بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
العدد: 18/900
التاريخ: 2018/4/28
م/بيان بخصوص عريضة شخصيات فرنسية رفيعة حول القرآن
نشرت صحيفة (باريزيان الفرنسية) يوم الأحد الماضي عريضة وقعها نحو ثلاثـمائة من الشخصيات الفرنسية الرفيعة تدعو الى مراجعة بعض الآيات القرآنية بل وتجاوزها لأنها تدعو إلى قتل وتعذيب اليهود والمسيحيين بظنهم حتى لا يتمكن أي شخص من الركون الى نص مقدس لإرتكاب جرائمه.
وأوجه الإمتنان والشكر للسادة الكرام الذي وقعوا هذه العريضة بصفتي أكبر علماء الإسلام في علوم القرآن فقد صدرت مائة وستة وستون جزءَ من تفسيري للقرآن ولا زلت في بداياته وكلها استنباط واستقراء من ذات الآيات , الى جانب كتبي الفقهية والأصولية ، بينما لم يتجاوز تفسير القرآن في تأريخ الإسلام ثلاثين جزء لأي من علماء الإسلام في الأزمنة السابقة.
وأود إخبارهم بأمرين :
الأول : تدل هذه العريضة على إعجاز القرآن لأنه خال من معاداة السامية.
خاصة وأن عنوان العريضة هو(ضد معاداة السامية الجديدة) وقد نزل القرآن قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، فليس من صلة بين القرآن وهذه المعاداة على فرض وجودها , كما أننا نستنكرها وندعو عموم المسلمين والمسلمات إلى الإبتعاد والتنزه عنها، ونحث على لزوم تعاهد سنن وقوانين المواطنة الفرنسية وعموم بلدان العالم التي يقطنونها.
الثاني : تتضمن الأجزاء التي صدرت من تفسيري للقرآن قوانين تدل على أن القرآن لا يدعو إلى قتل أي انسان، وجاءت الأجزاء 159-160-161-163-164-165-166، وهي على موقعنا (www.marjaiaa.com) بقانون في عنوانه الخارجي(لم يغز النبي محمد أحداً) إنما كان بحال دفاع واضطرار للقتال، وكان مشركوا قريش هم الذي يغزون ويهجمون على المدينة، وكان لا يبدأ قتالاً , وكان يأمر أمراء السرايا بعدم البدء بقتال، وعندما يلتقي الجمعان يكون نداؤه (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) .
وليس في هذا النداء معاداة للسامية ولا دعوة لهذه المعاداة وهو ثابت في كل المصادر التأريخية، ولم يقل لهم (وقولوا أن محمداً رسول الله) ليدل بالدلالة التضمنية على أن النبي محمداً لم يحارب اليهود والنصارى فهم أهل كتاب منزل،كما صبر على المنافقين, إنما كانت معاركه مع كفار قريش الذين يعبدون الأصنام والذين أرادوا إغتياله في فراشه في مكة فخرج منها ليلاً مضطراً ومعه أبو بكر , وليس معهما سيف وسلاح في طريق الهجرة وهو أكثر من (450كم)وخرج خلفه رجال قريش يطلبونه ووضعوا الجعل على قتله أو القبض عليه، وبات في فراشه الإمام علي عليه السلام، وحين وصل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الى المدينة وقّّع معاهدة وموادعة مع يهود المدينة، وشهد لهم بأنهم مؤمنون وينصارون النبي محمداً وفي تلك المعاهدة (وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ وَإِنّ يَثْرِبَ حَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَإِنّ الْجَارَ كَالنّفْسِ غَيْرَ مُضَارّ وَلَا آثِمٌ وَإِنّهُ لَا تُجَـــارُ حُرْمَةٌ إلّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا ، وَإِنّهُ مَا
كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ وَإِنّهُ لَا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا . وَإِنّ بَيْنَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ ، وَإِذَا دُعُوا إلَى صُلْحٍ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ فَإِنّهُمْ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ وَإِنّهُمْ إذَا دُعُوا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إلّا مَنْ حَارَبَ فِي الدّينِ عَلَى كُلّ أُنَاسٍ حِصّتُهُمْ مِنْ جَانِبِهِمْ الّذِي قِبَلَهُمْ وَإِنّ يَهُودَ الْأَوْسِ ، مَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ . مَعَ الْبِرّ الْمَحْضِ ؟ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ . لَا يَكْسِبُ كَاسِبٌ إلّا عَلَى نَفْسِهِ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ وَإِنّهُ لَا يَحُولُ هَذَا الْكِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَآثِمٍ وَإِنّهُ مَنْ خَرَجَ آمِنٌ وَمَنْ قَعَدَ آمِنٌ بِالْمَدِينَةِ ، إلّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ وَإِنّ اللّهَ جَارٌ لِمَنْ بَرّ وَاتّقَى ، وَمُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ).
وعندما قدم وفد نصارى نجران الى المدينة في السنة التاسعة للهجرة ، وتسمى سنة الوفود ، وكانوا ستين راكباً التقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده بعد صلاة العصر، فحانت صلاتهم فصلوها في مسجده فأراد الناس منعهم، فقال : دعوهم فاستقبلوا المشرق وصلوا صلاتهم.
وكتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم للوفد كتاب أمان وفيه (بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمّدٌ النّبِيّ رَسُولُ اللّهِ لِنَجْرَانَ إذْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ فِي كُلّ ثَمَرَةٍ وَفِي كُلّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ وَرَقِيقٍ فَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ وَتَرَكَ ذَلِكَ كُلّهُ عَلَى أَلْفَيْ حُلّةٍ فِي كُلّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلّةٍ وَفِي كُلّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلّةٍ وَكُلّ حُلّةٍ أُوقِيّةٌ مَا زَادَتْ عَلَى الْخَرَاجِ أَوْ نَقَصَتْ عَلَى الْأَوَاقِيِ فَبِحِسَابٍ وَمَا قَضَوْا مِنْ دُرُوعٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ عَرَضٍ أُخِذَ مِنْهُمْ بِحِسَابٍ وَعَلَى نَجْرَانَ مُثْوَاةُ رُسُلِي وَمَتّعْتهمْ بِهَا عِشْرِينَ فَدُونَهُ وَلَا يُحْبَسُ رَسُولٌ فَوْقَ شَهْرٍ وَعَلَيْهِمْ عَارِيَةٌ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا إذَا كَانَ كَيْدٌ بِالْيَمَنِ وَمَغْدَرَةٌ وَمَا هَلَكَ مِمّا أَعَارُوا رَسُولِي مِنْ دُرُوعٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ فَهُوَ ضَمَانٌ عَلَى رَسُولِي حَتّى يُؤَدّيَهُ إلَيْهِمْ وَلِنَجْرَانَ وَحَسْبُهَا جِوَارُ اللّهِ وَذِمّةُ مُحَمّدٍ النّبِيّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمِلّتِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ وَتَبَعِهِمْ وَأَنْ لَا يُغَيّرُوا مِمّا كَانُوا عَلَيْهِ وَلَا يُغَيّرُ حَقّ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا مِلّتِهِمْ وَلَا يُغَيّرُ أُسْقُفٌ مِنْ أُسْقُفِيّتِهِ وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيّتِهِ وَلَا وَافِهٍ عَنْ وَفَهِيّتِهِ وَكُلّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ رِيبَةٌ وَلَا دَمُ جَاهِلِيّةٍ وَلَا يُحْشَرُونَ وَلَا يُعْشَرُونَ وَلَا يَطَأُ أَرْضَهُمْ جَيْشٌ وَمَنْ سَأَلَ مِنْهُمْ حَقّا فَبَيْنَهُمْ النّصْفُ غَيْرَ ظَالِمِينَ وَلَا مَظْلُومِينَ)
ولما قبض الأسقف الكتاب استاذن بالإنصراف هو والوفد الذين معه ونزل قوله تعالى[وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ]، ولم يحتج الأسقف وأصحابه على تسمية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بصفة النبوة في أمر الكتاب أعلاه، بينما احتج ممثل قريش سهيل بن عمرو في صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة , إذ اعترض على البسملة وأراد أن يُكتب باسمك اللهم، كما قال للنبي لو أعلم أنك رسول الله ماخالفتك واتبعتك،أفترغب عن اسمك واسم ابيك محمد عبد الله، أكتب اسمك واسم ابيك.
ان معاهدة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع يهود المدينة وكتابه إلى وفد نصارى نجران مصداق لقوله تعالى [ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ] ومضامين الآية أعلاه باقية إلى يوم القيامة كما أن القرآن خال من التناقض والتعارض والتزاحم بين آياته ، فهو لا يدعو إلى القتل وسفك الدماء.
وقد بينت وذكرت في تفسيري للقرآن (معالم الإيمان) آلاف الشواهد والمصاديق والقوانين التي تدل على أنه لا يدعو إلى القتل أو إشاعته , ويقول كثير من علماء التفسير أن آية السيف نسخت مائة آية ومنهم من أوصلها إلى (124) آية , والمختار أن آية السيف لم تنسخ هذه الآيات خاصة وأن لفظ السيف غير موجود في القرآن وعدم وجوده مع كونه سلاح تلك الأزمنة شاهد على أن القرآن دين الرحمة والمودة علماً بأنه لا يمكن ولا يجوز تغيير أو تبديل أو حذف أي حرف من القرآن وما بين الدفتين شاهد على أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لم يأت بالقتل ولم يسع إليه.
والقرآن والسنة النبوية ضد معاداة السامية، وتدل هذه العريضة الكريمة والتي هي بعنوان(ضد معاداة السامية الجديدة) على إعجاز القرآن في كل زمان لأن آياته ضد معاداة السامية أمس واليوم وإلى يوم القيامة .
ونزلت آيات القتال في خصوص حال الدفاع ، وقد دخل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم معركة بدر وليس معه سيف وكان يرجو عند التقاء الصفين إنصراف المشركين عن القتال.
ويدعو القرآن للألفة والمودة والمحبة , ولنبذ الكراهية والإرهاب والقتل العشوائي في عموم الأرض، وهو الذي بيّناه بالتفصيل في أجزاء تفسيرنا للقرآن، والذي نطبعه على نفقتنا الخاصة بمشقة متزايدة مع تعتيم إعلامي في الوقت الذي تنتفع منه دول وشعوب العالم أجمع.
أدعو الى ترجمة هذا البيان الى اللغة الإنكليزية والفرنسية واللغات العالمية كما أرجو جعله وثيقة في الأمم المتحدة، وأدعو الى ترجمة تفسيري للغات العالمية، ومستعد لعقد ندوة وحوارات مع السادة الكرام الذين وقعوا تلك العريضة ونحوه لرفع اللبس ، الذي يترشح عن فعل لقراءة خاطئة من قبل الذين تغلب عليهم النفس السبعية , وليعلم الناس أن القرآن جاء بعبادة الله وأداء الفرائض ، ونشر الفضيلة والأخلاق الحميدة , وهو حامل لواء السلام والرفق والصفح , قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً] وقال تعالى [فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ ] وليأخذوا علوم القرآن من ذات آيات القرآن ودلالاتها من السنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن تفسيرنا للقرآن، والعلماء الذين بلغوا مراتب الإستنباط في علوم القرآن والسنة بما يؤكد أن كل كلمة في القرآن حاجة للناس في محاربة الإرهاب، وهو من بركات [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون].
وقد أطلعت على رد وكيل إحدى المؤسسات الدينية بقوله : لا لتجميد حرف من القرآن، فليفهم هؤلاء كتاب الله فهماً صحيحاً، أما اذا اعتمدوا على فهمهم المغلوط، فليذهبوا بفهمهم ومطالبتهم الى الجحيم)
وصحيح أنه لا يمكن تجميد حرف من القرآن، ولكن ما هكذا تورد يا سعد الأبل، ويضرب هذا المثل لمن قصّر في العمل، أو تكلف أمراً لا يحسنه . فأصدرنا هذا البيان
لكشف حقائق من القرآن, والتعاون الفكري والعقائدي للسلم المجتمعي الذي تدعو إليه كلمات وآيات القرآن , ولإزالة أسباب الكدورة .
ويمكن إنشاء قانون وهو : كل آية من القرآن حرب على الفساد والإرهاب ، وتدعو إلى نبذه سواء في منطوقها أو مفهومها أو بالجمع بينها وبين غيرها من آيات القرآن، وهو الذي يتجلى بوضوح في سِفر تفسيرنا للقرآن , وقراءة الناس والمؤسسات التربوية والإعلامية لآيات القرآن بصبغة الرأفة وصفحات الرحمة والمودة بين الناس ، قال تعالى (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) .