بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطـائي
صاحـب أحسن تفسـير للقرآن العدد: 80/14
وأستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخــلاق التاريخ : 5/3/2014
__________________
م/ عدم سقوط حضانة الأم في النكاح المنقطع
من مصاديق قوله تعالى[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ]سورة آل عمران 110، حق الصبي في حضانته إلى حين البلوغ، وتعاهد الأبوين، والأقارب والأمة له عند فقد الأبوين، والحضانة تربية وإصلاح وتولية لشؤون الصبي وهي أمانة وكأنها ولاية سلطنة على الطفل، وفيها الأجر والثواب فهي مقدمة لتوارث الإيمان وسنن طاعة الله ورسوله وإعلاء كلمة التوحيد، وهذا الأمر جلي بدراسة مقارنة بين المسلمين وغيرهم في باب نشأة الأطفال، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وذريته وولده ، فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك ، فيقول : يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به)(الدر المنثور 9/309)، وكان العرب يأدون البنت في صغرها، وحرم الإسلام الوأد وأوجب العناية بالأطفال وحضانتهم والذب عنهم.
وفي بحثنا الخارج الفقهي أسسنا تقسيماً إستقرائياً لحضانة الصبي على مراتب:
الأولى : مدة الرضاع وهي حولان كاملان، قال تعالى[وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ]سورة البقرة 233.
الثانية : مرحلة الصغر من حين الولادة إلى سن التمييز، ويقال: غُلامٌ خُماسيٌّ ورُباعيٌّ. قال: خَمْسَةٌ أشْبارٍ، وأرْبَعَةُ أشْبارٍ وإنما يقال: خُماسِيٌّ ورُباعيٌّ فيمن يَزْدادُ طُولا(تهذبب اللغة 2/447 )، ولا يقال سداسي وسباعي لأنه أدرك سن البلوغ.
الثالثة : مرحلة التمييز من سن التمييز إلى البلوغ، كأن يأكل الصبي وحده ويلبس وحده، ويميز بين الأشياء، ويتجنب أسباب الضرر الظاهرة.
الرابعة : مرحلة البلوغ بأن يبلغ رشيدا فتسقط عنه الحضانة، إذ لا ولاية على البالغ الرشيد ذكراً أو انثى.
والإجماع على سقوط حق المرأة في حضانة ولدها إذا تزوجت، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي , ومنهم من قيد سقوط حضانة الأم بما إذا كان الزوج من غير الأرحام، ومنهم قال بسقوطه بالعقد، ومنهم من اشترط في سقوطه تحقق الدخول، ولو طلقت المرأة هل تعود لها الحضانة، أختلف فيه على قولين:
الأول : يعود حق الأم في الحضانة، وبه قال الشيخ الطوسي، وأبو حنيفة والشافعي.
الثاني : لا يعود حقها في الحضانة، وبه قال إبن إدريس ت599 وقاله مالك.
والمختار أن حضانتها تعود لها لزوال المانع، مع إستدامة المقتضي، ولأن حضانتها لإبنها حق لها ولإبنها أيضاَ فتشمل المقام قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علّق بطلان حضانة الأم بالتزويج وفي الخبر أن امرأة قالت : يا رسول الله ، ان ابني هذا كان بطني له و عاء ، و ثديي له سقاء ، و حجري له حواء ، و أن أباه طلقني و أراد أن ينتزعه مني ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : أنت أحق به ما لم تنكحي( مستدرك الوسائل 15/129)، فكأنه بالطلاق يكون عرض زائل فيما يخص الحضانة، وحق الأم في الحضانة باق ما دام الصبي في سن تختص معه بحضانته، وللولد حق في الحضانة , وربما كان ذات الطفل علة أو جزء في حصول الطلاق.
وهل تسقط حضانة الأم لطفلها إذا تزوجت زواجاً منقطعاً، الجواب فيه تفصيل، فاذا كان الزواج المنقطع مثلما متعارف في هذه الأيام باجراء عقده سراً، والمعاشرة خفية وفي أوقات متباعدة فلا تسقط حضانة الأم لأن مثل هذا العقد ومسمى النكاح لا يضر في مصاحبتها لابنها وعنايتها به وتولي شؤونه، بالإضافة إلى الفتنة التي قد تتفرع، عن طلب إسقاط حضانتها بسبب النكاح المنقطع، وإجتمال إنكارها له، وإن كان هذا الأمر لا موضوعية له بالحكم الشرعي في الحضانة والمدار على أن هذا العقد إذا لم يكن فيه مبيت وخدمة وصحبة مستمرة وتولي الزوجة تلبية حاجات الزوج فلا تسقط الحضانة وإن كان إجراء العقد علناً وظاهراً , والقدر المتيقن والمتبادر من الحديث النبوي أعلاه هو النكاح الدائم , ولا يلحق النكاح المؤقت بالدائم في موارد منها عدم التوارث بين الزوجين إلا مع الشرط، والعلم عند الله