قراءة المرأة في الصلاة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

                                                                                                                   العدد : 57/14

                          14/1/2015  :التاريخ         

 

م/ قراءة المرأة في الصلاة تنطبق عليها الأحكام التكليفية الخمسة 

 

الحمد لله الذي أنعم علينا بصدور مائة وثلاثة عشر جزءً من (معالم الإيمان في تفسير القرآن) في آية علمية لم يشهد لها التأريخ مثيلاً، وبفضل ولطف الله أقوم بالتأليف والتصحيح والمراجعة بمفردي.

وبناء على الأسئلة الواردة من نخبة من الفضلاء في موضوع قراءة المرأة في الصلاة وطرو وشيوع حال تبادل الكلام بين الرجال والنساء في الدوائر والجامعات والأسواق والفضائيات طوعاً وإنطباقاً، فنجيب بما يلي:

الأول : الصلاة خير موضوع , ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عن أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها).

الثاني : القراءة واجب غير ركني فلو تركتها المصلية أو المصلي وتذكر بعد الركوع صحت صلاته وسجد سجدتي السهو ، ولو ترك الفاتحة والسورة او احدهما قبل الوصول الى حد الركوع رجع وتدارك .  وكذا لو ترك الحمد وتذكر بعد الدخول في السورة رجع وأتى بها ثم بالسورة.

 الثالث  :  الإقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كيفية القراءة , قال تعالى[لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ]، والسنة الفعلية والتقريرية والإجماع على القراءة بالجهر في صلاة المغرب والعشاء والصبح، والإخفات في صلاة الظهر والعصر، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: صلوا كما رأيتموني أصلي) وقال (خذوا عني مناسككم).

الرابع : الأصل في الأحكام هو المساواة بين الرجل والمرأة إلا ماخرج بالدليل، وترد الخطابات التكليفية بصيغة الأمر أو الجملة الخبرية، قال تعالى[يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ].

وهو عام وشامل للرجال والنساء لقاعدة الإشتراك , إنما ورد التذكير للفرد الغالب وصيغ المخاطبة وورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: صلاة النهار عجماء وصلاة الليل جهراً.

الخامس : يلحق بالقراءة القنوت ورجحان الجهر فيه، وفيه بعض الأخبار:القنوت جهار كله)، ومنهم من ذهب إلى أن قراءة المرأة بالإخفات مطلقاً في صلاتها اليومية كلها ولا دليل عليه وإستدل في المسالك بقول الإمام الصادق عليه السلام: ليس على النساء جهر)، ولكن هذا الحديث مقيد بالإحرام للحج إذ وردت صحيحة أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ليس على النساء جهر بالتلبية).

  فالقدر المتيقن من الحديث أعلاه عدم وجوب الجهر بالتلبية على النساء، ولا صلة له بموضوع الصلاة.

وفي الروضة البهية قال: (ولا جهر على المرأة) وجوباً بل تتخير  بينه وبين السر في مواضعه إذا لم يسمعها من يحرم إستماع صوتها والسر أفضل لها مطلقاً )، وقال السيد الأستاذ في تعليقته على اللمعة بهامشه على العبارة أعلاه: لا دليل على حرمة إستماع صوت النساء الأجنبيات إذا لم تكن هناك ريبة، أو خوف الوقوع في الفتنة فحكم الشارح بالتحريم مطلقاً لا وجه له.

ولكن كلام الشارح يتعلق بذات المصلية وصوتها , أما سماع الأجنبي لها عرضاً، أو تعمد سماعه فهو أمر آخر، وكل له تكليفه، والأفضلية التي ذكرها في الروضة أعم من التحريم , فالحكم بالأفضل لا يدل على حرمة المفضول.

ويستحب للمرأة إستحباباً مؤكداً أن تقرأ الفاتحة والسورة في صلاة المغرب والعشاء والصبح جهراً إلا مع وجود الأجنبي الذي يسمع صوتها فتخفض صوتها بما لا يسمعه، وكذا مع الإفتتان والريبة فتقرأ بالإخفات والقراءة الجهرية من الكلي المشكك الذي يكون على مراتب متفاوتة، ولكنه لا يصل إلى درجة الصياح.

وفي رسالتنا العملية (الحجة) مسائل:

 الأولى : إذا اختارت المرأة الجهر في القراءة الجهرية وسمعها من يحرم عليه الإستماع لصوتها فانها تؤثم مع العلم، ولكن صلاتها صحيحة.

الثانية :  اذا أمت المرأة النساء تجهر بقدر ما تسمع المأمومات قراءتها مع اعتبار عدم سماع من يحرم استماعه لصوتها.

الثالثة : مناط الجهر في القراءة ظهور جوهر الصوت ورفعه على نحو تسمعه نفسها ومن كان بجانبها، ولا يجوز الصياح وما يشبهه، اما الإخفات فهو عدم اظهار جوهر الصوت وان سمعها من كان قريباً منه.

وذهب أكثر الشافعية والحنابلة أن المرأة إن كانت خالية أو بحضرة نساء، أو بحضرة رجال محارم جهرت بالقراءة في الصلاة الجهرية دون جهر الرجال.

ويرى المالكية كراهة الجهر بالقراءة للمرأة في الصلاة، وأنه يجب عليها بحضور أجانب يخشى عليها من علو صوتها الفتنة سماع نفسها فقط.

ويرى الحنفية وعدد من الشافعية والحنابلة أن المرأة تسر مطلقاً في الصلاة الجهرية والإخفاتية.

قال إبن الهمام: لو قيل إذا جهرت بالقراءة في الصلاة فسدت كان متجهاً) ولا دليل عليه.

أما مع إثارة الشهوة والفتنة فيحرم عليها لأنه مقدمة للحرام وإعانة عليه خاصة إذا كان صوتها حسناً، كما يحرم على الرجل الإستماع مع هيجان الشهوة والإفتتان.

    إن تقسيم كيفية القراءة في الصلاة اليومية من الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسنن التشريع فيها , وفيه مسائل:

الأولى : عند أوان صلاة الصبح وكذا وقت صلاة المغرب يتبادل ملائكة الليل والنهار الصعود والنزول إلى الأرض وتدوين أعمال بني آدم، قال تعالى[وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا]، ليكون المسلمون والمسلمات بادائهم الصلاة وتلاوتهم التنزيل على نحو الوجوب العيني سبباً لإدامة الحياة الإنسانية على الأرض ونزول البركات لقوله تعالى في علة الخلق[وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ].

الثانية : إتيان الصلاة الجهرية في أوقات سكينة وعدم إنشغال بالدنيا، فيقترن التدبر بالآيات ومضامينها القدسية بالتلاوة من قبل القارئ والسامع والمستمع.

الثالث : بيان عز الإسلام بالقراءة الجهرية، وفضل الله سبحانه على المسلمين في تلاوتهم للقرآن خشية منه تعالى , ومن غير خوف أو خشية من الناس وهو من مصاديق قوله تعالى[وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ].

الرابع : تلاوة الآيات والسور في صلاة الصبح والمغرب والعشاء جهراً حرب على النفاق , وزجر للمنافقين ودعوة لهم للإنابة وجعل ما يضمرون في الباطن مثل الذي يظهرون من الإيمان، ليكون المسلم والمسلمة أثناء الصلاة دعاة للهدى والصلاح وجنوداً , قال تعالى[وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ] ومن إعجاز القرآن أنه ذكر المنافقات بالذات في خمس مواطن كلها في الوعيد من العذاب الأليم الذي ينتظرهن والمنافقين الذين يقفون مع المؤمنين يؤدون الصلاة ولكنهم يخفون الكفر والجحود بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

الخامس : دلالة القراءة الجهرية على طاعة المسلمين لله والرسول وهو باب لنزول رحمة الله عليهم في أمور معايشهم ودنياهم وآخرتهم , لذا قال تعالى[وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ].

السادس : القراءة الجهرية سبب للحرص على صحة القراءة وضبط الحركات ومناسبة لتصحيح القراءة والعناية بقواعد التلاوة، وكم من قارئ يتلو القرآن جهراً فيتبين لحنه وتتم هدايته إلى الصواب ليكون الجهر بالصلاة من مقدمات ومواضيع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسمع أعرابي إماما يقرأ : { وَلا تنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا َ } قرأها بفتح التاء ، فقال : ولا إن آمنوا أيضا – يقصد حرمة اللواط- فقيل له : إنه يلحن وليس هكذا يقرأ ؟ فقال : أخروه قبحه الله لا تجعلوه إماما , فإنه يحل ما حرم الله.

السابع : من الإعجاز في أوقات الصلاة أنها وفق آيات النظام الكوني الثابتة مع السعة والمندوحة في أدائها، ولا تمر دقيقة على الأرض على مدار اليوم والليلة إلا والأذان يصدح في موضع وقارة منها، والمسلمون يتلون القرآن، وهل فيه فضل للمسلمين على الناس في صرف البلاء العام عنهم , الجواب نعم، وهو من أسرار عدم الإضرار بالمساجد تأريخياً وبالذي يؤدي الصلاة أمام الناس، ولا عبرة بالقليل النادر.

والمختار أن المرأة مكلفة شرعاً وفي كل فرض يتوجه لها الخطاب الوجوبي بالتلاوة، فيكون جهر المرأة في صلاة الصبح والمغرب والعشاء على وجوه:

الأول : وجوب الجهر عند إمامة المرأة للنساء ، وعدم رجحان سماع الأجنبي، وجعله أدنى من جهر الرجل.

الثاني : الإستحباب المؤكد لجهر المرأة عندما تكون بمأمن من سماع الأجنبي وأسباب الإفتتان، كما لو كانت في بيتها ومخدعها.

الثالث : الإباحة عند خشية طرو سماع الأجنبي أو الفتنة.

الرابع : كراهة الجهر عند إحتمال سماع الأجنبي، أو الإفتتان، وتشتد الكراهة عندما يكون صوتها رخيماً.

الخامس : حرمة الجهر بالعنوان الثانوي عند إجتماع سماع الأجنبي ورجحان حدوث الإفتتان لقاعدة سد ذرائع الفتنة والإفتتان، ولا يصح ترفيعها الصوت بذات غنج، وهو يختلف عن الخشوع والخضوع في القراءة، والعلم عند الله.

 

مشاركة

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn