بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطـــائي العدد: 736
صاحـب أحسن تفسير للقرآن التاريخ: 2/12/2012
وأستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق
____________________
م/دعوة لإعداد إطروحات دكتوراه عن الأعراب وجهادهم في الإسلام
من إعجاز القرآن أن إسم (الأعراب) جاء عشر مرات في القرآن، وفيه مسائل:
الأولى : لم يرد في القرآن بصيغة المفرد (إعرابي).
الثانية : اكثر ما ورد في الأعراب بصيغة الذم، قال تعالى [وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا].
الثالثة : ورد في مدح فريق من الأعراب قوله تعالى[وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ]، وفيه ثناء عليهم وشهادة لهم بالإيمان وحسن الإعتقاد والسعي في مرضاة الله، والإنفاق في سبيل الله، ومنهم من يجتهد بالفوز بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم في أمور الدين والدنيا، وعن إبن عباس في قوله تعالى[وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ] إستغفاره.
ويفيد الجمع بين الآيتين أعلاه حقيقة وهي أن ذم الأعراب مقيد بالكفر والنفاق، أما إذا كان الأعرابي أو الجماعة من الأعراب مؤمنين فان الثناء على المسلمين يشملهم، ومنه قوله تعالى[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ]، لذا فان قوله تعالى[الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا] أي أشد كفراً من الكفار الذين في المدينة والحضر.
والأعراب المنافقون أشد نفاقاً من منافقي المدينة والحضر، لأنهم أبعد عن التنزيل ومعجزات النبوة، وفيه تحذير للمسلمين منهم وأخذ الحيطة من غوائلهم، وعدم الغفلة عنهم لأنهم خارج المدينة أو كونهم أعراب، قال تعالى[وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ]، وقد تجلى هذا التحذير من الأعراب الكفار بمصاديق ووقائع منها إرادة أحدهم قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكن الله أنجاه بآية من عنده عن جابر بن عبد الله قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة نجد فلما أدركته القائلة وهو في واد كثير العضاه فنزل تحت شجرة واستظل بها وعلق سيفه فتفرق الناس في الشجر يستظلون وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجئنا فإذا أعرابي قاعد بين يديه فقال إن هذا أتاني وأنا نائم فاخترط سيفي فاستيقظت وهو قائم على رأسي مخترط صلتا قال من يمنعك مني ؟ قلت الله فشامه ثم قعد فهو هذا . قال ولم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وفي رواية: فقال الرجل مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَا وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ قَالَ فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ.
وأخرج إبن سعد ابن أبي حاتم عن إبراهيم النحفي قال: كان زيد بن صوحان يحدث فقال أعرابي : إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني، فقال : أما تراها الشمال؟ أي ليست مقطوعة من حد السرقة بل لداء، فقال الأعرابي : والله ما أدري اليمين يقطعون أم الشمال ؟ قال زيد : صدق الله الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله.
ولعل إستدلاله بالآية ليس لتبكيت الأعرابي لأن المراد من الآية أعلاه الأعراب الكفار، وليس الأعرابي المسلم الذي حضر ليستمع لحديثه الفقهي ولما سأل أعرابي النبي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وناداه بصوت جهوري يا محمد، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هاء على نحو من صوته -قال: يا محمد، متى الساعة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ويحك إن الساعة آتية، فما أعددت لها؟” قال: ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام، ولكني أحب الله ورسوله. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المرء مع من أحب”. فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث.
ويمكن تأليف مجلد وإعداد دراسات دكتوراه بلحاظ أمور:
الأول : الآيات القرآنية التي تخص الأعراب , وهي أعم من أن تنحصر بالأعراب من سكنة البادية، ومضامين وشواهد السنة القولية والفعلية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع الأعراب.
الثاني :خطاب وقول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للاعراب من عمومات قوله تعالى[وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ].
الثالث : أسباب نزول الآيات التي للأعراب وأسئلتهم شأن وموضوعية، وعن جابر قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله وهو يقسم قسما فأعرض عنه وجعل يقسم قال : أتعطي رعاء الشاء ؟ والله ما عدلت فقال : ويحك ! من يعدل إذا أنا لم أعدل ؟ فأنزل الله هذه الآية إنما الصدقات للفقراء، وعن جابر قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أنسب لنا ربك فأنزل الله قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
الرابع : المسائل التي إنتفع منها المسلمون بسؤال الأعرابي للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في باب العبادات أو المعاملات، وكان الصحابة يرجون أن يأتي أعرابي يسأله فينتفعون من مسألته ولا ينحصر هذا النفع بزمان التنزيل والصحابة، بل هو باق إلى يوم القيامة، فقد جاء أعرابي إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن امرأتي وَلَدت غُلامًا أسودَ؟. قال: “هل لك من إبل؟”. قال: نعم. قال: “فما ألوانها؟” قال: حُمر. قال: “فهل فيها من أورَق” قال: نعم. قال: “فأنى أتاها ذلك؟” قال: عسى أن يكون نزعة عِرْق. قال: “وهذا عسى أن يكون نزعة عرق، فمنعه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من نفي إبنه، وجاء في بعض المصادر أنه جاء رجل بدل أعرابي ويدل على إرادة الأعرابي أنه صاحب إبل.
وفي الحديث دعوة لعدم الأخذ بالتحليلات المختبرية والحامض النووي إن كانت مخالفة لقاعدة الولد للفراش وللعاهر الحجر) فمادام الزوج وطئ زوجته في المدة المحتملة للحمل أي قبل الولادة بستة أشهر إلى تسعة أشهر فانه يلحق بأبيه وهو الزوج.
الخامس : التخفيف عن المسلمين الذي يأتي بالسّنة النبوية بسؤال وإلحاح وإحتجاج أعرابي وإظهاره الرضا بالتخفيف وإختياره الجهاد والشهادة في سبيل الله، وأخرج البيهقي أنه: أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : نبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار . قال : تقول العدل ، وتعطي الفضل ، قال : هذا شديد لا أستطيع أن أقول العدل كل ساعة ، ولا أن أعطي فضل مالي . قال : فاطعم الطعام ، وأفش السلام، قال : هذا شديد والله! قال : هل لك من إبل؟قال : نعم . قال : انظر بعيراً من ابلك وسقاء فاسق أهل بيت لا يشربون إلاَّ غبا فلعلك أن لا يهلك بعيرك ، ولا ينخرق سقاؤك ، حتى تجب لك الجنة . قال : فانطلق يكبر ، ثم أنه إستشهد بعد.
السادس : أسئلة الأعراب عن الآخرة، وتلقيهم أخبار الخلود في الجنة عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالتصديق وقال الغزالي: وفي الحديث الطويل لأنس: أن الأعرابي قال يا رسول الله من يلي حساب الخلق فقال الله تبارك وتعالى قال هو بنفسه قال نعم فتبسم الأعرابي فقال صلى الله عليه وآله وسلم مم ضحكت يا أعرابي فقال إن الكريم إذا قدر عفا وإذا حاسب سامح فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدق الأعرابي ألا لا كريم أكرم من الله تعالى هو أكرم الأكرمين ثم قال فقه الأعرابي، وقال الحافظ العراقي لم أجد للحديث أصلاً، وذكره السبكي في الأحاديث التي لم يجد لها أصلاً.
السابع : إستنباط الدروس والمسائل من سنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع الأعراب، وعن معمر بن خلاد أنه قال للإمام الرضا عليه السلام: جعلت فداك الرجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون ويضحكون؟ فقال: لابأس ما لم يكن، فظننت أنه عنى الفحش، ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأتيه الأعرابي فيهدي له الهدية ثم يقول مكانه: أعطنا ثمن هديتنا فيضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وكان إذا إغتم يقول: ما فعل الأعرابي ليته أتانا.
والمكتبة الإسلامية بحاجة إلى دراسات أكاديمية عالية خاصة بحال الأعراب في الإسلام، وتلقيهم دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالتصديق وهو حجة في صدق معجزاته فبدلت جفاءهم بصدق السريرة، وأظهروا الإخلاص في الإيمان، وبادروا إلى الجهاد في سبيل الله، ولم تبق صفة الأعراب عالقة بهم لتبدل الحكم بتغير الموضوع، ويفتخر المسلمون وعلى نحو العموم المجموعي بصحابة سبقوا أممهم بدخول الإسلام وأحسنوا إسلامهم كسلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، ولقد ضحّى الأعراب بأنفسهم في ميادين القتال وكثير منهم إستشهدوا في سوح المعارك ولم يعرفهم أحد إلا الله، ولم يذكرهم التأريخ.
ولقد شاركوا في السرايا والغزوات والفتوحات وتولوا المناصب والأمارة وهو من عمومات قوله تعالى[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ] ، وكذا منه توثيق جهادهم والثناء عليهم وبيان الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بصيرورة الأعراب حملة لواء التوحيد وأمراء سرايا، وولاة حكم في الأمصار.
حرر في النجف الأشرف صالح الطائي
25 محرم الحرام1434