تقسيم جديد في علم الأصول
يأتي الفرض على قسمين:
القسم الأول : الواجب العيني , ويكون المكلف منظوراً إليه في ذات الأمر، ويمكن تقسيمه إلى أقسام:
الأول : الواجب الخاص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كصوم الوصال بصوم يومين والليلة الوسطى التي بينهما، أو صيام ثلاثة أيام والليلتين اللتين بينهما.
الثاني : الواجب الشخصي بكفاية إتيانه مرة واحدة كما في أداء الحج، وعن علي عليه السلام : لما نزلت[وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً]( ) قالوا : يا رسول الله في كل عام ؟ فسكت . . قالوا : يا رسول الله في كل عام؟ قال : لا . ولو قلت نعم لوجبت . فأنزل الله { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم }( )، وعن إبن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج . فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله؟ قال : لو قلتها لوجبت ، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها . الحج مرة فمن زاد فتطوّع( ) .
وفي الحديث مسائل :
الأولى : الدلالة على موضوعية السنة النبوية في تكرار الواجب.
الثانية : النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يفرض على المسلمين ما لم يأمر به الله عز وجل، ولا ما فيه مشقة عليهم.
الثالثة : تبليغ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الأحكام للمسلمين عند نزول الآية، وعندما يصعد المنبر ليكون صعوده للمنبر تأكيداً للتنزيل وبياناً للأحكام، وهو من مصاديق تفضيل المسلمين على غيرهم، ومن خصائص[خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ]( )، لمجيء الكتاب والسنة لبيان ذات الحكم.
الرابعة : مع أن المخاطبين والحضور هم من المسلمين فإن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاطبهم بلفظ(يا أيها الناس) لأن التكليف بالحج يشمل الناس جميعاً، ولكن الكفار حجبوا عن أنفسهم نعمة الحج، والإمتناع بالإختيار لا ينافي الإختيار.
الخامسة : سؤال المسلمين للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لإرادة التفقه في الدين والتعلم، وهو على ثبات الإسلام وإمتلاء القلوب بالإيمان.
السادسة : التفصيل في الحج بين الواجب والمندوب مع الترغيب في كل منهما.
الثالث : الواجب العيني المتكرر، الذي لا تكفي فيه المرة الواحدة , وهو على شعب منها:
الأولى : المتكرر كل يوم كما في الصلاة اليومية الواجبة كصلاة الظهر والعصر.
الثانية : المتكرر كل عام، كما في أداء فريضة الصيام، ولم يذكر في القرآن إسم شهر إلا شهر الصيام، قال تعالى[شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ]( ).
الرابع : الواجب الذي يأتي عند طرو أسبابه كما في الأمر بالمعروف على فرض صيرورته في موضوع مخصوص واجباً عينياً، وكذا بخصوص القضاء والإمامة , فكل منهما واجب كفائي ولكن قد يكون عينياً في حالات مخصوصة، قال تعالى[وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ]( ).
الخامس : الواجب العيني المقيد: أي أن الخطاب فيه موجه لكل مسلم مع وجود قيد كما في موضوعية الإستطاعة في الحج، قال تعالى[وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً]( ).
القسم الثاني : الواجب الكفائي : وهو الواجب الذي إن أداه واحد أو طائفة من المسلمين يكفي لتحقق الإمتثال سقط عن عموم المسلمين، وأما إن لم يؤده ما فيه الكفاية يؤثم الجميع مثل رد السلام ومثل صلاة العيدين، وعن أبي بكر الصديق قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك أن يعمهم( ).
وفرض العين أفضل من فرض الكفاية، كالحج فانه أفضل من الغزو، ومن الآيات أن فروض الكفاية أكثر من فروض العين مع إختلاف الأصوليين في تعيين بعضها هل هو فرض عين أم كفاية، وتارة يكون ذات الموضوع من القسمين كما في الفقه فمنه فرض عين كما في تعلم الفاتحة وسورة، ومنه ما يكون فرض كفاية وهو الأكثر في طلب وإكتساب العلم كأغلب أحكام الحلال والحرام، وحفظ القرآن , وعلم التفسير والتأويل والفرائض أي الميراث وسهام الورثة , ومسائل علم الأصول ونحوها مما هو بعيد الفرض.
ومعرفة سوء عاقبة المكذبين أمر مندوب، وتخبر عنه آية البحث بدلالتها التضمنية، إذ أن السير في الأرض يبين للناس زوال سلطان وعمارة الذين أصروا على التكذيب بالنبوة والتنزيل والمعاد.
وفيه بعث للنفرة في النفوس من التكذيب بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم , ودعوة للناس للتدبر في الآيات التي جاء بها.