بسمه تعالى
سماحة آية الله العظمى الشيخ صالح الطائي(دام ظله)
س: في سنة1991 م أقترضت مبلغ قدره10,000 عشرة آلاف دينار من الأخ المجاهد نعيم محسن في محافظة ميسان/المجر الكبير، وبعد فترة تم إعتقال المجاهد اعلاه من قبل سلطات النظام البائد، وهو في الاعتقال ارسل وصية بيد السيد محمد علي الحلو، وكيل آية الله العظمى السيد السيستاني/ بأن المبلغ الذي إقترضه مني الحاج فاضل موسى المحموداوي أمانة وليس قرضة، وبعد فترة من الوقت تم مداهمة محلي وسرقت أموالي ومن بين هذه الاموال المبلغ المذكور أعلاه، اجيبونا رحمكم الله….
الحاج فاضل موسى
2شعبان1433
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إلى/ الوجيه الحاج فاضل موسى”حفظه الله”
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مع إنشغالي في تأليف ومراجعة وتصحيح الجزء الثالث والتسعين من(معالم الإيمان في تفسير القرآن) بمفردي بفضل الله في آية علمية لم يشهد لها التأريخ مثيلاً وهو الجزء الثالث في تفسير آية واحدة من سورة آل عمران وهو قوله تعالى[وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ] ورد هذا الإستفتاء الكريم( )، والجواب من وجوه:
الأول: مع ثبوت الوصية شرعاً من قبل المجاهد نعيم محسن رحمه الله يتحول المبلغ إلى أمانة مالكية بقدرها.
الثاني: حينما سُرق مبلغ الأمانة تسقط المطالبة به , مع عدم التعدي والتفريط, ولا شيء في الذمة.
الثالث: ثبوت حصول التعدي كالتصرف بالمبلغ خلاف أحكام الوديعة، أو التفريط كما لو كان إبقاء الأمانة في المحل تفريطاً، وأنه ينبغي حفظها في مكان آمن لا يكون عرضة للمداهمة والتلف, ومع الإختلاف في هذا الأمر بين ورثة المودِع والمستودَع , يُسئل أهل الخبرة آنذاك ثم عمومات البينة على من إدعى واليمين على من أنكر.
الرابع: عند ثبوت التعدي أو التفريط في ترك مبلغ الأمانة في المحل لا يثبت إلا ذات المبلغ وهو عشرة آلاف دينار عراقي، ويكون كما لو أودعها صاحبها في المصرف والبنك , فلو أراد بعد ثلاثين سنة ونحوها سحبها, فهل يعطيه المصرف أكثر مما أودع فيه؟
الخامس: إذا ضارب المستودَع (حضرتكم) بالمبلغ، وإشتغل فيه بالتجارة فان نماءه يعود للمالك لتبعيته للأصل، وعدم الإذن في المضاربة من المالك أو الورثة فيما بعد, وعند تعذر حصر نمائه، تكون من مسائل دوران الأمر بين الأقل والأكثر, ودفع الأقل للورثة مبرء للذمة , ودفع الأكثر موافق للإحتياط.
السادس: إذا تم شراء عين أو عروض بالمبلغ المودع فتعود إلى المالك وإلى ورثته من بعده[لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ]سورة النساء 11،بعد الدين والوصية، ودين الله أولى أن يؤدى كالحج مع ثبوت إستطاعة المناب عنه، والموضوع من الكلي المشكك الذي يكون على مراتب متفاوتة، فمنها ما يكون عوضه خمسين ضعفاً ومنها مائة، ومنها مائتا ضعف، ومنها لا يستحق إلا أصل المال مع إستحباب المصالحة أو عدمه وهذه الفتوى خارطة طريق في المقام، وليعلم المقرض أن ثواب التأخير والامهال عظيم.
السابع: مع الإختلاف والخصومة في توظيف الأمانة في التجارة والكسب أو عدمه, فالبينة على من إدعى واليمين على من أنكر , ومع إنعدام الأولى , وأدائكم اليمين بعدم توظيفه فلا يجب إلا العشرة آلاف دينار, هذا إذا ثبت التعدي أو التفريط في سرقتها من المحل , والأمر سهل، والأهم والأولى هو حرص الطرفين على إستدامة الأخوة الإيمانية، وإرادة الثواب , قال تعالى[وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ].
الثامن: ما يتردد من المصالحة بمائة ضعف أو بمائة وخمسين ضعفاً لأصل الدَين غير ملائم لجميع الأحوال, فمن الديون ما مضى عليها أربعون وخمسون سنة، ومنها عشرون أو أقل، وهناك تباين فاحش بينها في الأسعار والقيمة والحال والشأن، بل كانت الأسعار وفرق العملة تتغير كل يوم فليس من ضابطة كلية في المقام أو نسبة معينة للمصالحة والعوض.
التاسع: هذه فتوى في مفروض السؤال أما الحكم وإستنباطه في ذات الخصومة فيتوقف على سماع دعوى وقول وحجة الطرف الآخر، وهم ورثة الشهيد.
لذا لابد من تقييم ودراسة كل قضية شخصية على نحو مستقل والحكم بحسب الحال والقرائن في هذه المسألة الإبتلائية العامة مع قصد المصالحة والإستعانة بأهل الخبرة لإعتبار الموضوع في الحكم, إذ يرجع الفقيه في الموضوعات والشبهة الموضوعية إلى العرف قهرا وإنطباقاً إلا أن يكون هو من أهل الخبرة ، وإذا تغير الموضوع تبدل الحكم.
وأرجو من المكاتب والمرجعيات التي تحدد أضعافاً معينة للديون وما إشتغلت به الذمم على نحو العموم الإستغراقي مع التباين في الزمان والقيمة أن تعيد تحري الأمر موضوعاً وحكماً , لأن إطلاق هذا التعيين خلاف قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، وقاعدة نفي الجهالة والغرر، ونفي الحرج في الدين.
بالمناسبة حينما تولى يوسف عليه السلام الوزارة في سني القحط في مصر المحروسة والتي ذكرت في القرآن أكثر من أي مصر أو بلدة أخرى، قال تعالى[ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ]سورة يوسف 48، جاء التجار إلى يوسف وإشتروا البر والقمح، وعندما خرجوا سألهم تجار آخرون قادمون للشراء، بكم إشتريتهم فذكروا ضعف المبلغ الذي إشتروا به، كما لو إشتروا القفيز( ) بعشرين وقالوا بأربعين وعندما دخلوا على يوسف عليه السلام قالوا بعنا كما بعت من قبلنا. قال لهم بكم؟ فقالوا بأربعين، فقال بعتكم بأربعين، وحينما خرج هؤلاء التجار، إستقبلهم تجار آخرون قادمون، قالوا بكم إشتريتم فضاعفوا الثمن وقالوا: إشترينا القفيز بثمانين، فدخلوا، فقالوا: بعنا مثل ما بعت القوم، قال بكم؟ قالوا بثمانين فباعهم، ولما سألهم آخرون وضاعفوا مبلغ الشراء أيضاً دخلوا على يوسف عليه السلام، فقالوا لا طاقة لنا بالشراء بمائة وستين، فقال تشترون بكم؟ قالوا: بعشرين، فباعهم بعشرين.
نسأل الله إستقرار الأسواق مقروناً برخص وخصب ويسر ووفور الخيرات ، ويكون باعثاً للسكينة في النفوس والصلاح في المجتمعات والإنقطاع إلى ذكر الله والشكر له تعالى.
وقد تصلح هذه الفتوى وحدها لإطروحة دكتوراه ذات صبغة فقهية، إجتماعية، إقتصادية، وفيه توثيق لحقبة من تأريخ العراق، وما إبتلي به أهله من الأذى وما لحقهم من الأضرار وهي مدرسة لأهل العلم في الفقاهة، ومادة للمحامين ورجال القانون في لغة الجدل والبرهان، والعلم عند الله.
حرر في النجف الأشرف صالح الطائي
4 شعبان 1433
جاء الإستفتاء قبل يومين مع فضيلة العلامة السيد فاخر الياسري مدير الوقف الشيعي في الرصافة ومدينة الصدر وفضيلة الشيخ الجليل علاء اللامي وبعض المؤمنين الكرام إذ إتفق دخولهم مع أذان الظهر وجرى بحث موضوع الفتوى تفصيلاً بحضور عدد من الفضلاء وأهل النجف الكرام، وبعثنا على الغذاء من السوق لضيق الوقت من مطعم يبيع الدجاج بضعف قيمته لأنه بلدي مذكى، مع تقدم رجاءنا لفضيلة العلامة الياسري بالإشعار للتهيء لإكرامهم