مقدمة الواجب تفصيل جديد
لابد من ملازمة بين طلب الشيء وتحصيل مقدمته وهو من المسائل العقلية غير المستقلة، ويقع ايضاً طريقاً للحجة او في طريق الإعتذار لدى المولى فكما يكون من المسائل الأصولية فانه يكون أيضاً من المسائل الفقهية.
وقد تكون المقدمة شرطاً او قيداً او تكون جزءاً من الشيء كالنية في العبادة فالإستقبال شرط للصلاة وكذا النية ومنهم من جعل الجزاء من الشيء مقدمة داخلية له، ولكن بين المقدمة وذيها تغاير زماني وإن إتحد الموضوع.
ونستحدث مسألة في هذا الباب ونقول بالتفكيك والتعدد في ذات المقدمة، فعندما تكون قبل الشروع بالفعل العبادي وشرطاً له تسمى مقدمة .
وعندما تكون جزء مستديماً ومصاحباً للفعل تكون شطراً منه وليس مقدمة له .
ويمكن بيانه لغة بالفرق بين المصدر وإسم المصدر، فالمصدر يدل على الحدث كالتوضأ والتسليم، وإسم المصدر يدل على الحال وثبوت الحدث والكيفية المترشحة عنه كالوضوء والسلام، فالتوضأ مقدمة الواجب، أما الوضوء كشرط وجزء في الصلاة فهو ليس مقدمة للواجب بل هو جزء من الواجب فيكون بالمعنى الأعم كالطهارة.
إذ تتصف المقدمة بأمور:
الأول : التقدم الزماني عن ذات الشيء.
الثاني : خروجها عن ذيها بخلاف الجزء فهو داخل في ذات الشيء.
الثالث : تعدد المقدمة لذات الشيء، كالطهارات الثلاث للصلاة.
إذ تصح المقدمة للصلاة بالوضوء أو الغسل أو التيمم، فلم يرد في الحديث لا صلاة إلا بوضوء وبين الطهارة والوضوء عموم وخصوص مطلق مع أن الوضوء إسم المصدر ويكون تقدير الحديث أعلاه على قسمين:
الأول : لا صلاة إلا بطهور مقدمة للصلاة بلحاظ المصدر وهل التوضأ.
الثاني : لا صلاة إلا بطهور كجزء من الصلاة بلحاظ إسم المصدر الوضوء، فموضوع التوضأ والتطهر مقدمة للصلاة، أما الوضوء والطهارة فجزء من الصلاة , فإذا تغير الموضوع تبدل الحكم.
وتحتمل النسبة بين السبب والمسبب، وبين المقدمة وذيها وجوهاً:
الأول : التساوي، فالسبب بمنزلة المقدمة , والمسبّب-بالفتح- بمنزلة ذي المقدمة.
الثاني : العموم والخصوص المطلق، فبحث المقدمة أخص.
الثالث : نسبة العموم والخصوص من وجه، فهناك مادة للإلتقاء وأخرى للإفتراق بينهما.
الرابع : نسبة التباين.
والصحيح هو الثالث، ومنهم من أطلق على هذا الباب من العلم عناوين أخرى غير مقدمة الواجب منها:
الأول : مقدمة الواجب المطلق.
الثاني : ما لا يتم الواجب المطلق إلا به، كحضور العدد في صلاة الجمعة.
الثالث : المقدور الذي يتم به الواجب المطلق وكما في الزاد والراحلة وجوب الحج قال تعالى[وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً]( ).
وتقسم المقدمة إلى قسمين:
الأول : مقدمة وجوب وهي التي تشتغل معها الذمة بأداء الواجب، شرطاً كانت أو قيداً أو سبباً، وأستدل عليه بدخول الوقت بالنسبة لوجوب الصلاة، ولكن القدر المتيقن من المقدمة وذيها ما يتعلق بأفعال العباد، ومنه المقدمة العقلية لقطع المسافة في الحج.
ومن الأمثلة المناسبة في المقام الإستطاعة وتوفر الزاد والراحلة في أشهر الحج وهي شوال وذو العقدة وذو الحجة , قال تعالى[وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً]( )، وتدخل معها الشرائط الوضعية كالجواز والتأشيرة ونحوها مادامت موجودة.
الثاني : مقدمة وجود وهي التي يتوقف عليها صحة وجود الفعل مثل الوضوء للصلاة، والعدد بالنسبة لصلاة الجمعة فأنه مقدمة لوجوب الصلاة، وعند الشافعية هو مقدمة لوجودها ووجوبها.
وقد قسمت المقدمة بلحاظ الماهية الى :
الأول : مقدمة شرعية.
الثاني : مقدمة عقلية: كقطع المسافة لأداء الحج.
الثالث : مقدمة عادية.
والطهارات الثلاث مقدمات شرعية وهي ايضاً عقلية لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه وللملازمة بين حكم العقل والشرع.
والمطلوب هو ذو المقدمة واتيان المقدمة يكون بحسب ارادة ذيها كما هو المتعارف فما دامت المقدمة طريقاً للتوصل الى ذيها فلابد من السعي لتحصيلها وقيل ان ذلك على نحو الغالب في الوقوع خارجاً.
والمقدمة لغة وشرعاً ما يتمكن معها المكلف من اتيان ذيها اي ان لها موضوعية في الإمتثال، لذا قيل باعتبار ترتيب ذي المقدمة خارجاً على المقدمــة في الوجـوب الترشــحي اي ان وجــوب ذي المــقــدمــة وان كان نفســياً الا انه يكــون غــيرياً بلحاظ كونه قيداً للمقدمة، وقد يكون كذلك بالمعنى الأعم كصلاة المغــرب تكون واجبــاً بالوجــوب الغيري لأنها شـرط لصلاة العشاء , وكن لا شرطية في المقام إنما هو الترتيب .
والذي اطلق عليه اسم المقدمةالموصلة وقيل انه من الدور ولا مانع من الدور هنا للتداخل في العبادات فلا محذور منه، فالمقدمة تتوقف على ذيها، وذوها يتوقف عليها .
وفي المقدمة يمكن القول بانه يترشح الوجوب عليها من ذيها ولكن الطهارات الثلاث اعم، وقد يكون لها مع الوجوب الغيري وجوب نفسي لتوجه الخطاب باتيانها بالذات وقد يكـــون الأمر بها اصيلاً غير متولد عن الأمر بذيها، وتركها يستلزم العقاب.
وفي علم الأصول لا عقاب في ترك المقدمة الا ما كانت عين ذيها كالجزء منه وتكون مقدمة المندوب مندوبة اذ انها بنفس العرض الخاص بذيها وهناك شواهد على حصول الثواب بالمقدمة من غير مدخلية بحصول ذيها او عدمه، ومنه قوله تعالى [وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ] ( ) ، ومنه السعي في قضاء حاجة المؤمن وما فيه من الثواب وقد يكون واجباً، وليس له غاية كالوضوء الواجب بالنذر.
وهناك نصوص على الثواب والأجر على الوضوء ذاتاً، وان لم يكن مقدمة لغيره الا انه لا يدل على الوجوب، وترتب الثواب اعم من الوجوب وحده.
ومما يعتبر من البديهيات ان الوضوء شرط في صحة الصلاة، وفي صحة الطواف، وبالنسبة للصلاة , وعن رسول الله ً: “لا صلاة الا بطهور”( ).
والطهور اسم شامل للطهارات الثلاث وان ورد بمعنى الماء اما بالنســبة للطواف فعليه الإجـماع ونصوص كثيرة منها صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام: “سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء قال: يقطع طوافه ولا يعتد به”، ووجوبه سواء كان الطواف الواجب للحج او العمرة وان كانا مندوبين فبالشــروع بهما يجب اتمامهــما فيعيــد الوضــوء واجـباً، اما الطواف المستحب الذي لا يكون جزءاً فان الوضوء لا يجب فيه، نعم هو شرط في صحة صلاته، اما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “الطواف بالبيت صلاة” فانه على فرض صحة سنده فإن القدر المتيقن منه الحاقه بالعبادة من حيث الثواب والقدسية.