لم أر كاليوم ولا جلدَ مخبأة. فما لبث أن لُبِطَ به(13)، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: أدرك سهلا صريعًا. قال: “من تتهمون به؟”. قالوا: عامر بن ربيعة. قال: “علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يُعجبه فَلْيَدعُ له بالبركة”.
ثُم دعا بماء فأمر عامرًا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه، ودَاخِلة إزاره(14)، وأمره أن يصب عليه](15) أي أخذ ماء الوضوء فغسل وجهه ويديه به ظهر سهل بن حنيف وعنقه من الخلف .
والحديث مرسل لم يرد الحديث عن أهل البيت والصحابة الذين أتوا بسهل بن حنيف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسألهم بصيغة الجمع: من تتهمون به.
كما لم يرد عن سهل بن حنيف إنما ورد عن إبنه أبي امامة وإسمه أسعد بن سهل، الذي لم يقل حدثني أبي , ولد أبو أمامة هذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبل أن يتوفى بعامين .
وقيل بالتفصيل فاذا لم تعرف بالعاين والحاسد تأخذ بالرقية الشرعية أما إذا عرفته فتأخذ ماء وضوئه وتغتسل به.
ولا دليل على هذا التفصيل إنما ينفع القرآن والذكر في كل الأحوال، ويكاد الناس يتسالمون في كل زمان على أثر الحسد , وأخذ الحائطة من العين الشريرة، فكان الإغريق والرومان يتخذون البصاق لرفع شر العين، وقالوا: من الضروري البصق ثلاث مرات في صدر الشخص المصاب بسحر تلك العين، أي يكون البصاق على المحسود لإحتمال عدم معرفة الحاسد أو غيابه وكانوا يكرهون مدح الغير لهم ولما يملكون، وكانوا يضيفون على المدح عبارة دفع عين الشر، وهذا المعنى موجود عند الإيطاليين إلى الآن.
وعن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , قال: من رأى شيئاً من ماله فأعجبه فقال: {ما شاء الله لا قوة إلا بالله} لم يصب ذلك المال آفة أبداً ، وقرأ{ وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ }(16))(17 ).
وظن بعضهم أن العاين هو الذي يغتسل إنما الغسل أو الوضوء للعاين أو الحاسد، ويصيب المعين على نفسه منه، ومع الحرج يتلطف به من حيث لا يعلم، كدعوته للطعام والأخذ من ماء وضوئه أو سؤر ومع تلاوة القرآن.
1-سورة النحل 89
2- سورة الرعد39
3-تفسير الرازي 3/43
4-سورة الفلق 4
5-سورة الفلق5.
6-مجاز القرآن 1/132.
7- تفسير إبن كثير 8/538
8- سورة الفلق 1.
9- الدر المنثور10/397.
10- البحار 70/250.
11- سورة ابراهيم 7.
12- انظر الجزء الحادي عشر بعد المائة من تفسيرنا الذي خاصاً بتفسير الآية(144) من سورة آل عمران.
13- لبط بالرجل يلبط لبطاً إذا سقط بشدة كالمصروع، (ومنه حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خرج وقريش ملبوط بهم) أبو عبيدة/ غريب الحديث 2/112 .
14-،داخلة أزاره أي طرف إزار الحاسد من جهة الداخل مما يلي جسده، ولعل منه ما أدركنا من بعض العجائز يقصّن طرف ثوب الحاسد..
تفسير ابن كثير 8/203.
15- سورة الكهف 39.
16- الدر المنثور 6/356