بسم الله الرحمن الرحيم
حج البيت من الكواكب الأخرى عند الإنتقال إليها
هل يجب على الذين ينتقلون إلى السكن في الكواكب الأخرى في قادم الأيام وتطور التقنية الحج إلى البيت الحرام , فيه وجوه :
الأول : نعم يجب على المستطيع منهم أداء الحج .
الثاني : يسقط عنهم الحج لتغير الموضوع بإنتقالهم إلى كواكب أخرى, وتبدل الحكم تبعاً له .
الثالث : يكون لهم في كوكبهم مثل البيت الحرام, ويعمل كعرفة ومزدلفة ليحجوا إليه, ولا يقطعوا شعيرة من شعائر الله . والصحيح هو الأول , كما عليهم إستقبال البيت في الصلاة أو الخط الوهمي الموازي لها , ووجوب الحج على الذين ينتقلون إلى الكواكب الأخرى للسكن لوجوه :
الأول : بقاء ذات التكاليف للناس, وإن إنتقلوا إلى أماكن بعيدة في الأرض أو إلى كواكب أخرى, وقد يستغرق الإنتقال والسفر بالمركبة الفضائية من الكواكب إلى الأرض أقل مما لو جاء الإنسان على دابة من أقصى الأرض, قال تعالى(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) ( )
الثاني : الإعجاز في أداء فريضة الحج, وتتجلى آيات في المقام بشرط الإستطاعة وبيانه بأنه الزاد والراحلة ولم تخطر على بال أحد أن الراحلة ستكون مركبة فضائية وبكلفة عالية, ولو أ راد احد سكان الكواكب الأخرى زيارة كوكب الأرض, ودار الأمر في أوانه بين موسم الحج وغيره, فيجب أن يختار موسم الحج إذا كان يستطيع أداء الفريضة .
الثالث : الإعجاز في تشريع فريضة الحج بأن جعلها الله عز وجل مرة واحدة في العمر, وعليه الاجماع والنص , وعن ابن عباس قال : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج . فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله؟ قال : لو قلتها لوجبت ، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها . الحج مرة فمن زاد فتطوّع وروي الحديث عن الإمام علي عليه السلام والحديث متواتر .
الرابع : لقد تفضل الله عز وجل وجعل خصوصية في البيت الحرام غير موجودة في غيره من بقاع الأرض بأن جعل القلوب تميل إليه, والنفوس تشتاق للطواف حوله, وفي التنزيل (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) ( ) وجاءت الآية اعلاه بالتبعيض (أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ) وعن إبن عباس لو قال : أفئدة الناس : لأزدحم عليه فارس والروم واليهود والنصارى والناس كلهم ولكن قال (مِنْ النَّاسِ) فإختص به المسلمون ومن الإعجاز إرادة التبعيض في عموم الناس ليشمل أهل الكواكب الأخرى, فيكون التبعيض بلحاظ موضع السكن, فيأتي الناس للحج ومعهم الأرزاق والثمرات والأموال بقصد إنفاقها في مكة لتكون عوناً على تعاهد عبادة في الأرض, وليرجع وفد الحاج بعلوم مكتسبة في طاعة الله وسنن العبادة وأسباب الصلاح وهو يأتي سكان الكواكب الأخرى بالثمرات والمعادن وضروب التجارة إلى البيت الحرام. كما في قوله تعالى (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا) ( ) وتلك آية في عظيم شأن البيت الحرام في السموات والأرض, وكأنه من مصاديق جعل البيت الحرام مقابلاً للبيت المعمور في السماء الرابعة, وعلى فرض حصول سكن في الكواكب الأخرى, وتبادل تجاري بينهم وبين أهل الأرض فأن هذا التبادل ينعش امصاراً ودولاً متعددة من الأرض, ولكن البيت الحرام له خصوصية في المقام وتتجلى في هذا الزمان بوضع غالب دول العالم القيود والشرائط في زيارة الناس لها, بينما يأتي وفد الحاج من جميع بلدان العالم . ولعل أسراراً تتعلق بالأمن والسلامة في البيت الحرام وعدم هبوط المركبات الفضائية في الحرم , وما قد تجلبه من الأخطار والأضرار ولو على سبيل الفرد النادر, والإعجاز في تجلي تأويل مستحدث مصاحب للمركبات الفضائية ونقلها للمسافرين والناس بخصوص الحج والعمرة , قال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) ( ) .
الخامس : جاء القرآن بشرف البيت الحرام ويعظم منزلته بقوله تعالى (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) ( ) فقد جعل الله عز وجل البيت الحرام للناس جميعاً, ومن إعجاز الآية أعلاه بلحاظ موضوع هذا البحث وهو إنتقال الإنسان إلى الكواكب الأخرى أنه هدى للعالمين أي وإن كان الناس في عوالم أخرى .
السادس : لقد أراد الله عز وجل للإنسان أن تبقى صلته مستمرة ومتصلة مع الأرض لا يغادرها على نحو السالبة الكلية والبينونة الكلية .
فتفضل وجعل حج وعمارة البيت الحرام عنوان الصلة الدائمة بين الناس والأرض , ومعرفة تأريخ النبوة, وما يدريك لعل بعض الكواكب تصلح الكواكب , دون الدفن , فسكان الكواكب الأخرى ليسوا قسيماً لأهل الأرض, أنما هم فرع وامتداد لأهل الأرض وتشملهم أحكامهم فيختار شطر من البشر الذين يسكنون الكواكب الدفن في الأرض, قال تعالى (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) ( ) مع وجود الذي يحرص على دفنه في مكة أو المدينة أو النجف .
وفي الآية أعلاه ذكرت في التفسير أن الذين ينتقلون إلى الكواكب الأخرى ويدفنون فيها, هل يرجعون في عالم البرزخ إلى الأرض ثم يبعثون منها, أم يبعثون من الكواكب الأخرى التي دفنوا فيها, الجواب : هو الثاني .