رؤيا لنا البارحة بخصوص آية البحث
لقد جعل الله عز وجل الرؤيا حبلاً ممدوداً وموصلاً بين شآبيب رحمته وروح العبد لينتفع من بشارتها الفرد والجماعة، ويحذر الناس فيما يتعلق برؤيا الإنذارات , ويتوجهون إلى الدعاء لصرف البلاء الذي تكون الرؤيا إشارة إليه.
فمن أظهر معاني رؤيا المنام الصادقة أمور:
الأول : دعوة الإنسان للتوبة والتدارك.
الثاني : تنبيه الإنسان لما هو غافل عنه.
الثالث : تثبيت الإيمان في النفوس.
الرابع : بيان العلقة بين عالم الروح وعالم الجسد.
الخامس : شكر الله عز وجل على البشارة التي تأتي بها الرؤيا( وعن الإمام الباقر عليه السلام قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله في قول الله عز وجل ” لهم البشرى في الحيوة الدنيا ” قال: هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه( ).
وورد مثله عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله[لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا]( )، قال هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له.
وأخرج أحمد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله { لهم البشرى في الحياة الدنيا } قال « الرؤيا الصالحة يبشر بها المؤمن ، وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة ، فمن رأى ذلك فليخبر بها وادّاً ، ومن رأى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه ، فلينفث عن يساره ثلاثاً وليسكت ولا يخبر بها أحداً( ).
وسيبقى ميدان الرؤيا وأسرارها ساحة وجنّة ينتفع بها الناس جميعاً من القرآن وما أعطاه للرؤيا من منزلة وجوهر وأحكام ودوام الانتفاع بها في الأحلام التي اثبت العلم الحديث ان الإنسان يرى في منامه ومنذ أيام ولادته الأولى وفي كل ليلة، وقالوا بان عُشر عمر الإنسان يقضيه في الرؤيا والأحلام وان الذي يعيش سبعين عاماً تأخذ الأحلام سبع سنوات من عمره وقد يكون هذا الرقم مبالغاً فيه , ولا يخلو من إفراط سيما وان للرؤيا خاصية غيبية وهي ان سلسلة من الأحداث وفصولاً متوالية تجري في ثوان معدودة.
ومع هذا تبقى الرؤيا عالماً يحتاج أهل الأرض ان ينهلوا منه ويتزودوا من علومه ويأخذوا منه، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثير الرؤيا وما رأى رؤيا إلا وجاءت كفلق الصبح.
وبينما أنا أجتهد في المراحل الأخيرة من كتابة وتصحيح ومراجعة الجزء الرابع عشر بعد المائة والتي أقوم بها بمفردي والحمد لله , وهو خاص بقوله تعالى[وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ] رأيت الليلة في المنام كأن المسلمين يوم القيامة يلتقون الربيين من أصحاب الأنبياء فيستجيب الله عز وجل لهم، قال تعالى[لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ]( )، فيتحاورون ويستحضرون مشاهد من جهادهم.
لتكون هذه الرؤيا نعمة من عند الله ، فله الحمد سبحانه فقمت من السرير في الحال , وكتبت هذا الفصل بإضافات على أصل الرؤيا .
ومن أسرار إنفرادهم باللفظ (ربيون) أن المسلمين من سكنة الجنة يوم القيامة يقولون ربنا أرنا الربيين الذين كنا نذكرهم في الآية السادسة والأربعين بعد المائة من سورة آل عمران، فيتفضل الله عز وجل ويجمع بينهم وبين هؤلاء المسلمين الذين يخبرونهم عن تلاوة قصتهم وذكرهم بالصفة الكريمة في الصلاة وخارجها، وأنهم يجتهدون بمحاكاتهم والسير على منهاجهم، ثم يسألونهم عن أمور منها:
الأول : من هم الأنبياء الذين كانوا يقاتلون معهم، فهذا يقول كنت مع نبي الله فلان , وكان عددنا في المعركة التي وقعت في المكان الفلاني كذا، وفي أخرى كذا فتتبين أعدادهم وأسماء الأنبياء الذين قاتلوا معهم، والمسلمون يجيبون نعم هذا الإسم ورد في القرآن، ويقول بعض المسلمين قد زرناه في قصره في الجنة, ويتشوق آخرون لزيارته .
وآخرون من المسلمين يطلبون من الربيين الذين هم أنصاره مصاحبتهم لزيارته.
ويذكر الربيون إسم نبي آخر , فيقول المسلمون نعم ورد ذكره في السنة النبوية، ثم يذكر الربيون أسماء أنبياء , فيقول المسلمون لا علم لنا بهم في الدنيا , قال تعالى[وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ) ( ) ولقد آمنا بهم وصدقناهم على نحو العموم الإستغراقي, وقاتلتم أنتم معهم , وتعاهدنا نحن ذكرهم والتصديق بهم إلى يوم القيامة , .
الثاني : كيف استحقوا مرتبة ربيين التي شرّفهم الله عز وجل بها من بين الناس جميعاً، فلم ترد إلا في آية البحث , للدلالة على إختصاصهم بصفة ومنزلة خاصة يوم القيامة . ويمكن تأسيس قانون من جهتين :
الأولى : ذكر طائفة من المؤمنين بلفظ وثناء خاص أمارة وبشارة على إنفرادهم مرتبة ورفعة معينة.
الثانية : نعت فريق من الكفار بلفظ وذم وتبكيت مخصوص دليل على إختصاصهم بعذاب من ضروب العقاب .
الثالث : هل يشمل هذا الوسام والفخر التابعين وأنصار الأنبياء الذين صدّقوا بهم من بعد مغادرتهم الدنيا.
الرابع : يسأل المسلمون الربيين عن سر فوزهم بالجمع بين التقوى والقتال.
الخامس : بيان حال الربيين أيام السلم ومع الأهل وفي المعاملات مع الناس.
السادس : نتائج كل معركة خاضها الأنبياء والربيون مع الكفار.
السابع : عدد الشهداء من الربيين الذين قتلوا في المعارك، وإذا كان بعض المقاتلين معلَمين باشارات واضحة في القتال، فهل يحملون ذات العلامات في الجنة .
الجواب نعم لأنها جواز عبور على الصراط، وآية يعرفون بها، ولابد أن للشهداء منهم علامات خاصة أسمى وأبهى.
ومرة أخرى الربيون هم الذين يسألون الله أن يجمعهم مع المسلمين والمسلمات الذين كانوا يتلون آية البحث وما فيها من ذكرهم كل يوم ليسألونهم عن موضوع نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي كانوا يتوارثون البشارة به , ويغبطون المسلمين على صحبته وإتباعه ويشكرونهم عن إحياء ذكرهم كل يوم من أيام الحياة الدنيا.
ومن الأمور التي يسألون عنها المسلمين:
الأول : جهاد سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الله، فيفاجئ الربيون بحقيقة وهي أن أجيال المسلمين والمسلمات المتعاقبة يعرفون أحوال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الحل والترحال والحرب والسلم وكأنهم عاشوا معه في الدنيا كما جمعهم الله عز وجل معه في الجنة الواسعة.
الثاني : يسألون الصحابة عن صبرهم وخروج عدد منهم مهاجرين إلى الحبشة ثم هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه إلى المدينة المنورة بعد هجرته إلى الطائف.
وهل يسألون عن الفرقة التي أصابت المسلمين بالمذاهب والله عز وجل يقول[وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا]( )، وما هي النتائج الحميدة لو لم تكن هناك مذاهب وفرق، الجواب هذا بعيد، ولكن المسلمين يبينون ما يدل على أن هذا الإختلاف صغروي لم يخرجهم عن طاعة الله والرسول والعمل بأحكام الشريعة والتمسك بالقرآن، وهو من مصاديق [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي]( ).
الثالث : يسأل الربيون بماذا نلتم مرتبة[خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ]( )، هذه المرتبة التي تجعل الربيين يكرمون المسلمين في الآخرة، وتحتمل الصلة بين الربيين والمسلمين في عالم البرزخ وجوهاً:
الأول : يتلقى الربيون المسلمين بالحفاوة والبشارة وأسباب بعث السكينة في نفوسهم.
الثاني : ينتظر الربيون قدوم المسلمين عليهم من غير أن يتحقق اللقاء بينهم في عالم البرزخ.
الثالث : ليس من لقاء بين الربيين والمسلمين في عالم البرزخ.
الرابع : تتلاقى الأرواح في عالم البرزخ وهو كالإجتماع الإبتدائي، ويختلف عن حلق الجنة والسكن في قصورها.
وأخرج إبن أبي حاتم من طريق مسلم بن جعفر البجلي قال : سمعت أبا معاذ البصري : أن علياً قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : والذي نفسي بيده ، إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون بنوق لها أجنحة عليها رحال الذهب ، شرك نعالهم نور تلألأ ، كل خطوة منها مد البصر ، فينتهون إلى شجرة ، ينبع من أصلها عينان ، فيشربون من احداهما ، فيغسل ما في بطونهم من دنس ، ويغتسلون من الأخرى ، فلا تشعث أبشارهم ، ولا أشعارهم بعدها أبداً ، وتجري علي
فيأتون باب الجنة ، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ، فيضربون بالحلقة على الصفحة ، فيسمع لها طنين فيبلغ كل حوراء : أن زوجها قد أقبل ، فتبعث قيمها فيفتح له ، فإذا رآه خر له ساجداً فيقول : ارفع رأسك إنما أنا قيمك وكلت بأمرك ، فيتبعه ويقفو أثره ، فتستخف الحوراء العجلة فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه ثم تقول : أنت حبي وأنا حبك ، وأنا الخالدة التي لا أموت ، وأنا الناعمة التي لا أيأس ، وأنا الراضية التي لا أسخط ، وأنا المقيمة التي لا أظعن ، فيدخل بيتاً من أسه إلى سقفه مائة ألف ذراع ، بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق : أصفر وأحمر وأخضر ، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها ، في البيت سبعون سريراً ، على كل سرير سبعون حشية ، على كل حشية سبعون زوجة ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من باطن الحلل ، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه ، الأنهار من تحتهم تطرد : { أنهار من ماء غير آسن} قال : صاف لا كدر فيه ، { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } قال : لم يخرج من ضروع الماشية ، { وأنهار من خمر لذة للشاربين } قال : لم تعصرها الرجال بأقدامها ، { وأنهار من عسل مصفى } قال : لم يخرج من بطون النحل فيستحلي الثمار ، فإن شاء أكل قائماً وإن شاء أكل قاعداً ، وإن شاء أكل متكئاً . ثم تلا { ودانية عليهم ظلالها } الآية . فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض وربما قال : أخضر ، فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء ، ثم يطير فيذهب فيدخل الملك فيقول : { سلام عليكم } { تلكم الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون }( ).
وهناك مسألتان :
الأولى : هل تختص لقاءات المسلمين بالربيين بعرصات وقصور الجنة , أم تشمل مواطن النشور والحساب والحوض والميزان والصراط , الجواب هو الثاني .
الثانية : هل يختص اللقاء بين الربيين والمسلمين في الآخرة بالمرة والمرتين , الجواب لا، إنما هو مرآة وثواب لعدد المرات التي كان الربيون يتلقون بها البشارة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقبول ويورثونها ويتركونها كنزاً إلى من بعدهم , ولعدد مرات قراءة المسلمين لآية البحث وتلقيهم جهاد الربيين بالتصديق والتأسي والمحاكاة , ويحتمل هذا اللقاء في سنخيته وجوهاً:
الأول : إنه من العمل الحسن.
الثاني : إنه من ثواب الله عز وجل في الآخرة.
الثالث : إنه فضل إضافي ونعمة من عند الله.
والصحيح هو الثاني والثالث، وليس من عمل في الآخرة , ولقد أراد فيه الحجة والبرهان .
ومن الشواهد على عمومات قوله تعالى[فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ]( )، وشموله للوقائع والأحداث في دار الدنيا والآخرة أن المسلمين يسألون الربيين عمن قاتلهم من الكفار، فيطلون جميعاً على النار ، ويرونهم بأشد العذاب، ويسأل الربيون المسلمين عن أقطاب الكفر والضلالة الذين آذوا رسول الله وحاربوا المسلمين فيخبرونهم باسماء أبي جهل وأمية بن خلف وبعض المنافقين مثل عبد الله بن أبي سلول وغيرهم، فيطلون مرة أخرى على النار ويرونهم بالعذاب الأليم .
فينادي المسلمون والربيون بصوت واحد[وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ]( ) وهذا اللقاء بين المسلمين والربيين من الحواريات الظنية ببركة الرؤيا الصالحة التي أنعم الله سبحانه عليّ بها , والتي يستلزم إثباتها الدليل والبرهان ولو على نحو الإجمال.