بحث لغوي
ينقسم الإسم الى قسمين:
الأول: إسم العلم، وهو الذي يدل على فرد مخصوص على نحو التعيين، ولم يوضع لإثنين أو أكثر في وقت واحد، ولا يخل بهذا التعريف الإتفاق والصدفة والإلتقاء في الإختيار أو حصول المحاكاة في ذات الإسم كما في إسم محمد، الذين يمكن إعتباره أكثر الأسماء إنتشاراً، وإختياراً لإرادة التبرك والمحاكاة بإسم سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وينقسم إسم العلم إلى عدة أقسام:
الثاني: إسم الجنس، وهو اللفظ يشمل أفراد جنسه على نحو العموم الإستغراقي، ولا يختص بفرد دون آخر من جنسه مثل: رجل، قلم، بلغة التنكير وإرادة الكلي في المعين، وينقسم إلى قسمين:
الأول: إسم الجنس الجمعي وهو الذي يتضمن معنى الجمع ليدل على الجنس كله مثل، تفاح، دار، ويؤتى بمفرده بإضافة التاء أو ياء النسبة فيقال: تفاحة،، دارنا.
الثاني: إسم الجنس الإفرادي، والذي يدل على الجنس، مما ليس معه فرد لا بإضافة تاء ولا ياء النسبة، وجاءت الآية بلفظ النصر وهو إسم علم جنس يطلق على أفراد جنسه كلها لبيان إنحصار النصر وأسبابه بالله عز وجل فهو سبحانه الذي يجعل أحد الطرفين أو أحد الأطراف منتصراً، ولا ينحصر النصر الإلهي بحال بداية وإستدامة المعركة، بل يكون النصر والفضل الإلهي في المقام على وجوه:
الأول: تهيئة مقدمات وأسباب النصر.
الثاني: جمع الأعوان والأنصار لتحقيق النصر.
الثالث: دفع الذي يريد الله نصره إلى مواطن القتال، ومنازل الإمامة.
الرابع: لا ينحصر النصر الإلهي بميادين المعارك، بل يشمل حال السلم والحرب.
الخامس: بعث العز ومعاني الرفعة في نفوس المسلمين.
لما جاءت الآية السابقة بالحث على الصبر والتقوى والإخبار عن كونهما مقدمة لنزول الملائكة مدداً ونصرة للمؤمنين، إذا رجع الكفار، جاءت هذه الآية للإخبار عن إنحصار النصر بيد الله، ولايستطيع غيره سبحانه جلب النصر للمقاتلين.
ويفيد الجمع بين الآيتين أموراً:
الأول: الحث على التقيد بأحكام الصبر والتقوى، الصبر في ميادين القتال وعند الشدائد وفي حال الرخاء، والحرص على أداء العبادات.
الثاني: إرتقاء المسلمين في المعارف الإلهية، وتفقههم في الدين، وإدراك نيل النصر على الأعداء بطاعة الله ورسوله.
الثالث: سواء رجع الكفار إلى المعركة او لم يرجعوا فان النصر حليف المؤمنين، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه سيرجعون سالمين غانمين إلى المدينة المنورة.
وفي الآية مسائل:
الأولى: يتعلق موضوع هذه الآية بالآية السابقة، لذا جاءت بالضمير الهاء (وماجعله الله) في إشارة إلى المدد الملكوتي الذي يبعثه الله لنصرة المؤمنين.
الثانية: بيان فضل الله عز وجل على المؤمنين بالمدد الملكوتي.
الثالثة: الإخبار عن منافع البشارة الملكوتية، فهي بذاتها خير محض، ونفع دائم، وحتى إذا لم يرجع الكفار للقتال، ولم ينزل الملائكة للنصرة فان هذه الآية بذاتها البشارة، ومن الآيات أن تكون كلتا البشارتين من السماء، مع إتصاف البشارة القرآنية بالبقاء في الأرض إلى يوم القيامة، لتحكي حال المؤمنين يوم أحد وفضل الله عز وجل عليهم بالنصر والغلبة بالمدد الملكوتي.
الرابعة: شمول البشارة لعموم المؤمنين.
الخامسة: إنتفاء الخوف والحزن من المؤمنين.
السادسة: مع شدة أهوال القتال، ومجئ أنباء عن عودة الكفار للقتال، فان الله عز وجل لم يترك النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بل أنزل عليهم البشارات ومايبعث السكينة في نفوسهم.
السابعة: مما تتصف به البشارة في هذه الآية إنها مصاحبة لأوان المبشر به، فحالما يرجع الكفار ينزل الملائكة مدداً ونصرة للمؤمنين، وكأن البشارة إخبار عن نعمة حاضرة.
الثامنة: العناية الإلهية بالمؤمنين في إصلاحهم للقتال، وسلامة قلوبهم، ومنع طرو الأمراض النفسية عليهم، فمع الطمأنينة تكون الصحة والعافية.
التاسعة: حاجة المؤمنين لسكينة القلوب، وفيه إشارة إلى إصلاحهم لإمامة الناس في أمور الدين والدنيا، ومن لم يكن مطمأن القلب ثبت الجنان لايستطيع قيادة الأمة وإدارة شؤون الناس.
العاشرة: بيان المائز والفارق الكبير بين جيش المؤمنين وجيش الكفار، إذ أن المؤمنين في حال طمأنينة وسكينة وغبطة، أما الكفار فان الفزع والخوف يملأ قلوبهم وهذا الفارق من أسباب إنتصار المؤمنين في المعركة مع أنهم فئة قليلة، والكفار فئة كثيرة، قال تعالى [كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ].
الحادية عشرة: جعل السكينة ملكة ثابتة عند المسلمين بتوكيد قانون في الأرادة التكوينية وهو أن النصر بيد الله عز وجل وينعم به على المسلمين.
الرابعة: البشارة السماوية توليدية، بحيث تتفرع عنها بشارات أخرى، فيترشح عن البشارة بنزول الملائكة بشارة خيبة وهلاك القوم الكافرين.
الخامسة: بيان علة طمأنينة وسكينة قلوب المؤمنين وأنها مركبة من البشارة السماوية، ومن خزي وهلاك الكافرين، أو أن هذا الهلاك يتعقب البشارة والطمأنينة.
السادسة: تتضمن البشارة التي تأتي للمؤمنين الإضرار بالكافرين.