بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطـائي
صاحب أحسن تفســــــــير للقرآن
وأستاذ الفقه والأصول والتفسـير والأخلاق
___________________ التاريخ: 3/3/2011
ترشح العلوم والبراهين عن الحديث الواحد للإمام الكاظم(عليه السلام)
بحث خاص لسماحة المرجع الشيخ الطائي بالمؤتمر السنوي الثاني للأمامين الكاظم والجواد عليه السلام
من خصائص الإمامة الإحاطة بعلوم التفسير والفقه وفق أعلى مراتب الكمالات الإنسانية بفضل من الله على المسلمين والناس جميعاً لعمومات رحمة الله بالناس في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإمامة أهل البيت، وتجدد معاني التبليغ والإنذار للناس بامامة موسى بن جعفر عليه السلام، وتجلي مصاديق مستحدثة من خزائن القرآن في بيانه وتفسيره، وعدم خلو الأرض من حجة .
ومن وظائف الإمامة جعل الإنسان يسعى في جلب المصلحة ودفع المفسدة عن الذات والغير، ودرء الشبهات عن التنزيل، ومنع الناس من التمادي في الذنوب والمعاصي، ليتحمل أئمة أهل البيت عليهم السلام في هذا السبيل الأذى والضرر والقتل، وقد جاء الإنذار والتوبيخ لأمم من المليين بقوله تعالى[لِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ] سورة البقرة91.
إذ أمر الله بالتصديق بالأنبياء وبالمعجزات التي جاءوا بها، وبإتباعهم ونصرتهم، ووردت الآية أعلاه بصيغة المضارع مع أنها ذم على فعل حدث في الزمن الماضي , لأن صيغة المضارع تطلق على الماضي إذا كان صفة مصاحبة وأن الخلف يقيم على مذهب وطريقة السلف، وفيه تحذير من إرادة قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودعوة للمسلمين للحيطة والحذر , وحفظ شخص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
ولم يكن الإنذار في مفهومه برزخاً دون قيام الإمام بالتبليغ رأفة بالأمة، وجذباً لها لمنازل الصلاح والتقوى، وكل منهم مشروع شهادة في سبيل الله والإصلاح في الأرض.
ولقد وردت الشهادة من الله عز وجل للمسلمين بقوله تعالى[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ]سورة آل عمران110، وسنتعرض في العام القادم إن شاء الله إلى جهاد الأئمة في بلوغ وتعاهد المسلمين لهذه المرتبة السامية , وقد أصدرت عشرة أجزاء من تفسيري للقرآن في صلة الآية أعلاه بعدد من آيات سورة آل عمران التي قبلها في منهج مستحدث يتألف من أكثر من ثلاثة ملايين جزء كلها في الصلة بين الآيات على العلماء في الأجيال اللاحقة إتمامه، ليكون مصداقاً من مصاديق قوله تعالى[وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ]سورة لقمان27، في زمان الكومبيوتر وتجدد علوم وذخائر القرآن في عالم خزن المعلومات اللامتناهي، وموضوعية نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومنزلة أهل البيت في بيان وتفسير آيات القرآن، وإستنباط العلماء في الأجيال المتعاقبة منها، وهو مصداق من مصاديق عدم إنقطاع علم التفسير والفقه، ودعوة لإستقراء المسائل من أحاديث السنة يمعناها الأعم الشامل لحديث المعصوم.
لقد أراد الله عز وجل أن يكون رسوله الكريم المبين لعلوم القرآن، والحجة في تفسير وإستظهار علومه ليترك هذا المقام السامي للأئمة من أهل البيت إرثاً علمياً مباركاً بنصوص منها حديث الثقلين المتواتر عند المسلمين , وفي رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاللا: (إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله عز وجل حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض) الدر المنثور2/401.
ومن أسرار الإمامة في الأرض ومقدمات تلقيها بالقبول عند المسلمين أن الحديث أعلاه مشهور ومعلوم عند أجيال المسلمين جميعاً، ليكون من الكلي الطبيعي وهو نفس الماهية المأخوذة لا بشرط شيء، والذي لم يمنع نفس تصوره عن وقوع الشركة فيه، فيدرك كل مسلم ومسلمة توجه هذا الخطاب النبوي لهما، ويتلقيانه بالقبول والرضا والتسليم بمقامات الإمامة لأهل البيت وإن كان هذا التسليم من الكلي المشكك الذي يختلف كثرة وقلة , وقوة وضعفاً، ويدل عليه نعت أهل البيت على لسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإسم(الخليفة) ليكونوا عدل القرآن إلى يوم القيامة وفيه تذكير وبيان للصلة بين الأئمة المعصومين وخلق آدم وبعثة الأنبياء ووراثتهم، وهو من عمومات قوله تعالى[إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً]سورة البقرة30، وليكون من وجوه تفضيل المسلمين أن إستدامة معاني الخليفة، متعددة ومترشحة عن أمور:
الأول: بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
الثاني: نزول القرآن.
الثالث: القرآن خليفة وإمام للمسلمين.
الرابع: خلافة أهل البيت.
ومن الآيات أن المسلمين وحكامهم وأولي الحل والعقد عندهم لم يقفوا عند التسليم بآية الولاية والمودة ونحوها وحديث الثقلين، بل كانوا يرجعون إلى الأئمة عليهم السلام في مشكلات المسائل وفي حال الإبتلاء والإفتتان، ليكون المائز بين حكام وعموم المسلمين وبين أصحاب الأئمة عليهم السلام وعموم الشيعة عموم وخصوص مطلق.
فالأصحاب الشيعة يرجعون للأئمة على نحو الموجبة الكلية، أما عموم المسلمين وحكامهم فيرجعون إليهم على نحو الموجبة الجزئية، وهناك من الشواهد ما يفيد رجوع الناس لهم ولو بالواسطة وهو من عمومات قوله تعالى في خطاب للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم[وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]سورة الأنبياء 106، بلحاظ ميراث النبوة وتركة الإمامة التي جعلها عند الأئمة من بعده، وبعث المسلمين للعمل بما يأتي به الأئمة وإن كان متعدداً ومتبايناً في ظاهره كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم(الحسن و الحسين ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا)مجمع البيان 8/138، في شهادة نبوية متقدمة زماناً على سلامة نهج الأئمة في أمور مجتمعة ومتفرقة وهي:
الأول: صلح الحسن عليه السلام مع معاوية.
الثاني: خروج الحسين وإسشهاده وأهل بيته في كربلاء.
الثالث: منهج الأئمة المعصومين عليهم السلام في الوقائع والأحداث، وإقتران دعوتهم لله وبيانهم للأحكام بالصبر والورع والزهد.
الرابع: تقيد الأئمة بسنن التقية وهي على شعبتين:
الأولى: التقية العامة ومنها التقية من أهل الكتاب والكفار.
الثانية: التقية المداراتية من طوائف المسلمين الأخرى بما يكون فيه تعاهد لوحدة المسلمين، ومنع الفرقة والتشتت وأسباب الوهن والضعف.
الخامس: دولة الإمام المهدي عليه السلام(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أبشركم بالمهدي يبعثه الله في أمتي على اختلاف من الزمان وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً…)الدر المنثور 9/186.
وقد راقنا حسن المنهج ومحاور هذا المؤتمر والتي إبتدأت بقسمين هما:
الأول: علوم القرآن.
الثاني: علوم الفقه.
ويأتي بحثنا هذا في حديث واحد للإمام الكاظم عليه السلام يتناول القسمين أعلاه مجتمعين ومتفرقين في مرآة لمعاني الإمامة ودليل على أنها أعم من التقسيمات الإستقرائية والمنهجية التي يعتمدها العلماء، وأهل الدراية والتحقيق، وفيه بيان لحقيقة علمية وهي إذا كان الحديث الواحد من الإمام الكاظم يستلزم دراسات في علوم متعددة، وتستنبط منه المسائل والدروس، فكيف بالثروة العلمية الهائلة التي تركها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكل واحد من الأئمة إلى جانب علوم القرآن غير المتناهية ونذكر الحديث أدناه وأسميناه حديث.
حرمة الخمر من القرآن
أبوعلي الأشعري، عن بعض أصحابنا، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن علي بن يقطين قال: سأل المهدي أبا الحسن عليه السلام عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله عز وجل فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها فقال له أبو الحسن عليه السلام: بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أمير المؤمنين، فقال له: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله جل اسمه يا أبا الحسن، فقال: قول الله عز وجل: ” قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والأثم والبغي بغير الحق” فأما قوله: ” ما ظهر منها ” يعني الزنا المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية وأما قوله عز وجل: “وما بطن” يعني ما نكح من الآباء لان الناس كانوا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وآله إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه فحرم الله عز وجل ذلك، وأما الأثم فإنها الخمرة بعينها وقد قال الله عزوجل وفي موضع آخر: “يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس” فأما الاثم في كتاب الله فهي الخمرة والميسر وإثمهما أكبر كما قال الله تعالى.
قال: فقال المهدي: يا علي بن يقطين هذه والله فتوى هاشمية قال: قلت له: صدقت والله يا أمير المؤمنين الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت قال: فو الله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي)الكافي6/583.
رجال الحديث
بخصوص علم الرجال ورد الحديث بطريقين والأول مرسل، ولكنه لا يعني ضعف الحديث لوروده بطريق آخر، ولقاعدة التواتر السندي التي اسسناها في علم الأصول وهي إذا ورد الحديث بعدة طرق مختلفة، وكانت ضعيفة فان بعضها توثيق لبعضها الآخر، ويكون هذا التواتر كالشهرة الرجالية أو الشهرة في الفتوى.
1- أبو علي الأشعري كنية لأحمد بن إدريس القمي شيخ الكليني الذي يروي عنه في الكافي كثيراً، قال فيه النجاشي : كان ثقة فقيهاً في أصحابنا كثير الحديث صحيح الرواية، مات بالقرى في طريق مكة سنة ست وثلاثمائة , وكذا قال عنه الشيخ الطوسي ويكفي توثيق النجاشي أو الشيخ الطوسي، ولا يلزم إجتماع توثيقهما، نعم إذا عارض توثيق أحدهما ذم وتضعيف الآخر سقط التوثيق.
2- علي بن إبراهيم له كتب منها كتاب التفسير، كتاب الناسخ والمنسوخ، كتاب الغازي كتاب الشرايع، كتاب قرب الإسناد.
وإجماع الرجاليين على أن علياً بن إبراهيم بن هاشم القمي فقيه في الحديث ثبت صحيح المذهب، ويحكم بوثاقة من شهد له علي بن إبراهيم إلا أن يكون هناك معارض يعتد به.
روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم الذي يعتبر أول من نشر حديث الكوفيين في قم.
3- الحسن بن علي بن أبي حمزة كوفي، مولى الأنصاري وإسمه سالم البطائني: طعن عليه، وروي أنه كذاب ملعون كان من وجوه الواقفة متروك الرواية، له كتب منها كتاب الفتن، فضائل القرآن، كتاب فضائل أم المؤمنين، كتاب الفرائض.
طعن فيه علي بن الحسن بن فضال وقال: أنه كذاب ملعون قال إبن الغضائري بضعفه، وقع الحسن بن علي بن أبي حمزة في إسناده عدة من الروايات تبلغ تسعة وأربعين مورداً منها عن أبي الحسن عليه السلام وأبي بصير.
وأبوه علي بن أبي حمزة وهو من عمد الواقفية قال فيه علي بن الحسن بن فضال، إنه منهم وأبو حمزة هو سالم أبو حمزة البطائني.
والواقفة هم آخر الفرق التي إفترقت عن الإمامة، وهم الذين وقفوا على موسى بن جعفر، وأنكروا إمامة علي بن موسى عليه السلام، ومن الواقفية من الغلاة قالوا بأن موسى بن جعفر لا يموت وأنه حي.
ولعله من أسباب النداء على الإمام عليه السلام عند وفاته: هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فأنظروا إليه) وخروج شيعة بغداد كلهم خلف جنازته بحال من الحزن والألم مما يدل على أنهم لا يقولون برفعه وبقائه حياً لم يمت.
ومن الواقفة من أنكر قتله وقالوا: مات ورفعه الله إليه وأنه يرده عند قيامه أي فيه سنة عيسى بن مريم.
منهم من قال أنه حي لا يموت حتى يملك الأرض قسطاً وعدلاً شرقها وغربها، وأنه خرج من السجن وإختفى عن السلطان، وأنه القائم المهدي وأعتلوا بروايات من أبيه أنه قال هو القائم المهدي.
4- أبو الحسن علي بن يقطين بن موسى البغدادي، سكنها وهو كوفي الأصل، مولى بني أسد، وكان أبوه يقطين بن موسى داعية طلبه مروان فهرب، وولد علي بالكوفة سنة أربع وعشرين ومائة وهربت أمه به وبعبيد أخيه إلى المدينة حتى ظهرت الدولة الهاشمية ورجعت.
مات في أيام موسى سنة أثنتين وثمانين ومائة بمدينة السلام بغداد، والكاظم عليه السلام محبوس في سجن هارون مدة أربع سنين، وكان جليل القدر، رفيع المنزلة عند الإمام الكاظم ويكفي في وثاقته أن الإمام الكاظم ضمن له الجنة ، وهو شابه أبوه في أمرين مجتمعين:
الأول: خدمة بني العباس.
الثاني: التشيع والقول بالإمامة.
وروى علي بن يقطين الكثير عن الإمام الكاظم، وقيل لم يرو عن الإمام الصادق إلا حديثاً واحداً، وهو: من أدرك المشعر فقد أدرك الحج) وفيه تأسيس لمدرسة من التخفيف والسعة وبيان المناسك وقاعدة نفي الحرج في الدين.
مناسبة الحديث
وقد توجه السؤال للإمام موسى بن جعفر الإمام عليه السلام عن الخمر من قبل الخليفة المهدي ومعنى الخمر في اللغة والإصطلاح متحد وهو ما أسكر، سميت به لأنها تخامر العقل أي تغطيه.
ومن الآيات في الشريعة الإسلامية بيان معنى الخمر وإنتفاء الإجمال فيه، لمنع الفرقة والإختلاف فقد يكون اللفظ متعدداً في دلالاته ومفهومه فيحدث الخلاف الشديد في تفسيره، وفي الأحكام الشرعية يأخذ الخلاف منحى أشد لتقوم التكاليف على المصاديق الموضوعية للأحكام , وترى كل دستور من دساتير العالم يكثر الخلاف في تأويله، وتعلو بين الحين والآخر الدعوات لتقييد بعض مواده أو أنه يعلق ويلقى بالكامل بسبب التزاحم والتعارض في مواده.
أما أحكام القرآن فإنها خالية من التعارض، وكذا بالنسبة للفظ القرآني , والعلاقة بينه وبين ما أستعمل فيه، ومعنى العلاقة في علم الأصول المناسبة ووجه الشبه بين المعنى الحقيقي للفظ والمعنى المجازي المنقول إليه)أنظر معراج 1/ 48 تقريرات بحثنا الخارجي في الأصول.
لقد جاءت الأسماء والأحكام في القرآن والسنة بالتعريف التام الجامع المانع، الجامع لأفراد الموضوع والمراد من اللفظ، والمانع من دخول غيرها معها، سواء في باب الوجوب أو الحرمة، ومنها تعريف الخمر.
والتعريف هو المعلوم اللفظي الذي يوصل إلى مجهول تصوري والذي يقع جواب(ما).
ويقسم التعريف إلى حد ورسم، ويأتي التعريف مساوياً لقصد المتكلم من اللفظ إذا كان بالحد التام الذي يقع بالجنس والفصل، ويتجلى في تعريفات السنة النبوية البيان والوضوح مع قلة اللفظ ففي الخمر قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: كل مسكر حرام)الكافي 6/586، وفي الربا مثلاً قال: كل قرض جر منفعة فهو ربا)المجموع شرح المهذب 13/171.
لقد أراد الله عز وجل إقامة الحجة على الناس في ثبوت مناهج الأحكام ودلالاتها الموضوعية إلى يوم القيامة، فعندما سأل المهدي العباسي الإمام الكاظم عن الخمر كان المتبادر من لفظ الخمر معروفاً عند الجميع، إنما أراد بيان القول الفصل من عين صافية , والحكم وهو تابع للموضوع.
وفي علم الأصول التبادر من علامات الحقيقة، والمراد منه إستباق معنى مخصوص من اللفظ من غير قرينة حالية أو مقالية، وقال المهدي للإمام: فإن الناس إنما يعرفون النهي عنه ولا يعرفون التحريم).
وبين النهي والتحريم عموم وخصوص مطلق، فكل تحريم هو نهي، وليس العكس لأن النهي يشمل المكروه الذي غالباً ما يأتي بصيغة(لا تفعل) وفيه وجوه منها:
الأول: الحرمة، لأصالة الإطلاق، وأن الكراهة تحتاج إلى مؤونة زائدة لما فيها من حصة إضافية وهي الإذن في الفعل.
الثاني: المعنى الأعم للحرمة والكراهة لإشتراكهما في النهي عن الفعل وأن كلاً منهما مركب، ويلتقيان بالمنع من الفعل والإذن فيه، وهما بعرض واحد من جهة الحاجة إلى المؤونة الزائدة فلا يصح التمسك بالإطلاق لإثبات الحرمة، ويكون النهي فيهما من الكلي المشكك الذي يكون على مراتب متفاوتة شدة وضعفاً، والشدة هي الحرمة، والضعف الكراهة.
الثالث:إرادة الكراهة، وتحتاج الحرمة إلى القرينة والدليل الإضافي , والمشهور والمختار هو الأول، وهذا الحديث يدل عليه.
ولم يقل الإمام في جوابه بالتساوي بين النهي والحرمة أو أن الأصل في النهي إفادة الحرمة إلا مع الدليل والقرينة الصارفة بل لجأ إلى القرآن للحجة والبيان , وفيه غنى وكفاية وأراد عليه السلام أن يعطي للخليفة والفقهاء درساً جامعاً في علوم القرآن والفقه وكيفية إستنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية، ومع أن المهدي العباسي في مقام الخلافة والسلطنة فأنه تصرف بأدب مع مقام الإمام (إذ قال: فإن الناس إنما يعرفون) فلم يقل له فأن الفقهاء، أو أن العلماء، وذكره للفظ الناس تسليم بالتباين بين منزلة الإمام الكاظم في العلم وبين غيره، ويدل عليه قرينة السؤال وإنتظار الجواب والإقرار بالحكم الذي قال به كما في خاتمة الحديث(هذه والله فتوى هاشمية).
لقد سأل الخليفة المهدي عن حكم الخمر في كتاب الله على نحو الحصر والتعيين، ولم يحتج عليه الإمام عليه السلام بأن السنة بيان للقرآن وأن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم قال بحرمة الخمر، وهو القائل(لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته ، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)الدر المنثور2/309 بل أجابه الإمام عليه السلام بأنها محرمة في كتاب الله، وفيه شاهد على حاجة الناس لبيان الحكم الشرعي، ثم ذكر تحريم الخمر بالجمع بين آيتين من القرآن، وهما قوله تعالى[قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ]سورة الأعراف 33، وقوله تعالى[يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ]سورة البقرة 219.
وتتصف الآيتان بأنهما خطاب للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , ذكر الأولى لينذر الناس إبتداء , ولزوم إمتناعهم عن المعاصي والذنوب الخمر وإجتناب الشرك بالله، والثانية إخبار عن سؤال المسلمين النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عن الخمر.
وفيه دلالة على الإبتلاء الشديد به، لتتقادم الأيام فيسأل الخليفة الإمام عن ذات المسألة.
وبين الإثم والخمر عموم وخصوص مطلق، فالإثم له مصاديق عديدة من الذنوب والمعاصي، (و قيل الإثم ما دون الحد عن الفراء)مجمع البيان 4/221، ولكنه أعم، قال الحسن البصري: الإثم الخمر، وزمان الحسن متقدم على زمان الإمام الكاظم .
وأنشد الأخفش:
شــــربت الأثم حتى ضل عقلي كــذالك الأثم يذهب بالــــــعقول)الكافي 6/583
وقال آخر:
نهانا رسول الله أن نقرب الخنــا وأن نشــرب الإثم الذي يوجب الوزرا
والظاهر أن تسمية الخمر بالإثم لكثرة أفراد الإثم فيها فهي بذاتها إثم ومعصية، ويترتب عليها إثم بفقدان العقل، وإرتكاب المعاصي والسيئات، والتذكير بأن الخمر هو الإثم باعث للنفرة من الخمر، وحث للمسلمين للإجتهاد في النهي عنها، وهو من عمومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبعد أن ثبت الإمام(عليه السلام): أن الخمر هو الإثم إستدل بقوله تعالى[يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ]سورة البقرة 219، وتحريم الإثم وفق القياس الإقتراني هو:
الكبرى: كل مايوجب الإثم فهو محرم.
الصغرى: الخمر يوجب الإثم.
النتيجة: الخمر محرم.
وتقدير الآية(يسألونك يا محمد) لتمضي الأيام ويسأل الخليفة الإمام المعصوم ذات السؤال مع التباين في الكيفية بعد تثبيت الآية القرآنية لحرمة الخمر، وذكر في أسباب نزول الآية أن جماعة من الصحابة أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال فنزلت الآية.
ويستقرأ من كلام الإمام عليه السلام الإطلاق في حرمة الخمر سواء من جهة المادة التي صنع منها، أو مقداره , وأثره وضرره .
وعن علي عليه السلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا احل مسكرا، كثيره وقليله حرام)بحار الأنوار63/494 ، ولم تكن الآية مقيدة بحال مخصوصة، أو بالأثر المترتب على الخمر وتعلق الحرمة بالذي يخالط العقل ويغطيه، بل جاء السؤال وكذا الجواب مطلقاً(يسألونك عن الخمر).
ولقد تلقى الصحابة الأوائل الآية أعلاه ودلالتها على الحرمة بالقبول والرضا، وقد تأتي أجيال ليثير بعض منهم الشكوك، ويظهر التردد خاصة وأن بعض الفقهاء حصر الخمر بنوع مخصوص وأنه عصير العنب إذا غلى، وربما جاءت الصناعات الحديثة بأنواع غريبة من الخمور وأسباب المعصية، ليأتي تعريف الخمر ببيان مصاديقه.
ومن شرائط التعريف التام والوافي مساواة المعرف، بالكسر لذات ومصاديق المعّرف بالفتح طرداً وعكساً، بحيث يصدق على كل أفراد المعرف وأن كانت مستحدثة، وأن يشملها ويكون مرآة لها لا يشذ فرد عنها خصوصاً وأن الأمر يتعلق في باب تعريف الخمر بحكم تشريعي جاء به كل الأنبياء، وهو حرمتها، وقد فاز المسلمون من بين أهل الملل بالتقيد بأحكامه، وهو من عمومات قوله تعالى[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ]سورة آل عمران 110.
وهل بيان وفتوى الإمام الكاظم عليه السلام من عمومات الآية أعلاه الجواب نعم، من وجوه:
الأول: بين الناس والمسلمين عموم وخصوص مطلق، فكل مسلم هو من الناس، وليس العكس، ومن مصاديق الآية أعلاه أن المسلمين يخرجون لأنفسهم ولغيرهم من الناس، وتحتمل إمامة أهل البيت في متعلقها وجوهاً:
الأول: إرادة المسلمين جميعاً.
الثاني: خصوص فرقة من المسلمين.
الثالث: الناس جميعاً.
والصحيح هو الثالث، فإمامتهم لكل الناس على إختلاف مشاربهم وأمصارهم، فإن قلت شطر من الناس إختاروا الكفر والجحود فكيف تكون إمامة الإمام لهم، والجواب من وجوه:
الأول: الإمتناع بالإختيارلا ينافي الإختيار.
الثاني: الإمامة هي الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا، أرادها الله ضياء ملكوتياً ينير دروب الهداية للناس.
الثالث: بقاء الإنسان في منازل الكفر أمر متزلزل فهو في معرض التوبة والإنابة، بينما يكون المؤمن في مراتب الثبات على الهداية والرشاد.
الثاني: جاء الإستدلال من الإمام عليه السلام بالآيات بالواسطة، وكذا يتخذ الإمام عليه السلام أثر الخمر ما تسببه من الفرية والتعدي لحد شارب الخمر، عندما سأله الخليفة الثاني.
وهذا السؤال من الإقرار العام عند الصحابة بقول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم(أقضاكم علي)تفسير القرطبي 15/ 143، ومقام القضاء أرفع مقامات العلم لما يستلزمه من الإحاطة بالأحكام والسنن.
الثالث: بيان موضوعية رجوع الأمة إلى العالم، وأخذ الفتوى والحكم منه، بالدليل من القرآن والسنة.
الرابع: تصدي الإمام الكاظم عليه السلام للفتوى بمسألة إبتلائية وفي مجلس الخليفة والسلطان، مع وجود أهل الحسد ولم يرد أحد عليه , ولو دار الأمر بين حضور علي بن يقطين وحده الحديث والفتوى، أما كان غيره موجوداً معه , فالأصل هو الثاني لوجود القواد والكتاب والحجاب وغيرهم.
وليس من سبيل لرد الفتوى لتكامل شرائط الحجة وفي حديث البصري عن الإمام الصادق عليه السلام: و اهرب من الفتيا هربك من الأسد، ولا تجعل رقبتك للناس جسرا)البحار 1/226، ولم يهرب إبنه الإمام الكاظم من الفتوى، مما يدل على التباين بينه وبين غيره من الناس فلابد للإمام من الفتوى، ويخرج بالتخصص من الحديث أعلاه لوظائف الإمامة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو منهاج الأنبياء.
وكان الإمام الصادق عليه السلام يقوم بالإفتاء والقضاء وبيان الأحكام وحديث أم خالد العبدية وقولها للصادق(عليه السلام) قد قلدتك ديني)الوسائل25/325، معروف.
ليأخذ الإمام الكاظم عليه السلام شؤون الرئاسة العامة بين الناس بعد أبيه، ويكون جوابه للمهدي العباسي من الدلائل أنه الإمام من بعد الصادق عليه السلام.
إن سؤال المهدي للإمام الكاظم أمارة على إقراره بهذه الإمامة لاسيما وأن أبا جعفر المنصور كان يقر ويعترف بوجود إمام في بيت النبوة وأن هذا الإمام هو جعفر بن محمد، وقيل أنه عندما بلغه إنتقال الإمام الصادق إلى الرفيق الأعلى بكى وسالت دموعه على خديه وأرسل على كاتبه في منتصف الليل وأمره أن يكتب إلى والي المدينة لينظر إلى من أوصى جعفر بن محمد فيقتله.
وكانت قصة تلك الوصية آية في أسرار الإمامة، وواقية ملكوتية في حفظها وإستدامتها ومن الأمارات التي تؤكد طلب الإمام الكاظم من قبل جنود السلطان خشيته من إعلان إمامته والجهر بها حتى بين عامة الأصحاب، وتناقل الخواص منهم أمرها بالحيطة والحذر بعدما أدركوا بالبينة أنه الإمام من بين إخوته من أبناء الصادق عليه السلام إلى جانب الإشارة له من قبل الإمام الصادق، ومع هذا تنتفي الخشية في مقام الفتوى وبيان حكم شرعي في مسألة إبتلائية عامة.
وصل الإفتتان بمسألة الخمر إلى راس الحكم والسلطنة، مما يهدد بعموم الفساد، ولبيان حينئذ من عمومات قاعدة دفع الضرر المحتمل، كما تجلى مرة أخرى عندما سأل الخليفة المعتصم الإمام الجواد عن موضع قطع السارق فكان سبباً في دس السم له على رواية، ومما هو ثابت في الشريعة أنه لا تقليد في الضروريات كوجوب الصلاة على نحو الإطلاق، والصوم مع الصحة والحضر، والحج مع الإستطاعة، وكذا في اليقينيات للبيان الذاتي فيهما، إنما يكون التقليد والإجتهاد طريقين لدرك الواقع، والحكم الظاهري عند غياب الحكم الواقعي.
لقد إتخذ الإمام الكاظم عليه السلام من بلاط السلطنة والأمرة الدنيوية على المسلمين منبراً للإمامة العامة وبيّن الحكم بما يفيد اليقين في حرمة الخمر، ويكون تفسير الإمام للآية مدرسة للمسلمين عموماً بتأكيد حرمة الخمر من القرآن بالدليل القاطع، قال تعالى[إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ]سورة الأسراء9.
أهداف هذا المؤتمر في حديث واحد
ومن النكات في المقام أن أهداف هذا المؤتمر الثلاثة تتجلى بجواب الإمام الكاظم عليه السلام للخليفة العباسي من وجوه:
الأول: كان الهدف الأول هو بيان أهمية تراث الإمامين عليهما السلام للأجيال فكرياً وإنسانياً وجواب الإمام تأسيس لعلم قائم بذاته يرجع له الناس وفي الخبر(عن عمرو بن سعيد بن بلال قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ونحن جماعة فقال: كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي)البحار65/178، وفي إستدلال الإمام عليه السلام في مسألة إبتلائية في كل زمان وهو حرمة الخمر موعظة للأجيال، ومدرسة فكرية وعقائدية، وفيها تهذيب للأخلاق، وإستمرار للأخوة بين المسلمين،والصلاح بين الناس بنبذ ما يفقد العقل وما يكون فيه الإسراف والتبذير.
إن الأثر المترتب على حديث وفتوى الإمام عند الخليفة وفي موضوع حرمة الخمر توليدي تتفرع عنه مسائل عديدة منها ما هو ثابت ومنها ما هو متجدد، قال تعالى[ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ]سورة آل عمران34.
الثاني: ذكرت لجنة المؤتمر الهدف الثاني للمؤتمر وهو المساهمة في نشر فكر الإمامين واثره في بناء المجتمع،والإمام الكاظم عليه السلام هو أول من ساهم في نشر هذا الفكر المبارك من منبر الرئاسة والسلطنة وظهر أثره ونفعه في الحال بتلقي المهدي العباسي للحكم بالقبول والرضا والإنصياع، وفيه دعوة للناس من أتباع الإمام وأتباع السلطان بالتقيد بالحكم في الرحمة الإلهية في وظائف الإمامة وترغيب بها لحسنها الذاتي وبركتها وثوابها في النشأتين.
إن أوامر الأئمة وبيانهم للأحكام ينتفع منها المسلمون مطلقاً رجالاً ونساءاً، والمؤمنون منهم وغير المؤمنين.
وبين الإيمان والإسلام عموم وخصوص مطلق، وكل مؤمن هو مسلم، وليس العكس قال تعالى[قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ]سورة آل عمران34.
الثالث:الهدف الثالث الذي ذكر(تنشيط حركة البحث العلمي) وقد أسس الإمام عليه السلام لهذه الحركة في حديث البحث بانتهاج علم جديد وهو إظهار التكامل في آيات الأحكام في القرآن، وبيان حقيقة وهي أن الحكم الشرعي لا ينحصر بآية واحدة فقد يستلزم الجمع بين آيتين أو أكثر.
ومن فلسفة الإمامة أنها ضياء ينير دروب الهداية والتدبر للعلماء والناس جميعاً، فاهداف المؤتمر تتجلى في حديث واحد للإمام الكاظم، وكذا بالنسبة للسنة المباركة القولية والفعلية والتقريرية، وقد أضفت قسيماً رابعاً لأفراد السنة الثلاثة أعلاه وهو السنة التدوينية وهي باب من العلم يتضمن رسائل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى هرقل وملك الروم وكسرى ملك فارس وإلى النجاشي وملك اليمن، ورسائله إلى الأمراء والحكام، وكذا مدرسة كتب وفتاوى ورسائل الأئمة عليهم السلام، وما فيها من الدلالات والحجج.
ولو ذكرت هيئة المؤتمر أهدافاً أخرى غير الثلاثة التي ذكرتها فهل يمكن إستنباط دلالاتها من ذات الحديث الجواب هذا أمر ممكن، لتتبين معاني ودلالات في ميادين متعددة من العلوم في الحديث الواحد للمعصوم.
وإذ ذهب الفارابي وابن خلدون إلى إحصاء العلم فان أهل البيت عليهم السلام قالوا بعدم حصره لعظيم فضل الله على الناس، وعن النبي صلى الله عليه وآله: العلم أكثر من أن يحصى)بحار الأنوار1/219، وفيه مسائل:
الأولى: تأكيد عظيم فضل الله على الناس وسعة رزقه وواسع رحمته.
الثاني: انه من عمومات قوله تعالى[عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ]سورة العلق5، بتقريب وهو إستمرار فتح باب العلم على الناس وهو الذي يدل عليه الإرتقاء العلمي في هذا الزمان.
الثالث: بعث المسلمين للسعي في مسالك العلم والتحقيق، والإنتفاع الأمثل منه.
الرابع : زجر الناس عن الإفتتان بآثار العلم، أو إتخاذها سبباً للمعاصي وإرتكاب السيئات مما يكون سبباً لنزول البلاء.
مسائل وغايات في هذا الحديث
وكل علم ماهية مركبة حقيقية له مسائل متعددة، وأختلف في تمايز العلوم على وجهين:
الأول:تباين الموضوعات وهو المشهور.
الثاني:تمايز الأغراض.
وتجلت في الحديث وجواب الإمام عليه السلام مسائل متعددة من علوم مختلفة منها:
الأول: علم التفسير.
الثاني:علم الفقه.
الثالث:علم الأصول، للإستنباط الدقيق في الحديث.
الرابع:علم الأخلاق لما في الحديث من تهذيب للنفوس وإصلاح للأخلاق، ومنع من الفسوق (وعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعثت لأتمم مكارم الأخلاقمجمع البيان10/75.
خصوصاً وان البيان في الحديث لم ينحصر بموضوع الخمر وحرمتها، فقد ذكر الإمام مصاديق الفواحش ليؤكد على حرمة الزنا وهذا التأكيد زجر عنه في مقامات السلطنة كيلا يشيع بين العامة، ويختل نظام الحكم وأمور المعاشات، ويضعف الجيش عن الدفاع عن ثغور المسلمين.
فمن الأغراض في بيان الإمام للحكم إصلاح أمور المسلمين، وللإمام السجاد دعاء خاص إسمه(دعاء أهل الثغور)انظر شرح الحديث في كتابنا الموسوم(فلسفة الإمامة في الصحيفة السجادية) 4/75-150، مع أن الحكم آنذاك بيد بني أمية، كذا الإمام الكاظم عليه السلام فقد كان عالم الأمة في زمانه وقام ببيان الأحكام، فلا غرابة أن يسمى من بين الأئمة بالعالم، ومن أسرار الإمامة أن هذه التسمية، جاءت على لسان الإمام الرضا عليه السلام الذي كان (يقول:واروي عن أبي العالم)بحار الأنوار93/79.
ومن ضروب البديع(الإدماج) وهو مبحث لطيف بان يقوم المتكلم بدمج بديع في بديع، أو مفهوم في موضوع، أو غرض بعيد في غرض ظاهر ومتعارف، وأستدل عليه بقوله تعالى[لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالآخِرَةِ]سورة القصص70.
فمع المطابقة أدمجت في الآية المبالغة في الحمد، لأن الله أفرد نفسه بالحمد وأنه وحده يستحق الحمد ولا يحمد سواه.
وتتعدد الغايات الكريمة في جواب وفتوى الإمام لتتخذ صيغ الصلاح وإقامة الحجة على حاجة الناس للإمامة، وتأديب الأمراء بلزوم الرجوع للأئمة من أهل البيت، وأن السلطنة والحكم آنذاك أمر لا يرقى إلى مرتبة الإمامة، وفي الحديث تعظيم لشعائر الله، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
لقد بيّن الحديث إمامة الكاظم وتصديه لمشكلات المسائل، بالغوص في خزائن القرآن، وعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حديث في وصف القرآن: من قال به صدق،ومن حكم به عدل)نهاية الأرب5/135.
(وفي خبر مسعدة بن صدقة: سئل ابو عبد الله عليه السلام ( عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، أواجب هو على الامة جميعا • قال: لا قيل: ولم قال:وانما هو على القوي المطاع، العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعفة الذين لايهتدون سبيلا إلى أي من أي، يقول : من الحق أم من الباطل ، والدليل على ذلك من كتاب الله، قول الله[وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُإعجاز الآية الذاتي
إعجاز الآية الغيري
مفهوم الآية
بحث اصولي
الآية لطف
إفاضات الآية
الآية بشارة
الآية إنذار
الآية موعظة
الآية رحمة
الحاجة الى آية البحث
النعم التي تذكرها آية البحث
أسباب النزول
من غايات الآية