بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطـائي
صاحب أحسن تفسـير للقرآن
وأستاذ الفقه والأصول والتفسـير والأخـلاق العدد: 613
__________ التاريخ: 30/5/2011
م/ قراءة قرآنية في التظاهرعقب صلاة الجمعة
الحمد لله الذي جعل القرآن[تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]، وما من مجمل فيه إلا وجاء تفصيله في ذات الآية أو السورة أو آية من سورة أخرى والسنة النبوية , وكذا بالنسبة للمطلق والمقيد، والمنسوخ والناسخ، لبيان التكامل العلمي والعقائدي لنظم القرآن وتأكيد حاجة الناس له، والحاجة ملازمة لعالم الإمكان، ولا تستطيع الخلائق مجتمعة ومتفرقة الإستغناء عن رحمة الله , فتفضل الله وجعل بين ظهراني المسلمين سفيراً سماوياً دائماً لهم وللناس لعمومات قوله تعالى[وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]، وأمرهم بتلاوته خمس مرات في اليوم على نحو الوجوب العيني على كل مسلم ومسلمة وهو من الشواهد على بلوغ المسلمين مرتبة[خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ], لما في هذه التلاوة من الخشوع لله , وأسباب التدبر وإكتساب العلوم.
وقد خرج الشباب المسلم للناس هذه الأيام بالتظاهرات العامة بعد صلاة الجمعة، وهي ظاهرة مستحدثة أطلت على شعوب وحكومات العالم، فلا بد من اللجوء إلى القرآن والصدور عنه , للقصور عن معرفة ماهيتها الشرعية , وآثارها في المدى البعيد في زمان العولمة وتداخل الحضارات.
وفي الجزء الرابع والثمانين من تفسيري للقرآن(معالم الإيمان) – والذي يقع في أكثر من ثلاثة ملايين جزءً وفق منهجية ظاهرة على العلماء في الأجيال اللاحقة إتمامه- ذكرت أن خروج المسلمين لأنفسهم، ولأهل الكتاب وأهل الملل المختلفة، لأن الألف واللام في لفظ(الناس) في الآية أعلاه يفيد الجنس الإستغراقي.
ومن البيان في القرآن قوله تعالى[فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ]، ومن مصاديق الآية جرياً وإنطباقاً هذه التظاهرات التي تجري في كثير من الأمصار العربية والإسلامية والتي هي في الغالب إحتجاج على الحكومات القائمة، وهذه الإحتجاجات من الكلي المشكك الذي يكون على مراتب متفاوتة قوة وضعفاً، كما أنها متحركة وغير مستقرة، وتـأخذ بالتصعيد والتشديد في الجمع اللاحقة وهي ظاهرة ذات صبغة عبادية سياسية ، ووسيلة لبيان الرأي والغضب وإنكار الحيف والظلم، ومحاربة آفة الفساد في الجملة، ولكن المدار على الكبرى، إذ تحتمل هذه التظاهرات بلحاظ الآية أعلاه وجوهاً:
الأول: إنها من مواضيع الآية, لأنها تأتي بعد إنقضاء الصلاة , وفي الوقت الذي تذكره الآية بإعجاز, وكأنها نازلة تواً ولغرض معرفة حكم هذه التظاهرات والهيجان عقب الصلاة بالذات.
الثاني: إنها أجنبية عن مضامين الآية أعلاه، لأنها حق كفلته القوانين، وإن إتفق زمانه مع إنقضاء الصلاة.
الثالث: جاءت الآية أعلاه بخصوص الأحوال الإعتيادية، والقضية الشخصية وليس شؤون الأمة.
والصحيح هو الأول، فهذه التظاهرات من مصاديق وعمومات موضوع الآية أعلاه التي يمكن أن نسميها (آية الإنتشار) , وقد ذكرت في تفسيري إسماً لكل آية مستقرأ من ألفاظها, كما مبين في موقعناwww.marjaiaa.com.
وموضوع الآية أعلاه هو ما بعد أداء صلاة الجمعة والحكم تابع للموضوع، وقيل الإنتشار(الظهور على الأرض والتباعد بين الناس في الأعمال) ومع أن الأصل في صيغة الأمر(الوجوب) فإن قوله تعالى(إنتشروا)حمل على الإباحة والتخيير، وعن إبن عباس: إن شئت فأخرج وإن شئت فأقعد، وإن شئت فصل إلى العصر).
لقد أردت قبل نحو عشرين سنة بيان هذه المسألة أثناء ثورة الحجارة في فلسطين , وعزفت عنه لأسباب عديدة، أما الآن وقد صارت هذه التظاهرات مسألة إبتلائية عامة، ولا يعلم آثارها ونتائجها، والمكر المحتمل نحو صلاة الجمعة بالذات إلا الله، فلا بد من معرفة الحكم الشرعي لهذه التظاهرات وهل هي جائزة أم لا وفق القرآن والسنة النبوية الشريفة.
ولا أتعجل في بيان حكمي في المقام وقد رزقني الله عز وجل أحسن تفسير للقرآن، ولكن أسمع أقوال العلماء والمنظمات الإسلامية والشباب الرسالي ودوائر الأوقاف في الدول العربية والإسلامية، وأهل الحل والعقد، (وأخرج إبن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الآية: ليس لطلب دنيا، ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله).
فهل هذه التظاهرات من طلب الدنيا، أم أن المصاديق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من باب المثال الأمثل وليس الحصر، وأن التظاهرات طلب لفضل الله وفيها ذكره تعالى.
أسأل الله عز وجل أن يهدينا سبل السلام ويوفقنا إلى طريق الحق وتحقيقه , ويتم علينا نعمة الخروج من الظلمات إلى النور[إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ].
حرر في النجف الاشرف صالح الطائي
30/5/2011