بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حرمة تقسيم المسلمين الى سنة وشيعة
لقد أنعم الله عز وجل على المسلمين إذ جعلهم خير أمة أخرجت للناس، ومن خصائص خير أمة الوحدة والتـآخي والتعاضد ونبذ الفرقة والخلاف، وصارت في الآونة الأخيرة موضوعية للإختلاف الفقهي عند المسلمين، وأصبحوا أحياناً يقسمون سياسياً وإجتماعياً الى سنة وشيعة.
وترتبت على هذه التقسيم المكروه ومقدماته آثار مؤلمة وأضرار بالغة عانى ويعاني منها المسلمون على نحو العموم الإستغراقي والمجموعي، مما يستلزم قيام العلماء والسياسيين والأدباء والشعراء والخطباء ورجال الصحافة والإعلام بوظائفهم في تأكيد وحدة المسلمين، ولا تتحقق هذه الوحدة بالتقارب بين السنة والشيعة فحسب بل برفض ومحو تقسيم المسلمين فليس من أصل لهذا التقسيم لا في القرآن الذي هو المصدر الأول للتشريع، ولا في السنة النبوية الشريفة التي هي بيان له، والمصدر الثاني للتشريع لذا يجب الإلتفات الى أمور:
الأول:حرمة تقسيم المسلمين الى شيعة وسنة، ولزوم عدم جعل إعتبار لهذا التقسيم في العبادات والمعاملات، والأحكام والصلات الإجتماعية ، والعقود والإيقاعات سواء على نحو السالبة الكلية او الجزئية، قال تعالى[إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]، وصحيح ان الأسم غير المسمى كما ثبت في علم الكلام، إلا ان محاربة التعدد في الإسم مقدمة، وبرهان على وحدة المسلمين.
الثاني: حرمة سؤال المسلم لأخيه الذي تجمعه معه الشهادتان هل أنت سني أم شيعي، ويجب ان يكون الرد على مثل هذا السؤال بمضامين الوحدة الإسلامية ونبذ الفرقة بصيغ اللطف ، وفيه دعوة للخير والصلاح وإجتناب مثل هذا السؤال، وحسن الرد عليه من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ] ( )، وموضوع وحدة المسلمين في هذا الزمان وما ترشح عن العولمة من اكثر المواضيع الإبتلائية التي يحتاج فيها المسلمون مضامين الأمر والنهي.
الثالث: حرمة الجدال والمناظرة بما يرسخ الفرقة بين المسلمين، سواء كان الجدال على نحو القضية الشخصية أم في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة،وفي الوقائع التأريخية أو أحداث الساعة ، ولا يجوز للمسلم ذكراً او أنثى متابعة مثل هذه المناظرات، ويجب الإعراض عنها إذا كانت ضارة بوحدة المسلمين، ومن خصائص المسلمي أنهم يعرفون الأغراض الخبيثة لمن يقف وراء هذه المناظرات وماهيتها.
الرابع: إجتناب التعصب الأعمى لمذهب مخصوص وذم المذاهب الإسلامية الأخرى وبما يؤدي الى النفرة والبغضاء، ولو نظرت الى الإختلاف بين السنة والشيعة لوجدته صغروياً، ووجوب عدم إعطائه موضوعية من عمومات القاعدة الأصولية تقديم الأهم على المهم، فالأهم هو رفعة الإسلام وسلامة مبادئه، ووحدة المسلمين، وليس من دليل على أهمية الولاء الطائفي على حساب الإنتماء للإسلام والأمة الاسلامية الذي يترشح عنه العز والرفعة والمنعة، وقد أمر الله عز وجل المسلمين متحدين بالتمسك بالقرآن والسنة وإستحضار نعمة الأخوة الإيمانية، قال تعالى [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا] ( ).
لقد جرت مساع حميدة للتقريب بين المذاهب الاسلامية ودرء الصدع، ومن الآيات ان تلك المساعي مع حسنها الذاتي، لم تعط ثماراً كثيرة في الواقع العملي، والسبب ان النوبة لم تصل اليها، بل لابد من الرجوع الى الأصل وهو وحدة المسلمين وحرمة تقسيمهم الى فرق ومذاهب وكيانات دينية مستقلة وضرروة عقد مؤتمرات لتوكيد سور الموجبة الكلية وهو الإنتماء للإسلام ونبذ الفرقة والاختلاف وعدم جعل موضوعية للمذاهب وما يسبب الضرر والأذى النوعي العام بالذات والعرض، وقد جاء الجزء الحادي والخمسون من تفسيري في آية واحدة من سورة آل عمران ايضاً وهي [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ] إذ يخاطب الله عز وجل المسلمين جميعاً باعتبارهم أفراداً من هذه الأمة، وهذا الخطاب شامل لكل من ينطق بالشهادتين، وهو إنحلالي ومتجدد الى يوم القيامة مما يؤكد على سلامة ونزاهة الإسلام والمسلمين من التقسيم طوعاً وقهراً وإنطباقاً، ونشكر الجهود الحميدة التي تبذلها منظمة المؤتمر الإسلامي في المقام.
وينبغي ان يسعى المسلمون جميعاًَ لإزالة الكدورات وأسباب الانقسام والقضاء على هذا التقسيم الثنائي الذي قد يكون مقدمة لتقسيمات أخرى في داخل كل طائفة ومذهب بلحاظ ما ورد من الإختلاف الفقهي والكلامي الى جانب الأمور السياسية وحب الجاه والشأن والرياسة عند بعضهم، وإستحداث جماعات وأقوال تؤدي الى الإنشطار والقسمة المتعددة بين المسلمين، لذا فان حرمة تقسيم المسلمين حاجة دنيوية وأخروية وضرورة وبرزخ دون ترسيخ وتعدد أسباب الفرقة والخلاف، وقد تفضل الله عز وجل على المسلمين إذ جعل القرآن، والسنة التي هي من مصاديق الوحي حاجزاً وواقية دون إستمرار الفرقة والخلاف.
وذهب ضحية الإبراز المستورد لهذا التقسيم الآلاف من المسلمين، ودخل الحزن كل بيت من بيوت أهل العراق ليكونوا شاهداً عملياً على قبح تفريق المسلمين الى سنة وشيعة مع أن المسلمين جميعاً يعلمون ان العوائل العراقية لا تعرف هذه القسمة قديماً وحديثاً، وما من قبيلة من قبائل العراق الا وفيها من الفريقين، ويظهرون أسمى معاني الأخوة النسبية ويحرصون على الصلة السببية والإجتماعية الدائمة بينهم ، ورفعة وإستقلال ووحدة العراق أرضاً وشعباً.
وتقع على عاتق كل مسلم ومسلمة مسؤولية تعاهد مبادئ الشريعة وحفظ الأوطان بالتمسك بالإسلام بالقلب والجوانح وعالم الأقوال والأفعال، ورفض فتنة وآفة تقسيمهم الى شيعة وسنة وإجتناب الخصومة والنزاع، لقد جعل الله عز وجل الحاجة ملازمة لعالم الإمكان والمخلوقات، ومما تفضل الله تعالى به على الإنسان وأسرار الإبتلاء والإختبار في الحياة الدنيا أن جعل حاجته متعددة في موضوعاتها، ومن الكلي المشكك الذي يكون على مراتب متفاوتة قوة وضعفاً، وتبرز في زمن تداخل الحضارات واختلاط المفاهيم والعلوم التقنية الحديثة والإتصالات السريعة حاجة المسلمين الى الوحدة والتآخي لما فيه نفعهم ووقايتهم من الآفات والكدورات، والموعظة والزجر لغيرهم من التعدي عليهم، قال سبحانه [وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ].
حرر في 1/محرم الحرام/1429هـ صالح الطائي
النجـــــف الأشـــــــــرف