الصلاة والصحة

الصلاة والصحة
معافاة البدن من العلل والأمراض سبب للتمتع بالحياة وزيادة ايام العمر، وقد أولى الإسلام صحة البدن ونظافة الجسد أهمية شرعية وجعل لها قواعد وأحكاماً وكانت بعض وجوهها مقدمات واجبة للعمل العبادي تخضع فيها الاعضاء إلى عملية تنزيه وتنقية وتتصف بالدقة ويشترط فيها بلوغ مرحلة التمام والإنجاز.
ففي كثير من الحالات يأتي الغسل لجميع أعضاء الجسم واجباً لا يمكن العدول إلى غيره إلا عند الضــرورة وســاعة العجـز وتعذر الوصول إلى الماء، وبالحصول عليه تزول أسباب الطهارة البدلية بالتيمم بالتراب.
 ولما كان جلد الإنسان طريقاً لنقل العدوى وخاصة تلك الأعضاء المكشوفة منه جاء الوضوء وغسل الوجه فيه واليدين والأعضاء الأخرى عدة مرات في اليوم وقاية للإنسان من العدوى ومنعاً لإنتقال الأمراض بازالة ما وصل إلى تلك الاعضاء وما حولها من اوساخ، ونظافة فتحة الفم والانف والاذن من مكروبات العدوى ونحوها من اسباب المرض الخارجية.
ويجدد الوضوء نشاط الإنسان وجهازه العصبي ويساعده على التفكير وسلامة الرأي ويبعده عن الخمول وأسباب الكسل ويجعله اكثر إستعداداً للعمل وتحمل مشاقه، وفيه تنبيه لما في الجلد من العصب لينتقل أثره إلى بقية الأعصاب وغدد الجسم فينشطها، والى الأعضاء والأجهزة الداخلية فتقوم باداء وظيفتها وإفراز ما يحتاج اليه البدن.
ان عالم الوضوء مرحلة تفصل بين الدنيا وهمومها ومشاغلها من جهة وبين الفعل العبادي المطلق من جهة أخرى، ولما كان الأخير يحتاج إلى حالة انقطاع إلى الله عز وجل وصدق في التوجه إلى طاعته والوقوف – بدناً وقلباً وروحاً – بين يديه تعالى، يأتي الوضوء ليساهم في خلق حالة إستعداد نفسي في هذا البناء العظيم في حياة العبد وموقفه يوم القيامة، ويساهم في إبتعاده عن مشاغل الدنيا وما فيها من ضغط على صحته وإرباك لعافيته ودورته الدموية.
وللصلاة فوائد كثيرة تتعلق بصحة الإنسان الجسمية والنفسية منها تجديد الدورة الدموية وتنشيط النفس وإزالة الخمول وطرد الكسل وفتور الاعضاء، ولقد اثبت الطب الحديث أن الصلاة تساعد على خفض الضغط العالي، ومن المناسب إرشاد مرضى الضغط العالي الى المحافظة على أداء الصلاة وإقامتها والإتيان بافعالها بتؤدة وأناءة، وإعتبار أفعال الصلاة منشطة للهضم وجهازه أمر يؤكده طب الأبدان والوجدان.
وقد أظهرت الدراسات الطبية إنخفاض ضغط الدم أثناء الصلاة الأمر الذي يساهم في إعانة القلب على أداء وظيفته ويؤدي إلى الحد من زيادة ضرباته وكثرتها، وتزيل توتر الجهاز العصبي لتخلصــه ســاعتها من اسباب التوتر وحالته، وتحد حالة السكينة والخشـــوع بين يـــدي جبار السماوات والارض من ثورته، ويشــفيه الذكر والخضوع للباري من إضطرابه وما يسببه من أمــراض كالأرق الذي ثبت أن الصــلاة علاج له.
ولصلاة النوافل في ليالي شهر رمضان أهمية خاصة في هذا الباب اذ أن الركوع والقيام يقوي عضــلات الظـــهر والمعدة مما يســـاعد في إزالة ما على جدار المعدة من دهــون وشـــحوم، أما الســـجود فيقوي عضلات الفخذين والساقين، ويسهل وصول الدم الى أطراف الجسم ويقوي جدار المعدة وينشط حركة الأمعاء ويساهم في الوقاية من مرض تمدد المعدة بما يسببه من تقلصات في عضلاتها وحركة في الحجاب الحاجز.
وتعتبر الصلاة فاتحة للشهية بما تتضمنه من حركات وأفعال بدنية متجانسة في تناسقها وما تخلفه من صفاء النفس وإرتقاء في توجهات مداركها للتفاعل بانسجام مع نصيحة الاطباء للإنسان بعدم تناول الطعام عند الإجهاد أو في حالة الإرهاق وتعب الأعصاب وضرورة الحرص على وجود فاصل زمني للراحة والهدوء والتخلص من العناء كمرحلة تسبق تناوله، والصلاة هنا سلاح ذو حدين وهي الأنفع للإنسان في تهيئة بدنه لإستقبال الطعام، وفيها بالعرض رياضة بدنية في وقار وإتزان تتحرك ساعتها الأطراف لتبلغ في سريان تأثيرها جميع العضلات والمفاصل والعظام التي يتكون منها الجسد.
ان الوقوف بين يدي الله عز وجل خمس مرات في اليوم سلاح وحصانة من العقد النفسية وأعراضــها وما تؤدي اليه من إخفاق في الحياة أو قنوط واكتئاب، وتبعــد الصلاة الإنســان عن اليأس والكبت وما يسببه من أمراض فهي تنمي عنده ملكــة الصبر وإرادة التوكـل وحالة من الإستقرار النفسي في مواجهة مشاكل الحياة وتحديات الأيام وتخلق في نفسه العزيمة على الإستمرار في العمل الدؤوب، وهو يعلم أن الأمر كله بيد الله ، إذ نذر نفســـه للوقوف خاشــعاً بين يديه سـبحانه فلا يجد الهم والغم والحزن في نفســه مستقراً ولا مقاماً ، فاذا داهمه أمر فزع أو تعرض إلى ظلم أو جـــور سارع إلى الصلاة وتفويض الأمر إلى الله عز وجل.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حزبه أمر – أي إشتد عليه – إلتجأ إلى الصلاة مبادراً ليفر إلى الله عز وجل، وترى المسلمين إذا نزلت بهم نازلة بادروا بالنداء إلى صلاة جامعة لما في صلاة الجماعة من آفاق روحية ونفسية مشرقة.
وفي أوقات الصلاة وتحديد ساعة الفضيلة لكل فرض منها منافع في صحة الانسان وأسباب سعيه وكسبه ويظهر تأثيرها على سلامة البدن والنفس في الواقع اليومي للانسان واضحاً، فصلاة الصبح طرد لكسل وسكر النوم عن الجسم وإستثمار لنقاء الجو في بداية نشاطه ساعات النهار والتفكر بخلق السموات والأرض عند الفجر وساعة شروق الشمس، وعن الامام الباقر ?قال: "وقد نهى الله عز وجل المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني من النوم"( ).
وتحل صلاة الظهر ساعة زوال الشمس عند الظهيرة وسيطرة التعب والعناء على البدن لتنتزعه وتخلصه من آثارهما الجسمية والنفسية ليعيش ساعة مباركة في الذكر والتسبيح في زكاة بدنية مقدرة وثابتة، لتكون مصداقاً للقاعدة العقائدية وهي ان الزكاة نماء وزيادة، وتحل الصلاة مرة اخرى وبصفة الوجوب الجديد المستقل بصلاة العصر وقد اخذ التعب ينتشر بسرعة في البدن ويدب الكسل في أعضائه وقد اشرف يوم العمل على نهايته.
وتأتي صلاة الغروب بهالة قدسية وهيبة وجلالة خاصة لتختم يوم الإنسان ونهاره بالإنقطاع إلى الله عز وجل ولتتعانق صلاته وفعله العبادي مع رحيل الشمس توديعاً لها وإستقبالاً لسكون الليل وعالمه الخالي من التعب والعناء.
وتطرأ صلاة العشاء كثروة ملكوتية في بدايات الليل فيواجه العبد ما حوله من ظلمة بتكبير الله وتجديد الشهادتين ويستقبل سكون الليل باعلان الإخلاص في التوحيد ليكون خاتمة يوم مبارك، ويتخذه وقاية وسلاحاً لطرد الأوهام والأرق ساعات الليل وما يذهب النوم عن العين من أحلام يقظة وآمال ومشاريع وغيوم تبددها الصلاة باعتبارها عنواناً للتوكل على الله والرضا بقضائه وقدره لتعيش النفس ساعات الليل في طمأنينة وسلامة بال وصفاء ذهن، وتتغشى البدن الراحة والسكينة والطمأنينة وتكون لصلاة العشاء ونافلة الليل منافع توليدية وبركات تترشح على اليوم التالي بجلب رزق أو دفع بلاء.
     وقد ثبت في العلوم العقلية ان تكرار الفعل يؤدي الى حصول الملكات، لذا فان وجوب التلاوة في الصلاة آية إعجازية لا يعلم منافعها وغاياتها الا الله تعالى، وان كان شطر من أسرارها يتجلى في الواقع اليومي والعملي للمسلمين، ويظهر في مجتمعاتهم، والتكرار في الصلاة متعدد ، وهو على وجوه:
الأول: تكرار التلاوة مع الإتحاد والتعدد في الآيات، إذ تتحد وتتشابه قراءة سورة الفاتحة في الركعة من الصلاة، بينما تأتي قراءة سورة وآيات إختيارية بعدها، وفيه مسائل:
الأولى: تنمية ملكة الحافظة عند المسلم والمسلمة.
الثانية: القراءة في الصلاة حرب على النسيان، وطرد له من الأذهان.
الثالثة: تبعث القراءة على الحرص على إستحضار الآيات القرآنية، وتلاوتها على الوجه الأتم والأكمل.
الرابعة: في القراءة حث على التعلم، ودراسة القرآن.
الخامسة: يترشح عن القراءة التدبر في معاني الآيات القرآنية.
السادسة: الإلتفات الى وجود أسرار في تقسيم القرآن الى سور وآيات.
السابعة: إتصال وإستدامة الإحتراز من السيئات وفعل الفواحش، قال تعالى [إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ] ( ).
الثامنة: الصلاة دعوة للوحدة الإسلامية وتعاهدها سواء في كيفية أدائها أو في وظائفها أو في صلاة الجماعة، وما فيها من مضامين الوحدة، ومن الآيات ان موضوع الوحدة في الصلاة ، هو الإمتثال والخضوع والخشوع لله تعالى.
الثامنة: الصلاة من مصاديق التقوى التي جاءت بها الآية السابقة [ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ] فتلاوة القرآن في الصلاة آية من آيات التقوى في الأرض، ينفرد بها المسلمون على نحو يومي متجدد، ففي كل يوم يعلن المسلمون إمتثالهم للأوامر الإلهية، وتصديقهم بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم  بالقول والفعل.
التاسعة: تتجلى آثار التلاوة اليومية المتكررة في الصلاة على منطق وكلام المسلم والمسلمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإجتناب الأخلاق المذمومة، والألفاظ القبيحة، والغيبة والنميمة.
العاشرة: في أداء الصلاة اليومي مجاهدة في الله وجذب النفس الى الصلاح والهداية، وقهر النفس الشهوية.
الحادية عشرة:  يمنع تكرار الصلاة من الكسل والقنوط، ويتجلى هذا المنع في ذات الصلاة وادائها، وكيفيتها، وأوقاتها، فمن الآيات ان صلاة الصبح بعد طلوع الفجر، لتطرد النعاس من الإنسان، وتبعث محل النشاط، وتجعل المسلم يقبل على يومه بغبطة وسعادة وأمل بانجاز الإعمال والسعي في الحوائج الدنيوية والآخروية، وكذا الصلوات اليومية الأخرى، الظهر والعصر والمغرب والعشاء فهي تنفي الكسل، وتبعث على العمل وتحيبه الى النفس.
الثانية عشرة:  في تكرار الصلاة إستدامة لحال الفتوة والقوة في البدن عند المسلم والمسلمة، فتلازمهما الصلاة من حين سن التكليف لتكون صاحباً كريماً لايغادرهما يشعران معه أن الحياة اليومية تتجدد بذات الصورة الإيمانية.
الثالثة عشرة: تكرار الصلاة يومياً يساهم في تنمية ملكة غض البصر الى ما حرم الله، إذ ينقطع المسلم والمسلمة في الصلاة الى الله تعالى، ويكون بصرهما الى محل السجود ونحوه، وتنعكس عليه أمارات وآثار الخشية من الله تعالى في ساعات النهار والليل الأخرى، فمن الآيات في الشريعة ورود قوله تعالى [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ] ( )، وتأتي الصلاة كفريضة عبادية لتؤدي طوعاً وانطباقاً إلى الإمتثال للأوامر الإلهية بغض البصر ، فيشترك القرآن والسنة النبوية والفريضة العبادية في ماهية فعل المسلم.
الرابعة عشرة: بخصوص المعنى اللغوي للصلاة، هناك وجوه:
الأول: على القول بأن اتيان المسلم للصلاة يجعله دعاءً، لايمر عليه يوم او شطر من يومه وليله من غير دعاء، بالاضافة الى تضمن القراءة الواجبة في الصلاة الدعاء، كما في قوله تعالى [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] ومن اسماء سورة الفاتحة التي تقرأ في كل صلاة واجبة سورة الدعاء.
الثاني:  على القول بان اصل الصلاة هو التعظيم، فان اداء الصلاة اليومي المتكرر ينمي عند المسلم والمسلمة ملكة التعظيم لله تعالى، والتقديس لمقام الربوبية، ويمنع من تسرب الشك والريب الى النفس.
الثالث: وعلى المعنى الذييفيد أن أصل الصلاة هو اللزوم فان تكرار الصلاة كل يوم يؤكد لزوم تعاهد المسلمين والناس جميعاً عبادة الله على نحو يومي، وعدم التفريط بها.
الرابع: وعلى القول بان الصلاة مشتقة  من (المصلي) والمراد منه السابق المتقدم، فان تكرار أداء الصلاة يجعل المسلم يشعر بتفضيل الشريعة الإسلامية من بين الملل، وان أداء الصلاة طريق المسارعة الى دخول الجنة وهو من التسابق في الخيرات.
الخامس: ذكر ان الصلاة من صليت العود بالنار ليكون ليناً، وفي تكرار الصلاة تأديب للنفس الإنسانية وبقائها في منازل الخشوع والخضوع.
الخامسة عشرة: الصبر منزل من منازل السالكين، ومقامه من مقامات الأولياء الصالحين، ويحتاج الى معارف نظرية ، وحال من التقوى تكون عوناً وسلاحاً في سبل الصبر.
 ومن اهم المواضيع التي تنمي ملكة الصبر الصلاة، قال تعالى [وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ] وكما ان الصلاة مدرسة النبوة فكذا الصبر، وقد شرف الله تعالى الإنسان بملكة الصبر، وتأتي الصلاة اليومية لتكون لجوء الى الله ، وصبراً عن زينة الدنيا والفواحش، والصبر في جنب الله، فلو داهمت مصيبة أو أمر مفزع المسلم فانه يلجأ الى الصلاة طوعاً وقهراً  لأن أوقات الصلاة اليومية الخمسة تستوعب النهار واطراف الليل لتكون باعثاً على السكينة والتحمل والفزع الى الله تعالى.
 ومن الآيات أن اكثر البلاء والأذى يأتي في النهار وساعات العمل لذا كانت  اكثر الفرائض اليومية في النهار وأطرافه ، لتكون دعوة وموضوعاً للصبر ومجاهدة النفس، وطرد الكدورات الظلمانية، وسبباً لإقتباس المدد من صلاة الجماعة ، واتيان المسلمين الصلاة واللجوء المشترك الى الله تعالى.
ويسبح القلب في عالم الملكوت، ويتدبر الآيات حال الركوع والسجود ، ويدرك معها الانسان [أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا]، وقف رجل على الشبلي، فقال أي صبر أشد على الصابر،  فقال الصبر في الله،  قال لا، قال الصبر لله ، قال لا ، قال الصبر مع الله ، قال لا،  قال فأيش ، قال الصبر عن الله فصرخ الشبلي صرخة كادت روحه أن تتلف.

مشاركة

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn