بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطـائي
صاحب أحسن تفسير للقرآن
وأستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق العدد: 952
___________________ التاريخ: 12/7/2013
م/الصلاة تامة والصيام في الدار الملك في محافظة وبلد آخر
وردت بخصوص الذي يأتي إلى دار له في بلد غير موطنه ومسكنه الدائم نصوص عديدة وهي على قسمين متعارضين، ولكن عند التدبر في مضامينها يخرج أكثرها من التعارض إذ أن إرادة التمام في بعضها ورد بصيغة المرور على المنزل أو الضيعة وليس قصده والإقامة فيه ولو لمدة قليلة .
فمن القسم الأول من الروايات التي تقول بالتقصير صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الاول عليه السلام عن رجل يمر ببعض الامصار وله بالمصر دار، وليس المصر وطنه، أيتم صلاته أم يقصر ؟ قال: يقصر الصلاة، والضياع مثل ذلك إذا مر بها) وكذا في صحيحة حماد بن عثمان، عن أبي عبدالله عليه السلام: في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر ؟ قال : يقصر ، إنما هو المنزل الذي توطنه). فجاءت هذه الروايات بالمرور بالمنزل أي مع نية إجتياز مسافة أطول بقرينة (فيمر بالمنزل له في الطريق) وأن المكلف في حال سفر حتى مروره بهذا المنزل، وهو بخلاف ما إذا كان عنده دار في بغداد أو كربلاء أو النجف يأتي قاصداً الزيارة والمكث فيه أياماً.
والقسم الثاني من الروايات يفيد كفاية وجود بيت أو نخلة واحدة لصلاة التمام وهي نحو ست روايات منها الصحاح مثل صحيحة عمران بن محمد قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك ، إن لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ، فربما خرجت إليها فاقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام ، فاتم الصلاة أم اقصر ؟ فقال : قصر في الطريق وأتم في الضيعة.
وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يخرج إلى الضيعة فيقيم اليوم واليومين والثلاثة يتم أم يقصر ؟ قال : يتم فيها) الوسائل 11/211.
وتنطبق هذه الروايات على من ينزل في بيت يملكه في العتبات المقدسة أو العاصمة يومين أو ثلاثة أو أكثر بخلاف روايات القسم الأول التي جاء أكثرها بأنه يمر عليه وهو في طريقه مسافراً إلى جهة أخرى.
ومنها صحيحة إسماعيل بن الفضل وقيل انها موثقة قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض وإنما ينزل قراه وضيعته ؟ قال : إذا نزلت قراك وأرضك فأتم الصلاة ، وإذا كنت في غير أرضك فقصر ) الوسائل 7/211.
واما التقييد وشرط الإتمام بستة أشهر فلصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع : عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الرجل يقصر في ضيعته ؟ فقال : لا بأس ، ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه ، فقلت : ما الاستيطان ؟ فقال : أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر ، فاذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها)الوسائل 9/211، وفيها مسألتان : الأولى : قال الإمام عليه السلام لا بأس بالتقصير، وفيه بيان للسعة والمندوحة وليس العزيمة والوجوب مما يدل على أولوية أو جواز الإتمام كما تدل عليه النصوص الأخرى.
الثانية : جاء قيد الإستيطان بصيغة المضارع، وقيل أنه معنى إعتباري وفرضي ورد هذا القول.
ولكن إرادة إمكان السكن فيه أمر محتمل لأن مصداق المنزل في ذلك الزمان أعم ويشمل الكوخ والمكان المحوط والستر، فجاء البيان والتعريف بأنه منزل يقيه الحر والشمس والسباع، أو يكون السكن في الشتاء فيقيه البرد القارص والأمطار ويشار إليه هذا بيت فلان، يخرج ويدخل له لا يزاحمه فيه ساكن ومالك آخر , وتقدير الحديث ولغة المضارع فيه أن يكون له فيها منزل يستطيع أن يقيم فيه ستة أشهر ومع الإحتمال يتعذر الإستدلال، فنرجع إلى النصوص الأخرى.
وفي صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يخرج إلى ضيعته ويقيم اليوم واليومين والثلاثة أيقصر أم يتم ؟ قال : يتم الصلاة كلما أتى ضيعة من ضياعه( ).
ومنهم من ضعف هذه الرواية لأن في طريقها سهل بن زياد , وفيه إختلاف.
وحينما دخل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مكة عام الفتح قيل له : أتنزل دارك غداً؟ قال: وهل ترك لنا عقيل داراً) أي أن عقيلاً باع دار النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودور بني هاشم الذين هاجروا معه.
وعمدة الدليل هو قوله تعالى[وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا] سورة النساء 101.
وفي التهذيب عن زرارة قال: سألت ابا جعفر عليه السلام عن صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جميعا؟ قال: نعم، وصلاة الخوف أحق ان تقصر من صلاة السفر ليس فيه خوف( ).
إن الذي يأتي إلى بيت له في النجف أو كربلاء أو بغداد أو غيرها لا يشعر أنه مسافر خصوصاً في هذه الزمان وبناء وسعة البيوت وخدماتها ووسائل الراحة فيها، فهو يدرك أنه في بيته ويقيم هو وعياله فيه ويمتلك مفتاحه، ويدعو الضيوف فيه , ويقول الجيران: جاء فلان إلى بيته ,وقد يزورهم ويزورونه، فلا تبقى موضوعية كبيرة للسفر خاصة مع سرعة الوسائط وطي الأرض وقلة مشقته وكثرة تكراره في هذا الزمان.
لذا فان الذي عنده بيت وسكن في إحدى المدن المقدسة مكة والمدينة والنجف وكربلاء وسائر المدن في دول العالم يكون ملكاً له يحل فيه متى شاء له أن يتم صلاته ويصوم فيه ولو أقام فيه في كل مرة يوما واحدا , لصدق الملك ودوامه وقاعدة نفي الحرج في الدين والعلم عند الله.
وقد أفتيت قبل عام بان الذي يخرج من بيته بعد أذان الفجر له أن يتم صيامه وفيه أكثر من أربعة نصوص عن الأئمة عليهم السلام وهو منشور على موقعنا مع خمسة وتسعين جزء من التفسير في سورة البقرة وشطر من سورة آل عمران في آية علمية لم يشهد لها التأريخ مثيلاً [وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ].
حرر في النجف الأشرف
3 رمضان 1434 هـ