صدر الجزء السادس والأربعون بعد المائتين بعنوان علم الاحصاء القرآني غير متناهِ

المقدمــــــة
الحمد لله الذي [أَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( )، وجعل الخلائق عاجزين عن فهم وإحصاء مصاديق قوله تعالى أعلاه.
وكل شئ و(كل) سور الموجبة الكلية ، هل تحيط الخلائق علماً بالأكثر أم الأقل المتناقص من هذا الكل ، الجواب هو الثاني وإن قلت لماذا يكون هذا القليل متناقصاً ، الجواب لأن الكثرة في فضل ونعم ومخلقوات الله عز وجل أسرع من إحصاء الخلائق لها ، وقوله تعالى [وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ]( )، وفيه دعوة للناس للشكر لله عز وجل على بديع خلقه ، وعظيم صنعه .
ومن مصاديق هذا الشكر كف اليد عن الإرهاب والظلم والتعدي ، والإعتراف بأنها لا تغير في خلق الله شيئاً إنما تكون وبالاً على أصحابها ، ومجلبة للخزي والضرر والأذى لهم .
الحمد لله الذي اختص النبي محمداً بنزول القرآن كتاباً جامعاً للأحكام الشرعية ، ليتفضل الله بحفظه وسلامته من التحريف والزيادة والنقصان إلى يوم القيامة .
وهل هو من مصاديق قوله تعالى [يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ]( )، الجواب نعم.
الحمد لله الذي جعل الشكر له أصلاً في العبادة ، ويجزي عليه بالنعم والثواب مع أنه أمر يسير على اللسان ، وليس بينه وبين الإنسان من حاجز أو حاجب.
ومن الآيات أن الطواغيت والمشركين لا تنفر نفوسهم وفي الجملة من قيام الناس بالشكر لله ، وفيه تأكيد على ألوية التوحيد ، ووجوب طاعة الله ، والتنزه عن الأخلاق المذمومة.
الحمد لله بعدد وتسبيح الملائكة الذين تساءلوا عن جعل الإنسان [فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]( )، إذ [قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ]( ),
الحمد لله عند طلوع الفجر ، وعند زوال الشمس عن كبد السماء وعند الغروب ، وصحيح أن قوله تعالى [أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا]( ).
لتعيين أوقات الصلاة اليومية الواجبة ولكن هل يتضمن التسبيح المستحب والنافلة في هذه الأوقات على نحو الخصوص ، الجواب نعم ، إذ تبين الآية موضوعية هذه الأوقات في حياة الناس ونزول الرزق والفضل والبركة.
وهذا الجزء من (معالم الإيمان) هو السادس والأربعون بعد المائتين ويختص بـ (علم الإحصاء القرآني غير مُتَنَاهٍ).
وصحيح أن أجزاء وقوانين من هذا السِفر تعلقت باحصاء علوم القرآن إلا أنه لم يختص جزء بعلم الإحصاء التفصيلي في القرآن ، ليفتح هذا الجزء وشبهه آفاقاً وذخائر من العلوم ، ويكون نواة وأصلاً في دراسات في علم الإحصاء وما يتفرع عنه من الكنوز.
الحمد لله الذي من قدرته الإحصاء لمطلق الأشياء ما ظهر وما بطن وخفي منها مع بقاء أفراد الإحصاء غير المتناهية حاضرة عند الله عز وجل ، مستجيبة له قال تعالى [وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا] ( ) وسيأتي باب النسبة بين العلم والإحصاء ، وأنهما عموم وخصوص مطلق ، فعلم الله عز وجل أعم من الإحصاء ، وذات الإحصاء غير متناه ، وتعجز الخلائق عن الإحاطة به ، فمن باب الأولوية أن علم الله تعالى غير متناه ، وهو باب للخشوع والخضوع له تعالى ، والإنقطاع إلى طاعته .
وجعل الله أول كلمة نازلة من القرآن في تحصيل ذخائر الوحي وعلوم الحياة بقوله تعالى [اقْرَأْ] والنسبة بينها وبين علم الإحصاء عموم وخصوص مطلق ، أي أن هذا العلم جزءٌ وفرعٌ من كلمة واحدة من القرآن والتي تبعها قيد النفع العام وقصد القربة والأجر بقوله تعالى [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ] ( )
لتتجلى كنوز علمية وعملية من معاني (اقرأ) التي تتضمن العبادة والصلاح والكتابة والتدبر والتفكر في الخلق .
وعلم الإحصاء والحساب من العلوم التي صاحبت الإنسان من أول خلق آدم عليه السلام وهو حاجة في أمور الدين والدنيا.
وهذا الجزء هو السادس والأربعون بعد المائتين من (معالم الإيمان في تفسير القرآن) ويختص بعلم الإحصاء القرآني مع الإقرار بعجز الخلائق عن إحصاء النعم الإلهية عليهم ، وليس من حد أو رسم لمصاديق الإحصاء في القرآن .
والحد ما يتعلق بذات كلمات وآيات القرآن ، ويميزها عن غيرها كما لو قلت الإنسان الخليفة في الأرض ، أو الإنسان كائن ناطق ، والرسم التعريف بأغراض وأسرار وإعجاز كلمات القرآن.
وهذا العلم مطلوب لذاته لأنه إعجاز ، وهو وسيلة علمية لتنظيم شؤون الحياة الدنيا ، وضبط العبادات والمعاملات ، والفوز بالنعيم الأخروي سواء الإحصاء الوضعي أو الموضوعي أو الإستدلالي أو الحكمي منها :

  • إحصاء كلمات الأوامر .
  • إحصاء آيات النواهي في القرآن ، وهو أعم وأدق من إحصاء آيات الأحكام كما سيأتي بيانه.
  • إحصاء آيات التوحيد .
  • إحصاء آيات النبوة .
  • إحصاء آيات الحمد والشكر لله ودلالتها .
  • إحصاء آيات الفلك .
  • إحصاء آيات الرزق .
  • إحصاء آيات الإنفاق والصدقة .
  • إحصاء آيات الفرائض العبادية .
  • إحصاء آيات الصبر ، قال تعالى [فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ] ( ).
  • إحصاء آيات العلوم والحساب والإعجاز العلمي .
  • إحصاء الأمثال في القرآن .
  • إحصاء آيات الحروف المقطعة .
  • إحصاء المجمل والمبين .
  • إحصاء المحكم والمتشابه .
  • إحصاء الناسخ والمنسوخ ، قال تعالى [مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( ).
  • إحصاء المطلق والمقيد .
  • إحصاء العام والخاص .
  • إحصاء الوعد والوعيد.
  • إحصاء الآيات التي وردت بخصوصها أسباب نزول.
  • إحصاء القسم وأقسامه في القرآن .
  • إحصاء أول ما نزل وآخر ما نزل في القرآن .
  • إحصاء القراءات القرآنية .
  • إحصاء كتّاب الوحي .
  • إحصاء المكي والمدني.
  • إحصاء الحضري والسفري والنهاري والليلي.
  • إحصاء التشبيه والإستعارة ، والمشترك والمجاز .
  • إحصاء الفاكهة والنباتات في القرآن .
  • إحصاء وأسماء زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
  • إحصاء آيات أزواج النبي ، قال تعالى [يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا]( ).
  • إحصاء آيات أهل البيت ، قال تعالى [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا]( ).
  • إحصاء أسماء الطواغيت والظالمين الذين ذكروا في القرآن .
  • إحصاء أسماء الرجال والنساء الذين ذكروا في القرآن .
  • إحصاء المعارك التي ذكرت في القرآن ، وفي معركة الأحزاب ، قال تعالى [إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا]( ).
  • إحصاء الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة .
  • إحصاء شهداء بدر ، وأحد ، والخندق ، قال تعالى [وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ] ( ).
  • إحصاء الآيات التي تذم النفاق والمنافقين .
  • إحصاء آيات الحساب .
  • إحصاء آيات يوم القيامة .
  • إحصاء آيات الجنة والنار .
  • إحصاء آيات التكبير والتسبيح والتهليل .
  • إحصاء الأسماء الحسنى وآياتها ، قال تعالى [هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ]( ).
  • إحصاء آيات الرحمة الإلهية .
  • إحصاء آيات العفو والمغفرة .
  • إحصاء آيات حب المؤمنين لله عز وجل وحب الله للعباد.
  • إحصاء فضائل القرآن .
  • إحصاء أسماء القرآن .
  • إحصاء الكتب السماوية .
  • إحصاء قصص الأنبياء .
  • إحصاء أسماء الأنبياء في القرآن .
  • إحصاء آيات الملائكة .
  • إحصاء الآيات التي تخص العقول .
  • إحصاء آيات ذم الشرك ، قال تعالى[إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا] ( ).
  • إحصاء آيات فعل الخير ومصاديقه ، فان قلت قد وردت آيات الإنفاق فهل تدخل فيه ، الجواب نعم، وبينهما عموم وخصوص مطلق.
  • إحصاء الشواهد القرآنية على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لم يغز أحداً).
  • إحصاء الدلائل على قانون التضاد بين القرآن والإرهاب .
  • إحصاء آيات السلم .
  • إحصاء آيات الدفاع .
  • إحصاء آيات النكاح والطلاق .
  • إحصاء آيات الميراث والفرائض .
  • إحصاء آيات الإحصاء [يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ]( ).
  • إحصاء آيات الجدل والإحتجاج في القرآن .
  • إحصاء آيات الفقه .
  • إحصاء آيات الأخلاق ، قال تعالى [وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ]( ).
  • إحصاء آيات أهل الكتاب .
  • إحصاء حياة وتأريخ الأمم في القرآن .
  • إحصاء آيات آدم وحواء وولديهما .
  • إحصاء نداء الإيمان [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا].
  • إحصاء آيات طلب العلم والحضّ عليه ، وفي التنزيل [وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا] ( ).
  • إحصاء النداء العام (ياأيها الذين آمنوا) والفرق بينه وبين النداء (يابني آدم).
  • إحصاء علوم العربية في القرآن ، فمن إعجازه بلاغته .
  • إحصاء أسماء السور والآيات .
  • إحصاء آيات المياه والبحار .
  • إحصاء آيات الطب وعلم الأبدان .
  • إحصاء آيات الصناعة والمهن.
  • إحصاء آيات الأسرة ، قال تعالى [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ]( ).
  • إحصاء آيات الأعراف والعادات .
  • إحصاء الجملة الخبرية والإنشائية في القرآن.
  • إحصاء آيات علم أصول الفقه ، ومنه الآيات التي تتضمن الأحكام التكليفية فمثلاً ورد الأمر المتعدد والنهي المتعدد في موضوعه في قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]( ).
  • إحصاء الأوامر والنواهي التي جاءت بصيغة الخبر.
  • إحصاء النعم في القرآن ، وهل من مصاديق قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا]( )، عجزنا مجتمعين ومتفرقين عن إحصاء النعم الواردة في القرآن ، الجواب نعم .
  • إحصاء النعم المترشحة عن تلاوة آيات القرآن ، والعمل بها .
  • إحصاء ثواب تلاوة القرآن ، والعمل بمضامينه .
  • إحصاء أسباب النزول .
  • إحصاء آيات (قل) ودلالتها ، إذ ورد هذا اللفظ (332) مرة في القرآن .
  • إحصاء آيات الأيام والليالي .
  • إحصاء الآيات التي تتضمن ستة أحكام أو أكثر، والآيات التي تتضمن أربعة وثلاثة ،ومن الأولى قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] ( ).
  • إحصاء الآيات التي تتضمن ثلاثة من النواهي أو أكثر .
  • إحصاء الآيات التي ورد فيها (لا) عدة مرات ، فمثلاً ورد ست مرات في قوله تعالى [لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا] ( ).
    ولكنه لم يرد في الآية بمعنى النهي والزجر ، إنما بمعنى القصة ، وهو من اللطف الإلهي بأن كثرة (لا ) في القرآن تخفيف ورحمة .
  • إحصاء الكنى والألقاب ، ومعاني أسماء الأنبياء ، فمثلاً اسم آدم لأنه خلق من آديم الأرض ،واسم نوح لكثرة بكائه ، وقيل معناه بالسريانية الشاكر ، وإبراهيم الأب الرحيم .
  • إحصاء تلاوة القرآن من جهة موارد الوجوب ، الإستحباب ، الضبط ، الحفظ ، التوبة.
  • إحصاء قواعد وأصول التفسير والـتأويل .
  • إحصاء الآيات التي فسرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
  • إحصاء سبل الهداية في القرآن .
  • إحصاء آيات الصراط ومنه تلاوة كل مسلم ومسلمة سبع عشر مرة في اليوم لقوله تعالى [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] ( ).
  • إحصاء الشواهد القرآنية على صدق الحديث النبوي ، وسئل الإمام الصادق عليه السلام (عن اختلاف الحديث: يرويه من يوثق به، ومنهم من لا يوثق به، فقال عليه السلام: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا في كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله (يعنى سنته ص) والا فالذي جاءكم به أولى به) ( ) وفيه إباحة أخذ الحديث من أي طرق من طرق الرواية من الأفراد والمذاهب الإسلامية ، ويكون المدار أولا ً على ملائمة وموافقة الحديث للقرآن والسنة ، وليس حصر صدقه على وثاقة رجال السند .
  • إحصاء آيات التي تذكر الحيوانات والحشرات .
  • إحصاء العلوم في القرآن ومنها العلوم الشرعية والكونية ، والمادية ، والزراعية ، والتجارية ، والصناعية .
  • إحصاء الكلمات المفردة في القرآن .
  • إحصاء أعضاء الإنسان التي ذكرت في القرآن ، والآيات التي ذكرتها .
  • إحصاء الأعداد في القرآن ، وما فيها من الإعجاز .
  • إحصاء آيات العذاب .
  • إحصاء آيات الندب والإستحاب .
  • إحصاء الحديث النبوي .
  • إحصاء كتائب وسرايا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
  • إحصاء دلالة خواتيم الآيات .
  • إحصاء معاني الصلة بين خاتمة الآية وبداية الآية التالية التي هي أعم من العطف للدلالة على أن نظم القرآن توقيفي .
  • إحصاء معاني ودلالات الصلة بين خاتمة السورة وبداية السورة التي تليها .
  • آفة الحسد وآثارها في القرآن ، ومنه حسد إبليس لآدم ، وحسد قابيل بن آدم لأخيه هابيل [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ]( ).
  • إحصاء آيات المكر الحسن ، والمكر الخبيث ، قال تعالى [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]( ).
  • إحصاء ذكر الشيطان ودهائه وضرره.
  • إحصاء اسماء ووظائف الحيوانات التي ذكرت في القرآن ، قال تعالى [وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ]( ).
    وهل قوله تعالى [لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً] زجر عن تسخير هذه الأنعام للقتال والحروب ، الجواب نعم.
  • عجائب وبديع خلق الله عز وجل في البر والبحر وإنتفاع الناس منها .
  • آيات ذم الفاسقين وسوء عاقبتهم .
  • إحصاء المعجزات الحسية والعقلية ، ولا مانع من ذكر المعجزة في هذا الباب ، وذكرها مرة أخرى في قصص الأنبياء ، ولكن مع التباين في كيفية القراءة لها والدلالة.
    وقال تعالى [وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] لبيان أن التوسعة وبدائع خلق الله تشمل الأرض والسماء ، والبر والبحر.
  • إحصاء الأوامر التي تتوجه إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة أو إلى المسلمين ، أو إلى أهل الكتاب أو الناس جميعاً .
    وإحصاء جزئي للنعم ، وآيات الإحصاء والحساب ، وآيات الوعد والوعيد ، وعالم الآخرة .
  • الدلالة والإحصاء المترشح عن الجمع بين آيتين.
  • إحصاء آيات الإحسان وآيات حرمة الظلم وعاقبته.
  • عدّ حروف وكلمات وآيات القرآن.
    النسبة بين العلم والإحصاء والعلم هو العموم والخصوص المطلق ، فابواب وأقسام الإحصاء التي نذكرها هنا لا تعني أن كل فرد منها علم قائم بذاته .
    والعلم لغة هو إدراك الشئ على حقيقته إدراكاً قاطعاً ، أما في الإصطلاح فهو القواعد والقوانين والمبادئ والحقائق والنظريات وكشف الصلة بين الظواهر والأحداث.
    وهذا السِفر تأسيس ابتدائي نسأل الله عز وجل أن يتولى العلماء في الأجيال اللاحقة الغوص في خزائن القرآن خاصة مع آلة الحاسوب ونحوها.
    ومن علوم الإحصاء في القرآن المستحدثة هنا إحصاء الكلمات التي تتضمن الأوامر والنواهي وهو أعم وأظهر إعجازاً وبياناً لإحصاء آيات الأحكام التي اختلف في عددها.
    وإحصاء آيات التوحيد والنبوة وكلمات العبادات والمعاملات والأحكام المستنبطة من القرآن.
    وأجزاء علم الإحصاء في هذا السِفر إنشاء وتأسيس ابتدائي ، وأسأل الله عز وجل أن يقوم العلماء في الأجيال اللاحقة بالغوص في كنوزه وذخائره واستقراء عامة الناس المنافع منه ، قال تعالى [إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ]( ).
    ويتجلى في القرآن كل من :
    الأول : قانون عظم مقام الربوبية.
    الثاني : قانون تنزيه الباري.
    الثالث : قانون الإقرار بعجز الخلائق عن إدراك كنه صفاته تعالى.
    الرابع : قانون تخلف الناس مجتمعين عن الإحاطة بالعلم غير المتناهي، قال تعالى [وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ]( ).
    الأمر الذي يملي على المؤمنين وظيفة التصديق المطلق لما جاء به الأنبياء من عند الله وما تضمنته الكتب السماوية النازلة .
    فكان القرآن البغية المقصودة والسبيل الأوحد لتجليات مقدمات وأبواب العلوم على صعيد الواقع والإعتقاد بصيغ التمام والكمال لما جعل فيه الله سبحانه من الأسرار ومضامين الحكمة والبيان.
    ولو إشتغل رجال الفكر من المسلمين في كل جيل بتفسير القرآن بانماط وصيغ جديدة ورداء يتناسب مع روح العصر والزمان الذي هم فيه وباستثمار علوم من سبقهم في أبواب التفسير والتأويل ووجوه المعرفة الإلهية لبقوا عاجزين عن إدراك الأسرار الغيبية التي تتضمنها آيات القرآن وآفاق تأويلها، وثبوت هذا القانون واقعاً وبعد عناء مثمر لا يخلو من منافع عظيمة ومتشعبة، وفيه توكيد لإعجاز القرآن وتخلف العقول مجتمعة ومنفردة عن إدراك كنه عظمته.
    الحمد لله الذي [أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا]( ) وهدانا إلى سبل الهدى والصلاح في سيرة خير العباد ومناسك العبادة ومسالك الرشاد في أمور الدنيا والآخرة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الذي بيده مقاليد الأمور كلها ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بدين الحق والهدى وجعله للعالمين بشيراً ونذيراً ، شهادة دائمة متصلة باقية إلى يوم الدين ، وصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.
    وعن حذيفة (عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من ختم له بشهادة أن لا إله إلا الله صادقاً دخل الجنة ، ومن ختم له بصوم يوم يبتغي به وجه الله دخل الجنة ، ومن ختم له عند الموت بإطعام مسكين يبتغي به وجه الله دخل الجنة)( ).
    الحمد لله الذي تفضل على أهل الأرض وبعث النبي محمداً [عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ] ( ).
    ومن معاني ومفاهيم الآية أعلاه حاجة الناس لبعثته بعد أن أصبحت أعلام الوثنية ظاهرة ، ومعالم العبودية لله طامسة .
    وتغشت العادات الجاهلية الأعراف ، وصار القوي يأكل الضعيف ، وليس له من رادع ، لينزل شطر آية ينهي هذا الظلم وسفك الدماء بقوله تعالى [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] ( ).
    وفي الآية بشارة رفعة الإسلام ، وتثبيت الفرائض وأحكام الشرائع ، قال تعالى [وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ] ( ).
    ومن شرائط علم التفسير أن يكون مرآة لمعاني الرحمة والتراحم وسبل الهداية الواردة في القرآن ، ليكون مدداً وعوناً للناس في مسالك الصلاح والرشاد ليكون الإقتباس منه من مصاديق قوله تعالى [وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ]( )،
    وعن عبد الله بن مسعود قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الخلق عيال الله ، فأحب الناس إلى الله من أحسن إلى عياله)( ).
    والمراد من عيال الله أي الفقراء إلى رحمة الله ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ]( )، ويعود الضمير الهاء في عياله إلى الله عز وجل ، والحديث ضعيف سنداً بيوسف بن عطية ، نعم ورد بطرق أخرى بأن الخلق عيال الله.
    ولا يعني التسليم بالعجز عن إحصاء النعم الإلهية ترك الإشتغال باحصائها مجتمعة أو متفرقة ، وما هي عامة أو خاصة فهذا الإشتغال من مصاديق قوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]( )، وفيه فتح آفاق من العلم وموعظة ودعوة للهدى والإيمان.
    إن عنوان هذا الجزء (علم الإحصاء القرآني غير متناهِ) والأجزاء التي ستأتي إن شاء الله بذات العنوان ليست مانعاً من الإجتهاد في إحصاء واستقراء العلوم من القرآن ، وبيان الإعجاز في الإحصاء القرآني من وجوه :
    الأول : الإحصاء اللفظي ودلالة تشابه اللفظ في آيات متعددة .
    الثاني : الإحصاء العددي ، وأسرار كل عدد في القرآن .
    الثالث : الإحصاء الرقمي ، والمستقرأ منه .
    الرابع : الإحصاء الموضوعي .
    الخامس : الإحصاء الحكمي .
    السادس : الإحصاء الإستدلالي .
    بذكر الآيات التي يُستدل بها في العلوم المختلفة ومنها النحو ، البلاغة ، البيان ، الفقه ، أصول الفقه ، الكلام ، المنطق ، الفلسفة ، التأريخ ، الجغرافية ، العلوم المستحدثة .
    ومن إعجاز القرآن أنه يلح لتثوير علم الأحصاء ، ويشترط في هذا الإحصاء الدقة ، والموضوعية ، وعدم التعجل أو محاكاة دلائل للعدد القرآني لا أصل لها ، فلابد أن تثبت نتائج الإحصاء عند التحقيق والتدقيق من قبل العلماء والمفسرين والمستشرقين وغيرهم، ما خلا التي لا يحيط بها البشر .
    الحمد لله على نعمه التي لا يقدر على عدها وإحصائها إلا هو سبحانه وعلى عطاياه وهباته السابقة والحاضرة واللاحقة ، الظاهرة منها والباطنة ، وكل فرد منها أمر وجودي بما فيها الإعانة على الصبر ، والمنع من البلاء والإفتتان.
    الحمد لله الذي هدانا لتعداد النعم ليكون شكراً له سبحانه ، قال تعالى [وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ]( )، ومن معاني الآية الإقرار بأن كل نعمة فضل من الله عز وجل .
    وقد يميل الإنسان إلى الحديث عما ابتلاه من الأذى خاصة عند نزول المعصيبة والمحنة ، فهدانا الله للجوء إلى نعمة الإسترجاع ، قال تعالى [الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ]( )، ليكون الإسترجاع والهداية إليه نعمة من عند الله وباباً للأجر والثواب ، ودعوة ذاتية للصبر والمدد للوقاية من مفسدات العمل.
    والإحصاء علم قائم بذاته ، وينتفع منه في سائر العلوم ويدل إتخاذ الأمة الإحصاء منهاجاً على إرتقائها في العلوم وعلى حسن تنظيمها.
    وتترشح عن علم الإحصاء القوة والمنعة والضبط وصرف الفتن ، لذا جاء القرآن بعلم الإحصاء في آيات كثيرة ، وصار هذا العلم من كنوزه وذخائره.
    وهل يختص بعالم الدنيا ، الجواب لا ، إنما يشمل عالم الآخرة بما يعجز الناس عن العد والحساب سواء في النعم التي يفوز بها المؤمنون الذين عملوا ويعملون الصالحات ، أو شدة العذاب للذين كفروا ، قال تعالى [وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا]( ).
    وتدل الشواهد القرآنية والسنة النبوية والوجدان على انحصار علوم الإحصاء بالله وحده ، فلا يحيط بها إلا هو سبحانه وحده ، وهل تختص هذه الإحاطة بمصاديق وأفراد علم الإحصاء أن تشمل حتى عناوين وقوانين الإحصاء ، الصحيح هو الثاني .

حرر في الثالث والعشرون من شهر رجب 1444
16/2/2023

علم الإحصاء القرآني
من العلوم التي صاحبت الإنسان علم الإحصاء وما يعنيه من العد والحصر والمسائل التي تترشح عنه ليوظف في أمور الحياة الخاصة والعامة وفي الإرتقاء العلمي , وتنظيمه وحفظ أنظمة الحياة ومنه جمع البيانات والجمع والطرح والضرب والقسمة .
ويحتاج الإنسان في كل يوم علم الإحصاء سواء في العبادات أو المعاملات إذ أنه من الكلي المشكك ويكون في الأمور الشخصية مثل أداء الفرائض العبادية ومقدار المال والزكاة أو الخمس الذي يترتب عليه , وإحصاء أيام ومقدار الديون وحلول أوان الصيام ، وموسم الحج ولا يخص الإحصاء حال الحاجة في الأمور العامة ومسائل التنزيل وضبط شؤون الحكم , ولكنها الأهم من المقصود من هذا العلم .
ويمكن إنشاء علم الإحصاء القرآني , من جهات كثيرة منها :
الأولى : الأرقام في القرآن , ومنها أرقام الآيات وعدد آيات السور .
الثانية : قانون العدد في القرآن .
الثالثة : إحصاء الكلمات المتشابهة في القرآن .
الرابعة : إحصاء الآيات المنسوخة , وفي قول مشهور أن آية السيف نسخت مائة وأربعاً وعشرين آية , ولا أصل له , وقد صدرت (تسعة أجزاء ) من هذا السِفر في قانون آيات السلم محكمة غير منسوخة وهذه الأجزاء هي :
(202-203-204-210-211-231-240-241-242).
الخامسة : إحصاء الآيات القرآنية التي تنهى عن الإرهاب ، وتمنع منه ، وتبين أضراره في الدنيا والآخرة .
السادسة : الإحصاء في علم التفسير مثل بيان المحكم والمتشابه ، وأسباب النزول .
السابعة : تأكيد قانون عجز الناس عن إحصاء نعم الله عز وجل ، قال تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
الثامنة : إحصاء منافع نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصبغة العموم فيها ، قال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ).
التاسعة : إحصاء منافع القرآن الثابتة والمتجددة .
العاشرة : قانون إجتهاد الإنسان في إحصاء ما يستطيع من نعم الله عليه ، وهذا الإحصاء من الشكر لله عز وجل .
فمن بدائع الخلق ومصاديق الخلافة في الأرض أنه كما يعجز الناس عن إحصاء عالم الأكوان والنجوم والكواكب فانهم يعجزون عن عدّ وإحصاء النعم الإلهية عليهم لبيان منزلة الإنسان عند الله ، وكأنه من رشحات قوله تعالى [وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ]( ).
والأرقام تبدأ من الصفر إلى التسعة ، أما العدد فانه يبدأ من الواحد إلى ما لا نهاية ، ومع هذا يتخلف علم الإحصاء عن ضبط عدد مخصوص من نعم الله عز وجل .
أقسام الإحصاء القرآني
من إعجاز علم الإحصاء في القرآن أنه مفتوح ومتجدد وغير متناه سواء في موضوعه أو النتائج المستقرأة منه ، وينقسم علم الإحصاء تقسيمات متعددة منها :
الأول : الإحصاء الوضعي : وهو الذي يتعلق باحصاء الكلمات والآيات وجمعها بالبيانات والتحليل والتأويل للوقائع ، ومنه مثلاً إعراب الكلمة القرآنية ، وعدد مرات ورودها في القرآن ، ودلالتها ، والصلة بين افرادها في القرآن والمسائل المستقرأة من هذه الصلة ومن ذات عددها.
وإذ يستطيع الإنسان إحصاء عدد مرات (قل) الموجهة من عند الله عز وجل إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي (328) مرة فان الخلائق يعجزون عن إحصاء منافعها وبركاتها كماً وكيفاً ، وموضوعيتها في سنن التوحيد ، والإستجابة العامة للأوامر الإلهية ، وعدد الذين استجابوا لها مجتمعة ومتفرقة ، والعادات الحميدة منها ، وموضوعيتها في فوز المؤمنين بالخلود بالنعيم ونجاة طائفة من الناس من النار ، قال تعالى [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
وقد ورد لفظ (قل) خمس مرات في آية واحدة قال تعالى [مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ] ( ).
وقد أسست باباً في تفسير الآية القرآنية اسمه علم المناسبة فيما يخص موارد كلمة مخصوصة في القرآن.
الثاني : الإحصاء الموضوعي ومنه إحصاء آيات الأحكام ، وآيات الرزق،وآيات الإحتجاج ، والآيات التي تنهى عن الإرهاب ، وتمنع منه.
الثالث : الإحصاء الإستدلالي : ويسمى أيضاً الإحصاء التحليلي ، باستنباط المواعظ والقوانين والدروس من آيات القرآن وأحكامه في الحلال والحرام ، والأوامر والنواهي ، والوعد والوعيد.
ومن الإحصاء الإستدلالي بيان إشاعة آيات القرآن السلم ودعوتها للأمن المجتمعي ، والتراحم ، وتضمنها النهي عن الظلم والجور والتطرف العنيف ، قال تعالى [وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ]( ).
قانون الحساب على العدد
ليس من حصر لوجوه التمييز في مقادير الأشياء فمنها :
الأول : ما يكال كيلاَ مثل الصاع , والمد والحفنة .
الثاني : ما يقاس بالوزن مثل , الكيلو , الرطل , واللتر , الطن ,وأقسامها غرام , ومثل المثقال .
الثالث : ما يقاس بالمساحة مثل الذراع ، المتر ، الفدان , الفرسخ , الميل , كيلو متر , سهم .
الرابع : العدد , والذي يبدأ من العدد (1) إلى ما لا نهاية من المليار والترليون وتكون كالآتي :
أسماء الأعداد المليون وما بعده – عدد أصفار العدد يمين الاسم:
6 أصفار يمين العدد = مليون
9 أصفار يمين العدد = مليار ، أي ألف مليون ، ويكتب هكذا 109 .
12 صفر يمين العدد = بليون ، ويطلق عليه الأمريكان تريليون .
15 صفر يمين العدد = بليار ، ويسمى الف بليون ، ويسميه الأمريكان كوادرليون .
18 صفر يمين العدد = ترليون ، ويكتب هكذا 1018 ويسميه الأمريكان كوانتيليون لأنهم يطلقون الترليون على البليون أي 12 صفر بدل 18 صفر ، فلابد من الإلتفات عند الترجمة من الأنكليزية أو الأمريكية أو لهما .
21 صفر يمين العدد = ترليار
24 صفر يمين العدد = كرليون
27 صفر يمين العدد = كرليار
30 صفر يمين العدد = سنكليون
33 صفر يمين العدد = سنكليار
36 صفر يمين العدد = سيزليون
39 صفر يمين العدد = سيزليار
42 صفر يمين العدد = سيتليون
45 صفر يمين العدد = سيتليار
48 صفر يمين العدد = ويتليون
51 صفر يمين العدد = ويتليار
54 صفر يمين العدد = تيفليون
57 صفر يمين العدد = تيفليار
60 صفر يمين العدد = ديشليون
63 صفر يمين العدد 1 = ديشليار
أما العدد الذي أمامه 100 صفر فيسمى جوجول.
والشئ لغة هو ما يصلح أن يعلم ويخبر عنه وهو اسم لجميع الخلوقات والأكوان سواء كانت جوهراَ أو عرضاَ .
وقد أخبر الله تعالى عن عظيم قدرته وسعة سلطانه بقوله [وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( ) وهو شطر من آخر سورة الجن وتمام الآية هو [لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( ).
فهل يختص الإحصاء في الآية أعلاه بالرسالات وتبليغ الأنبياء والرسل الجواب لا .
وتحضر كثرة الأرقام والأصفار أعلاه مع الزيادة في إحصاء الله عز وجل للأعمال وعدد الملائكة وأفعالهم ، والأفلاك والمسافات بينها ، وعدد البشر رجالاً ونساءً والأرزاق ، وأفراد الزمان الطولية ، وخلود المؤمنين في الجنة ، كما تدخل هذه الأرقام في عدد السيئات التي محاها الله عز وجل عن الناس بذاتها ، وما يترتب عليها من العقاب والجزاء ، قال تعالى [يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] ( ).
وهو من إعجاز القرآن بأن يأتي أول الآية بأمر خاص وتكون خاتمتها قانوناَ عاماَ فيشمل موضوعها وما فيها من الأحكام وغيرها أيضاَ , وجاءت خاتمة الآية أعلاه بصيغة الإطلاق .
وظاهر الآية أن كل مكيل وموزون ومساحة وعدد وشجر وورق وقطرات مطر , وعمل صالح تكون أعداداَ عند إحصاء الله عز وجل لها , لتكون وحدة قياس واحدة في الأشياء ومنها الأعمال , وكل شئ له عدد يناسبه [وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا] ( ).
وقد ورد قوله تعالى [أَحْصَى] مرتين في القرآن , إذ ورد مرة أخرى بخصوص أهل الكهف [ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا]( ).
كما ورد قوله تعالى [وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا] ( ).
ترى ما هي النسبة بين إحصاء الله عز وجل في قوله تعالى[وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( )، وبين الآية أعلاه وإحصاء الكتاب , الجواب هو العموم والخصوص المطلق , فإحصاء الله عز وجل أعم وأكثر .
وهل يختص الإحصاء بالموجود كما قيل.
الجواب لا , إنما يشمل الموجود والمعدوم , ويشمل مصاديق المحو والإثبات في قوله تعالى [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]( ).
ليدل قوله تعالى [وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( ) على حساب الجوهر والعرض والكتلة والموزون والمكيل على نحو العدد وفق قياس دقيق في نظام كوني دقيق لا يعلمه إلا الله عز وجل.
وتقدير الآية على هذا المعنى المستحدث هنا (وأحصى كل شئ بأن جعله عدداَ) أي يجعل الله عز وجل لكل شئ ما يناسبه من العدد , ومنه حساب الناس يوم القيامة , وهو لا يتعارض مع الميزان الوارد في قوله تعالى [وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ]( ).
(عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : توضع الميزان يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات ، فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة ، ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار.
قيل : يا رسول الله فمن استوت حسناته وسيئاته.
قال أصحاب الأعراف { لم يدخلوها وهم يطمعون}( )) ( ).
و(عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ؟، قَالَ:”هِيَ مِنْ أَحْسَنِ الْحَسَنَاتِ) ( ).
والحسنات جمع حسنة , ويكون إحصاء قول لا إله إلا الله من عند الله عز وجل على وجوه :
الأول : عدد المرات التي قال فيها العبد كلمة التوحيد أعلاه .
الثاني : مناسبة القول بكلمة التوحيد .
الثالث : الإنتفاع الذاتي والغيري من النطق بكلمة التوحيد .
الرابع : كلمة التوحيد في ميزان العدد .
فكل فعل صالح له عدد بمقدار مبارك , وكل فعل قبيح له عدد بقدره , فيدل قوله تعالى [وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( )، أن كل قول وفعل يكون له عدد عند الله عز وجل , وأحصى الله عز وجل جميع الأعداد.

قانون إنفراد الله باحصاء منافع الآية القرآنية
الآية القرآنية كنز من بطنان العرش ، يتغشى نفعها الناس جميعاً ، وتبين عجزهم عن إحصاء منافعها سواء في الدنيا أو في الآخرة ، وكل آية في المقام عالم من الإعجاز.
وقال تعالى في خطاب إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده أجيال المسلمين [وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ]( ).
لبيان التضاد بين حسن الصبر ، وقبح العنف ، ومنافع المسلم والمداراة والسماحة وأضرار الغلظة والإرهاب .
ومن إعجاز الآية أعلاه اختتامها ببيان منافع الحسنة والصبر والإحسان بالألفة والوئام والصبر مع الخصم والعدو ، لبيان أن الله عز وجل يريد للناس الوفاق والولاء وإن اختلفت المذاهب والرؤى.
وبخصوص الآية أعلاه ينفرد الله عز وجل بأمور مباركة منها :
الأول : لا يحصي الذين تلوا ويتلون هذه الآية .
الثاني : الذين عملوا ويعملون بمضامين هذه الآية .
الثالث : منافع هذه الآية السياسية والإجتماعية والإقتصادية.
و(عن عبد الله بن زهير قال : وفد العلا بن الحضرمي على النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله إن لي أهل بيت احسن إليهم فيسيؤن، وأصلهم فيقطعون.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ]( ).
فقال العلا بن الحضرمي : إني قلت شعرا هو أحسن من هذا قال: وما قلت ، فأنشده :
وحي ذوي الاضغان تسب قلوبهم … تحيتك العظمى فقد يرفع النغل
فان أظهروا خيرا فجاز بمثله … وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل
فان الذي يؤذيك منك سماعه … وإن الذي قالوا وراءك لم يقل.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن من الشعر لحكما، وإن من البيان لسحرا، وإن شعرك لحسن، وإن كتاب الله أحسن)( ).
فلم يغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما رجح العلاء شعره على القرآن ، ولكن هدأه بلطف إلى أفضلية القرآن ، وتركه يتدبر آيات القرآن الأخرى.
ليصبح العلاء من كبار الصحابة ، بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل عمان ليعلمهم أحكام الحلال والحرام، ويصدق أموالهم وولاه البحرين، وله مناقب عديدة ، توفي سنة أربع عشرة وقيل (توفي العلاء بن الحضرمي سنة إحدى وعشرين والياً على البحرين، فاستعمل عمر مكانه أبا هريرة) ( ).
و(عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ ، قَالَ : بَعَثَ الْعَلاَءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ إلَى رَسُولِ اللهِ ( بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفٍ مِنْ خَرَاجِ الْبَحْرَيْنِ , وَكَانَ أَوَّلُ خَرَاجٍ قَدِمَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ( , فَأَمَرَ بِهِ فَنُثِرَ عَلَى حَصِيرٍ فِي الْمَسْجِدِ , وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ إلَى الْمَالِ فَمَثُلَ عَلَيْهِ قَائِمًا فَلَمْ يُعْطِ سَاكِتًا وَلَمْ يَمْنَعْ سَائِلاً.
فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَقُولُ : أَعْطِنِي , فَيَقُولُ : خُذْ قَبْضَةً ، ثُمَّ يَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ : أَعْطِنِي , فَيَقُولُ : خُذْ قَبْضَتَيْنِ .
وَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ : أَعْطِنِي , فَيَقُولُ : خُذْ ثَلاَثَ قَبَضَاتٍ.
فَجَاءَ الْعَبَّاسُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ , أَعْطِنِي مِنْ هَذَا الْمَالِ , فَإِنِّي أَعْطَيْت فِدَايَ وَفِدَاءَ عَقِيلٍ يَوْمَ بَدْرٍ , وَلَمْ يَكُنْ لِعَقِيلٍ مَالٌ ، قَالَ :
فَأَخَذَ يَبْسُطُ خَمِيصَةً كَانَتْ عَلَيْهِ , وَجَعَلَ يَحْثِي مِنْ الْمَالِ , فَحَثَا فِيهَا ، ثُمَّ قَامَ بِهِ فَلَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ.
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ , احْمِلْ عَلَيَّ , فَنَظَرَ إلَيْهِ النَّبِيُّ (فَتَبَسَّمَ حَتَّى بَدَا ضَاحِكُهُ ، وَقَالَ : أَنْقِصْ مِنْ الْمَالِ وَقُمْ بِقَدْرِ مَا تُطِيقُ.
فَلَمَّا وَلَّى الْعَبَّاسُ ، قَالَ : أَمَّا إحْدَى اللَّتَيْنِ وَعَدَنَا اللَّهُ فَقَدْ أَنْجَزَ لَنَا إحْدَاهُمَا , وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ الأُخْرَى , قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الأَسْرَى إنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا( ) إلَى آخِرِ الآيَةِ , فَقَدْ أَنْجَزَهَا اللَّهُ لَنَا وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ الأُخْرَى) ( ).
ومن خصائص علم الإحصاء القرآني تجدد أبواب ومسائل الإحصاء في القرآن ، ومواكبة شطر منها للعلوم الحديثة ، وانتفاعها منها ، كادخال الخوارزميات( )، في علوم الحاسوب ، والبيانات والبرامج ، وتسخيرها في الإحصاء القرآني ، مع بقاء الحاجة إلى العد البدوي ، والجهد البشري المستقل ، إذ تعجز الآلة والحاسوب عن مفردات كثيرة لا تدرك إلا بالتفكر والتدبر والإستقراء وهو من مصاديق قوله تعالى [عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ]( )، ويتناقض هذا العجز مع بروز الذكاء الإصطناعي.

(المحصي) من الأسماء الحسنى
لقد أحاط الله سبحانه بكل شئ عدداً من الموجود والمعدوم ، والكم والكيف ، وفي عالم الأكوان كلها ، وهو سبحانه عليم بدقائق الأمور وأجزاء الكل ، فقد أحاط بكل شئ جملة وتفصيلاً ، ومع تقلب الحال.
أي أن إحصاء الله عز وجل للجواهر والأعيان والأعراض لا يختص بعددها ، إنما يشمل صفاتها ، وخواصها ، وآجالها ، صغيرة كانت أم كبيرة.
ولا يختص علم الإحصاء في القرآن بالآيات التي وردت فيها مادة (احصى) إنما تشمل وجوهاً :
الأول : الكتاب : قال تعالى [وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ]( ).
الثاني : العلم : وإحاطة الله عز وجل علماً بكل شئ ، قال تعالى [أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ]( ).
وعندما عدّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الأسماء الحسنى التسعة والتسعين ذكر منها (المحصي ، المبدي ، المعيد ) ( ) لبيان تقدم الإحصاء على البدء بالأمر والإعادة.
ليكون من معاني اسم (المحصي) العلم بالإحصاء والعد لأفراد المشيئة وما يترشح عنها .
ومنها منافع العد والكم والكيف فيما يبدئ ويعيد الله عز وجل.
ويحصي الله عز وجل دقائق الأمور والأفعال والهواجس والحركات ، وهو الذي يحصي ما يصل من ضياء الشمس إلى الأرض ، وما يحتاجه النبات منه ، وسرعة الريح في كل بقعة من الأرض ، وعدد حركات كل ورقة من أوراق الشجر .
الثالث : الإحاطة ، فقد أحاط الله عز وجل بكل شئ علماً ، والإحصاء فرع هذا العلم من غير أن يتعارض مع كونه علماً مستقلا.
الرابع : الدقة والضبط في التقدير في العدد والكم والكيف والآجال ، وملائمة الحكم للموضوع .
وهل إحصاء الله عز وجل للخلائق رحمة بهم ، الجواب نعم ، لبيان المائز بين الخالق والمخلوق حتى في دقائق الأمور ، فاحصاء الناس عدّ وحساب محدود ، وقد يتخذونه وسيلة للنفع ، وباباً للتخطيط والتدبير.
أما إحصاء الله عز وجل للأشياء فهو بذاته رحمة وتتفرع عنه مصاديق كثيرة من الرحمة لا يعلم عددها إلا الله سبحانه.
ويحصي الله عز وجل حسنات العبد ليضاعفها له ، قال تعالى [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا]( ).
ويحصي الله ما ينفقه العبد في سبيل الله ، قال تعالى [مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] ( ) ، ويدعو الله عز وجل الناس إلى إتيان الفعل الصالح ليحصيه لهم، لبيان أن الله عز وجل يرّغب بما فيه الإحصاء النافع ، قال تعالى [مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ]( ).
ليكون من معاني الرجوع إلى الله في الآية أعلاه لمعرفة ما أحصاء الله عز وجل على الناس من الأفعال ، وما ضاعفه من الحسنات ، وهل المراد من المضاعفة الكثيرة في الآية أعلاه هي المضاعفة سبعمائة ضعف أم أكثر أم أقل.
الجواب وردت الآية أعلاه [مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ] ( ) بخصوص الإنفاق في سبيل الله ، أما الآية أعلاه فذكرت القرض ، ومنه الصدقة والإعانة.
والمختار أن النسبة بين القرض الذي تذكره الآية أعلاه والإنفاق في سبيل الله هو العموم والخصوص المطلق، والقرض في المقام من الكلي المشكك في الجهة التي يتوجه إليها ، فقد يكون إنفاقاً في سبيل الله ، وقد يكون صدقة على مؤمن أو غيره .
النسبة بين العد والإحصاء
لقد ورد كل من العد والإحصاء في القرآن ، ومنه ورودهما في آية واحدة ، قال تعالى [لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا]( )، وتفيد واو العطف التغاير بينهما .
والنسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق ، فالإحصاء أعم ، فقد يكون المراد من الإحصاء العد كما يجري إحصاء السكان والدور ونحوه.
وقد يتعلق بالصفات والخواص والخصائص والجنس واللون.
والعدّ أسهل من الإحصاء ويشمل الإحصاء المكيل والموزون ، والإحصاء في الآية أعلاه هو غير الإحصاء في قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا]( ).
وهل تدل الآية أعلاه على إمكان عدّ نعمة الله ولكن مع التخلف عن إحصائها ، الجواب لا ، إنما تشمل الآية عجز الناس عن عدّ وإحصاء نعمه عليهم .
وحتى إذا تمكنوا من عدّ جزء وشطر من نعم الله مثل العافية وأيام عمر الإنسان فانه يعجز عن إحصاء خصائص تلك النعم ، وأسبابها ومقدماتها وكيفية وصولها اليكم ومدتها ، فضلاً عن عجز الناس عن إحصاء كل النعم ، وهل هذا العجز من الصرفة والتعجيز ، الجواب لا ، إنما هو لأمور :
الأول : كثرة النعم بما يفوق الأعداد والأرقام.
الثاني : تجدد النعم كل ثانية بما يكون لذات التجدد وجوه أكثر من العدّ إذ تترى النعم الشخصية في الثانية والدقيقة الواحدة على كل فرد من العادين وإن كانوا الناس جميعاً إلى جانب النعم التي تأتي للناس على نحو الموجبة الجزئية.
كالنعم على الأسرة والقرية والقبيلة والبلدة كنزول الغيث ، والفاكهة ، والثمار ، والحبوب ، وعامة الزراعات ، والسلامة من الآفات الأرضية والزلازل.
والنعم التي تأتي على نحو العموم المجموعي والعموم الإستغراقي للناس جميعاً.
الثالث : عجز الناس عن معرفة وتشخيص النعم ، فذات النعم كيفاً وكماً يفوق إدراك الناس وعقولهم .
وهل يستطيع الناس الإحاطة بالنعم التوليدية والمترشحة عن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، الجواب لا .
ويحتمل المقصود من [نِعْمَةَ اللَّهِ]( ) في الآية أعلاه وجوهاً :
الأول : النعم الإلهية في الدنيا .
الثاني : النعم الإلهية في الآخرة .
الثالث : النعم الإلهية في الدنيا والآخرة .
ولا تعارض بين هذه الوجوه ، ويعجز الناس عن عدّ وإحصاء نعم الله في الدنيا وحدها ، وكذا في الآخرة من باب الأولوية القطعية لأنها أعظم وأكبر من نعم الدنيا.
و(عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لمّا خلق الله سبحانه جنّة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثمَّ قال لها : تكلّمي.
قالت : قد أفلح المؤمنون ثلاثاً ثمَّ قالت : أنا حرام على كلّ بخيل ومرائي)( ).
وقد وردت جملة (لاعين رأت ولا أذن سمعت) (ولا خطر على قلب بشر).
في حديث الإسراء وأحاديث متعددة عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنها أيضاً حديثه عن مناجاة موسى عليه السلام لله عز وجل والذي ختمه بقوله (وَمِصْدَاقُ ذلِكَ فِي كِتاب اللهِ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( ).
قانون العجز عن إحصاء منافع الآية القرآنية
من إعجاز الآية القرآنية تجلي العلوم المستحدثة من مضامينها القدسية ، وترشح الفيض والبركة من كنوزها ، لقانون الآية القرآنية ذخيرة تُنهل منها العلوم في كل زمان ، فكل آية قرآنية لها منافع تستقرأ منها في الأزمنة المتعاقبة إذا عزم العلماء الغوص في علومها تفسيراً وتأويلاً ، وجمعاً بينها وبين الآيات الأخرى ، واستخراج المسائل والقوانين من هذا الجمع .
وهل يستطيع الناس إحصاء النفع العام من قوله تعالى [ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ] ( )،الجواب لا ، فهذا النفع من وجوه:
الأول : قانون إنزجار طائفة من المنافقين عن النفاق .
الثاني : قانون بعث الخوف والرعب في قلوب المنافقين .
الثالث : قانون فضح المنافقين والمنافقات .
الرابع : أخذ المسلمين والمسلمات الحيطة والحذر من المنافقين، وهذا الحذر من الكم وهو على شعبتين :
الأولى : كيفية نفسانية.
الثانية : عالم القول والفعل ، مما يتعذر على الناس إحصاؤه ، وهو من مصاديق قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا]( ) .
الخامس : الفصل بين المشركين والمنافقين ، وجعل حجب قرآنية بينهم تتجلى بلغة الإنذار ، والتخويف ، والوعيد لهم مجتمعين ومتفرقين ، فصار كل فريق منهم يدرك خسارة الفريق الآخر ، وأنه لا يجلب لنفسه ولشركائه إلا الضرر .
قانون إحصاء الأحكام الإنشائية
آيات الأحكام بصيغة الجملة الإنشائية معجزة في صيغتها وبيانها وبلاغتها ولا يعلم الأثر المترتب عليها كل يوم إلا الله عز وجل ، وهي على أقسام :
أولاً : آيات الأمر : كالأمر بالإيمان وعبادة الله ، وآيات التصديق بالنبوة ، قال تعالى [وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا]( )، والإقرار باليوم الآخر ، قال تعالى [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ]( ).
وجاءت أكثر آيات اليوم الآخر بصيغة الجملة الخبرية ، والدعاء كما في قوله تعالى [وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ]( )، والتوكل على الله ، والرجاء ، والخوف ، والهداية ، والإستعاذة ، والهداية.
ثانياً : إحصاء الجمل الإنشائية التي تتضمن النهي.
ثالثاً : آيات صيغة الجملة الإنشائية التي تتضمن الأمر والنهي.
فقد تجمع آية قرآنية بين الأمر والنهي بصيغة الإنشاء في الموضوع المتحد كما في قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ]( )، فالموضوع هو المناجاة وفيها بلحاظ هذا الإحصاء وجوه :
أولاً : إرادة عموم المسلمين والمسلمات في إبتداء الآية بهذا التشريف (ياأيها الذين آمنوا) ويعجز الناس عن إحصاء وعدّ المخاطبين في هذه الآية من حين نزولها إلى يوم القيامة .
ثانياً : النهي عن النجوى وإسرار الحديث في الإثم والحرام ، ومنه الظلم والبطش.
ثالثاً : المنع من المناجاة والأحاديث الخاصة في العدوان وإرادة التعدي ، لتدل الآية على النهي عن التعدي والإرهاب .
رابعاً : النهي عن المناجاة في معصية .
وهل يختص هذا النهي بالوحي والتنزيل أم النهي عن معصية أوامر الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم مطلقاً .
الجواب هو الثاني ، وهل الفارق بين الوجهين صغروي لقوله تعالى [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى]( ).
الجواب الفارق رتبي فالتنزيل أعلى مرتبة من السنة النبوية وكل منهما مدرسة في الإحصاء والقرآن قطعي الصدور ، قطعي الدلالة .
قانون آيات الأحكام بصيغة الجملة الخبرية
من إعجاز القرآن مجئ الخبر في القرآن ، ويراد منه الطلب والأمر والإنشاء من غير خلاف بين المسلمين في هذا التأويل ، ومنه مثلاً [وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ] ( ) للرفق في المطلقة وتربية الأولاد.
وقوله تعالى [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ] ( ) لبيان قيام الرجل بتدبير شؤون الأسرة والإنفاق والرعاية والقرار النافع .
وقوله تعالى [شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ]( ) ويحمل على الأمر على شهادة رجلين يتصفان بالعدل في وصية المحتضر لحفظ الحقوق الخاصة والعامة .
وقد تفيد صيغة الخبر النهي كما في قوله تعالى [وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ]( ) .
وقوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] ( ) لبيان النهي عن الظلم والإرهاب من جهات متعددة منها :
الأولى : قانون الإرهاب إعتداء على الخاص والعام .
الثانية : قانون الإرهاب شعبة من الظلم .
الثالثة : قانون حرمان الإرهاب وصاحبه من محبة الله عز وجل .
قانون الإحصاء في السنة النبوية
يلازم قانون الإحصاء الحياة الدنيا ، وهو ضابطة كلية تساعد الناس على تنظيم شؤونهم وأمور الدين والدنيا ، وتتقدم أحكام الشريعة بالعد والإحصاء منها عدّ الفرائض اليومية الخمسة وأوقاتها ، وضبط وإحصاء عدد ركعات كل فريضة كصلاة الظهر أربع ركعات ومنه عدّ شهور السنة ، وصيام شهر رمضان وقوله تعالى [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ]( )، وعدّ المسافر والمريض أيام إفطاره لقضائها عند الشفاء والبرئ.
كما ورد قوله تعالى [وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ]( )، في خصوص المطلقات وعدتهن.
فأمرت هذه الآية المسلمين أن يحصوا عدة المطلقة ، وجاء الأمر بإحصاء العدة للرجال والنساء لبيان التكافل في التكليف في المقام ، لشأن الزوج المطلق في العدة واحتمال الرجوع بزوجته ، ورصد غيره عدة المطلقة لإحتمال خطبته لها ، وإلى جانب المنافع الإجتماعية العامة في العدة.
وجاءت آية أخرى بحساب المرأة للعدة بلفظ التربص بقوله تعالى [وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ]( )، أي يمتنعن عن الزواج من شخص آخر ثلاثة أطهار.
وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يعتني بعلم الإحصاء والعدّ في تلاوة القرآن وفي العبادات والمعاملات .
و(عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احصوا لي من كان يلفظ بالاسلام.
فقلنا أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا)( ).
حديث للآية ظهر وبطن
الحمد لله الذي جعل علوم القرآن من اللامتناهي ، وجاءت السنة النبوية والوقائع ببيان وتأكيد هذا القانون ، وهو من أسرار بقاء القرآن غضاً طرياً يحتاج الناس الصدور عنه في العبادات والمعاملات والأحكام.
و(عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر وبطن ، ولكل حدّ مطلع ويروى لكل حرف حدّ ولكل حدّ مطلع)( ).
وفي المرسل (صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : لكلّ آية ظهر وبطن ولكل حرف حدّ ومطلع)( ).
لبيان أن علوم القرآن أكبر من أن تحيط بها العقول .
وهو لا يتعارض مع التحقيق وقانون الترغيب في التأويل ، وقانون استقراء علوم وقوانين من الجمع بين اللفظ القرآني ولفظ آخر منه ، بحيث لا يخرج عن الحدود العامة والضوابط في القرآن ، لبيان حرمة الإفتاء بغير علم ، أو بجواز ما هو حرام ، مثل الإرهاب ، أو الترغيب فيه ، لنهي ألفاظ القرآن عنه في ظاهرها وباطنها متفرقين ومجتمعين .
وفي الحديث أعلاه أربعة وجوه :
الأول : ظهر الآية : ويحتمل جهات :
الأولى : ألفاظ الآية القرآنية .
الثانية : المعنى الظاهر للآية .
الثالثة : المعنى المتبادر من تلاوة الآية .
الرابعة : الأحكام الظاهرة من القرآن كما في قوله تعالى [يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا]( ).
الخامسة : قصص وأمثلة القرآن ، ولكن الحديث جاء بالقطع التفصيلي (لكلّ آية ظهر وبطن ، ولكل حرف حدّ ومطلع) ليس كل آية فيها قصص وأمثلة قرآنية ، وعدم العموم هذا لا يمنع من إنصراف اللفظ لها مع الدليل أو القرينة الصارفة .
السادسة : ظهر الآية رسمها ، وضبط حركاتها ، بما يمنع الإختلاف فيها.
السابعة : تلاوة الآية القرآنية ، قال تعالى [وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا]( ).
الثامنة : التنزيل الذي يجب التصديق به .
التاسعة : خلو الآية القرآنية من الزيادة أو النقيصة ليكون من معاني قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لكل آية ظهر) سلامة القرآن من التحريف .
العاشرة : المعاني التي عليها الإجماع ، ولا يختلف فيها ، لتكون مادة للوحدة والأخوة الإيمانية ، وبرزخاً دون الإختلاف والفرقة والتطرف والعنف للإجماع على تجليات الرحمة والرأفة في آيات القرآن ، قال تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ]( ).
الثاني : بطن الآية : وفي معناه جهات :
الأولى : تفسير الآية .
الثانية : تأويل الآية .
الثالثة : ما خفي وأشكل من معاني الآية .
الرابعة : المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص .
الخامسة : الغوص في كنوز وخزائن القرآن في أمور الدين والدنيا.
السادسة : علوم الغيب ، قال تعالى [وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ]( ).
السابعة : الإتعاظ والعبرة من الآية القرآنية .
الثالث : ظهر الآية هو أحكام الحلال والحرام ، والتكاليف الخمسة ، وهل يختص بالمنطوق أم يشمل المفهوم ، الأصل هو المنطوق ، وقد يشمل المفهوم أحياناً ، حسب الدليل ، قال تعالى [تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا]( ).
الرابع: المنافع العظيمة ، والغايات الحميدة من الآية القرآنية ، وقد أفردت باباً في تفسير كل آية اسمه (من غايات الآية) .
ولا تقدر الخلائق على إحصاء منافع آيات القرآن كما أن تجددها كل دقيقة في مشارق ومغارب الأرض أسرع من إحصائهم لها .
وبلحاظ قانون هذا الجزء وهو السادس والأربعون بعد المائتين وعنوانه (علم الإحصاء القرآني غير متناهٍ) يدل حديث لكل آية ظهر وبطن على وجوه :
الأول : قانون الترغيب في إحصاء العلوم الواردة في الآية القرآنية.
الثاني : قانون الغوص في كنوز الآية القرآنية .
الثالث : قانون منع الحرج عن علماء التفسير في السياحة في الحدائق الناضرة للآية القرآنية ، قال تعالى [وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]( ).
وهل علم التفسير وبيان ظهر وبطن وذخائر الآية القرآنية من الجهاد في الله حق جهاده ، الجواب نعم .
و(عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودماء الشهداء ، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء)( ).

قانون عجز الخلائق عن إحصاء النعم على الإنسان
الحمد لله الذي جعل نعمه على العباد أكثر وأعظم من إحصاء الخلائق لها ، وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]( )، بدلالة قانون رزق الله الخليفة نعماً كثيرة تعجز الخلائق عن إحصائها ، ويحتمل موضوع هذا العجز وجوهاً :
الأول : قانون عجز الخلائق عن إحصاء النعم الإلهية على الأنبياء ، ومنه نعمة الوحي والعز , وقال تعالى [يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ]( ).
(ويحكى أن سليمان مر على بلبل في شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه ، فقال لأصحابه : أتدرون ما يقول؟
قالوا : الله ونبيه أعلم : قال يقول : أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء . وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول : ليت ذا الخلق لم يخلقوا . وصاح طاووس ، فقال يقول : كما تدين تدان . وصاح هدهد ، فقال يقول : استغفروا الله يا مذنبين .
وصاح طيطوي ، فقال يقول : كل حيّ ميت ، وكل جديد بال . وصاح خطاف فقال يقول : قدّموا خيراً تجدوه .
وصاحت رخمة ، فقال تقول : سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه . وصاح قمري ، فأخبر أنه يقول : سبحان ربي الأعلى .
وقال : الحدأ يقول : كل شيء هالك إلا الله . والقطاة تقول : من سكت سلم . والببغاء تقول : ويل لمن الدنيا همه .
والديك يقول : اذكروا الله يا غافلين . والنسر يقول : يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت .
والعقاب يقول : في البعد من الناس أنس . والضفدع يقول : سبحان ربي القدوس) ( ).
الثاني : قانون عجز الخلائق عن إحصاء النعم المترشحة عن نعمة العقل ووظائفه .
الثالث : العجز عن إحصاء النعم الإلهية على المؤمنين على نحو الخصوص.
الرابع : العجز عن إحصاء النعم على أفراد الأسرة الواحدة.
الخامس : العجز عن إحصاء أفراد صرف الله البلاء والإرهاب عن الناس في اليوم والليلة ، وهو من عمومات قوله تعالى [تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]( ).
وهل انتفع المسلمون وحكوماتهم من مدرسة الإحصاء في القرآن ، الجواب نعم ، ويستعمل الإحصاء في القرآن على وجوه:
الأول : العدّ والحساب وفي هذا الزمان اخترعت الأجهزة الرقمية (ديجِتال) وتأتي قفزة كبرى بالذكاء الإصطناعي ، ومفرداته من مصاديق قوله تعالى [وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ]( ).
الثاني : الحفظ والتوثيق ، وفي التنزيل [مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا]( ).
الثالث : الضبط والنظام .

عجز الناس عن إحصاء النعم لا يمحى
لقد نسب القرآن المحو لله عز وجل وحده ، ولمشيئته فهو سبحانه القادر على المحو والإثبات ، قال تعالى [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]( ).
ويستطيع الإنسان بمفرده وكذا الجماعة الإحصاء ولكنه إحصاء محدود ، ومتناه سواء في الأمور الحسية أو العقلية .
وهل يمر على الإنسان يوم لم يمح الله عز وجل عنه أشياءً وأموراً مكروهة ، الجواب لا ، وهو من رحمة الله بالناس ، فأبى الله عز وجل إلا يكون له في كل ساعة رحمة ومحو متعدد على الإنسان.
ومن معاني وتقدير الجمع بين آية النعمة وآية المحو : وإن تعدوا نعمة المحو لاتحصوها إن الله غفور رحيم .
ومع أن النسبة بين النعمة والمحو هي العموم والخصوص المطلق ، وأن النعمة من مصاديق المحو من اللامتناهي وهي فرع النعمة ومنها :
الأول : محو السيئات .
الثاني : محو الأثر المترتب على فعل المعصية .
الثالث : محو الظلم والتعدي ، وفيه نفع لمن يصبح ظالماً لولا المحو ، وعمن يكون مظلوماً .
الرابع : منع سفك الدماء ، قال تعالى [وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ]( ).
ليأتي المحو بما هو ثابت بقدرة الإنسان على الفعل ، فبلغ المحو إلى أعضاء بدنه ، ليذكره الله عز وجل بوجوب التقوى ولبيان أن نعمة الله عز وجل على يوسف في إمتناعه عن مطاوعة امرأة العزيز وهروبه منها كما في قوله تعالى [وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ]( ).
ليكون محو اقتراب المؤمنين من الفاحشة قانوناً ثابتاً في الأرض فتتعاقب الأجيال ولكن ثوابت الإيمان متجددة ، وهذه الثوابت لا تتم وجوداً ودواماً إلا بفضل من الله ومحو الشوائب المحيطة بها ، ومنه يد الزيغ والغفلة عن أهلها.
عجز الخلائق عن إحصاء المصاديق الواقعية للمحو ، فتارة يأتي المحو ابتداء من عند الله ، وأخرى باللطف والجزاء العاجل كما في قوله تعالى [إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ]( )، وأخرى بالدعاء والمسألة.
وقد يتعدد المحو في الواقعة الواحدة كما ورد عن (ابن عباس : أن رجلاً كان يحب امرأة ، فاستأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حاجة ، فأذن له فانطلق في يوم مطير ، فإذا هو بالمرأة على غدير ماء تغتسل ، فلما جلس منها مجلس الرجل من المرأة ذهب يحرك ذكره فإذا هو كأنه هدبة فندم.
فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : صل أربع ركعات ، فأنزل الله وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ( ).
وتعجز الخلائق عن إحصاء النعم المترشحة عن بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهذا العجز ظاهر للعيان لملايين النعم في الساعة الواحدة.
و(عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله أوصني . قال : اتق الله إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها . قال : قلت : يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال : هي أفضل الحسنات)( ).
وعن (محمد بن جُبَير بن مُطعم، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يَمحُو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب)( ).
وكذا عجز الخلائق عن إحصاء النعم المترشحة عن رسالة موسى وعيسى عليهما السلام والأنبياء الآخرين.
وهل تختص النعم ببعثة الأنبياء على خصوص أهل زمانهم أو أتباعهم ، الجواب لا , إنما ينتفع منها الناس جميعاً .
والنسبة بين أهل زمان النبي وبين اتباعه عموم وخصوص من وجه ، فمادة الإلتقاء المؤمنون في زمان النبي.
ومادة الإفتراق الذين لا يؤمنون بنبوته أيام رسالته ، والذين لا يعلمون بها وهم الأكثر من أهل الأرض ، ومنها اتباعه في الأجيال اللاحقة ، وهو من الإعجاز في عجز الناس عن إحصاء المنافع العامة المتجددة بالنبوة عليهم وعلى الأرض والخلائق.
مصطلح الصالحات بين العقل والشرع
هل يختص مصطلح الصالحات بما حسنه الشرع أم يشمل ما حسنه العقل ، المختار هو الثاني إلا إذا تعارض مع حكم الشرع ، لبيان قانون وهو جعل الله عز وجل العقل عضداً وتعضيداً للشرع والنبوة ، سواء على :
الأول : ما ذهب إليه المعتزلة من الصفة الذاتية للأشياء من الحسن والقبح ، وأن العقل والشرع دليل عليه ، وليس علة لهذا الحسن لقولهم بأن المعرفة في الأصل عقلية ، وجاء الشرع فاقر ما وصل إليه العقل .
ورحاب العقل واسع ، وقد يخضع للعرف ، ولا يجد قبحاً ففي الربا مثلاً قال تعالى[قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا] ( ).
الثاني : ما ذهب إليه الأشاعرة بأن الحسن هو ما حسنه الشرع ، وأمر به الشارع ، أما القبيح فهو ما نهى عنه الشارع .
والأمر بالشئ دليل على حسنه ، والنهي عنه علة لقبحه ، وأن الشرع وحده هو الذي يبين الحسن والقبح للأمور ولا يعرف العقل الحسن أو القبح للأشياء ، ولم يكن قبل مجئ الشرع حسن أو قبيح ، ولكن هناك ملازمة بين عمارة الإنسان الأرض وبين النبوة فأول إنسان هبط إلى الأرض نبي رسول وهو آدم عليه السلام.
الثالث : الشرع هو الذي يبين حسن الأشياء أو قبحها ويترتب عليه الثواب على الفعل الحسن ، والعقاب على القبيح.
والعقل يدرك إجمالاً الحسن والقبح في الأشياء ، ولكن لا موضوعية له بالثواب والعقاب فيدرك العقل حسن التوحيد ، والصدق والإحسان ، وقبح الشرك والكذب.
عند عرض هذه الأقوال على ما ورد في التنزيل [وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ] يبدو الخلاف بينهم صغروياً ، وأن عنوان الصالحات عام سواء للحسن الذاتي أو لما حسنه الشرع ، ووعد عليه الثواب العظيم ، وأن الإرهاب فعل قبيح عقلاً وشرعاً.
ومن إعجاز آيات عمل الصالحات تقديم الإيمان عليها ، لبيان أنها فرع الإيمان ، وشعبة منه.
وقد جعل الله عز وجل القرآن [تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] ( ) وفيه بيان مصاديق الصلاح والإصلاح ، والضابطة في معرفة الصالحات مقدمة لإحصائها ، وكما ينفر العقل من الإرهاب ، فان الشرع يحرمه ، ويبين القرآن والسنة قبحه الذاتي ، ويمنع الشرع من نشر الرعب والخوف بين الآمنين ، إنما بعث الله عز وجل النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لتثبيت الإيمان، ونشر الأمن ، وإشاعة الأمان ، ومحاربة المفسدين والظالمين.
إحصاء الهوى
(الهوى) مقصور ، والمراد منه هوى النفس ، والجمع أهواء ، والنسبة بين الهوى والعشق هو العموم والخصوص المطلق ، فالهوى أعم ، ومن شعراء العرب المُنخَّل اليشكري ولد في الشعيبة عرب مكة بعد عام الفيل بعشر سنين الذي قتله النعمان بن المنذر ملك الحيرة وهو دميم وقصير وزوجته (المتجردة) واسمها (ماوية) أجمل نساء زمانها ، ورآها المنخَّل عندما كان أحد ندماء النعمان فتعلق بها ، وقيل هي دعته الى قبتها عند ذهاب النعمان يتصيد ، وأمر النعمان بقتله وحرق جثته وصنع من ذكر اسمه وإنشاد شعره ، ولم يبق من شعره إلا القليل منه .
(وأحِبُّهَا وَتُحِبُّني … وَيُحِبُ ناقَتَهَا بَعِيرِي)( ).
وقيل قتل في السفينة في البحر الأحمر (القلزم) وعمره (27) سنة قتله غلام المغيرة المخزومي قبل البعثة بثلاث سنين.
ونزل القرآن بالتحذير من الهوى واتباعه ، وهذا التحذير مصاحب للإنسان من قبل أن يهبط آدم وحواء ، ومنه قوله تعالى [وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ]( )، ومن معاني الآية سد الذرائع ، بتقريب أن الإقتراب من الشجرة مقدمة تؤدي إلى الوقوع في المنهي عنه وهو الأكل فلابد من إجتناب هذا الإقتراب .
وجعل مالك سدّ الذرائع أصل من أصول مذهبه.
وقد ورد النهي من عند الله عز وجل لداود عن إتباع الهوى بقوله [يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ]( ).
بينما ورد الثناء على النبي بالقطع بسلامته عن اتباع الهوى بقوله تعالى [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى]( ).
وهل تدل الآية أعلاه على عصمة داود بخصوص زواجه من زوجة أوريا ، الجواب نعم ، فهو لم يدخل بها إلا بعد أن قضت العدة.
وذكرت في مواضع من سفر صموئيل منه (فارسل داود وسال عن المراة فقال واحد اليست هذه بثشبع بنت اليعام امراة اوريا الحثي)( ).
وفيه أن ناثان النبي قال لداود (والان لا يفارق السيف بيتك الى الابد لانك احتقرتني واخذت امراة اوريا الحثي لتكون لك امراة)( ).
والأصل عصمة داود النبي ، وأن زواجه من بششبع شرعي ، (وعزى داود بثشبع امراته و دخل اليها واضطجع معها فولدت ابنا فدعا اسمه سليمان والرب احبه)( ).
وإتباع الهوى قبيح ، وما فيه من الصدود عن الحق ، والغشاوة على البصيرة والهدى مصدر هوى الشئ يهواه إذا أحبه ومال إليه واشتهاه.
و(عن النعمان بن بشير : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن للشيطان مصالي( ) وفخوخاً ، وإن من مصاليه وفخوخه البطر بنعم الله والفخر بعطاء الله ، والكبر على عباد الله ، واتباع الهوى في غير ذات الله تعالى)( ).
ويدل التقييد في آخر الحديث على أن الهوى المذموم هو المخالف لأحكام الشريعة والذي يكون سبباً لسخط الله عز وجل .
وهل من صلة بين الإرهاب واتباع الهوى ، الجواب نعم ، فمما يجلب سخط الله الإضرار بالناس حمية وعصبية وإنغلاقاً على رأي مخصوص [إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ]( ).
وغالباً ما يرد اقتران الهوى بالشهوة وفتنة الشبهات ، قال تعالى [وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ]( ).
(وقال الشعبي : إنما سمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار)( ).
والمعنى أعم ، ويشمل مفهوم الهوي في الدنيا ، قال تعالى [فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ]( ).
ولا يعلم عدد الذين اتبعوا اهواءهم ولا الذين لم يتبعوا أهواءهم إلا الله عز وجل ، وهل المنافقون ممن اتبعوا أهواءهم ، الجواب نعم ، وهم يظهرون الإيمان ويخفون الكفر.
وقال (النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)( ).
فاذا كان الهوى تبعاً لأحكام الشريعة فليس مذموماًًً ولكن الهوى إذا ورد مجرداً فينصرف إصطلاحاً للنفس الشهوية.
والهوى أصل للبدعة والإعجاب بالرأي وسبب لسفك الدم الحرام ، وغلبة الجهل والإمتناع عن التفكر بحقائق الأشياء ، وعن قبول الدليل فيما يخالف هواه.
وكما يكون إتباع الهوى ضاراً في الشهوات فانه أكثر ضرراً في الشبهات وإتخاذ العنف والبطش لتحقيق المقاصد فذات الهوى مذموم والتلبس به ظلم للذات ، ويترشح عنه ظلم عام .
والهوى كيفية نفسانية وكأنها من خفة العقل وعدم إحاطته برغائبها ، ولا يعلم هذه الكيفية ولا يحصيها إلا الله عز وجل ، وهو من أسرار بيان القرآن لماهية الهوى وهداية المسلمين للإمتناع عن غلبته على الجوارح ، قال تعالى [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى]( ).
قانون إحصاء الشرك إنذار للظالمين
لقد جعل الله سبحانه مقادير الأمور بيده وحده وفيه رحمة عظمى في الخلائق ، ومنها الدفع عن المؤمن ، والإمهال للكافر ، فلو كان حساب الإنسان في الدنيا بيد الملائكة لسعوا بتنزيه الأرض من الكفر وأهله ، ولكن من رحمة الله الإطلاق في قانون الإمهال ، فليس من إنسان إلا وينال قسطاً منه ، وهل تستطيع الخلائق إحصاء أفراد قانون الإمهال ، الجواب لا.
والشرك بالله أشد أنواع الظلم قبحاً وضرراً على الذات والغير ، وهو تركة قبيحة ، قال تعالى [إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ]( )، وعاقبة الشرك عاجلة بالطرد من رحمة الله وفقدان البركة ، وآجلة بالخلود في النار .
والمراد من الشرك اتخاذ العبد شريكاً لله عز وجل، يقال : اشرك في أمره غيره ، إذ أدخل طرفاً ثانياً في الأمور .
وهو في الإصطلاح الشرعي اتخاذ الند والشريك لله في العبادة أو الملك أو الأسماء والصفات ، والقدرة المطلقة.
ومن الشرك اتخاذ الأوثان والأصنام آلهة من دون الله ، أو جعلها وسائط للتقرب إلى الله عز وجل .
ومن الإرهاب نعت بعض الطوائف والمذاهب الإسلامية بالشرك مع أن عددهم بعشرات أو مئات الملايين من المؤمنين ويتوجهون معك خمس مرات في اليوم إلى البيت الحرام لأداء الصلاة كما صلاها رسول الله ويقرون بان الله هو الذي يحيي ويميت ، وهو المالك للأكوان المتصرف فيها بمشيئته المطلقة ، وهذا النعت بذريعة واهية بالقول إفتراءً عباد القبور ونحوه مثلاً .
وهذا القول من اتباع الهوى فليس في القرآن والسنة أو الواقع العملي مثل هذه العبادة .
لقد جاهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أجل إزاحة عبادة الأوثان في الأرض ، وأفلح في صبره وجهاده بمدد وعون من الله عز وجل ليكون المسلم والمسلمة في حرز من الشرك ، بدلالة النطق بالشهادتين ، وأداء الفرائض العبادية.
وقد جاء كل نبي بتحريم الشرك ، قال تعالى [إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ]( ).
وهل المراد بالظالمين في الآية أعلاه خصوص المشركين أم يشمل الذين ينعتون طوائف وأمم من المسلمين بالشرك بغير حق ، المختار هو الثاني ، وخاتمة الآية أعلاه قانون من الإرادة التكوينية.
وبين الظالمين والمشركين عموم وخصوص مطلق ، فكل شرك هو ظلم وليس العكس .
ولم يرد [فَقَدْ حَرَّمَ] في القرآن إلا في الآية أعلاه ولعله للدلالة على القطع بمنع المشرك من شم رائحة الجنة على نحو التأبيد.
ويمكن بيان الظلم في الإرهاب وفق القياس الإقتراني :
الكبرى : الإضرار بالناس ظلم .
الصغرى : الإرهاب اضرار بالناس .
النتيجة : الإرهاب ظلم .
ولا يحصي أفراد الإرهاب في التأريخ ، تلك التي محاها وصرفها الله عز وجل إلا هو سبحانه ، وكذا التي سوف يصرفها ، وهذا الصرف وإحصاؤه من مصاديق قوله تعالى [مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا]( ).
قانون التلاوة تنمية للفكر
من العلوم العقلية قانون تكرار الفعل يؤدي إلى حصول وتنمية الملكات، لذا فان وجوب التلاوة في الصلاة آية إعجازية لا يعلم منافعها وغاياتها إلا الله تعالى، وإن كان شطر من أسرارها يتجلى في الواقع اليومي والعملي للمسلمين، ويظهر في مجتمعاتهم , لقانون تكرار التلاوة مع الإتحاد والتعدد في الآيات، إذ تتحد وتتشابه قراءة سورة الفاتحة في الركعة من الصلاة، بينما تأتي قراءة سورة وآيات إختيارية بعدها، وفيه مسائل:
الأولى: قانون التلاوة تنمية لملكة الحافظة عند المسلم والمسلمة.
الثانية: القراءة في الصلاة حرب على النسيان، وطرد له من الأذهان.
الثالثة: تبعث القراءة على الحرص على إستحضار الآيات القرآنية، وتلاوتها على الوجه الأتم والأكمل.
الرابعة: قانون في القراءة حث على التعلم، ودراسة القرآن.
الخامسة: يترشح عن القراءة قانون التدبر في معاني الآيات القرآنية , قال تعالى [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ]( ).
السادسة: الإلتفات إلى وجود أسرار في تقسيم القرآن إلى سور وآيات.
السابعة: قانون إتصال وإستدامة الإحتراز من السيئات وفعل الفواحش، قال تعالى [إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ] ( ).
الثامنة: قانون الصلاة دعوة للوحدة الإسلامية وتعاهدها سواء في كيفية أدائها أو في وظائفها أو في صلاة الجماعة، وما فيها من مضامين الوحدة.
ومن الآيات ان موضوع الجماعة في الصلاة ، هو الإمتثال والخضوع والخشوع لله تعالى ، قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم [صلوا كما رأيتموني أصلى] ( ).
التاسعة: الصلاة من مصاديق التقوى التي جاءت بها الآية [ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ] ( ).
فتلاوة القرآن في الصلاة آية من آيات التقوى في الأرض، ينفرد بها المسلمون على نحو يومي متجدد، ففي كل يوم يعلن المسلمون إمتثالهم للأوامر الإلهية، وتصديقهم بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالقول والفعل.
العاشرة : قانون تجلي آثار التلاوة اليومية المتكررة في الصلاة على منطق وكلام المسلم والمسلمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الأخلاق المذمومة، والألفاظ القبيحة، والغيبة والنميمة , قال تعالى [الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ]( ).
الحادي عشرة : في أداء الصلاة اليومي مجاهدة في الله وجذب النفس الى الصلاح والهداية، وقهر للنفس الشهوية ، وعن (عمران بن حصين قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } فقال : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له) ( ) .
ولا يعلم ما يمتنع عنه المسلم من السيئات بأدائه الصلاة إلا الله عز وجل ، لأن هذا الإمتناع خفي عن الناس ، ومن علم الغيب وإن كان أمراً وجودياً لأنه عن إختيار .
ومن الإعجاز في الآية أعلاه عدم إكتفائها بنهي الصلاة عن الفحشاء بل ذكرت أيضاً المنكر معه .
الثانية عشرة: يمنع تكرار الصلاة من الكسل والقنوط .
ويتجلى هذا المنع في ذات الصلاة وادائها، وكيفيتها، وأوقاتها .
فمن الآيات ان صلاة الصبح بعد طلوع الفجر، لتطرد النعاس عن الإنسان، وتبعث على النشاط، وتجعل المسلم يقبل على يومه بغبطة وسعادة وأمل وتوكل على الله بانجاز الإعمال والسعي في الحوائج الدنيوية والآخروية، وكذا الصلوات اليومية الأخرى، الظهر والعصر والمغرب والعشاء فهي تنفي الكسل، وتبعث على العمل وتحبيبه الى النفس.
الثالثة عشرة: قانون تكرار الصلاة إستدامة لحال الفتوة والقوة في البدن عند المسلم والمسلمة، فتلازمهما الصلاة من حين سن التكليف لتكون صاحباً كريماً لا يغادرهما يشعران معه بأن الحياة اليومية تتجدد بذات الصورة الإيمانية.
الرابعة عشرة: قانون الصلاة ثروة وغنى يملأ النفس ويجعلها في بهجة وغبطة تفرح بما آتاها الله من أسباب الهداية.
وتدرك أنها أعظم وأفضل من الذهب والفضة.
وعن أبي ذر قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: أفَتَرَى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يا رسول الله.
قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب)( ).
الخامسة عشرة: قانون الصلاة عز في النشأتين، وباعث للهيبة في نفوس الآخرين،وأمن من مكرهم وغائلتهم، وهو من عمومات قوله تعالى[وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ]( ).
السادسة عشرة: تكرار الصلاة يومياً يساهم في تنمية ملكة غض البصر الى ما حرم الله، إذ ينقطع المسلم والمسلمة في الصلاة إلى الله تعالى، ويكون بصره الى محل السجود ونحوه، وتنعكس عليه أمارات وآثار الخشية من الله تعالى في ساعات النهار والليل الأخرى، لتكون الصلاة مقدمة للإمتثال لقوله تعالى [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ]( ) .
ولم يرد لفظ [يَغُضُّوا] و[يَحْفَظُوا] إلا في الآية أعلاه ، وكذا إمتثال المسلمات لقوله تعالى [وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ).
ومن معاني الجمع بين الآيتين أعلاه أن التكاليف المتوجهة إلى المرأة في المقام أكثر من تلك التي تتوجه إلى الرجل ، وتقدير قوله تعالى [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ]، قل للمؤمنين في الأجيال المتعاقبة ، وكذا بالنسبة للمؤمنات لبيان قانون وهو لا يعلم أو يحصي الأفراد التي يتوجه إليهم خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آية واحدة (قل) إلا الله عز وجل لتعاقب أجيال المسلمين ، والتي لايعلم عدد التي مضت والتي سوف تأتي منها إلا الله عز وجل لإنحصار علم الساعة وأوان النفخ في الصور بالله عز وجل وحده ، وهل تكون اقامة الصلاة سبباً لإستدامة الحياة ، وإرجاء يوم القيامة ، الجواب نعم .
وفي الآيتين ترغيب بغض البصر عما حرم الله عز وجل ، وعن الشبهات ومقدمات الحرام ، لذا وردت الآية بصيغة الإطلاع في الموضوع الذي يغض البصر عنه واقترن الأمر بوجوب حفظ الفروج لبيان هذا الموضوع.
فمن الآيات في الشريعة ورود قوله تعالى [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ] ( )، وتأتي الصلاة كفريضة عبادية لتؤدي طوعاً وانطباقاً إلى الإمتثال للأوامر الإلهية بغض البصر ، فيشترك القرآن والسنة النبوية والفريضة العبادية في ماهية فعل المسلم وصلاحه .
قانون الصلاة كنز وادخار يومي
يعجز الإنســان عن التوصـل إلى الأسرار الإلهية لما في الصلاة من مضامين وإعتبارات تجلت في تشـــريعها واجباً يوميــاً متجــدداً، وفرضاً عينياً على كل مسلم ومسلمة ، وعنواناً للهداية والرشاد لتغطي الأرض بظلال الإسلام وتنشــر أضواء مبادئه في ربوعها فهي أعمدة لدوام الحياة على سطحها وسبيل للنجاة والفوز بالدار الآخرة.
وبالتزام المتقــين بالصــلاة يدفــع الله البلاء عن أهل الأرض ويؤجلهم إلى حين.
ولا يحصي ضروب البلاء التي محاها الله عز وجل عن الناس إلا الله عز وجل.
ولا يخفى ان الدراسات والبحوث متصلة عن بيان فلسفة الصلاة ومفاهيمها ووجوه الحكمة والجهاد والتربية والإصلاح فيها.
وفي بداية تشريع الصلاة وأدائها في مكة وعند البيت الحرام ، قال الطبري: “حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال: حدثني سعيد بن خثيم عن أسد بن عبدة البجلي عن يحيى بن عفيف عن عفيف.
قال : جئت في الجاهلية إلى مكة فنزلت على العباس بن عبد المطلب قال: فلما خلعت الشمس وحلقت في السماء وانا انظر إلى الكعبة أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء ثم إستقبل الكعبة فقام مستقبلها.
فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه، قال: فلم يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة .
فخر الشاب ساجداً فسجدا معه.
فقلت : يا عباس أمر عظيم، فقال: أمر عظيم أتدري من هذا، فقلت: لا.
قال : هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن اخي، أتدرى من هذا معه، قلت : لا.
قال : هذا علي بن أبى طالب بن عبد المطلب ابن اخي، أتدرى من هذه المرأة التي خلفهما، قلت:لا .
قال : هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي .
وهذا حدثني أن ربك رب السماء أوهم بهذا الذي تراهم عليه، وأيم الله ما اعلم على ظهر الأرض كلها احداً على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة”، ويذكر في رواية أخرى انهم توضؤا قبل الصلاة، وان عفيف قال بعد أن أسلم ورسخ الإسلام في قلبه يا ليتني كنت رابعاً( ).
ويدل الحديث على جهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته لتثبيت الصلاة كحقيقة عقائدية حاضرة في الواقع اليومي وتحدّ متصل للكفر وقيّم الشرك، وهي دعوة للإيمان، وفيها إخبار بأن الله عز وجل حبب أفعال الصلاة إلى النفوس فلم تنفر منها.
ومن خصائص الصلاة أنها نفع حاضر وباب للرزق الكريم والمغفرة , وصراط مستقيم إلى اللبث الدائم في النعيم ، قال تعالى [وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]( ).
وعن عدد من الصحابة (يقولون : كان رجلان أخوان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان أحدهما أفضل من الآخر ، فتوفي الذي هو أفضلهما ، ثم عمر الآخر بعده أربعين ليلة ، ثم توفي فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضيلة الأول ، فقال : ألم يكن الآخر يصلي.
قالوا : بلى ، وكان لا بأس به . قال : فما يدريكم ما بلغت به صلاته)( ).
لبيان احتمال رجحان كفة المفضول بفارق صلاة أربعين يوماً بعد وفاة أخيه ، وفيه شاهد على قانون لا يحصي ثواب صلاة اليوم الواحد إلا الله عز وجل ، وفيه ترغيب بالصلاة ووجوب تعاهدها ، ورجاء فضل الله عز وجل بأدائها.
قوانين في التقوى
التقوى مقام رفيع يرتقي اليه من جعل الدنيا دار اقتناء للصالحات ، ومناسبة لفعل للخيرات بسعي دؤوب في مرضاة الله.
و(عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في قوله [هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ]( )، قال يقول ربكم أنا أهل أن أتقى أن يجعل معي إله غيري ومن اتقى أن يجعل معي إلها غيري فأنا أهل أن أغفر له)( ).
فالتقوى على وجوه :
الأول : قانون التقوى مدرسة جامعة في مكارم الأخلاق.
الثاني : قانون التقوى وسيلة مباركة في الوقاية من غضب الرحمن .
الثالث : قانون التقوى عنصر أمان لصاحبها وللناس إذ يأمنون جانبه ولا ينالهم منه مكروه, ويكون أسوة لهم.
الرابع : قانون التقوى سداد وطريق صلاح للمجتمعات.
الخامس : قانون التقوى سلامة من رق الشهوات وتبعات الذنوب ومن مطلق السيئات.
السادس : قانون التقوى تدرك الآمال الرشيدة .
السابع : قانون التقوى عز من غير عشيرة وتمنح صاحبها هيبة بين الناس وجاهاً ووقاراً، قال تعالى[وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ]( ).
الثامن : قانون التقوى صفة ملازمة لأولياء الله فكانت رداءً لهم كما أن إشعاعاتها تنطلق من سيرتهم وأفعالهم المحمودة.
التاسع : قانون التقوى مصداق الخشية والخشوع لله عز وجل .
ومصاديق التقوى لا يحصيها إلا الله عز وجل ، وكذا مقدماتها وسبل الهداية إليها ، وهل يُحصى حب الله عز وجل للمتقين ، الجواب نعم ، والله سبحانه وحده هو الذي يحصيه إذ يجعله من عالم الحساب والعدد لقوله تعالى [وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( ).
ومن بديع ما وصفت به التقوى وأهلها بصورة جامعة متكاملة ما جاء عن أمير المؤمنين الإمام علي استجابة لسؤال أحد أصحابه يقال له همام وكان رجلا عابداً وبعد أن عزم( ) عليه بوصف المتقين، وقال بعد حمد الله والثناء عليه وصلى على محمد صلى الله عليه وآله وذكر عظيم إحسان الله تعالى:
“فالمتقون فيها( ) هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد( )، ومشيهم التواضع، غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت من الرخاء، ولولا الأجل الذي كتب لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب، وخوفاً من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة.
معنى الغيب
الغيب : ما خفي عن العباد وغاب عن الأبصار وعجز الحس عن إدراكه وان كان قريباً، وفي الغيب وجوه أظهرها :
الأول : ما أخبر به النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من وقائع الحاضر والمستقبل وأحوال الآخرة ونحوها.
الثاني: ما جاء من عند الله، حكي عن ابن عباس( ).
الثالث: مطلق ما خفي عن الناس معرفته ، وما كتب لهم من الرزق وما ينتظرهم من الأعمال في مستقبل الأيام والبعث وأمر الجنة والنار، نسب هذا القول إلى جماعة من الصحابة مثل ابن مسعود، وقال الشيخ الطوسي: وهو الأولى لأنه عام( ).
(وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل عن محمد بن يزيد الثقفي قال : اصطحب قيس بن خرشة وكعب الأحبار ، حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ثم نظر ساعة ، ثم قال : ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله؟
فقال قيس : ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به؟!
فقال كعب : ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة الذي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة) ( ).
ولا أصل لهذا القول إنما تنزل الكتب السماوية بالقواعد والأحكام والإخبار الإجمالي عن الوقائع لعمومات قوله تعالى [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] ( ).
الرابع : سائر ما لا يدرك بحاسة البصر ويمكن معرفته بدلائل خاصة وبراهين يهتدي اليها العقل.
الخامس : لقد ورد لفظ (الغيب) وبلغة المفرد في القرآن تسعاً وأربعين مرة منها ما يتعلق بالأحوال التي ذكرت أعلاه من مصاديق الغيب ووجوهه، وشطر من علوم الغيب اختص الله نفسه بها ، ولم يطلع عليها أحد من الخلائق، قال تعالى [قُلْ لاَ يَعْلمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ]( ).
معاني الرزق
الرزق في اللغة: الحظ والنصيب، وهو بالكسر اسم، واختلف الاشاعرة والمعتزلة في اصطــلاح الرزق ومتعلقـــه، فقال الاشاعرة بأنه كل ما ينتفع به بغض النظر عن حلية طريق كسبه أو حرمته، ولكن المعتزلة رفضوا تســمية الحرام بالرزق لعدم صلاحيته لغة وشرعاً، ولأنه لا يجوز إسناده إلى الله تعالى لتنزهه عن القبائح، ولكل من الفريقين دليل.
فالاشاعرة تمسكوا بما ذكره صفوان بن أمية من جواب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمر بن قرة الذي قال: “يا رسول الله إن الله كتب عليّ الشقوة فلا أراني أرزق إلا من دفي بكفي أتأذن لي في الغناء من غير فاحشة.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد كلام: يا عدو الله إن الله قد رزقك رزقاً طيباً فاخترت ما حرم الله عليك من الرزق مكان ما أحل الله لك من حلاله”( ).
وطعن المعتزلة في الحديث سنداً ودلالة , وقالوا إن الله أطلق عنوان الرزق على الحرام من باب المشاكلة، ثم انهم تمسكوا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالاً ولم يقسمها حراماً( ) .
بل واحتجوا بنفس الحديث لما فيه من الحرمة والمنع من الحرام.
واحتج الأشاعرة ايضاً بمعنى الرزق في اللغة وهو الحظ والنصيب الذي يفيد الإطلاق من غير حصر بالحلال وبقوله تعالى [ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ] ( ) وان الإنســان قد يعيش عمره كله من أكـــل الحـــرام، والكل قابل للمناقشــة، والقائـــل بان الـــرزق هو الإنتفاع من الحلال احتج بآيات منها قوله تعالى في هذه الآية [وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ].
والأرزاق قسمان :
الأول : ما يخص الأبدان كالأقوات وتسمى ظاهرة.
الثاني : باطنة تخص القلوب كالمعارف ومكارم الأخلاق والعلوم، كما يمكن تقسيمها الى قسمين :
الأول : المادي .
الثاني : المعنوي .
وأصل الإنفاق: الإخراج، ويقال: نفقت الدابة من باب قعد تنفق نفوقاً، أي هلكت وخرجت روحها، ونفق الزاد نفقاً أي نفد ولم يبق منه شيء.
وبلحاظ قانون هذا الجزء وهو علم الإحصاء القرآني غير متناه، فان رزق الله عز وجل للعباد متصل وغير منقطع وغير متناه ، والرزق من موارد الإتصال والتجاذب بين السماء والأرض ، قال تعالى [وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ]( ) .
ويتبادر إلى الأذهان عند ذكر الرزق المال والأولاد وزينة الحياة الدنيا ، والرزق أعم ، ومنه الهداية إلى الإيمان ، وأداء الفرائض العبادية ، وهل منه قوله تعالى [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ]( )، الجواب نعم ، وهو من أعظم مصاديق الرزق النافع في الدنيا والآخرة ، والله وحده يعلم مقدار رزق كل عبد ، وما يصلحه في الرزق ، قال تعالى [اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ]( ) ولقد صاحب الإنسان الدعاء لطلب الرزق ،ولا يعلم أدعية الناس لطلب الرزق إلا الله عز جل .
وهل إستجاب الله عز وجل لكل دعاء وسؤال في طلب الرزق ، المختار نعم لقوله تعالى [ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] ( ) إلا أن الإستجابة أعم من أن تنحصر بموضوع الدعاء [وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ]( ).
عمر النبوة وفتراتها
قال تعالى [يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِإيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( ).
ولم يرد لفظ (فَتْرَةٍ) في القرآن إلا في الآية أعلاه .
والفترة سكون بعد حركة , (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لكل عمل شدة ، ولكل شدة فترة) ( ) .
وهي في مقام الإخبار عن انقطاع الوحي فيما بين عيسى عليه السلام وبين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وهل يدل على إنحصار الفترة بين الرسل بخصوص ما بين عيسى عليه السلام والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الجواب لا , فاثبات شيء لشيء لا يدل على نفيه عن غيره , بل هو في المقام أمارة على وجود فترات بين الرسل , لذا فإن بعثة مائة وأربعة وعشرين ألف نبي مع وجود فترات بين بعضهم تدل على طول الحياة الدنيا , وعمارة الإنسان للأرض فإذا كانت هناك فترة بين كل واحد والآخر من عشرين ألف نبي فقط , أي سدس مجموع الأنبياء أعلاه خمسمائة عام فأن المدة بينهم عشرة ملايين سنة إلى جانب المدد بين عامة الأنبياء من أيام أبينا آدم عليه السلام والعلم عند الله تعالى .
وليس من شخص آخر يوحى اليه مدة رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ بعث على فترة من الرسل، وكان في أيام بني إسرائيل يبعث أكثر من نبي في زمان واحد وبلدة واحدة.
فجاءت هذه الآية لتبين حصر النبوة في أيام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بشخصه الكريم ، وفيه ترغيب للناس بالإيمان ، ودعوة قريش للشكر لله عز وجل على نعمة بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهرانيهم ، ولزوم عدم تفويتها .
ولم تأتِ صفات المتقين بآية واحدة، بل جاءت بآيتين تؤكد كل آية إرتقاء المسلمين في المعارف الإلهية وإن كل خصلة من خصال الإيمان مرتبة في التقوى، وإشراقة ورشحة من رشحات القرآن وأنه الكتاب الجامع للأحكام الذي لا ريب ولا شك فيه، وهو الإمام الحاضر والمصاحب لــ[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ) يقود الناس نحو سبل النجاة في الآخرة التي يوقنون بها.
ويتفرع عن اليقين بالآخرة العمل لها، والإستعداد للقاء الله عز وجل لذا جاءت الآيات بذكر عبادة المسلمين، ومواظبتهم على إقامة الصلاة وإتيان الزكاة.
ومن الجامع المشترك بين الأنبياء من أيام أبينا آدم عليه السلام مضامين سورة الفاتحة لذا افتتح بها القرآن , وفرض الله عز وجل على كل مسلم ومسلمة تلاوتها في كل ركعة من الصلاة , وذكر مصاديق وأفراد الإيمان في الآيات الأولى من سورة البقرة ، لتكون تلاوة القرآن من مقامات الإيمان والتسليم بالغيب .
لقد تضمنت قوله تعالى [أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]( ) الشهادة للمؤمنين بحسن السمت والصلاح ببركة بعثة الأنبياء مبشرين ومنذرين , ولا تكون فترة بين الرسل إلا بمشيئة الله عز وجل وفيه مسائل :
الأولى : لا تكون فترة بين الرسل إلا بمشيئة من عند الله .
الثانية : لا يعلم أسباب الفترة بين الرسل إلا الله عز وجل .
وأيهما أكثر التعاقب بين الرسل أم الفترة بينهم ، المختار هو الأول ، وهو من رحمة الله عز وجل بالناس ، وإقامة الحجة عليهم .
الثالثة : بيان الشأن العظيم لرسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من بين النبوات ، وحاجة الناس لها.

بحث كلامي
من أسرار الخلق قانون حتمية البعث والنشور، قال تعالى [ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ]( ).
ولقد أجمع المليون على قانون حصول المعاد الجسماني وأجمع المسلمون على عذاب القبر ، ونقل عن ضرار إنكاره ولا عبرة بخلافه مع ظهور النصوص والإجماع، وإمكان حصوله عقلاً والمسمى بعالم البرزخ وهو جزء من عالم الآخرة الذي يكون مصداقاً عملياً لوعد الله تعالى للمؤمنين بالثواب ، وإنذاره ووعيده للكافرين بالعذاب.
ولابد من الجزاء للتكليف والفرائض بفضل وإحسان الله تعالى، والتكليف يعني إتيان الفعل العبادي بمشقة وكلفة، وكذا اسم الفريضة لما فرض على العبد أداؤه من الصلاة أو الصوم أو إستخراج الزكاة والخمس.
وذكر القرآن للإيمان بالآخرة على نحو اليقين في هذه الآية بالذات وإبرازها كصفة لازمة بيان لضرورة من ضرورات الإيمان، ويدل على المصير الحتمي إلى يوم القيامة سواء وصل إلى العبد في الدنيا ثواب او عقاب ام أُمهل الى الآخرة او انهما قد يحصلان لشخص واحد، ينال قسطاً من الجزاء في الدنيا على نحو الإبتلاء والإستدراج ثم يلقى الجزاء في الآخرة.
وفي قوله تعالى [وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ] ( )، قال الزمخشري: وفي تقديم [الآخِرَةِ] وبناء [يُوقِنُونَ] على [هُمْ] تعريض بأهل الكتاب وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته( ) واثنى عليه السيوطي بقوله: وهذا الذي قاله الزمخشري في غاية الحسن، ووجه اللوم لمن إعترض عليه( ).
ولكن الظاهر هو أن هذه الآيات في مدح المسلمين وإعدادهم عقائدياً والصفات الإيمانية في الآيات صفات إنحلالية كل واحدة منها شرط من شروط الإيمان ومصداق من مصاديقه وركن من أركانه، وفقدها عيب ونقص ليتجلى قانون تذكير الناس بعالم الآخرة وترغيبهم بالإستعداد لها خاصة مع قانون مجئ الموت بغتة ، قال تعالى [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ]( ).
معجزة الوفود
لقد كانت ظاهرة وفود القبائل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم معروفة عند المسلمين وحقيقة تأريخية، استمرت الى ما بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم وهي تعلن قانون خلع القبائل العربية لرداء الكفر البالي ودخولها في الإسلام، وتلك الظاهرة وإن كانت نتيجة لإعجاز النبوة والقرآن إلا أنها هي الأخرى معجزة وسبب إضافي لإتساع الإسلام في السنوات اللاحقة وفي القبائل النائية وأطراف الجزيرة العربية والبلدان البعيدة عنها.
فبعد فتح مكة في العام الثامن للهجرة , وبعد تبوك في شهر رجب من العام التاسع سُمي العام التاسع للهجرة عام الوفود لكثرة القبائل التي وفدت من كل حدب وصوب على المدينة المنورة لدخول الإسلام منها :
الأول : وفد بني تميم .
الثاني : وفد عبد القيس .
الثالث : وفد نجران .
الرابع : وفد بني حنيفة .
الخامس : وفد الحميريين من اليمن .
السادس : وفد قبيلة طي .
السابع : وفد بني عامر .
الثامن : وفد بني سعد بن بكر .
التاسع : وفد كندة .
العاشر : وفد قريش .
الحادي عشر : وفد تميم الداري .
الثاني عشر : وفد قوم جرير بن عبد الله البجلي .
وغيرهم ونزل قوله تعالى [إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا] ( ) .
وذكر أن عدد الوفود التي قدمت إلى المدينة للقاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودخول الإسلام سبعون وفداً ، وفيه مسائل :
الأولى : تعدد القبائل والمدن التي جاء منها الوفود .
الثانية : ليس كل الوفود جاءوا لدخول الإسلام ، فمنهم من حضر بين يدي الرسول ليرى المعجزات وينقل إلى قومه الآيات والبراهين الدالة على صدق نبوته ، وما ليبثوا حتى يدخلوا الإسلام ، فيرجعون إلى قومهم مسلمين ، وهو من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثالثة : لا يختص دخول الإسلام باعضاء الوفود بل يدخل الإسلام الذي من خلفهم وهو المستقرأ من معنى ولفظ الوفد.
الرابعة : توثيق القرآن لكثرة الوفود التي جاءت إلى المدينة ومنه سورة النصر ، ومنه قدوم وقد بني أسد بن خزيمة ، ونزول قوله تعالى [يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ]( ).
و(عن محمد بن كعب القرظي قال : قدم عشرة رهط من بني أسد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أول سنة تسع وفيهم حضرمي بن عامر وضرار بن الأزور ووابصة بن معبد وقتادة بن القائف وسلمة بن حبيش ونقادة بن عبد الله بن خلف وطلحة بن خويلد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد مع أصحابه فسلموا وقال متكلمهم : يا رسول الله إنا شهدنا أن الله وحده لا شريك له ، وأنك عبده ورسوله ، وجئناك يا رسول الله ولم تبعث إلينا بعثاً ، ونحن لمن وراءنا سلم ، فأنزل الله [يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا]( ) الآية)( ).
ولم يرد لفظ (يمنون) (تمنوا) (اسلامهم) إلا في الآية أعلاه.
وكان رئيسهم حضرمي بن عامر فقال (يا رسول الله أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء، ولم تبعث إلينا بعثا)( ).
فنزلت الآية أعلاه .
وفي الوفد طليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة أيام الردة ثم اسلم وحسن إسلامه.
ولا يعلم عدد الذي دخلوا الإسلام عام الوفود إلا الله لتكون بعثاً للسكينة في قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، وهل كثرة الوفود هذه مقدمة للقضاء على قبائل الردة بعد مغادرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ، الجواب نعم .
وكان من ضمن وفد بني أسد بن خزيمة الذين قدموا المدينة في عام الوفود ، وهو العام التاسع للهجرة رجال من قبيل منهم اسمهم بنو الرثية ، وفي رواية أن اسمهم كان بنو الزنية .
فبدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمهم فقال (انتم بنو الرشدة)( ).
وقد يبدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسم شخص أو أكثر واسم قبيلتهم في مجلس واحد.
وذكر أنه (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة, وفد إليه عبد العزى بن بدر بن زيد بن معاوية الجهني من بني الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة, ومعه أخوه لأمه أبو روعة, و هو ابن عم له, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعبد العزى: أنت عبد الله, ولأبي روعة: أنت رعت العدو إن شاء الله, وقال: من أنتم ؟ , قالوا: بنو غيان , قال: أنتم بنو رشدان, وكان أسم واديهم غوى, فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رشدا…الحديث)( ).
ومن صبر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجهاده في الإصلاح والرشاد أن الذي لا يرضى بتغيير اسمه لا يؤاخذه ، كما أنه لا يكون مانعاً للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من تغيير الأسماء التي تدل على مفاهيم الكفر والضلالة وتفضي إلى الكآبة ، فقد رسم القرآن خريطة الأسماء الحسنة بذكر أسماء الأنبياء ، وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مؤسس الأسماء الحسنى بعد القرآن .
ولا يحصى منافع تبديل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأسماء نحو الصلاح إلا الله عز وجل ، ولا تختص هذه المنافع بالذين بدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسماءهم وافتخار أبنائهم بهذا التبديل ، إنما أصبح هذا التبديل مقدمة لقانون إختيار المسلمين الأسماء الحسنة لأولادهم وألقابهم وكناهم وقراهم ونحوها ، ونفذ هذا القانون إلى النوايا والمقاصد الفردية والجماعية بما لم يحط به وبمنافعه إلا الله عز وجل ، ومن الأسماء ما يذكر بالله عز وجل ووجوب عبادته ، ومنها ما يدعو إلى الصلاح ، وإن كان الإسم غير المسمى.
العجز عن إحصاء عالم الأفلاك
يدرس علم الفلك الأجرام السماوية وسعة السموات والأجرام والكواكب والأقمار ، والظواهر الفلكية ، وأخذ علم الفلك في هذا الزمان صبغة العلم الرصدي مع تحليل البيانات وفق علم الفيزياء الفلكية والكيمياء ، وكان علم التنجيم متصلاً مع علم الفلك قبل أن يستقل الأخير ، ويأخذ صيغة الدراسات العلمية في القرن السابع عشر الميلادي .
ومن إعجاز القرآن أنه فصل بينهما ، وأبطل التنجيم الذي يرصد الظواهر الفلكية للإخبار عن الحوادث القادمة ، لعدم الملازمة بينهما ، ولأن الله عز وجل [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] ( ).
وجاءت السنة النبوية صريحة بالإخبار عن كونه والكهانة من العلوم الزائفة و(عن معاوية بن الحكم السلمي قال قلت يا رسول الله
أمورا كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان ، قال : فلا تأتوا الكهان قلت : كنا نتطير .
قال ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم) ( ).
لقد أثنى الله عز وجل على نفسه فقال [بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ]( ) ليكون هذا الثناء دعوة للناس للتدبر في عظيم قدرة الله عز وجل ، والعجز عن إحصائهم لأفراد عالم الأكوان والنجوم ، وهو الذي تدل عليه الإكتشافات العلمية الحديثة ، وسياحة التقنية في السموات من غير وقوف على حد ومنتهى لها أبداً .
وقد تقدم الكلام في مقدمة الجزء الثالث من هذا السِفر .
ومن بديع صنع الله مغادرة كل طبقة وجيل من الناس الحياة الدنيا وهم عاجزون عن إدراك أسرار السموات أو معرفة ذخائر الأرض ، قال تعالى [لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ] ( ) ، فان قلت ، وإن ارتقت العلوم ووصلت لأجزاء السماء وطبقات الأرض ، الجواب نعم .
وفاقد الشئ لا يعطيه ، فاذا كان الناس عاجزين عن إدراك كنه وأسرار السموات والأرض فمن باب الأولوية أن يعجزوا عن إحصاء مصاديقها .
والنسبة بين العجز عن إحصاء الخلائق والعجز عن إحصاء كنوز القرآن عموم وخصوص من وجه ، فهناك مادة للإلتقاء وأخرى للإفتراق بينهما .
وأختلف في الواضع لعلم الفلك من البشر الذي قام بدراسة المجرات والكواكب والنجوم والمذنبات وعموم الظواهر التي تحدث في السماء .
والمختار أن علم الفلك مصاحب للإنسان ، وأول من تعلم علم الفلك هو آدم وفي السماء بقوله تعالى [وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا]( ) ليتسع علم الفلك على مر الأزمنة وإرتقاء الحضارات ليبلغ هذه الأيام أعلى درجاته بما يفوق تصور الأمم السابقة.
وفي كل إكتشاف جديد في عالم الفلك يتجلى قانون عجز البشر عن إحصاء وعدّ الآيات السماوية ودقة أنظمة الكون ، قال تعالى [وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ]( ) .
وهناك مسائل :
الأولى : هل الملائكة من عالم الفلك .
الثانية : هل يكتشف إرتقاء العلوم الفلكية والمراصد للسماء الملائكة وسياحتهم في السماء ، وإنقطاعهم لعبادة الله .
الثالثة : هل نزول الملائكة لنصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في معركة بدر ، وأحد ، والخندق من علوم الفلك .
أما الأولى فان الملائكة من سكنة السموات ، وليسوا من عالم الفلك والأجرام السماوية ، إذ خلقهم الله عز وجل ليتخذوا السموات مسكناً ويعمروها بالتسبيح والتهليل على مدار الساعة ، وفي الثناء عليهم ، قال تعالى [يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ] ( ).
وأما المسألة الثانية فصحيح أن الملائكة أجسام نورانية ، إلا ان المختارمجئ زمان ترى فيه المراصد بعض حركة الملائكة ، ولو على هيئة أشباح ، ويدور في هذا الزمان نحو ستة آلاف قمر صناعي حول الأرض أكثرها بالية مستهلكة أما النشطة فهي 2100 قمر وهوعدد كبير .
وأما المسألة الثالثة فالجواب نعم ، فذات نزول الملائكة وكيفيته وسرعته من علم الفلك ، وإنتفاء المسافة والبعد بين السماء والأرض بمشيئة الله عز وجل .
وقد تبلغ السرعة المدارية للمركبة الفضائية ستة آلاف كيلو متر في الساعة ، أما نزول الملائكة لنصرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فكانت بالكاف والنون ، فبلمح البصر صار جبرئيل وميكائيل ومن معهم من الملائكة في ميدان المعركة لصدّ غزو المشركين ، ومنعهم من قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لبيان إختراق الدعاء حجب السموات ، قال تعالى [إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ] ( ) ولا يحصي عدد الملائكة وهيئاتهم المختلفة ، وحركتهم وتنقلهم ، وتسبيحهم إلا الله عز وجل .
قانون شهادة الملائكة
اتبدأ قوله تعالى [وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ] ( ) بقانون من الإرادة التكوينية في الشفاعة وخصوص الإستثناء فيها ، ثم قال تعالى [قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ] ( ) .
فالمستقرأ من أنهم الملائكة أي طائفة منهم سألت وأخرى أجابت والموضوع هو الوحي والقرآن النازل على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للشأن العظيم لكلام الله عند أهل السموات.
لقد كان المشركون يعبدون الأصنام ، ويتقربون إليها زلفى ، ويعبدون الملائكة ويقولون أنهم شفعاء لهم عند الله عز وجل .
فنزل القرآن بالنهي عن عبادة الملائكة ، إذ تتبرء الملائكة يوم القيامة من هذه العبادة ، وليس لها أن تشفع للمشركين ، وفي التنزيل [قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ] ( ).
وتفزع الملائكة عند سماع الوحي إلى جبرئيل ، ومعنى فزع عن قلوبهم أي زال الفزع والخوف عن قلوب الملائكة لشدة شأن الوحي في نزوله في طبقات السموات ، ولقد كانت الآية تنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيعالج شدة من وطأته.
فاذا كان الملائكة يصابون بالرعب والفزع عند سماع الوحي النازل من عند الله ، فكيف يعبدهم الناس ، وفزع الملائكة هذا دعوة عملية منهم للتصديق بالوحي ، وآيات القرآن النازلة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو من مصاديق رد الله عز وجل على الملائكة حينما سألوا الله عز وجل رأفة بالناس [أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] ( ) .
لترى الملائكة برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كيف يصيبها الفزع من الوحي النازل إلى الخليفة في الأرض ، فيزداد دعاؤهم واستغفارهم لأهلها .
وهل من صلة بين هذه الآية وبين قوله تعالى [لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ] ( )، الجواب نعم ، فتصاب الملائكة في السماء بالخشية عند سماع الوحي ونزول آيات القرآن .
لذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما ينزل عليه الوحي يتفصد جبينه عرقاً في اليوم الشديد البرد ، وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا]( ) .
و(عن النوّاس بن سمعان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا أراد الله أن يوحي بأمر تكلم بالوحي ، فإذا تكلم بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله تعالى .
فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا سجداً ، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه السلام ، فيكلمه الله من وحيه بما أراد ، فيمضي به جبريل عليه السلام على الملائكة عليهم السلام ، كلما مر بسماء سماء سأله ملائكتها : ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول { قال الحق وهو العلي الكبير } فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل عليه السلام ، فينتهي جبريل عليه السلام بالوحي حيث أمره الله من السماء والأرض)( ).
والنواس بن سمعان بن خالد العامري الكلابي ، له صحبة ، سكن الشام( )، وله رواية( ).
منها أنه قال (سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من قلب الا بين اصبعين من أصابع الرحمن إذا شاء أن يقيمه اقامه وإذا شاء أن يزيغه ازاغه)( ).
ومنها (كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وأنت له كاذب)( ).
يقال (إن أباه سمعان بن خالد وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأعطاه نعليه فقبلهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوجه أخته. فلما دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعوذت منه فتركها وهي الكلابية)( ).
ولفظ يقال : تضعيف للخبر.
وورد (عن أبي الجارود عن الإمام محمد الباقر عليه السلام في قوله تعالى ( حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم
قالوا الحق وهو العلي الكبير ) ( ) وذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين أن بعث عيسى بن مريم (عليه السلام) إلى أن بعث محمد (صلى الله عليه وآله).
فلما بعث الله جبرئيل إلى محمد (صلى الله عليه وآله) سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا، فصعق أهل السماوات، فلما فرغ من الوحي انحدر جبرئيل، كلما مر بأهل السماء فزع عن قلوبهم، يقول: كشف عن قلوبهم، فقال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير) ( ) .
إذ ورد (عن ابن عباس قال : لما أوحى الجبار إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم دعا الرسول من الملائكة ليبعثه بالوحي ، فسمعت الملائكة عليهم السلام صوت الجبار يتكلم بالوحي .
فلما كشف عن قلوبهم سئلوا عما قال الله فقالوا : الحق . وعلموا أن الله تعالى لا يقول إلا حقاً قال ابن عباس : وصوت الوحي كصوت الحديد على الصفا ، فلما سمعوا خروا سجداً ، فلما رفعوا رؤوسهم قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ( ).
وفي رواية عنه أنهم طوائف من الجن لهم مقعد في السماء وفي قوله عز وجل [حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ]( )، (قال : كان لكل قبيل من الجن مقعد في السماء يستمعون منه الوحي ، وكان إذا نزل الوحي سمع له صوت كامرار السلسلة على الصفوان ، فلا ينزل على أهل سماء إلا صعقوا { حتى إذا فزع عن قلوبهم ، قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير }( ) .
وإن كان مما يكون في الأرض من أمر الغيب ، أو موت ، أو شيء مما يكون في الأرض تكلموا به فقالوا : يكون كذا . وكذا . فسمعته الشياطين ، فنزلوا به على أوليائهم يقولون : يكون العام كذا ، ويكون كذا ، فيسمعه الجن .
فيخبرون الكهنة به ، والكهنة تخبر به الناس يقولون : يكون كذا وكذا، فيجدونه كذلك .
فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم دحروا بالنجوم فقالت العرب حين لم يخبرهم الجن بذلك : هلك من في السماء ، فجعل صاحب الإِبل ينحر كل يوم بعيراً ، وصاحب البقر ينحر كل يوم بقرة ، وصاحب الغنم شاة ، حتى أسرعوا في أموالهم .
فقالت ثقيف : وكانت أعقل العرب : أيها الناس أمسكوا عليكم أموالكم ، فإنه لم يمت من في السماء ، وان هذا ليس بانتشار ألستم ترون معالمكم من النجوم كما هي ، والشمس والقمر والنجوم والليل والنهار قال : فقال إبليس لقد حدث اليوم في الأرض حدث ، فائتوني من تربة كل أرض ، فأتوه بها ، فجعل يشمها ، فلما شم تربة مكة قال : من ههنا جاء الحديث منتشراً ، فنقبوا فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث)( ).
قانون تعداد النعم من الشكر
لقد جعل الله عز وجل الإنسان [فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]( )، ليشكر الله عز وجل على مصاديق نعمة الخلافة التي هي من اللامتناه إذ تتفرع عنها نعم كثيرة متصلة على الفرد والجماعة والنفس ولا يصل الإنسان إلى تعداد معشار ما عنده من النعم وإن اجتهد في استحضارها وذكرها.
وهذا التعداد إرتقاء في المعارف الإلهية ، وواقية من الشك والريب ، وطارد للغفلة والتفريط.
لقد جعل الله عز وجل الحياة الدنيا دار الشكر له سبحانه فاكثر على الناس النعم ، وجعلها نهراً جارياً غير منقطع بحيث لو افنوا اعمارهم في إحصائها والشكر عليها لعجزوا عن إيفاء حقها .
ولكن الله عز وجل يرضى من العباد بالقليل ، ويعطي الكثير .
ومن مصاديق خلافة الإنسان في الأرض إشاعة الشكر لله بين الناس وقيامهم بشكر بعضهم بعضاً.
و(عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من اصطنع إليكم معروفا فجازوه ، فإن عجزتم عن مجازاته فادعوا له ، حتى يعلم أنكم قد شكرتم ، فإن الله شاكر يحب الشاكرين)( ).
مع ضرورة تعاهد الشكر لله عز وجل وهو ولي النعم والهادي لموضوع الشكر بين الناس ، قال تعالى [بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ]( ).
أي من الشاكرين لله عز وجل وتتعدد مصاديق حب الله عز وجل في القرآن من وجوه :
الأول : قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]( ).
الثاني : قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ]( )، الذي يحكمون بالعدل.
الثالث : قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ]( ).
الرابع : قوله تعالى [وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ]( ).
الخامس : قوله تعالى [فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ]( ).
السادس : قوله تعالى [وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ]( ).
السابع : قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ]( ).
لبيان عجزنا عن إحصاء الذين احبهم ويحبهم الله عز وجل ، وعددهم من علم الغيب لا يعلمه إلا هو سبحانه.
والمراد من أحبهم أعلاه أي في الزمن والأحقاب السابقة ، ويحبهم في الأزمان اللاحقة .
و(عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لما أهبط الله آدم إلى الأرض قام وجاء الكعبة فصلى ركعتين ، فألهمه الله هذا الدعاء : اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي ، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي ، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي .
اللهم أسألك إيماناً يباشر قلبي ، ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي ، وأرضني بما قسمت لي ، فأوحى الله إليه : يا آدم قد قبلت توبتك ، وغفرت ذنبك ، ولن يدعوني أحد بهذا الدعاء إلا غفرت له ذنبه ، وكفيته المهم من أمره ، وزجرت عنه الشيطان ، واتجرت له من وراء كل تاجر ، وأقبلت إليه الدنيا راغمة وإن لم يردها).
وهل يمكن القول بأن من الناس من مات من غير أن يفوز بحب الله ، ولكن هذا الحب يأتيه من بعد موته ، المختار نعم ، وهو من النعم في الليل والنهار التي لا يعلمها إلا الله عز وجل ، فيأتي هذا الحب من وجوه متعددة منها :
الأول : استغفار الأحياء للميت .
الثاني : إنتفاع الناس من سنة حسنة له .
الثالث : أداء الصلاة والصيام والحج والزكاة والخمس نيابة عنه ، أو إخراج جزء من ماله لها .
الرابع : حسن وصيته قبل موته .
الخامس : مضاعفة الله عز وجل لحسنات العبد بعد موته حتى ترجح على السيئات .
وهل تأتي هذه المضاعفة بقصد هذا الترجيح لطفاً من الله عز وجل ، الجواب نعم ، ليكون من معاني قوله تعالى [اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ] ( )، الله لطيف بعباده أحياءاً وأمواتاً .
أجزاء الصلة بين آيتين
من إعجاز القرآن قانون دلالة التكرار على تعدد المعنى وإن إتحد اللفظ ، وفيه دعوة لتدبر في صلة هذا اللفظ بمضامين ذات الآية التي ورد فيها .
وكذا صلة ذات الآية بالآيات المجاورة والتي أطلقت عليها اسم (في سياق الآيات) في بحث مستقل في تفسير كل آية من آيات القرآن، كما صدرت أجزاء من هذا التفسير بخصوص السياق وهي:
الأول : الجزء الرابع والثمانون ، ويختص بصلة الآية 110 بالآيات 101-109 من سورة آل عمران.
الثاني : الجزء الخامس والثمانون ، ويختص بصلة الآية 110 بالآيات 94-102 من سورة آل عمران.
الثالث : الجزء السادس والثمانون ، ويختص بصلة الآية 110 بالآيات 85-93 من سورة آل عمران.
الرابع : الجزء السابع والثمانون ، ويختص بصلة الآية110 بالآيات 78-84 من سورة آل عمران.
الخامس: الجزء الثامن والثمانون ، ويختص بصلة الآية 110 بالآيات 70-77 من سورة آل عمران.
السادس : الجزء الثالث والتسعون ، ويختص بصلة الآية 110 بالآيات 64-69 من سورة آل عمران.
السابع : الجزء الثاني بعد المائة الآية (138) والبيان في سورة الفاتحة والآيات (1-4) من سورة البقرة .
الثامن : الجزء الثالث بعد المائة الآية (138) من سورة آل عمران والبيان في الآيات (6-13) من سورة البقرة .
التاسع : الجزء الرابع بعد المائة الآية (138) من سورة آل عمران والبيان في الآيات (14-17) من سورة البقرة .
العاشر : الجزء الخامس بعد المائة الآية (138) من سورة آل عمران والبيان في الآيات (17-19) من سورة البقرة .
الحادي عشر : الجزء العشرون بعد المائة ، ويختص بصلة الآية (152) بالآية (151) من سورة آل عمران.
الثاني عشر: الجزء الثاني والعشرون بعد المائة ، ويختص بالقسم الأول من تفسير 153 وهو بصلة شطر من الآية153 بشطرمن الآية 151 من سورة آل عمران.
الثالث عشر: الجزء الخامس والعشرون بعد المائة ويختص بالقسم الأول من تفسير الآية 154 وبصلة شطر من هذه الآية بشطر من الآية 153 من سورة آل عمران.
الرابع عشر : الجزء الرابع والأربعون بعد المائة ويختص بصلة شطر من الآية 161 بشطر من 164 من سورة آل عمران.
الخامس عشر : الجزء السادس والثمانون بعد المائة ويختص بالصلة بين الآية 180 والآية 181 من سورة آل عمران .
قانون الإحصاء القرآني نعمة متصلة
قد تجتمع عدة أوامر أو نواهي في الآية الواحدة ، ولكن لكل منها حكمه الخاص .
فقد يتضمن الأمر الوجوب أو الندب ، ولكل فرد له أجر وثواب خاص .
وقد يتضمن النهي الحرمة أو الكراهة ، وبالنسبة للعقوبة قد تكون إقامة الحد أو التعزير أو كفاية الكفارة ، ويتغشاها الإستغفار ، والتدارك والمبادرة إلى التوبة ، قال تعالى [وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا]( ).
و(عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوءُ لك بنعمتك عَلَيّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها في ليلة فمات في ليلته دخل الجنة، ومن قالها في يومه فمات دخل الجنة)( ).
فمثلاً قوله تعالى [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ]( )، فكل مما ظهر وما بطن متعدد المصاديق والأفراد ، فكل فرد له حكم وهناك أحكام تنتزع وتستقرأ من الجمع بين آيتين من آيات القرآن ، وهو من إشراقات الإعجاز القرآني.
ولبيان قانون تأريخي وهو عدم توقف أو انقطاع علم الإحصاء القرآني ، فكل طبقة من العلماء تستنبط أحكاماً من الجمع بين الآيات ولا يضر بهذا المنهاج تكرار هذه الأحكام ، وورودها في آية مخصوصة ، وهو من اللطف الإلهي ، والتخفيف عن المؤمنين والناس جميعاً ، بتقريب الأحكام إلى الأذهان ، وجعل المعقول أقرب إلى المحسوس.
إحصاء كلام الناس
لقد أخبرت آيات الحساب والجزاء الآخروي عن حضور أعمال وأقوال الناس معهم في عرصات يوم القيامة بما فيها تلك التي نسوها ، قال تعالى [يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ] ( ).
وأيهما أكثر من الكلام الذي قاله الإنسان في حياته ، ما ذكره واستحضره أم ما نساه وغاب عن الذاكرة والحافظة .
الجواب هو الثاني ، هذا في الحياة الدنيا ، فكيف وهو تمر عليه آلاف السنين في عالم البرزخ ثم يبعث من القبر .
وهل من موضوعية للفزع يوم القيامة في قوله تعالى [وَنَسُوهُ]، أم أنهم نسوه حتى في الحياة الدنيا ، المختار هو الأول .
وتبين الآية أعلاه قانوناً وهو الله وحده الذي أحاط بكلام الناس ، وهو سبحانه يعلم ما سوف يقولون من قبل أن يخلقهم .
فان قلت أن الملائكة يكتبون ما يقول الناس ، قال تعالى [أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ]( ) والجواب يكتب الملك قول الذي وكّل به من البشر دون غيره ، وهناك فرق بين السمع ووظيفة الكتابة والتوثيق ، فالله عز وجل وحده هو الذي عنده توثيق الأقوال ، ومعنى هذا التوثيق حضور الأقوال عنده سبحانه ، ونزل القرآن بالندب إلى الكلام الحسن واللطيف ، قال تعالى [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا]( ).
كما جاء القرآن بالزجر عن الكلام السيئ والغيبة والنميمة ، قال تعالى [لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا]( ).
و(عن علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من استذلّ مؤمناً أو مؤمنة أو حقّره لفقره وقلة ذات يده شهّره الله يوم القيامة ثم فضحه، ومن بهت مؤمناً أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله على تل من نار حتى يخرج مما قال فيه، وإن المؤمن أعظم عند الله وأكرم عليه من مَلَك مقرب، وليس شيء أحبّ إلى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة، وإن (الرجل) المؤمن ليُعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده) ( ) .
وهناك مسألتان :
الأولى : أيهما أكثر كلام الصدق أم الكذب بين الناس في الحياة الدنيا.
الثانية : هل تستطيع الملائكة والناس إحصاء الكلام الصادق بين الناس أو الكلام الذي هو كذب .
أما المسألة الأولى فالمختار أن كلام الصدق هو الأكثر ، ولا يضر بهذا القانون وجود جماعة أو أهل مهنة يتصف أكثرهم بالكذب ، فمن مصاديق قوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]( )، قانون جعل الله عز وجل الحياة الدنيا دار الصدق .
وعن الإمام علي عليه السلام قال (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ يَلِجْ النَّارَ) ( ).
وعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال : من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار .
ترى ما هي النسبة بين الفساد في قوله تعالى [يُفْسِدُ فِيهَا]( )، وبين الكذب ، الجواب هو العموم والخصوص المطلق فالفساد أعم.
القرآن لغة وإصطلاحاً
القرآن لغة الجمع ، تقول قرأت الشئ قرآناً ، إذا جمعت بعضه إلى بعض.
وفي الإصطلاح هو كلام الله الذي أنزله على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم باللفظ الدقيق وليس المعنى ، مع أنه معجز في لفظه ومعناه ، والمتعبد في تلاوته ، المنقول إلينا بالتواتر ، المكتوب في المصاحف وهو قطعي الصدور قطعي الدلالة.
ولعظمة شأن القرآن في السموات والأرض جعل الله نزوله على مراتب :
الأولى : ثبوت القرآن في اللوح المحفوظ.
الثانية : نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر ، قال تعالى [إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ]( ).
الثالثة : نزول القرآن منجماً ومفرقاً على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاث وعشرين سنة.
ويتألف القرآن من سور كل سورة مستقلة عن الأخرى ، تفصل بينهما البسملة التي تبدأ بها السورة وعدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة.
ومن إعجاز القرآن عدم التساوي في عدد آيات السور ، وأكثر سور القرآن آيات هي سورة البقرة والتي تتألف من (286) آية ، وأقل سور القرآن آيات ثلاث سور تتألف كل واحدة من ثلاث آيات مع التباين في عدد الكلمات وهي :
اسم السورة عدد الآيات عدد الكلمات عدد حروفها
سورة الكوثر 3 10 42
سورة العصر 3 14 72
سورة النصر 3 19 80
لتأتي آية واحدة هي آية الدين يكون عدد كلماتها ثلاثة أضعاف كلمات هذه السور مجتمعة ، إذ أن عدد كلمات هذه الآية هو (129) كلمة ، ومجموع كلمات هذه السور هو 43 ، وعدد حروف آية الدين هو (551 ) حرفاً وتسمى أيضاً آية المداينة ، وعدد حروف السور أعلاه (194) حرفاً.
إحصاء أسماء القرآن
تدل كثرة الأسماء على رفعة وعلو شأن المسمى ، أو موضوعيته وأهميته عند المتخاطبين وأهل ذات اللغة.
وتمتاز الأسماء الحسنى التسعة والتسعين بأن كل اسم مدرسة عقائدية وكلامية ، وباعث على التدبر في عظمة الخالق ، والمبادرة إلى عبادته والإخلاص فيها.
وللقرآن أسماء عديدة ، أوصلها بعضهم إلى ثلاثة وتسعين اسماً ، وقال بعضهم أنها خمسة وخمسون اسماً ، ومنها كلام الله ، الكتاب ، القرآن ، الفرقان ، الحق ، التذكرة ، الهدى ، الوحي ، البيان ، التبيان ، المبين ، حبل الله .
أحسن الحديث ، التنزيل ، الكتاب المتشابه ، مثاني ، الهدى .
ويجمع هذه الأسماء الخمسة قوله تعالى [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ]( ).
السراج ، أحسن القصص ، القول الفصل ، البلاغ ، البرهان ، الحكيم ، العربي ، الحكمة ، النبأ العظيم ، الموعظة ، الذكرى ، البشير ، النذير ، المبارك ، المهيمن ، الشفاء ، الشافي ، البصائر ، الرحمة ، الروح ، المجيد ، الحكم ، النور.
الآيات ، التلاوة ، الذكر ، الذكر الحكيم ، وقد اجتمعت هذه الأسماء الأربعة في قوله تعالى [ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ]( ).
وأختلف في فواتح السور مثل (الم) (حم) و(طس) ونحوها ، و(عن ابن عباس قال : فواتح السور أسماء من أسماء الله)( ).
و(عن قتادة في قوله (الم) قال : اسم من أسماء القرآن)( ).
و(عن قتادة في قوله [كهيعص] ( ) قال : اسم من أسماء القرآن . والله أعلم)( ).
وكذا (طسم) و(طس) و(ق).
وعن الإمام علي عليه السلام (قال : لما نزلت هذه الآية طسم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الطاء طور سيناء والسين الاسكندرية والميم مكة)( ).
وتتداخل أسماء القرآن مع صفاته ، وهو من أسباب ذكر أسماء كثيرة للقرآن.
وكل اسم أو صفة للقرآن لها دلالات عقائدية ، وآثار روحية ومادة في حياة المؤمنين والناس جميعاً .
ومنهم من حصر أسماء القرآن بأربعة :
الأول : قال تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا]( ).
الثاني : الكتاب ، قال تعالى [نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ]( ).
الثالث : الذكر : قال تعالى [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ]( ).
الرابع : الفرقان : قال تعالى [تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا]( ).
والمختار أن أسماء القرآن أكثرمن هذه الأربعة ، وتستقرأ من الكتاب والسنة .
ولا يعلم دلالات ومنافع أسماء القرآن إلا الله عز وجل ، إذ أنها فيض وبركة وأمن وسلام .

إحصاء الإنفاق
لقد جعل الله عز وجل المال عند الإنسان عزاً ورحمة ووسيلة لقضاء الحوائج ونيل الرغائب، وجعل الله عز وجل فيه حقاً للفقراء والمساكين ليكون علة للنماء وسبباً لطهارة المال ، قال تعالى [الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا] ( ).
ومن وجوه البلاغة ان يؤتى بالكل ويُراد منه الجزء، أو يؤتى بالجزء ويُراد به الكل، كما في باب إنفاق القليل وجاء قوله تعالى [الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]( ) بذكر الأموال مطلقاً، ولكن أسرار الآية لا تنحصر بالوجه البلاغي بل لها دلالات عقائدية منها:
الأولى : إن الله سبحانه يحتسب إنفاق القليل من المال وكأنه إنفاق المال كله، وهذا أمر خاص بموازين المعرفة الإلهية، ولا يستطيع أحد ان يحتسب المقدار القليل للزكاة أو الخمس بمنزلة إنفاق المال كله ويعد عليه الخلود في النعيم الدائم إلا الله عز وجل وحده ، وفي التنزيل [وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( ).
الثانية : تنظر الآية للإنفاق بلحاظ تعدد أوقاته وكيفياته وليس قلته.
الثالثة : في الآية تخفيف عن المسلمين، وكأن الأموال الخاصة بالمؤونة والنفقة على العيال لا تحتســب من المال الشخصي لأن الله عز وجل وهبها له لينفقها على عياله، لذا جاءت بعض النصوص باحتساب النفقة على العيال صدقة.
فهذا الاطلاق بشارة للمسلمين وعز وفخر لهم أمام الناس جميعاً وأمام الملائكة والخلائق، وهو من تفضيل الانسان على غيره قال تعالى [ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ]( ).
وقد تقدم في الجزء السابع والأربعين من هذا السِفر بيان تقييد إطلاق الإنفاق الوارد في الآية أعلاه بأنه في سبيل الله ، بلحاظ آيات الإنفاق الأخرى ، منها قوله تعالى [الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] ( ).
ولا يعلم هذا القيد والتقيد به إلا الله عز وجل لتعلقه في الغالب بعالم النوايا ، وهو من مصاديق اسم الله عز وجل (المحصي ) ولو أنفق الإنسان من غير أن يقصد في سبيل الله ، كما لو كان بنية التراحم أو المفاخرة والرياء ، ثم استدرك فيما بعد بيوم أو شهر أو سنوات ، وبدل نيته وسأل الله عز وجل أن يجعل ذلك الإنفاق في سبيله ، فهل يصح مع مناسبة الموضوع ، وتحقق المصداق الواقعي بأنه في سبيل الله ولو صرف الطبيعة ، كما لو كان إعانة الفقراء والمحتاجين أو أنه تعظيم لشعائر الله ، قال تعالى [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ] ( ).
ومن معاني الإنفاق في سبيل الله وجوه :
الأول : قانون نشر الرحمة بين الناس .
الثاني : قانون التذكير بوجوب عبادة الله ، لأن إخراج المال في سبيل الله أهم عند أغلب الناس من الفعل البدني المحدود في سبيل الله ، فاذا رأى الفقير وغيره الغني من المؤمنين يخرج أمواله في سبيل الله فانه يحرص على تعاهد الصلاة والصيام ، ليأتي الثواب له على فعله العبادي ، ويترشح ثواب آخر للمُسبب وفاعل الخير ، ولا يعلم هذا التسبيب والفعل إلا الله عز وجل ، وفي التنزيل [أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا] ( ).
الثالث : قانون الإنفاق في سبيل الله برزخ دون السرقة والنهب والظلم، لأنه زاجر للناس ، ودعوة لهم للصلاح والإصلاح .
الرابع : قانون الإنفاق أمل وبعث على الصبر .
قانون علم الرؤيا نعمة
الرؤيا نعمة عظيمة من عند الله عز وجل على الناس جميعاَ وهي من مصاديق قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا]( ), وهي مصاحبة للإنسان من أيام أبينا آدم عليه السلام , وهل كان آدم وهو في الجنة يرى الرؤيا , المختار لا , وقد انقطع الوحي بمغادرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى , ومما بقى بعده الرؤيا الصالحة .
وعن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي)، لكن المبشرات قالوا: يا رسول الله وما المبشرات ؟
قال: (الرؤيا الحسنة الصالحة يراها الصالح أو ترى له) ( ).
ومن إعجاز القرآن بيانه الرؤيا في أمور الدين والدنيا , ففي رؤيا واحدة هي [وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ]( ) توالت نعم عظيمة وهي :
الأولى : خروج يوسف النبي من السجن لإنحصار تأويل الرؤيا به , وهل يمكن القول تأويل النبي للرؤيا من الوحي , الجواب نعم .
الثانية : دفع المجاعة والهلاك عن أهل مصر ومن حولها , لأن يوسف كان يبيع القمح في سني الجفاف والقحط بسعر زهيد على جميع من يأتيه , بدليل مجئ إخوته من الشام وتجهيزه لهم بالميرة والطعام , وفي التنزيل [وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ]( ).
الثالثة : نجاة الناس من الفتن والنهب والسلب والقتل الذي يصاحب المجاعة خاصة مع استمرار الجفاف لسبع سنين كما تدل عليه الآية أعلاه .
وما كان أحد يعلم بهذه الدلالة لولا تأويل يوسف لها , فلا غرابة أن تتضمن الآية الثالثة من سورة يوسف طرد الغفلة العامة عن الناس بنزول القرآن وقصصه التي هي أحسن القصص بقوله تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ] ( ).
الرابعة : تولي يوسف عليه السلام الوزارة بطلب منه للملك [قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ] ( ).
لبيان شروط الذي يتولى الحكم وبيت المال باتصافه بالأمانة والعلم والفطنة , وليكون المسلم والمسلمة في غبطة عند تلاوة هذه الآيات بأن النبي ارتقى إلى الوزارة والحكم على الضد من السجن.
وهل في تولي يوسف عليه السلام الوزارة مقدمة لحكم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحمل الناس على العمل بالشريعة .
الجواب نعم , مع تفضيل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنه الإمام والحاكم بالوحي والتنزيل , فليس من ملك معه ، وليس من قحط في أيامه ، والتي تتصف بالإرتقاء العلمي والأخلاقي ، وفي دعاء إبراهيم للمسلمين [رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ]( ) .
لبيان أن الرؤيا نعمة من وجوه لا يحصي منافع أي فرد منها إلا الله عز وجل وهي :
الأول : ذكر ودلالة وتلاوة الرؤيا في القرآن وعلى نحو متعدد .
الثاني : قانون صيرورة الرؤيا قصة بذاتها وبما يترشح عنها .
الثالث : قانون عدم اختصاص الرؤيا الصادقة بالمؤمنين .
الرابع : قانون إنتفاع الناس من الرؤيا .
الخامس : قانون الإتعاظ من الرؤيا .
وهل الرؤيا طريق للتوبة والإنابة ، الجواب نعم .
الخامسة : مجئ يعقوب وأولاده إلى مصر وتناسل وتكاثر بني إسرائيل فيها ليكونوا دعاة إلى الله عز وجل , ومقدمة لبعثة موسى عليه السلام في مصر ونجاته من فرعون بمعجزة من حين ولادته , ومقدمة لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

قانون عدم السهو عن شهر رمضان
بعد أن يغادر شهر رمضان الناس ، يطل عليهم بعد مرور أحد عشر شهراً من بعد قوله تعالى [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ]( )، ويراه الناس انه كباقي أيام وأشهر السنة في تعاقبها وطولها في الصيف ، وقصرها في الشتاء ، أما بالنسبة للمؤمنين فله قدسية خاصة ، وفيه تنزل النعم بالكم والكيف والعدد.
ومن الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عدم الغفلة أو السهو أو نسيان أوان شهر رمضان ، ووجوب صيامه ، وشرائط الصيام بالإمتناع عن الأكل والشرب والجماع ، قال تعالى [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ] ( ).
والنسبة بين النسيان والسهو عموم وخصوص مطلق فكل نسيان هو سهو وليس العكس ، لأن النسيان ذهاب العلم عن الذاكرة والحافظة على نحو قهري ، بحيث إذا أراد التذكر والإستحضار الذهني للأمر قد يفلح او لا .
أما السهو فهو الذهول عن الشئ ، وغياب الأمر عن الوجود الذهني دون الذاكرة فما أن يلتفت حتى يستحضر الأمر ، لذا شرعت في الإسلام سجدتا السهو في موارد مخصوصه من النقص أو الزيادة في الصلاة ، وهما سجدتان بينهما جلوس.
أما الغفلة فهي مصدر (غَفَلَ يَغْفُلُ غَفْلَةً وغُفُولاً. والتَّغافُلُ: التَّعَمُّدُ. وأغْفَلْتُ الشيء: تركته غفلاً وأنْتَ له ذاكِرٌ والمغَفَّل: مَنْ لا فِطْنَةَ له)( ).
والغفلة في الإصطلاح نقص في التحفظ وضعف في التيقظ ، وتقصير في الإلتفات اللازم ، وترك المطلوب والكيفية اللازمة إهمالاً وقصوراً ، قال تعالى [وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ]( )، وتبين هذه الآية التعدد في الماهية بين الغفلة والإعراض.
وأيهما أشد ضرراً النسيان أم الغفلة ، الجواب هو الثاني ، لذا ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (رُفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما أُكرهوا عليه)( ).
ولم تكن الغفلة مما رفع عن الأمة ، ويوثم المشركون على نسيانهم لواجباتهم العبادية ، لأن هذا النسيان عن قصد وإهمال وتعد وتفريط .
ومن الإعجاز القرآني طرد السهو والنسيان والغفلة عن المسلمين والمسلمات في كل من :
الأول : إطلالة شهر رمضان ، واستحباب الإستهلال ، قال تعالى [فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ]( ).
الثاني : أوان الإمساك عن الأكل لقوله تعالى [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ]( ).
الثالث : الإمتناع عن المفطرات في نهار شهر رمضان.
الرابع : قانون حيطة وحذر المسلم من المفطرات ساعات النهار ، ومن البديع استمرار هذا الحذر حتى بعد انقضاء أيام شهر رمضان .
الخامس : رصد المسلمين لهلال شوال لتوديع فريضة الصيام إلى قابل ، ومن فضل الله عز وجل على الإنسان أن يستقبل رمضان بالصيام وأنه حي يرزق وسالم من الأمراض التي تحول دون صيامه لجني الحسنات ، قال تعالى [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ]( ).
وهل الصوم من الصالحات في قوله تعالى [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] ( ).
الجواب نعم ، كما أنه يلحق بالصلاة والزكاة التي تذكرها الآية أعلاه لوحدة الموضوع في تنقيح المناط من جهة وجوب كل منها ، فكما أن الصلاة والزكاة واجب عيني على كل مسلم ومسلمة فكذا الصيام .
والذي يجب عليه الصوم أكثر بكثير من الذين تجب عليهم الزكاة مع أن كلاً منهما واجب مقيد ومشروط ، مما يدل على أن حال الصحة عند المسلمين أكثر من حال الغنى وإمتلاك النصاب ، ولا يعلم عدد الصائمين وأجرهم إلا الله عز وجل ، وهم من الذين [لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] ( ) .
و(عن سهل بن سعد . أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : للجنة ثمانية أبواب ، فيها باب يسمى الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال : أين الصائمون؟ فيدخلون منه ، فإذا دخل آخرهم أغلق ، فلم يدخل منه أحد زاد ابن خزيمة : ومن دخل منه شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً) ( ).

قانون الإيمان بالغيب واجب
تبين آيات القرآن قانون لزوم الإيمان بالغيب ، وقانون أن الله وحده الذي يحيط بعلوم الغيب.
ومنها قوله تعالى في الثناء على المؤمنين [الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ]( )، ومناسبة ذكرها في بداية القرآن أن الكتاب نزل لمدح المسلمين والثناء عليهم، وأنهم أهل لتلقي الكتاب وتعاهده.
لقد أراد الله عز وجل بهذه الآية أن يكون الإيمان بالغيب على وجوه مباركة منها :
الأول : إنه مائز للمؤمنين ، وهو شرط الإسلام ، بالإقرار بأن الغيب لا يحيط بعلمه إلا الله عز وجل ، لبيان تعذر معرفة الناس لمادة وموضوع الإحصاء.
الثاني : قانون القرآن فرقان بين الإيمان والضلالة ، ومانع من أسباب الشك والريب.
الثالث : قانون التصديق بالغيب واقية للمسلمين من أهل الجدال والخصومة.
والله سبحانه هو عالم الغيب، وأحاط بكل شئ علماً، وخلق الإنسان ونفخ فيه من روحه ليعمر الأرض بالعبادة والصلاح.
ومن وجوه العبادة التصديق بالغيب، والإقرار الشخصي والنوعي بالعجز عن الإحاطة بخفايا الغيب، وخزائن العلوم، وأسرار السماوات والأرض إلا بما يشاء الله عز وجل، والإيمان بالغيب وعظمة سلطان الله عز وجل , قال تعالى [عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا]( ).
تجليات الحكم (بحث أصولي )
يقسم الحكم إلى قسمين :
الأول : الحكم القطعي وهو الذي يفيد صيغة الأمر والجملة الإنشائية بقوله تعالى [وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ]( ).
أو بصيغة الجملة الخبرية [إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا]( )وقوله تعالى [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]( ) وقوله تعالى [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا]( ) .
وقوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]( ).
ليكون الإطلاق في التكليف بالصلاة التقييد بالإستطاعة في الحج والصحة والإقامة في الصيام لقوله تعالى [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ] ( ).
ولا يعلم الذين يمتثلون للأحكام القطعية وثواب كل واحد منهم إلا الله عز وجل وحده ، وفيه شاهد بأن الأحكام التكليفية رحمة بالناس .
الثاني : الحكم الظني ، وهو الذي يدل على معنى راجح مع إحتمال غيره ، سواء كان الرجحان باستباق الذهن له أو بالتدبر وإستحضار الدليل ، وهو الأولى ، ومن معاني ظني الدلالة عدم القطع بخطأ المخالف في ذات المسألة .
والدليل القطعي مقدم على الدليل الظني ، ومن إعجاز القرآن أنه قطعي الصدور وقطعي الدلالة ، قال تعالى [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] ( ) أما القول بأن القرآن ظني الدلالة فيتعلق بكلمات معدودة منه ، والإختلاف فيه من علم التفسير والتأويل ، وهو في علم الله عز وجل قطعي الدلالة ،وقد يفيد التخيير ، ومنه مثلاً معنى القروء في قوله تعالى [وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ] ( ).
فهو يدل على أحد أمرين :
الأول : الطهر بين حيضتين ، وهو المشهور والمختار.
الثاني : أيام الحيض .
لقد جعل الله عز وجل الحياة الدنيا دار التكليف والأحكام والسنن ، ليس من حاجة من الله عز وجل لها وللذين يؤدونها ، وهو سبحانه [غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ] ( ) ولكن لينهل الناس من الحسنات ، ويجتهد الناس مستبشرين في كتابتها ، ولتكون من مصاديق قوله تعالى [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] ( )، في رد الله عز وجل عليهم يوم احتجوا عندما أخبرهم بجعل الإنسان [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] ( ).
قانون تجدد علوم الإحصاء القرآني( )
قال تعالى [وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا]( )، لقد وردت مادة الإحصاء ومشتقاته في أحد عشر موضعاً من القرآن لبيان موضوعية الإحصاء في الدنيا والآخرة .
ولقد صاحب الإحصاء والحساب الإنسان من حين خلقه بقوله تعالى [وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا]( )، ثم قرن الله عز وجل ملكه الحفظ والإستحضار بقوله تعالى [قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ]( )، لإقامة الحجة على الإنسان في حفظ الفرائض العبادية وأوقاتها لذا قال تعالى [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ]( )، بالتقريب بقانون تحقق ملكة الحفظ عند الإنسان قبل أن يهبط آدم إلى الأرض.
وهل يستطيع الناس حساب عدد الصلوات الواجبة من يوم خلق الله عز وجل آدم ، الجواب لا ، وكذا عدد الذين أدوا الصلوات.
وهل علم الإحصاء من النعمة في قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ]( )، الجواب نعم.
ومن إعجاز القرآن علوم الإحصاء فيه من جهات متعددة وكثيرة لم يشرع إلى الآن بمعشارها , ولا يختص موضوع الإحصاء في القرآن بذات الإحصاء بل يشمل المسائل المستنبطة والقوانين المستقرأة من علوم الإحصاء فيه .
وجاءت آلة الحاسوب لتيسر للعلماء والمحققين الإحصاء فيه ولا يستلزم الأمر قيام العلماء بالإحصاء فيكتفى في المقام أحياناً بأهل الخبرة وذوي الإختصاص بتوجيه وإشراف من العلماء ومنه تعيين المطلوب إحصاؤه وذكر مادته .
إذ أن الإحصاء علم له قواعده ومبادئه وقوانينه ، وذو عمليات حسابية ورياضية ينفع في نشوء وإرتقاء علوم أخرى , وأمور من عالم الإحصاء في إستنتاج العلوم القرآنية واستخراج الكنوز والذخائر من آياته .
فمن خصائص علم الإحصاء تقريب الأمور العقلية إلى العلماء بصيغة المحسوس وتوضيح المبهم والخفي عن الناس واستقراء المستقبل بواسطة علم الإحصاء , ودراسة أصول وفروع الدين بما يساهم في زيادة الإيمان والإصلاح الإجتماعي وتهذيب السلوك ومنع الإختلاف بين العلماء في التأويل , ومن علوم الإحصاء في القرآن :
الأول : إحصاء سور القرآن .
الثاني : إحصاء آيات القرآن .
الثالث : إحصاء كلمات القرآن .
الرابع : إحصاء حروف القرآن .
الخامس : إحصاء كلمات الأحكام .
السادس : إحصاء آيات الأحكام .
السابع : إحصاء الأحكام في منطوق الآيات وصيغة التصريح بالحكم.
وبين الأخيرين أعلاه عموم وخصوص مطلق , فإحصاء الأحكام أعم من إحصاء آيات الأحكام , فقد ترد في الآية الواحدة كلمتان أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر من كلمات الأحكام، كما في قوله تعالى [فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ]( )، ففي شطر الآية أعلاه أربعة أوامر ونهي.
مما يملي على العلماء إعادة إحصاء آيات الأحكام على نحو العلم التفصيلي وليس الإجمالي , مع أن كل واحد منهما حجة ويقتبس العالم من الحكم المستقل في ذات الآية بغيته ومراده .
فقد ترد في الآية عدة أحكام وأوامر ونواهي ، قال تعالى [إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ]( ).
إحصاء أحكام كلمات القرآن وليس آيات الأحكام
يتم البحث في علوم القرآن عن إحصاء آيات الأحكام وعددها , وقد أختلف فيها اختلافاَ كثيراَ , وفي الغالب لا تذكر هذه الآيات بل يذكر العدد إجمالاَ .
ويمكن أن نؤسس قانوناَ في المقام وهو لو دار الأمر بين العلم التفصيلي مع إمكانه وبين العلم الإجمالي .
فالمختار هو الأول وإن استلزم الجد والإجتهاد والتدقيق والتحقيق , ويأتي بيان الفرق بينهما في البحث الأصولي .
ويمكن القول بأن كل آية من آيات الأحكام رحمة ونعمة , وكذا كل حكم في الآية القرآنية , وهو من مصاديق قوله تعالى [يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]( ).
ويمكن إحصاء كلمات آيات الأحكام بتتبع الآيات وفق نظم القرآن آية آية ابتداء من البسملة التي هي من آيات الأحكام أيضاً كما هو ظاهر النصوص , مع أحصاء عدد الأحكام في القرآن .
والنسبة بينهما عموم وخصوص مطلق , فالأحكام أعم وأكثر من عدد آيات الأحكام حتى مع الإكتفاء بنصوص الأحكام والتصريح بها , وإن كان شطر من الآيات ليس في منطوقها أحكام كآيات القصص والأمثال ، قال تعالى [وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ] ( ) .
وقد أختلف في عدد آيات الأحكام على وجوه :
الأول : مائة وخمسون آية .
الثاني : مائتا آية .
الثالث : خمسمائة آية .
الرابع : عدم حصر آيات الأحكام في عدد معين.
والمختار هو إحصاء الكلمات القرآنية التي تدل على الحكم ، وهي أضعاف عدد آيات الأحكام مع بيان إضافي بالشروع بإحصاء ذات الأحكام في كلمات آيات القرآن , فقد يكون في آية واحدة ستة أو أكثر من الأحكام في منطوقها ومفهومها .
نعمة مصاحبة النبوة للناس
شاء الله عز وجل أن تصاحب النبوة أهل الأرض ، وهو من النعم العظيمة وهذه المصاحبة من أركان خلافة الإنسان في الأرض.
فقد غادر خاتم النبيين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى.
ولكن آيات وسور القرآن الذي أنزله الله سبحانه عليه باق إلى يوم القيامة ، وكذا سنته القولية والفعلية .
وتعجز الخلائق عن إحصاء أفراد اتباع السنة النبوية في اليوم الواحد ، ومنه أداء كل مسلم ومسلمة الصلاة كما أداها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهل إجتناب المسلم الإرهاب من هذه النعم ، الجواب نعم .
لأن هذه الإمتناع أمر وجودي ، وهل يحتاج لعلم وفقاهة واسعة ، الجواب لا ، فمن خصائص الحياة الدنيا إجتماع العقل والشرع في الدلالة على قبح الإرهاب ولزوم الإبتعاد عنه .
وتعجز الخلائق عن إحصاء النعم على الفرد الواحد من الناس ، وهو من أسرار مجئ لفظ الخليفة بصيغة المفرد في قوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]( )، وفيه وجوه :
الأول : لام الجنس ، والمقصود الناس جميعاً .
الثاني : لام النبوة والمراد من الخليفة الأنبياء ، كما في داود عليه السلام [يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ]( ).
فلا يحمل لفظ الخليفة في الآية أعلاه على خلافة جيل لجيل ، ولا خلافة نبي عن نبي وحدها ، إنما تشمل الخلافة في الأرض من حيث تولي الإمامة والحكم بين الناس ، وتلقي الوحي كما تلقاه آدم عليه السلام.
لبيان قانون آخر غير قانون عجز الخلائق عن إحصاء النعم على الإنسان.
وهو قانون عجز الخلائق عن إحصاء النعم على الإنسان بصفة الخليفة.
والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق ، فالنعم على الإنسان أعظم وأكثر .
الثالث : لام العهد ، وإرادة آدم عليه السلام .
الرابع : إرادة الأئمة وأهل العلم والإيمان.
وهل من معاني الخليفة في الآية إرادة كل إنسان أنه خليفة لله في الأرض حتى الكافر والفاسق ، المختار لا ، لذا حينما احتجت الملائكة لم تذكر في احتجاجها الخليفة ، فلم تقل (اتجعل فيها خليفة يفسد فيها) إنما قالوا [أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ]( ) بصيغة التنكير في مقابل التعيين من عند الله عز وجل بلفظ (خليفة).
والمختار أنهم قصدوا غير الخليفة ، ومن ينازع الخليفة في إمامته ، ويخالفه في العمل باتيان المنكر والقبيح ، وإشاعة الفساد والظلم في الأرض.
ومن الإحصاء في هذا القانون وجوه :
الأول : عدد الأنبياء والمرسلين .
الثاني : منافع نبوة آدم عليه السلام في ذريته وعقبه ، وقد ورد في القرآن ما يدل على هذه المنافع بقوله تعالى [أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ]( ).
وهل في الآية أعلاه تنزيه لآدم وحواء من عبادة الشيطان ، وأن أكلهما من الشجرة لا يعني عبادة له ، الجواب نعم .
الثالث : عجز الناس عن إحصاء منافع كل نبوة ورسالة .
وإن قلت لقد إنقطعت النبوة بمغادرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ، فكيف تكون النبوة مصاحبة للناس ، والجواب لفظ النبوة أعم إذ بقي القرآن والسنة النبوية مصاحبين للناس وإلى يوم القيامة .
لبيان أن أفراد مصاديق هذا القانون من اللامتناهي.

عدد الأوامر في آية المرابطة
أختتمت سورة آل عمران بقوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]( ) ، إذ تتعدد الأوامر في هذه الآية ومن إعجازها أن كل كلمة أمر .
ليكون تطبيق الآية واستنباط الأحكام منها حسب الموضوع متعدداَ مثلا :
الأول : وجوب الإيمان المترشح عن نداء الإيمان [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا].
الثاني : قانون الإصغاء والإمتثال للأمر الإلهي .
الثالث : قانون لزوم التحلي بالصبر .
الرابع : قانون المجاهدة والتواصي من أجل الصبر , وفي التنزيل [وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] ( ).
الخامس : قانون الحاجة إلى المرابطة لقوله تعالى [وَرَابِطُوا].
السادس : قانون وجوب التقوى والخشية من الله عز وجل لقوله تعالى [وَاتَّقُوا اللَّهَ] ( ) .
السابع : قانون وجوب السعي إلى الفلاح والنجاح والتوفيق لإختتام آية المرابطة بقوله تعالى [لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] .
الثامن : الحكم المستقرأ من الجمع بين كل أمرين أو أكثر من هذه الآية .
ففي آية واحدة من بضع كلمات ترد ثمانية أحكام , لذا يجب أن لا ينحصر الإحصاء في المقام بآيات الأحكام المتفق عليها , ولابد من قيام رهط من العلماء باستقراء وإحصاء الأحكام في القرآن بدراسة منهجية بتتبع كلمات كل آية من القرآن لأنها تشمل أموراَ :
الأول : الأوامر .
الثاني : النواهي .
الثالث : عموم الأحكام التكليفية الخمس .
الرابع : الأحكام المستنبطة والمستقرأة من الجمع بين كل كلمتين أو آيتين من القرآن .
و(أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي والضياء المقدسي في المختارة عن عمر . أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فإنها تذهب المال والعقل ، فنزلت { يسألونك عن الخمر والميسر } التي في سورة البقرة ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزلت الآية التي في سورة النساء { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى }( ) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزلت الآية التي في المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه ، فلما بلغ { فهل أنتم منتهون } ( ) قال عمر : انتهينا انتهينا) ( ).
وعن علي بن يقطين أنه سأل الخليفة المهدي الإمام موسى بن جعفر عليه السلام(عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله عزوجل ؟
فان الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها، فقال له أبو الحسن عليه السلام : بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أمير المؤمنين، فقال له: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أبا الحسن ؟
فقال: قول الله عز وجل ” إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق “( ).
فأما قوله ما ظهر منها يعني الزنا المعلن، ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية، وأما قوله عز وجل ” وما بطن ” يعني ما نكح الآباء لان الناس كانوا قبل أ-ن يبعث النبي صلى الله عليه وآله إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن امه، فحرم الله عز وجل ذلك.
وأما الاثم فانها الخمرة بعينها، وقد قال الله تبارك وتعالى في موضع آخر ” يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس “( ).
فأما الاثم في كتاب الله فهي الخمر والميسر وإثمهما كبير كما قال الله عز وجل قال: فقال المهدي يا علي بن يقطين هذه والله فتوى هاشمية قال: فقلت له: صدقت والله يا أمير المؤمنين الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت)( ).
الخامس : الأحكام الشرعية المستنبطة من مفهوم ودلالة الآية .
السادس : ما جاءت به السنة النبوية من بيان الأحكام القرآنية , كما في قوله تعالى [إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ]( ).
إذ يستنبط مفهوم دلالة الأخذ بخبر الثقة من غير استبيان وتوثيق وطلب شهود .
إحصاء الأحكام في [الْحَمْدُ لِلَّهِ]
قد تستقرأ الأحكام التكليفية الخمس من الجملة الخبرية في القرآن , فمثلاَ قوله تعالى [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] ( ).
يمكن أن تستقرأ منه أمور :
الأول : قانون وجوب قول المسلم والمسلمة الحمد لله .
الثاني : قانون وجوب الإقرار بالربوبية المطلقة لله عز وجل .
الثالث : قانون حرمة الإمتناع عن قراءة الحمد لله في الصلاة اليومية فيقرأ المسلم والمسلمة هذه الآية سبع عشرة مرة في اليوم والليلة على نحو الوجوب العيني .
وهو من الإعجاز في الشريعة الإسلامية , و عن (أبي سعيد قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر) ( ).
و (عن أبي هريرة قال : كنت مع النبي {صلى الله عليه وآله وسلم} والنبي {صلى الله عليه وآله وسلم} يحدّث أصحابه؛ إذ دخل رجل يصلّي،
وافتتح الصلاة، وتعوّذ.
ثم قال : {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
فسمع النبي {صلى الله عليه وآله وسلم} فقال : يا رجل، قطعت على نفسك الصلاة، أما علمت أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من الحمد .
فمن تركها فقد ترك آية، ومن ترك آية منه فقد قطعت عليه صلاته.
لا تكون الصلاة إلاّ بفاتحة الكتاب، ومن ترك آية فقد بطلت صلاته) ( ).
وآية الحمد جزء من سورة الفاتحة فيجب قراءتها في الصلاة , وعن عبادة بن الصامت قال (أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم} قال : لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب) ( ) وقراءة الفاتحة في الصلاة واجب ، ومن الفقهاء من جعلها ركناً من أركان الصلاة في كل ركعة في حق الإمام والمنفرد .
وأختلف في وجوب قراءة المأموم لها على قولين :
الأول : الوجوب.
الثاني : الإكتفاء بقراءة الإمام ، وهو المختار لقوله تعالى [وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] ( ).
وفي حديث ضعيف (عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وآلأه وسلم قال : من كان له إمام فقراءته له قراءة )( )والقائل بوجوب قراءة المأموم ذهب إلى تخصيص الآية أعلاه بخبر عبادة أعلاه.
وهل يكون قوله تعالى [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ]( )، دليلاً على نفي هذا التخصيص أو عوناً فيه ، الجواب نعم .
تعدد الأوامر والنواهي في الآية الواحدة
قد ترد عدة أوامر ونواهي في الآية الواحدة كما في قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]( ).
إذ تضمنت هذه الآية ثلاثة أوامر وثلاثة نواهي , فحينما تتعدد أحكام القرآن تجعل في باب الأوامر ، وتزيد من عددها عند الإحصاء والبيان :
الأول : أمر الله بالعدل .
الثاني : أمر الله بالإحسان .
الثالث : إيتاء ذي القربى مع ذكر الآية المستقرأة منها هذه الأوامر كما تدل في باب النواهي بعد ذكر ذات الآية .
الأول : النهي عن الفحشاء .
الثاني : النهي عن المنكر .
الثالث : النهي عن البغي .
مع بيان صلة هذا الإحصاء بالموضوع محل البحث سواء في الواجبات أو المستحبات أو المباحات أو المكروهات أو المحرمات , فمثلاَ الإرهاب محرم لأنه من المنكر ومن البغي المنهي عنهما في الآية أعلاه.
كما أنه خلاف العدل والإحسان وصلة الرحم التي وردت في هذه الآية لبيان قانون وهو تعدد النواهي عن الإرهاب في الآية الواحدة .
وعندما نحصي الأحكام في القرآن لا ننظر إلى آيات القرآن على نحو الإجمال ، بل نوثق ورود ثلاثة أوامر وثلاثة نواهي في هذه الآية الكريمة ، لتصل الأوامر والنواهي في القرآن إلى الآلاف والحمد لله لبيان صفحة مشرقة من إعجاز القرآن .
إحصاء النواهي في آية
من خصائص الآية القرآنية إتصافها بأنها سياحة في عالم الملكوت ، وهو من أسرار التنزيل ، وتأتي الأوامر والنواهي في القرآن لتلامس شغاف القلوب .
وقد تأتي آية تتضمن أمراً وعدداَ من النواهي مثل قوله تعالى [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ] ( ).
إذ ابتدأت الآية بالأمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (قل) وهل هذا الأمر من مختصات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم أنه شامل للأمة.
الجواب هو الثاني ، إذ تتضمن الآية عدة نواهي ملازمة لأيام الحياة الدنيا لصيغة الجملة الخبرية وهي :
الأول : قانون حرمة الفواحش : ووردت الآية بصيغة الجمع لبيان تعدد الفواحش ، وهل يمكن إحصاؤها من الكتاب والسنة ، الجواب نعم ، وفيه بيان للحاجة لعلم الإحصاء ، وهذه الحرمة على شعبتين :
الأولى : قانون حرمة الإجهار بالفاحشة العلنية كالغيبة والنميمة، والأمر بالمنكر وكالطواف عراة قبل الإسلام والربا .
الثانية : قانون حرمة الفواحش الخفية غير الظاهرة كالزنا واللواط .
و(عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
ولا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين)( ).
الثاني : قانون تحريم الإثم وهو المعصية ، بذكر اللازم وإرادة الملزوم لبيان القبح الذاتي للمعاصي ، وما يترتب عليها من الإثم.
الثالث : قانون تحريم البغي والتعدي والإرهاب : إذ أن النسبة بين البغي والإرهاب هو العموم والخصوص المطلق .
الرابع : قانون حرمة الشرك بالله ، وليس في اتخاذ الشريك حجة أو برهان ، والسلطان هو البرهان ، قال تعالى [إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا]( ).
الخامس : قانون النهي عن الإفتراء والكذب على الله ورسوله : وإدعاء ما ليس في دين التوحيد ، والشريعة السماوية ، فعندما تقوم باحصاء الأحكام تقول ورد في منطوق هذه الآية أمر واحد ، وخمسة نواهي.

قانون صبر إبراهيم موعظة
لقد إتصف الأنبياء بالصبر المحمود ، ليتجلى قانون الملازمة بين صفة النبوة والصبر ، وتحتمل سنخية صبر الأنبياء وجوهاً :
الأول : صبر الأنبياء شعبة من الوحي .
الثاني : إنه من الإجتهاد ورياضة النفس ، والتجربة والوجدان.
الثالث : ترشح صبر الأنبياء من الوضع أعلاه .
والمختار إنه من الوحي وباصلاح ولطف من عند الله عز وجل ، ولا يختص هذا اللطف باشخاص الأنبياء إنما يشمل وجوب إقتداء اتباعهم والمؤمنين بهم .
ومن مصاديق هذا الإقتداء التحلي بالصبر ومنع غلبة النفس الغضبية والشهوية ، مع ترك الظلم والتعدي الذي هو ضد للصبر ، ولمنهاج النبوة.
وصبر الأنبياء والمؤمنين أمر وجودي يتقوم بالفعل والعمل والجهاد السلمي ، ولا يعني السكوت .
لقد إبتدأ إبراهيم حياته العقائدية عند بلوغه بنهي قومه عن عبادة الأصنام، وكشف لهم أنها لا تضر ولا تنفع .
ومن معاني قوله تعالى [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ]( )، أن مخالفة إبراهيم عليه السلام لأبيه ومصارحته بأنه وقومه على باطل وفي ضلال رشد وجهاد وصبر .
ولم يرد لفظ (آزر) في القرآن إلا في الآية أعلاه ، واختلف فيه على وجوه :
الأول : آزر أبو ابراهيم الصلبي ، وعن الإمام الصادق عليه السلام : كان اسم أبيه آزر ( ) .
الثاني : إنه جده لأمه .
الثالث : إنه عمه .
الرابع : لآزر اسمان .
و(هو آزر، وهو تارح ، مثل إسرائيل ، ويعقوب ، وقال آخرون: إنه ليس أبا إبراهيم)( ).
الخامس : آزر اسمه بالسريانية تارح وآزر صفة أو لقب .
السادس : نسب الطبري إلى مجاهد باسناد ضعيف (قال آزر لم يكن بابيه ، إنما هو صنم) ( ).
والأصل هو حمل الكلام على ظاهره ، وأن المراد من آزر هو أبوه إلا أن يرد دليل على الخلاف ، ولم يكن منحرفاً ومنقاداً للطاغوت وعبادة الأوثان إلا بعد ولادة إبراهيم.
والمدار على المسمى وليس الاسم وكثرة الإختلاف فيه ، فلابد من استقراء الدروس والمواعظ والعبر من مجاهدة إبراهيم لقومه.
فهو فرد واحد في مقابل أمة وسلطان ظالم يريد لقومه الإقامة على عبادة الأوثان ، ويدّعي الربوبية.
ومن صبر إبراهيم وحينما هدده أبوه بالقتل رجما بالحجارة أخبره بأنه سيستغفر له الله تعالى [قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا]( )، لتذكير الأب بالربوبية المطلقة لله وحاجة الناس إليها ، وأن المعاد أصل من أصول الدين.
ولم يرد لفظ (سلام عليك) و(سأستغفر) في القرآن إلا في الآية أعلاه ، مع ورود لفظ (سلام عليكم) ست مرات في القرآن منها خطاب وأمر للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بما يفيد التبليغ والرحمة العامة بالناس كافة قال تعالى [وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
كما ورد بخصوص المؤمنين بنزول القرآن من عند الله عز وجل [وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ]( ).
لبيان أن النبي محمداً الإمام في الصبر في الدعوة إلى الله ، فلا يعني الصبر السكوت إنما هو الجهاد والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة وإقامة الحجة ، وليس بالعنف والشدة .
وهل إخبار القرآن عن تنزه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن الغلظة من الصبر والحكمة.
الجواب نعم ، قال تعالى [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ]( ).

علم مستحدث
إحصاء الأوامر والنواهي في القرآن على نحو العلم التفصيلي والبرهان والحجة من الشواهد على إعجاز القرآن بتتبع كلمات القرآن والوقوف عند كل كلمة تفيد الأمر أو النهي إنشاءً كانت أو خبراً ، وما فصل وميّز الحق عن الباطل ، والصحيح عن الفاسد ، والبرهان قياس في اليقينيات.
ويسمى الإستدلال من المعلول إلى العلة بالبرهان اللمي.
أما الإستدلال من المعلول إلى العلة فيسمى البرهان الإني ، إذ أن الحد الأوسط في البرهان علة لنسبة الأكبر إلى الأصغر .
*أختلف [وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ]( ) ومن الإحصاء في المقام :
*إحصاء الأحكام التكليفية في القرآن .
*إحصاء علوم القرآن من اللامتناهي .
*قانون حاجة الناس للقرآن .

  • عدد كلماته ، حروفه ، آياته .
    وأختلف في عدد آيات الأحكام (150-200-500) آية .
    إنه إحصاء إجمالي وليس تفصيلياً .
    يأتي القرآن ليقرب المدركات العقلية بالمحسوسات .
    علم الإحصاء القرآني .
    الإعجاز الإحصائي في القرآن .
    أحصاء مقدمات الصلاة في القرآن .
    إحصاء أحكام الصلاة الواردة في القرآن بصيغة الأمر والخبر مثل تكبيرة الإحرام ، القيام ، الركوع ، السجود ، التشهد ، التسليم ، الخشوع في الصلاة [الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ] ( ) صلاة الجماعة .
    وأسال الله عز وجل أن أصدر جزء أو أجزاء بإحصاء الأوامر والنواهي في القرآن ، لا أكتفي باختيار مثلاً مائتي آية لأخرج منها نحو ستمائة أمر ونهي ، بل لابد من تصفح القرآن آية آية إبتداء من بسملة الفاتحة ليكون من العلم التفصيلي في المقام خاصة مع إرتقاء العلوم والحاسوب ، وحاجة الناس للقرآن ، وبيان إعجازه وموارده المتعددة .
    قوانين في الإحصاء من الجزء (227)
    صدرت من فضل الله عز وجل خمسة أجزاء من هذا السِفر بخصوص قانون النزاع المسلح بين القرآن والإرهاب( ) ، لبيان قانون القرآن دستور السلم والسلام والأمن في الأرض ، وتبعث آياته على المودة والتراحم والتوادد بين أهل الأرض ، وتذكرهم بالرابط النسبي العام الجامع لهم ، كما في قوله تعالى [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] ( ) .
    ومن إعجاز علم الإحصاء القرآني غير متناه الجزء السابع والعشرون بعد المائتين من هذه السِفر والذي يتضمن ( 57) قانوناً ، منها قوانين تختص بعلم الإحصاء القرآني والبرهان على التضاد بينه وبين التناهي ، وهذه القوانين هي:
    الأول : قانون علم الإحصاء في القرآن من اللامتناهي.ص63
    الثاني : قانون إحصاء علوم الغيب في القرآن.ص64
    الثالث : قانون إحصاء وذكر آيات السلم والموادعة والصلح.ص64
    الرابع : قانون إحصاء آيات العلة الغائية في القرآن.ص64
    الخامس : قانون إحصاء وذكر آيات المعاد . ص 64
    السادس : قانون إحصاء وذكر آيات الجنة والنار.ص64
    السابع : قانون إحصاء آيات أدعية الأنبياء . ص 64
    الثامن : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تذكر الملائكة .ص 64
    التاسع : قانون إحصاء وذكر آيات الرؤيا . ص 64
    العاشر : قانون إحصاء وذكر آيات التسبيح . ص 64
    الحادي عشر : قانون إحصاء وذكر آيات الذكر . ص 64
    الثاني عشر : قانون إحصاء وذكر آيات الأوامر . ص64
    الثالث عشر : قانون إحصاء وذكر آيات النواهي في القرآن.ص64
    الرابع عشر : قانون إحصاء وذكر الآيات التي نزلت في حق أهل البيت.ص 65
    الخامس عشر : قانون إحصاء وذكر الآيات التي نزلت بخصوص الصحابة ، منها قوله تعالى [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ صاء وذكر الآيات التي تذكر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم . اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا]( ). ص 65
    السادس عشر : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تذكر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ص65
    السابع عشر : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تذكر أسماء المدن والأشخاص والدول في القرآن ، ومن المدن مصر ، مدين ، مكة ، المدينة ، بابل ، ارم ، ذات المعاد ، وفي يثرب مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورد قوله تعالى [وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا] ( ) . ص 65
    الثامن عشر : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تذكر الأسرة والأطفال في القرآن. ص 78
    التاسع عشر : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تذكر الوحي .ص78
    العشرون : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تذكر الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل. ص 78
    الحادي والعشرون : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تذكر القرآن وتلاوته. ص 78
    الثاني والعشرون : قانون إحصاء الآيات التي تذكر وقائع كتائب ومعارك النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مثل معركة بدر، وأحد ،والخندق ، وحنين . ص 78
    الثالث والعشرون : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تذكر النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم . ص 78
    الرابع والعشرون : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تذكر الرسول والرسل في القرآن . ص 78
    الخامس والعشرون : قانون إحصاء وذكر آيات الإحصاء في القرآن ، ومنه قوله تعالى [ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا] ( ).ص 79
    السادس والعشرون : قانون إحصاء حروف وكلمات وآيات وسور القرآن المكي والمدني منها . ص 79
    السابع والعشرون : قانون إحصاء وذكر السنة النبوية القولية في القرآن.ص79
    الثامن والعشرون : قانون إحصاء آيات الرياضيات والهندسة في القرآن.ص79
    التاسع والعشرون : قانون إحصاء وذكر آيات (قل ) في القرآن ، وعددها (332) وكلها خطاب للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم باستثناء أربع آيات منها ، مثل قوله تعالى [فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى] ( ). ص 79 في أمر من الله عز وجل إلى موسى عليه السلام لوعظ وإنذار فرعون .
    الثلاثون : قانون إحصاء وذكر السنة النبوية الفعلية في القرآن.ص79
    الحادي والثلاثون : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تذكر الساعة وأوان يوم القيامة ، منها قوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا] ( ). ص 79
    الثاني والثلاثون : قانون إحصاء وذكر آيات الأحكام والتشريع في القرآن. ص 80
    الثالث والثلاثون : قانون إحصاء وذكر الآيات التي لها أسباب نزول وذكر القائل بالسبب وهل هو من الصحابة وأهل البيت أم من التابعين ، والتحقيق في الربط بين ذات السبب وبين نزول الآية القرآنية.ص80
    الرابع والثلاثون : قانون إحصاء وذكر آيات البشارة في القرآن ، والنسبة بينها وبين بشارة القرآن بالجنة عموم وخصوص مطلق ، ومنها قوله تعالى [لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] ( ) ومنها قوله تعالى [إِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ] ( ). ص 81
    الخامس والثلاثون : قانون إحصاء وذكر آيات الجملة الخبرية في القرآن.ص81
    السادس والثلاثون : قانون إحصاء وذكر آيات الجملة الإنشائية في القرآن. ص 81
    السابع والثلاثون : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تجمع بين الجملة الخبرية والإنشائية في القرآن مثل قوله تعالى [وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاَقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ] ( ). ص 81
    الثامن والثلاثون : قانون إحصاء وذكر آيات السؤال في القرآن.ص 81
    التاسع والثلاثون : قانون إحصاء وذكر آيات حب الله عز وجل منطوقاً ومفهوماً ، ومن معاني قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] وجود المحسنين في كل زمان والذين يحبهم الله .
    فمن الإحسان ما هو ظاهر ومنه ما هو خفي عن حواس الآخرين فلا يحصيهم إلا هو سبحانه ، وفي التنزيل [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ] ( ). ص 81
    الأربعون : قانون إحصاء رضا الله عز وجل كما في قوله تعالى [لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا]( ). ص 82
    الحادي والأربعون : قانون إحصاء وذكر آيات الدفاع والجهاد.ص82
    الثاني والأربعون : قانون إحصاء وذكر آيات القتال والإضطرار إليه ، وقد تقدم البيان والإستدلال بأن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان في حال دفاع محض في تفسير قوله تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] ( )، .ص82
    الثالث والأربعون : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تبين التضاد بين القرآن والإرهاب ، ومنه قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] ( )ومنه قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ). ص 82
    الرابع والأربعون : قانون إحصاء وذكر الآيات التي تدل على النزاع المسلح بين القرآن والإرهاب . ص 83
    الخامس والأربعون : قانون إحصاء وذكر آيات النسخ ، والناسخ والمنسوخ ، والمختار أنها آيات قليلة ، ومنها [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ). ص 83
    السادس والأربعون : قانون إحصاء وذكر الآيات المحكمة ، قال تعالى [مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ] ( ) ومن الآيات المحكمات قوله تعالى [وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] ( ) . ص 83
    السابع والأربعون : قانون إحصاء وذكر الآيات المتشابهات.ص83
    الثامن والأربعون : قانون إحصاء وذكر الحمد والثناء على الله عز وجل.ص84
    التاسع والأربعون : قانون الجمع بين البسملة وكل آية من القرآن دعوة لنبذ العنف والغزو والإرهاب ، وهل هو من الدلائل على كون البسملة آية في القرآن ، الجواب نعم . ص 86
    الخمسون : أسماء الملائكة الذين ذكروا في القرآن ووظائفهم.
    الحادي والخمسون : أسماء الفاكهة التي ذكرت في القرآن ، وما أثبته العلم والطب الحديث من منافعها ووفرتها وانتشار زراعتها في الأرض منها [وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا]( ).
    الثاني والخمسون : إحصاء أسماء الأنبياء الذين ذكروا في القرآن.
    الثالث والخمسون : إحصاء الآيات المكية والآيات المدنية .
    الرابع والخمسون : إحصاء آيات الإنذار .
    الخامس والخمسون : إحصاء آيات الأحكام .
    السادس والخمسون : إحصاء كلمات الأحكام في القرآن ، والنسبة بينها وبين إحصاء آيات الأحكام أعلاه عموم وخصوص مطلق ، فكلمات الأحكام أعم ، وكثير منها لم تذكر في آيات الأحكام الخمسمائة ، فمثلاً قوله تعالى [التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ]( ).
    السابع والخمسون : إحصاء الأوامر في القرآن بصيغة الجملة الإنشائية وصيغة الأمر (افعل) وورد هذا اللفظ في القرآن بصيغة المفرد مرة واحدة في قصة إسماعيل لما أراد إبراهيم عليه السلام ذبحه [يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ]( )، وليس فيه قيد العلو الذي اختلف الأصوليون فيه ، لأنه من الأدنى وهو الابن إلى الأعلى وهو الأب .
    نعم ورد بصيغة الجمع مرتين ، إحداهما في قصة بني إسرائيل بخصوص ذبح البقرة وورد مرة أخرى بأربعة من الأوامر التكليفية بقوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]( ).
    قانون الملازمة بين العبادة والبشارة
    تدل علة خلق الناس وهي عبادتهم لله باخلاص وتنزه عن الشرك ، قال تعالى [مَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ]( )، على قانون الملازمة بين العبادة في الدنيا والبشارة الأخروية ، وهو من مصاديق الإبتلاء في الدنيا ، ومنه إجتناب فعل الضد للعبادة ومن هذا الضد الكراهية الشديدة لعامة الناس ، والإرهاب المترشح عنها .
    ويمكن إحصاء آيات القرآن التي تتضمن :
    الأول : طرد النفرة والكراهية من النفوس .
    الثاني : إحصاء الآيات التي تدعو إلى المودة والتراحم بي الناس ، قال تعالى [عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
    إذ تدل هذه الآية ومن باب الأولوية القطعية على المودة بين المسلمين وأهل الكتاب فالأصل عدم وجود عداوة وقتال بينهم .
    الثالث : إحصاء آيات الموادعة والصلح.
    إذ أن مشروع عنوان هذا الجزء وهو (علم الإحصاء القرآني غير متناهِ) لا يمنع من الإجتهاد في إحصاء علوم القرآن والتفصيل في أبوابها من جهات :
    الأولى : موضوع الآية .
    الثانية : أحكام الآية .
    الثالثة : دلالة منطوق الآية .
    الرابعة : المعاني المستقرأة من مفهوم الآية .
    الخامسة : النفع العام والخاص كماً وكيفاً من الآية القرآنية.
    ويجب على المؤمن الإجتهاد في طاعة الله رجاء مرضاته والفوز بالبشارة والتي يعجز العقل الإنساني عن وصفها كماً وكيفاً وزماناً ، ومن معاني قوله تعالى [وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ] ( ).
    وبشر المؤمنين الذين يؤتون الواجبات العبادية والمستحبات ويتجلى الجمع بينها في الصلاة اليومية والنوافل.
    إذ أن الواجب منها سبع عشرة ركعة مقسمة على خمس صلوات ، وأربع وثلاثون ركعة نوافل يومية راتبة لا تمنع من أداء صلوات مستحبة أخرى.
    وذكر القرآن الصلوات اليومية الخمس تصريحاً وبياناً وإشارة ، منه قوله تعالى [أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا]( ).
    وعن ابن عباس في قوله (فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) ( ) إلى قوله (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) ( ) قال: جمعت الصلوات(فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) المغرب والعشاء(وَحِينَ تُصْبِحُونَ) صلاة الصبح(وَعَشِيًّا) صلاة العصر(وَحِينَ تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر) ( ).
    و(عن معاذ بن أنس الجهني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إنما سمى الله نوحاً [عَبْدًا شَكُورًا]( )، لأنه كان إذا أمسى وأصبح قال : سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون)( ).
    و(عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا أخبركم لم سمّى الله إبراهيم خليله الذي وفى لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى سُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ( ).
    لبيان ما خصّ الله عز وجل به المسلمين ، بأن يؤدوا الصلاة خمس مرات في اليوم بكيفية وأركان وأجزاء عبادية تتضمن الخشوع والخشوع لله عز وجل .
    وفيه دعوة للمسلم بتعاهد الصلاة والحرص على أدائها في أوقاتها للفوز بالبشارة الأخروية .
    ويتنافى الإرهاب مع هذا الحرص لما في الصلاة من الشوق والرغبة في طاعة الخالق والحاجة إليها.
    ولا يتعارض أداء المسلم والمسلمة الصلاة مع إكثاره قول الحمد لله والتسبيح اليومي .
    وهل تنهى الصلاة اليومية عن الإرهاب ، الجواب نعم ، فكل فريضة ذكر لله عز وجل وسبب لإستحضار الواجبات والنواهي في الوجود الذهني.
    ويمكن القول بأن كل فريضة صلاة تنهى عن الظلم والتعدي والإرهاب ، وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ]( ).
    إحصاء العابدين
    لقد أحصى الله عز وجل كل شئ ، ومنه فضله في إحصاء العابدين من أيام أبينا آدم وإلى يوم القيامة ، والأنبياء هم الأئمة في عبادة الله عز وجل.
    وورد لفظ (العابدون) بالرفع مرة واحدة بقوله تعالى [التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ]( ).
    وكذا لفظ (العابدين) ورد في القرآن مرة واحدة بقوله تعالى [قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ]( ).
    ترى لماذا أمر الله عز وجل النبي محمداً أن يقول بأنه أول العابدين مع أن عدد العابدين قبله وقبل نزول القرآن لا يحصيهم إلا الله سبحانه ، الجواب لبيان تكامل العبادة في الشريعة الإسلامية والتقيد بأصول وفروع الدين وابتداء تكوين أمة تتعاهد عبادة الله كل يوم إلى قيام الساعة .
    وهذا المعنى المستحدث لا يتعارض مع ما ورد (عن ابن عباس : إن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل [فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ]( )، قال : أنا أول متبرىء من أن يكون لله ولد.
    قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت تبعاً وهو يقول :
    وقد علمت فهر بأني ربهم … طراً ولم تعبد)( ).
    ولا يحصي مصاديق البشارة في قوله تعالى [وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ] إلا الله عز وجل ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا] ( )، لبيان قانون كثرة مصاديق النعم التي لا يحصيها إلا الله عز وجل .
    وهناك حذف في الآية ، وتقديره على جهات كثيرة منها :
    الأولى : وإن تعدوا نعمة الله بالهداية إلى الإيمان وسبله لا تحصوها.
    الثانية : وإن تعدوا نعمة الله في صرف البلاء والفتنة ، والبلاء : الإختبار والإمتحان ، لا تحصوها .
    ترى ما هي النسبة بين هذا الصرف وبين كل من المحو والتثبيت في قوله تعالى [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]( )، الجواب من وجوه :
    الأول : نسبة العموم والخصوص المطلق بين المحو وصرف البلاء والفتنة ، فالمحو هو الأعم والأكثر .
    الثاني : نسبة العموم والخصوص المطلق بين التثبيت وصرف البلاء والفتنة .
    فمن فضل الله عز وجل أنه يمحو البلاء والفتنة الخاصة والعامة ، ويثبت الأسباب والحال التي تمنع تحول دون البلاء وتمحو الفتنة والإقتتال .
    الثالث : عجز الناس عن إحصاء محو وصرف البلاء وعن تثبيت أسباب ومقدمات البلاء والفتنة والشرور .
    الرابع : إذا كان الناس والملائكة يعجزون عن إحصاء الخاص والفرع فمن باب الأولوية عجزهم عن إحصاء مصاديق وأفراد المحو والتثبيت مما لا يقدر عليه وعلى مقدماته إلا الله عز وجل.
    الثالثة : وإن تعدوا نعمة الله في الأرزاق لا تحصوها.
    الرابعة : وإن تعدوا مصاديق وأقسام نعمة الله لا تحصوها .
    وكل قسم منها لايستطيع الناس إحصاءه ، وهو معلوم عند الله عز وجل من الأزل .
    إحصاء الأعمار
    من بديع صنع الله عز وجل خلقه للإنسان ، ومن إعجاز القرآن مجئ آيات تجمع بين الثناء على الله عز وجل وبيان تفضيل الإنسان منها قوله تعالى [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]( )، ومنها [لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ]( ).
    ومن أسرار الخلافة في الأرض أنها دار امتحان وإختبار ، ومنه :
    الأول : حتمية الموت ، قال تعالى [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ]( )، التباين في أعمار وآجال الناس .
    الثاني : جهل الإنسان بأجله وموضع وفاته ، قال تعالى [وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ]( ).
    الثالث : عجز الناس عن معرفة أوان مغادرة أي منهم الحياة الدنيا.
    الرابع : مجئ الموت للإنسان باذن وأمر من عند الله عز وجل ، قال تعالى [وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ]( ).
    ويكون إحصاء الأعمار على وجوه :
    الأول : إحصاء أيام وسنين الذي مات من الناس ، وهذا أمر ممكن للناس .
    الثاني: إحصاء أعمار الناس مجتمعين ، وهو أمر يختص به الله عز وجل.
    الثالث : إحصاء أعمار الأحياء من الناس وينفرد بعلمه الله وحده.
    الرابع : ما فعله ويفعله الإنسان في أيام عمره .
    الخامس : فضل الله عز وجل على الإنسان في محو الأجل القريب عنه ، قال تعالى [وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ]( ).
    وأيهما أكثر وأطول أعمار الذين انقضت أيامهم في القرون الماضية أم الذين ستأتي أيامهم ، الجواب إنه من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، وإن كانت النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفيد الأول .
    قانون الإمهال في أيام الدنيا
    لقد جعل الله عز وجل الحياة الدنيا دار السعة والمندوحة والتدارك والأمل ، ورزق الله المؤمنين الإنتفاع من آبائهم الذين أنطوت أيامهم ، ومن أولادهم وأحفادهم الذين لم يولدوا بعد ، بما تعجز الخلائق عن إحصاء أفراد هذه النعمة .
    وعن عبد الله بن عمر (أنه كان واقفاً بعرفة ، فنظر إلى الشمس حين تدلت مثل الترس للغروب ، فبكى واشتد بكاؤه ، وتلا قول الله تعالى [اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ]( )، إلى {العزيز} فقيل له فقال : ذكرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقف بمكاني هذا ، فقال : أيها الناس لم يبق من دنياكم هذه فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى)( ).
    وفي أخبار الإمام المهدي ورد (عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن يكون عطاؤه حثياً)( ).
    ومن وجوه عجز الناس في المقام :
    الأول : العجز عن معرفة عمر الأرض وابتداء خلافة الإنسان فيها.
    الثاني : قانون عجز الناس عن إحصاء مجموع أعمارهم مجتمعين سواء في الدقائق والساعات أو الأيام بلحاظ أن الموت قريب من الإنسان في كل دقيقة ، وما استدامة حياة الإنسان إلى الدقيقة والساعة التالية إلا بنعمة من عند الله مما يلزم الشكر له سبحانه .
    الثالث : العجز عن قانون المحو والإثبات في عمر كل إنسان ، قال تعالى [لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ]( ).
    الرابع : عجز الناس عن إحصاء كيفية الموت في التباين بين الأفراد من جهة الإيمان والكفر وغيره .
    قانون الإختلاف في كيفية الموت
    وهل يمكن القول بالإختلاف بين الناس في كيفية الموت ، وطريقة قبض الروح كاختلافهم في بصمة العين والأصابع .
    المختار نعم ، وهو من الإعجاز في خلق الله للإنسان ، وفيه مناسبة للدعاء لقبض الروح بالتخفيف واللطف.
    وفي قصة موت إبراهيم عليه السلام (أخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن كعب قال : كان إبراهيم عليه السلام يقري الضيف ويرحم المسكين وابن السبيل ، فابطأت عليه الأضياف حتى أشرأب بذلك ، فخرج إلى الطريق يطلب ، فجلس فمر ملك الموت عليه السلام في صورة رجل ، فسلم عليه فرد عليه السلام ، ثم سأله من أنت؟ قال : أنا ابن السبيل قال : إنما قعدت ههنا لمثلك ، فأخذ بيده فقال له : انطلق .
    فذهب إلى منزله ، فلما رآه إسحق عرفه فبكى إسحق ، فلما رأت سارة إسحق يبكي بكت لبكائه ، فلما رأى إبراهيم سارة تبكي فبكى لبكائها ، فلما رأى ملك الموت إبراهيم يبكي بكى لبكائه ثم صعد ملك الموت ، فلما ارتقى غضب إبراهيم فقال : بكيتم في وجه ضيفي حتى ذهب.
    فقال إسحق : لا تلمني يا أبت فإني رأيت ملك الموت معك لا أرى أجلك إلا قد حضر فارث في أهلك أي أوصه ، وكان لإبراهيم بيت يتعبد فيه فإذا خرج أغلقه لا يدخله غيره ، فجاء إبراهيم ففتح بيته الذي يتعبد فيه فإذا هو برجل جالس.
    فقال إبراهيم : من أدخلك ، بإذن من دخلت؟! قال : بإذن رب البيت . قال : رب البيت أحق به ، ثم تنحى في ناحية البيت فصلى ودعا كما كان يصنع ، وصعد ملك الموت فقيل له : ما رأيت؟ قال : يا رب جئتك من عند عبدك ليس بعده في الأرض خير .
    قيل له : ما رأيت منه؟ قال : ما ترك خلقاً من خلقك إلا قد دعا له بخير في دينه وفي معيشته .
    ثم مكث إبراهيم عليه السلام ما شاء الله ، ثم جاء ففتح بابه فإذا هو برجل جالس قال له : من أنت؟ قال : إنما أنا ملك الموت .
    قال إبراهيم : إن كنت صادقاً فأرني آية أعرف أنك ملك الموت .
    قال : اعرض بوجهك يا إبراهيم . قال : ثم أقبل فأراه الصورة التي يقبض بها المؤمنين ، فرأى شيئاً من النور والبهاء لا يعلمه إلا الله ، ثم قال : انظر فأراه الصورة التي يقبض فيها الكفار والفجار ، فرعب إبراهيم عليه السلام رعباً حتى ألصق بطنه بالأرض ، كادت نفس إبراهيم تخرج فقال : أعرف الذين أُمِرْتَ به فامض له .
    فصعد ملك الموت فقيل له : تلطف بإبراهيم ، فأتاه وهو في عنب له وهو في صورة شيخ كبير لم يبق منه شيء ، فلما رآه إبراهيم رحمه فأخذ مكتلاً ثم دخل عنبه فقطف من العنب في مكتله ، ثم جاء فوضعه بين يديه.
    فقال : كل . . . فجعل يضع ويريه أنه يأكل ويمجه على لحيته وعلى صدره ، فعجب إبراهيم فقال : ما أبقت السن منك شيئاً كم أتى لك؟ فحسب مدة إبراهيم فقال : امالي كذا وكذا . . .
    فقال إبراهيم : قد أتي لي هذا إنما انتظر أن أكون مثلك اللهم اقبضني إليك ، فطابت نفس إبراهيم على نفسه وقبض ملك الموت نفسه تلك الحال)( ).
    عجز الناس عن إحصاء كيفية وكم النعم
    هل يمكن حصر النعم كماً وكيفاً وهيئه وسنخية ، الجواب لا ، وهو من بديع صنع الله ، وإذا كنا لا نستطيع حصر ماهية النعم ، وأقسامها فمن باب الأولوية القطعية العجز عن إحصاء أفرادها.
    و(عن أبي الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ما أوحي إليّ أن أكون تاجراً ولا أجمع المال متكاثراً ، ولكن أوحي إلي أن سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ( ).
    واليقين : الموت .
    وتقدير [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا]( )، منها ذات النعمة وهي على جهات :
    الأولى : وإن تعدوا نعمة الله الظاهرة .
    الثانية : وإن تعدوا نعمة الله الباطنة .
    الثالثة : وإن تعدوا نعمة الله الحاضرة .
    الرابعة : وإن تعدوا نعمة الله الآجلة .
    الخامسة : وإن تعدوا نعمة الله السابقة .
    السادسة : وإن تعدوا نعمة الله المنفردة .
    السابعة : وإن تعدوا نعمة الله التي تجتمع مع غيرها من النعم.
    الثامنة : وإن تعدوا نعمة الله التي تخص الفرد الواحد .
    التاسعة : وإن تعدوا نعم الله بنزول القرآن لا تحصوها .
    العاشرة : وإن تعدو نعم الله برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تحصوها .
    الحادية عشرة : وإن نعمة الله العقلية لا تحصوها.
    الثانية عشرة : وإن تعدوا نعمة الله من المحسوسات.
    الثالثة عشرة : وإن تعدوا نعمة الله على آبائكم .
    الرابعة عشرة : وإن تعدوا نعمة الله على أبنائكم .
    الخامسة عشرة : وإن تعدوا نعمة الله عليكم بالآباء والأبناء ، قال تعالى [يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا]( ).
    لقد ورد قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا]( )، في آيتين من القرآن وهما :
    الأولى : قوله تعالى [وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ]( ).
    الثانية : قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
    والمخاطبون في الآيتين هم الناس جميعاً وفيه مسائل :
    الأولى : بيان ضعف الإنسان عن إدراك ما عنده من النعم.
    الثانية : التذكير بفضل الله على الناس .
    الثالثة : إقامة الحجة على الناس .
    الرابعة : لزوم شكر الناس لله عز وجل على النعم .
    الإحصاء في آية [إِنَّا لَا نُضِيعُ]
    قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا]( ).
    من إعجاز القرآن قانون دلائل الرحمة في كل آية منه ، فيمكن القول باستقراء الرحمة الإلهية في كل آية من القرآن سواء بمنطوقها أو مفهومها .
    والمراد من الرحمة في الآيات القرآنية رحمة الله عز وجل بالناس والخلائق ، ترى ما هي النسبة بين النعمة الإلهية في قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا]( )، وبين الرحمة الإلهية.
    المختار هو العموم والخصوص المطلق ، فالرحمة أعظم وأكبر وهل يصح القول إنهما مما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ، الجواب نعم ، في موارد النعم ، وهناك مسائل :
    الأولى : أخبرت الآية أعلاه عن عجز المخاطبين عن إحصاء نعم الله كماً وكيفاً ، فمن هم المخاطبون ، الجواب هم الناس جميعاً ، إذ ورد قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا]( )، في آيتين من القرآن( ).
    لدعوة الناس مجتمعين إلى إحصاء نعم الله على الناس والخلائق تحدياً لهم ، وبعثهم على الإيمان بالبرهان الإني من المعلول إلى العلة ، وهل تدخل في الإحصاء أجهزة الحاسوب المتطورة.
    الجواب نعم ، وكذا التي تستحدث فيما بعد ، ومع هذا يعجز الناس عن عدّ نعم الله من وجوه :
    الأول : قانون الكثرة اللامتناهية لنعم الله .
    الثاني : قانون نعم الله دفعية وتدريجية ، وتكون بالميليارات في كل دقيقة .
    الثالث : قانون شمول الإحصاء للكم والكيف بخصوص النعم ولا ينحصر بالعدد.
    الرابع : نعم الله عز وجل أعظم وأكبر من أن تحيط بها العقول والتصور الذهني ، منها الظاهر ومنها الخفي .
    ومن الإعجاز في المقام أن كل نعمة من عند الله تدعو للصلاح وتزجر عن المعاصي من وجوه :
    الأول : لزوم الشكر لله عز وجل على النعمة .
    الثاني : قانون حاجة الناس منفردين ومجتمعين إلى نعم الله .
    الثالث : قانون التضاد بين النعمة والمعصية .
    الرابع : قانون المعصية والإرهاب حاجب للنعمة .
    الثانية : قانون عجز الناس عن عدّ وإحصاء الأجر على الفعل الحسن ، وإذا كان الناس يعجزون عن عدّ النعم الدنيوية ، فمن باب الأولوية عجزهم عن الإحاطة بالأجر والثواب على الصالحات لأنه أضعاف نعم الدنيا ، وذات الفعل الصالح.
    ومنه قوله تعالى [مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]( ).
    والإنفاق عنوان الرحمة والرفق ، ويدل على التضاد بينه وبين الجحود والإستكبار ، ويجب هجران ضد الذي أمر به الله عز وجل.
    وفيه ترغيب بالصالحات فذات الأجر من مصاديق النعمة التي ذكرت في قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا]( ).
    وقيل (أن عيسى ابن مريم كان يقول : يا ابن آدم ، إذا عملت الحسنة فاله عنها ، فإنها عند من لا يضيعها . ثم تلا [إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا]( )، وإذا عملت سيئة فاجعلها نصب عينيك)( ).
    الثالثة : كثرة مصاديق الفعل الحسن في اليوم والليلة ، وفضل الله في تهيئة مقدمات اتيانه ، وإزاحة الموانع دونه ، وفيه بعث للنفرة من الإرهاب والتعدي والظلم.
    فضل الصلاة
    في الصلاة ومنافعها وجوه :
    الأول : قانون الصلاة عنوان لطاعة الله في الأرض.
    الثاني : قانون أداء الصلاة إظهار للخضوع لسلطانه .
    الثالث : قانون الصلاة عنوان الحب والشوق للإمتثال بين يدي الله عز وجل وإستعداد للتضحية من أجل إستمرار بقاء راية التوحيد في الأرض بالوقت وراحة البدن.
    الرابع : قانون الصلاة تهذيب للنفس , حيث تحبس الجوارح ساعة الصلاة لغرض الصلاة وأداء أفعالها.
    الخامس : قانون عجز الخلائق عن إحصاء منافع الصلاة .
    وهي أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله، ويرجو بها رضاه، وأحب أفعال العباد إلى الله عز وجل.
    لقانون الصلاة توظيف واقعي للمعرفــة.
    وقانون أداء الصلاة التـزام من البــدن والجوارح بالإيمان ضمن تفاعل مع الروح لإنبعاثـــه في فعـــل عبادي لا يراد به إلا وجه الله .
    ويمكن القول بكل من :
    الأول : قانون الصلاة قربان كل مؤمن ورمز التقـــوى.
    الثاني : قانون لباس الهدى ، وعن عثمان بن عفان قال أني (سمعت رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم} يقول : والذي نفس محمد بيده ماعمل أحدٌ قط سراً إلاّ ألبسه الله رداءه علانية إن خيراً فخير وإن شراً فشر ثمّ تلا هذه الآية {وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلك خَيْرٌ})( ).
    الثالث :قانون الصلاة مناسـبة كريمة ليسيح العبد في ذكــــر الله ويعيــش في كنف الربوبيــة ملتجئاً في خشوع وإنقياد إلى حضرة القدس، راجياً مرضاة الله سبحانه.
    فلا غرابة إذن أن تطوف حول المصلي الملائكة ويستديرون ويستغفرون ويدعون له وربما صلوا خلفه، ويتباهون به لأنه نبذ الشهوات واجتنب الكفر والمعصية واختار طائعاً سبيل الإيمان.
    روي بالاسناد عن محمد بن مسلم عن الامام محمد الباقر انه قال: “للمصلي ثلاث خصال اذا هو قام في صلاته حفت به الملائكة من قدميه إلى عنان السماء، ويتناثر البر عليه من عنان السماء إلى مفرق رأسه، وملك موكل به ينادي: لو يعلم المصلي من يناجي ما إنفتل”( ).
    والصلاة صرح ومعلم ترتكز اليه أعمال العباد الأخرى ويتوقف مدى سلامته وقبولها وثوابها على الصلاة أداء وصحة، جاء الحث والتوكيد على الصلاة ووجوب تكرار أدائها خمس مرات في اليوم، والتقيد بها في الحضر والسفر فهي باب مبارك تقبل منه الطاعات والسبيل الذي يحفظ الصالحات.
    قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود ثبتت الأطناب والأوتاد والغشاء، واذا إنكسر العمود لم ينفع وتد ولا طنب ولا غشاء”( ).
    والصلاة سلاح وعون للنجاة من تبعات الذنوب وإزالة آثارها بالسعي الجاد في مرضاة الله وأداء ما أوجب من الفرائض.
    قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ما من صلاة يحضر وقتها إلا نادى ملك بين يدي الناس: يا أيها الناس قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفئوها بصلاتكم”( ).
    وهناك منافع ومضامين أخلاقية وإجتماعية وإقتصادية للصلاة تقدم ذكر بعضها في الأجزاء السابقة ، ومن خصائص الصلاة وعجز الناس والملائكة عن إحصاء منافعها البركة والنماء في هذه المنافع ومضاعفة الثواب المترتب على أدائها .
    ولا تختص هذه المضاعفة بحال الأداء بل تأتي مصاديق منها حتى بعد ألف سنة وأكثر على أداء العبد لها .
    آيام الصيام
    تعدد ذات الأرقام فرد علم الأحصاء ، فلابد من العد والحساب لمعرفة الأعداد كثيرة كانت أو قليلة ، وقد يرد وصفها في القرآن على نحو الإجمال ، كما في قوله تعالى [أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ]( ).
    ترى لماذا لم يذكرها بالعدد ثلاثين يوماً ، الجواب من وجوه :
    الأول : إرادة التسهيل والتخفيف في الصيام .
    الثاني : بيان الإعجاز الإلهي في تيسير أداء الفرائض العبادية بالإخبار عن قانون انطواء أيام شهر رمضان بسرعة مع شدة الجوع والعطش ، وتجليه بالوجدان من الإعجاز الإلهي في العبادات.
    الثالث : حرص المسلمين على حساب وعدّ أيام شهر رمضان.
    وكما أن شهر رمضان الوحيد الذي ورد اسمه في القرآن بقوله تعالى [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]( ).
    فانه ينفرد بين أشهر السنة بحساب المسلمين له يوماً يوماً ، وهل هو مثل عدّ المسلم لركعات صلاته عند الأداء حتى يتشهد ويسلم في الركعة الأخيرة الجواب يتجلى عدّ أيام الصيام بآيتين :
    الأولى : تعيين ابتداء أداء فريضة الصيام بقوله تعالى [فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ]( ).
    الثانية : ذكر الله عز وجل لأوان انقضاء أيام شهر رمضان بقوله تعالى [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ].
    الرابع : الإعجاز في ذكر عدد أيام الصيام على نحو الإجمال ، وعدم ذكر عدد مخصوص لأن الشهر القمري يكون على احدى جهتين :
    الأولى : تسعة وعشرون يوماً عند رؤية الهلال في ليلة الشك .
    الثانية : تمام العدة ثلاثون يوماً عند تعذر رؤية الهلال في الليلة الثلاثين من الشهر السابق ، فتارة يكون شهر رمضان تسعة وعشرين يوماً ، وأخرى يكون ثلاثين يوماً ، وكل منهما يسهل عده .
    ويشترك الناس بالعيش في كنف الأيام والليالي كتقسيم كوني ثابت من عند الله مع التباين في أوان دخول أحدهما على الآخر ، وينفرد المؤمنون بنعمة تقسيم الأيام إلى أيام إفطار وأيام صيام ، ومدة الصيام شهر واحد من مجموع أشهر السنة ، قال تعالى [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ]( ).
    ولم يرد لفظ (شهور) نكرة أو معرفة في القرآن إلا في هذه الآية الكريمة ، لبيان ثبوت هذه العدة عند الأمم المختلفة بهداية الناس بالفطرة والتكوين إليها.
    قانون تقسيم أيام السنة
    لقد نزل القرآن بتفضل الله عز وجل بالإخبار عن مجموع أشهر السنة اثنا عشر شهراً ، وتفضل بتقسيم أشهر السنة على نحو متعدد منه :
    الأول : تقسيم أشهر السنة إلى أربعة أشهر حرم ، وثمانية أشهر حلّ ، قال تعالى [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ]( )، والأشهر الحرم هي : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ومحرم .
    الثاني : تقسيم أشهر السنة الى أشهر حج ، وغيرهما ، قال تعالى [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ]( )، ومثلما أن الأشهر الحرم لم تذكر في الآية أعلاه من سورة التوبة فان الآية أعلاه لم تذكر أشهر الحج ، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة.
    الثالث : تقسيم السنة إلى شهر صيام واحد ، وأحد عشر شهراً إفطاراً ، لتكون الألف واللام في الشهر بقوله تعالى [فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ]( )، للعهد .
    وكل تقسيم من هذه التقسيمات مادة لضبط الشهور والأيام ، ودعوة للناس لشكر الله عز وجل على نعمة الخلق وأيام الحياة الدنيا.
    وقد تجلى في زمان العولمة بالإطلاع على التقويم عند الأمم المختلفة وحسابها الشمسي او القمري ضبط الناس حساباتها بتقسيم السنة الى اثني عشر شهراً.
    وهو من مصاديق قوله تعالى [وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ]( )، ويعجز الناس عن إحصاء أمور:
    الأول : منافع هذا التقسيم لأيام السنة .
    الثاني : خصائص الأشهر الحرم .
    الثالث : كيفية صيرورة الأشهر الحرم مقدمة لبعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقيامه بتبليغ الرسالة في مكة.
    الرابع : العجز عن إحصاء عدد شهور الحياة الدنيا ، فمن الإطلاق وعدم التناهي في آيات القرآن الكثرة غير المتناهية لأيام الحياة الدنيا ، والخلود في النعيم.
    فصحيح أنه ليس من ليل أو نهار لأنه نور دائم ، ولكن هناك علامات تدل على التباين بينهما وحلول الليل بارخاء الحجب ، والنهار برفعها .
    وفي المرسل عن الحسن البصري وأبي قلابة (قال رجل يا رسول الله ، هل في الجنة من ليل ، قال : وما هيجك على هذا.
    قال : سمعت الله يذكر في الكتاب [وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا]( )، فقلت الليل من البكرة ، والعشي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ليس هناك ليل ، وإنما هو ضوء نور ، يرد الغدو على الرواح ، والرواح على الغدوّ ، وتأتيهم طرف الهدايا من الله ، لمواقيت الصلوات التي كانوا يصلون فيها في الدنيا ، وتسلم عليهم الملائكة)( ).
    إحصاء عدد الصائمين
    يتصف شهر رمضان بأنه أكثر الشهور التي يشترك المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بعدّ وحساب أيامه ، ليكون هذا العدّ عنوان الوحدة والأخاء بينهم ، وفيه وجوه :
    الأول : لا يعلم مصاديق قوله تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]( )، وما فيه من صرف الفتن إلا الله عز وجل ، سواء الفتن الداخلية بين المسلمين ، أو التي تأتيهم من غيرهم ، وهل الصيام من مصاديق حبل الله بقوله تعالى [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ]( )، الجواب نعم.
    الثاني : من علم الإحصاء القرآني عجز الخلائق عن إحصاء معرفة وعدد الصائمين في اليوم الواحد وأماكنهم ، وكذا هذا العجز في عدّ ثواب الصيام ، إذ ورد عن عبد الله (بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله جعل حسنة ابن آدم عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم ، وقال سبحانه (الصوم لي وأنا أجزي به)( ).
    الثالث : صيام رمضان قليل في باب الشكر لله عز وجل على نعمة الخلق والحياة والرزق ، وعدد الشهيق والزفير في الدقيقة الواحدة لمن كان عمره 12 سنة أو أكثر نحو 16 مرة فيكون ثلاثاً وعشرين ألف مرة في اليوم الواحد ، وليس من شهيق أو زفير إلا باذن الله عز وجل .
    فتكون أيام الصيام شكراً من العبد لله عز وجل على هذه النعمة واستدامتها ، وهل يختص الإنتفاع من هذا الشكر بذات الصائم أم يعم غيره من الأحياء والأموات ، الجواب هو الثاني ، فينتفع منه الوالدان والأقربون ، وتنزل البركة العامة بخصوصه على أهل الأرض في ذات أيام شهر رمضان وغيرها .
    السابع : تقدير الآية على وجوه :
    الأول : أياماً معدودات من أيام آدم إذ فرض الله الصيام.
    الثاني : أياماً معدودات عند أهل الملل السماوية السابقة أيضاً ، ويدل عليه قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]( ).
    الثالث : أياماً معدودات فاتخذوا الإحصاء منهاجاً.
    وكما جاء في المقدمة فان اتخاذ وموضوعية الإحصاء في العبادات والمعاملات شاهد على الإرتقاء في المعارف ، وقوله تعالى [أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ]( )، مناسبة لضبط أيام وشهور السنة وتواليها بلحاظ إطلالة الهلال في أول كل شهر ، ومعه يكون العمل بكل من :
    الأول : وجوب صيام شهر رمضان .
    الثاني : ضبط وإحصاء نظام الأشهر الحرم والإمتناع عن القتل والثأر وسفك الدماء فيها .
    ولا يحصى أفراد هذا الإمتناع إلا الله عز وجل وكذا تنمية واستصحاب ملكة إجتناب القتل في الأشهر الحل.
    الثالث : ضبط أوان حج بيت الله الحرام ، قال تعالى [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ]( )، وفي قوله تعالى [َمعْلُومَاتٌ] شاهد على اعتماد المسلمين الإحصاء كل سنة.
    إحصاء أسماء يوم القيامة
    من بديع خلق الله إنشطار آنات الزمان إلى قسمين :
    الأول : الليل .
    الثاني : النهار .
    ومن فضل الله عز وجل تسخير الليل والنهار للناس في معاشاتهم وعباداتهم وصلواتهم .
    لقد ورد لفظ (يوم) في مواضع عديدة من القرآن ، وأكثرها بخصوص يوم القيامة ، قال تعالى [يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ] ( ) كما ورد لفظ (يومين ) ثلاث مرات في القرآن منها اثنتان في خلق الأرض والسماء ، والثالثة في مناسك الحج ، قال تعالى [فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ] ( ).
    ومن أسماء يوم القيامة :
    الأول : يوم الجمع كما في قوله تعالى [وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ]( ).
    الثاني : يوم لا ريب فيه ، قال تعالى [رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ]( ).
    الثالث : قال تعالى [يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ] ( ).
    الرابع : قال تعالى [يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ]( ).
    الخامس : قال تعالى [يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ]( ).
    السادس : قال تعالى [هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ]( ).
    السابع : قال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ]( ).
    الثامن : قال تعالى [يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ]( ).
    التاسع : قال تعالى [) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا]( ).
    العاشر : قال تعالى [يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ]( ).
    الحادي عشر : قال تعالى [يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ]( ).
    الثاني عشر : يوم عبوس قمطرير لقوله تعالى [إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا]( ) أي نخاف يوماً شديداً طويلاً تعبس فيه الوجوه .
    والآية حكاية عن أهل البيت في حبهم لله عز وجل والصدقة المتكررة في سبيله على المسكين واليتيم والأسير .
    ولم يحدث في التأريخ أن الأسرى طليقون في المدينة ، يطرقون الأبواب حتى بيت النبوة إلا في أيام رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويسألون ويجابون من غير زجر أو نهر ، وهو من معجزاته والشواهد على حال الأمن التي صاحبت البعثة النبوية .
    الثالث عشر : قال تعالى [يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ]( ) أي يتفرقون في مواطن الحساب ثم يتفرقون فرقتين، فرقة أهل الإيمان الذين عملوا الصالحات في الجنة ، وفرقة الكفار في نار جهنم .
    وهل تختص أسماء يوم القيامة بما ورد ذكره في القرآن والسنة النبوية أم يجوز الإتيان بأسماء أخرى مستنبطة من أيات القرآن.
    الجواب هو الثاني لبيان عظمة هذا اليوم ، وفوز المؤمنين فيه ، وخسارة وخيبة وخزي المشركين يومئذ.
    الرابع عشر : يوم الدين .
    الخامس عشر : يوم البعث .
    السادس عشر : يوم التغابن ، إذ ورد مرة واحدة في قوله تعالى [يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ]( ).
    السابع عشر : ورد (يوم الحسرة) في القرآن مرة واحدة .
    الثامن عشر : ورد يوم الأزفة في القرآن مرة واحدة ، قال تعالى [وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ]( ).
    التاسع عشر : ورد (يوم الخلود) مرة واحدة في القرآن.
    العشرون : ورد (يوم الوعيد) مرة واحدة في القرآن ، قال تعالى [وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ]( ).
    الواحد والعشرون : يوم الظلة.
    دلالات تسمية يوم القيامة
    لقد ورد لفظ (يوم عظيم) عشر مرات في القرآن وهو من الإعجاز العددي في القرآن بلحاظ تعدد أسماء يوم القيامة ومنها التي وردت مرة واحدة في القرآن وأكثر الفاظ يوم عظيم بخصوص يوم القيامة.
    وأكثر ما ذكر لفظ (يوم) في القرآن بخصوص يوم القيامة ، وفيه مسائل :
    الأولى : بيان قانون أطول يوم وهو يوم القيامة ، قال تعالى [تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ]( ).
    وهل يختص طول يوم القيامة بالكافرين ويكون على المؤمنين أقل مدة ، المختار نعم فالمؤمنون يومئذ [َلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]( ).
    (عن أبي قرصافة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : اللهم لا تخزنا يوم القيامة ، ولا تفضحنا يوم اللقاء)( ).
    عن ابن عباس في الآية أعلاه ({ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} فهذا يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة)( ).
    الثانية : دعوة المسلمين والناس جميعاً للإستعداد ليوم القيامة بالإيمان والعمل الصالح .
    الثالثة : دلالة تعدد أسماء يوم القيامة على الأهوال العظيمة يومئذ .
    الرابعة : التأكيد السماوي على النعم بأن هذه الدنيا فانية .
    ليبدأ بعث الأموات من القبور ، ثم الحشر وتطاير الكتب والصراط والحساب والميزان والخلود إما في النعيم أو في الجحيم .
    ولابد من إحصاء الآيات التي تذكر يوم القيامة بالاسم ، أو الوصف .
    فمن إعجاز القرآن مجئ سورة الواقعة بخصوص يوم القيامة وعدد آياتها (96) آية ليس فيها ذكر يوم القيامة بالاسم أو بلفظ اليوم الآخر ونحوه لبيان أن علم الإحصاء في القرآن واسع ويتعلق بالاسم والمسمى ، قال تعالى [وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا]( ).
    ولابد أن علم إحصاء أسماء يوم القيامة بالذات أو الوصف ، وهل تدخل فيه آيات سورة الواقعة ، الجواب نعم باستثناء عدد قليل من الآيات التي تخص القرآن .
    وهل قوله تعالى [فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ] ( )، من آيات يوم القيامة ، الجواب نعم.
    ومنها تسمية يوم القيامة بالساعة ، قال تعالى [وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ] ( ) وهذه الآية من آيات سورة الروم التي نصف آياتها بخصوص يوم القيامة وأحوال الناس وشدة الحساب فيه .
    وجاءت سورة القيامة من أربعين آية كلها من وقائع يوم القيامة وإنذار الناس من أهواله .
    اليوم في القرآن
    وردت كلمة (يوم) في القرآن بصيغة المفرد (374) مرة منها بصيغة (يوم) من غير تعريف بالألف واللام ، ومنه [وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا]( ).
    إذ ورد لفظ (يوم) في هذه الآية ثلاث مرات ، ولم يرد لفظ (سلام عليه) (يوم ولد) (يوم يموت) (يوم يبعث) إلا في هذه الآية .
    وهل هي خاصة بيحيى بن زكريا عليه السلام أم أنها تشمل الأنبياء والمؤمنين في الأجيال المتعاقبة ، المختار هو الثاني.
    فكما يلحق المسلمون بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الأحكام والأوامر والنواهي العامة إلا ما دل الدليل على الخصوص مثل [إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ]( )، فكذا نعمة السلام هذه بفضل من الله عز وجل.
    ويمكن إحصاء هذه الأوقات الثلاثة لأنها أكثر وحشة وضعفاً وحاجة إلى العون والمدد من عند الله ، وهي :
    الأول : وقت الولادة .
    الثاني : حلول الأجل.
    وبينما جاء ذكر الولادة بصيغة الماضي (يوم ولد) جاء (يوم يموت) بصيغة المضارع مع أنه قد مات قبل نزول القرآن بمئات السنين ، لتبين الآية أن السلام من عند الله نزل عليه في حياته وعندما خرج إلى الدنيا ، والسلام في الآية هنا التحية والسلام والأمان والحفظ.
    وهو من مصاديق البشارة في قوله تعالى [فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ]( ).
    الجواب نعم لبيان عدم اختصاص الآية أعلاه بيوسف عليه السلام ، إنما هي بشارة الأمن والسلام للأنبياء من بعده.
    ومن الآيات حفظ النبي محمد من القتل والإغتيال ، ومنه حفظ الله عز وجل للشرائع والأحكام السماوية ، وسلامة القرآن من التحريف والزيادة والنقيصة ، فلو دار الأمر بين الإطلاق والتقييد في حفظ الله للناس ، فالأصل الإطلاق في الحكم والموضوع والزمان والمكان.
    كما ورد لفظ (يوم) ثلاث مرات في قوله تعالى [يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ]( )، والمقصود من [الِيَوْمِ] في القرآن هو النهار من طلوع الشمس إلى غروبها ، وقيل من طلوع الفجر ، والمراد في الآية أعلاه يوم القيامة.
    وقد يأتي تعريف بالإضافة كما في (يوم القيامة) الذي ورد سبعين مرة في القرآن ، قال تعالى [ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ]( )، ولم يرد لفظ [تُبْعَثُونَ] في القرآن إلا في هذه الآية .
    ومنها ما ورد في نزول العذاب بالذين كفروا في الدنيا ، كما في قوله تعالى [فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ]( ).
    إتحاد اللفظ القرآني وتعدد معناه
    لقد جعل الله عز وجل كلمات القرآن المحدودة تحيط باللامحدود من الحوادث والوقائع ، لذا يأتي اللفظ المتحد ليدل على عدة معاني ، لتتفرع المسائل عن هذه المعاني بما فيه النفع العام ، قال تعالى [إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا]( ).
    وتعدد المعاني والمقاصد من اللفظ القرآني نعمة عظمى ودعوة للغوص في خزائن القرآن.
    و(عن ابن عباس في قوله [وفيه يعصرون] يحتلبون) ( ).
    و(عن ابن عباس في قوله [مما تحصنون] يقول : تخزنون . وفي قوله [وفيه يعصرون] يقول : الأعناب والدهن) ( ).
    ({وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} قرأ أهل الكوفة إلاّ عاصماً تعصرون،
    بالتاء لأنّ الكلام كلّه بالخطاب .
    وقرأ الباقون بالياء ردّاً إلى الناس .
    قال أكثر المفسّرين يعصرون العنب خمراً .
    والزيتون زيتاً .
    والسمسم دُهناً .
    وإنّما أراد بعض الأعناب والثمار والحبوب كثرة النعم والخير،)( ).
    و(عن محمد بن علي الصيرفي، عن رجل، الإمام الصادق عليه السلام [عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ]( )، بضم الياء : يمطرون، ثم قال أما سمعت قوله : وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا)( ).
    كما ورد (عن علي بن معمر، عن أبيه، عنه عليه السلام في قول الله [عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ]( ) مضمومة، ثم قال : وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا( ).
    وذكر الخبر أعلاه عن الإمام الصادق عليه السلام من غير أن ذكر السند( ).
    وهل تحتمل الآية كلا المعنيين يعصرون على البناء للمعلوم والمجهول ، الجواب نعم .
    ومن إعجاز القرآن ورود لفظ (قال الملك) ثلاث مرات في القرآن كلها بخصوص الملك أيام يوسف عليه السلام ، واحدة بخصوص رؤيا الملك ، واثنتين بقوله تعالى [وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ]( ).
    إذ لم يستجب يوسف عليه السلام لطلبه الأول بالحضور إلا بعد أن حصحص وظهر الحق .
    إحصاء الأوامر في القرآن
    من خصائص الكتب السماوية نزوله بالأوامر والنواهي من عند الله عز وجل مع البشارة على الإمتثال للأوامر ، والوعيد على عدم إجتناب ما نهى الله عز وجل عنه .
    وتكشف هذه الأوامر والنواهي حقيقة وصدق نزول هذه الكتب من عند الله عز وجل، وتفضح إدعاء النبوة وإن جاء المدعي بأوامر ونواهي لإدراك الناس لوضوح الأوامر الإلهية منطوقاً وموضوعاً وحكماً ، واختص القرآن بأمور :
    الأول : قانون الإعجاز البلاغي لآيات القرآن .
    الثاني : قانون تعدد معاني الكلمة الواحدة من القرآن (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اعربوا القرآن واتبعوا غرائبه ، وغرائبه فرائضه وحدوده . فإن القرآن نزل على خمسة أوجه : حلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال . فاعملوا بالحلال ، واجتنبوا الحرام ، واتبعوا المحكم ، وآمنوا بالمتشابه ، واعتبروا بالأمثال .
    وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن القرآن ذو شجون ، وفنون ، وظهور ، وبطون . لا تنقضي عجائبه ، ولا تبلغ غايته . فمن أوغل فيه برفق نجا ، ومن أوغل فيه بعنف غوى . أخبار وأمثال وحرام وحلال ، وناسخ ومنسوخ ، ومحكم ومتشابه ، وظهر وبطن . فظهره التلاوة ، وبطنه التأويل . فجالسوا به العلماء ، وجانبوا به السفهاء ، وإياكم وزلة العالم)( ).
    الثالث : قانون بعث الشوق في النفوس لتلاوة القرآن ، وهذه التلاوة مطلوبة بذاتها وهي أيضاً مقدمة ووسيلة إنطباقية للعمل بمضامينها ، لذا أمر الله عز وجل بقراءة القرآن في الصلاة على نحو الوجوب العيني على كل مسلم ومسلمة ، قال تعالى [فَاقْــرَءُوا مَا تَيَسّـَرَ منْ القُرْآنِ]( ).
    لقد جعل الله عز وجل القرآن مدرسة الأوامر والنواهي السماوية ، وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ]( ).
    ومن إعجاز القرآن أن أول كلمة نزلت منه هي أمر متكامل بقوله تعالى [اقْرَأْ]( )، وأن هذا الأمر في طلب العلم والتحصيل ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحده أمة في العمل بمضمون الوحي ساعة نزول هذه الكلمة.
    فنزلت الآية بصيغة المفرد لتشمل كل مسلم ومسلمة إلى يوم القيامة ، ولم تقف الآية عند الأمر بالقراءة لأنها عامة وتشمل تعلم ما هو نافع وما هو غير نافع أو ضار ، بل قيدتها بأنها باسم الله.
    ليكون من معاني القراءة العبادة والكتابة ، وعلم التفسير والتلاوة ، والتدبر والتفكر في الخلق ، وإحصاء علوم الوحي وعلوم الحياة ، والأوامر والنواهي في القرآن بقصد النفع العام والأجر وقصد القربة.
    ثم جاءت الآية الثالثة من ذات السورة ، وهي سورة العلق بأمر ثان بالقراءة بقوله تعالى [اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ]( ) لبيان منافع العبادة والتفقه في الدين في الدنيا والآخرة .
    ويتعلق علم الأحصاء بخصوص آية (اقرأ) من وجوه :
    الأول : عدد الذين قرأوا ويقرأون هذه الآية .
    الثاني : عدد الذين اهتدوا إلى الإيمان ببركة هذه الآية .
    الثالث : الأذى والبلاء الذي انصرف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين بهذه الآية.
    و(عن العباس بن عبد المطلب قال : كنت يوماً في المسجد فأقبل أبو جهل فقال : إن لله عليّ إن رأيت محمداً ساجداً أن أطأ على رقبته .
    فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى دخلت عليه ، فأخبرته بقول أبي جهل . فخرج غضبان حتى جاء المسجد ، فعجل أن يدخل الباب فاقتحم الحائط .
    فقلت هذا يوم شرّ فاتزرت ثم تبعته ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ]( )، فلما بلغ شأن أبي جهل [كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى]( )، قال إنسان لأبي جهل : يا أبا الحكم هذا محمد .
    فقال أبو جهل : ألا ترون ما أرى؟ والله لقد سد أفق السماء عليّ . فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة سجد)( ).
    الرابع : العدد والكم والكيف في إرتقاء المسلمين في المعارف الإلهية بهذه الآية الكريمة.
    الخامس : الإنتفاع العام من آية (اقرأ).
    السادس : موضوعية هذه الآية في الحياة اليومية للمسلمين ، ومنها اتخاذها مناسبة للتخفيف عنهم.
    و(عن عثمان بن أبي العاصي قال : آخر كلام كلمني به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ استعملني على الطائف أن قال : خفف الصلاة عن الناس حتى وقت اقرأ باسم ربك الذي خلق وأشباهها من القرآن)( ).
    السابع : الدعوة إلى الله عز وجل وحده ، ونبذ الشرك واختتام الآية بالثناء على الله عز وجل ، والوعد باظهار النبوة والتنزيل ، قال تعالى [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا]( ).
    الثامن : أسرار مجئ الآية بالأمر وتقييده ، والوصف ، أما الأمر فهو (اقرأ) وما التقييد فهو وجوب القراءة باسم الله ، وأما الوصف فهو نسبة خلق الأكوان والعوالم إلى الله عز وجل .
    ومن معاني اقرأ :
    الأول : إرادة قراءة البسملة عند قراءة القرآن في الصلاة وصيرورة الجهر بها سنة.
    الثاني : قراءة لفظ باسم ربك الذي خلق أي يكون (باسم ربك) مفعولاً به وأنه هو المقروء.
    وبينما حذفت الألف من (بسم الله الرحمن الرحيم) لم تحذف من الخط في هذه الآية لقلة استعماله ، والعمل به لأن خط القرآن توقيفي.
    الثالث : ابتداء توالي نزول القرآن والإخبار بأنه سينزل على نحو التدريج .
    الرابع : تبليغ آيات القرآن بالتوكل على الله.
    الخامس : بيان قانون نزول القرآن بقصد سيادة عبادة الله في الأرض.
    معجزات سبقت ولادة النبي محمد
    من أظهر المعجزات الغيرية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتي سبقت ولادته بشارة الرسول عيسى عليه السلام به ، وفي التنزيل [وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ]( ).
    ومن الإعجاز في الآية أعلاه أن عيسى عليه السلام خاطب القوم (يا بني اسرائيل) ولم يخاطبهم مثلما ذكرهم موسى عليه السلام بصفة (قومي) كما قال تعالى [وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي]( )، وقوله تعالى [يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ]( )، لأن عيسى ليس له أب في القوم .
    ومن الإعجاز أن إخبار عيسى عليه السلام لبني إسرائيل لم يختص بعالم النبوة في المستقبل بل شمل السابق له ، بالتصديق بالتوراة ، لبيان قانون كل رسول يصدق ما بين يديه ويبشر بالرسول الذي يأتي بعده إلا الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم فانه صدق جميع الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله ومنهم آدم أبو البشر.
    ولم يبشر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم برسول بعده لأنه خاتم النبيين ، قال تعالى [مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا]( ).
    ومن المعجزات التي سبقت رسالة النبي محمد ورد (عن كعب :أن الحواريين قالوا لعيسى يا روح الله هل بعدنا من أمة قال نعم أمة أحمد حكماء علماء أتقياء أبرار اسمه أحمد)( ).
    و(أخرج أبو نعيم عن كعب قال : إن أبي كان من أعلم الناس بما أنزل الله على موسى ، وكان لم يدخر عني شيئاً مما كان يعلم ، فلما حضره الموت دعاني فقال لي : يا بني ، إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئاً مما كنت أعلمه ، إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما : نبي يبعث قد أظل زمانه فكرهت أن أخبرك بذلك.
    فلا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه ، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى وطينت عليهما ، فلا تعرضن لهما ولا تنظرن فيهما حينك هذا.
    فإن الله إن يرد بك خيراً ويخرج ذلك النبي تتبعه ، ثم أنه مات فدفناه فلم يكن شيء أحب إليّ من أن أنظر في الورقتين.
    ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين.
    فإذا فيهما : محمد رسول الله خاتم النبيين لا نبي بعده ، مولده بمكة ومهاجره بطيبة ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق.
    ويجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويصفح ، وأمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال ، تذلل ألسنتهم بالتكبير وينصر نبيهم على كل من ناوأه ، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم ، أناجيلهم في صدروهم وتراحمهم بينهم تراحم بني الأم ، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم .
    فمكث ما شاء الله ثم بلغني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج بمكة ، فأخرت حتى استثبت ، ثم بلغني أنه توفي وأن خليفته قد قام مقامه ، وجاءتنا جنوده.
    فقلت : لا أدخل في هذا الدين حتى أنظر سيرتهم وأعمالهم ، فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدمت علينا عمال عمر بن الخطاب .
    فلما رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء علمت أنهم هم الذين كنت أنتظر ، فوالله إني لذات ليلة فوق سطحي ، فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا]( )، الآية.
    فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي ، فما كان شيء أحب إليّ من الصباح فغدوت على المسلمين)( ).
    من علامات ولادة النبي (ص)
    من المعجزات الغيرية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه يوم حملت به أمه كانت غرة بيضاء بين عيني أبيه عبد الله ، وعندما وطئ آمنة ذهبت تلك الغرة.
    (عن ابن اسحاق قال حدثني والدي اسحاق بن يسار قال حدثت أنه كان لعبد الله بن عبد المطلب امرأة مع آمنة ابنة وهب بن عبد مناف فمر بامرأته تلك و قد أصابه أثر طين عمل به فدعاها إلى نفسه فأبطأت عليه لما رأت به أثر الطين.
    فدخل فغسل عنه أثر الطين ثم دخل عامدا إلى آمنة ثم دعته صاحبته التي كان أراد إلى نفسها فأبى للذي صنعت به أول مرة فدخل على آمنة فأصابها ثم خرج فدعاها إلى نفسه فقالت : لا حاجة لي بك مررت بي و بين عينيك غرة فرجوت أن أصيبها منك فلما دخلت على آمنة ذهبت بها منك)( ).
    وإسحاق بن يسار من سبي عين التمر البلدة في العراق قرب مدينة كربلاء إذ فتحها خالد بن الوليد عنوة سنة اثنتي عشرة وهو مولى قيس بن مخرمة بن المطلب الذي هو لدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ أي ولد معه في ذات العام وهو عام الفيل ، وهو صحابي.
    فنشأ إسحق بن يسار في مضارب قريش ، وسمع الأخبار من عين صافية ، توفى سنة 111 هجرية ، وابنه محمد بن إسحاق صاحب كتاب المغازي (الكتائب).
    إذ ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال (رن إبليس أربع رنات: أولهن يوم لعن، وحين أهبط إلى الأرض، وحين بعث محمد صلى الله عليه وآله على حين فترة من الرسل، وحين أنزلت أم الكتاب ، ونخر نخرتين: حين أكل آدم من الشجرة ، وحين اهبط من الجنة)( ).
    وحديث أربع رنات ورد عن مجاهد أيضاً( ).
    و(عن ابن إسحق قال: فكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحدث أنها أتيت حين حملت محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض فقولي:
    أعيذه بالواحد … من شر كل حاسد
    في كل بر عابد … وكل عبد رائد
    نزول غير زائد … فإنه عبد الحميد الماجد
    حتى أراه قد أتى المشاهد
    فإنه آية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وقع فسميه محمداً، فإن اسمه في التوراة أحمد، يحمده أهل السماء وأهل الأرض، واسمه في الفرقان محمد فسميه بذلك.
    وقيل (دعته امرأة إلى نفسها للنور الذي بين عينيه، فأبى وقال:
    أما الحرام فالحمام دونه … والحل لا حل فاستبينه
    فكيف بالأمر الذي تبغينه … يحمي الكريم عرضه ودينه) ( ).
    لقد كان يوم ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباركاً وأضاءت له الدنيا ، وهل علمت الملائكة بهذا اليوم وابتداء اشراقة إيمانية عامة على الأرض ، الجواب نعم.
    ولما وضعته آمنة بنت وهب بعثت إلى عبد المطلب جاريتها – وقد مات أبوه عبد الله وهي حبلى.
    ويقال أن عبد الله مات والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن ثمانية وعشرين شهراً، فالله أعلم أي ذلك كان.
    وقيل كان له سبعة أشهر( )، فقالت: قد ولد لك الليلة ولد فانظر إليه، فلما جاءها، أخبرته خبره، وحدثته بما رأت حين حملت به، وما قيل لها فيه، وما أمرت أن تسميه، فأخذه عبد المطلب فأدخله على هبل في جوف الكعبة.
    فقام عبد المطلب يدعو الله، ويشكر الله أعطاه إياه ، فقال :
    السعد لله الذي أعطاني … هذا الإلام الطيب الأردان
    قد ساد في المهد على الغلمان … أعيذه بالله ذي الأركان
    حتى يكون بلغة الفتيان … حتى أراه بالغ البنان
    أعيذه من كل ذي شنئان … من حاسد مضطرب العنان
    ذي همة ليس له عينان … حتى أراه رافع اللسان
    أنت الذي سميت في الفرقان … في كتب ثابتة المثاني)( ).
    وعن عبد الله بن عباس قال (كان عبد المطلب بن هاشم نذر إن توافى له عشرة رهط، أن ينحر أحدهم، فلما توافى له عشرة، أقرع بينهم. أيهم ينحر.
    فطارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب، وكان أحب الناس إلى عبد المطلب، فقال عبد المطلب: اللهم هو أو مائة من الإبل، ثم أقرع بينه وبين الإبل، فطارت القرعة على المائة من الإبل)( ).
    توفى عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة عند أخواله بني عدي بن النجار ، لأن أم عبد المطلب منهم واسمها سلمى بنت عمرو بن زيد ، أرسله عبد المطلب للتجارة إلى الشام فعاد من غزة فتوفي بالمدينة ، وعمره خمس وعشرون سنة ، ودفن في دار النابغة.
    (وورث النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه أم أيمن وخمسة أجمال وقطيع غنم، وسيفاً مأثوراً وورقاً، وكانت أم أيمن تحضنه)( ).
    وروى ابن كثير أن عبد المطلب من أخوال عبد الله وهم بنو مخزوم ومعهم أشراف قريش منعوا عبد المطلب من ذبحه وأيدهم أبناء عبد المطلب واقترحوا عليه أن يذهب إلى عرافة في الحجاز لها تابع وقالوا له (فسلها ، ثم أنت على رأس أمرك إن أمرتك بذبحه ذبحته ، وإن أمرتك بأمر لك فيه فرج قبلته ، قال : فانطلقوا حتى قدموا المدينة ، فوجدوا المرأة فيها يقال لها تخيبر ، فسألوها ، وقص عليها عبد المطلب خبره.
    فقالت : ارجعوا اليوم عني حتى يأتيني تابعي فأسأله ، فرجعوا عنها حتى كان الغد ، ثم غدوا عليها ، فقالت : نعم قد جاءني الخبر كم الدية فيكم.
    قالوا : عشر من الإبل ، قال : وكانت كذلك ، قالت : فارجعوا إلى بلادكم ، وقربوا عشرا من الإبل ، ثم اضربوا عليها بالقداح وعلى صاحبكم ، فإن خرجت على الإبل فانحروها ، وإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل عشرا ، ثم اضربوا عليها بالقداح ، وعلى صاحبكم حتى يرضى ربكم ، فإذا خرجت على الإبل فانحروها فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم.
    قال : فرجعوا إلى مكة ، فأقرع عبد المطلب على عبد الله وعلى عشر من الإبل ، فخرجت القرعة على عبد الله ، فقالت قريش لعبد المطلب : يا عبد المطلب زد ربك حتى يرضى ، فلم يزل يزيد عشرا عشرا ، وتخرج القرعة على عبد الله ، وتقول قريش : زد ربك حتى يرضى ، ففعل حتى بلغ مائة من الإبل)( ).
    وهذا النذر باطل من الأصل ، وهو من بركات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
    وهذا الفعل والقرعة على فرض صحتها تدل على حياة الجاهلية عند أهل مكة ومن حولها وآثار الوثنية في القوم ، وان ذكر أن عبد المطلب وأولاده كانوا على الحنيفية .
    وجاء الإسلام ليجعل قواعد للنذر بأنه خالص لله عز وجل ، ووجود الراجح وخال من الأذى والضرر.
    حكيم بن حزام
    (عن أبي حبيبة مولى الزبير، قال: سمعت حكيم بن حزام، يقول: ولدت قبل قدوم أصحاب الفيل بثلاث عشرة سنة وأنا أعقل حين أراد عبد المطلب أن يذبح ولده عبد الله حتى وقع نفره، وذلك قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين)( ).
    وحكيم بن حزام بن خويلد القرشي الأسدي ، عاش نحو مائة وعشرين سنة ، ومات سنة أربع وخمسين للهجرة.
    شهد مع أبيه حرب الفجار قبل الإسلام ، وقتل أبوه حزام في الفجار الأخير ، وخديجة زوج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عمته ، والزبير بن العوام ابن عمه ، وورد ذكره في هذا التفسير في مواطن منها أسباب فك حصار كفار قريش على بني هاشم.
    أسلم حكيم يوم فتح مكة وهو من [َالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ]( )، وحسن إسلامه ، وخرج في حنين والطائف.
    وقد خرج مع جيش المشركين في معركة بدر وأحد ولم يخرج بعدها مع كفار قريش ، وكان يبكي عندما يتذكر خروجه هذا وتأخر إسلامه( ).
    لبيان معجزة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي غبطة وسعادة الذين بادروا لدخول الإسلام في سنيه الأولى ، وحزن وكآبة الذين تأخروا في إسلامهم ، وشمل الحزن المسلمين من أبناء الذين ماتوا وهم كفار كما في قصة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة.
    وفي يوم معركة بدر أمر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بسحب قتلى المشركين من قريش إلى القليب ، ومنهم عتبة بن ربيعة الذي (سُحِبَ إلَى الْقَلِيبِ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَإِذَا هُوَ كَئِيبٌ قَدْ تَغَيّرَ لَوْنُهُ فَقَالَ يَا أَبَا حُذَيْفَةَ لَعَلّك قَدْ دَخَلَك مِنْ شَأْنِ أَبِيك شَيْءٌ.
    أَوْ كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ فَقَالَ لَا ، وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا شَكَكْتُ فِي أَبِي وَلَا فِي مَصْرَعِهِ كُنْتُ أَعْرِفُ مَنْ أَبِي رَأْيًا وَحِلْمًا وَفَضْلًا ، فَكُنْت أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ ذَلِكَ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمّا رَأَيْتُ مَا أَصَابَهُ وَذَكَرْتُ مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ بَعْدَ الّذِي كُنْتُ أَرْجُو لَهُ أَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ بِخَيْرٍ وَقَالَ لَهُ خَيْرًا) ( ).
    وحكيم هذا من أشراف وعقلاء قريش ، وكان الرسول أحب الناس إلى حكيم بن حزام ولكنه اصطف مع قريش في محاربته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما أعلن رسالته ، وبعد الهجرة شهد حكيم الموسم كافراً فوجد حلة لذي يزن الحميري من ملوك اليمن.

وفادة عبد المطلب على ملك اليمن
وأشهر وآخر ملوك ذي يزن ، سيف بن ذي يزن الذي حرر اليمن من الأحباش ، إذ ذهب إلى ملك بيزنطة ثم ذهب وبإشارة من النعمان بن المنذر إلى كسرى الذي أعطاه سرة من الدنانير ولكنه لم يأخذها.
ولم يكن كسرى يطمع في اليمن ، ولكنه أرسل معه المساجين ، فان خسروا المعركة قتلوا وفيه خير لأمن فارس وإن ربحوا المعركة تضاف ولاية إلى ملكه.
وكان عدد المساجين ثمانمائة برئاسة الفارس الشجاع (وهرز) وغرقت سفينتان من السفن الثمانية وعندما وصلوا إلى اليمن أحرق سيف بن ذي يزن السفن كلها دون الأسلحة.
وقتل وهرز قائد الأحباش (مسروق بن أبرهة ) فانهزموا.
ولما رجع ملك وحكم اليمن إلى حمير ، وهلك أو تفرق أفراد جيش الحبشة في اليمن ، وزال خطر هجومهم من جديد على مكة بعد واقعة الفيل وهلاكهم فيها ، إذ قال تعالى [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ]( ).
دخل السرور والبهجة إلى قلوب العرب في الجزيرة والشام والعراق ، وتوجهت الوفود لتهنئة سيف بن ذي يزن الذي جلس على كرسي الملك وصار يتعامل مع الناس بصفة الرياسة والملك فخرج (ووفد ثقيف ، وعجز هوازن ، وهم نصر وجشم وسعد بن بكر ، ومعهم وفد عدوان وفهم ابني عمرو بن قيس ، فيهم مسعود بن معتب ، ووفد غطفان ، ووفد تميم وأسد ، ووفد قبائل قضاعة والأزد ، فأجازهم وأكرمهم)( ).
ووفد عبد المطلب على سيف بن ذي يزن في وفد من أشراف قريش فاستقبلهم وأسكنهم في دار الضيافة والوفود ، وأقاموا شهراً لا يصلون إليه ، ولا يأذن لهم في الإنصراف ثم (أرسل إلى عبد المطلب ، فأدناه وأخلى مجلسه ، ثم قال : يا عبد المطلب ، إني مفوض إليك من سر علمي أمرا ، لو غيرك يكون لم أبح به له.
ولكني وجدتك معدنه ؛ فأطلعتك طلعه ، وليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه ، فإن الله بالغ فيه أمره.
إني أجد في الكتاب المكنون ، والعلم المخزون ، الذي اخترناه لأنفسنا ، واحتجبناه( ) دون غيرنا ، خبرا جسيما ، وخطرا عظيما ، فيه شرف للحياة ، وفضيلة للناس عامة ، ولرهطك كافة ، ولك خاصة.
قال : أيها الملك ، مثلك سر وبر ، فما هو ؟ فداك أهل الوبر والمدر ، زمرا بعد زمر .
قال : فإذا ولد بتهامة( ) ، غلام به علامة ، كانت له الإمامة ، ولكم به الزعامة ، إلى يوم القيامة.
فقال له عبد المطلب : أبيت اللعن ، لقد أتيت بخبر ما آب بمثله وافد قوم ، ولولا هيبة الملك وإعظامه وإجلاله ، لسألته من بشارته إياي ما أزداد به سرورا ، فإن رأى الملك أن يخبرني بإفصاح ، فقد أوضح لي بعض الإيضاح .
قال : هذا حينه الذي يولد فيه ، أو قد ولد ، اسمه محمد ، بين كتفيه شامة ، يموت أبوه وأمه ، ويكفله جده وعمه ، وقد وجدناه مرارا ، والله باعثه جهارا ، وجاعل له منا أنصارا ، يعز بهم أولياءه ، ويذل بهم أعداءه.
ويضرب بهم الناس عن عرض ، ويستبيح بهم كرائم الأرض.
يعبد الرحمن ، ويدحر الشيطان ، ويكسر الأوثان ، ويخمد النيران ، قوله فصل ، وحكمه عدل ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويبطله .
قال : فخر عبد المطلب ساجدا.
فقال له : ارفع رأسك ، ثلج صدرك ، وعلا كعبك ، فهل أحسست من أمره شيئا ؟ قال : نعم أيها الملك ، كان لي ابن ، وكنت به معجبا ، وعليه رفيقا ، فزوجته كريمة من كرائم قومه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة.
فجاءت بغلام سميته محمدا ، مات أبوه وأمه ، وكفلته أنا وعمه ، بين كتفيه شامة ، وفيه كل ما ذكرت من علامة.
قال له : والبيت ذي الحجب ، والعلامات على النصب ، إنك يا عبد المطلب لجده غير الكذب ، وإن الذي قلت لكما قلت) ( ).
تعدد جهات البشارة بالنبي (ص)
هناك مسائل :
الأولى : قانون عدم إنحصار البشارات بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالمتوارث عند أهل الكتاب.
الثانية : معجزة تهيئة مقدمات بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بانقطاع تهديد مكة ، إذ كانت واقعة الفيل وهلاك أبرهة وجيشه زاجراً للدول والقبائل من التعدي على مكة.
فلو ذهب أبو سفيان وبعض رؤساء قريش إلى ملك الروم وكسرى للتحريض على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فانهم يرجعون بخفي حنين ، والمختار أنهم ذهبوا إليهم لهذا الغرض وهو من مصاديق قوله تعالى [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]( ).
الثالثة : إذا كانت بالبشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وعند ملوك اليمن من العرب وأهل الجاهلية فمن باب الأولوية أنها موجودة عند ملوك أهل الكتاب ، مثل هرقل ملك الروم ، وكسرى ملك المجوس ، والنجاشي ملك الحبشة ، وهو على دين النصارى.
الرابعة : في الخبر دعوة لعبد المطلب وأبي طالب وأهل البيت للعناية بالنبي محمد والذي عنه.
الخامسة : هل لهذه البشارات موضوعية حياطة أبي طالب وآل عبد المطلب وأل المطلب للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولجوئهم إلى شعب أبي طالب ليلاقوا أشد الأذى من حصار قريش لهم.
السادسة : مبادرة الإمام علي عليه السلام وخديجة لدخول الإسلام في اليوم الثاني للبعثة النبوية ، ودخول رهط من شباب قريش الإسلام .
السابعة : لا يقدر على إحصاء منافع البشارات بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا الله عز وجل ، وتشمل هذه البشارات من جهة أفراد الزمان وجوهاً:
الأول : منافع البشارات بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل بعثته ، ومنه بشارة عيسى عليه السلام به فلابد في تفسير قوله تعالى [وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ]( )، من تخصيص فصل في منافع بشارة عيسى بالنبي محمد عقائدياً واجتماعياً.
وهل انقطعت هذه البشارة ومنافعها ببعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، الجواب لا ، ويمكن إنشاء قانون تجدد النفع العام من بشارة عيسى عليه السلام إلى يوم القيامة.
ويستقبل كل جيل أمس واليوم وغداً هذه البشارة لبيان عجزنا عن إحصاء منافع بشارة النبوة هذه.
الثاني : منافع البشارات بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أيام بعثته ، وقيامه بتبليغ الرسالة ، وهل دخل رهط من الناس الإسلام بسبب هذه البشارات ، الجواب نعم ، ولا يعلم عددهم إلا الله عز وجل ، قال تعالى [إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا]( ).
وهل للآية أعلاه موضوعية في دخولهم الإسلام ، الجواب نعم ، لبيان قانون انتشار الإسلام بآيات القرآن وليس بالسيف.
وعن (النبي صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة جاء النساء والصبيان فقلن: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع * وجب الشكر علينا ما دعا لله داع وكان سلمان الفارسي عبدا لبعض اليهود وقد كان خرج من بلاده من فارس يطلب الدين الحنيف الذي كان أهل الكتب يخبرونه به، فوقع إلى راهب من رهبان النصارى بالشأم، فسأله عن ذلك وصحبه، فقال: اطلبه بمكة فثم مخرجه واطلبه بيثرب فثم مهاجره، فقصد يثرب فأخذه بعض الاعراب فسبوه، واشتراه رجل من اليهود، فكان يعمل في نخله، وكان في ذلك اليوم على النخلة يصرمها ، فدخل على صاحبه رجل من اليهود فقال: يا با فلان أشعرت أن هؤلاء المسلمة قد قدم عليهم نبيهم ؟
فقال سلمان: جعلت فداك ما الذي تقول ؟
فقال له صاحبه : مالك وللسؤال عن هذا ؟
اقبل على عملك، قال: فنزل وأخذ طبقا فصير عليه من ذلك الرطب وحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما هذا ؟
قال: هذه صدقة تمورنا، بلغنا أنكم قوم غرباء قدمتم هذه البلاد فأحببت أن تأكلوا من صدقاتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: سموا وكلوا، فقال سلمان في نفسه وعقد بأصبعه: هذه واحدة يقولها بالفارسية، ثم أتاه بطبق آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما هذا ؟
فقال له سلمان: رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أهديتها إليك، فقال صلى الله عليه وآله: سموا و كلوا، وأكل عليه السلام، فعقد سلمان بيده اثنتين، وقال: هذه آيتان، يقولها بالفارسية ثم دار خلفه فألقى رسول الله صلى الله عليه وآله عن كتفه الازار، فنظر سلمان إلى خاتم النبوة و الشامة فأقبل يقبلها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: من أنت ؟
قال: أنا رجل من أهل فارس قد خرجت من بلادي منذ كذا وكذا، وحدثه بحديثه. وله حديث فيه طول. فأسلم وبشره رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أبشر واصبر فإن الله سيجعل لك فرجا) ( ) .
والمراد من الفرج هنا العنف لبيان قانون وهو وراء إسلام كثير من الصحابة البشارة برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو من معجزاته ، ويدل عليه قوله تعالى حكاية عن عيسى [وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ]( )،فلابد من موضوعية لهذه البشارة بين الناس .
معجزات يوم ولادة النبي (ص)
لقد تعددت المعجزات عند ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسبقت وصاحبت ولادته صلى الله عليه وآله وسلم معجزات وآيات وعلامات متعددة من الفيض الإلهي باطلالة مقدمه المبارك لتكون بياناً سماوياً عملياً وحجة على الناس ، ودعوة عامة لحفظه والعناية به ، وترغيب متقدم زماناً للناس للتصديق برسالته عند إعلانه نزول الوحي عليه.
لقد ولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الاثنين في شهر ربيع الأول من عام الفيل ، ويحتفل المسلمون في أرجاء الأرض بهذا اليوم الشريف فهل كانت هناك معجزات يوم مولده ، وهل تختص بمحل ولادته في مكة أم أنها أعم ، الجواب إنها أعم ، ومنها :
الأولى : امتلاء البيت الذي ولد فيه نوراً ساعة الولادة ، و(عن عثمان بن أبي العاص قال حدثتني امي انها شهدت ولادة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة ولدته قالت فما شيء أنظر إليه في البيت إلا نور وإني لأنظر الى النجوم تدنو حتى أني لأقول ليقعن علي فلما وضعت خرج منها نور أضاء له البيت والدار حتى جعلت لا أرى إلا نورا)( ).
وروي عن آمنة بنت وهب أنها قالت (رأيت لما وضعته نوراً بدا مني ساطعاً حتى أفزعني، ولم أر شيئاً مما يراه النساء)( )، أي من ثقل الحمل ، ومن الوحم .
وكان زواج عبد الله بن أبي عبد المطلب أبي النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من آمنة بنت وهب بعد حفر بئر زمزم بعشر سنين .
الثانية : لقد رنّ إبليس أربع رنات ، رنة حين لعن من عند الله ، ورنة حين غادر الجنة مطروداً وأهبط إلى الأرض ، ورنة حين بعث الله عز وجل النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ، ورنة حين انزلت سورة الفاتحة.
قانون بشارة الجن
لقد أظهرت الإكتشافات في عالم الفضاء آيات عجيبة من بديع صنع الله ، وهل يتم اكتشاف الجن وفق أجهزة الكشف الحديثة في قادم الأيام ، ام أنهم يخفون على هذه الأجهزة ، المختار هو الأول .
إذ ان الجن خلق من خلق الله عز وجل ، وتوجه لهم الخطاب التكليفي من الأمر والنهي ، والترغيب والترهيب وهم قبائل وجماعات ، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر ، وورد حكاية عنهم في التنزيل [وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا]( ).
والجن مما يسمى عالم الماورائيات ، وورد ذكرهم في الكتب السماوية ، وفي الأخبار والقصص بما لا يمكن انكاره ، وإن كانت كثيراً من هذه القصص من الموروث الشعبي والأساطير التي لا أصل لها ، وينسحب الجن من أماكن سكن الناس ، وأصل خلقهم من النار وليس للفرد من الجن معدة .
وقد بعث الله النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم للإنس والجن ولا يعلم عدد الجن وأعمارهم ومساكنهم ، وما يدفعه الله من ضررهم عن أهل الأرض إلا الله سبحانه ، وقد ورد في سورة الجن قوله تعالى [عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا]( ).
و(عن الجعد بن قيس المرادي قال خرجنا أربعة أنفس نريد الحج في الجاهلية فمررنا بواد من أودية اليمن فلما اقبل الليل استعذنا بعظيم الوادي وعقلنا رواحلنا فلما هدأ الليل ونام أصحابي إذا هاتف من بعض أرجاء الوادي يقول :
ألا أيها الركب المعرس بلغوا
إذا ما وقفتم بالحطيم وزمزما
محمد المبعوث منا تحية
تشيعه من حيث سار ويمما
وقولوا له إنا لدينك شيعة
بذلك أوصانا المسيح بن مريما)( ).
أي سمع الجعد هاتفاً من الجن من اتباع عيسى عليه السلام .
والمعرس : النازل في الليل ، وكان العرب إذا مروا بواد تسكنه مردة الجن استعاذوا بسيد الوادي ، أي يدخلون في جواز سيد الجن من سفهاء ومردة الجن ، وقد ذم القرآن هذا الفعل بقوله تعالى [وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا]( ).
وكان الجن أيضاً يخافون من الإنس.
والجعد بن قيس أحد بني غطيف ، وهو شاعر ، بلغ مائة سنة في زمن البعثة ، وأسلم لما رأى من الحجة والبرهان .
ولا يحصى عدد الجن وأعماله وأعمارهم ومحال سكناهم وصلتهم البعيدة من البشر ، ومس بعضهم إلا الله عز وجل.
ختان النبي (ص)
الختان استئصال جراحي للجلد الرقيق الأمامي الذي يغطي رأس العضو الذكري ، والذي يسمى الغلفة والقُلفة .
و(غلامٌ أغْرَلُ، أي أقْلَفُ. والغُرْلَةُ: القُلْفَةُ.) ( ).
ويستحب ختان الولد في اليوم السابع لولادته ، وعليه النص والإجماع ، وهو سابق للإسلام ، قال (مَكْحُولٌ : خَتَنَ إبْرَاهِيمُ ابْنَهُ إسْحَاقَ لِسَبْعَةِ أَيّامٍ وَخَتَنَ إسْمَاعِيل َ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً) ( ).
وذكرت قصة في رؤية هرقل لمسألة الختان عند ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
و(قال أبو أيوب: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أربع من سنن المرسلين: التعطر، والنكاح، والسواك، والحناء) ( ).
وقد أثبت الطب الحديث منافع كثيرة للختان منها :
الأول : سهولة غسل وتنظيف الذكر .
الثاني : الوقاية من التهاب الذكر .
الثالث : الوقاية من عدد من الأمراض التي تنتقل بالجماع .
الرابع : قلة خطر الإصابة بسرطان العضو الذكري ، وإن كان هذا النوع من السرطان نادر ، لبيان قانون عدم إحصاء الناس لمنافع الحكم التكليفي سواء كان الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو الحرمة ، قال تعالى [فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ *أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا* وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ] ( )وفي التحريم قال تعالى [إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
و(عن ابن عباس، عن أبيه العباس ابن عبد المطلب رضى الله عنه.
قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مختونا مسرورا.
قال: فأعجب جده عبد المطلب وحظي عنده، وقال: ليكونن لابني هذا شأن)( ).
ومسروراً أي مقطوع السرة ، فادرك عبد المطلب الشأن العظيم الذي ينتظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رآى من المعجزات عند ولادته التي هي تصديق وتأكيد للبشارات التي سبقتها ، لكي يعتني به ويتعاهده هو وأبناؤه وعامة قريش ويسلموا إذا بعث صلى الله عليه وآله وسلم .
و(عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي)( ).
و(عن إسحاق بن أبي طلحة مرسلا رحمه الله تعالى أن آمنة قالت: وضعته نظيفا، ما ولدته كما يولد السخل، ما به قذر، ووقع إلى الأرض وهو جالس على الأرض بيديه)( ).
ولم يولد كل الأنبياء مختونين ، فقد اختتن إبراهيم عليه السلام واختلف في عمره عند اختتانه .
وعن أبي هريرة روايتان يرفعهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إحداهما أنه اختتن وهو ابن ثلاثين سنة بالقدوم ، والقدوم قرية في الشام والأخرى (كان إبراهيم أول من اختتن وهو ابن عشرين ومائة سنة واختتن بالقدوم ، ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة)( ).
وعنه أيضاً من غير أن يرفعه (اختتن إبراهيم خليل الله وهو ابن عشرين ومائة سنة بالقدوم ، ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة)( ).
وعن الإمام (موسى بن جعفر عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: أول من قاتل في سبيل الله إبراهيم الخليل عليه السلام حيث أسرت الروم لوطا عليه السلام فنفر إبراهيم عليه السلام واستنقذه من أيديهم، وأول من اختتن إبراهيم عليه السلام اختتن بالقدوم على رأس ثمانين سنة)( ).
والمختار أنه اختتن وعمره ثمانون سنة .
وقد اتفق على عدد من الأنبياء ولدوا مختونين وهم (آدم ، وشيث ، ونوح ، لوط ، ويوسف ، وشعيب ، وموسى ، وسليمان وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم)( ).
(زاده كعب: إدريس، وسام، ويحيى والذي زاده ابن حبيب : هود، وصالح، وزكريا، وحنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين فاجتمع من كلامهما سبعة عشر نبيا أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد نظم الشيخ رحمه الله تعالى ورضي عنه أسماءهم في قلائد الفوائد فقال:
وسبعة مع عشر قد رووا خلقوا … وهم ختان فخذ لا زلت مأنوسا
محمد آدم ادريس شيث ونو … ح سام هود شعيب يوسف موسى‌
لوط سليمان يحيى صالح زكر … يا وحنظلة الرّسّىّ مع عيسى‌)( ).
ارتجاس إيوان كسرى
من بشارات ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إرتجاس إيوان كسرى في مدينة المدائن ، ورجفانه بصوت عظيم كأنه رعد (والارْتِجاس والارْتِجاج: الرَّجَفَان) ( ).
وقام ببناء المدائن (طيسفوف) سلوقس الأول نيكتار أحد قادة الأسكندر الذي مات سنة (323) ق . م ولم يسم خلفاً وترك امبراطورية كبيرة مترامية الأطراف من شمال الهند في الشرق ، وبلاد الأنضول والشام ، وبابل ، ومصر ، وبلاد فارس ، وتقاسم عدد من رؤساء الفرسان بعض البلدان بقسمة سميت (قسمة بابل ) مما يدل على الشأن الخاص لمدينة بابل .
ثم أحتلت العراق الإمبراطورية القرثية سنة 141 قبل الميلاد ، واتخذت المدائن عاصمة لها وسموها (طيسفون ) ، ثم جاء الغزو الساساني سنة 224 م ، واتخذوا من طيسفون عاصمة لهم ، ولبثوا فيها أكثر من أربعة قرون حتى تم الفتح الإسلامية ، وسميت المدائن لأنها تتكون من عدة مدن صغيرة .
روى مخزوم بن هانئ المخزومي (لما ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ارتجس إيوان كسرى أنوشروان، فسقطت منه أربع عشرة شرفة، وكانت له اثنتان وعشرون شرفة، وانشق صدعاً ظاهراً، وهذه آية، وبناؤه إلى الآن كذلك)( ).
وكان الشق مستطيلاً من أعلى الجدار إلى أسفله (وسعة فتحة الشق مدخل رجل، وعرض جداره فوق خمسة أذرع)( ).
ويقع إيوان كسرى في مدينة المدائن جنوبي بغداد ، وتبعد عنها نحو (30)كم وتسمى أيضاً سلمان باك لأن الصحابي سلمان الفارسي مدفون فيها.
وإيوان كسرى أكبر صالة في القصر وهي قاعة العرش ومسقف بالأجر والطابوق على نحو العقد والأطواق من غير دعامات أو تسليح ، لذا يسمى عند العامة (طاق كسرى ) ومرسوم على جدران الإيوان معركة إنطاكية التي دارت بين الفرس والروم سنة 612 .
وإنطاكية مدينة قريبة من الإسكندرية ، وورد ذكرها في تفسير بعض الآيات منها قال تعالى [فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ] ( )قال الكلبي أنها أنطاكيا ، وقوله تعالى [وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ] ( ) ورد عن ابن عباس أنها أنطاكية( ).
و(عن جابر بن سمرة مثل ذلك وزاد: وكنت أنا وأبي فيهم فأصبنا من ذلك ألف درهم) ( ).
وحينما رأى المسلمون القصر الأبيض من بعيد كبروا وقالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وأسرعوا ، وكان كسرى قد هرب وقومه وعياله ، وأخذوا ما خفّ حمله وتركوا في الخزائن الثياب والمتاع والمؤون التي أعدوها للحصار ، والغنم والبقر .
(فدخل المسلمون المدائن واستولوا على ذلك كله فكان أول من دخلها كتيبة الأهوال ثم تبعتها الخرساء كتيبة سعد فأخذوا في سككها لايلقون أحدا ولا يحسونه إلا ما كان في القصر الأبيض فأحاطوا بهم ودعوهم فاستجابوا لسعد على الجزاء والذمة ويرجع إليها أهل المدائن على مثل عهدهم) ( ).
أي لم يقتل المسلمون أحداً من أهل المدائن ورضوا منهم بالجزية وتعهدوا بحفظهم والذب عنهم فهم في ذمة المسلمين .
بشارة خمود نار فارس
كانت لفارس نار وخمدت ليلة ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقيل الأخبار الواردة بخصوص هذا الخبر وخبر إيوان كسرى وغور بحيرة ساوة هي أخبار ضعيفة السند ، أو عدم وجود سند ثابت لها .
وذكرها الطبري والبيهقي وهي حوادث شائعة ، أما عدم ذكرها في تأريخ تلك الأمم كدولة كسرى فليس بحجة أو ذريعة لنفيها أو عدم ثبوتها .
لقد كانت ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عنوان إزاحة عبادة الأوثان من الأرض .
لقد انطفأت نار فارس ليلة ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكانت لأكثر من ألف سنة لم تخمد إذ جعلوا عليها رجالاً يتناوبون في إحضار الحطب والزيت لتعاهد اشتعالها لتقديسهم لها .
وكانت هذه النار للزرادشتية في معبد في قرية كاريان في جنوب إيران ،وقيل يسمى (فرنبغ) .
وقال اليعقوبي ( وخمدت نار فارس ، ولم تكن خمدت قبل ذلك بالف عام ) ( ).
واليعقوبي أحمد بن إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح ، ولد في بغداد وكان كثير الأسفار ، وتنقل بين أرمينية وخراسان والهند والمغرب ، وتوفى في مصر سنة 284 هجرية ، وقيل سنة 292 هجرية .
الإبل تقود خيلاً
رأى عالم الفرس ليلة ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي القائم بشؤون شرائع دين المجوسية في المنام (كان إبلاً عراباً تقود خيلا صعاباً حتى قطعت دجلة وانتشرت في البلاد. فراع ذلك كسرى أنو شروان وأفزعه، فوجه إلى النعمان فقال: هل بقي من كهان العرب أحد؟
قال: نعم! سطيح، الغساني بدمشق من أرض الشام. قال: فجئني بشيخ من العرب له عقل ومعرفة أوجهه إليه. فأتاه بعبد المسيح بن بقيلة، فوجهه إليه. فخرج عليه عبد المسيح على جمل حتى قدم دمشق ، وقيل أن عبد المسيح ابن أخت سطيح( ) .
فسأل عنه فدل عليه وهو ينزل في باب الجابية، فوجده في آخر رمق. فنادى في أذنه بأعلى صوته:
أصم أم تسمع غطريف اليمن … يا فارج الكربة أعيت من ومن
وفاصل الخطبة في الأمر العنن … أتاك شيخ الحي من آل يزن
فقال: عبد المسيح، على جمل مشيح، نحو سطيح، حين أشفى على الضريح. بعثك ملك بني ساسان بهدم الأيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان.
رأى إبلا عرابا تقود خيلا صعاباً حتى قطعت دجلة وانتشرت في البلاد. يا ابن ذي يزن تكون هنه وهنات .
ويموت ملوك وملكات بعدد الشرافات.
إذا غاضت بحيرة ساوة .
وظهرت التلاوة بأرض تهامة وظهر صاحب الهراوة .
ست الشام لسطيح شاما. ثم فاضت نفسه.) ( ).
هذا بعد مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشهر أو أقل منه ، ولسطيح هذا أخبار عديدة ولم يثبت أكثرها ، ولا تخلو من مبالغة إلا أن العلم الإجمالي يفيد أن عنده علماً ، ويتناقل العرب سجعه وأخباره عن الوقائع وكهانته ليكون الصحيح منها بشارة ، ودعوة للناس للتصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وزاجراً لهم عن محاربته والأعراض والصدود عن دعوته .
(وعن ابن عباس: ” إن الله خلق سطيحاً لحماً على وضم، وكان يحمل على وضمه فيؤتى به حيث شاء. ولم يكن فيه عصب ولا عظم إلا الجمجمة والعنق والكفين، وكان يطوى من رجليه إلى ترقوته كما يطوى الثوب، ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه ولا يتكلم إلا بالسجع.
وكان في زمنه كاهن آخر يقال له شق.) ( ).
يقال له شق ، ولكنه مات قبل سطيح بسنوات عديدة .
وقيل أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (سئل عن سطيح فقال: نبي ضيعه قومه) ( ).ولا أصل لهذا القول ، كما ضعفه ابن كثير .
وتلقى عبد المسيح قول سطيح بالقبول والتصديق وقرب زوال ملك ساسان ، فخرج وهو يقول (شَمر ْفَإِنَّكَ مَاضِي الهَمً شِمير … لا يُفْزعَنَك َ تَفْرِيقٌ وتَغْيير
إنْ يُمْس مُلْكُ بني ساسان أفْرَطَهُم … فإِن ذَلِكَ أطْوَار دَهَارير
فَرُبَّما رُبَّمَا أضْحَوْا بِمَنْزِلةٍ … يَهاب صَولَتَهَا الأسْدُ الَمَهاصير
منهم أخُو الصَرْح بَهْرَام وإخْوتُه … والهُرْمُزَان وسَابُور وسَابورُ
والنَاسُ أولاد عَلاَّتٍ فَمَنْ عَلِمُوا … أنْ قد أقَل فَمَحْقُور وَمَهْجُور
وَهم بنو الامَ إِمَّا إِن رَأوْا نَشَباً … فَذَاكَ بالغَيْبِ مَحْفُوظٌ وَمَنْصُورُ
والخيرُ والشَرُّ مَقْرُونَانِ من قَرَن … والخيرُ مُتًبعٌ والشَّرُّ مَحْذُورُ)( ).
وعاد عبد المسيح إلى كسرى مسرعاً ، وأخبره بما قال سطيح وكيف أنه مات من ساعته وهو من المعمرين .
وكذا تلق كسرى قول سطيح بالتصديق والقبول ،ولكنه استبعد زمان زوال ملكهم .
فلما أخبره عبد المسيح بقول سطيح قال (إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً قد كانت أمور ، فملك منهم عشرة أربع سنين، وملك الباقون إلى أيام عثمان بن عفان)( ).
وقد ذكرت في رؤيا الإنذار محو الدعاء لمصداقها الخارجي ويتجلى في إيمان كسرة بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبقائه في دار حكمه ، ومثله من قبل إيمان فرعون برسالة موسى عليه السلام وبقائه في سلطانه ودولته ، خاصة وأن نبوة يوسف عليه السلام وتوليه الوزارة في مصر وإنقاذ الناس من المجاعة كما ورد في التنزيل [تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ]( ).
ثم توليه الوزارة بقوله [اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ]( )، ولا يحصي خزائن الأرض والإنتفاع منها إلا الله عز وجل.
وتحتمل كيفية إدارة يوسف عليه السلام الوزارة وخزن الحبوب والتموين وكيفية ومقدار البيع والثمن وجوهاً :
الأول : الإجتهاد الشخصي .
الثاني : الإستشارة والرأي .
الثالث : الوحي .
والمختار هو الأخير ، وأن يوسف عليه السلام أدار الوزارة بالوحي لمقام النبوة ، ولأن البلوى عامة للناس في مصر والشام وكان سلطان فرعون يشمل السودان والنوبة وغيرهما .
ولتكون نجاتهم مقدمة لرسالة موسى عليه السلام في مصر ثم بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودخول أهل مصر الإسلام وتقيدهم بأحكامه أمس واليوم وغداً.

قانون إحصاء الرؤيا خاص بالله وحده
الرؤيا هي ما يراه الشخص في منامه ، وقد تكون رؤيا صادقة ، أو أضغاث أحلام ، ولا يحصي الرؤيا إلا الله عز وجل ، كما أنها لا تأتي إلى العبد إلا باذن من عند الله بما فيها رؤيا الأضغاث وينسى العبد رؤياه ولكن الله عز وجل لا ينساها.
ومن الرؤيا ما هي رؤيا البشارة ، ورؤيا إنذار ، وقد يجتمع الأمران في رؤيا واحدة ، ولا تختص هذه الرؤيا بالمؤمنين ، فقد تأتي للكافر والفاجر رحمة من عند الله عز وجل [الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]( ).
وقد بيّن القرآن موضوعية الرؤيا في حياة الناس ، منها رؤيا يوسف عليه السلام [إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ] ( ) .
ورؤيا ملك مصر ، التي كانت رؤيا إنذار عام صارت سبباً لخروج يوسف عليه السلام من السجن وإنقاذ الناس من المجاعة ، وفي التنزيل [وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ] ( ).
قانون سعة رحمة الله
ليس من حد لرحمة الله عز وجل والتي تتغشى الخلائق كلها ، وينتفع الناس من الرحمة الإلهية الخاصة بهم ، وهل ينتفعون من رحمته بالخلائق الأخرى ، الجواب نعم .
فمن معاني الرحمن أن الله يرأف بالمؤمن والكافر في الحياة الدنيا ، أما الرحيم فهو اسم يتغشى المؤمنين في الدنيا وعالم البرزخ ويوم القيامة .
فاسم الرحمن (خاص بالدنيا وحاجـات الناس فيها وأرزاقهم وأحوالهم والذب عنهم وصرف البلاء عنهم قبل حــلول اجله بغض النظر عن هوية الإيمان أو التلبس بالكفر، لأن ملاك الرحمة كونهم خلق الله كما ترى انه ســبحانه يرسل السحــاب وينزل المطــر فيصيب به البر والفاجر ، وهل الرؤيا الصادقة ، ورؤيا البشارات والإنذارات من مصاديق قوله تعالى [نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ]( )، الجواب نعم.
مما يستلزم الشكر لله عز وجل على نعمة الرؤيا ، ليكون من مصاديق قوله تعالى [لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ]( )، في المقام وجوه :
الأول : حسن تأويل الرؤيا ، وعرضها على العارف بها .
الثاني : التوجه بالدعاء لتنجز رؤيا البشارة ، وصرف رؤيا الإنذار ، وهو من مصاديق قوله تعالى [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]( )، ولا يعلم ما يمحى وما يثبت من الرؤيا إلا الله عز وجل .
الثالث : إعانة العبد وهدايته للإنتفاع الأمثل من الرؤيا ولا يختص هذا الإنتفاع بصاحب الرؤيا أو الذي تعلق به موضوعها .
الرابع : العناية بالرؤيا الصادقة وعدم التفريط بها .
ومن الإعجاز في الرؤيا شمول موضوعها للأموات ، من جهتين:
الأولى : ما يرى بخصوص الميت وحالته .
الثانية : رؤية الميت ذاته للإيصاء أو البلاغ أو الإخبار عن سعادته في عالم القبر أو أنه يشكو حالته ، ويستغيث .
الخامس : غالباً ما ينسى لعبد رؤياه إما في ساعتها أو فيما بعد ، وقد لا يرتب عليها أثراً ، ولكن الله عز وجل لا ينسى رؤيا العبد ، ومع الشكر لله عز وجل والدعاء وأداء الصلاة فان الله عز وجل يمد العبد بأسباب الإنتفاع منها .
و(عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الرسالة والنبوّة قد انقطعتا ، فلا رسول بعدي ولا نبي ولكن المبشرات . قالوا : يا رسول الله وما المبشرات؟ قال : رؤيا المسلم هي جزء من أجزاء النبوّة)( ).
وفي قوله تعالى [لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا]( )، قال ابن عباس (هي الرؤيا الحسنة يراها المسلم لنفسه أو لبعض إخوانه)( ).
وقد تجد قوماً يتنعمون مع ضلالتهم بخيرات الأرض وكنوزها لرحمة من الله في الخلق جارية ، وحكمة سماوية وقانون الإستدراج وإقامة الحجة البالغة.
ولو نظرنا الى هذا القول على نحو الإطلاق والإنحلال على عدد العناوين الإضافية، فالرجل لو علم بعيوب امرأته لجفاها، ولو علم الرجل بعيوب جاره لإزدراه.
أذن لتعطلت المعايش وتنافر الناس فيما بينهم ويقل النسل يضعف الرحم لذا فان رحمة الله بالناس ضرورة وحاجة تتقوم بها الحياة الدنيا وأنها تستحق أن تكون دار إبتلاء وإمتحان ، قال تعالى [وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] ( ).
أما الرحيم فهو اسم لله عز وجل يختص بشؤون المؤمن وحاجاته وأسباب رزقه وجوانب أموره ومستلزمات عبادته في الحياة الدنيا وتقلبه في أحوال الدار الآخرة وتخفيف أهوال البرزخ والحساب عليه ولتتغشاه رحمة الله تعالى في مواقف يوم القيامة.
أي أن المؤمن ينتفــع مستفيداً من صفة الرحمن والرحيم في دار الدنيا، ومن الرحيم في الدار الآخرة، بينما لا ينتفع الكافر الا من صفة الرحمن وفي الحياة الدنيا فقط لتكون عليه في الآخرة حجة وحسرة دائمة.
وروي عن ابي سعيد الخدري عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم انه قال :الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة( ))( ).
إحصاء أسماء النبي محمد (ص)/ قراءة قرآنية
ولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة في شعب أبي طالب التي يفصل بينه وبين البيت الحرام جبل أبي قبيس عند طلوع الفجر من اليوم الثاني عشر أو السابع عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل.
وقيل يصادف هذا اليوم الثاني والعشرين من شهر نيسان من السنة (571)م.
وعن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف قال (ولدت أنا والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عام الفيل)( )، فهو لدّ للنبي ، وقيس بن مخرمة أمه أم ولد ، وهو من المؤلفة قلوبهم ، قال تعالى [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]( ).
ولا يحصى عدد المستحقين للزكاة ، ولا عدد المؤلفة قلوبهم إلا الله عز وجل.
وهل من دلالات لولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عام الفيل ، الجواب نعم ، فان الله عز وجل حفظ أهل مكة ببركة ولادته وبالبيت الحرام ، ولم يصلوا إلى النساء سبياً أو قتلاً أو تشريداً.
وكانت أمنة بنت وهب حاملاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأشهر الأخيرة من الحمل عندما هاجم أبرهة وجيوشه مكة المكرمة.
ليكون إحصاء تأريخ ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بياناً لمعجزة له ، ويكون من تقدير قوله تعالى [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ]( )، أي الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل لأمور :
الأول : قانون حصانة البيت.
الثاني : مقدمات ولادة النبي محمد.
الثالث : قانون حفظ النبي محمد للقيام بتبليغ الرسالة .
ومن النعم الإلهية على الأنبياء والناس قانون حفظهم أيام الحمل ومن حين الولادة ، قال تعالى [لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ]( ).
لقد استبشر عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولادته وشكر الله عز وجل على هذه النعمة وأدخله الكعبة.
ومن أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم محمد الذي ذكر في القرآن أربع مرات ، قال تعالى [وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ]( )، ولم يكن هذا الاسم معروفاً عند العرب ، وهو صيغة مبالغة من الحمد ، ومن معانيه محمود الخصال ، والمشكور.
واشتق المسلمون منه اسم : محمود ، وحامد ، وحمدان ، وحماد ، وحمد ، وحميد ، وحمود.
ولم تكن العرب تسمي بهذ الاسم ، ولكن لما قرب زمان بعثته وشاعت بشارة أهل الكتاب برسالته وأنه يبعث في مكة ، سمّى بعضهم أبناءهم بهذا الاسم ، وفيه معجزة في وقاية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الخطف أو الإغتيال في أيام ولادته وصباه.
والذين ثبتت تسميتهم محمداً أيام ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة :
الأول : محمد بن سفيان بن مجاشع جد الفرزدق الشاعر .
الثاني : محمد بن أحيحة بن الجلاح من الأوس وهو من الصحابة.
الثالث : محمد بن حمران بن ربيعة .
ومن أسرار تسميتهم أن آباءهم وفدوا على (بعض الملوك، وكان عنده علم بالكتاب الأول، فأخبرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم باسمه، وكان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملاً، فنذر كل واحد منهم إن ولد له ذكر أن يسميه محمداً، ففعلوا)( ).
ورد اسم النبي في القرآن (أحمد) إذ ورد مرة واحدة بقوله تعالى [وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ]( )، وهو مشتق من الحمد ومعناه الأكثر حمداً .
ليكون من معاني الجمع بين اسم (محمد) و(أحمد) التسليم بعبودية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لله ، وعدم الغلو فيه ووجوب الإقتداء به في التوجه بالحمد عز وجل وحده ، فصحيح أن الاسم غير المسمى.
ولكن اسم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم له دلالات عقائدية لذا لم يكن باختيار الأهل .
الاسم لفظ موضوع للدلالة على معين جوهراً أو عرضاً مثل إنسان ، شجر ، أسود ، للفصل والتمييز بين الأشياء ، وقد خص الله عز وجل الإنسان بتعلم الأسماء قبل أن يهبط آدم إلى الأرض ، قال تعالى [وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا]( ) .
ثم أمر الله عز وجل آدم أن يعلم ويخبر الملائكة بالأسماء والإشارة إلى المسميات التي تدل عليها.
ومن علامات الاسم : الجر ، التنوين ، وقبول التعريف ، فلا يكون المنادى فعلاً أو حرفاً ، ومنه [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ]( ).
وأشهر أسماء رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم هو محمد ، ولا يصح مناداتنا له بالاسم إكراماً لمقام النبوة لقوله تعالى [لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا]( ).
ولا يقترن الاسم بأحد أفراد الأزمنة الثلاثة ، وقد يسبق الاسم المسمى أو يقترن به أو يأتي من بعده كتسمية المولود في اليوم السابع.
وهل يختص إحصاء اسماء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بما ورد في القرآن ، الجواب لا ، إنما تكون لها المرتبة الأولى ، ويمكن استقراء وإقتباس أسماء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن والسنة النبوية.
الأول : الماحي الذي يمحو الله به الكفر .
الثاني : الحاشر الذي يحشر الناس على قدميه .
الثالث : العاقب فلا نبي من بعده .
الرابع : من أسماء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (عبد الله) ، قال تعالى [وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا] ( ).
الخامس : البشير .
السادس : النذير ، قال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا]( )، ولا مانع من الباس الصفة صفة الاسم.
السابع : المتوكل ، قال تعالى [فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ]( ).
الثامن : نبي الرحمة .
التاسع : نبي التوبة .
العاشر : الفاتح ، وجاء الفتح بتحقق صلح الحديبية ن قال تعالى [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا]( ).
الحادي عشر : الأمين .
الثاني عشر : القاسم .
الثالث عشر : خاتم النبيين .
الرابع عشر : قد سمّى الله عز وجل النبي محمداً رؤفاً رحيماً ، قال تعالى [لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ]( ).
ومنها ما يأتي في حديث كعب الأحبار.
بين السورة والآية
و(الآية: العَلامةُ، والآية: من آيات الله، والجميع: الآي. وتقديرها: فَعَلَةٌ.
قال الخليل: إنّ الألف التي في وسط الآية من القرآن، والآيات العلامات هي في الأصل: ياء .
وكذلك ما جاء من بناتها على بنائها نحو: الغاية والرّاية وأشباه ذلك.. فلو تكلّفْت اشتقاقها من الآية على قياس علامة معلمة لقلت: آية مأياة قد أُيِّيتْ فاعلم إن شاء الله)( ).
والآية القرآنية طائفة من الحروف والكلمات بتوقيف من عند الله باستقلالها وحصرها في فاصلة ، وكذا بينها وبين الآية التي بعدها أو قبلها البسملة .
وترتيب الآيات بتوقيف من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفق ما نزل به جبرئيل .
فحينما ينزل جبرئيل بالآية أو الآيات يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ضعها بين الآية الفلانية والآية الفلانية ، فيدعو النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتاب الوحي لتدوينها مع ذكره للسورة ، فلا غرابة أن تكون بعض الآيات المدنية أو العكس ضمن السور المكية أو العكس .
(وروي أن قوله عز وجل : { واتقوا } نزلت قبل موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتسع ليال ، ثم لم ينزل بعدها شيء ، وروي بثلاث ليال .
وروي أنها نزلت قبل موته بثلاث ساعات ، وأنه قال عليه السلام اجعلوها بين آية الربا وآية الدين ، وحكى مكي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال جاءني جبريل فقال اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية ، من البقرة .) ( ) .
وآية [واتقوا] هي [وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ]( ).
إلى جانب حفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ظهر قلب لموضع وتلاوة الآية في الصلاة ، وحفظ المسلمين لها ، ليس هذا فحسب بل كان جبرئيل يعارض النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن ويتدارسه معه كل سنة مرة .
وفي السنة الأخيرة من عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدارسه معه مرتين ، وأطول آية في القرآن هي آية الدَين من سورة البقرة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
(وقال سعيد بن المسيب : بلغني أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين) ( ).
وأقصر آية من آيات القرآن هي آيات الحروف المقطعة من حرف واحد مثل تتألف من حرفين [حم] ( ).
وأقصر آية تتألف من كلمة واحدة هي [مُدْهَامَّتَانِ] ( ) أي تمام الخضرة.
وهناك آيات أقل منها في عدد الكلمات مثل [طه]( ) [حم]( ) [وَالْفَجْرِ]( ) [ثُمَّ نَظَرَ]( ) .
وعدد آيات القرآن (6236)آية .
والنسبة بين السورة والآية هي العموم والخصوص المطلق ، إذ تتألف السورة من عدة آيات .
والسورة لغة بمعنى الإرتفاع ، وكل سورة مرتبة ومنزلة رفيعة .
(وقال النابغة:
ألمْ ترَ أن الله أعْطاكَ سُورةً … تَرَى كلَّ مَلكٍ دونهَا يتذَبْذَبُ) ( ).
والسورة : الوثبة ، وتسورت الجدار أي علوته .
والسور الذي يحيط بالبلدة .
والسور الطعام ، وفي (حديث جابر بن عبدالله الأَنصاري أَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأَصحابه قوموا فقد صَنَعَ جابرٌ سُوراً قال أَبو العباس وإِنما يراد من هذا أَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكلم بالفارسية صَنَعَ سُوراً أَي طعاماً دعا الناس إِليه) ( ).
التباين في عدد كلمات وآيات السور القرآنية
عدد سور القرآن (114) سورة .
ومن السور ما هي طويلة ، وعدد آياتها مائتا آية أو أكثر وهي :
الأولى : سورة البقرة وعدد آياتها (286) آية ، وهي أطول سورة في القرآن والتي تأتي بعد سورة الفاتحة التي يفتتح بها القرآن .
الثانية : سورة الشعراء ، وعدد آياتها (227 ) وآخر آية منها هي [إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ] ( ) ومن الآيات أن خاتمة هذه الآية [وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ] قانون حاضر في أذهان وأحاديث المسلمين في كل زمان ، وهو ملجأ ووحي وعقائدي للمظلوم ذكراً كان أو أنثى .
أما ثانية سورة من جهة عدد الكلمات والصفحات في المصحف فهي سورة النساء وعدد آياتها هو (176).
ليكون من إعجاز القرآن التباين في الكثرة والقلة بين عدد الكلمات وعدد الآيات للسورة الواحدة ، فسورة النساء أكثر كلمات وحروف من سورة الشعراء ،ولكن سورة الشعراء أكثر آيات , وجاءت آيات متعددة أكثر بكلماتها وحروفها من بعض قصار السور كسورة الكوثر مع بقاء ذات الشأن والقدسية والمعاني لكل سورة من القرآن على نحو مستقل .
الثالثة : سورة آل عمران وعدد آياتها مائتا آية.

آيات الأخلاق
لقد اثنى الله عز وجل على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقوله [وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ]( )، لبيان موضوعية الخلق الحسن ، والتحلي بالصلاح .
وتضمن القرآن الأمر بمكارم الأخلاق سواء بصيغة الجملة الإنشائية أو الخبرية أو القصة والمثال .
ومنها قول الصدق والوفاء بالعهد ، والإنفاق في سبيل ، والكرم ، والصبر ، وسعة الصدر ، واجتناب الأخلاق المذمومة مثل الغيبة ، والنميمة ، والكذب والإسراف ، وإخلاف الموعد ، قال تعالى [وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ]( ).
ولا يحصي منافع آيات الأخلاق إلا الله عز وجل.
النسبة بين آيات القرآن وآيات الأخلاق هي العموم والخصوص المطلق ، إذ يتضمن القرآن مكارم الأخلاق ، ومن آيات الأخلاق قوله تعالى [وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ] ( )، وفيه مسائل :
الأولى : قانون السنة النبوية شاهد على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثانية : قانون النبي صلى الله عليه وآله وسلم صاحب الكمالات الإنسانية .
الثالثة : قانون وجوب الإقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الرابعة : قانون مجئ الإسلام بمحاسن العبادات ، والخلق ، والسيرة ، والسلوك ، والقول ، والفعل الصادر عن الإنسان .
إن خطاب الله عز وجل للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنه ذو خلق عظيم يحتمل بلحاظ الزمان وجوهاً :
الأول : من الصغر .
الثاني : إبتداء سن البلوغ .
الثالث : من حين نزول الوحي عليه ، إذ كان عمره أربعين سنة.
الرابع : أوان نزول هذه الآية وهي مكية ومن أوائل السور التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (عن عائشة قالت : كان أول ما نزل عليه بعد {اقرأ باسم ربك}( ) (ن والقلم)( ) و(يا أيها المدثر)( ) (والضحى)) ( ).
والمختار هو الأول أعلاه لأصالة الإطلاق في الآية ، وتقدير الآية: وأنك على خلق عظيم أمس واليوم وإلى حين مغادرة الدنيا .
ومن الدلائل عليه قوله تعالى [وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا] ( ).
وهل تبعث الآية على توثيق سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما فيها من الخصال الحميدة والسمت الحسن.
الجواب نعم , لتكون نبراساَ وضياءَ , وهو من مصاديق قوله تعالى [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ]( ).
الأمر (قل) في القرآن
تتصف الأوامر إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن بالكثرة ، وهي رحمة للناس , فمثلاَ ورد قوله تعالى قل مرة في القرآن خطاباَ إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتفضيله على الأنبياء أن كل لفظ (قل) منها متجدد إلى يوم القيامة كأمر يتلقاه المسلمون والمسلمات بالقبول والرضا والإمتثال.
ويختص الله عز وجل بالعلم في المقام من جهات :
الأولى : عدد الذين يتلون (قل) من وجوه :
الأول : في الصلاة .
الثاني : في المصحف .
الثالث : عن ظهر قلب .
الرابع : في حال وضوء وطهور .
الثانية : عدد الذين يستمعون إلى آيات (قل).
الثالثة : عدد الذين آمنوا بالله ورسوله بواسطة آيات (قل).
الرابعة : عدد الذين امتثلوا ويمتثلون لمضامين آية (قل) والتي تفيد الأمر والوجوب إلا أن يدل دليل عل الندب والإستحباب.
النسخ بين القرآن والسنة
قال تعالى [وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ]( ) ( ) لقد صدر بفضل الله عز وجل الجزء الرابع والتسعون من معالم الإيمان في تفسير القرآن في تفسير هذه الآية .
والحكم هو التشريع النازل من عند الله عز وجل ، ويأتي في التنزيل ، قال تعالى [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] ( ).
وقد يأتي عن طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى [وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا..] ( ) وهل تنسخ السنة القرآن ، المختار لا ، وتدل عليه الآية أعلاه وإن نسب نسخها للقرآن إلى المشهور ، فالقرآن ناسخ ومنسوخ ، ناسخ لما قبله من الشرائع ، وناسخ بعضه لبعض ، وناسخ للسنة في موارد ، لأن الأصل هو قانون السنة بيان وتفسير للقرآن .
وينقسم الحديث النبوي إلى قسمين :
الأول : الحديث المتواتر ،وهو الذي يرويه جماعة عن جماعة لا يتواطئون على الكذب وإلى أن يصل السند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
الثاني : خبر الآحاد .
فهل ينسخ القرآن بالسنة المتواترة فيه قولان :
الأول : جواز نسخ القرآن بالسنة ، وبه قال مالك والحنفية ، ونسب إلى أكثر المتكلمين ، لعدم وجود مانع عقلي أو شرعي ، ولكن المانع العقلي والشرعي موجود ، فكل من القرآن والسنة وحي من عند الله ، قال تعالى [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى]( )، والقرآن مقدم رتبة.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه .
الثاني : عدم نسخ السنة للقرآن ، وبه قال الشافعي ، وأحمد في أحدث رواية عنه ، وأكثر أهل الظاهر.
فالسنة المتواترة لا تنسخ القرآن ، واستدلوا بقوله تعالى [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] ( )وأن وظيفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي البيان والتبليغ ، ونسخ القرآن ليس بياناً .
ورد القائلون بجواز نسخ السنة للقرآن بوجوه منها :
الأول :خلو الآية أعلاه من أدوات الحصر .
الثاني : أنها لا تمنع من بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنسخ .
الثالث : حصر وظيفة الرسول بالبيان يمنع من إستقلال السنة بالتشريع .
الدليل الثاني : قوله تعالى [وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ*قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ]( ).
والآيات التي تدل على عدم نسخ الكتاب كثيرة ، ولكن العلماء يعتمدون النقل بعضهم من بعض بخصوص آيات محدودة في المقام .
ويمكن القول أن مئات من الآيات تدل على عدم نسخ القرآن بالسنة إلى جانب الأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والأئمة المعصومين ، قال تعالى [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] ( ) ومنه إذا كانت السنة تنسخ القرآن نجده بيناً واضحاً في القرآن وهو بعيد .
وقال تعالى [مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ..] ( ) والمراد من الكتاب هو القرآن ، أما على القول بأن المراد في الكتاب اللوح المحفوظ ، فلا تخرج الآية عن الإستدلال ، لأن القرآن مرآة له.
وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي يستقرأ منها عدم نسخ السنة للقرآن أكثر من أن تحصى منها مثلاً عن أبي هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله لو أغفل شيئاً لأغفل الذّرَّة والخردلة البعوضة)( ) ، ومنها أحاديث العرض.
والبحث في نسخ السنة للقرآن وعدمه من وجوه :
الأول : آيات القرآن ، فلا يصح الوقوف عند ثلاثة أو أربع آيات ، توارث العلماء الإحتجاج بها والرد بخصوصها .
الثاني : أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في نسخ السنة للقرآن أو عدمه .
الثالث : أحاديث أئمة أهل البيت .
الرابع : أحاديث الصحابة الذين عاصروا نزول القرآن ، وكانوا قريبين من النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين اعتنوا بتفسير آياته ومنهم الإمام علي عليه السلام وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وأبي بن كعب .
مثلا عن عبد الله بن مسعود قال : من أراد العلم فعليه بالقرآن ، فان فيه خير الأولين والآخرين ، وعنه : أنزل في القرآن كل علم ، وبين لهما فيه كل شئ ، لكن علمنا يقصر عما بيّن لنا في القرآن .
وقال الشافعي : جميع السنة شرح للقرآن ، وقال أيضاً : جميع ما حكم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو مما فهمه من القرآن ( ).
وقال السيوطي ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم (أني لا أحل إلا ما أحل الله ، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه ) ( ).
ولكن السنة النبوية أعم من فهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن ، لأن القول بأن النبي يقول ما فهمه من القرآن قد يفيد معنى إجتهاد النبي في معرفة الحكم الشرعي من القرآن ، إنما كان ينطق عن الوحي ، وليس عن فهمه للقرآن .
وعن ابن عباس قال (لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى)( ).
الخامس : ما هي الآيات المنسوخة بالسنة النبوية ، ولابد من الحصر بما بين الدفتين .
وقال الشافعي مرة في مكة : (سلوني عما شئتم أخبركم عنه في كتاب الله فقيل له ما تقول في المحرم يقتل الزنبور فقال بسم الله الرحمن الرحيم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)( ).
و(عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر الصادق عليه السلام: إذا حدثتكم بشئ فسألوني من كتاب الله، ثم قال في بعض حديثه: إن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال، فقيل له: يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله عز وجل.
قال : قوله : لا خير في كثير من نجويهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس.
وقال : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ” وقال (لاتسئلوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم) ( ).
وأبو الجارود زياد بن المنذر زيدي وإليه تنسب فرقة من الزيدية.
وفي معالم الدين للحسن بن شهيد عثمان (أصل يجوز نسخ كل من الكتاب والسنة المتواترة والآحاد بمثله ، ولاريب فيه .
ونسخ الكتاب بالسنة المتواترة وهي به ، ولا نعرف) (فيه من الاصحاب مخالفا ، والجمهور وافقونا فيه ، وأنكره) (شذوذ منهم ، وهو ضعيف جدا لايلتفت إليه ، ولاينسخ الكتاب والسنة
المتواترة بالآحاد عند أكثر العلماء ، لان خبر الواحد مظنون وهما معلومان ولايجوز ترك المعلوم للمظنون . وذهب شرذمة من العامة إلى جوازه)( ).
والمختار أن القرآن قطعي الصدور قطعي الدلالة ، وهو معصوم من نسخ غيره له ، وحتى النسخ الذاتي في القرآن فانه قليل وفي آية السيف وهي [فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( )، قول مشهور بأنها نسخت أكثر من مائة آية.
(فقال الحسين بن الفضل : نسخت هذه كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء وقال الضحاك و السدي و عطاء : هي منسوخة بقوله [فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً]( )، وأنه لا يقتل أسير صبرا إما أن يمن عليه وإما أن يفادى وقال مجاهد و قتادة بل هي ناسخة لقوله تعالى [فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً]( ) وأنه لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل)( ).
والمختار أن آية السيف خاصة بمكة وفي الأشهر الحرم لحرمة القتال في الأشهر الحرم ، ولأن مدة المهلة أوسع ، وهي عشرون من ذي الحجة ، والمحرم ، وصفر ، وربيع الأول ، وعشرة أيام من ربيع الآخر.
فهي محصورة ومقيدة مكاناً وزماناً .
من الآيات التي تدل على عدم نسخ القرآن بالسنة أول كلمة نزلت من القرآن (اقرأ) ولن تقل للنبي انسخ أو تصرف في التنزيل.
ومنها آيات الفرائض العبادية كالصلاة والصوم والزكاة والحج.
قانون تبديل النبي (ص) الأسماء للأحسن
هناك أسماء كرهها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنها ما هو بعيد عن الإيمان فقام النبي بتغييرها ليضيف هذا التغيير عليها البركة ، وفيه دعوة للمسلمين لإختيار الأسماء الحسنة لأبنائهم ، وهو من واجبات الأب أزاء الأبناء ، وقام النبي بتسمية الحسن والحسين والمحسن ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتفاءل بالاسم الحسن .
و(عن ابن عباس قال: كان اسم جويرية برة فسماها رسول الله جويرية.
قال فصلى الفجر ثم خرج من عندها حين صلى الفجر فجلس حتى ارتفع الضحى، ثم جاء وهي في مصلاها فقالت: ما زلت بعدك يا رسول الله دائبة.
فقال النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: لقد قلت بعدك كلمات لو وزن لرجحن بما قلت، قلت سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته)( ).
لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكره أن يقال خرج من برة ، ومن معاني برة أنها عظيمة البر ، وفيه تزكية للنفس ، وكان اسم بنت أم سلمة برة ، فبدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمها إلى زينب أي اتحد البدل السابق وتعدد الاسم الجديد المبدل به .
والبُرة بضم الباء الخزامة والحلقة .
ولم تكن جويرية وحدها التي غير النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أسمها ، فمن غيّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمه:
الأول : اسم أبي الحكم سماه أبا شريح .
الثاني : اسم أصرم سماه زرعة .
الثالث : اسم حزن جد سعيد بن المسيب سماه سهل ، ولكنه أبى وقال السهل يوطأ ويمتهن ، و(عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن جده حزنا قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما اسمك .
قال: حزن، قال: بل أنت سهل، قال: ما أنا بمغير اسما سمانيه أبي، السهل يوطأ ويمتهن قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة)( ).
الرابع : حرب وسماه سلماً .
الخامس : شِهاب سماه هشاماً ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي يبادر بالسؤال عن الاسم ، و(عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ما اسمك ؟ قال: شهاب قال : أنت هشام)( ).
السادس : المضطجع سماه المنبعث .
السابع : أرض عفرة سماها خضرة( ).
الثامن : شعب الضلالة سماه شعب الهدى .
التاسع : كان زيد بن مهلهل الطائي يعرف في الجاهلية باسم زيد الخيل ، فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم : زيد الخير .
العاشر : كان عند النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مولى مولد في الأعراب اسمه مهران ، وقيل أنه رباح ،فسماه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (سفينة) لأنهم كانوا في سفر ،ويحمل أثقال الصحابة.
إذ ورد عن سفينة أنه قال (سماني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سفينة وذلك أني خرجت معه ومعه أصحابه يمشون فثقل عليهم متاعهم فحملوه علي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : احمل فإنما أنت سفينة ، فلو حملت يؤمئذ وقر بعير ما ثقل علي) ( ).
الحادي عشر : عبد الله بن سلام بن الحارث الصحابي ، وهو من ولد يوسف بن يعقوب (كان حليفاً للأنصار. يقال كان حليفاً للقواقلة من بني عوف بن الخزرج، وكان اسمه في الجاهلية الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله) ( ).
الثاني عشر : عاقل بن بكير كان اسمه غافلاً فبدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمه ، وهو من الأوائل الذين اسلموا ، وبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دار الأرقم (شهد بدراً هو وإخوته: عامر وإياس وخالد: بنو البكير حلفاء بني عدي.
قتل عاقل ببدر شهيداً، قتله مالك بن زهير الخطمي، وهو ابن أربع وثلاثين سنة) ( ).
الثالث عشر : أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسعد باسم جده لأمه أبي أمامة اسعد بن زرارة ، وكناه بكنيته ، ودعا له ، وبارك عليه.
عاش أسعد هذا إلى سنة مائة ، حيث مات وعمره نيف وتسعون سنة .
الرابع عشر : كان اسم امرأة عمر بن الخطاب عاصية وهي من الأنصار فسماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميلة .
الخامس عشر : عن سهل بن سعد (قال كان رجل يسمى أسود فسماه النبي صلى الله عليه وسلم أبيض) ( ).
السادس عشر : (عن ابن لهيعة عن أبي قبيل من بني غفار حدثه أن أمه أتت به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليه تميمة قال: فقطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تميمتي وقال : ما اسم ابنك ، قالت: السائب فقال : بل اسمه عبد الله)( ).
السابع عشر : (عن عبد الله بن الحارث بن جزء أنهم حضروا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازة فقال له : ما اسمك قال : العاص وقال لابن عمرو بن العاص : ما اسمك.
قال : العاص وقال لابن عمر : ما اسمك قال : العاص.
فقال : أنتم عبيد الله ” فخرجنا وقد غيرت أسماؤنا)( ).
الثامن عشر : و(عن ابن عمر أن كثير بن الصلت كان اسمه قليلا فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم كثيرا) ( ).
التاسع عشر : عن عروة بن الزبير قال (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعبد الله بن أبي بن سلول وكان اسمه حباب فقال أنت عبد الله فإن حبابا اسم شيطان) ( ).
العشرون : كان اسم مطيع بن الاسود العاص بن الأسود (فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطيعاً، وقال لعمر بن الخطاب إن ابن عمك العاص ليس بعاص ولكنه مطيع روى عنه ابنه عبد الله بن مطيع.
وروى في تسمية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إياه مطيعاً خبر رواه أهل المدينة : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلس على المنبر وقال للناس : اجلسوا.
فدخل العاص بن الأسود فسمع قوله اجلسوا فجلس فلما نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء العاص فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا عاص مالي لم أرك في الصلاة .
فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله دخلت فسمعتك تقول : اجلسوا. فجلست حيث انتهى إلى السمع.
فقال : لست بالعاصي ولكنك مطيع ،فسمي مطيعاً من يومئذ)( ).
الواحد والعشرون : كان اسم عبد الله بن قرط شيطان ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله ، وصار عبد الله هذا أميراً على حمص مما يدل على الحاجة العامة إلى تبديل اسمه.
الثاني والعشرون : تبديل النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسم عزيز ، و(عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة أن أباه عبد الرحمن ذهب مع جده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما اسم ابنك ؟ قال: عزيز، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تسمه عزيزا، ولكن سمه عبد الرحمن)( ).
الثالث والعشرون : عن بشير بن الخصاصية أنه (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واسمه زحم ” فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشيرا) ( ).
الرابع والعشرون : كانت عند عمر بن الخطاب بنت اسمها عاصية فسماها رسول الله جميلة( )، وتقدم أن اسم إمرأة عمر عاصية وهي من الأنصار فبدلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسمّاها جميلة ، ويحتمل وجهين :
الأول : كان عند عمر بن الخطاب امرأة اسمها عاصية وبنت اسمها عاصية ، فبدلهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم خصة مع تعدد الزوجات .
الثاني : هي واحدة ولكن الخلط من الرواة .
والمختار هو الثاني وأن التي بدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمها هي زوجة عمر ، وهي من الأنصار.
الخامس والعشرون : و(عن سهل بن سعد قال : أتى بالمنذر بن أبي أسيد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين ولد فوضعه على فخذه فقال: ما اسمه ؟ قال: فلان، قال: لكن اسمه المنذر)( ).
السادس والعشرون : سمّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين ومحسن ، وقال (إني سميت بني هؤلاء بتسمية هرون بنيه شبر وشبير ومشبر)( ).
السابع والعشرون : جاء رهط إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألهم من أنتم.فقالوا : نحن بنو الشيطان ، قال بل أنتم بنو عبد الله .
عثمان بن الحويرث يبتغي ملك مكة
هو عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، ابن عم خديجة أم المؤمنين ، وورقة بن نوفل.
وكان عثمان هذا شاعراً ، ظريفاً من العقلاء ويسمى (البطريق) لاعتناقه النصرانية ، وقربه من قيصر ملك الشام.
وكان عثمان يطمع في ملك مكة ورئاسة قريش ، ورأى قوة وجيوش قيصر ، وحاجة قريش للتجارة في بلاده ، فرّغب قيصرا في ملك مكة وكيف أنها مأوى العرب جميعاً ، وقد وصفها الله في القرآن بأنها (أم القرى) قال تعالى [لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا]( ).
ومن الإعجاز في هذه الآية ذكر أم القرى وهي بلدة وعطف عليها الناس الذين حولها ، بلفظ (ومن) ولم تقل الآية (وما) وإفادة القرى والبلدات والأمصار كالعراق ومصر والشام وغيرها ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]( ).
ولابد له دلالات ، منها إكرام مكة لوجود البيت الحرام فيها ، ورهط من المؤمنين عند نزول الآية فجاء ذكرها وكأنها من العقلاء.
وللدلالة على تبليغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل أهل مكة ، ولا يحصي الذين صلتهم دعوة ورسالة النبي محمد إلا الله عز وجل .
فاستجاب قيصر لطلبه وحمله على بغلة سراجها من ذهب لبيان تعضيد قيصر له وترغيب أهل مكة بالتبعية لقيصر ، وفيها توسعة لملكه وجعلها من الحدود بينه وبين كسرى.
وكتب قيصر إلى أهل مكة بتمليكه وختم الكتاب بالذهب.
فلما وصل عثمان إلى مكة قال (يا قوم إن قيصر من قد علمتم أمانكم ببلاده وما تصيبون من التجارة في كنفه وقد ملكني عليكم.
وإنما أنا ابن عمكم وأحدكم وإنما آخذ منكم الجراب من القرظ والعكة من السمن والإهاب فأجمع ذلك ثم أبعث به إليه.
وأنا أخاف إن أبيتم ذلك أن يمتنع منكم الشام فلا تتجروا به ويقطع مرفقكم منه.
فلما قال لهم ذلك خافوا قيصر وأخذ بقلوبهم ما ذكر من متجرهم.
فأجمعوا على أن يعقدوا على رأسه التاج عشية وفارقوه على ذلك فلما طافوا عشية بعث الله عليه ابن عمه أبان معه الأسود بن المطلب بن أسد.
وصاح على ما كانت قريش في الطواف يال عباد الله ملك بتهامة فانحاشوا انحياش حمر الوحش ثم قالوا صدق واللات والعزى ما كان بتهامة ملك قط فانتفضت قريش عما كانت) ( ).
وعاد عثمان إلى قيصر ليخبره بجحود قريش بكتابه وملكه ، تحريضاً وسخطاً عليهم.
ولكن تجاراً من قريش سعوا عند عمرو بن جفنة الغساني ليفسد قيصراً على عثمان لأنه يكيد لهم ويحرض قيصراً عليهم.
فكتب عمرو بن جفنة إلى ترجمان قيصر ليحول كلام عثمان بما يجعل قيصراً يغضب عليه.
فلما دخل عليه وكلمه قال قيصر للترجمان ماذا يقول ، أجاب هذا مجنون يشتم الملك ، فأراد قيصر قتله ، ولكنه احتال بواسطة أحد حاشية قيصر عربي من بني أسد يخفي نسبه فادخله قيصر وأمسك عثمان اثناء الحديث بالترجمان.
فطلب قيصر ترجماناً آخر فافتضح أمر الترجمان الأول فعاقبه قيصر ، وكتب لعثمان كتاباً إلى عمر بن جفنة أن يحبس من أراد حبسه من تجار قريش .
وهذا الخبر بعيد ، لأن حال وعلامات التوسل الظاهرة على عثمان خلاف حال السب والشتم ، كما أنها ليست المرة الأولى التي دخل فيها عثمان هذا على قيصر .
ولا يجرأ الترجمان على هذا التحريف بالضد والنقيض ، ولأن الملوك يختارون الترجمان من أهل الولاء ، ويحرص الترجمان على عمله في البلاط .
ويستحب في القضاء تعدد الترجمان .
(فوجد بالشام أبا أحيحة سعيد بن العاص وابن أخته أبا ذئب فحبسهما فمات أبو ذئب في الحبس ، وسم عمرو بن جفنة عثمان بن الحويرث فمات بالشام) ( ).
فقال فيه (ورقة بن نوفل :
هل أتى ابنتي عثمان أن أباهما
حانت منيته بجنب الفرصد
ركب البريد مخاطراً عن نفسه
ميت المنية للبريد المقصد
فلأ بكين عثمان حق بكائه
ولأنشدن عمرا وإن لم ينشد)( ).
وقدم أبو أحيحة مكة ، وصار يحرض على بني أسد مطالباً بدم أبي ذئب .
وفيه دلالة على حاجة أهل مكة لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من جهات :
الأولى : بعث قيصر ملكاً على أهل مكة ، وفشله في الأمر.
الثانية : سعي أبرهة للإستيلاء على مكة وهدم البيت الحرام.
الثالثة : تطلع رجال كسرى في اليمن لبسط نفوذهم على المدينة.
وهو من مقدمات بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعدم وجود سلطة مركزية فيها.
الأذى الذي لاقاه عيسى (ع)
لقد لاقى لنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المكائد مثل تلك التي اتفق وجودها أيام بعثة الرسول عيسى عليه السلام ، إذ خاف نفر على شأنهم ومنزلتهم بين الناس ، فذهبوا إلى الحاكم الروماني في الشام ، وصاروا يحذرونه من عيسى عليه السلام ويقولون أنه يريد أن يكون ملكاً وينتزع الملك منك ، فأمر بالبحث عن عيسى عليه السلام لقتله وصلبه .
والقى الله شبهه على شخص آخر قيل هو تلميذه الخائن يهوذا الأسخريوطي ، قال تعالى [وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا]( ).
و(عن ابن عباس قال : لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلاً من الحواريين ، فخرج عليهم من غير البيت ورأسه يقطر ماء .
فقال : إن منكم من يكفر بي اثني عشر مرة بعد أن آمن بي ، ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي ، فقام شاب من أحدثهم سناً ، فقال له : اجلس .
ثم أعاد عليهم فقام الشاب ، فقال : اجلس .
ثم أعاد عليهم فقام الشاب ، فقال : أنا .
فقال : أنت ذاك ، فألقى عليه شبه عيسى ، ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء)( ).
وذكر أن عيسى جمع (الحواريين فباتوا عنده ليلتين يطعمهم ويبالغ في خدمتهم بما استعظموه قال وانما فعلته لتتأسوا به وقال يعظهم ليكفرن بى بعضكم قبل أن يصيح الديك ثلاثا ويبيعنى أحدكم بثمن بخس وتأكلوا ثمني ثم افترقوا وكانوا قد بعثوا العيون عليهم فأخذوا شمعون من الحواريين فتبرأ منهم وتركوه وجاء يهوذا الاسخريوطى وبايعهم على الدلالة عليه بثلاثين درهما وأراهم مكانه الذى كان يبيت فيه وأصبحوا به إلى فلاطش النبطي قائد قيصر)( ).
قانون عصمة مكة
(من بين علل تسمية البيت الحرام بالعتيق أن الله أعتقه وحرره من نير الجبابرة، كما حصل لأبرهة ملك الحبشة إذ أنه أقام بصنعاء اليمن كنيسة ضخمة ليحج إليها العرب، ولكنه عجز عن صرفهم عن الكعبة، فسار إليها بجيش عظيم لهدمها فلحقته الهزيمة والعار والخزي كما في سورة الفيل، وكان عبرة وموعظة)( ).
وفي تسمية (ووادي محسر- إسم فاعل من التحسير – أي الإيقاع في الحسرة، سمى به لأن أصحاب أبرهة الأشرم أصابتهم الحسرة في هذا الموضع لما أبتلوا به في محاولتهم الوصول إلى الكعبة وقد سعى في هذا الوادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقع بين مزدلفة ومنى وهو حد من حدود منى فهو أقرب إلى منى وتدعو عند تجاوزه أو عند الركوب بعد السعي فيه كما في الصحيح: اللهم سلّم لي عهدي، وأقبل توبتي وأجب دعوتي وأخلفني فيمن تركت بعدي)( ).
فمن معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم السابقة لبعثته فشل محاولات سيطرة قيصر أو كسرى ، وتبع غيره من الملوك والأمراء على مكة أو على المدينة .
وعن محمد بن إسحاق قال (سار تبع الأول إلى الكعبة فأراد هدمها وكان من الخمسة الذين لهم الدنيا بأسرها وكان له وزراء فاختار منهم واحدا وأخرجه معه وكان يسمى عميارسنا لينظر إلى أمر مملكته وخرج في مائة ألف وثلاثين ألفا من الفرسان ومائة ألف وثلاثة عشر ألفا من الرجالة
وكان يدخل كل بلدة وكانوا يعظمونه وكان يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائهم حتى جاء إلى مكة ومعه أربعة آلاف رجل من الحكماء والعلماء الذين اختارهم من بلدان مختلفة.
فلم يتحرك له أحد ولم يعظموه فدعا عليهم ودعا عميارسنا وقال كيف شأن أهل هذا البلد الذين لم يهابوني ولم يهابوا عسكري كيف شأنهم وأمرهم.
قال الوزير إنهم غريبون جاهلون لا يعرفون شيئا وإن لهم بيتا يقال له الكعبة وإنهم معجبون بها ويسجدون للطاغوت والأصنام من دون الله عز وجل.
قال الملك إنهم معجبون بهذا البيت قال نعم فنزل ببطحاء مكة معه عسكره وتفكر في نفسه دون الوزير ودون الناس وعزم أن يأمر بهدم هذا البيت وأن التي سميت كعبة تسمى خربة وأن يقتل رجالهم ويسبي نساءهم وذراريهم فأخذه الله عز و جل بالصداع وفتح في عينيه وأذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا فلم يكن يستقر أحد عنده طرفة عين من نتن الريح) ( ).
ثم أن أحد الحكماء قال له أصدقني أنويت( ) هدم هذا البيت قال : نعم.
فقال له أن صاحب هذا البيت قوي يعلم الأسرار فيجب أن تخرج من قبلك جميع ما نويت ،فاستجاب فعافاه الله وآمن بالعمل على دين إبراهيم من ساعته ثم توجه إلى مدينة يثرب ، وعندما أراد أن يغادرها قال أربعمائة من العلماء الذين معه لا تغادر ، وإن قتلنا لأنها ستكون هجرة إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (إمام الحق صاحب القضيب والناقة والتاج والهراوة وصاحب القرآن والقبلة وصاحب اللواء والمنبر يقول لا إله إلا الله مولده بمكة وهجرته إلى ها هنا فطوبى لمن أدركه وآمن به وكنا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا) ( ).
فاذن لهم وبني أربعمائة دار لكل واحد منهم دار ، وكتب تبع كتاباً إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أوصلوه إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأن أبا أيوب الأنصاري الذي بركت عند داره ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المأمورة هو من أولاد العالم الناصح لتبع في شأن الكعبة .
نعم ورد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا تسبوا تبعاً فإنه قد أسلم) ( ).
ومثله عن سهل بن سهل الساعدي يرفعه .
وقد ذم الله عز وجل قوم تبع ولم يذمه ، قال تعالى [وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ] ( ).
(وسار تبع حتى مر بغلسان بلد من بلاد الهند فمات بها ومن اليوم الذي مات فيه تبع إلى اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه و سلم ألف سنة لا زيادة ولا نقصان) ( ).
ولم يرفع ابن إسحاق هذه الأخبار والوقائع ، ولكن الذي يستقرأ من هذه الأخبار التعدد بأن ملوك الأزمنة المتعاقبة كانوا يسعون في إحتلال مكة والمدينة ، فينصرفون أو يبتليهم الله .
ولا يحصى عدد عساكرهم ونواياهم باحتلال مكة إلا الله عز وجل ، وكذا لايحصى الذين انصرفوا عن احتلالها وأسباب هذا الإنصراف إلا الله عز وجل ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا]( ).
في علم الغيب
لقد ورد لفظ (الغيب) وبلغة المفرد في القرآن تسعاً وأربعين مرة منها ما يتعلق بالأحوال التي ذكرت أعلاه من مصاديق الغيب ووجوهه، وشطر من علوم الغيب اختص الله نفسه بها ولم يطلع عليها أحد من الخلائق، قال تعالى [قُلْ لاَ يَعْلمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ] ( ).
والغيب على أقسام منها :
الأول : ما أطلع الله عز وجل النبي محمداً عليه .
الثاني : ما نزل به قرآن ، قال تعالى [ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ]( ).
الثالث : ما خصّ الله عز وجل به نفسه ، لا يعلمه غيره سبحانه ، قال تعالى [عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا]( ).
وأيها أكثر من هذه الأقسام الثلاثة ، الجواب هو الأخير فلا يعلم الأنبياء والملائكة والخلائق إلا جزءً يسيراً من علوم الغيب التي يعلمها الله عز وجل وحده ، وهو من معاني الربوبية المطلقة لله عز وجل ، قال تعالى [أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا]( ).
وقوله تعالى [وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ]( )، فالملائكة والأنبياء والجن والإنس مجتمعين لا يدركون علوم الغيب إلا الجزء اليسير.
إحصاء التفسير وكتبه
من معجزات القرآن الغيرية أن كل تفاسير العلماء التي اؤلفت في الأحقاب المتعاقبة من أيام التنزيل وإلى يومنا هذا فيها نفع وبركة وشذرات من العلم تعضدها النصوص عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام وأسباب النزول .
وهل هو من عمومات قوله تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]( ).
المختار نعم فان الله عز وجل حفظ التنزيل رسماً وكتابة ولفظاً ، ونظم آيات ، وكذا منع من ميل كتب التفسير عن جادة الحق والصواب ، ولو مال بعضهم لانصرفت عنه الأبصار والقلوب.
فمن معاني الحفظ في الآية أعلاه حفظ قواعد وقوانين التنزيل والتأويل في القلوب وحياطتها والمجتمعات بالبصائر وعلم التفسير من الزيغ ، ولا عبرة بالقليل النادر الشاذ ، قال تعالى [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ]( ).
نعم يختلف كل تفسير عن الآخر من جهة الموضوع والمنهج والمرتبة منها :
الأول : تفسير النبي (ص) للقرآن ، بالبيان والإستدلال والتفسير الذاتي والعملي ، ولم يفسر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم آيات القرآن كلها ، ويدل عليه كلامه صلى الله عليه وآله وسلم (وتفسير تفسره العرب).
لبيان حجية الظاهر.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : وتفسير تفسره العلماء لبيان أن علم التفسير متجدد ومتصل.
والقرآن يدعو العلماء لإستخراج اللآلي من خزائنه ، كما أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يدعو المسلمين للرجوع إلى العلماء في تفسير وتأويل آيات وسور القرآن ، وقيل أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فسر آيات القرآن كلها وأستدل بقوله تعالى [لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] ( ) وهذا الإستدلال ليس تاماً في المقام ، ومن البيان الذي تذكره الآية أعلاه البيان اللفظي ، وتفسير ألفاظ القرآن .
ولكن المراد من البيان أعم من التفسير ، وذات تلاوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لآيات القرآن بيان ، ولو كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فسر كل آية من آيات القرآن لتم توثيقه في السنة النبوية القولية والفعلية ، ولذكرت كتب الحديث هذا التفسير ولو نصفه وشطراً منه .
الثاني : التفسير بعلوم اللغة العربية والأدب من النحو والصرف ومعاني الكلمات .
الثالث : التفسير البلاغي بعلم المعاني والبيان والبديع.
الرابع : التفسير بالمأثور ، وهو بالرواية ، ومنه تفسير الطبري ، والدر المنثور للسيوطي ، وتفسير الصافي .
الخامس : التفسير بذكر أسباب النزول ومن الآيات ما نزلت ابتداءً ومنها ما يكون لها سبب كالسؤال ، والواقعة.
والعبرة على عموم اللفظ وليس سبب النزول ، ومن أقدم الكتب في هذا الباب كتاب أسباب النزول للواحدي ، وكان من أولاد التجار أصله من ساوة ، توفي في نيسابور سنة 468 هجرية ، ذكر نحو (470) واقعة بخصوص أسباب النزول قام بترتيبها حسب سور القرآن.
السادس : التفسير بالدراية والرواية ، ولحاظ رجال السند ووثاقتهم.
السابع : التفسير الفقهي ، وهو الوقوف كثيراً عند آيات الأحكام ، ومنه جامع الأحكام للقرطبي .
الثامن :التفسير الإشاري ، أي بعلم الإشارة والفيض والعرفان ، وتفسير القرآن بغير ظاهره لإشارة ونكتة خفية لأرباب السلوك والتصرف ، على خلاف في جوازه مع الإقرار بحجة ظواهر القرآن كما بيناه في علم الأصول .
التاسع : تفسير القرآن بالقرآن والذي اسميته (التفسير الذاتي) وكان هذا التفسير شائعاً ومتعارفاً في آيات متعددة عند الصحابة وأهل البيت والتابعين ، خاصة عند الإستدلال.
العاشر : التفسير بالرأي وشطر منه من النظر والإستنباط من الدليل ، وقد روي بسند ضعيف (عن أبي صالح، مولى أمّ هانئ، عن عبد الله بن عباس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
أنزل القرآن على أربعة أحرفٍ : حلالٌ وحرامٌ لاَ يُعذَر أحدٌ بالجهالة به، وتفسيرٌ تفسِّره العرب، وتفسيرٌ تفسِّره العلماء، ومتشابهٌ لاَ يعلمه إلا الله تعالى ذكره .
ومن ادَّعى علمه سوى الله تعالى ذكره فهو كاذب)( ).
و(قال ابن عباس : التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله)( ).
الحادي عشر : هل يمكن ان نسمي وجها من وجوه التفسير في قادم الأيام بالتفسير الإصطناعي إشارة إلى علوم التقنية الحديثة والذكاء الإصطناعي ، الجواب نعم ، ولكن لابد من عرضه على العلماء ، وضبطه من قبل ذوي الإختصاص.
معالم الإيمان
لقد تفضل الله عز وجل علينا بهذا التفسير جامعاً شاملاً للعلوم وفيه التحليل والموضوعية والإستنباط والمقارنة والتفصيل من غير اطناب وإنشاء آلاف القوانين ، كل قانون او اثنين أو ثلاثة منها تصلح أن تكون دراسة دكتوراه ، وهو وغيره من كتب وعلوم التفسير التي صدرت والتي سوف تصدر مع تسخير الذكاء الأصطناعي قطرة من بحار علم الله غير المتناهي بخصوص كلامه الذي تفضل بانزاله على صدر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد صدر لنا مائتان وستة وأربعون جزءً من (معالم الإيمان في تفسير القرآن) ولا زلت في سورة آل عمران والحمد لله.
ومنه التفسير الإعجازي : هذا المصطلح مستحدث هنا وهو خاص يجانب من هذا السِفر فالحمد لله الذي أنعم علينا بفيض من العلوم والإستنباط المستحدث في تأويل الآيات وبيان مئات وجوه الإعجاز في الآية الواحدة ودلائل التنزيل ، والشواهد على صدق نزول القرآن من عند الله كما تجد أقسام التفسير الأخرى أعلاه في هذا السفر بحلة جديدة ، وأبواب وفصول مستحدثة.
ومع وجود موارد لجواز تزكية النفس من الثناء فان الثناء على تفسيري للقرآن ليس من تزكية النفس ، إنما هو من بيان فضل الله عز وجل علينا ولطفه وإحسانه المتصل ، قال تعالى [عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ]( ).
واستدل الإمام الصادق عليه السلام على جواز تزكية الإنسان لنفسه إذا اضطر إليه لقول يوسف [اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ]( )، وقول العبد الصالح أَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ.
ولم يكن اضطرار يوسف عليه السلام للولاية لنفسه ، إنما كان لإنقاذ الناس من المجاعة العامة ، ولهدايتهم ببركته إلى الإسلام.
أسماء الصحابة المهاجرين إلى الحبشة
لقد اشتد أذى قريش للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في مكة ، فعرض على طائفة من أصحابه الهجرة إلى الحبشة لدفع شرور كفار قريش ، وإرجاء أذاهم ،وقال لهم (إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحداً عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه) ( ).
وهل من مصاديق قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا يظلم أحداً عنده) علمه بأن قريشاً سيرسلون خلفهم ، ويسألون النجاشي تسليمهم لهم ، وأنه يمتنع عن إعادتهم ، المختار نعم، ليكون من الخزي العاجل لكفار قريش .
وسلامة مهاجري الحبشة من الأمارات على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ولا يعلم منافع هجرة الحبشة إلا الله عز وجل ، وهي من وجوه:
الأول : منافع هجرة الحبشة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثاني : منافع هذه الهجرة للذين هاجروا إلى الحبشة .
الثالث : منافع هجرة الحبشة على الصحابة الذين بقوا في مكة ولم يهاجروا .
الرابع : منافع هجرة الحبشة على أجيال المسلمين والمسلمات إلى يوم القيامة .
الخامس : هجرة الحبشة مقدمة لمعجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه إلى المدينة .
السادس : من منافع هجرة الحبشة الود والألفة بين المسلمين الأوائل والنصارى ، قال تعالى [وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ] ( ).
أسماء الأوائل الذين هاجروا إلى الحبشة هم :
الأول : عثمان بن عفان.
الثاني : رقية بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الثالث : أبو حذيفة بن عتبة.
الرابع : سهلة بنت سهيل زوجة أبي حذيفة.
الخامس : الزبير بن العوام.
السادس : مصعب بن عمير.
السابع : عبد الرحمن بن عوف.
الثامن : أبو سلمة بن عبد الأسد ، والتي تزوجها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد تنصر زوجها ، لتفوز بمرتبة أم المؤمنين ، قال تعالى [النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ]( ).
التاسع : أم سلمة بنت أبي أمية زوجة أبي سلمة.
العاشر : عثمان بن مظعون.
الحادي عشر : عامر بن ربيعة العنزي.
الثاني عشر : ليلى بنت أبي حثمة وزوجها عامر.
الثالث عشر : أبو سبرة بن أبي رهم.
الرابع عشر : حاطب بن عمرو.
الخامس عشر : سهيل بن بيضاء.
السادس عشر : عبد الله بن مسعود.
اسماء الذين هاجروا لاحقاً :
الأول : جعفر بن أبي طالب.
الثاني : أسماء بنت عميس زوجة جعفر.
الثالث : عمرو بن سعيد بن العاص.
الرابع : فاطمة بنت صفوان زوجة عمرو.
الخامس : خالد بن سعيد.
السادس : أمينة بنت خلف زوجة خالد.
السابع : عبد الله وعبيد الله ابنا جحش.
الثامن : أم حبيبة بنت أبي سفيان زوجة عبيد الله.
التاسع : قيس بن عبد الله.
العاشر : بركة بنت يسار زوجة قيس.
الحادي عشر : معيقيب بن أبي فاطمة.
الثاني عشر : أبو موسى الأشعري.
الثالث عشر : عتبة بن غزوان.
الرابع عشر : يزيد بن زمعة.
الخامس عشر : عمرو بن أمية.
السادس عشر : طليب بن عمير.
السابع عشر : سويبط بن سعد.
الثامن عشر : جهم بن قيس.
التاسع عشر : أم حرملة بنت عبد الأسود زوجة جهم.
العشرون : عمرو وخزيمة ابنا جهم.
الحادي والعشرون : أبو الروم بن عمير.
الثاني والعشرون : فراس بن النضر.
الثالث والعشرون : عامر بن أبي وقاص.
الرابع والعشرون : المطلب بن أزهر.
الخامس والعشرون : رملة بنت أبي عوف زوجة المطلب.
السادس والعشرون : عبد الله وعتبة ابنا مسعود.
السابع والعشرون : المقداد بن الأسود.
الثامن والعشرون : الحارث بن خالد.
التاسع والعشرون : ريطة بنت الحارث زوجة الحارث.
الثلاثون : عمرو وشماس ابنا عثمان.
الحادي والثلاثون : هبار بن سفيان.
الثاني والثلاثون : عبد الله بن سفيان.
الثالث والثلاثون : هشام بن أبي حذيفة.
الرابع والثلاثون : سلمة بن هشام.
الخامس والثلاثون : عياش بن أبي ربيعة.
السادس والثلاثون : معتب بن عوف.
السابع والثلاثون : قدامة وعبد الله ابنا مظعون.
الثامن والثلاثون : السائب بن عثمان.
التاسع والثلاثون : حاطب بن الحارث.
الأربعون : فاطمة بنت المجلل زوجة حاطب.
الحادي والأربعون : محمد والحارث ابنا حاطب.
الثاني والأربعون : خطاب بن الحارث
الثالث والأربعون :. فكيهة بنت يسار زوجة خطاب.
الرابع والأربعون : سفيان بن معمر.
الخامس والأربعون : حسنة زوجة سفيان.
السادس والأربعون : جابر وجنادة ابني سفيان.
السابع والأربعون : شرحبيل بن حسنة.
الثامن والأربعون : عثمان بن ربيعة.
التاسع والأربعون : خنيس بن حذافة.
الخمسون : عبد الله بن الحارث.
الحادي والخمسون : هشام بن العاص.
الثاني والخمسون : قيس وعبد الله ابنا حذافة.
الثالث والخمسون : أبو قيس والحارث ومعمر والسائب وبشر وسعيد أبناء الحارث.
الرابع والخمسون : سعيد بن قيس.
الخامس والخمسون : عمير بن رئاب.
السادس والخمسون : معمر بن عبد الله.
السابع والخمسون : عروة بن عبد العزى.
الثامن والخمسون : عدي بن نضلة.
التاسع والخمسون : النعمان بن عدي.
الستون : عبد الله بن مخرمة.
الحادي والستون : عبد الله بن سهيل.
الثاني والستون : سليط والسكران ابنا عمرو.
الثالث والستون : سودة بنت زمعة زوجة السكران.
الرابع والستون : مالك بن زمعة.
الخامس والستون : عمرة بنت السعدي زوجة مالك.
السادس والستون : أبو حاطب بن عمرو.
السابع والستون : أبو عبيدة بن الجراح.
الثامن والستون : عمرو بن أبي سرح.
التاسع والستون : عياض بن زهير.
السبعون : عمرو بن الحارث
الحادي والسبعون : عثمان بن عبد غنم.
الثاني والسبعون :. سعيد والحارث ابنا عبد قيس.
قانون سدّ الذرائع
الذريعة هي الوسيلة والسبب والوصلة إلى الشئ وهي في الإصطلاح منع الفعل المباح والسالم من المفسدة إذا كان يؤدي إلى المفسدة وأمر محظور ، ومنه قوله تعالى [وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ] ( ) .
أي أن النسبة بين المعنى اللغوي والإصطلاحي للذريعة هو العموم والخصوص المطلق ، فالأخير هو الأخص.
فمع أن سبّ وذم الأوثان وآلهة المشركين الزائفة تعظيم لشعائر الله ، فقد نهى الله عز وجل عنه لصيروته ذريعة لسب الله عز وجل فالمصلحة العامة بترك سب الله عز وجل أولى من مصلحة سبّ آلهة المشركين .
وللمنع مما يترتب على السب المتبادل من قيام المشركين بالظلم والتعدي .
ولأن النفع العام بالإحتجاج وإقامة المؤمنين البرهان على التوحيد .
وهل هو من ترك المقدمة لترك ذيها المنهي عنه ، الجواب النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق ، فسد وفتح الذرائع أعم وأوسع ، ويتعرض لها الإمامية في الملازمات العقلية ومنها مقدمة الواجب واجب ومقدمة الحرام حرام.
ومع أن دور آل جحش في مكة ملك لهم جميعاً فان أم المؤمنين وابنة عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أميمة بنت عبد المطلب زينب بنت جحش لم تسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إعادة دارهم في مكة أو تغريم أبي سفيان المبالغ التي استلمها عندما باعها ، ولم يؤثر فعله هذا على صلتهم مع ابنته الفارعة زوجة أبي أحمد بن جحش أو أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان وكل منهما مهاجرة إلى الحبشة .
لقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قانوناً وبديلاً هو العوض في الآخرة ، وهو حق ، وصدق ، وفيه درء للفتنة ، وسدّ للذرائع .
واشتهر المالكية بالقول بسد الذرائع وجعلوه من أدلة الفقه ، وبه قال الحنابلة .
بينما أنكر الشافعية والحنفية كون سد الذرائع من أدلة الفقه ، والخلاف صغروي لإجماع المسلمين على ثوابت في باب سد الذرائع مثل حفر البئر في الطريق العامة لما فيها من أسباب الهلاك ، كما أن سد الذرائع لا يؤخذ به على نحو الإطلاق لا يحسب في المنافع العامة التي قد تصاحبها حالات فردية محرمة ، فلا يؤخذ بسد الذرائع في حلية زراعة العنب وإن احتمل أن بعضهم يتخذه في صناعة الخمر ، ولا يمنع من سير المركبات في الليل في الطرق الخارجية خشية إنخفاض الرؤية وإحتمال الحوادث ، أو عند الضباب.
وهناك أمثلة وحيل محرمة تؤدي إلى فتح الذرائع وإرتكاب المعصية منها حيلة اسقاط الزكاة ببيع ما في اليد من النصاب قبل تمام الحول ، ثم إعادته بعده.
ومنه ما وقع لإمرأة في مدينة مرو ، وتقع في هذا الزمان جنوب تركمانستان قريباً من الحدود الأفغانية ويعني اسمها بالعربية مرج النهر.
إذ أرادت هذه المرأة أن تختلع من زوجها فامتنع فقيل لها لو ارتددت عن الإسلام لبنتِ منه ، ففعلت ، فهذه الحيلة حرام ، وكذا اتخاذها ذريعة للخلع ، أو الأمر أو التهديد بها.
وتسمى هذه الواقعة قصة بنت أبي روح ، إذ أُمرت بالإرتداد ، و(قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ مُغْضَبٌ : أَحْدَثُوا فِي الْإِسْلَامِ ، وَمَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَذَا فَهُوَ كَافِرٌ ، وَمَنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَهُ أَوْ فِي بَيْتِهِ لِيَأْمُرَ بِهِ أَوْ هَوِيَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : مَا رَأَى الشَّيْطَانُ كَانَ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا ، حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ فَأَفَادَهَا مِنْهُمْ فَأَشَاعَهَا حِينَئِذٍ ، أَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُمْضِيهَا فِيهِمْ حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ)( ).
ويمكن الإفتاء بأن المرأة التي تظهر الإرتداد من أجل نسخ عقد الزوجية لاينفسخ هذا العقد لسد الذرائع.
وقد تقدم الكلام عن سد الذرائع في الجزء السابع عشر من هذا السِفر في تفسير قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ]( ) .
إذ كان المسلمون يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم المراعاة ، وسماع كلامهم ، فيقولون (راعنا) رجاء توضيح الأحكام على نحو التفصيل.
ويعني هذا اللفظ عند بعضهم اسمع غير مسمع أو يفيد معنى الرعونة فنهى الله عز وجل المسملين عن قول (راعنا) سداً لذريعة المشابهة ، وأن لا يخاطب غير المسلمين بها النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن سد الذرائع حرمة الطيب على المحرم لأنه من مقدمات الإفتتان أو أسباب وطئ الزوجة.
وعن الإمام عليه السلام (من كف غضبه ستر الله عورته) ( ).
ومن الإعجاز في خلافة الإنسان في الأرض مجئ سد الذرائع من عند الله عز وجل بأن يحول دون الفعل الذي يؤدي إلى الفساد ، وكذا مقدمات الضرر والإضرار ، وهو من مصاديق قوله تعالى [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] ( ) .

قانون خصائص قصص القرآن
من خصائص الكتاب السماوي أنه كتاب رشاد وهداية وصلاح، ولا يخلو الكتاب السماوي من ذكر الواقعة والقصة والمثال للإتعاظ والإعتبار.
ويتجلى هذا الذكر بأبهى حلة في آيات القرآن ، قال تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ]( )، التي تتضمن قانون الثناء على الأنبياء والصالحين ، وقانون الذم للطواغيت والكفار
ومن معاني (أحسن القصص) والتفضيل وجوه :
الأول : قانون قصص القرآن من الوحي .
الثاني : قانون الثواب في تلاوة آيات القصص القرآنية .
الثالث : قانون سلامة قصص القرآن من الزيادة والنقيصة .
الرابع : قانون قصص القرآن ضياء وحرز وواقية .
فقصص الأنبياء منهاج وصراط مستقيم ، قال تعالى [فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ]( ) .
وقصص الظالمين موعظة وإنذار ولا يعلم باعداد الذين أصلحتهم قصص القرآن إلا الله.
الخامس : قانون موضوعية قصص القرآن في الأعراف الإجتماعية والقبلية ، وفي الأنظمة والقوانين .
فصحيح أن البلاد الإسلامية قسمت إلى دول متعددة في هذه الأزمنة إلا أن اللجوء إلى القرآن والصدور عنه في كثير من القوانين سور الموجبة الكلية لها .
السادس : قانون البلاغة الإعجازية في قصص القرآن .
السابع : مجئ سورة كاملة بقصة نبي من أسرة أنبياء وهو يوسف عليه السلام لتختتم السورة بقوانين متعددة بخصوص قصص الأنبياء بقوله تعالى [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ]( ).
المراد من قصصهم
يحتمل الموضوع المراد من [قَصَصِهِمْ] في الآية أعلاه جهات :
الأولى : إرادة قصص الأنبياء في القرآن .
الثانية : المقصود قصص الأنبياء وغيرهم الواردة في القرآن ، وتلك التي تتضمن الثناء على الأنبياء والأولياء الصالحين ، والذم للظالمين ، لذا ورد وصف القصص بأنها [عِبْرَةٌ] للعقلاء .
الثالثة : إرادة القصص الواردة في الكتب السماوية ومنها التوراة والإنجيل والزبور والقرآن .
الرابعة : المقصود القصص والوقائع المذكورة في القرآن والسنة النبوية .
والمختار هو الثانية والرابعة أعلاه لتتمة ذات الآية الآخيرة ، فمن معاني قوله تعالى [مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى] ( )، هو القرآن وتصديقه للكتب السماوية السابقة ، والسنة النبوية تفسير ومرآة للقرآن .
وهذا الحصر لا يمنع من الأخذ من الإسرائيليات والكتب السابقة والأخبار ، مما لا يتعارض مع القرآن وقصصه ، ومن مصاديق قوله تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ] ( )، عرض قصص الأمم السابقة على القرآن ، وفيه مسائل :
الأولى : منع قصص القرآن من التحريف ، سواء في أخبار وقصص الأنبياء ، أو في الوقائع والأحداث .
الثانية : قانون إحصاء قصص القرآن ودلالاتها .
الثالثة : إحصاء أسماء الأنبياء في القرآن ، والسور التي ورد فيها اسم كل نبي .
الرابعة : استقراء الدروس واستنباط القوانين من قصص الأنبياء.
الخامسة : شكر المسلمين لله عز وجل لنيل مرتبة وراثة الأنبياء .
السادسة : قانون سعي علماء الإسلام للإقتداء بالأنبياء .
وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ).
وذكر أن هذا الحديث ضعيف لا يحتج به ، وقال السيوطي في الدرر لا أصل له لإرتقاء منزلة الأنبياء بالوحي والتعيين من عند الله ، ولكن الحديث جاء بصيغة التشبيه للتباين بين المشبه والمشبه به بدرجات .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن العلماء ورثة الأنبياء ، وعن أبي الدرداء قال وهو بدمشق (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من سلك طريقا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإنه ليستغفر للعالم مَنْ في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء .
وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب.
إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)( ).
وهناك مسائل :
الأولى : لا يحصى منافع قصص القرآن في أمور الدين والدنيا إلا الله عز وجل ، وكم من إنسان قادته هذه القصص للهداية والرشاد.
الثانية : لا يحصى منافع العلم إلا الله عز وجل ، والذي بدأ بقوله تعالى [وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا..] ( )، وتجلى في بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأول كلمة نزلت من القرآن وهي [اقْرَأْ]( ).
الثالثة : لا يحصى منافع العلماء إلا الله عز وجل .
الرابعة : من رشحات العلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يعلم عدده في كل يوم من أيام الحياة الدنيا إلا الله عز وجل .
الخامسة : قانون إحصاء ثواب العلم والتفقه في الدين خاص بالله عز وجل .
إحصاء النعم على الأنبياء
يمكن تقسيم النعم التي عند الأنبياء إلى :
الأولى : قانون النعم التي تأتي الأنبياء كأفراد من البشر ، وفي خطاب إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى..] ( ).
الثانية : قانون النعم الخاصة بكل نبي.
الثالثة : قانون النعم المشتركة التي فاز بها كل نبي ومنها :
الأولى : الوحي من عند الله عز وجل وهذه النعمة العظمى على الأنبياء خاصة ، وأهل الأرض عامة ، قال تعالى [إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا] ( ).
الثانية : الخلافة في الأرض .
الثالثة : الخلق الحميد .
الرابعة : الإمامة ، من وجوه كريمة متعددة منها :
الأول : الشكر لله ، وقد توجه الشكر لله في القرآن إلى الناس جميعاً وإلى أهل الكتاب وإلى المسلمين للإقتداء بالأنبياء ، قال تعالى [بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ]( ).
ليكون شكر المؤمنين لله عز وجل على النعم وسيلة لإستدامة الرزق الكريم والنعم على الناس قاطبة .
الثاني : قانون إمامة الأنبياء بالصبر الجميل .
الثالث : قانون إمامة الناس في التقوى والخشية من الله عز وجل، والعمل الصالح ، قال تعالى [يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ]( ).
وهل يختص الخطاب أعلاه بالرسل دون عموم الأنبياء على القول بأن النسبة بين الأنبياء والرسل عموم وخصوص مطلق ، وأن عدد الرسل هو ثلاثمائة وثلاثة عشر من مجموع مائة وأربعة وعشرين ألف نبي ، الجواب لا .
فالمختار شمول الآية أعلاه الأنبياء جميعاً .
أن تقسيم الأنبياء أعلاه تقسيم استقرائي لا يمنع من إتحاد الخطاب لهم في الجامع المشترك بينهم ، فمرة يأتي بصفة النبوة وأخرى بالرسالة ، إلا مع ورود الدليل لخطاب خاص بالرسل أو الرسل الخمسة أولي العزم .
الخامسة : قانون عصمة الأنبياء من الذنوب والمعاصي .
السادسة : قانون مصاحبة حال الخشوع والخضوع للأنبياء .
السابعة : قانون سماع الرسول لصوت الملك .
الثامنة : قانون علم النبي بأن ما يأتيه وحي من عند الله عز وجل.
فان قلت وإن كان الوحي الذي يأتيهم بالمنام ، الجواب نعم ، إذ يجعله الله يدرك أن هذا وحي ، وهو أعلى مرتبة من الرؤيا الصادقة.
التاسعة : قانون فضل الله على نبي ورسول بالذات والأتباع ، وهو من الإعجاز في قانون النبوة .
وهل رزق الله النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من النعم الخاصة أكثر من الأنبياء السابقين ، الجواب نعم ، وهو الذي يتجلى في أيام النبوة والتنزيل وفي أفراد الزمان الطولية إلى يوم القيامة.
وسيأتي في قانون إحصاء نعم الله عز وجل على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
قانون العجز عن إحصاء نعمة المحو
المحو لغة الإزالة والطمس ، قال تعالى [فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً]( )، ويطلق المحو على تبدل الحال والمعنى والأخبار ، وإزالة الأثر والذنوب ، ولا يقدر عليها إلى الله عز وجل ، قال تعالى في الثناء على نفسه والبشارة والأمل للمؤمنين [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]( ).
وجاء ذكر المحو والإثبات في الآية أعلاه بصيغة التنكير ، فلا يعلم ما يمحوه الله أو يثبته إلا هو سبحانه لكثرته ، إذ تعجز الخلائق عن إحصاء كل من :
الأول : ما يمحوه الله من الوقائع والأحداث .
الثاني : عفو الله عز وجل عن الناس ومحوه الآثار المترتبة من الذنوب لمطلق الناس البر والفاجر ، ومحو الله لذات الذنوب عن المؤمنين ، وورد عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن قوله [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ]( ) قال : ذلك كل ليلة القدر ، يرفع ويخفض ويرزق ، غير الحياة والموت والشقاوة والسعادة ، فإن ذلك لا يزول)( ).
فلابد أن يمر الإنسان مؤمناً أو كافراً ، غنياً أو فقيراً ، رجلاً أو امرأة ، إلا ويمر بحالات من الشقاوة وحالات من السعادة ، ولكنها تخضع لقانون (المحو) وقانون (التثبيت).
الثالث : ما يمحوه الله من مقدمات الحرام .
الرابع : ما يمحوه الله من ضروب البلاء والآفات الأرضية والسماوية.
الخامس : ما يمحوه الله من عوائق الرزق والمكاسب .
السادس : تفضل الله عز وجل بمحو أسباب الشقاق والخصومة والطلاق.
ويمكن القول بكل من :
الأول : قانون لا يمحو الله إلا ما هو قبيح .
الثاني : قانون محو الله العقبات التي تحول دون العمل الصالح .
الثالث : قانون محو الله عز وجل للضرر المترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الرابع : قانون تثبيت الله عز وجل لكل خير وصلاح ، وكتابة الأجر والثواب عليه .
فيمحو الله عز وجل مصاديق كثيرة من الشقاوة ، عن كل إنسان ، ويثبت كثيراً من مصاديق السعادة له ، وهو من مصاديق رحمة الله في الدنيا واسم الرحمن ، فالله سبحانه رحمن الدنيا على البر والفاجر .
وهذا المحو من مصاديق [وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ]( ).
وهل يمحو الله الثواب السابق بسبب ذنب ومحظور لاحق ، الجواب لا ، وهذا النفي هو مشهور المسلمين ، وإن استدل بعضهم بآيات الإحباط ونحوه كما في قوله تعالى [وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ]( )، وقوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى]( ).
نعم يحبط الحسنات نقيض الإيمان وهو الكفر والجحود فالموت على لا تقوم معه حسنة .
وهل يمحو الله سبحانه مصاديق الكفر عن الإنسان ، الجواب نعم ، ويدفعه عنها بلطف ورفق وإحسان أو بالشدة والمرض والإبتلاء لما فيه خير الآخرة.
وخلف إسلام الصحابة قصص إعجازية ليكون تقدير آية المحو على وجوه :
الأول : يمحو الله السيئات .
الثاني : يثبت الله الحسنات .
الثالث : يحول الله بين العبد وفعل السيئة ، وهل هو من المحو الذي ورد في قوله تعالى [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]( )، الجواب نعم ، قال تعالى [وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ]( ).
ولم يرد لفظ (يحول) في القرآن إلا في الآية أعلاه .
فمن باب الأولوية أن الله عز وجل يحول بين الإنسان وبين الذنب وهل تشمل الآية أعلاه نية السوء ، الجواب نعم ، ليكون من مصاديقها الفصل بين النية والفعل السئ ، ولا يستطيع الناس إحصاء كل من :
الأول : سبل وطرق الحيلولة بين الإنسان وقلبه ولسانه .
الثاني : الفصل بين النية وفعل السوء .
إذ يصرف الله عز وجل الإنسان عن هذه النية أو يشغله عنها أو يمحوها عن الوجود الذهني ولكن الله عز وجل لا ينساها .
ولو تكرر الذنب والإثم من العبد ، فهل يكون حضور الذنوب الماضية من ذات الجنس أو من غيره سبباً لعدم محو الجديد أو صرف العبد عنه ، الجواب لا .
وهو من التباين بين فضل الله والقواعد بين البشر ، فالملوك والأمراء والقوانين تعاقب الإنسان إذا لم ينتفع من العفو الأول ، ولكم العفو المتكرر من عند الله تعجز الخلائق عن إحصائه.
قانون انطباق مصداق الآية على قوانين متكثرة
من إعجاز القرآن أن آيات كثيرة منه تنطبق مصاديقها على القوانين المستحدثة التي أسستها في هذا التفسير ، وصدرت أجزاء متعددة بخصوص كل واحد منها :
الأول : قانون لم يغز النبي (ص) أحدا ، وصدرت بخصوصه (27) جزءً.
الثاني : قانون التضاد بين القرآن والإرهاب ، وصدرت بخصوصه (15) جزءً.
الثالث : قانون آيات السلم محكمة غير منسوخة ، وصدرت بخصوصه (7) أجزاء.
الرابع : قانون النزاع المسلح بين القرآن والإرهاب ، وصدرت بخصوصه (5) أجزاء .
الخامس : قانون آيات الدفاع سلام دائم ، وصدرت بخصوصه (5) أجزاء.
السادس : الصلة بين الآيات وصدرت بخصوصه الأجزاء :
(84-85-86-87-88-93-120-122-125-144-186).
فمثلاً قوله تعالى [وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ] ( )، فانه ينطبق على كل قانون من القوانين أعلاه ، فعلى القانون الأول أعلاه اكتفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالدفاع بأمر من عند الله ، قال تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] ( ).
والنسبة بين الخلق العظيم والتعدي هي التضاد.
وبالنسبة للقانون الثاني فان الخلق العظيم برزخ دون الإرهاب إلى يوم القيامة للأمر الإلهي للمسلمين بالإقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ]( ).
وبالنسبة للقانون أعلاه فان آية البحث تبين عدم إنحصار هذا التضاد بين القرآن على نحو العموم المجموعي لآياته وبين الإرهاب ، فكل آية من القرآن هي ضد للإرهاب ، ومحاربة له ، إذ يبعث قوله تعالى [وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ]( )، النفرة في نفوس المسلمين والمسلمات من الإرهاب والتعدي مطلقاً.
وأما بالنسبة للقانون الثالث أعلاه ، فان هذه الآية سلم محض وحضّ على إتخاذ الموعظة والإحتجاج.
ترى ما هي النسبة بين آية البحث وقوله تعالى [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ]( )، الجواب هو العموم والخصوص المطلق .
وهل يستطيع الناس إحصاء النفع الشخصي والعام من آية البحث بصرف الفتنة والإقتتال والفساد بالخلق الحميد الذي تتضمن الآية البعث عليه ، والأمر به ، الجواب لا .
فصحيح أنها وردت بصيغة الجملة الخبرية إلا أنها تفيد الأمر والإنشاء ، لوجوب الإقتداء بسنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
و(عن عائشة قالت : سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إنّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار)( ).
وأما عن القانون الرابع فان النزاع بين القرآن والإرهاب يومي ، وهو من اسرار وجوب تلاوة كل مسلم ومسلمة آيات وسور من القرآن في الصلاة اليومية ليكون القرآن متسلحاً بهذه القراءة في دفع وصدّ الإرهاب ، ومنع دبيبه إلى النفوس ، ويعجز الناس عن إحصاء ما إنصرف من البلاء والإرهاب والفتن عن الناس بتلاوة المسلمين للقرآن في الصلاة اليومية .
ومن وجوه هذه الصرف قاعدة الصرفة بأن يجعل الله عز وجل نفوس المؤمنين والناس جميعاً تنفر من الإرهاب ، وتنكر القيام به لذا فان أفراده والأفراد القائمين به قليل عددهم.
إن قوله تعالى [وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ]( )، مناجاة تنفذ إلى شغاف القلوب ، وتدعو إلى التسامح والعفو والمغفرة وتزيح عنها الحقد والعصبية والحمية والغل .
ويبين كل من التنزيل والنبوة حب الله عز وجل للناس وإرادة منعهم من الظلم والإرهاب ، وفوزهم بالثواب على هذا المنع والإمتناع.
وأما بالنسبة للصلة بين قوله تعالى [وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ]( )، وآيات القرآن فانها تفيد تثبيت سنن الرشاد والصلاح في الأرض ، ولا يعلم بمضامين ومنافع هذه الصلة إلا الله عز وجل ، إذ تتجلى فيها مصاديق لقانون علم الإحصاء القرآني غير متناه.

قانون منافع نبوة محمد (ص) غير متناهية
لقد ولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، أو في السابع عشر منه في مكة في شعب أبي طالب في الجهة الشرقية من المسعى ، وموضع مولده الآن مكتبة مكة المكرمة عام الفيل الموافق سنة 571م.
وعندما بلغ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أربعين سنة من عمره أتاه الوحي من عند الله عز وجل ، وصار يدعو إلى رسالته في مكة ثلاث عشرة سنة لاقى فيها أشد الأذى من قريش والكفار مطلقاً.
ونصره أكثر أهل البيت ورجال من قريش والمستضعفون.
ثم جاءت بيعة العقبة الأولى والثانية مع وفود من الأوس والخزرج قادمين إلى حج بيت الله الحرام.
لبيان الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بعثته من جهات تعجز الخلائق عن عدّ منافعها ، من ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة من أوسط بيوت قريش وفيها مسائل :
الأولى : التسالم على اكرام العرب لقريش لسدانتهم وتوليتهم للبيت الحرام ونشاطهم في التجارة ، وكثرة أموالهم ، وقيامهم باقراض العرب ، والإصلاح بينهم .
الثانية : مجئ وفود العرب في موسم الحج من كل سنة إلى مكة ، ويتقوم بحج بيت الله الحرام وهي صبغة دينية محضة تدل على التوحيد ، ونبذ الأصنام وعبادة الطواغيت ، ولا يضر بها نصب الناس الأصنام في البيت الحرام ، فهو أمر متزلزل.
الثالثة : سلامة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من السبي إذ كان العرب يتقاتلون فيما بينهم ، ويغزو بعضهم بعضاً ولكنهم يجتنبون غزو الحرم مطلقاً ، والنسبة بين الحرم ومكة عموم وخصوص مطلق ، فالحرم أعم ومكة داخله ، وذات النسبة بين مكة والبيت الحرام.
وبدأ تأريخ البيت الحرام ببناء الكعبة ، وكذا بدأ تأريخ وعمارة مكة ببناء البيت الحرام وإن لم يكن بمثل هذه التوسعة الكبيرة في هذا الزمان.
وهل تدخل هذه التوسعة في تسمية البيت الحرام عرفاً ، المختار نعم.
وذات النسبة بين البيت الحرام والكعبة.
وبلغ طول الكعبة :
الأول : من ركن الحجر الأسود ويسمى أيضاً الركن الشرقي إلى الركن العراقي وهو الجدار الذي فيه باب الكعبة 11,68م أي 1168سم.
الثاني : من الركن اليماني إلى الركن الشامي وهو الجدار الذي يقابل الجدار الذي فيه باب الكعبة 12,04م ، أي 1204سم.
وبلغ عرض الكعبة :
الأول : ركن الحجر الأسود إلى الركم اليماني 10,18م أي 10,18 سم.
الثاني : من الركن الشامي إلى الركن العراقي 9,90م أي (990) سم.
ويبلغ إرتفاع الكعبة في الوقت الحاضر (15) م، وتبلغ مساحة المطاف حول الكعبة (80870)م ليستوعب (40) ألف طائف في الساعة الواحدة ، أما إرتفاع مكة عن مستوى سطح البحر فهو 277م.
وكانت الأسواق والبيوت تحيط بها قبل توسعة البيت وإزالة حي شعب بني هاشم، وكانت دار الموعد لعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قسمها بين أولاده ، منهم عبد الله أبو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الرابعة : توارث العرب التقيد بحكم حرمة الأشهر الأربعة رجب ، وذي القعدة وذي الحجة ومحرم .
ليقوم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ رسالته ، وتلاوته آيات القرآن في هذه الأشهر الحرم على وفد الحاج وفي مكة ، ومع هذا لم يسلم من الأذى في هذا الشهر خاصة من عمه أبي لهب.
فنزل قوله تعالى [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ]( )، ليتلوه المسلمون والمسلمات على مدار أيام السنة ، وفي الأشهر الحل والأشهر الحرم.
ولا يستطيع الناس إحصاء المنافع من الأشهر الحرم ودعوة النبي للتوحيد والنبوة فيها ، فلا يحصيها إلا الله عز وجل فقد كانت وفود الحاج تترى سنوياً.
الخامسة : إقامة أسواق مكة في موسم الحج مثل سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز وبيع الحبوب والتمور والإقط والجلود والخيل والأسلحة كالسيوف والرماح والدروع ، والطيب كالمسك والعنبر ، والأصباغ ، فاتخذها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكاناً للدعوة إلى الله ، لتحل الدعوة وآيات القرآن بدل الشعر الذي كان يلقى فيها للتفاخر.
السادسة : وقوع بيعة العقبة الأولى في مشعر منى في مكة بين وفد الحاج من الأوس والخزرج وعددهم (12) شخصاً سنة (12) للهجرة الموافق 621 ميلادية .
ثم وقوع بيعة العقبة الثانية في ذات الموضع سنة (13) للهجرة ، وحضرها (73) رجلاً وامرأتان من الأوس والخزرج من أهل المدينة.
وموضع البيعة هذا معلم معروف ، وقد تم بناء مسجد فيه سنة 144 للهجرة وهو لا يزال قائماً بعد تجديده ، ويقع شمال شرقي جمرة العقبة على بعد 300م ، ويسمى مسجد البيعة.
وإذا تم تعيين الأوائل في البيعة فالمختار أن أصحاب البيعتين من الأوائل ويسمى هذا الشعب على جهات :
الأولى : شعب الأنصار .
الثانية : شعب البيعة .
الثالثة : شعبة العقبة .
إن النعم الإلهية لولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة وابتداء دعوته فيها لا يحصيها إلا الله عز وجل .
قانون تخلف المشركين عن الإتعاظ
من مصاديق الختم في قوله تعالى [خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ]( )، إصرار المشركين على الحرب بالسلاح على النبوة والتنزيل كما في هجوم قريش في معركة بدر في شهر رمضان من السنة الثانية وإلحاح أبي جهل وبعض رؤسائهم على القتال ، فكانت عاقبتهم أن سقطوا قتلى ، وسحبوا إلى القليب .
ومن ختم الله على قلوبهم عدم إتعاظهم من هذه المعركة وهزيمتهم بها خلاف قواعد وحسابات الحقل وميدان المعركة وكثرتهم وأسلحتهم إذ كانوا ثلاثة أضعاف الصحابة يومئذ في المعركة.
فمع التباين بين حساب الحقل وحساب البيدر ، فان المعجزة أعظم وأعم منهما.
ونزل قوله تعالى [وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]( ).
ولم يتعظ المشركون من هذه النتيجة ومظاهر قهر الملائكة لهم يومئذ فجهزوا ثلاثة آلاف رجل في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة أي قبل حلول شهر ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم فزحفوا لإرادة قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار ، حتى صاروا على مسافة (5) كم من المدينة فاضطر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه للخروج إليه ، قال تعالى [وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ]( ).
ومع كثرة الشهداء من المسلمين يومئذ وسقوط سبعين شهيداً منهم فقد انسحب المشركون خائبين في نفس اليوم ، ثم زحفوا في شوال من السنة الخامسة للهجرة بعشرة آلاف مقاتل ليحيطوا بالمدينة في معركة الأحزاب ، قال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا]( ).
وهل كان ظلم وتعدي كفار قريش هذا سبباً لتوبة وإنابة وإسلام كثير من الناس ، الجواب نعم .
ولا يعلم أفراد السبب والمُسبب ، والعلة والمعلول إلا الله عز وجل ، وهذه الأفراد من مصاديق قوله تعالى [وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ]( ).
وهل للآيات أعلاه موضوعية في التوبة والصلاح ، الجواب نعم ، ويأتي التفصيل في أجزاء (قانون لم يغز النبي (ص) أحداً).
حروب الملكة الكاهنة
لقد كانت مملكة البربر في شمال أفريقيا ، وعاصمتهم في مدينة خنسُلة ، في الجزائر التي كانت تسمى الأوراس ، وخاض الملك ومن بعده الملكة ديهيا الملقبة كاهنة البربر حروباً ضد الرومان والبيزنطينيين أوان البعثة النبوية وما بعدها .
وتوجه اليها حسان بن النعمان الغساني سنة تسع وستين بجيش فهزمته وإنسحب إلى مدينة برقة إلى أن جاءه المدد من عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين( ).
وأسرت ثمانين من المسلمين ، فأحسنت إليهم ، وأعادتهم إلى حسان وقيل أبقت عندها واحداً منهم اسمه خالد بن يزيد من بني عبس وقالت له يوماً ، ما رأيت في الرجال أجمل منك ولا أشجع ، وأنا أريد أن أرضعك فتكون أخاً لولدي ، فأمرت بدقيق الشعير وعجنته بزيت ، وجعلته على ثدييها ، وطلبت منه أن يأكل منه هو وولداها.
فقالت : قد صرتم أخوة( ).
وهو من أعظم العهود عند البربر آنذاك.
وادخرت الأمر ليأخذ لهما خالد بن يزيد أماناً من حسان بن النعمان ، عند هجوم جيوش المسلمين ، وقد فعل وأخذ لهما الأمان ، وقام حسان بتولية أكبرهما على من معه من البربر وأكرمه وقربه( ).
وقامت الملكة ديهيا بتخريب افريقيا ، فصارت تهدم القلاع والحصون والقصور بحجة أن المسلمين يطلبون السكن فيها ويريدون الذهب والفضة .
(فوجهت البربر يقطعون الشجر ويهدمون الحصون، قالوا: وكانت إفريقية من طرابلس إلى طنجة ظلاً واحداً وقرى متصلة فأخربت ذلك كله، فخرج من النصارى ثلاثمائة رجل مستغيثين بحسان مما نزل بهم من الكاهنة من خراب الحصون وقطع الشجر)( ).
فسار لها حسان فخرجت له بجيوش عظيمة ، وانهزمت الملكة الكاهنة.
وقالت : إني مقتولة غداً وعرضوا على الملكة الهرب ، فقالت : إن الملوك لا يهربون .
(وقتلت عند بئر سماه الناس بئر الكاهنة إلى اليوم، ويقال إنها قتلت عند طبرقة، فنزل حسان على الموضع الذي قتلت فيه)( ).
وصار ولداها قادة في جيش للمسلمين قوامه اثنا عشر ألف من البربر ، كل واحد على ستة آلاف منهم ، ومن يومئذ صارت الخطط بافريقية للبربر ، إذ قسم المسلمون الأراضي بينهم ، لإسلامهم وحسن طاعتهم.
وذكر بأن حسان عندما جاءه المدد من عبد الملك بن مروان كتب إلى خالد بن يزيد يسأله ، فاجابه على ظهر الكتاب إن البربر متفرقون لا نظام لهم ولا رأي عندهم فاطو المراحل ، وجد في السير.
وقيل أن خالداً جعل الكتاب في خبزة كأنها زاد للرجل ، وعندما غادر الرجل (خرجت الكاهنة ناثرة شعرها تضرب صدرها وتقول : يا ويلكم يا معشر البربر ذهب ملككم فيما يأكله الناس)( ).
أي أنها تشير إلى رغيف الخبر الذي يتضمن الرسالة وأنه حين وصل إلى حسان كان قد أحرقته النار فلم يقرأ ما به.
كما حكي أنها عندما زحفت جيوش المسلمين (خرجت ناشرة شعرها تقول: يا بني انظروا ماذا ترون، فقالوا: نرى شيئاً من سحاب أحمر، قالت: بلى وإلهي ما هو إلا رهج خيل العرب قد أقبلت إليكم)( ).
وذكر أن خالد بن يزيد بعث مرة أخرى إلى حسان بخبر ما عنده (وعمد إلى قربوس( ) فنقره ثم وضع فيه الكتاب وأطبق عليه وأخفى مكان النقر ثم حمل رسولاً على دابة بالكتاب إلى حسان، فلما فصل خرجت الكاهنة ناشرة شعرها تقول: يا بني هلاككم في شيء من نبات الأرض، وكانت من أعلم أهل زمانها بالكهانة، ومضى الرسول حتى قدم على حسان)( ).
والمراد من نبات الأرض في الخبر أعلاه أن السرج مصنوع من الخشب ، والرسالة في داخله .
بحث بلاغي
يقسم الكلام من حيث دلالته الى الخبر والإنشاء، والخبر في الإصطلاح ما يصح ان يدخله الصدق او الكذب وما يصح السكوت عليه، وكلام البــاري منزه عن الكـذب،فهو الخبر الصادق المطابق للواقع.
ولا يجعل اطلاق هذا التقسيم الخبر القرآني جزء منه فهو الخبر الصادق دائماً، والأولى ان يكون الخبر القرآني قسيماً للخبر بالمعنى الإصطلاحي ويكون بينهما عموم وخصوص من وجه، مادة الإلتقاء هي الخبر.
ومن وجوه الإفتراق ان صفة القرآنية في الخبر القرآني وانه لا يحتاج إلى إثبات خارجي على صدقه ، و[لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ]( )، بعكس خبر غيره فحتى الخبر من السنة النبوية الشريفة يحتاج إلى صحة السند وعدم معارضته للقرآن.
والإنشاء إرادة التكوين والجعل وصيرورة الشيء وإقتران المعنى بلفظه، ومنهم من قال أن أقسام الكلام عشرة وقال الأخفش انها ستة، خبر وإستخبار، وأمر ونهي، ونداء وتمن.
وترى وجوه الكلام وأقسامها في القرآن ففيه الإخبار والإنشاء ودعوة الناس للتدبر في أمور الحياة الدنيا ، وتوظيف علم الإحصاء لما فيه الصلاح والرشاد وفيه الأمر والنهي والزجر والحث على الإيمان.
وقيل أن الحديث تابع للإنشاء لكونه ينشئ الحدث ، وقال المعتزلة بأن الإنشاء مسبوق بالكلام النفسي ، ولا أصل لهذا القول ، قال سبحانه [إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ]( ).
ولا ينحصر استنباط الحكم الشرعي بالإنشاء بل يستقرأ من الخبر القرآني كما في قوله تعالى [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا]( )، ويسمى في الإصطلاح الفقهي : خبر في معنى الطلب ، ويكون في التنزيل : خبراً في معنى الأمر والإنشاء ، فكما أن الإنشاء : كلام مركب يفيد الأداء أو عدمه ، فكذا فان الخبر قد يقبل الأمر أو النهي .
وإخبار الناس بعضهم لبعض يتضمن الصدق أو الكذب ، ولكن في التنزيل قانون مصاحبة الصدق للكتاب السماوي في إخباره وإنشائه فهو حق ، فقوله تعالى [وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ] ( ) مركب إنشائي يفيد الأمر والوجوب التعييني ، أما قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] ( )، فانه خبر يفيد وجوب الصيام لدلالة لفظ [كُتِبَ] على الفرض والوجوب ، ولآيات القرآن الأخرى والسنة النبوية القولية والفعلية ، بقيام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بصيام شهر رمضان من حين نزول الآية أعلاه وإلى حين فارق الحياة الدنيا ، ولكثرة الأحاديث النبوية في وجوب صيام شهر رمضان، وبيان أحكامه.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه (قال لأصحابه : نبشركم قد جاءكم رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم) ( ).
وفي استحباب الصيام في أيام السنة الأخرى عدا الأيام المحظورة فيها الصيام ، وردت نصوص.
و(عن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفِّعْني فيه ، قال : فيشفعان)( ).
وأخبرت الآية أعلاه عن كتابة وفرض الصيام على المؤمنين قبل الإسلام ليدل بالدلالة الإلتزامية على تقيدهم بالصيام ، ولا يعلم عدد الصائمين في الأجيال المتعاقبة إلا الله عز وجل ، وكذا بالنسبة لثواب الصيام .
والله عز وجل وحده القادر على إحصاء كل من :
الأول : عدد الصائمين في الأجيال المتعاقبة ، خاصة وأن الصوم إمساك عن الأكل والشرب والجماع طيلة ساعات النهار .
الثاني : عدد الذين يصومون رمضان القادم من كل سنة .
الثالث : عدد الصائمين في كل شهر رمضان وإلى يوم القيامة ، والنسبة المئوية بين الصائمين في السنوات المتعاقبة .
الرابع : إحصاء ثواب الصيام ، فلا يقدر على معرفته والإحاطة به علماً إلا الله عز وجل ، (عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إن الله عز وجل، جعل حسنة ابن آدم بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم، والصوم لي وأنا أجزي به .
وللصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة يوم القيامة، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) ( ).
مقارنة بين السمع والبصر في الإحصاء
جعل شطر من المتكلمين تقديم السمع على البصر أمارة على التفضيل، وقد تقدم السمع على البصر في خمس عشرة آية من القرآن، وقُدم البصر ايضاً في قوله تعالى [رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا] ( )، وقوله تعالى [قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدً] ( ) .
لتبين الآية أعلاه عجز الناس والعلوم التقنية الحديثة عن إحصاء وقائع عمر الحياة الدنيا.
ومدة لبث الناس في القبور ، والتباين الزماني بينهم ، فكما يتعاقبون افراداً وطبقات وأجيالاً على الحياة الدنيا فانهم يتعاقبون على عالم البرزخ ، ولكنهم يبعثون من القبور دفعة واحدة.
وهو من الإعجاز في خلق الإنسان ، وعجز الناس عن إحصاء سكنة عالم البرزخ ومدة إقامة كل واحد فيها ، خاصة وأن يوم البعث غير معلوم للناس ، والغيب الذي ذكرته الآية أعلاه هو غير الغيب اللاحق وأوان قيام الساعة ، وفي التنزيل [يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] ( ) .
ولكن التقديم يأتي احياناً بحسب مناسبة الحكم والموضوع ولا يدل على الترتيب بالضرورة، كما في قوله تعالى [رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ]( )، لأن البصر أكثر موضوعية وإعتباراً في التيقن من العذاب وشدته، والتقديم أعم من أن يدل على التفضيل ، مع موضوعية كل من السمع والبصر في التكاليف وأدائها ، قال تعالى [فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ] ( ).
شرف السمع
أســـتدل على شـــرف السمع من وجوه :
الأول : لم يبعث الله نبياً أصمــاً، وقد كان أحد الأنبياء أعمى وهو شعيب ، لذا قيل أنه أشرف العميان ، وأحتج به من أشكل على شرط البصر في القاضي .
ويجعل الله عز وجل النبوة حيث يشـاء، ومن كان عنده نقص في أحد الحواس فأن الله عز وجل يجعل كفاية التبليغ والإنذار بالحواس الأخرى، والوحي مانع من أثر فقد الحاسة.
الثاني : يقود السمع إلى المعارف المختلفة، ووظيفة البصر منحصرة بالمحسوسات، ولكن البصر أيضاً يؤدي الى المعارف بواسطة سلاح العقل والتدبر.
الثالث : أستدل على أفضلية السمع بالتصرف في الجهات الست بخلاف البصر، ولكن هذا الدليل يصدق على الحال بالدقة العقلية، أما في الإستدامة فتصرف البصر في الجهات الست أكثر وأفضل من السمع، لأن البصر يدرك مسافات وأماكن في الجهات المختلفة والعلو والسفل ما لا يدركه السمع ، ويأتي إبتداء وبالإختيار في إدارة البصر ، وليس بانتظار قائل.
وقد يكون البصر سبباً في النجاة من الهلكة مما يتخلف عنه السمع، فلو داهم الإنسان خطر كحجر كبير له صوت، فيمكن ان يتنحى عنه الإنسان حين رؤيته من بعيد، وقد لا يستطيع النجاة لو سمعه من مسافة قريبة، فالبصر أبعد مدى ، وفيه نجاة من الضرر الصامت ، والمعجزات التي تدرك بالبصر هي الأكثر ، قال تعالى [وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ] ( ).
ولم يذكر في باب المقارنة والتفضيل وأن الإنسان يستطيع الرؤية بالإستعانة بحركة الرأس والإلتفات .
وتكون حاسة السمع جاهزة للعمل في حال النوم ، فاذا حدث صوت انتبه النائم بخلاف لو مّر أحد امامه ، لذا قال تعالى بخصوص أهل الكهف [فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا] ( ) وقد يضر فقد السمع بالنطق .
وورد السمع في القرآن بالمعنى الأعم الشامل فيشمل الإدراك والفهم ، وفي ذم المنافقين قال تعالى [صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ] ( ) ونعمة السمع من أعظم النعم ، ولا يحصى منافعها للإنسان إلا الله عز وجل ، وهي وسيلة للهداية والإيمان ، وقد بعث الله عز وجل الأنبياء بالكلام والتبليغ ، ولا يقدر على إحصاء منافع هذه النعمة إلا الله عز وجل .
ويمكن الإستدلال بأفضلية البصر بأنه يقود إلى الخير إبتداء، فالسمع يتلقى والبصر يقود ويسعى، والسمع ينقسم الى سمع من غير قصد وإستماع مع القصد، والبصر بالإختيار والإنجذاب ، ويترشح البصر عن السمع ، فينظر الإنسان إلى جهة مصدر الصوت ، والسمع قد يتبع البصر ، ليكون البصر مستقلاً وتابعاً .
ومنهم من جعل البصر أشرف من السمع بلحاظ آلة البصر ومتعلقها وهو النور وان متعلق السمع هو الريح ، أي أن التفضيل لأسباب غيرية ، ولكنه أعم .
وبحسب القاعدة الأصولية العقلية (تقديم الأهم على المهم) فإن الأهم هنا هو بديع صنع الله تعالى وتحير العقول والأوهام بالأشرف من السمع والبصر من مصاديق [لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ]( ).
وهل إتخاذ أول كلمة نزلت من القرآن [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ] ( ) على أفضلية البصر ، الجواب نعم ، تشمل الآية البصر والسمع ، فمن معاني الآية اقرأ بنفسك واقرأ لغيرك خاصة وأن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أخذ هذا التنزيل بالسماع ، وليس بالقراءة وتوارثه المسلمون بالقراءة والسمع .
مما يدل على شرف كل منهما، وتتفرع عن هذا المبحث دراسات عديدة وتتعلق أيضاً بالارتقاء العلمي الحديث .
وهل يمكن أن يستدل على افضلية السمع بان السمع له علاج ، ويمكن تدارك أكثر حالاته بالطب الحديث، في حين ان علاج فقد البصر أشد تعقيداً وأبطأ في مراتب النجاح ، الجواب لا ، خاصة مع الإرتقاء السريع لعلوم طب الأبدان ، وهو من مصاديق قوله تعالى [عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ]( ).
لقد جعل الله عز وجل الحواس عند الإنسان لتكون عوناً له في عبادة الله ، وفي الذكر ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]( ).
والله عز وجل وحده الذي يحصي كلاً من :
الأول : وظائف السمع والبصر .
الثاني : منافع السمع والبصر .
الثالث : تسخير الإنسان السمع والبصر في طاعة الله .
وفي علم الكلام ليست الأولوية للتفاضل بين السمع والبصر ، بل بالنعمة العظمى في كل منهما ، والنعمة في إجتماعهما ، والثواب العظيم في تسخير كل منهما في مرضاة الله ، ولزوم الحذر والحيطة من شهادتهما على صاحبهما وعلى غيره ، قال تعالى [حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] ( ) فلا تنحصر الشهادة في الآية أعلاه بالشهادة الخاصة ، لإرادة معنى العموم في صيغة الجمع في الآية أعلاه .
وتقدير الآية على وجوه :
الأول : شهد عليه سمعه وبصره وجلده .
الثاني : شهد سمعه وبصره على شركائه .
الثالث : شهد سمعه عليه وبصره على شركائه .
الرابع : شهد بصره عليه وسمعه على شركائه .

نعمة البصر
من أعظم النعم على الإنسان نعمة البصر ، وهي من الآيات والفضل الإلهي الذي يدركه كل إنسان في يومه وليلته ، وهل تختلف حاسة البصر عند الناس عن الحيوانات ، الجواب نعم ، لأن بصر الإنسان بما هو [فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) فيسخر البصر لطاعة الله ، ولقضاء حوائج الدين والدنيا ، وللتنعم بخيرات الدنيا من المأكول ، والملبوس ، والمركوب ، والمسكون .
وبالبصر يدرك الإنسان زينة الحياة الدنيا ، وهومقدمة لنيل الرغائب .
وهناك أمور تشترك بها حاسة البصر والسمع في الدنيا ، وكذا في الآخرة ، قال تعالى [وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ *حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] ( ).
قانون التفاضل بين السمع والبصر
بين السمع والبصركنعمة من نعم الله عموم وخصوص من وجه، فهناك وجوه للإلتقاء بينهما، وأخرى للإفتراق، وقد يكونا من عموم إذا إجتمعا إفترقا، وإذا إفترقا إجتمعا، فمع وجودهما عند الإنسان فكل من السمع والبصر يقوم بوظائفه الخاصة، ومع فقد احدى الحاستين ، فإن الآلة الآخرى تنيب عنها في شطر من أعمالها فضلاً من الله تعالى.
ولو سألت شخصين أحدهما أعمى والآخر أصم، فإن الأعمى يتمنى لو كان مبصرا وإن تعطلت عنده حاسة السمع ، ولكن الأصم يرضى بالصمم دون العمى، ويغبط نفسه بالمقارنة مع الأعمى ويشكر الله على النجاة مما إبتلاه الله به من العمى، وكانت حاجة الأصم الى الأعمى أقل من حاجة الأعمى إلى الأصم، وهذه شواهد وجدانية على رجحان وأفضلية حاسة البصر .
ومن فضل الله تعالى على الناس أن الإبتلاء بفقد البصر أو السمع إبتداء ومن حين الولادة أمر نادر، الى جانب النقص في الإبتلاء به بعد الولادة وعند الكبر نتيجة الإرتقاء والتحسن في علم وخدمات طب الأبدان, وفي قراءة القرآن في المصحف جلاء للبصر , ويدفع الله سبحانه عن الناس بالسمع والبصر أسباب الضرر.
وفي قوله تعالى [خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ]( )، ورد السمع بصيغة المفرد، والقلوب والأبصار بصيغة الجمع، وقال سيبويه: ان ورود ما قبل السمع وما بعده بلفظ الجمع يعني إرادة الجمع منه ايضاً.
وقيل ان السمع مصدر في أصله، والمصادر لا تجمع، ولأن لكل واحد سمعاً واحداً .
ولكن السَّمع يكون اسماً والجمع أسماع ، وجمع الجموع أسامع.
وقال ابن السكيت: السمعُ سمعُ الإنسان وغيره، يكون واحداً وجمعاً( ) .
والمختار أن الآية أعلاه إشارة إلى إستكبار وإعراض الكفار عن سماع الآيات متحدين ورفضهم الإستماع الى آيات القرآن، وتوجهوا بسمعهم إلى جهة واحدة وهي مضامين العناد والجحود والضلالة .
أما القلوب والأبصار فإن وظائفها وأعمالها متعددة قهراً، فبالقلب يتدبر ويتأمل ويعتبر ويستحضر الإنسان ولو على مراتب متفاوتة، وبالقوة الباصرة يرى الإنسان طوعاً أو كرهاً الآيات البينات في الآفاق وفي النفوس.
وقيل يدل التقديم في الذكر على التقديم في الدرجة ويدل عليه ان تقديم الأدنى على الأشرف في الذكر قبيح عرفاً. قال الرازي: فوجب ان يكون قبيحاً شرعاً.
ولكنه قياس مع الفارق، فليس تقديم البصر او السمع من الأدون والأشرف لأنهما وردا بمنزلة واحدة بلحاظ أنهما نعمة من عند الله ، وآلة للهداية والإيمان , حجب الكفار عن أنفسهم الإنتفاع الأمثل منها .
وأستدل بقبحه عرفاً بقول الشاعر:
عميرة ودع ان تجهزت غاديا …كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا( )
وبيت الشعر هذا لسحيم عبد بني الحسحاس ( )( ).
قال عمر بن الخطاب: لو قدمت الإسلام لأجزتك.
وهو يدل على موضوعية وعظيم شأن ونفع الإسلام وتشريفه كمسألة عقائدية وتقدمه رتبة على أحكام الشعر وضرورته.
والحجة في تقديم السمع ليست تامة لأنها مبنية على إفادة الواو الترتيب وهو ضعيف، ومشهور النحويين أنها لا تفيد الترتيب بل تأتي لمطلق الجمع، وقال بافادتها الترتيب قطرب والربعي والفراء وتغلب وهشام والشافعي، وقد قلنا في الواو أنها لا تدل في الأصل على الترتيب.
ولكنه يعرف بلحاظ القرائن ، فقد تأتي لمطلق الجمع أو تأتي للترتيب .
وأستدل على عدم دلالة التقديم على التفضيل بتقديم سورة تبت على سورة قل هو الله احد، وهو أجنبي عن الموضوع لأن التشريف منبسط على كل سورة من سوّر القرآن وباطلاق وعموم السور جاء التحدي في القرآن [فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ] ( ) .
وبالنسبة لترتيب الآيات فقد جاءت آية الكرسي في الربع الأخير من سورة البقرة , وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال أعظم آية في القرآن [لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ] ( ) .
والنقاش في البصر والسمع كأمرين وجوديين وليس في حال انعدامهمــا، وكأن الإنعــدام يدل في مفهومـه على الأثر والمنزلة.
لماذا إفراد السمع وجمع الأبصار
من إعجاز القرآن ورود لفظ (سمعهم ) فيه خمس مرات كلها بصيغة المفرد ، ومقترنة بلفظ [أَبْصَارِهِمْ] بصيغة الجمع ، وكل جمع بينهما له خصوصية إلى جانب مفهوم المعنى العام للجمع بينهما ، قال تعالى [أَبْصَارِهِمْ] وفيه وجوه :
الأول : السمع مصدر يطلق على المفرد والجمع .
الثاني : إرادة سماع المشركين مجتمعين ومتفرقين آيات القرآن ، والبراهين والمعجزات الحسية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثالث : كل سمع لأحد المشركين يشهد على الآخر أيضاً أنه سمع الحجج والبراهين .
الرابع : شهادة بعض المشركين على بعض في مكرهم وكيدهم للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ] ( ) لبيان عدم إنحصار شهادة الكافر على نفسه لصيغة الجمع في قوله تعالى [الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] ( )، بل يشهد بعضهم على بعض .
الخامس : تأكيد قيام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ آيات القرآن ووصول الدعوة للإيمان إلى سماع المشركين بما فيه الكفاية والحجة على كل واحد منهم ، قال تعالى [مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ] ( ).
السادس : إتحاد وظيفة السمع بما يتلقى من الغير ، أما الأبصار فوظائفها متعددة ، ويختلف الناس في كثرة الآيات والبراهين التي يرون، والتي تؤكد التوحيد ، ووجوب عبادة الله عز وجل ، ومن إعجاز القرآن إبتداؤه بعد البسملة بآية [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]( ) .
وهل سمع المشركون هذه الآية من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين .
الجواب نعم وهو من الإعجاز في وجوب قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة اليومية ، وقراءتها جهراً في أكثر ركعاتها ، إذ يجهر بها بتسع ركعات من بين سبع عشرة ركعة .
السابع : بيان قانون وهو شهادة الأبصار أكثر وأطول من شهادة الأسماع ، لبيان أن وقوف المشركين في حساب الأبصار يوم القيامة يطول ، كما يشهد سمع بعضهم على ما قاله بعضهم الآخر من مفاهيم الكفر والجحود .
الثامن : السمع مصدر سمع ، ويطلق على المفرد والجمع ، ولكن المعاني العقائدية والكلامية أعم .
التاسع : بين وظيفة البصر والسمع عموم وخصوص مطلق ، فالبصر أعم ، إذ يرى الإنسان أشياء عديدة في آن واحد ، والتدبر فيها ، وثبوت الصورة في الوجود الذهني ولو على نحو الإجمال ، بينما يتعذر على الإنسان سماع أكثر من كلام في آن واحد مع التدبر في كل منها .
ولا يقدر الناس على إحصاء كل من :
الأول : عدد الأسماع .
الثاني : عدد الأبصار .
الثالث : قانون رحمة الله بالناس بواسطة السمع والبصر.
الرابع : قانون إتخاذ الناس السمع والبصر طريقاً إلى الجنة.
الخامس : قانون دفع الله الضرر عن حاسة السمع والبصر لكل إنسان ، وهو الأمر الذي يتبين يوم القيامة .
السادس : قانون تفريط الكفار بكل من نعمة السمع والبصر حجة عليهم.
السابع : قانون تخلف الناس عن شكر الله عز وجل على نعمة السمع والبصر.
لفظ (معصية)
ومن إعجاز اللفظ القرآني لفظ (معصية) من وجوه :
أولاً : ورود هذا اللفظ مرتين في القرآن .
ثانياً : مجئ هذا اللفظ في آيتين متجاورتين من سورة المجادلة.
ثالثاً : كل منهما بصيغة النهي .
رابعاً : المنع من المناجاة بالباطل .
خامساً : النهي عن معصية الرسول ، إذ قال تعالى [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ]( ).
أما الآية الثانية فهو قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ]( ).
لقد وردت مادة (عصى) في القرآن بصيغ المتكلم والخطاب والغائب ، ولفظ الماضي والمضارع .
في بيان قبح المعصية ولزوم التدارك بالتوبة والإنابة ، والمعصية من الكلي المشكك الذي يكون على مراتب متفاوتة.
وفي حين أخبر القرآن عن معصية آدم عليه السلام وهو نبي رسول [وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى]( )، جاءت الآيتان أعلاه من سورة المجادلة فهي عن معصية الرسول بأكرام النبي صلى الله عليه وآله وسلم والدلالة على عصمته ولبيان موضوعية السنة النبوية في التشريع .
قانون حرمة الوأد
من إعجاز القرآن تلقي الناس أحكامه بالقبول والرضا والإمتثال الحسن ، سواء نزلت هذه الأحكام بصيغة الجملة الإنشائية أو الخبرية ونزل قوله تعالى [وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ]( )، للتذكير بعالم الآخرة ، ووقوف الناس بين يدي الله للحساب.
وانقطع الوأد وظهر الندم جلياً على الذين زاولوه ، وهو لا يتحقق في التأريخ إلا بالتنزيل ، قال تعالى [هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ]( )، ولم يرد لفظ (هذا بيان) في القرآن إلا في الآية أعلاه.
ومن علم الإحصاء المترشح عن الآية أعلاه إن الله وحده الذي يعلم :
الأول : عدد الذين وأدوا البنات .
الثاني : عدد الذين هّموا بوأد بناتهم قبل الإسلام ثم كفوا أيديهم عنه .
الثالث : حال الأذى والأسى الذي لحق الآباء والأمهات خاصة بالوأد .
الرابع : عدد الذين امتنعوا عن الوأد بنزول القرآن سواء أيام النزول أو ما بعدها .
الخامس: عدد العادات السيئة التي ازيحت بهذه الآية .
السادس : المنافع الخاصة والعامة من إنقطاع الوأد ، فمن الناس من ولد من أم لولا نزول القرآن لوأدها أهلها ، ولا يعلم هؤلاء إلا الله عز وجل مما يلزم الشكر لله عز وجل على نعمة قانون إنقطاع الوأد إلى يوم القيامة .
السابع : عدد الذين استغفروا الله عز وجل من فعل وأد البنات.
الثامن : إحصاء منافع الإسلام للمرأة ، فلا يعلم هذه الوجوه والمصاديق إلا الله عز وجل ، وهي لطف من عنده سبحانه ، وشاهد على رأفته بالناس وإصلاحه لهم بالنبوة والتنزيل ، وهل حال المرأة في الوأد من مصاديق الإستضعاف في قوله تعالى [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ] ( )، الجواب نعم ، فقد أنعم الله عز وجل بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على النساء بالنجاة من الوأد ، ودفع وطأته الشديدة عن كل من :
الأول : الآباء .
الثاني : الأمهات .
الثالث : البنات .
وروي (أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله و سلم كان لا يزال مغتما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
مالك تكون محزونا .
فقال : يا رسول الله إني أذنبت ذنبا في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت.
فقال له : أخبرني عن ذنبك.
فقال : يا رسول الله إني كنت من الذين يقتلون بناتهم فولدت لي بنت فتشفعت إلي امرأتي أن أتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت وصارت من أجمل النساء فخطبوها فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت من غير زوج.
فقلت للمرأة : إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلي وأخذت علي المواثيق بألا أخونها فذهبت بها إلى رأس بئر.
فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول : يا أبت أيش تريد أن تفعل بي فرحمتها.
ثم نظرت في البئر فدخلت علي الحمية ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أبت لا تضيع أمانة أمي فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة وهي تنادي في البئر : يا أبت قتلتني ، فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت.
فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وقال : لو أمرت أن أعاقب أحدا بما فعل في الجاهلية لعاقبتك)( ).
ويدل هذا الخبر على اتخاذ بعضهم الوأد عادة ، لذا قال تعالى [قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ]( ).
ولم يذكر القرطبي (توفى سنة 671 هجرية) سنداً للخبر من كتب الحديث والسنن المعتبرة .
وأسباب قتل الولد عند العرب على وجوه :
الأول : قتل البنت المولودة حمية وخشية السبي من قبل الأعداء ، وما يلحقه من العار والشماتة.
الثاني : خوف الفقر والفاقة ، قال تعالى [قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ]( ).
الثالث : السفاهة والجهالة وقتل الأولاد لأسباب ما انزل الله بها سلطان ، قال تعالى [قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ]( ).
وأظهر القرآن إكرام الأنبياء لأولادهم ، وتعاهدهم ، وبكاء يعقوب على يوسف عليه السلام والحاح على ولده بالسعي في البحث وفي التنزيل حماية عنه [يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ]( ).
ولم يكن إنقطاع الوأد وقتل الأولاد خاصاً بأيام النبي محمد بل هو مستمر إلى يوم القيامة ، وهذا الإستمرار معجزة أخرى للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وعن عمر بن الخطاب (قول الله سبحانه [وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ]( )، قال : جاء قيس بن عاصم التميمي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله إني وأدت ثمان بنات في الجاهلية .
قال : فأعتق عن كلّ واحدة منهم رقبة.
قال : يا رسول الله إني صاحب إبل. قال : فانحر عن كل واحدة منهنّ بدنة إن شئت)( ).
وسأل بعض الأنصار قيس بن عاصم (عما يتحدث به عنه في المؤودات، فأخبره أنه ما ولدت له قط بنت إلا وأدها عنه ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: كنت أخاف سوء الأحدوثة والفضيحة في البنات، فما ولدت لي بنية قط إلا وأدتها إلا بينة كانت لي ولدتها أمها وأنا في سفر، فدفعتها إلى أخوالها فكانت فيهم.
فقدمت فسالت عن الحمل فأخبرتني المرأة أنها ولدت ولداً ميتاً. ومضت على ذلك سنون حتى كبرت الصبية ويفعت، فزارت أمها ذات يوم، فدخلت فرأيتها وقد ضفرت شعرها، وجعلت في قرونها شيئا ًمن الخلوق، ونظمت عليها ودعاً، وألبستها قلادة جزع، وجعلت في عنقها مخنقة بلح، فقلت: من هذه الصبية فقد أعجبني جمالها وكيسها، فبكت ثم قالت: هذه ابنتك، كنت خبرتك أني ولدت ولداً ميتاً، وجعلتها عند أخوالها حتى بلغت هذا المبلغ.
فأمسكت عنها حتى اشتغلت أمها ثم أخرجتها فحفرت لها حفيرة وجعلتها فيها وهي تقول: يا أبه، ما تصنع بي؟ وجعلت أقذف عليها التراب وهي تقول: يا أبه أمغطي أنت بالتراب، أتاركي وحدي ومنصرف عني؟ وجعلت أقذف عليها التراب حتى واريتها وانقطع صوتها فما رحمت أحداً ممن واريته غيرها، فدمعت عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: إن هذه لقسوة وإن من لا يرحم لا يرحم)( ).
وقيس بن عاصم بن سنان من بني تميم ، الذين شاع الوأد عندهم ، قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السنة التاسعة للهجرة مع وفد تميم.
وعن الحسن البصري (حدثني قيس بن عاصم المنقري قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآني سمعته يقول: هذا سيد أَهل الوبر)( ).
(وكان عاقلاً حليماً، قيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم، رأيته يوماً قاعداً بفناء محتبياً بحمائل سيفه يحدث قومه، فأتي برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك قتل ابنك، قال: فوالله ما حل حبوته ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه وقال: يا ابن أخي، بئس ما فعلت، أثمت بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك.
ثم قال لابن أخيه: قم يا بني فوار أخاك وحل كتاف ابن عمك، وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة.
وكان قد حرم الخمر على نفسه في الجاهلية لأنه غمز عكنة ابنته وهو سكران، وسب أباها، ورأى القمر فتكلم بشيء، وأعطى الخمار كثيراً من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه، وقال فيها أشعاراً منها:
رأيت الخمر صالحة وفيها … خصالٌ تفسد الرجل الحليما
فلا والله اشربها صحيحاً … ولا أشفي بها أبداً سقيما
ولا أعطي بها ثمناً حياتي … ولا أدعو لها أبداً نديما
فإن الخمر تفضح شاربيها … وتجنيهم بهذا الأمر العظيما
ومن شعره:
إني امرؤ لا يعتري خلقي … دنسٌ يفنده ولا أفن
من منقرٍ في بيت مكرمةٍ … والغصن ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقول قائلهم … بيض الوجوه أعفة لسن
لا يفطنون لعيب جارهم … وهم لحسن جواره فطن
ولمات حضرته الوفاة دعا بينه قال: يا بني احفظوا عني، فلا أجد لكم أنصح مكني: إذا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم وتهونوا عليهم.
عليكم بإصلاح المال، فإنه منية للكريم ويستغنى به عن اللئيم. وإياكم ومسالة الناس، فإنها آخر كسب المرء)( ).
وتوفى في حدود السنة الخمسين للهجرة.
ولا يعلم عدد اللائي صرف عنهن الوأد بالقرآن في كل عام أمس وهذه السنة وكل سنة إلى يوم القيامة إلا الله عز وجل ، فمن علم الله عز وجل أنه يعلم الموجود والمعدوم.
المراد من لفظ (الناس)
الناس اسم للجمع من آدم وحواء وذريتهما ، على نحو العموم الإستغراقي والمتبادر .
ومفرده إنسان على غير لفظه وقيل الناس لغة مفردة واشتقاقه من النوس وهو الحركة ، وأن اشتقاقه من الأنس ، بضم الهمزة ، قيل (وما سُمَّي الإنسان إلا لأُنْسِه … ولا القلب إلا أنه يتقلَّبُ)( ).
وقول ان اشتقاقه من النسيان لقوله تعالى [فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا]( ).
و(عن ابن عمر أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : رُفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما أُكرهوا عليه)( ).
لذا ورد بيت الشعر أعلاه بقراءة أخرى مناسبة لهذا المعنى (
ومَا سُمِّيَ الإنْسانُ إِلاَّ لنَسْيِهِ … ومَا القَلْبُ إِلاَّ أَنَّه يَتَقَلَّبُ)( ).
وورد لفظ (الناس) في القرآن مائتين وأربعين مرة ولكن أكثرها جاء خاصاً بأمة أو طائفة أو قوم مثل [الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ]( )، فيشمل هذا الشطر من الآية ثلاثة مصاديق للناس :
الأول : الصحابة الذين تلقوا التحذير في طريقهم إلى حمراء الأسد بعد يوم من معركة أحد في النصف من شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة النبوية ، ويدل عليه الاسم الموصول (الذين) والضمير (هم) في قوله تعالى أعلاه [قَالَ لَهُمُ].
الثاني : الذين قالوا وحذروا المسلمين ، ويدل عليه لفظ الناس في [لَهُمُ النَّاسُ].
وقيل المراد معبد بن أبي معبد الخزاعي ولكن الآية نزلت بصيغة الجمع ، والأصل تعدد الذين حذروا النبي وأصحابه من جيش المشركين
الثالث : جيوش المشركين التي إنسحبت من معركة أحد بقوله تعالى [إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا] .
الذين ابتدأوا بالإنسحاب من ميدان المعركة في ذات اليوم الذي ابتدأت فيه ، مع أن عددهم نحو أربعة أضعاف عدد الصحابة الذين مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين سقط منهم في الميدان سبعون شهيداً منهم حمزة عم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
و(من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : لما رجع المشركون عن أحد قالوا : لا محمداً قتلتم ، ولا الكواعب أردفتم . بئسما صنعتم ارجعوا .
فسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ، فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد ، أو بئر أبي عنبة ، شك سفيان فقال المشركون : نرجع قابل . فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانت تعد غزوة)( ).
والمراد من (شك سفيان) أعلاه هو سفيان بن عمر ، الذي يروي الخبر عن عكرمة أيضاً من غير أن يرفعه( ).
وهل القول (تعد غزوة) أعلاه ينسب إلى ابن عباس أم إلى عكرمة أو رجال السند ، المختار أنه لم ينسب إلى ابن عباس ، حتى على القول بأنه كان يحرص على تعداد وضبط ما يسمى غزوات النبي.
ومن الآيات التي يراد منها الناس على نحو العموم الإستغراقي باجيالهم المتعاقبة قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ]( ).
وهل تستطيع الخلائق إحصاء فضل الله على الناس الذي تذكره الآية أعلاه ، الجواب لا .
وهل تستطيع إحصاء شكر الناس لله مع أن الشاكرين هم الأقل من مجموع الناس ، المختار لا ، لعمومات قوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]( ).
فعبادة الناس لله عز وجل متصلة ، وشكرهم له سبحانه فرع هذه العبادة ، والشكر حبل متصل بين المخلوق والخالق ، ومنه أفراد متعددة لا يعلم بها إلا الله عز وجل ، وهل أنفاس الصائم نهار الصيام من الشكر لله عز وجل أم أنها من العبادة ، أم ليس منهما للتباين الموضوعي ، المختار أنها من الأول والثاني .
وقد ورد الأمر في القرآن إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمخاطبة الناس أربع مرات في القرآن وهي :
الأولى : قوله تعالى [قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ]( ).
الثانية : قوله تعالى [قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ]( ).
الثالثة : قوله تعالى [قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ]( ).
الرابعة : قوله تعالى [قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ]( ).
والمراد أهل زمان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأجيال اللاحقة إلى يوم القيامة وهذه الإستدامة بفضل من عند الله وهي من الشواهد على سلامة القرآن من التحريف والزيادة أو النقصان.
وبما يكون قريباً منهم ، وفي متناول أيديهم ، فجاءت النبوة والتنزيل لحملهم طوعاً وقهراً على التدبر في الآيات الكونية وفي خلقهم واستدامة وتجدد رزقهم وهو من مصاديق قوله تعالى [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ]( ).
ولا يحصى أفراد الناس الذين تتوجه لهم خطابات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الآيات الأربعة أعلاه إلا الله عز وجل ، وتقسيم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم طوعاً وقهراً.
وهل يستطيع الناس أن يروا ويحسوا بآيات الامتحان والآيات في أنفسهم كلها ، الجواب لا ، لذا فان المراد من الآيات في الآية أعلاه ما يدركه الناس منها بحاسة البصر ، وحاسة السمع ، وبالبصائر.
ولم يرد لفظ (سنريهم) (الآفاق) (يكف) إلا في الآية أعلاه.
ومن الإعجاز في نسبة وإضافة لفظ (تبين) الواردة في القرآن وروده ثلاث مرات مع التباين في نسبته وهو كالآتي :
الأولى : قوله تعالى [وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ]( )، والمخاطب هم المسلمون والمسلمات إلى يوم القيامة.
الثانية : قوله تعالى [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ]( ).
الثالثة : قوله تعالى[عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ]( ).
وهذه الآية من الخطابات الخاصة بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن وإن لم يذكرها المفسرون في باب الخطابات التي لا تدخل الأمة فيها ، مثل [يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ]( )، وقوله تعالى [يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ]( ).


إمساكية شهر رمضان ــ 1444هـ(مدينة النجف الأشرف وضواحيها)
شهر رمضان اليوم التاريخ أذان الفجر الشروق الظهر المغرب
1 الخميس 23/3 4:41 6:03 12:09 6:31
2 الجمعة 24/3 4:40 6:02 12:09 6:32
3 السبت 25/3 4:38 6:00 12:09 6:32
4 الأحد 26/3 4:37 5:59 12:08 6:33
5 الإثنين 27/3 4:35 5:58 12:08 6:34
6 الثلاثاء 28/3 4:34 5:56 12:08 6:35
7 الأربعاء 29/3 4:33 5:55 12:07 6:35
8 الخميس 30/3 4:31 5:54 12:07 6:36
9 الجمعة 31/3 4:30 5:53 12:07 6:37
10 السبت 1/4 4:28 5:51 12:07 6:37
11 الأحد 2/4 4:27 5:50 12:06 6:38
12 الإثنين 3/4 4:26 5:49 12:06 6:39
13 الثلاثاء 4/4 4:24 5:48 12:06 6:39
14 الأربعاء 5/4 4:23 5:46 12:05 6:40
15 الخميس 6/4 4:21 5:45 12:05 6:41
1- يكون يوم الخميس 23/3/2023 أول أيام شهر رمضان ، ويطل الهلال ليلتئذ عالياً ، ويبقى بعد الغروب (50) دقيقة.
2- لا أصل للإحتياط بالإمساك قبل الأذان بسبع أو عشر دقائق، ويمتنع السحور بطلوع الفجر الصادق، وعليه الكتاب والسنة ، فيجوز شرب الماء قبله ولو بدقيقة، وتتجلى المندوحة بقوله تعالى[كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ] وقوله تعالى[يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ].
3- يستحب الإستهلال، ولا تثبت رؤية الهلال إلا بشاهدين عدلين.
شهر رمضان اليوم التاريخ أذان الفجر الشروق الظهر المغرب
16 الجمعة 7/4 4:20 5:44 12:05 6:41
17 السبت 8/4 4:18 5:43 12:05 6:42
18 الأحد 9/4 4:17 5:41 12:04 6:43
19 الإثنين 10/4 4:16 5:40 12:04 6:44
20 الثلاثاء 11/4 4:14 5:39 12:04 6:44
21 الأربعاء 12/4 4:13 5:38 12:03 6:45
22 الخميس 13/4 4:11 5:36 12:03 6:46
23 الجمعة 14/4 4:10 5:35 12:03 6:46
24 السبت 15/4 4:09 5:34 12:03 6:47
25 الأحد 16/4 4:07 5:33 12:02 6:48
26 الإثنين 17/4 4:06 5:32 12:02 6:49
27 الثلاثاء 18/4 4:04 5:31 12:02 6:49
28 الأربعاء 19/4 4:03 5:29 12:02 6:50
29 الخميس 20/4 4:02 5:28 12:02 6:51
30 الجمعة 21/4 4:00 5:27 12:01 6:51
1- يكون يوم السبت 22/4/2023 أول أيام عيد الفطر المبارك لقوله تعالى [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ] إذا لم تثبت رؤية الهلال ليلة الجمعة .
2- صدرت مائتان وستة وأربعون جزءً من تفسيري للقرآن في سورة البقرة وأكثر آيات آل عمران ، وهي معروضة على موقعنا WWW.MARJAIAA.COM، وكلها تأويل وإستنباط وقوانين من ذات مضامين الآيات لم يشهد لها التأريخ مثيلاً، إلى جانب كتبي الفقهية والأصولية [قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ].
3- ستعلن أكثر الدول العربية يوم الجمعة 21/4 أول أيام شهر شوال.
إمساكية شهر رمضان ــ 1444هـ((مدينة بغداد صانها الله من الفساد))
شهر رمضان اليوم التاريخ أذان الفجر الشروق الظهر المغرب
1 الخميس 23/3 4:40 6:03 12:09 6:30
2 الجمعة 24/3 4:39 6:02 12:09 6:31
3 السبت 25/3 4:37 6:00 12:09 6:31
4 الأحد 26/3 4:36 5:59 12:08 6:32
5 الإثنين 27/3 4:34 5:58 12:08 6:33
6 الثلاثاء 28/3 4:33 5:56 12:08 6:34
7 الأربعاء 29/3 4:32 5:55 12:07 6:34
8 الخميس 30/3 4:30 5:54 12:07 6:35
9 الجمعة 31/3 4:29 5:53 12:07 6:36
10 السبت 1/4 4:27 5:51 12:07 6:37
11 الأحد 2/4 4:26 5:50 12:06 6:38
12 الإثنين 3/4 4:24 5:48 12:05 6:40
13 الثلاثاء 4/4 4:22 5:47 12:05 6:40
14 الأربعاء 5/4 4:21 5:45 12:04 6:41
15 الخميس 6/4 4:19 5:44 12:04 6:42
4- يكون يوم الخميس 23/3/2023 أول أيام شهر رمضان ، ويطل الهلال ليلتئذ عالياً ، ويبقى بعد الغروب (50) دقيقة.
5- لا أصل للإحتياط بالإمساك قبل الأذان بسبع أو عشر دقائق، ويمتنع السحور بطلوع الفجر الصادق، وعليه الكتاب والسنة ، فيجوز شرب الماء قبله ولو بدقيقة، وتتجلى المندوحة بقوله تعالى[كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ] وقوله تعالى[يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ].
6- يستحب الإستهلال، ولا تثبت رؤية الهلال إلا بشاهدين عدلين.
شهر رمضان اليوم التاريخ أذان الفجر الشروق الظهر المغرب
16 الجمعة 7/4 4:18 5:43 12:04 6:42
17 السبت 8/4 4:16 5:42 12:04 6:43
18 الأحد 9/4 4:15 5:40 12:03 6:44
19 الإثنين 10/4 4:14 5:39 12:03 6:45
20 الثلاثاء 11/4 4:12 5:38 12:03 6:45
21 الأربعاء 12/4 4:11 5:37 12:02 6:46
22 الخميس 13/4 4:09 5:35 12:02 6:47
23 الجمعة 14/4 4:08 5:34 12:02 6:47
24 السبت 15/4 4:07 5:33 12:02 6:48
25 الأحد 16/4 4:05 5:32 12:01 6:49
26 الإثنين 17/4 4:04 5:31 12:01 6:50
27 الثلاثاء 18/4 4:02 5:30 12:01 6:50
28 الأربعاء 19/4 4:01 5:28 12:01 6:51
29 الخميس 20/4 4:00 5:27 12:01 6:52
30 الجمعة 21/4 3:58 5:26 12:00 6:52
4- يكون يوم السبت 22/4/2023 أول أيام عيد الفطر المبارك لقوله تعالى [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ] إذا لم تثبت رؤية الهلال ليلة الجمعة .
5- صدرت مائتان وستة وأربعون جزءً من تفسيري للقرآن في سورة البقرة وأكثر آيات آل عمران ، وهي معروضة على موقعنا WWW.MARJAIAA.COM، وكلها تأويل وإستنباط وقوانين من ذات مضامين الآيات لم يشهد لها التأريخ مثيلاً، إلى جانب كتبي الفقهية والأصولية [قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ].
6- ستعلن أكثر الدول العربية يوم الجمعة 21/4 أول أيام شهر شوال.

رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد
403 لسنة 2023

مشاركة

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn