عدة الآيس بالشهور

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطـائي 

صاحب أحسـن تفسير للقرآن  

وأستاذ الفقه والأصول والتفســير والأخــلاق                   العدد: 971 

______________________       التاريخ:  13/9/2013 

م/عدة المطلقة اليائس

قال تعالى[وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ]

الحمد لله الذي أنعم علي بالشروع هذه الأيام بطباعة الجزء المائة من(معالم الإيمان في تفسير القرآن) في آية واحدة من سورة آل عمران، وطوبى لمن إقتنى أو إطلع على نسخة منه.

وفي سبب نزول الآية أعلاه ورد عن أبي بن كعب قال: قلت: يا رسول اللَّه إنّ ناساً من أهل المدينة لما نزلت الآيات التي في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدة النساء عدد لم يذكرن في القرآن الصغار والكبار اللاتي قد انقطع عنهن الحيض وذوات الحمل، فأنزل اللَّه: {اللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر }، { واللائي لم يَحِضْنَ } يعني كذلك عدتهن ثلاثة أشهر)، وقيل بضعف خبر أبي وأنه منقطع، ولكن موضوع الخبر متعدد في جهته وصحيح، وقيل لما بيّن الله تعالى عدة ذوات القروء وذوات الحمل في سورة البقرة، وبقيت اليائس والتي لم تحض إرتاب أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أمرهما فنزلت هذه الآية، والمشهور نزول سورة الطلاق بعد سورة البقرة، وذكر قول ثان في الآية وهو إتحاد موضوع اليأس والإرتياب فإن إرتبتم أو إرتبن هن يكون الإعتداد بثلاثة شهور ، ونسب سقوط العدة عن الآيس إلى داود الظاهري ولم تثبت هذه النسبة.

وإذا كانت المطلقة آيسا فإن الآية الكريمة لا تنفي العدة عنها، وتحتمل الآية حذفاً وتقديرها: اللائي يئسن وإن إرتبتم) لإرادة أن عدة المرتابة بالشهور وليس إنتظار الحيض الذي يغيب مدة الشهرين والثلاثة ولمرات قبل إنقطاعه نهائياً، لذا لم تقل الآية (إن إرتبتن) بل تعلق الإرتياب بالأزواج. 

ومشهور الإمامية هو أن الآيس لا عدة عليها، وإجماع المذاهب الأربعة أن عليها العدة ثلاثة أشهر، وقال الشيخ الطوسي: وعدة الآيسة من الحيض ومثلها لا تحيض، فلا عدة عليها، عند أكثر أصحابنا، وقال قوم: عدتها بالأشهر)( ).

وجاء التقييد بإنتفاء العدة صريحاً في القرآن بخصوص غير المدخول بها، قال تعالى[يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا] سورة الأحزاب 49، ليكون مدار العدة على الدخول بالمرأة فإذا دخل بها يلزم طلاقها العدة إلا ما خرج بالدليل , وهي على جهات:

الأولى : عدة التي لم تبلغ الحيض، ومثلها لا تحيض. الثانية : التي تحيض وعدتها ثلاثة أقراء على إختلاف في معنى القرء والمختار والمشهور أنه الطهر الحاصل بين حيضتين.  الثالثة : التي إرتفع حيضها ومثلها تحيض وعدتها ثلاثة أشهر.  الرابعة : الحامل، وعدة طلاقها وضع حملها.

الخامسة : التي لا تحيض ومثلها تحيض، وعدتها بالأشهر ثلاثة أشهر، وحدد جمع من الفقهاء عمرها بأنه أقل من خمسين سنة.   السادسة : المرتابة التي إنقطع حيضها قبل سن اليأس.

السابعة : طلاق الآيس المدخول بها.

وتحتمل الآية أعلاه من سورة الطلاق بالدلالة التضمنية لزوم العدة على الآيس.

واليأس هو إنقطاع الرجاء بالحيض، والمرتابة هي التي قاربت سن اليأس وترجو الحيض ولا يجتمع المتضادان أي وجود الرجاء وإرتفاعه، وموضوع اليأس والإرتياب واحد وهو حال المطلقة من الحيض، وجعل المرتضى متعلق الإرتياب هو الجهل في أصل الحكم، وقال بأن حكم اليائسة الإعتداد ثلاثة أشهر، وبه قال أيضا إبن سماعة وإبن شهرآشوب وإحتاط فيه إبن زهرة.

ووردت نصوص عن الإمام الصادق عليه السلام , وهي على قسمين، قسم منها يبين لزوم العدة على الآيس منها , حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلى بأذن زوجها حتى تمضي عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض) وجاء الحديث مطلقاً وتخرج غير المدخول بها بالتخصص.

وعن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: عدة المطلقة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض)، وأستدل على إنتفاء العدة عن اليائس بنصوص منها حسنة زرارة عن الصادق عليه السلام في الصبية التي لا تحيض مثلها والتي قد يئست من المحيض ليس عليها عدة وإن دخل بها).

وفي صحيحة حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التي يئست من المحيض يطلقها زوجها قال: بانت منه، ولا عدة عليها).

ومع التعارض بين الروايات نرجع للأصل وهو الآية القرآنية وموضوع الآيس عام البلوى من أيام التنزيل والنبوة وأيام أمير المؤمنين والحسن والحسين وزين العابدين والباقر عليه السلام، فلابد أن هناك حكماً متسالماً ومتعارفاً عليه وهو على الظاهر الملازمة بين الدخول والعدة فمن دخل بها زوجها ثم فارقها فلابد من عدة تعتدها مع موضوعية الإحتياط في الفروج في المقام التي تتجلى بالعدة.

وقد وردت النصوص بالتوارث بين الزوج والزوجة أثناء العدة الرجعية لأنها ملحقة بالزوجة، واليأس من الحيض ليس علة تامة للحرمان من هذا الحق ما دام قد حصل دخول وذاق كل منهما عسيلة الآخر، وليس اليأس مثل البينونة في الطلاق كما في التي طلقت ثلاثاً ، خصوصاً وإن الحكمة من عدة المطلقة على وجوه:

الأول : عدم إختلاط ماء أكثر من واطئ.  الثاني : العدة فرصة وحق للزوج بالرجوع بالمرأة بالتدارك أو الندم.

الثالث :  موضوعية المهر والإنفاق والعشرة بين الزوجين.

الرابع : إطلاق وإستصحاب قوله تعالى[وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً]سورة الروم 21. 

  الخامس : شأن وموضوعية عقد الزواج والرابطة المترشحة عنه.

السادس : إصلاح المجتمعات وبث روح الألفة والمودة فيها، والأسرة نواة المجتمع , ودفع أبغض الحلال بالإنابة والوئام.

السابع : حق الزوجة في الرجوع مدة العدة وان كانت آيساً مادامت مدخولاً بها، والتدارك وإزاحة أسباب النفرة، لذا يجب أن تبقى المطلقة الرجعية مدة العدة في بيتها وتتزين لزوجها.

الثامن : حق الولد إن وجد والأقارب في سلامة العلقة الزوجية خصوصاً في سن اليأس.

التاسع : تجلي التكامل في قوانين الشريعة الإسلامية وصيغ الإنصاف فيها والمختار والظاهر من الآية القرآنية وجوب العدة على اليائس، وهو موافق لقاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وقاعدة نفي الحرج في الدين وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا) وقال: إذا حدثتم الناس عن ربهم، فلا تحدثوهم بما يفزعهم ويشق عليهم).

 

ومن الإعجاز المستحدث في قوله تعالى[وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ] الإرتقاء في علوم الطب وإمكان حمل الآيس اليوم أو غدا، فيكون من الريب والشك إحتمال أخذها لعلاج الحمل، ولكن هذا الأمر ليس علة تامة للمختار وهو حكم بالعدة بالشهور للمطلقة الآيس، ونصدر هذه الفتوى والجزء المائة من التفسير في مراحله الأخيرة والحمد لله، مع إكرامي للفقهاء والعلماء الذين يفتون بعدم العدة على الآيس، والعلم عند الله.

 

حرر في النجف الأشرف

5 ذي القعدة 1434 هـ

 

مشاركة

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn