بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطـائي
صاحب أحسن تفسير للقرآن
وأستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق
_____________ التاريخ: 5/1/2012
م/ فتوى إنعدام الدليل على كراهية العقد والقمر في العقرب
أصبح شائعاً كراهية إيقاع العقد والقمر في العقرب، ولم يثبت عندنا دليله، وعمدة الإستدلال ما ورد في المحاسن للبرقي قال : عن بعض أصحابنا عن علي بن أسباط عن إبراهيم بن محمد حمران عن أبيه عن الإمام الصادق عليه السلام قال: من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى) أي العاقبة الحسنى، والحديث ضعيف سنداً بالإرسال، وكذا رواه المفيد في المقنعة مرسلاً.
والمراد من القمر في العقرب أن يكون في حركته الدورية محاذياً لهيئة فلكية من النجوم تشبه صورة العقرب لمن يشاهدها في الأرض، من باب المجاز والتقسيم الإستقرائي، والأبراج هي: الحمل، الثور، الجوزاء، السرطان، الأسد، السنبلة، الميزان، العقرب، القوس، الجدي، الدلو، الحوت)، والعقرب هو البرج الثامن، والمنازل المنسوبة إليه هي: القلب، الأكليل، الزبانا، الشولة، بلحاظ أن منازل القمر ثمان وعشرون، ويسير القمر في كل برج يومين وثلث اليوم، وتسير فيه الشمس شهراً، وفي قوله تعالى[وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ](1) قيل أنها المنازل العالية، منازل الشمس والقمر والكواكب، وورد في الحديث : (للشمس ثلاثمائة وستون برجاً).
وجريان القمر من المغرب إلى المشرق في دورته التي تستمر شهراً آية وبيان لعظيم خلق الله، وتأكيد لقانون كوني وهو أن القمر مبتلى بالنقص والزيادة إذ يبدأ بهيئة الهلال ثم يكبر ويتسع ضياؤه حتى يكون بدراً، ثم يأخذ بالنقصان إلى أن تأتي ليالي المحاق وإختفائه , في تسخير للإنسان في عباداته كالحج والصيام، ومعاملاته كالآجال والديون والزراعات , قال تعالى[وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ]( 2)، أي بعد أن ينتقل القمر في منازله , ويقطع دورة الفلك بقانون إلهي يعود ويرجع هلالاً كعذق النخلة الذي يحمل الطلع في إصفراره وإنائه وإعوجاجه.
وبعض الحوادث تعرف بالتجربة والآثار وليس بالتنجيم، وقيل أول من أعطى علم النجوم هو آدم عليه السلام إذ أنه عاش حتى أدرك أربعين ألف من ذريته، وتفرقوا في أرجاء الأرض، وكان يغتم ويحزن لخفاء أخبارهم، فأكرمه الله تعالى بهذا العلم، فكان إذا أراد أن يعرف حال أحدهم نظر في النجوم فعرفه، ولم يثبت هذا القول، ولو كان هذا العلم عند آدم لكان عند النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولظهر في سنته القولية والفعلية , لما فيه من التخفيف والتيسير والإعجاز.
ويقال من ولد في القمر في العقرب فهو نحس)( 3)، وفي تهذيب اللغة فهو مشؤوم بدل نحس , والنحوسة أعم من الكراهة ولا دليل عليه أيضاً ولموضوعية التسمية والذكرعند الملامسة بين الزوجين في جلب البركة وصرف أسباب النحوسة والشؤم.
وربما يحاول بعضهم الإستدلال على الكراهة وموضوعية النجوم في ماهية وخواتيم الأعمال بقوله تعالى[فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ]( 4)، لكن الآية جاءت لبيان بديع صنع الله في النجوم في جريانها وأنه ليس لها ضوء خاص يخبر عن سيرها، ولأنها تنكس في النهار أي تستتر بضوء الشمس، وعن إبن عباس وإبن مسعود: المراد بالخنس بقر الوحش.
وأستدل عليه بقوله تعالى[فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ] والمراد النظام الدقيق للأجرام السماوية , ومساقط النجوم إذا غابت , ومنازل القرآن إذ أنزل إلى السماء الدنيا دفعة في ليلة القدر , ثم أنزل منها على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم نجوماً في مدة ثلاث وعشرين سنة، وقد أقسم الله عز وجل بمخلوقاته السماوية والزمانية والمكانية والنفس وغيرها، قال تعالى[فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ* وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ] [ولاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ].
ولم يثبت الإستدلال بآيات القرآن على موضوع تأثير العلويات ومقابلاتها وملاقاتها بالعالم السفلي، وحياة الإنسان على الأرض الذي شــرّفه إذ جعله خليفة فيها، وأمر الملائكة أن يسجدوا لآدم، وليس من نحوسة في الأيام، وعلى فرض وجودها فإنها إرتفعت ببركة نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم , قال تعالى[وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ].
وقد تحصل الأقوال بالكراهة أثر التجربة والشواهد عندما ينزل القمر في برج العقرب، ولكن تجارب نجاح الزواج فيه أكثر وليس من حصر لأخبار المنجمين التي ثبت عدم صحتها، إلى جانب أن بعضاً منها مستقرأ من الحال والقرائن والوقائع كالإخبار عن نصر أحد طرفي القتال للمعرفة بكثرة عدده ومؤونه، أو الإستصحاب الذي هو دليل عقلي قبل أن يكون أمارة أصولية , ومع هذا فقد كذبت الوقائع أقوال المنجمين في كثير من الأحوال .
وقد أجمع حذاق المنجمين سنة سبع وثلاثين عام خروج الإمام علي عليه السلام إلى صفين أنه يقتل ويقهر جيشه، ولكنه إنتصر على أهل الشام , وتلك الأخبار قد تبعث الوهن عند أفراد الجيش والخوف في نفوس أسرهم ومن خلفهم ولكن يظهر أن جيش الإمام علي عليه السلام من أهل الكوفة ومن معهم من الصحابة من المهاجرين والأنصار كانوا متسلحين بالتوكل على الله ولحصول تجربة السابقة ظهر فيها بطلان قول المنجمين في معركة النهروان، ومنه يستدل أنه لو صدّق الإمام علي عليه السلام المنجم في النهروان لأثر سلباً على خروجهم إلى صفين وحالهم عند القتال الذي شديدا وضاريا .والأثر والأعيان الخارجية والتأريخية أقوى وأظهر حجة من الكيف المسموع ومقولة الألفاظ .
وقد توظف بعض الجهات السياسية مسألة التنجيم لتحقيق أغراضها أمس واليوم.
(وأجمعوا سنة ست وستين على غلبة عبيد الله بن زياد وقد سار بنحو من ثمانين ألف مقاتل على المختار بن أبي عبيد فلقيه إبراهيم بن الأشتر صاحب المختار بأرض نصيبين فيما دون سبعة آلاف مقاتل فقتل من عسكره نحواً من ثلاثة وسبعين ألفاً وضربه وهو لا يعرفه فقتله , ولم يقتل من أصحابه أكثر من مائة , وأجمعوا أي المنجمون يوم أسست بغداد سنة ست وأربعين ومائة على أن طالعها يقضي بأنه لا يموت فيها خليفة وشاع ذلك)(5 ).
والتنجيم حرام وهو إستظهار الآثار ونسبتها إلى حركة الأفلاك وإتصالات الأجرام وترتيب علامات ودلالات عليها كالرخص والغلاء والفتن والقحط والجدب والسعد والنحس بواسطة الحساب والزيجات يفيد إعتقاد تأثيرها مستقلة بالحوادث، أو أن لها موضوعية وشأناً بما يفيد الإشتراك مع الله عز وجل .
أما الإعتقاد بأن هذه الآثار نتيجة ما جعله الله من الصلة بين العالم العلوي والعالم السفلي، وأن أخبار العالم السفلي تعرف إستقراء وتحصيلاً وظناً في العالم السفلي فلا حرمة، وكما يحرم التنجيم يحرم الإخبار به على نحو القطع واليقين , وليس منه الإشعار عن الخسوف والكسوف والأهلة ونحوها، لأنه من رشحات بديع صنع الله، وآياته الكونية.
وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يكون وثيقة وحجة في لزوم التوكل على الله، والزجر عن الإنصات للمنجمين (عن زيد بن خالد الجُهَنّي أنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: “هل تدرون ماذا قال ربكم؟” قالوا: الله ورسوله أعلم. “قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا. فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب”)( 6) وفيه دعوة للجوء إلى الدعاء وأداء الفرائض لجلب المصلحة ودفع المفسدة، وليس من موضوعية في السببية للحوادث والوقائع , قال الله عز وجل[يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] ( 7).
وورد الإعراض عن قول المنجمين في مسائل القتال، مما يدل من باب الأولوية على عدم الإلتفات لهم في القضايا الشخصية الجزئية ، ففي الأمالي بالإسناد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر قال: لما أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى أهل النهروان أتاه منجم، فقال له: يا أمير المؤمنين ! لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ولم ذاك ؟ قال: لأنك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذى وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت و ظهرت وأصبت كلما طلبت ! فقال له أمير المؤمنين عليه السلام تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم أنثى ! قال: إن حسبت علمت: قال له أمير المؤمنين عليه السلام من صدقك على هذا القول فقد كذّب بالقرآن، قال الله تعالى[إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ]( 8)، ما كان محمد صلى الله عليه وآله يدعي ما إدّعيت، أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي ما سار فيها صرف عنه السوء والساعة التي من سار فيها حاق به الضر؟! من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله عز وجل في ذلك الوجه، وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه، وينبغي له أن يوليك الحمد دون ربه عز وجل فمن آمن لك بهذا فقد اتخذك من دون الله ندا وضدا. ثم قال عليه السلام: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا ضير إلا ضيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك. بل نكذبك ونخالفك ونسير في الساعة التي نهيت عنها)( 9). وذكر الخبر في كتب التفسير والسير بصيغة مختصرة .
(بالإسناد عن أبي بكرة قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس فقام إلى المسجد يجر رداءه من العجلة فقام إليه الناس فصلى ركعتين كما تصلون فلما انجلت خطبنا فقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وإنهما لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتم كسوف أحدهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم)( 10).
والزواج مستحب في ذاته كتاباً وسنة وإجماعاً وعقلاً، والنصوص في الندب إليه كثيرة ومستفيضة، وليس من تقييد زماني له أوشرط لأيام مخصوصة تتعلق بالهيئة، وتقسيم إستقرائي لتعطيله في بعض الأيام، فهو مستحب وإن كان القمر في العقرب ولا حاجة للمؤمنين للرجوع والإلتفات إلى منازل القمر عند إجراء عقد النكاح , أو الزفاف , نعم الدعاء مستحب في المقام، وكذا الصدقة، لسؤال الولد الصالح ولصرف البلاء وجلب المنفعة , لذا ورد أنه من مستحبات الزواج الصلاة ركعتين عند إرادة التزويج وقبل تعيين الزوجة وخطبتها، والدعاء بالمأثور والصدقة مع إطعام الطعام عند العرس.
وما ذكر من نحوسة عدد من أيام الشهر فيه وهن وضعف إذ نسبه المجلسي إلى بعض الكتب وفيه تعطيل للأعمال والمكاسب، وبالأسناد عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ” إذا اصبحت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس ذلك اليوم، وإذا أمسيت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس تلك الليلة)(11 ).
والنحوسة التي تدفع بالصدقة أعم من دعوى المنجمين بخصوص إتصالات الأجرام , إلى جانب ما فيها من تلقي الفضل من الله لأنها بقصد القربة وإنفاق في سبيله رجاء رحمته في النشأتين.
صالح الطائي
(1 )سورة البروج 1.
(2 )سورة يس 39.
(3 )تاج العروس 1/8056.
( 4)سورة التكوير 15-16.
(5 )تفسير الآلوسي 17/161.
(6 )تفسير إبن كثير 7/546.
( 7)سورة الرعد 39.
( 8)سورة لقمان 34.
(9 )البحار 55/224.
( 10)النسائي/السنن الكبرى 1/582.
(11 )قرب الإسناد 7/13.