بيان عاشوراء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطـائي 
صاحـب أحسن تفسـير للقرآن                العدد: 420
وأستاذ الفقه والأصول والتف ير والأخلاق 

______________________            

                                          
[قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى]

تطل هذه الأيام ذكرى عاشوراء تلك الواقعة والمصيبة التي جرت في اليوم العاشر من محرم عام 61 للهجرة في أرض كربلاء لتنبسط آثارها على أفراد الزمان الطولية، والمكان العرضية، وتتغشى المسلمين والمسلمات جميعاً بشآبيب الحزن والأسى، وتكون مناسبة لإستقراء الدروس والمواعظ والعبر بما ينفع المسلمين في الدنيا والآخرة ويصلح أمورهم.

وتقسم العلة إلى أربعة أقسام هي:  الأول: العلة الفاعلية: وهي سبب وجود الشيء، ويطلق عليها ما منه الوجود.

الثاني: العلة المادية: وهي الماهية والذات التي يتكون منها الشيء، وقابلاً للصورة والهيئة.

الثالث: العلة الصورية: وهي الصورة التي تتجلى بها المادة.

الرابع: العلة الغائية: وهي الغاية من وجود الشيء، ويقال لها(ما له الموجود).

لقد شاء الله عز وجل أن يخرج الحسين إلى كربلاء، وقد وردت الأخبار عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الخروج، كما مذكور في كتب المسلمين، ليقتل الحسين شهيداً وتبقى ثورته مادة ونبراساً للأجيال تقتبس منها مفاهيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأبهى حلله، وأعلى مراتبه.

لقد كان خروج الحسين مصداقاً للعلة المادية والصورية للثورة على الظلم والجور، أما بالنسبة للعلة الغائية لثورة الحسين فهي أعم من الظهور في جيل وزمان وموضوع مخصوص، وفيه دعوة للمفكرين والمصلحين والثوار لإنتزاع الدروس والسنن من واقعة كربلاء، وزاجر للحكام عن الفسوق والفجور.

وتطل علينــا هذه المناســبة الأليمة وأنا أكتب الجزء الحادي والثمــانين من التفســير، وهو القســم الثاني في تفســير آية(لا تأكلوا الربا) آل عمران 130، إذ صدر والحمد لله الجزء الثمانون في ذات الآية، لأستحضر عام 1982 عندما خرجت من زيارة أبي الفضل العباس متوجهاً إلى الحسين عليهم السلام لأداء صلاة المغرب تحت قبته، فأخذتني شرطة الأمن والشرطة المحلية التي في ضريح العباس، وطلبوا سيارة من الأمن لأخذي للدائرة، وليأتوا بعده بساعتين بعائلتي كلها ومنهم ولدي الشهيد الشيخ علي الذي سجن معي في أربع محافظات هي كربلاء، النجف، ذي قار، الموصل وعمره سبع سنوات مع أمه وأخواته، ولتقتله يد الأرهاب والإجرام في عام 2005 في بغداد وهو يشفع لبعض المؤمنين لقضاء حوائجهم وبعد تلقي الإنذار مما يسمى(فيلق عمر) على هاتفنا المحمول.

وبعد إعتقالي وعيالي جلس أمن كربلاء في بيتنا ليأتوا بكل من جاء لزيارتنا من المؤمنين، ويلقون معنا أشد العذاب، وكنا نستلهم من ثورة وجوار الحسين أسباب المدد، وفلسفة الصبر في مرضاة الله وإذ تنقطع الحوادث والمصائب التي تعرضنا لها، ولكن ثورة الحسين هي الأصل والضياء الذي يضئ دروب الهداية للمسلمين، ويشع على القلوب المنكسرة فيلهمها مفاهيم الصبر والحصانة من الوهن والذل.

لقد كان الحسين أسوة للثوار، وللمؤمنين الذين جاهدوا الظالم حتى سقوطه، والذين قتلوا في غيابت السجون ظلماً وعتوا وكل واحد منهم مرآة لصدق الإيمان ، وأسمى مراتب التقوى تأسياً بالحسين وأصحابه.

وإحياء ذكرى واقعة كربلاء من عمومات آية (المودة) المذكورة أعلاه , لما فيه من مواساة أهل البيت، والزجر عن التعدي عليهم بغير حق، وتظاهرة لحقوق الإنسان , وتوجيهاً أخلاقياً للشباب  ذكوراً وأناثاً في السنة العالمية للشباب ولستقرأ حقيقة عقائدية من قول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) وهي إمامة الحسن والحسين عليهما السلام للشباب في باب الجهاد ودعوتهم لإتيان الصالحات، ولزوم سعيهم في تهذيب النفوس، وتنزيه عالم الأفعال,لتكون مودة أهل البيت طريقاً مباركاً للفوز بالمغفرة ومراتب الخلود في النعيم.

 ونعزي المسلمين والمسلمات جميعاً,  وندعو إلى إتخاذ هذه المناسبة الأليمة وعاءٍ للوحدة ونبذ الفرقة , قال تعالى[وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ].

 

 

حرر في النجف الأشرف              صالح الطائي

التاسع من محرم1432

 

مشاركة

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn