بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطـائي
صاحب أحسن تفسير للقرآن
وأستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق العدد: 789
___
ربيع الثورات العربية برهان على سلامة نهج الحسين
إن لم يكن شاهداً تأريخياً مستقرءاً على عصمته
قد لا تكون مناسبة أعظم عند المسلمين بعد الفرائض الزمانية والمكانية كالصلاة والحج وشهر رمضان مثل واقعة كربلاء التي تتجدد فيها أسباب الموعظة كل عام، ويدخل فيها الحزن كل بيت من بيوت المسلمين على مصيبة الحسين وأهله الذين قال الله تعالى فيهم[قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى].
نعزي كل مسلم ومسلمة في مشارق ومغارب الأرض بهذه الذكرى الأليمة التي ليست هي خاصة بالشيعة ، نعم الألم والأسى بمصيبة عاشوراء من الكلي المشكك الذي يكون على مراتب متعددة قوة وضعفاً عند عموم المسلمين، وهذا الأسى يتجاوز قيود وإعتبارات المذاهب الإسلامية والتي سبق وأن أصدرت فتوى بضرورة إندماجها، بعد فتوى حرمة تقسيم المسلمين إلى شيعة وسنة، لتتجلى مصاديق وحدة المسلمين بأداء الفرائض، ثم بالحزن على الحسين وذم الذين ظلموا أنفسهم بقتل سيد شباب الجنة بالحديث الصحيح والمستفيض عند عموم المسلمين مرفوعاً عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد أصدرت ثمانية أجزاء في صلة آية[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ] بعدد من الآيات التي قبلها في موسوعة تزيد وفق هذه المنهجية على ثلاثة ملايين جزء على العلماء في الأجيال اللاحقة إتمامها، ترى ما هي موضوعية ومقام ثورة الحسين في دلالات ومصاديق الآية أعلاه ؟
إن ربيع الثورات العربية في هذه الأيام خير جواب لأن الشباب رفضوا الظلم والإستبداد والإنفراد بالحكم وقدموا مئات الشهداء في مصر وليبيا وتونس وغيرها، ومن وجوه إلتقائها مع ثورة الحسين أنها تقومت برفض نظام التوريث لرئاسة الجمهورية كما في مصر وليبيا وتونس الذي ينتفي معه المسوغ الشرعي والعرفي والأخلاقي، وقد كان خطأ معاوية بن أبي سفيان بتوريث يزيد جسيماً وأضر بالإسلام , ولم يوجه أولئك الذين شككوا بثورة الحسين عليه السلام أي لوم للشباب الذين إستلهموا نهجهم من واقعة كربلاء طوعاً وإنطباقاً، لتكون وقائع زمان العولمة حجة وبرهاناً على سلامة إختيار الحسين بالخروج بقلة قليلة لمواجهة جحافل الظلم وأن ثورته ومنافعها بل تبعث الهمم عند أجيال الشباب المسلم وغيرهم، مع أنه قياس مع الفارق وللأولوية القطعية لقبح إستيلاء يزيد على الحكم وسوء عاقبة الدولة لو إستمر من غير معارضة عسكرية، وفعلاً توالت بعد كربلاء الثورات على سلاطين الجور، وأخذ السلاطين يخشون تلك الثورات فيجتنبون الإفراط في الزيغ وإتباع الهوى، فلا غرابة أن يسمى الحسين أبا الأحرار، ومن مصاديق الفارق أن خروج الحسين كان رشحة من رشحات الإمامة في زمانه وإمامة أجيال الشباب المتعاقبة وأسوة مباركة , لذا ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قوله: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) وفي الحديث إشارة إلى صحة خروج الحسين وقتله مظلوماً، والمضامين القدسية في فلسفة هذا الخروج، ولزوم نصرته وإعانته.
إن ثورة الحسين عليه السلام من المصاديق العملية لآية[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ] التي تقدم ذكرها لما فيها من رفض للظلم وولاية الفسوق، وإمامته للمسلمين في ميادين الأمر المعروف والنهي عن المنكر.
سلام على الحسين يوم ولد ويوم أُستشهد ويوم يبعث شفيعاً للمؤمنين الذين يواسون رسول الله وأمير المؤمنين عليه السلام والزهراء في هذا اليوم بالعَبرة والتبصر وتعاهد الفرائض والعبادات التي خرج وأهل بيته وأصحابه من أجل تثبيتها في الأرض، قال تعالى[ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ].
وأستحضر بهذه المناسبة قيام أمن الظالم بسجني عام 1982 عند خروجي من ضريح العباس متوجهاً إلى الإمام الحسين عليه السلام لأداء صلاة المغرب والعشاء بتهمة مسؤول حزب الدعوة في كربلاء، وتعديهم بعده بساعات بإعتقال زوجتي وبناتي وقرة عيني شيخ علي الذي قتلته يد الإرهاب في بغداد أواخر عام 2005 عند تهيئته المقدمات الوضعية لأداء مناسك الحج، وجلوسهم في بيتي في كربلاء ليلقوا القبض أيضاً على الشباب الذين قصدوا البيت وطرقوا بابنا لنتنقل في غيابت سجون أربع محافظات هي كربلاء، النجف، الناصرية ثم الموصل مع شدة التعذيب، كانت ملحمة كربلاء أنيساً ومشروعاً للصبر والتأسي.
وأتوجه بالشكر إلى جميع الحكومات العربية والإسلامية وغيرها والجهات الرســـمية والشـــعبية التي تهيء مقدمات وأســـباب نجـــاح إحياء ذكـــرى كربلاء , وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا اليوم مناسبة لبعث الأمن والإستقرار ونزول البركات في بلاد المسلمين وأن تعم مفاهيم الوحدة الإيمانية بينهم، وأعبر عن السخط والإستنكار لحوادث التعدي على مواكب العزاء، وشهادة كوكبة من عشاق الحق وثورة الحسين في الحلة الفيحاء هذا اليوم , و[إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ].
حرر في النجف الأشرف صالح الطائي
ليلة العاشر من محرم الحرام 1433هـــ
عدد المشاهدات: 14