جواز الصوم لمن سافر بعد الفجر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
  م/ جواز الصوم لمن سافر بعد الفجر

الحمد لله الذي جعل التكاليف رحمة وزلفة إليه وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ولقد إزداد سفر الناس في هذه الأيام وهو من النعم الإلهية بكثرة المركبات وتعددها فمنها البرية والجوية والبحرية، وإتصافها بالسرعة الفائقة , وتقاربت البلدان , وتشعبت المصالح، وتوسعت موارد الرزق وطلب المعيشة مما يقتضي التدبر في النصوص بما فيه التخفيف عن المؤمنين من غير خروج عن الكتاب والسنة، والم
شهور جواز بقاء المكلف على صومه إن سافر بعد زوال الشمس وفيه نصوص بلحاظ ذهاب عامة النهار، ولكن وردت نصوص أخرى في طولها تفيد المعنى الأعم وجواز الصوم لمن سافر بعد طلوع الفجر منها:
الأول: في صحيحة رفاعة قال : سألت أبا عبدالله الصادق ( عليه السلام ) عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح ؟ قال : يتم صومه يومه ذلك
الثاني:  وفي الصحيح عن إبن أبي عمير ، عن رفاعة قال : سألت الإمام الصادق عليه السلام عن الرجل يريد السفر في رمضان ؟ قال : إذا أصبح في بلده ثم خرج فان شاء صام وإن شاء أفطر( ).
الثالث: في خبر سماعة قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : من أراد السفر في رمضان فطلع الفجر وهو في أهله فعليه صيام ذلك اليوم ، إذا سافر لا ينبغي له أن يفطر ذلك اليوم وحده(2) .
الرابع:  في خبر سماعة قال : سألته عن الرجل ، كيف يصنع إذا أراد السفر ؟ قال : إذا طلع الفجر ولم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم ، وإن خرج من أهله قبل طلوع الفجر فليفطر ولا صيام عليه(3).
الخامس: عن الإمام الرضا عليه السلام: إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلا أن يدلج دلجة) أي يسير وقت السحر وآخر الليل(4).
وقد أعرض مشهور المتقدمين والمتأخرين عن هذه الأخبار، وإحتار بعضهم في الإختلاف بين النصوص، ومنهم من حمله على التقية، ولكن الأمر أعم، ويبين الإعجاز في النصوص، وموافقتها للكتاب، ومناسبتها في إختلافها للتباين في أحوال الناس وما يطرأ عليهم , ومنه التقارب بين الأمصار وسهولة السفر، وكثرته، وإتخاذه  وسيلة لطلب الرزق، مع الحرص على الجمع بينه وبين الصيام، وهذا الحرص أصبح ظاهراً وأمراً ملحاً وسؤالاً إبتلائياً متكرراً.
وللسعة والمندوحة في آيات الصيام في القرآن وللنصوص أعلاه، وقاعدة نفي الحرج في الدين.
نفتي بما يلي :
جواز صيام المكلف إذا غادر بيته أو محل إقامته مسافراً بعد طلوع الفجر وله أن يفطر مع القضاء, والصيام هو الأولى حسب مقتضى النصوص أعلاه ، ويجوز له صيام اليوم التالي إذا وصل إلى بلده أو محل إقامته قبل زوال الشمس أي قبل أذان الظهر؟
السادس: في كتاب من لايحضره الفقيه للشيخ الصدوق سأل زكريا بن آدم أبا الحسن الرضا عليه السلام " عن التقصير في كم يقصر الرجل إذا كان في ضياع أهل بيته وأمره جائز فيها يسير في الضياع يومين وليلتين وثلاثة أيام ولياليهن؟ فكتب: التقصير في مسيرة يوم وليلة).
وحمل الفقهاء المراد من المسير يوم وليلة على ثمانية فراسخ، ولكنه أعم , ويدل على السعة في حكم المسافر في هذا الزمان خصوصاً مع إنتفاء العناء والمشقة في السفر وطي الأرض، ووجود الشوق للبقاء على الصيام , الذي هو عبادة بدنية ملاكها الصبر , وغلبة روح الإرادة , وقهر الشهوات واللذات.
وصحح أن الإفطار في السفر عزيمة وليس رخصة إلا أن الذي يسافر بعد الفجر يصدق عليه أنه مقيم وأنه مسافر، فيكون في سعة وتخيير  إن شاء صام وان شاء أفطر, والله واسع كريم ,  وهو الذي تدل عليه النصوص أعلاه وكذا الذي يصل أهله قبل الزوال .
 وقد رزقنا الله عز وجل صدور سبعة وسبعين جزء من التفسير بفيض منه سبحانه , ولازلنا في بداية القرآن، وجاءت آيات الصيام الأربعة في جزء مستقل منها , لنوظف علم التفسير في التيسير عن الشباب الرسالي، وقد أصدرنا قبل ست سنوات فتوى العصر في عدم شمول السيارة والطائرة بحرمة التظليل.
أما مسألة فهي عامة البلوى، وأدلتها ظاهرة الصيام في يوم السفر.
وليس من تعارض بين فتوانا بالصيام لمن سافر بعد الفجر وبين أقوال الفقهاء المتقدمين والمتأخرين للتباين في الموضوع، فهم ناظرون إلى السفر على الدابة والسير على الأقدام تحت الشمس , أما المعصوم فهو ناظر إلى التباين في الحال، وللفقيه في هذا الزمان أن يأخذ بما يناسب الحال والزمان مما يوافق الكتاب والسنة، وإذا تغير الموضوع تبدل الحكم , وفيه شاهد على الإعجاز في الشريعة السمحاء وملائمتها لكل الأحوال، قال تعالى بخصوص الصيام والسفر أو المرض فيه [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ]، لتكون هذه الفتوى والعمل بها وسيلة للفوز بإتمام العدة  وجعل المؤمن مخيراً بين الصيام والإفطار أول يوم من السفر وهي المسألة الأكثر إبتلاء في هذا الزمان، فمن المؤمنين من يحتاج السفر ليوم واحد وعلى نحو متكرر، أو أنه يصل في مساء ذات اليوم إلى محل إقامته, والعلم عند الله.

 

حرر في النجف الأشرف                                 صالح الطائي
21/رمضان/ 1431

مشاركة

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn