فتوى
أخذ المرتهن(الدائن) لإيجار الدار المرهونة ربا محرم
بسم الله الرحمن الرحيم
لسماحة آية الله العظمى الشيخ صالح الطائي(دام ظله الوارف)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وردت أسئلة من بعض أصحاب مكاتب العقارات حول الرهن نرجو أن تمنوا علينا بإفاضاتكم سائلين المولى عز وجل أن يجعلكم ذخراً للإسلام والمسلمين.
السيد رفعت المحنة
السؤال الأول/رهن شخص ما بيته لآخر مقابل مبلغ ويكون الراهن ساكناً في بيته وملزماً بإعطاء إجار شهري للمرتهن(صاحب المبلغ) حتى تنقضي المدة.
فضيلة العلامة السيد رفعت المحنة”حفظه الله”
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي أنعم عليّ وعليكم بإصدار الأجزاء 80-81-82-83- من تفسيري للقرآن(معالم الإيمان) وتقع الأجزاء الأربعة في تفسير آية واحدة وهي(لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة) وكلها إستنباط وعلوم من ذات الآية الكريمة.
الجواب/ الرهن لغة الثبات والدوام وفي عرف الفقهاء وثيقة يدفعها المدين الى المرتهن للإســتيثاق على الدين، ويقــال للعين المرهــونة (الرهن) و(المرهون) ولدافعها وهو المدين (الراهن) ولآخذها وهو الدائن (المرتهن)( )، ويشترط في صحة الرهن تحقق القبض من المرتهن، ولو إشترط صيرورة الرهن بيد الراهن أو طرف ثالث صح.
أما إعطاء إيجار شهري للمرتهن(صاحب المبلغ) فهذا من الربا المحرم إلا أن يحتسب من أصل مبلغ الرهن، وقال العلامة الحلي في التحرير: منافع الرهن للراهن سواء كانت منفصلة أو متصلة، والمراد من المنفصلة التمر والصوف والوبر، ومن المتصلة السمن والزيادة في الطول) وقد أسميناه في رسالتنا العملية(النماء المنفصل والمتصل، ومن المنافع سكن الدار وركوب والسيارة.
وهل يتعارض بقاء الراهن في الدار مع شرط قبض المرتهن للعين المرهونة، الجواب لا، لوجود وثائق ومكاتبات تدل عليه، ولأن بقاء الراهن في البيت بإذن المرتهن، وإلا فإن الأصل هو منع الراهن من التصرف في العين المرهونة، فحال البيوت والأراضي في هذه الأزمنة تختلف عن أيام الأئمة لوجود مستندات وسجلات العقاري، وكانوا سابقاً يعتمدون قاعدة اليد وأيضاً معها يحرم دفع إيجار شهري للمرتهن وهذا الإيجار من الربا والسحت، إلا أن يحتسب من أصل القرض.
السؤال الثاني/ رهن شخص بيته لآخر مقابل مبلغ ويكون للمرتهن حق التصرف في البيت بأن يسكن فيه حتى تنقضي المدة.
الجواب/(لا يجوز للمرتهن التصرف في الرهن بدون إذن الراهن لأن الرهن لا يبطل ملكية الراهن له، ولو تصرف فيه بركوب أو سكنى أو لبس ونحوها ضمن العين ولزمه أجرة المثل يدفعها للراهن لما استوفاه من المنفعة، ولو تلفت تحت يده ضمن لأنه متعد ولقاعدة اليد)، فيجب على المرتهن إعطاء الإيجار بالسعر الفعلي المتعارف في وقته، إلا أن يحتسب الإيجار من أصل القرض، ولا تصح المصالحة ونحوها لشائبة الإكراه، ومخالفة الحكم الشرعي , وفي الخبر: إن رجــلاً أتى علياً عليه السلام فقال: إن لي على رجل ديناً فأهــدى إليّ هــدية، قال عليه الســلام: إحسبه من دينك عليه) ( )، لعدم تجريد الهدية في المقام عن الخصوصية وموضوعية القرض فيها.
والإجماع عندنا على أن نماء الرهن كالثمر والحمل خارج الرهن، وبه قال الشافعي(وقال أبو حنيفة: نماء الرهن يكون رهنا مثل الرهن)، وتدل هذه الأقوال بمفهومها على أن النماء والمنافع تعود للراهن وليس للمرتهن .إن سكن المرتهن بالدار بإيجار رمزي أو مجاناً من القرض الذي يجر منفعة (وعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: كل قرض جر منفعة فهو ربا).
السؤال الثالث/رهن شخص بيته مقابل مبلغ ثم توفى الراهن قبل أن يسدد المبلغ للمرتهن ولم يتمكن ورثة الراهن من تسديد المبلغ.
الجواب/ إذا مات المدين حل الدين المؤجل، وإن لم يحن أجله بعد ولكن لا يجوز للمرتهن بيع الرهن لإستيفاء دينه بل يراجع وارث الراهن ويطالبه بالوفاء ولو ببيع الرهن أو توكيله في بيعه، فان امتنع وارث الراهن رفع المرتهن أمره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع فان امتنع وأذن الحاكم أو مع فقد الحاكم وتعذر قيامه بالبيع قام المرتهن ببيعه بنفسه واستوفى حقه أو بعضه من ثمنه إذا ساواه أو كان اقل، وان كان الثمن أزيد من قيمة الدين كما يحصل غالباً يكون الزائد أمانة شرعية بيد المرتهن عليه أن يوصله إلى صاحبه) ( )، والمرتهن أحق من باقي الغرماء بإستيفاء حقه من الرهن، عند موت أو إفلاس الراهن.
السؤال الرابع/ رهن شخص بيته مقابل مبلغ فمات الراهن والمرتهن وأبى ورثة المرتهن إرجاع البيت إلى ورثة الراهن مدعين أنهم ورثوا البيت من والدهم.
الجواب/ الرهن أمانة مالكية بيد المرتهن ثم ورثته، ومن لوازم الأمانة المالكية عدم وجوب تسليمها إلى مالكها إلا بمطالبته لأنها مقبوضة بإذنه، بخلاف الأمانة الشرعية، وعند موت الراهن تنتقل العين قهراً وإنطباقاً إلى ورثته كل حسب حصته، ومفروض المسألة من عمومات قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: البينة على من إدعى واليمين على من أنكر) فإذا كانت هناك وثيقة وبينة على الملكية كسند العقار وشاهدين عدلين يؤخذ بها.
السؤال الخامس/مستأجر قام برهن البيت دون علم المؤجر.
الجواب الخامس/ إنه من التعدي والتصرف المحرم في مال الغير، وتتوقف صحة الرهن على إذن وإجازة المالك، ولا يتعارض هذا التصرف مع لزوم إعطاء الإيجار بالمثل للمالك مطلقاً، سواء أذن بالرهن أم لم يأذن.
السؤال السادس/ مرتهن قام بإستئجار البيت دون علم الراهن.
الجواب السادس/ الرهن أمانة بيد المرتهن، فلا يجوز التصرف في الدار المرهونة إلا بإذن المالك، وحينئذ يعود الإيجار للراهن لأنه المالك ولأن النماء يتبع العين، وليس القرض سبباً للكسب وجر المنفعة , التي تفوت ما فيه من الثواب العظيم.
وتتوقف صحة الإجارة على رضا المالك، ومقدار الأجرة والمنافع له تعود، وله حق نسخ المعاملة أو إمضائها، أو إمضائها مع أخذ الأرث وهو الفارق بين أجرة المثل والأجرة المسماة، والقدر المتيقن من الرهن هو أن العين المرهونة دقيقة ويرجع المالك على المرتهن، وقد يقال بجواز الرجوع على المستأجر لتصرفه الفعلي بالدار وإشتراكه في الضمان ولكن الرهن نوع شائبة ملكية وكأنه من قاعدة اليد فيكون المستأجر قد غرر به.
السؤال السابع/رهن شخص أرضاً لآخر مقابل مبلغ معين إلا إن المرتهن لا يملك المال فدفع إليه كذا رأس من الغنم فعندما إنتهت المدة وأراد الطرفان فك الرهن إختلفا في نفس عدد رؤوس الغنم أو مع منافعها.
الجواب / هذه المعاملة باطلة، لأن الرهن وثيقة على الدين، ويتصرف الراهن في مبلغ الدين حال إستلامه، ويبقى الرهن عند المرتهن، وليس من دين في مفروض المسألة أعلاه، والرهن عقد يشترط فيه الإيجاب من الراهن والقبول من المرتهن ومن ألفاظه أن يقول الراهن: أرهنتك هذا وثيقة عندك على مالك أو دينك) إلا أن يقال أن رؤوس الغنم هي القرض فلا بد من تحديد قيمتها وأوصافها لقاعدة نفي الجهالة والغرر ومع الإختلاف يقدم قول المرتهن مع يمينه إلا أن تكون للراهن بينة، أما لو كان الإختلاف على مقدار الدين الذي تم الرهن له، فيقدم قول الراهن مع يمينه.
السؤال الثامن/لو إتفق صاحب مكتب للعقار مع شخص ما على شراء عقاراً من شخص آخر بسعر أدنى لبيعه على شخص ثالث بسعر أعلى ويكون الربح بين صاحب المكتب والشخص المتفق معه.
الجواب/ هذا من التصرف في مال الغير بغير مسوغ ولا إذن من المالك وهو حرام حرمة تشريعية، وقد يرقى إلى الغصب بحسب الحال والقصد، قال تعالى[يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ].
وفي الحديث: غبن المسترسل ربا) وهذا الفعل أشد وأقبح من الغبن، لأن أخذ الزائد تم بالتغرير، فهو حرام، ويجوز لصاحب الدار الرجوع عليهما لخيار الغبن عند تحقق شرائطه.
أخي صاحب الدار: إعزف عن رهن بيتك بمعاملة ربوية وإستيفاء المرتهن الإيجار منك أو من غيرك، (وعن جابر بن عبد الله قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه وقال: هم سواء).
والمراد من الكاتب في معاملات الرهن التي تجري هذه الأيام[فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا]النساء9.
ويجب على من يباشر الكسب بالتجارة أو بغيرها أن يعرف ما يتعلق بعمله ومهنته من مسائل الحلال والحرام الإبتلائية ولو في الجملة.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: يأتي على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره) ( )، ومن المواعظ والعبر أن مبلغ الرهن سرعان ما يتم إنفاقه، وتبقى تحت وطأة الربح وتسديد أصل القرض وأدعوا إلى إنشاء مصارف إسلامية للقروض غير الربوية ومضاعفة قرض المصرف العقاري.
أخي صاحب المال: ما أكثر أبواب التجارة والكسب الحلال التي جعل الله فيها النماء والبركة، والخالية من الشبهات.
ومن الأخبار المتواترة أن حاجباَ بن زرارة من سادات تميم، ومن البلغاء الفصحاء في زمانه, ويقال له: ذو القوس، وذلك أن تميمًا أقحطوا، فارتحل حاجب إلى كسرى، فسأله أن يأذن له، أن ينزل حول بلاده. فقال: إنكم أهل غدر! فقال: أنا ضامن. فقال: ومن لي بأن تفي؟ قال: أرهنك قوسي، فأذن لهم دخول الريف. فلما مات حاجب، رحل عطارد بن حاجب إلى كسرى، يطلب قوس أبيه، فردها عليه وكساه حلة. فلما وفد إلى النبي عطارد، وأسلم على يديه أهداها للنبي، فلم يقبلها).
أي أن الرهن معروف في المعاملات قبل الإسلام كوثيقة على الدين وليس فيه ربح وفائدة.
ورهن سيار بن عمرو قوسه بألف بعير وضمنها لملك من ملوك اليمن للإغارة على بلاد الشام، وتتناقل مجالس الآباء بالتسليم أن أعرابياً رهن عند أحد التجار شعرة من شارِبه وثيقة على دينه فقبلها التاجر ووضعها في سجل الديون، ووصى الأعرابي عند دنو أجله إبنه بقضاء الدين وإعادة الرهن، فجاء إلى التاجر وفك الرهن من غير ربح أو إيجار , بينما يتم الدين والرهن الآن بوثائق وصكوك وتحت مظلة القانون ليتجلى الضمان من باب الأولوية القطعية.
وينبغي للمسلم إن يكون وثوقــه بأخيـه المسلم أكثر من وثوقه إلى الرهــن خصــوصاً إذا كان الراهـن ثقة ومن أهل الأمانة لاسيما وان الرهن بمعناه الاصطلاحي ذكر في القرآن مرة واحدة بقوله تعالى [ وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ] فمفهوم الآية كفاية الكتابة والشهادة مادة للإستيثاق بين المسلمين بلحاظ لغة الخطاب في الآية، ولكن جواز الرهن بالمعنى الأعم عليه الإجماع بالإضافة إلى إطلاق النصوص وقاعدة السلطنة وقاعدة نفي الحرج والمؤمنون عند شروطهم وأدلة الضمان).
حرر في النجف الأشرف صالح الطائي
20/ شعبان 1432