المقدمة
الحمد لله الذي له ملك السموات والأرض , ملك تصرف ومشيئة مطلقة , وهو من عمومات قوله تعالى [وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( ) ولا تغيب عن الله تعالى ذرة من ملكه آنا ما , ليكون حضور الخلائق عنده رحمة بها وعلة لإستدامتها .
الحمد لله رب العالمين الذي جعل الموجودات تنقاد له طوعاً وقهراَ وعلى نحو ظاهر , إذ يأبى الله عز وجل أن يكون هذا الإنقياد بالخفاء والسر , إنما يتجلى بآيات تتجلى للخلائق كل حين , ومنها شروق وحركة ومغيب الشمس , وإطلالة الهلال وأخذه بالزيادة في النصف الأول من الشهر القمري إلى أن يصبح بدراً ثم يأخذ بالنقصان مع تعاقب ليالي الشهر إلى أن يحتجب في ليالي المحاق , وقال تعالى [وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ]( ) .
إذ يقسم الله عز وجل بالكواكب في إقبالها وحركتها وإدبارها , ومنها إقبال ظلام الليل , وانبعاث نسيم وروح الفجر وانتشار ضيائه بأن القرآن كلام الله عز وجل نزل به جبرئيل .
وكانت طوائف من الناس تعبد الشمس , وأخرى تعبد القمر , كما أقام الحجة على طائفة منهم بالخصوص إبراهيم عليه السلام إذ ورد في التنزيل [فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ]( ).
فنزل القرآن لهداية الناس , والإخبار بأن هذه الآيات مسخرة لهم ولهدايتهم وعباداتهم .
وأخبر القرآن عنها ليلتفت الناس للآيات الكونية الدائمة , أو الموسمية أو الطارئة .
الحمد لله الذي جعل أول إنسان يهبط إلى الأرض هو آدم عليه السلام نبياً رسولاً , وأنزل معه زوجه حواء بعد أن عاشا برهة من الوقت مع الملائكة في الجنة , وأكلا من ثمارها وشاهدا أنهارها وضلالها , وخلوها من التعب والعناء والنصب , فتمر السنين ليصعد الإنسان في السماء ويهبط على القمر وبعض الكواكب بما آتاه الله من العلم .
اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد , وأرحم محمداً وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد .
الحمد لله الذي جعل رزق العباد (بيده) ليكون سبباً للإيمان والدعاء والإمتناع عن الظلم والفساد , وإدراك كل إنسان لحاجته إلى الله عز وجل , وفي التنزيل [يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ]( ).
و(عن مكحول في قوله { إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون }( ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)( ).
وعندما تساءل الملائكة عن علة جعل الإنسان [فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) لأنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء , أجابهم الله عز وجل [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] ( ) .
ومن علم الله عز وجل وسعة رحمته أن رزق العباد بيده سبحانه , وهو الذي [يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ] ( ) وهل الفساد في الأرض والإرهاب سبب لنزول البلاء ، وقلة الرزق , الجواب نعم .
لذا فإن بعث الأنبياء ونزول الكتب السماوية برزخ دون البلاء , ومانع من أسباب قلة الرزق , ونزول البلاء العام أو الخاص , لذا تقتضي الضرورة العامة التعاون بين الحكومات والشعوب والعوائل لدفع الإرهاب والحيلولة دون شيوع الفساد .
وقد أقام الله عز وجل الحجة على الناس ببعث الأنبياء لصلاح المجتمعات , والتنزه عن الظلم والتعدي , قال تعالى [إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ]( ).
ومن الإعجاز في الآية أعلاه أنها جاءت خطاباً للمسلمين وحضهم على الدفاع عند قتال الكفار لهم كما في قوله تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ]( ) مع عدم التعدي بالغزو ونحوه , وفيه بشارة النصر للمسلمين على الكفار المعتدين كما سيأتي بيانه , و(عن سفيان بن عيينة، عن عبدالملك بن نوفل بن مساحق، أنه سمع رجلا من مزينة يقال له ابن عصام عن أبيه، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث سرية قال: ” إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا) ( ) .
ليكون في مأمن من القتل المسلم وغيره ممن لا يمنع من إقامة الصلاة بغض النظر عن ملته .
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذَا بَعَثَ سَرِيّةً يُوصِيهِمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَيَقُولُ سِيرُوا بِسْمِ اللّهِ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ ، وَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ وَلَا تُمَثّلُوا ، وَلَا تَغْدُرُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) ( ).
ترى ما هي النسبة بين الظلم والتعدي , فيه وجوه :
الأول : نسبة التساوي , فالظلم والتعدي بمرتبة واحدة .
الثاني : نسبة العموم والخصوص المطلق , وهو على شعبتين :
الأولى : الظلم أعم وأشد من التعدي .
الثانية : التعدي أعم من الظلم .
الثالث : نسبة العموم والخصوص من وجه , فهناك مادة للإلتقاء وأخرى للإفتراق.
والمختار هو الشعبة الأولى من الوجه الثاني , قال تعالى [وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ] ( )وقال تعالى [إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ] ( ).
والتعدي وهو تجاوز الحد في كل شئ , وهو من الكلي المشكك الذي يكون على مراتب متفاوتة قوة وضعفاً , والظلم من أشده .
وفي الحديث القدسي (عن أبى ذر الغفاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عزوجل انه قال انى حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا .
يا عبادي انكم الذين تخطؤن باليل والنهار وانا الذى اغفر الذنوب ولا ابالي فاستغفروني اغفر لكم ، يا عبادي كلكم جائع الا من اطعمت فاستطعموني اطعمكم ، يا عبادي كلكم عارٍ الا من كسوته فاستكسوني اكسكم .
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل منكم لم يزد ذلك في ملكي شيئا ; يا عبادي لو ان اولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل منكم لم ينقص ذلك من ملكى شيئا .
يا عبادي لو ان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني ثم اعطيت كل انسان منهم ما سأل لم ينقص ذلك من ملكي شيئا الا كما ينقص البحر يغمس فيه المخيط غمسة واحدة .
يا عبادي انما هي اعمالكم احفظها عليكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه) ( ).
الحمد لله الذي هدانا للإيمان , [وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ] ( ) إنه نعم المولى ونعم النصير , وهو سبحانه إله في الأرض وإله في السماء , يهدي من يشاء إلى سواء السبيل , وقد أنعم الله عز وجل على المسلمين والمسلمات وجعل كل واحد منهم يكرر سبع عشرة في الصلاة اليومية [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] ( ).
والله سبحانه يعلم إنشغال الناس بالدنيا , ولهثهم وراء زينتها ومباهجها , وجمع الأموال واقتناء الأعيان , فتفضل وجعل هذا التكرار العام أثناء الصلاة وفي حال الخشوع والخضوع لله عز وجل , ليكون نوع رجاء وتوسل لتفضل الله عز وجل بهدايتنا إلى الصراط , والعمل بمناهج الصراط , قال تعالى [لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ]( ).
ومن بديع صنع الله عز وجل ومضامين خلافة الإنسان في الأرض بخصوص الصراط المستقيم أمور :
الأول : مصاديق الصراط المستقيم من اللامتناهي فليس لها حد أو منتهى , ويمكن القول أن الدنيا (دار الصراط المستقيم) ففي كل ساعة من ساعات الحياة الدنيا يطل هذا الصراط على الإنسان ، ويتقرب إليه ، ويجذبه إلى مسالكه الحميدة .
الثاني : في كل موضوع هناك صراط مستقيم , وسبل أخرى تقرب أو تبعد عنه أو تتضاد معه , (عن ابن مسعود قال : خط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطاً بيده ، ثم قال : هذا سبيل الله مستقيماً ، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله .
ثم قال : وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله })( ).
الثالث : حاجة الإنسان في كل ساعة من ساعات الحياة الدنيا إلى الصراط المستقيم , من جهات :
الأولى : معرفة الصراط المستقيم والتفقه في الدين .
الثانية : العمل وفق الصراط المستقيم .
الثالثة : الإحتراز من العدول عن جادة الصراط المستقيم .
الرابع : الصراط صراطان صراط في الدنيا وصراط في الآخرة , ومن يهتدي إلى الصراط في الدنيا يعبر الصراط في الآخرة .
ليكون من وجوه تقدير قوله تعالى [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] ( ) جهات :
الأولى : اهدنا الصراط المستقيم في الدنيا لنعبر الصراط في الآخرة بأمان.
الثانية : اهدنا الصراط المستقيم لنفوز بحبك ورضاك بفضل منك سبحانك , وفي التنزيل [فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ) بلحاظ قانون وهو كل نبي على الصراط المستقيم ويهدي إلى الصراط المستقيم , وقد فاز النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن جعل الله عز وجل كل فرد من أمته يلهج مرات في اليوم بسؤال الهداية إلى الصراط المستقيم .
الثالثة : اهدنا الصراط المستقيم للسلامة من الظلم , والظلم الموازي .
إن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لم يبدأ الكفار القتال ، وأظهر أسمى مراتب الصبر ، واشدها على النفس والأصحاب ، ولكن المشركين هم الذين أصروا على الظلم والقتال وقاموا بغزو المدينة وسروحها عدة مرات .
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لهم بالهداية والإيمان ، وتحقق مصداق الإستجابة على نحو متعاقب حتى فتح مكة وما بعدها، وهذا المصداق من عمومات قوله تعالى [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا] ( ) .
قال تعالى [وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ] ( ) إذ يخاطب ويؤدب الله عز وجل النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأجيال المسلمين بأن الله عز وجل لم يهلك القرى والمدن والأقوام السابقين لو كانوا يعملون الصالحات ، ولا يتظالمون فيما بينهم ، إذ أن الهلاك يأتي بالظلم .
(وقد قيل: معنى ذلك : لم يكن ليهلكهم بشركهم بالله. وذلك قوله “بظلم” يعني: بشرك (وأهلها مصلحون)، فيما بينهم لا يتظالمون، ولكنهم يتعاطَون الحقّ بينهم ، وإن كانوا مشركين، إنما يهلكهم إذا تظالموا.) ( ) .
ولكن الشرك أشد أنواع الظلم للذات والغير ، وهو من أهم أسباب الهلاك ، وفي التنزيل [وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا] ( ) .
فان قيل لماذا قاتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مشركي قريش وقبائل العرب .
الجواب لم يقاتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قريشاً أو قبائل العرب ، إنما هم الذين جهزوا الجيوش لمقاصد :
الأول : قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ويدل عليه قوله تعالى [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ] ( ).
الثاني: محاولة وقف نزول آيات القرآن وما فيها من وجوب أداء الفرائض العبادية وأحكام الحلال ولحرام .
الثالث : قتل عدد من الصحابة وأسر عدد آخر منهم خاصة المهاجرين من أهل مكة ، إذ سعت قريش في وقف الهجرة ولإرادة الشماتة في إرجاء مكة بالمهاجرين ، قال تعالى [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]( ).
الرابع : إستدامة عادات الجاهلية ومحاولة طمس معالم التوحيد .
الخامس : إنقياد العرب لرؤساء قريش على كفرهم وضلالتهم وتقديسهم للأوثان .
الرابعة : اهدنا الصراط المستقيم ومنافع وبركات الصراط المستقيم مما لا يعلمه إلا الله عز وجل ، وهوسبحانه الواسع الكريم .
الخامسة : اهدنا الصراط الدنيوي للأمن يوم القيامة عند الصراط المستقيم الأخروي ، وعن أُبي بن كعب قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أول من يدعى يوم القيامة أنا فأقوم فألبي ، ثم يؤذن لي في السجود فأسجد له سجدة يرضى بها عني ، ثم يؤذن لي فأرفع رأسي فأدعو بدعاء يرضى به عني .
فقلنا يا رسول الله كيف تعرف أمتك يوم القيامة؟ قال : يعرفون غراً محجّلين من أثر الطهور فيردون علي الحوض ما بين عدن إلى عمان بصرى ، أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج وأطيب ريحاً من المسك ، فيه من الآنية عدد نجوم السماء ، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعده أبداً ، ومن صرف عنه لم يرو بعده أبداً .
ثم يعرض الناس على الصراط ، فيمر أوائلهم كالبرق ، ثم يمرون كالريح ، ثم يمرون كالطرف ، ثم يمرون كأجاويد الخيل والركاب ، وعلى كل حال وهي الأعمال .
والملائكة جانبي الصراط يقولون رب سلم سلم ، فسالم ناج ، ومخدوش ناج ، ومرتبك في النار ، وجهنم تقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العالمين ما شاء الله أن يضع فتقبض وتغرغر كما تغرغر المزادة الجديدة إذا ملئت وتقول قط قط) ( ) .
السادسة : اهدنا الصراط المستقيم بيسر وأمن وسعة , فمن الناس من يمتحن ويبتلى في طريق الهداية سواء عن قصد منه أو لا, ليقوده إلى التوبة والإنابة وقد ينال الدرجة العالية , قال تعالى [أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ]( ) .
الخامس : من اللطف الإلهي بالعباد تقريبهم إلى الصراط المستقيم , ويمكن تأسيس قانون وهو : ليس من إنسان إلا ويقربه الله عز وجل إلى الصراط ، وهو من مصاديق الخلافة في قوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ), ومنهم من ينتفع من هذا التقريب فيهتدي , ومنهم من لا ينتفع منه , ويصر على إرتكاب السيئات و الفواحش ليأتي دعاء المسلمين والمسلمات [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] ( ) توسلاَ ومسكنة لتقريبهم والناس جميعاً إلى الصراط المستقيم.
وهو من الإعجاز في مجئ الآية بصيغة الجمع (اهدنا) وقد يقال أن القدر المتيقن من صيغة الجمع هذه هم المسلمون .
الجواب هذا صحيح , ولكنه لا يتعارض مع أصالة العموم ورجاء النفع للناس جميعاً خاصة وأن النفع في المقام يكون على جهات :
الأولى : إنتفاع المسلم من تقريبه إلى الصراط , وهو من اللطف الإلهي بالعباد , { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله }( ) .
الثانية : إنتفاع المسلمين بتقريب الفرد الواحد منهم إلى الصراط .
الثالثة : إنتفاع المسلم والناس والتخفيف عنهم بتقريب عامة المسلمين إلى الصراط .
الرابعة : تعدد واجتماع تقريب المسلمين إلى الصراط سبب للهداية إليه.
الخامسة : إنتفاع المسلمين من تقريب عامة الناس إلى الصراط المستقيم , وفي التنزيل [يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] ( ) .
السادسة : التقريب إلى الصراط واقية من الإرهاب ومانع من مقدماته , للتضاد بين الصراط وبين الإرهاب ومفاهيمه , ليكون من معاني قوله تعالى [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ]( ) التضرع اليومي المتكرر إلى الله عز وجل بالتنزه عن الإرهاب والسلامة منه .
والنسبة بين الهداية إلى الصراط والتقريب إليه هو العموم والخصوص المطلق , فكل هداية إلى الصراط تقريب إليه وليس العكس , لهذا من الإعجاز أن الآية لم تقل (اهدنا إلى الصراط المستقيم) إنما قالت [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] ( ) [وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ) وهو سبحانه يحب أن يُسأل , لبيان أن من مصاديق هذا الصراط ما يكون خاصاً بذات الإنسان من جهات :
الأولى : النوايا والعزائم , فمن الصراط المستقيم النية الحسنة , وإرادة فعل الخير , وعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ( ).
الثانية : الرغائب والأماني , فمن الصراط المستقيم الرغبة بالحق , والعزوف عن الباطل .
الثالثة : عالم القول واللسان , وهو من أشد الإبتلاء في المقام ليكون تقدير الآية : (اهدنا الصراط المستقيم بالقول الحسن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وفي التنزيل [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا] ( ).
عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال (إن لسان ابن آدم يشرف على جميع جوارحه كل صباح فيقول: كيف أصبحتم فيقولون بخير إن تركتنا ، ويقولون : الله الله فينا، ويناشدونه ويقولون: إنما نثاب ونعاقب بك) ( ).
لتكون تلاوة المسلم والمسلمة لسورة الفاتحة , وقول[اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] ( ) سبع عشرة مرة في خمس أوقات في اليوم والليلة حصانة من القول السئ , وما فيه العنف والإرهاب .
ونقل حديث عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (لا تسبّوا أصحابي فإنّ أصحابي أسلموا من خوف الله، وأسلم الناس من خوف السيف) ( ) ولا أصل أو اسناد لهذا الحديث .
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين في آخر الزمان
(عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا ليتني قد لقيت إخواني؟
قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك وأصحابك : قال : بلى . ولكن قوماً يجيئون من بعدكم ، يؤمنون بي إيمانكم ، ويصدقوني تصديقكم ، وينصروني نصركم . فياليتني قد لقيت إخواني .
وأخرج ابن عساكر في الأربعين السباعية من طريق أبي هدبة وقيل أنه كذاب ( عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتني قد لقيت إخواني؟
فقال له رجل من أصحابه : أولسنا إخوانك؟
قال : بلى أنتم أصحابي ، وإخواني قوم يأتون من بعدي ، يؤمنون بي ولم يروني ، ثم قرأ { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة( ))( ).
(عن ابن عباس قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فقال ما من ماء ، ما من ماء؟
قالوا : لا .
قال : فهل من شن؟ فجاؤوا بالشن ، فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ووضع يده عليه ثم فرق أصابعه ، فنبع الماء مثل عصا موسى من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فقال : يا بلال اهتف بالناس بالوضوء ، فأقبلوا يتوضأون من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت همة ابن مسعود الشرب ، فلما توضأوا صلى بهم الصبح ، ثم قعد للناس فقال : يا أيها الناس من أعجب الخلق إيماناً؟
قالوا : الملائكة . قال : وكيف لا تؤمن الملائكة وهم يعاينون الأمر! قالوا : فالنبيون يا رسول الله . قال : وكيف لا يؤمن النبيون والوحي ينزل عليهم من السماء!
قالوا : فأصحابك يا رسول الله فقال : وكيف لا يؤمن أصحابي وهم يرون ما يرون ، ولكن أعجب الناس إيماناً ، قوم يجيئون بعدي يؤمنون بي ولم يروني ، ويصدقوني ولم يروني أولئك إخواني) ( ).
وفي علم التفسير اصطلاح (آيات الأحكام) أي الآيات التي تتضمن الأحكام الفقهية ويستنبط منها الحكم الشرعي في الحلال ولحرام وهي نحو خمسمائة آية من مجموع آيات القرآن وعددها (6263) آية , فلابد من جمع وحصر آيات الدفاع في القرآن ، وبيان قانون وهو دلالتها على توجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين للقتال دفاعاً وعند الضرورة ، ونشرع فيه إبتداء من هذا الجزء ويكون باحدى طرق :
الأولى : حسب ترتيب المصحف الشريف .
الثانية : حسب تأريخ الوثائق والأحداث .
الثالثة : حسب أسباب النزول والموضوع .
والإختيار في منهاجنا هذا هو الأول أعلاه خاصة وأن المدار على عموم المعنى وليس أسباب النزول , كما تحتمل تسمية هذه الآيات وجوهاً:
الأول : آيات الهجوم .
الثاني : آيات القتال .
الثالث : آيات الدفاع .
الرابع : آيات الغزو .
الخامس : التفصيل , فمنها ما تكون آيات الدفاع , ومنها ما تكون آيات الهجوم .
السادس : آيات الجهاد .
والمختار هو الثالث والسادس , فكل الآيات التي تتعلق بالقتال إنما هي آيات دفاع وصبر وجهاد , وقد يكون الجهاد والدفاع بالسيف أو اللسان أو المال , ونهم من أضاف له الجهاد بالقلب , قال تعالى [مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ]( ) وقال تعالى[وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] ( ).
ولا يمكن مقارنة آيات الدفاع بما ورد في سفر أرميا (و اطعمهم لحم بنيهم و لحم بناتهم فياكلون كل واحد لحم صاحبه في الحصار و الضيق الذي يضايقهم به اعداؤهم و طالبو نفوسهم) ( ).
وفي سفر صموئيل (و اخرج الشعب الذي فيها و وضعهم تحت مناشير و نوارج حديد و فؤوس حديد وامرهم في اتون الآجر و هكذا صنع بجميع مدن بني عمون ثم رجع داود و جميع الشعب الى أورشليم) ( ).
وفي سفر حزقيال ورد (قد فزعتم من السيف فالسيف اجلبه عليكم يقول السيد الرب و اخرجكم من وسطها و اسلمكم الى ايدي الغرباء و اجري فيكم احكاما بالسيف تسقطون في تخم إسرائيل اقضي عليكم فتعلمون اني انا الرب هذه لا تكون لكم قدرا و لا انتم تكونون اللحم في وسطها في تخم إسرائيل اقضي عليكم فتعلمون اني انا الرب الذي لم تسلكوا في فرائضه و لم تعملوا باحكامه بل عملتم حسب احكام الامم الذين حولكم) ( ) .
وليس في القرآن لفظ السيف إنما وردت آيات في الدفاع ، وتكرر لفظ السيف ثلاث مرات في الآية أعلاه من التوراة .
وورد عن السيد المسيح (و أما أنا فأقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم و يطردونكم) ( ).
إن تفسير آيات الدفاع جزء من تفسير القرآن , ويتعلق بمسألة إبتلائية في هذا الزمان ففيه تأكيد لقانون التضاد بين القرآن والإرهاب , وكشف للحقائق ومنع للإفتراء , خاصة وأن تأريخ النبوة والإسلام جلي ، ووقائعه معلومة ومؤثقة ومترجمة إلى لغات العالم.
وفي أجزاء هذا القانون (آيات الدفاع سلام دائم) بيان لموضوع ومناسبة كل آية من آيات الدفاع , وكيف أنه ضرورة ، وما انصرف من القتال وسفك الدماء بسبب صبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين أكثر مما وقع من المعارك ، وهو من رشحات قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ).
لقد أراد المشركون قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أيام البعثة الأولى , واشتد عزمهم على قتله مع تقادم الأيام ودخول الناس في الإسلام , فاختار مغادرة مكة في ليلة أرادوا فيها الإجهاز عليه في فراشه , ترى ماذا لو غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم محل مبيته ولم يهاجر.
الجواب يهجمون عليه في النهار ويقتلونه علناً , وفي قصة موسى عليه السلام عندما أراد آل فرعون قتله ورد قوله تعالى [وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ] ( ) وفيه مسائل :
الأولى : إتحاد سنخية النبوة بأن النبي الرسول قد يتعرض لمحاولة القتل من قبل رؤساء الشرك .
الثانية : الإشارة إلى ما قد يلاقيه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من محاولات اغتيال في مكة ، وتفضل الله بكشفها ودفعها ، وكان هذا الدفع معجزة حسية أخرى للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثالثة : التوطئة لهجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة .
الرابعة : بيان فضل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على الأنبياء بأن جبرئيل هو الذي نزل وأخبره بأن المشركين يريدون قتله , وأمره بالهجرة في ذات الليلة ، قال تعالى [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ] ( ) .
أي لم يأت رجل أو امرأة لإخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعزم المشركين على قتله ، إنما نزل جبرئيل لإخباره بالوحي وإرشاده للهجرة ، قال تعالى [نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ] ( ) .
ولم تكن خطة قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في فراشه جديدة إذ كان أبو طالب يخشى عليه من القتل أيام حصار قريش لبني هاشم في شعب أبي طالب .
ولم يكن النظام السياسي أيام النبوة أو حتى في العصور الوسطى كما هو عليه الآن , إذ كانت الصلات بين الدول والإمارات متأرجحة بين السلم تارة , والعدوان والإغارة تارة أخرى , وكل دولة تسعى في الغالب للتوسع والإستيلاء على أراضي ومدن الدولة الأخرى .
وقد واجه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عزم المشركين من قريش وغيرهم بعد هجرته الإستيلاء على المدينة , فخرج في كتائب من المدينة لدفعهم وصرف شرورهم عن القرآن والنبوة والمسلمين والمسلمات وعموم سكنة المدينة ، وعن أدائهم الفرائض العبادية .
وبعد صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة وجه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كتباً ورسائل إلى ملوك وأمراء زمانه يخبرهم عن نبوته , ويدعوهم إلى كلمة التوحيد .
وفيها (أسلم تسلم يؤتك أجرك مرتين) ولا تعني هذه الكلمة تهديداً ووعيداً ، ولكنها تبين قانوناً من الإرادة التكوينية , وعمومات قوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) إذ تتقوم الخلافة بالتوحيد وعبادة الله عز وجل وقانون استدامة الملك بالإيمان والتذكير بالآخرة خاصة وأن خاتمة كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى هرقل مثلا تدعوه وقومه إلى الإلتقاء بكلمة التوحيد .
فإذا كانت الإمارة إمارة شرك وضلالة فلابد أنها تزول وتنقرض , وفيه شواهد كثيرة عديدة من التنزيل والتأريخ ,والشواهد والوجدان ، قال تعالى [أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا] ( ).
ولا يختص موضوع تعلق السلامة بالحياة الدنيا إنما يشمل الأجر والثواب والنجاة في الآخرة , خاصة بلحاظ السياق والأوان الذي وردت فيه هذه الكلمة ، وكيف أنها شعبة وفرع من نداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة وموسم الحج وساحات المعارك (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا).
كما ورد في حديث أبي سفيان عندما استدعاه هرقل قيصر دولة الروم مع عدد من تجار قريش الذين اتفق وجودهم في مدينة إيلياء في بلاد الشام عند وصول كتاب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لهرقل بيد دِحية الكلبي , وكان هرقل على دين النصرانية , ويبدو أنه يتصف بالحكمة والإحاطة بأخبار العقيدة كما يدل عليه حواره مع أبي سفيان الذي ذكره الأخير لابن عباس .
(قال أبو سفيان ثم دعا أي هرقل بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرئ فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فانى أدعوك بدعاية الاسلام أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فان عليك إثم اليريسيين.
ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) ( ).
لقد كانت رسائل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى ملوك عصره رسائل رحمة وشفقة , وباباً لفتح صلة قائمة على المساواة والإحترام المتبادل مع وجوب قيامه بالدعوة إلى كلمة التوحيد , قال تعالى [يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ] ( ).
وستبقى تلك الرسائل دعوة إلى السلم , وحرباً على الإرهاب، ومانعاً من الفكر المتطرف والسلوك العدواني , وذكر أن أول آية نزلت في القتال هو قوله تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] ( ) وسأبين في هذا الجزء كيف أنها للدفاع المحض , والتحذير من التعدي فيه .
و(عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في صلح الحديبية وذلك أن رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم} لما خرج هو وأصحابه في العام الذي أرادوا فيه العمرة وكانوا ألفاً وأربعمائة فساروا حتّى نزلوا الحديبية فصدهم المشركون عن البيت الحرام فنحروا الهدي بالحديبية ثمّ صالحه المشركون على أن يرجع عامه ذلك على أن يخلي له بكل عام قابل ثلاثة أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء،فصالحهم رسول الله ثمّ رجع من فوره ذلك إلى المدينة.
فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي لهم قريش وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم ، وكره رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم} وأصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل الله {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ( )محرمين {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} يعني قريشاً {وَلا تَعْتَدُوا} ولا تظلموا فتبدؤا في الحرم بالقتال محرمين) ( ).
ويدل قول ابن عباس أعلاه (محرمين ) على الإنحصار المكاني والزماني لموضوع الآية ، وهذا الإنحصار موضوع للآية , وهو أعم من أسباب النزول .
ومعنى قوله تعالى (الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) أي الذين يبدأونكم بالقتال , بمعنى دافعوا عن أنفسكم بوجه الذين يعتدون ويهجمون عليكم .
ومن معاني (لا تعتدوا) أي إن لم يقاتلوكم فلا تقاتلوهم ، وفي حال وقوع قتال فلا يزيد عن الدفاع المحض , ولا يكون فيه إضرار بالآمنين والنساء والصبيان والشيوخ , والممتلكات العامة والخاصة .
وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حينما ينهزم المشركون أمامه لا يأمر باللحاق بهم , ودخول بلدتهم , وخرابها إنما يكتفي بتفريقهم , ليعودوا بعد مدة فيدخلوا الإسلام طائعين .
وهو من مصاديق قوله تعالى [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ]( ) وأبهى مواطن بيان الخلق الحميد هو سوح المعارك.
الحمد لله ربّ كل شئ , وإله الموجودات الباقي بعد فنائها , والتي لا تغيب عنه قبل وأثناء وبعد وجودها , وهو مما يختص به ملك الله عز وجل للأشياء , وليس من مُلك يحتاج في نشأته ووجوده وبقائه إلى مالكه إلا ملك الله سبحانه , قال تعالى [أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ] ( ).
الحمد لله الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما ملك تصرف ومشيئة وإرادة , وينفرد ملك الله عز وجل بأنه محتاج إلى رحمة وفضل الله عز وجل في وجوده واستدامة وبقائه , فكل ملك للناس أما أن يهلك المالك أو يزول الملك , فلابد أن يفارق أحدهما الآخر طوعاً أو قهراً سواء كان عقاراً أو عيناً أو عروضاً , ويبقى الحساب عليه في كلتا الحالتين .
فسبحان الله الذي يهلك الملوك , ويجعل الممالك أطلالاً , ويميت الموجود ويحيي المعدوم , قال تعالى [أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ).
ومن معاني الآية أن الله عز وجل يستر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الكفار إن إرادوا به شراً , ويحجبه عنهم , وهل منه خروجه ليلة المبيت من مكة عندما أرادوا قتله , الجواب نعم , قال تعالى [وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا] ( )..
ومن الإعجاز في الآية أن ذات الحجاب مانع وساتر وهو نفسه مستوراً لا يُرى , لذا حينما جاءت أم جميل زوجة أبي لهب وبيدها حجر لترضخ رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحجة أنه هجاها , وهو ليس بشاعر ولم يهجها , ولكن القرآن نزل بذمها وزوجها بقوله تعالى [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ] ( ), ووقفت إلى جوار النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفتش عنه ولم تره , فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,( ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت) ( ).
وهل تختص آية الحجاب أعلاه بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقيامه بالتبليغ أم تلحق به الأمة .
المختار هو الثاني ومن القراءة التلاوة في الصلاة بأمن وسلامة , وفيها دعوة للتعايش السلمي ونبذ الإرهاب .
الحمد لله الذي بعث النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة ورأفة بالناس , قال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] وجعل كل آية من القرآن خزينة للعلم , وروضة بهيجة للفكر , وكما نعتني بعلم الفقه بآيات الأحكام وهي نحو خمسمائة آية فلابد من إحصاء واستنباط العلوم والأحكام في كل من :
الأول :آيات العفو والصفح .
الثاني : آيات السلم والصلح .
الثالث : آيات الدفاع .
وقيل إن آية السيف نسخت أكثر من (120) آية من آيات السلم والموادعة , ولا أصل لهذا القول موضوعاً وحكماً لعدم توفر شرائط النسخ , ولإمكان الجمع بين الحكمين , وليس في القرآن لفظ (السيف).
وتتجلى شذرات وبراهين في القانون المستحدث في هذا الجزء من تفسيرنا وهو (آيات الدفاع سلام دائم) الذي يتناول آيات الدفاع , وأنها ضرورة لحفظ الملة ونفوس الناس جميعاً, وهي سبيل لنشر الأمن والسلام , وفيه بيان لعدم التعارض بين آيات السلم والرفق معها , هذا إلى جانب قانون لم يغزُ النبي(ص)أحداَ والذي صدر منه ضمن هذا السفر واحد وعشرون جزءً , وقانون التضاد بين القرآن والإرهاب والذي صدرت منه سبعة أجزاء وهي:
الأول : الجزء الرابع والثمانون بعد المائة .
الثاني : الجزء الخامس والثمانون بعد المائة .
الثالث : الجزء الثامن والثمانون بعد المائة .
الرابع : الجزء الرابع والتسعون بعد المائة .
الخامس : الجزء السابع والتسعون بعد المائة .
السادس : الجزء التاسع والتسعون بعد المائة .
السابع : الجزء الثاني بعد المائتين .
ضمن مجموع أجزاء هذا التفسير التي تربو إلى الآن على المائتين والحمد لله , وفي مضامين ودلالات هذه القوانين مجتمعة ومتفرقة حقن للدماء , وحجة وكشف لتنزه الإسلام عن الإرهاب , وجزء علة لتوفير جهود دولية وأموال طائلة تنفق في الإحتراز من الإرهاب .
ونطبع أجزاء التفسير المتتالية بفضل ولطف من الله سبحانه , وهو من موارد الخمس والزكاة وفيه النماء والبركة إن شاء الله وقال تعالى [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ].
الحمد لله الذي أحاط بكل شئ علماً وجعل الدنيا دار الكتاب السماوي المنزل , فأبى سبحانه إلا أن يلازم كلامه أهل الدنيا , ويكون قريباً منهم .
ثم تفضل وأمر كل مسلم ومسلمة بقراءة القرآن خمس مرات في اليوم على نحو الوجوب العيني ليكون الناس بين :
الأول : ناطق بكلام الله عز وجل على نحو متكرر كل يوم وجوباً عينياً واستحباباً .
الثاني : سامع للقرآن كل يوم .
الثالث : متدبر في القرآن طوعاً وانطباقاً.
ولابد من منافع حاضرة ولاحقة لهذا الشمول القرآني , ومنها نشر شآبيب المودة والرحمة بين الناس وايجاد جامع مشترك بينهم وهو حضور كلام الله عز وجل بينهم , وفيه دعوة للسلم والوئام والوفاق .
فلا تقدر الخلائق على حجب كلام الله عز وجل عن الناس , إنما يصل إلى الناس جميعاً , ويدخل المصحف وآيات القرآن المنتديات والبيوت , وهو من مصاديق قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( )
ولا يعلم المنافع العظيمة المتجددة والظاهرة والباطنة لقرب كلام الله عز وجل من الناس إلا هو سبحانه , وهل هو من مصاديق قوله تعالى [أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] ( ).
الجواب إنه من رشحات هذه الآية وفضل الله عز وجل في صلاح العباد وتنزههم عن الظلم والتعدي , وكل آية بلغة في طريق هذا الصلاح , ومنهاج عمل من مناهجه وهي جلاء للقلوب , ودعوة سماوية للإستغفار , وبلسم لهموم الدنيا .
الحمد لله الذي جعل تلاوة القرآن نوراً في الوجه , وصفاء في النية والقصد , وواقية من الغدر والمكر والخبث .
الحمد لله الذي أنعم علينا وجعل أجزاء التفسير تصل إلى مائتي جزء، وفيها تأويل واستنباط واستقراء من آيات القرآن , ولا زلت عند الآية (184) من سورة آل عمران , وهو قوله تعالى [فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ]( ), ( ).
لقد كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حال دفاع واضطرار للقتال .
وينهى القرآن عن الإرهاب والقتل والتفجيرات العشوائية , وسفك الدماء وإرهاب وإخافة الناس الآمنين .
ويتعلق هذا الجزء بقانون (آيات الدفاع سلام دائم) وهو ثاني جزء وإشراقة مباركة في موضوعه ، وفيه ذكر لعدد من الآيات التي تتعلق بمعارك الإسلام يكون مرآة لكل من :
الأول : قانون لم يغز النبي (ص) أحدا.
الثاني : قانون التضاد بين القرآن والإرهاب .
وهو مصداق تفصيلي لمفاهيم السلم والسلام التي جاء بها الإسلام الذي هو دين السلم والموادعة , قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ]( ).
إن أحسن الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدي محمد .
وأحكام الشريعة هي الضابطة الكلية لأحكام الحلال والحرام والمعاملات نسأل الله أن يرينا الحق حقاً , ويرزقنا إتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا الإمتناع عنه ، وفي التنزيل [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] ( ) وهو صراط ونهج الرسول الكريم وأهل بيته الأطهار الذي بعثه الله رحمة للعالمين .
وعن النبي (إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة) ( ).
وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس بلعان ، فمن باب الأولوية أنه ليس بقاتل أو غازِ ، إنما بعثه الله عز وجل بالحجة والبرهان العقلي والحسي لعبادته سبحانه ، ونشر ألوية السلم والأمن المجتمعي .
الحمد لله الذي جعل القرآن داعياَ إلى السلم والسلام بآياته وتلاوته وأحكامه والعمل بحلاله وحرامه , وفيه شاهد بأن آيات السلم والصلح والموادعة سالمة من النسخ في مضامينها القدسية , ولو دار الأمر بين كون بقاء هذه الآيات سالمة من النسخ , ومن مصاديق قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ).
أم أن من مصاديقها نسخ هذه الآيات , الجواب هو الأول , لبيان قانون وهو أن الآية المحكمة تثبت سلامة آيات أخرى من ذات سنخيتها من النسخ في الحكم .
ولوسألت أي مسلم ومسلمة أيهما المقدم الآية أعلاه أم آية السيف , لأجابوك بأن الآية أعلاه [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ) هي المقدمة , وأن آية السيف فرع منها فيما يخص أسباب وموضوع نزولها بالنسبة لمشركي مكة .
ومن الشواهد على القانون الذي أختص هذا الجزء في بيان معانيه وهو ( آيات الدفاع سلام دائم ) أن الله عز وجل قد سمّى صلح الحديبية فتحاً .
و(عن أنس قال : لمّا رجعنا من غزوة الحديبية،
قد حيل بيننا وبين نسكنا، فنحن بين الحزن والكآبة،
فأنزل الله تعالى عليه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}( ) الآية كلّها.
فقال رسول الله : لقد نزلت عليَّ آية هي أحبُّ إليَّ من الدُّنيا جميعاً) ( ).
لتتفرع الفتوح عن صلح الحديبية بأن توافد أشراف ووجهاء القبائل على المدينة المنورة لدخول الإسلام ، حتى سميت السنة التاسعة للهجرة : عام الوفود , لكثرة الوفود التي جاءت المدينة معلنين دخولهم الإسلام .
إذ جاءوا بعد فتح مكة في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة ، وبعد كتيبة تبوك , وتأكدت القبائل العربية من زوال تهديد قريش لها إذا دخلت الإسلام .
وبلغ عدد الوفود التي حضرت المدينة نحو سبعين وفداً وأغلبهم نطقوا بالشهادتين ، وبايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة ، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنفير وقتال غيرهم ، ولم يحشرهم لقتال الروم أو الفرس .
إنما كان يبقي الوفد الذي يأتي المدينة ويدخل الإسلام عدة أيام في ضيافته ، ويعلمهم الفرائض العبادية ، ويحضرون معه صلاة الجماعة ليدركوا قانوناً وهو أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ليس ملكاً أو سلطاناً إنما هو يتفاخر بخشوعه وعبوديته لله عز وجل والوقوف بين يديه خمس مرات في اليوم .
وهم سعداء بمحاكاة النبي الرسول في أداء الصلاة وتلاوة القرآن والركوع والسجود والغبطة والسعادة بأنه لا رجعة لعبادة الأصنام إلى يوم القيامة .
وإذا كان المشركون عند دعوتهم للإيمان يحتجون بمغالطة : هي أنهم على دين آبائهم كما ورد في التنزيل [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ] ( ) .
فان هذا الإدعاء والمغالطة إنقطعت بدخول الناس الإسلام , وعدم الإرتداد عنه .
الحمد لله الذي أنعم علينا بصدور خمسين جزء في تفسير سورة البقرة, وحدها , وأكثر من ضعفها في تفسير شطر من سورة آل عمران وحسب ترتيب المصحف الشريف , وأسأل الله عز وجل أن ينعم عليّ بتوالي إصدار الأجزاء , وفي التنزيل [إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ]( ).
ومن معاني التفسير وأجزائه المتعاقبة الخالية من تحريف المعنى والدلالة إنها رحمة عامة للمسلمين وغيرهم لينهل منها الناس جميعاً , وكان هناك سؤال عام ومتكرر في كل زمان من شطر من المسلمين , لماذا لم يستوف علم التفسير كماً وكيفاً المضامين القدسية لآيات القرآن , ويقولون أن عشرين أو ثلاثين جزء لتفسير القرآن كله لا تحيط بمعشار علومه, وما نبغيه ونرجوه من علوم وكنوز القرآن أكثر , وهذا الكلام صحيح , فأنعم الله عز وجل علينا بصدور الجزء الرابع بعد المائتين من تفسيرنا للقرآن , وكله تأويل واستنباط من ذات آيات القرآن .
ولا زلت عند تفسير وتأويل الآية (184) من سورة آل عمران , وأسأل الله عز وجل أن يبارك بالأجزاء الصادرة من تفسيري للقرآن , وكتبي الفقهية والأصولية , وأن يمدّ في عمري لإتمام سِفر التفسير بفضل ومددّ منه سبحانه وبيده , وفي التنزيل[وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ]( ).
وعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال : آيات القرآن خزائن العلم فكلما فتحت خزانة فينبغي لك أن تنظر فيها) ( ) .
ويتجلى هذا القانون لكل من يتدبر بآيات القرآن وما فيها من الذخائر المتجددة .
(عن محمد بن فضالة الأنصاري وكان ممن صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاهم في بني ظفر ومعه ابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وناس من أصحابه ، فأمر قارئاً فقرأ ، فأتى على هذه الآية { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً }( ) .
فبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه ، وقال : يا رب هذا شهدت على من أنا بين ظهريه فكيف بمن لم أره؟)( ).
لقد جعل الله عز وجل القرآن سور الموجبة الكلية في الألفة بين المسلمين والناس جميعاً ، وهو يدعو إلى الوئام والمودة ، ويزجر عن الكدورة والبغضاء ، وأسباب الخصومة ، لبيان أنه ينهى عن الإرهاب والتفجيرات والقتل العشوائي من باب أولى .
و(عن جُنْدُب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه]) ( ).
لقد بالغ كتاب السيرة في وصف كتائب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكروا أنها غزوات ، وتغنوا وتفاخروا بها .
مما آثار أقوالاً وتساؤلات في الغرب وغيره عن آيات القتال في الإسلام ، ومنهاج وسيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولأن مضامين هذه الآيات هو الدفاع المحض ، وأن سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت مرآة ومصداقاً لهذا الدفاع جاءت هذه الأجزاء بالبيان والكشف ونسخ هذا التفاخر .
إنما يكون التفاخر بمعجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودخول الناس الإسلام طوعاً ، ولا عبرة بالقليل النادر .
وسيأتي في الجزء التالي إن شاء الله ذكر لعدد من آيات الموادعة ، وبيان أنها ليست منسوخة بخلاف من قال بأنها منسوخة بآية السيف ، وهذا البيان من الشواهد على الجمع بين آيات الدفاع وآيات السلم والموادعة من غير تعارض بينهما ، ومنها :
الأولى : قوله تعالى [وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ] ( ) .
الثانية : قوله تعالى [اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ] ( ).
وسيأتي في الأجزاء اللاحقة بيان لآيات عديدة أخرى قيل أنها منسوخة, ولم يثبت هذا القول .
ومن لطف ورحمة الله أني أقوم بمفردي بتأليف ومراجعة وتصحيح أجزاء التفسير المتعاقبة ، وكذا كتبي الفقهية والأصولية والكلامية ، وأسال الله عز وجل أن يديم عليّ هذه النعمة ويزيد علينا من فضله ، قال تعالى [وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ] ( ).
حرر في 26 شوال 1441
18/6/2020
قانون البسملة سلام*
يراد من البسملة قول (بسم الله الرحمن الرحيم ) كما يقال حوقلة ويراد : لا حول ولا قوة إلا بالله , وحمدلة والمراد : الحمد لله رب العالمين.
والبسملة مفتاح مبارك للقول والفعل , وإعلان للإستعانة بالله عز وجل , وفيها ذكر لاسم الله عز وجل وصفات الرحمة الحسنى .
إذ أن اسم (الرحمن) في البسملة أعلاه نعت لاسم الجلالة تبعه في الجر بالكسرة ,
و(الرحيم) نعت ثان للفظ الجلالة تبعه بالجر بالكسرة أيضا .
وذكرت الآية أن الله عز وجل هو المنعِم والرحيم دون ذكر المنعَم عليهم, لتأتي الآية التالية لسورة الفاتحة [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] ( ) لتبين أن المنعم عليهم الخلائق كلها , وأن ذات ربوبية الله عز وجل المطلقة هي رحمة للخلائق كلها , قال تعالى [لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ] ( ).
وإجماع المسلمين على أن البسملة من القرآن ، ومن معاني وحدتهم في المقام تقديسهم لها جيلاً بعد جيل ، وإدراكهم لعظيم الثواب في النطق بها ، وإستحضارها عند الإبتداء بأي فعل ، وفيه نصوص عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
والبسملة مفتاح وباب للبركة , واليُمن , وسبيل ودافع للأذى والشر ، وقد جاءت نصوص عديدة بذكر التسمية وأخرى بالبسملة ، والنسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق ، فالبسملة أعم وهي [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] ( ) .
أما التسمية فيكفي فيها [بِسْمِ اللَّهِ] كما ورد في السنة النبوية القولية في مواطن عديدة .
و(عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , من قرأ حرفاً من القرآن كتب الله له به حسنة . لا أقول { بسم الله } ولكن باء ، وسين ، وميم ، ولا أقول { الم } ولكن الألف ، واللام ، والميم) ( ).
وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يسمي على الأكل سواء عندما يأكل هو أو عندما يدعو غيره للأكل , كما في حديث سلمان الفارسي إذ قال : (فبلغنا ونحن بالمدينة أن رجلاً خرج بمكة يزعم أن الله أرسله ، فمكثنا ما شاء الله أن نمكث ، فهاجر إلينا وقدم علينا .
فقلت : والله لأجربنه فذهبت إلى السوق ، فاشتريت لحم جزور ثم طحنته ، فجعلت قصعة من ثريد ، فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه فقال : ما هذه . . أصدقة أم هدية؟
قلت : بل صدقة فقال لأصحابه : كلوا بسم الله . وأمسك ولم يأكل ، فمكثت أيام ، ثم اشتريت لحماً أيضاً بدرهم ، فاصنع مثلها فاحتملتها حتى أتيته بها ، فوضعتها بين يديه .
فقال : ما هذه . . . صدقة أم هدية؟
فقلت : بل هدية . فقال لأصحابه : كلوا بسم الله وأكل معهم . قلت : هذا – والله – يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، فرأيت بين كتفيه خاتم النبوّة مثل بيضة الحمامة ، فاسلمت) ( ).
والبسملة والتسمية شعار مصاحب النبوة , فقد ورد في كتاب سليمان عليه السلام إلى بلقيس في التنزيل [إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] ( ).
ومن البركة في الكتاب أن بلقيس وقومها استجابوا لطلب سليمان عليه السلام وجاءوا إليه ودخلوا الإسلام من غير قتال .
وكان عيسى عليه السلام يقول (بسم الله) عند الأكل , إذ ورد في التنزيل [إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ*قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ] ( ).
و(قال الكلبي ومقاتل : إستجاب اللّه لعيسى (عليه السلام) فقال إني منزلها عليكم كما سألتم فمن أكل من ذلك الطعام ثم لا يؤمن جعلته مثلاً ، ولعنة لمن بعدهم ، قالوا : قد رضينا فدعا شمعون وكان أفضل الحواريين.
فقال : هل لكم طعام؟
قال : نعم معي سمكتان صغيرتان وستة أرغفة، فقال : عليّ بها فقطعهن عيسى قطعاً صغاراً ، ثم قال : اقعدوا في روضة فترفقوا رفاقاً كل رفقة عشرة .
ثم قام عيسى ودعا اللّه فاستجاب اللّه له ونزل فيها البركة فصار خبزاً صحاحاً وسمكاً صحاحاً ، ثم قام عيسى فجعل يلقي في كل رفقة ما عملت أصابعه ثم قال : كلوا بسم اللّه فجعل الطعام يكثر حتى بلغ ركبهم فأكلوا ما شاء اللّه وفضل خمس الذيل ، والناس خمسة آلاف ونيف.
وقال الناس جميعاً : نشهد إنك عبده ورسوله ثم سألوا مرة أخرى فدعا عيسى (عليه السلام) فأنزل اللّه خبزاً وسمكاً وخمسة أرغفة وسمكتين .
فصنع بها ما صنع في المرة الأولى فلما رجعوا إلى قراهم ونشروا هذا الحديث ضحك منهم من لم يشهدوا وقالوا لهم : ويحكم إنما سحر أعينكم.
فمن أراد به الخير تبته على بصيرته ومن أراد فتنته رجع إلى كفره)( ).
وهذا ديدن كثير من الناس بخصوص تلقي الآية الحسية , فتفضل الله عز وجل على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالآية العقلية وهو القرآن ليكون حجة على الحاضر , والغائب , والموجود , والذي لم يولد بعد .
وقال الذهبي (وفيها أي في سنة سبع وأربعين وأربعمائة ثارت الحنابلة ببغداد ومقدمهم أبو يعلى، وابن التميمي، وأنكروا الجهر بالبسملة ومنعوا من الجهر والترجيع في الأذان والقنوت. ونهوا إمام مسجد باب الشعير عن الجهر بالبسملة، فأخرج مصحفاً وقال: أزيلوها من المصحف حتى لا أتلوها.) ( ).
ولا يعني لفظ (ثارت) الهجوم والقتال ، إنما هو حال من الإحتجاج الشديد .
وبلحا ظ موضوع هذا الجزء فان البسملة رحمة عامة ، ودعوة للتآلف بينهم ، وهي لواء عقائدي يدعو إلى الهدى والصلاح ، ويزجر عن القتال والحروب .
والبسملة مفتاح لكل خير ، وباب رجاء لصرف البلاء والفتنة ، وهل دفع الله عز وجل عن المؤمنين بتعاهدهم البسملة ضروباً من القتال ، الجواب نعم ، وهذا الدفع رحمة بهم وبالمشركين والناس جميعاً ، وقد صرف الله عز وجل معارك ومنع سفك دماء فيها ، ومن موت طائفة من الناس على الكفر ، فيكون مصيرهم إلى النار , وبدفع المعارك سلم المسلمون وتاب كثير من الناس .
إذ أمدّ الله في أعمارهم وأدركتهم التوبة وصاروا عباداً صالحين ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( )وقوله تعالى [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] ( ).
وهناك شواهد كثيرة عن رجال كانوا قادة للمشركين في المعارك ثم دخلوا الإسلام وصاروا قواداً وأمراء وحكاماً .
وبعد دخولهم الإسلام تغير الموضوع فصاروا يقولون إنما وجدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يؤدي الصلاة ويصوم شهر رمضان ويحج البيت (عن مالك بن الحويرث ، قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن شببة متقاربون ، فأقمنا عنده عشرين ليلة ، فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلينا ، سألنا عمن تركنا في أهلنا ، فأخبرناه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحيما رفيقا ، فقال : ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ، ومروهم ، وصلوا كما رأيتموني أصلي ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم ، وليؤمكم أكبركم) ( ).
(مالك بن الحويرث بن أشيم بن زَبالة ( )الليثي الصحابي) ( ) (ويكنى مالك أبا سليمان)( ).
ومما يرويه (مالك بن الحويرث قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا كبر لافتتاح الصلاة، ويرفع يديه إذا كبر للركوع ، ويرفع يديه إذا قال : سمع الله لمن حمده) ( ).
(وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ” علي أول من آمن بي وصدقني ” .
وقال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ” صلت الملائكة عليّ وعلى علي بن أبي طالب سبع سنين ” ، قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟
قال : ” لم يكن معي من الرجال غيره ” .
قال مالك بن الحويرث: كان علي أول من أسلم من الرجال، وخديجة أول من أسلم من النساء) ( ).
(سكن مالك البصرة ومات بها سنة أربع وتسعين . روى عنه أبو قلابة وأبو عطية وسلمة الجرمي وابنه عبد الله بن مالك بن الحويرث) ( ).
قانون إتباع الوحي سلم ورحمة عامة
ومن معاني [وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا] ( ) وجوه :
الأول : واتبع ما أوحي إليك من ربك يغنيك عن الغزو .
الثاني : اتبع ما أوحي إليك من ربك ففيه الفتح .
الثالث : واتبع ما أوحي إليك من ربك ففيه هداية للناس , وجذب للإيمان .
الرابع : اتبع وأصحابك وأهل بيتك وأمتك ما أوحي إليك من ربك .
الخامس : اتبع ما أوحي إليك من ربك كما اتبع الأنبياء ما أوحي إليهم من ربهم .
السادس : اتبع ما أوحي إليك من الكتاب ومن عموم الوحي .
السابع : اتبع ما أوحي إليك بواسطة الملك جبرئيل فإنه أمين على التنزيل .
ولم يرد لفظ (اتبع ما أوحي) في القرآن إلا في الآية أعلاه , وورد لفظ (اتبع ما أوحي) مرتين , وهما خطاب وأمر إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أيضاَ , كما في قوله تعالى [وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ] ( ).
[وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا] ( ).
ومن إعجاز القرآن وجوب عمل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بما أوحي إليه وما يوحى إليه , وفيه نكتة وهي خلوه من التزاحم أو التعارض , مع الحاجة إلى العمل بالوحي السابق واللاحق .
ومن معاني الجمع بين وجوب اتباع الوحي ووجوب الصبر لحوق الأذى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه , وأن المشركين لا يمتنعون عن تجهيز الجيوش لمحاربته .
ومن الصبر في المقام العزوف عن القتال والغزو حتى وإن إجتمعت مقدماته , فمن الآيات في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم , ومن الشواهد عليه أن المشركين يعدون العدة لسنة كاملة لغزو المدينة في معركة أحد , ويبعثون طيلة هذه السنة رسائل التهديد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وهم منقطعون إلى الذكر والدعاء والصلاة من غير ترك للتهيئ للدفاع والعمل بقوله تعالى [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ] ( ).
وعندما خرجت جيوش قريش من مكة وصلت أخبارهم إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
فإن قلت كيف تصل وليس من رسائل إتصال سريعة آنذاك أو هناك حمام زاجل يستخدم لنقل رسائل تربط في قدميه ويرسل إلى وطنه إذ أنه يمتاز بحبه للعودة إلى وطنه وإن بلغ طول المسافة بينه وبين وطنه آلاف الكيلو مترات .
وقيل أول ما استعمل الحمام الزاجل في الأمور الحربية سنة 24 ق.م , واستعمله العباسيون خاصة مع سعة الممالك التابعة لهم , وكان قادة الميدان يطلعون الخليفة على الوقائع بواسطة هذا الحمام , ثم استعمله الفاطميون بأن صاروا يكتبون الرسائل المشفرة التي لا ينتفع منها العدو , الجواب من وجوه :
الأول : يعلم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخروج جيش المشركين من مكة بالوحي الذي لم ينحصر بالإخبار , إنما يأتي مع الإخبار بيان سنخية العمل وهو المستقرأ من قوله تعالى [اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ] ( ).
وقوله تعالى [وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا] ( ).
الثاني : كان المسافرون والركبان ينقلون أخبار مكة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم , إذ كانت مكة في حال نفير وتحشيد للإغارة على مدينة رسول الله .
وعندما خرج جيش قريش من مكة فإن من المعتمرين وزوار مكة كان قد خرج في ذات الوقت الذي خرجوا فيه , ولكنه يكون أسرع منهم لقاعدة وهي أن المسافر المنفرد يقطع المسافات أسرع من الجيش الكثير .
الثالث : رصد المسلمين الذين في مكة لأفعال وتحشيد المشركين وسخطهم مما يجري , فيقومون ببعث الرسائل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه .
لقد تأذى المسلمون من خبر نصر الفرس على الروم قبل الهجرة لأن الروم أهل كتاب , قال تعالى [غُلِبَتْ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ] ( ).
فلا يطيق المسلمون في مكة رؤية الخسارة والهزيمة لجيش الإسلام في معركة أحد , خاصة وانهم لم يجدوا ما يكون سبباً للهجوم عليهم , وفي التنزيل [الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ] ( ).
وفي المقام نكتة وهي إذا خرج المشركون بجيشهم انكشف أمرهم , إذ ليس عندهم جهة يتوجهون إليها إلا محاربة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وهو حجة عليهم , وباب لنزول البلاء بهم .
أما بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه إذا خرج من المدينة فإنه كان يوري فلا يعين الجهة التي يخرج إليها , ولا يصرح أو يعلن عن الوجهة التي يقصدها إلا في كتيبة تبوك لأسباب منها :
الأول : بعد المسافة .
الثاني : لزوم الإستعداد بكثرة الزاد والتجهز بالرواحل المناسبة .
الثالث : كان الوقت في القيض والحر مع ضيق الحال , وقلة المؤن .
الرابع : كثرة عدد جيش الروم إذ أنهم أضعاف عدد جيش المسلمين .
ونضيف لها وجوهاً :
الأول : تم إعلان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم التوجه إلى تبوك بالوحي , وهو من عمومات قوله تعالى [اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ] ( ).
الثاني : كشف المنافقين في إعراضهم وصدودهم ، وفي قوله تعالى (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا “( ) نزلت هذه الآية في الجد بن قيس، وكان من أكثر بني سلمة مالاً ورئيسهم , وكان معجباً بالنساء .
(عن جابر قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : يا بني سلمة من سيدكم؟ قالوا : الجد بن قيس وإنا لنبخله . قال : وأي داء أدوأ من البخل بل سيدكم الخير الأبيض عمرو بن الجموح قال : وكان على أضيافهم في الجاهلية قال : وكان يولم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوّج .
وأخرج البيهقي من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من سيدكم يا بني سلمة؟ .
قالوا : الجد بن قيس . قال : وبم تسوّدونه؟ قالوا : بأنه أكثرنا مالاً وإنا على ذلك لنزنه بالبخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وأي داء أدوأ من البخل ، ليس ذاك سيدكم . قالوا : فمن سيدنا يا رسول الله؟ قال : سيدكم البراء بن معرور قال البيهقي مرسل) ( ).
(وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تغزو بني الأصفر؟ عسى أن تحتقب من بنات الأصفر! .
فقال: يا محمد، قد علم قومي أنه ليس رجل أعجب بالنساء مني، فلا تفتني بهن! يقول عز وجل: ” ألا في الفتنة سقطوا “( )
بتخلفه عن رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم ونفاقه) ( ).
الثالث : فضل الله عز وجل على النبي بالعلم بأنه لن يقع قتال في كتيبة تبوك ، فمع أن عدد جيش المسلمين ثلاثين ألفاً وأن عدد جيش الروم وحلفائهم من العرب نحو عشرة أضعاف عددهم، فلم يقع لقاء وقتال بين الفريقين .
وهل هو من مصاديق قوله تعالى [وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ] ( ) .
الجواب نعم ، فان قلت نزلت الآية أعلاه بخصوص معركة الخندق ، والجواب إذا أنعم الله عز وجل على الناس بنعمة فانه أكرم من أن يرفعها ، والشواهد عليها كثيرة ، ومنها صلح الحديبية الذي وردت نصوص متعددة من الجزء السابق بخصوصه( ) .
قانون الوحي إلى الأنبياء
قال تعالى [إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا] ( ).
فمن إعجاز الآية أعلاه ورود لفظ [أوحينا ] ثلاث مرات فيها من مجموع عشرين مرة عدد ورود هذا اللفظ في القرآن .
لبيان أن الوحي مصاحب للنبوة وينقطع بانتقال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى مما يلزم الناس عدم التكذيب برسالته ، وفيه مواساة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فكما كذّب الذين من قبلهم بالرسل الذين أوحى الله إليهم ، فأنهم يكذبون بما أوحاه الله عز وجل إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
والقرآن معجزة في لفظه ورسمه ودلالته وبقائه غضاً طرياً إلى يوم القيامة ، فهذا البقاء ظهير احاطته بالوقائع والأحداث التي هي حجة أخرى على صدق نزوله من عند الله عز وجل .
الثالث : فقد المعجزات الحسية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت حاضرة ومصاحبة لشخصه الكريم ومن منافعها النقص المستمر في عدد الذين يكذبون ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فمن معاني الإعجاز في المعجزة أن مع كل واحدة منها جذب للناس للإيمان ، وهي لطف من عند الله ومن مصاديق قوله تعالى [فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ] ( ) .
ومن لم يتعظ بالمعجزة الحسية او العقلية تكون حجة عليه في الدنيا والآخرة ، ليكون من معاني قوله تعالى [فَإِنْ كَذَّبُوكَ] ( )وجوه :
الأول : فإن كذبوا المعجزات التي جئت بها .
الثاني : فإن كذبوا الوحي والتنزيل .
الثالث : فإن كذبوك وأنت بين ظهرانيهم . ( )
الرابع : فإن كذبوك فستلتقي معهم يوم القيامة وسيرون عظيم منزلتك ودرجة الشفاعة التي تفوز بها ، ليكون تكذيبهم هذا سبباً لحسرتهم وابتلائهم .
قال تعالى في الثناء على القرآن , وسوء عاقبة الذين يكذبون به وبالنبوة [وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ* وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ] ( ).
لقد أخبرت آيات القرآن عن تفضل الله عز وجل ببعث رسل كثيرين قبل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي التنزيل [قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ] ( ) .
ولم يرد لفظ بدعاً في القرآن إلا في الآية أعلاه ، والبدع والبديع من الأشياء أي الذي يكون أمراً مبتدأ ليس له مثل سابق من جنسه .
(وأنشد قطرب لعدي بن زيد :
فلا أنا بدع من حوادث تعتري … رجالاً غدت من بعد بؤسي بأسعد) ( ).
وفي ذكر الرسل السابقين دعوة للناس للتصديق بهم ، وتلقي أخبارهم بالقرآن بالقبول والإتعاظ منها ، وتقدير الآية : فارسلناك اليوم كما ارسلنا رسلاً من قبلك ) أي أن هذا الزمان هو زمان رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفيه ترغيب للناس بالإيمان لذا وردت آية البحث بالبشارة [فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ]( ).
ومن اللطف الإلهي بالناس بعثه الرسل يدعون الناس إلى الإيمان ، ويحذرونهم من المعصية والجحود ، قال تعالى [وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِيرٌ] ( ) .
وفيه حجة على الناس في الدنيا وفي الآخرة ، فحينما يتمادى الناس بالكفر مع وجود الأنبياء وآثارهم يتفضل الله عز وجل ويبعث رسولاً وينزل عليه كتاباً ، وتجري المعجزة على يديه ، ويبين أحكام الحلال والحرام ، ويعلن دعوته من غير خشية أو خوف من الذين كفروا وسلاطين الزمان، قال تعالى[وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً] ( ).
ولم يذكر القرآن أسماء وقصص كل الرسل إلا أنه ذكر أسماء ستة وعشرين منهم ، وذكر المجموع على نحو الإجمال ، قال تعالى [وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا] ( ).
وتقييد القصص بـ [مِنْ قَبْلُ] إشارة إلى نزول آيات قرآنية أخرى تتضمن الإخبار عن أحوال الأمم السالفة , وقصص الأنبياء السابقين , وما لاقوه من التكذيب والأذى ثم نزلت آية قرآنية أخرى أخبرت عن قانون وهو أن مجموع ما قصه وذكره الله عز وجل للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من قصص الأنبياء إلى حين مغادرته الحياة الدنيا موعظة وعبرة للأجيال , وصارفا عن القتال والإرهاب .
و(عن أبي أمامة : أن أبا ذر قال : يا نبي الله أي الأنبياء كان أوّل؟ قال: آدم .
قال : أو نبي كان آدم؟
قال : نعم . نبي مكلم ، خلقه الله بيده ، ثم نفخ فيه من روحه ، ثم قال له يا آدم قبلاً .
قلت : يا رسول الله كم وفى عدة الأنبياء؟
قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً . الرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة عشر . جماً غفيراً) ( ).
وأخبرت آيات القرآن عن إيفاء الأجور يوم القيامة , ومنها أجور الرسل السابقين لتكون هذه الآية عزاَ أو نصراَ لهم وشاهد على عظيم منزلتهم يوم القيامة , ولحوق الخزي بالذين كذّبوهم , ليكون من معاني قوله تعالى [فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ] ( ) الوعيد للذين كذّبوا الرسل السابقين .
وإبتدأت الآية أعلاه بقوله تعالى [ فَإِنْ كَذَّبُوكَ ِ] ( ) .
وهل يمكن تقدير الآية , فقد كذّبوك كما كذّب رسل من قبلك , الجواب نعم , فصحيح أن الجملة وردت بصيغة الجملة الشرطية , ولكن مجئ الآية بالتشبيه بين ما يلقاه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما لاقاه الانبياء السابقون من الصدود والعناد والتكذيب يدل على أن المراد من لغة الشرط بيان التشابه في أحوال الرسل والأنبياء , وفيه مسألة وهي أن معنى اللفظ القرآني أعم وأوسع من الصناعة النحوية , وقد تأتي جملة شرطية تتضمن وجهين :
الأول : جواب شرط شبه ظاهر .
الثاني : جواب شرط محذوف .
لذا قال بعضهم أن قوله تعالى [فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ] ( ) جواب الشرط , وذهب المشهور إلى أن جواب الشرط محذوف , وهو المختار , ولكن بمعنى متعدد , باللجوء إلى القرآن وإيجاد أجوبة متعددة لجملة الشرط .
ولو جرت احصائية أيهما أكثر الذين يصدقون بالرسل أو الذين يكذّبونهم , ومن وجوه :
الأول : قبل بعثة الرسول بخصوص تلقي الناس للبشارات برسالته .
الثاني : أيام بعثة الرسول وقيامه بالتبليغ.
الثالث : أيام الرسول والبعثة النبوية .
والمختار أن الذين يصدقون بالرسول أكثر من الذين يكذّبون به , فهم في أيام بعثته تبدو الدعوة غريبة من الناس ولكن تأخذ كفة التصديق بالتزايد ثم الترجيح , وهو من مصاديق قوله تعالى [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ] ( ).
إذ نزلت بعد أن كثر عدد المسلمين , وقويت شوكته , وانتشرت تلاوة القرآن وصارت إقامة الصلاة وما فيها من الركوع والسجود والخضوع لله عز وجل أمراَ متعارفاَ في المنتديات والأسواق والبيوت وفي حال الحضر والسفر .
لقد كان العرب يستكبرون عن حال الركوع والسجود , فصارت الصلاة شعار الإسلام لقهر هذا العتو والزهو بالنفس , وجعلت الإنسان يتفكر في عبوديته لله عز وجل , ويفتخر بها .
و(عن عامر الشعبي، قال تكلم أمير المؤمنين عليه السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة، وأيتمن جواهر الحكمة، وقطعن جميع الانام عن اللحاق بواحدة منهن ثلاث منها في المناجاة، و ثلاث منها في الحكمة، وثلاث منها في الادب. فأما اللاتي في المناجاة فقال: إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا، أنت كما احب فاجعلني كما تحب.
وأما اللاتي في الحكمة فقال: قيمة كل امرء ما يحسنه، وما هلك امرء عرف قدره، والمرء مخبو تحت لسانه.
واللاتي في الادب فقال: امنن على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت
تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره) ( ).
آيات الدفاع عن ماذا( )
كانت الآيات التي فيها لفظ القتال والدفاع والجهاد تسمى بآيات القتال , ومنها آية السيف , وليس في القرآن لفظ السيف , وسأبين بفضل ومدد من الله عز وجل أن هذه الآيات هي آيات دفاع , ترى هي دفاع عن ماذا ؟
الجواب من وجوه :
الأول : الدفاع عن ملة التوحيد .
الثاني : الدفاع لمنع طغيان مفاهيم الكفر , أو سيادة أتباع الشيطان والظالمين , قال تعالى [وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا]( ).
الثالث : الدفاع والقتال من أجل دفع الظلم عن المؤمنين والمؤمنات ومن لاذ بجنابهم , قال تعالى [أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ]( ).
الرابع : الدفاع عن نعمة النبوة , والمنع من إنكارها والجحود بها , فمن الناس من ينكر بعثة الأنبياء , وقد جاء كل نبي من الأنبياء وعددهم مائة ألف وعشرون ألف بمعجزات حسية تدل على صدق نبوته , وتفضل الله عز وجل على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالمعجزات العقلية والحسية لتكون آيات الدفاع عن هذه المعجزات مجتمعة ومتفرقة , لذا ذكر القرآن شطراً من معجزات الأنبياء .
وهذا الذكر تثبيت لها بين الناس , ودعوة لهم للإنتفاع منها في العقيدة وميادين العمل , والإدخار للآخرة , وقد ذكر القرآن معجزة نوح عليه السلام ونجاته ومن معه من أهله من الطوفان بمعجزة , قال تعالى [فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ]( ).
ومن معاني ( آية للعالمين ) حفظ هذه المعجزة في القرآن ليتلوها كل مسلم ومسلمة وإلى يوم القيامة , ومن معانيها تلاوة المسلمين والمسلمات للقرآن في الصلاة اليومية , والتدبر في المضامين القدسية لآيات القرآن , ودلالاتها , قال تعالى [وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ]( ).
وذكر القرآن معجزة النبي صالح عليه السلام وحفظ القرآن تسمية صالح لها بأنها ناقة الله عز وجل , فهي لم تولد في رحم إذ أخرجها الله عز وجل من صخرة صماء ترد الماء في يوم فتأخذ القرية من لبنها ما يكفيهم جميعاً , وجاء حكاية عن صالح عليه السلام في التنزيل , [وَيَاقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ]( ) وبيّن القرآن عقر رهط من الكفار للناقة .
كما ذكر القرآن معجزة إبراهيم عليه السلام , ونجاته من نار جمعوا حطبها لمدة شهرين ثم وضعوه في وسطها , وأشعلوها لأنه دعاهم لعبادة الله وحده , وقام بتكسير أصنامهم , فأخبر القرآن بأن الله عز وجل قال لها [يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ]( ) فخرج سالماً منها , ليلتفت الناس جميعاً إلى قانون وهو أن الكائنات والجمادات تستجيب لله عز وجل حتى في خلاف وظيفتها إذ أن وظيفة النار الإحراق , فتعطلت بمشيئة من الله عز وجل .
وذكر القرآن معجزات موسى عليه السلام , ومنها معجزة العصا ومعجزة يده , والرجز على آل فرعون , ومعجزة إنفلاق البحر .
قال تعالى [وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ]( ).
وغيرها من معجزات الأنبياء , إ ذ شاء الله عز وجل توثيقها وحفظها في القرآن , وجاءت السنة للبيان والتثبيت وزيادة الترغيب في الإنصات لآياتها والتدبر فيها , ولا يريد الكافرون سماع معجزات الأنبياء فدافع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون عنها لبيان قانون وهو أن آيات الدفاع لا يختص موضوعها بالدفاع عن الذوات بل تشمل معجزات الأنبياء .
وتدعو معجزات الأنبياء الناس إلى الألفة ونبذ القتال وسفك الدماء , وهو من مصاديق إحتجاج الله عز وجل على الملائكة بقوله [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ]( ) عندما تساءلوا عن جعل الإنسان [فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً]( ) .
مع أنه يفسد في الأرض , ويشعل المعارك والحروب , فمن علم الله عز وجل أن معجزات الأنبياء دعوة للسلم شاء الله عز وجل أن تكون ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دعوة يومية متجددة بتلاوة المسلمين والمسلمات لآيات القرآن كل يوم .
الخامس : الدفاع عن التنزيل وآيات القرآن , ومن إعجاز القرآن في المقام نزوله على التعاقب في آياته , وليس دفعياً وعلى أسباب النزول والوقائع والتدرج في الأحكام التكاليف .
السادس : المنع من إنقطاع نزول آيات القرآن , إذ أنها لم وتنزل إلا على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد انتظر الملائكة آلاف السنين حتى أوان بعثته , فنزل جبرئيل بآيات القرآن وهذا الإنتظار والنزول من مصاديق إحتجاج الله عز وجل على الملائكة [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ]( ) فسجدوا لله شكراً , وعلموا أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يأتي بما فيه إستئصال الفساد , ومنع إراقة الدماء إلا بالحق , فكان الدفاع حاجة للناس لتوالي نزول القرآن وعمل الأجيال المتعاقبة .
السابع : الدفاع عن عموم أهل المدينة من الأوس والخزرج , خاصة وأن طائفة منهم لم يدخلوا الإسلام حال هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة .
الثامن : الدفاع عن أموال أهل المدينة وزروعهم وأنعامهم , وقد كانت قريش تغار برجالها على أطراف المدينة وتحرق بعض النخيل والمزروعات , ويأخذون الأنعام التي تعود لأهلها , لبعث النفرة في نفوسهم من الإسلام , قال تعالى [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]( ).
التاسع : دفاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة عن يهود المدينة وأموالهم , وهم كل من :
الأول : بنو قريظة .
الثاني : بنو النضير .
الثالث : بنو قينقاع .
العاشر : الدفاع عن حال الدفاع , وعدم الجلوس عن ملاقاة الذين كفروا .
الحادي عشر : الدفاع عن البيت الحرام , ولإزاحة الأصنام منه , وكان في البيت الحرام يوم فتح مكة ثلاثمائة وستون صنماً فأزاحها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده .
و(عن ابن عباس قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة يوم الفتح وعلى الكعبة ثلثمائة وستون صنماً ، فشد لهم إبليس أقدامها بالرصاص ، فجاء ومعه قضيب فجعل يهوي به إلى كل صنم منها فيخرّ لوجهه فيقول : { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً }( ) حتى مر عليها كله)( ).
الثاني عشر : الدفاع عن الضروريات الخمس وهي الدين والنفس والمال والعِرض والعقل .
الثالث عشر : الدفاع عن بقاء الإيمان تركة للأبناء والأجيال اللاحقة .
قانون العبادة مودة بين الناس
لقد نزل القرآن بالسلام والمساواة والحب بين الناس , وهو من أسرار بقائه سالماً من التحريف إلى يوم القيامة .
وكل آية منه تنطق بالعدل ونبذ العنف والإرهاب , وتحتمل معارك الإسلام وجوهاً :
الأول : إنها دفاعية هجومية .
الثاني : من معارك الإسلام ما كانت دفاعية ومنها ما كانت هجومية .
الثالث : معارك الإسلام دفاعية .
والمختار هو الثالث , ومن الدفاع المبادرة إلى تشتيت حشود المشركين الذين يسعون للهجوم على المدينة المنورة , وإرادتهم قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه .
وليس من الإنصاف النظر إلى جبهة الإسلام , وجبهة الكفر بعرض واحد , وكأنهما متكافئان , إنما بينهما تباين وتضاد , كالملكة وعدمها , قال تعالى [بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ]( ).
ولم يرد لفظ (زاهق) في القرآن إلا في الآية أعلاه لبيان إنقطاع الكفر , لذا ترى الذي يدخل الإسلام من أهل مكة والجزيرة يشكر الله عز وجل على نعمة الإسلام , ولا يغادر منازل الهدى , ولا يرتد مع أنه يفاجئ بالتكاليف على نحو دفعي وهي :
الأول : صلاة خمس مرات في اليوم , وفيها مسائل :
الأولى : إتيان الصلاة في أوقات مخصوصة , قال تعالى [ أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ] ( ).
الثانية : من مقدمات الصلاة الوضوء , أو الغسل إن كان على جنابة , قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ( ).
الثالثة : ضبط أفعال الصلاة وأداؤها بحال خشوع وخضوع .
الرابعة : قراءة القرآن في الصلاة , مع الركوع والسجود .
الخامس : استحباب أداء الصلاة جماعة , ومن الآيات أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على أداء الصلاة جماعة مع أصحابه وبإمامته .
الثاني : صوم شهر كامل من أشهر السنة الإثني عشر , وبالإمتناع عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس , قال تعالى [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ] ( ).
وتبين الآية أعلاه المنع من صوم الوصال , وهو الإمتناع عن الأكل والشرب ليومين والليلة التي بينهما , أو ثلاثة أيام والليلتين اللتين بينهما .
و(عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر .
قالوا : فإنك تواصل يا رسول الله؟
قال : إني لست كهيئتكم ، إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني)( ).
الثالث : أداء الزكاة من النقدين وأقله في الدينار ما يعادل (85)غرام من الذهب , وفي الدرهم من الفضة نحو (600)غرام .
والزكاة في الدينار والدرهم والأنعام , الغنم والبقر والإبل وأقل النصاب من الغنم (40) ومن البقر (30) ومن الإبل (5) .
والإبل كل بمقداره , وزكاة الحبوب والثمار , عندما تبلغ خمسة أوسق , وكل وسق ستون صاعاً , واختلف بمقداره بين 612 و 850 كغم بلحاظ الإختلاف في مقدار الصاع , بعد طرح ما انفقه المزارع على مراحل الإنتاج والحصاد .
وبالإضافة إلى زكاة الركاز وهو ما وجد مدفوناً ولا يعرف له مالك, وفيه الخمس , وليس فيه نصاب فيؤخذ خمسة قليلاً كان أو كثيراً , والأولى صرف الزكاة في ذات بلد الإخراج , ويجوز نقلها إلى بلد آخر لسبب راجح أو مصلحة أو حاجة .
وفي عهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن ورد (عن ابن عباس قال :
قال : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن انك ستأتي قوما اهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى ان يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله .
فان هم اطاعوا لك بذلك فاخبرهم ان الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فان هم اطاعوا لك بذلك فاخبرهم ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم فان هم اطاعوا لك بذلك فاياك وكرائم اموالهم واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينه وبين الله حجاب) ( ).
لبيان قانون وهو أن النبي يحرص على أن لا يقع قتال أو حتى مناوشة بين المسلمين وغيرهم , مع أنه يعلم أن الله عز وجل معه , وهل يشمل قول [لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا] ( ) المقام .
أم أن القدر المتيقن من الآية أعلاه وجوده في الغار وطريق الهجرة , المختار هو الأول , لتكون الآية أعلاه بشارة النصر في معركة بدر بفضل الله عز وجل .
الرابع : أداء المكلف مناسك الحج على نحو الوجوب العيني مرة واحدة في العمر .
الخامس : الجهاد في سبيل الله سبحانه بالعصمة من اتباع الشهوات وبالدفاع ودفع المشركين , فبعد أن كان القتال بين القبائل وبالظلم والتعدي من هذا الطرف أو ذاك , صار القتال بين المسلمين والمشركين بالتعدي من قبل المشركين وظلمهم لكل من:
الأول : ظلم المشركين للمسلمين .
الثاني : ظلم المشركين لأنفسهم , قال تعالى [وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ] ( ).
الثالث : ظلم المشركين للناس بمحاولة إغوائهم , وصدهم عن سبيل الله عز وجل .
الآية نبراس ( ):
لقد جعل الله عز وجل الآية القرآنية ثروة ونعمة دائمة بيد الناس , ينهل منها الناس المعارف , ويتخذها المسلم سلاحاَ , وهي حرب على النفس الشهوية والغضبية .
وتدعو كل آية من القرآن الناس إلى التصديق بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمعجزات التي جاء بها ، وفيه بلحاظ قانون لم يغزُ النبي أحدا مسائل :
الأولى : الآية القرآنية رسول السلام .
الثانية : تبعث الآية القرآنية الطمأنينة في النفوس ، وهو من مصاديق قوله تعالى [أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ] ( ) .
الثالثة : بآيات القرآن بدأ عهد جديد على الأرض ، عهد البرهان والإحتجاج والإستغناء عن السيف .
الرابعة : رجحان سلاح الآية القرآنية على سيوف ودروع المشركين ، وهو من الإعجاز الغيري للقرآن ، وهو من عمومات قوله تعالى [وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى]( ).
وأختلف في أوان نزول الآية أعلاه على وجوه :
الأول : أنها نزلت في معركة بدر (عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا .
فخرجنا فلما سرنا يوماً أو يومين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعادّ ففعلنا ، فإذا نحن ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، فأخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدّتنا ، فسر بذلك وحمد الله .
وقال : عدة أصحاب طالوت .
فقال : ما ترون في القوم فانهم قد أخبروا بمخرجكم؟ فقلنا : يا رسول الله لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا للعير ، ثم قال : ما ترون في قتال القوم؟ فقلنا مثل ذلك ، فقال المقداد : لا تقولوا كما قال أصحاب موسى لموسى { اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون }( ) فأنزل الله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون } ( )إلى قوله { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم }( ) فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين – اما القوم واما العير – طابت أنفسنا .
ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم إني أنشدك وعدك .
فقال ابن رواحة : يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك – ورسول الله أفضل من أن نشير عليه – إن الله أجل وأعظم من أن تَنْشُدَهُ وعده . فقال : يا ابن رواحة لأنْشُدَنَّ اللهَ وعده فإن الله لا يخلف الميعاد ، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجوه القوم فانهزموا ، فأنزل الله { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }( ) فقلنا( ) وأسرنا) ( ).
الثاني : نزلت في معركة أحد ، عن الزهري وعن سعيد بن المسيب قالا (أنزلت في رمية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد أبي بن خلف بالحربة وهو في لامته ، فخدشه في ترقوته فجعل يتدأدأ عن فرسه مراراً حتى كانت وفاته بها بعد أيام ، قاسى فيها العذاب الأليم موصولاً بعذاب البرزخ المتصل بعذاب الآخرة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الزهري في قوله { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } قال : حيث رمى أبي بن خلف يوم أحد بحربته فقيل له : إن يك الأجحش . قال : أليس قال : أنا أقتلك؟ .
والله لو قالها لجميع الخلق لماتوا ) ( ).
الثالث : عن عبد الرحمن بن جبير (عن عبد الرحمن بن جبير :أن رسول الله – يوم ابن أبي الحقيق – دعا بقوس : فأتى بقوس طويلة فقال : جيئوني بقوس غيرها . فجاءوه بقوس كيداء ، فرمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحصن ، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق في فراشه ، فأنزل الله { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }( ) ) ( ).
الرابع : يوم حنين , قال تعالى [وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ] ( ).
والمشهور والمختار هو الوجه الأول أعلاه ، إذ أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ثلاث قَبَضَاتٍ من حَصًى وتُرَابٍ ، فرمى بها في وجوه القوم ، فانهزموا عند آخر رمْيَةِ ، ويروى أنه قال يوم بدر : شَاهَتِ الوُجُوهُ وهذه الفعلة أيضاً كانت يوم حُنَيْن) ( ).
ويدل عليه قوله تعالى [وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ( ) فمن مصاديق هذا النصر أن الله عز وجل هو الذي رمى المشركين الغزاة .
وتقدير قوله تعالى [قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ] ( ) على وجوه :
الأول : لقد جئتكم بالبينات مثلما جاءكم رسل من قبلي بالبينات .
الثاني : لقد جئتكم بالبينات فآمنوا بها .
الثالث : قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات , وجئتكم بالبينات , وسآتيكم بأخرى.
الرابع : لقد جئتكم بالبينات رحمة من عند الله عز وجل ليكون من معاني قوله تعالى [إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا] ( ) مجئ الآية بصيغة الفعل المضارع [يَهْدِي][ يُبَشِّرُ] لبيان تجدد الهداية بالقرآن في كل جيل إلى يوم القيامة ، وحضور البشارة القرآنية بين الناس في كل زمان .
فمن الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إتصال وتجدد المعجزات التي جاء بها , ومنها توالي نزول آيات القرآن إلى الآيات الأخيرة قبل مغادرة النبي محمد الحياة الدنيا ، وفيه تأسيس للعدالة ، وضياء ونبراس للهدى , قال تعالى [لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ]( ) .
قانون الإستشارة النبوية في الدفاع رحمة
قد يتبادر إلى الذهن أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يختار السلم أو الحرب من غير اللجوء إلى المشورة لأنه يعمل بالوحي الذي هو أسمى وأعلى مرتبة من المشورة , قال تعالى [وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى] ( ).
فقد تأتي المشورة على الظاهر أو تكون نتيجتها خلاف القصد والغاية ، والمشورة مستحبة والعمل بالوحي واجب , في كل زمان وفي الأحكام التكليفية الخمسة , وفي المعاملات والوحي نعمة خصّ الله عز وجل بها الأنبياء ، واتصال وتجدد الوحي إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مصاديق قوله تعالى [وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا] ( ).
وهل يمكن تقدير الآية [فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا] ( ) أي فاصبحتم بالوحي إخوانا ) الجواب نعم ، إذ أن الوحي نعمة دائمة على أهل الأرض ، وقد انقطع الوحي بمغادرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ، ولكنه باق إلى يوم القيامة بالتنزيل والسنة النبوية ، وهو من الدلائل على حاجة الناس لسلامة القرآن من التحريف والزيادة أو النقصان ، وهو من عمومات قوله تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون] ( ).
فإن قلت إنه باب فاز به أصحاب الأنبياء وأهل بيته ثم غُلق بانتقال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى .
والجواب إنه لم يغلق بل هو باق بالقرآن والسنة والكتب السماوية المنزلة وهو من فضل الله عز وجل على كل جيل من أجيال الناس .
وهل تنتفع هذه الأجيال من قوله تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ] ( ) الجواب نعم , بالإتعاظ واقتباس الدروس والمواعظ من هذه القصص , وهو الذي ورد في قوله تعالى [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] ( ).
فإن قلت كيف تكون المشورة ، الجواب بالرجوع إلى القرآن والسنة ، واقتباس الدروس منهما مجتمعين ومتفرقين .
ومن هذه الدروس أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يستشير أصحابه قبل المعركة لبيان أمور :
الأول : الإخبار عن عدم الرغبة بالقتال ، قال تعالى [كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ]( ) .
الثاني : التسليم بأن المعجزة كافية لجذب الناس إلى سبل الإيمان .
الثالث : تهيئة أذهان الصحابة للقتال .
الرابع : استقراء أقوال الصحابة واستخراج آراءهم .
الخامس : الإنتفاع من خبرة الصحابة في القتال ومقدماته .
السادس : مشورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه من مصاديق قوله تعالى [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] ( ).
السابع : تنمية ملكة المشورة عند المسلمين , (عن الإمام علي عليه السلام قال: بعثني النبي صلى الله عليه وآله إلى اليمن .
فقال لي وهو يوصيني: يا علي ما حار من استخار، ولا ندم من استشار، يا علي عليك بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار، يا علي أغد باسم الله فإن الله عزوجل بارك لأمتي في بكورها) ( ).
و(عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار) ( ).
ليكون من مصاديق بقاء الوحي ثروة وتركة نبوية عند أجيال المسلمين ومنه الهداية إلى المشورة والتشاور , وعدم الإنفراد بالرأي في المهمات , (وعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم) ( ).
الثامن : دعوة المسلمين لإستشارة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أمورهم الخاصة للإنتفاع الخاص والعام من الوحي , وهو من عمومات قوله تعالى [وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] ( ).
التاسع : إكرام الله عز وجل للصحابة , فمع أن جبرئيل مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإذن من الله عز وجل فإنه يتوجه إلى صحابته بالمشورة وإبداء الرأي .
العاشر : منع الفرقة والإختلاف بين الصحابة .
الحادي عشر : بيان قانون وهو عدم التعارض بين الوحي والاستشارة.
الثاني عشر : احتمال مطابقة الوحي للإستشارة أو بعضها ، وهل هو من تلقي النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الوحي بواسطة نطق روح القدس على ألسنة أصحابه .
الجواب لا ، إنما يمضي ويؤيد الوحي ما قالوه إن شاء الله فالفيصل هو الوحي ، والإستشارة مقدمة له .
وكان جهاد حسان بن ثابت بلسانه ، وهو أشق على الكفار من النبال والرماح .
(عن البراء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لحسان: ” اهجهم – أو هاجهم – وجبريل معك) ( ).
(عن عائشة – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضع لحسان المنبر في المسجد يقوم عليه قائماً يهجو الذين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ( ).
(قال ابن سيرين وانتدب لهجو المشركين ثلاثة من الأنصار حسان ابن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة فكان حسان وكعب ابن مالك يعارضانهم بمثل قولهم في الوقائع والأيام والمآثر ويذكران مثالبهم وكان عبد الله بن رواحة يعيرهم بالكفر وعبادة ما لا يسمع ولا ينفع فكان قوله يومئذ أهون القول عليهم وكان قول حسان وكعب أشد القول عليهم فما أسلموا وفقهوا كان أشد القول عليهم قول عبد الله ابن رواحة
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لحسان : ” اهجهم يعني المشركين وروح القدس معك ” . وإنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لحسان : ” اللهم أيده بروح القدس لمناضلته عن المسلمين “
وقال صلى الله عليه وآله و سلم : ” إن قوله فيهم أشد من وقع النبل)( ).
وفي رؤاية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (أهجم وهاجم جبريل معك، وفي رواية إن روح القدس معك ما هاجيتهم. وفي رواية، وجبريل يعينك) ( ).
فعدّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشعر وما فيه من الإحتجاج جهاداً وهجوماً ونصرة ، خاصة وأن حساناً كان يتصف بالجُبن ، وكان حسان يوم معركة أحد مع النساء والصبيان.
(عن محمد بن جرير قال: كان حسان بن ثابت يوم الخندق في حصن بالمدينة مع النساء والصبيان لجبنه، قال: فمرّ رجل من اليهود فجعل يطيف بالحصن .
فقالت صفيّة بنت عبد المطلب رحمها الله تعالى: يا حسّان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإنّي والله ما آمنه أن يدلَّ على عورتنا من وراءنا من اليهود وقد شغل عنا رسول الله وأصحابه، فانزل إليه فاقتله.
فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا.
قالت: فلما قال لي ذلك ولم تر عنده شيئاً اعتجرت ثم أخذت عموداً ثم نزلت من الحصن فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن .
وقالت: يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلاّ أنه رجل، فقال ما لي بسلبه حاجة يا بنت عبد المطلب.
ويحكى أن حسانا كان قد ضرب وتداً في ذلك اليوم في جانب الأطم فكان إذا حمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه على المشركين حمل على الوتد , وضربه بالسيف , وإذا حمل المشركون انحاز عن الوتد كأنه يقاتل قرناً) ( ) .
وهذه الحكاية بعيدة ، وهو عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام .
والمشورة والشورى مصدر كالبشرى , وهو لجوء الذي يريد الإقدام على فعل أخذ رأي غيره ممن يظن به صواب الرأي والتدبير والخبرة والنصيحة , ورجاء الفائدة من عمله , وفي المشورة أطراف :
الأول : المستشِير , بكسر الشين .
الثاني : موضوع الإستشارة .
الثالث : المستَشار , الذي يُتوجَه إليه في إبداء الرأي .
ويكون المستشار في الغالب طرفاً آخر لا صلة له في موضوع الإستشارة , أما لو كان طرفاً فيكون بين الأطراف التشاور وهو نوع مفاعلة بينهم , ليكون من الإعجاز في قوله تعالى [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ] ( ) بيان مسألة وهي أن الأمر بيد الله عز وجل وبيد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان الصحابة أطرافاً في القتال .
وفيه نكتة وهي أنهم منقادون إلى الله عز وجل ورسوله في ميدان المعركة لأنها دفاع مع حقهم في إبداء الرأي والإنتفاع العام منه وفيه حجة ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ]( ).
ولم يستشر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه على غزو قرية أو بلدة , ولا للإستيلاء على قافلة أبي سفيان ولا للإنقضاض على جيش قريش ، إنما استشارهم في حال صيرورة الدفاع حاجة وضرورة .
لذا قال تعالى [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ] ( ) .
فبعد المشورة يختار النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما فيه النفع والصلاح , ويقدم على الفعل متوكلاً على الله عز وجل , وملتجأ إليه في جلب المنفعة ودفع المضرة , وفي التنزيل [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ] ( ).
الثالث عشر : إرادة فوز الصحابة بالأجر والثواب عند تقديم المشورة، والمشاركة فيها ، وفيها تطييب لخواطرهم ، وبيان شأنهم ، وهي من عمومات قوله تعالى [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ] ( ) .
الرابع عشر : تنزه الصحابة من النفاق , وما فيه الخبث وأسباب الكسل والخمول ، (روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : إذا كان أُمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم ولم يكن أمركم شورى بينكم فبطن الأرض خير من ظهرها) ( ) .
وعن(ابن عباس قال : لما نزلت { وشاورهم في الأمر }( ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما ان الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غياً) ( ).
وتبين هذه الآية مراتب تعيين الفعل وهي :
الأولى : بيان الحال كما إذ قام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم باخبار أصحابه عن خروج جيش قريش , وتوجههم باتجاه المدينة أو لا أقل في الطريق والجادة العظمى بين البلدين .
الثانية : المشورة والإستشارة , وسؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه عما يجب فعله .
الثالثة : ترغيب الصحابة بأبداء الرأي والحصانة بالمشورة.
الرابعة : استماع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأقوال الصحابة وإيلاؤها عناية .
الخامسة : تنمية ملكة الإستشارة عند المسلمين .
السادسة : المشاركة العام في الرأي والفعل .
السابعة : بيان قانون وهو من الوحي الأمر بالإستشارة , وعدم التعارض بينهما ولا بين الاستشارة وصدور القرار من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ] ( ).
ومن الإعجاز أن المشورة جاءت قبل إلتقاء الصفين , وفيه وجوه :
الأول : الإستعداد للقاء مع الإجتهاد بالدعاء وتطرد الإستشارة الطيرة والتشاؤم والكآبة .
الثاني : أخذ الرأي والإستماع إلى الأقوال في حال طمأنينة ومن غير إرباك أو خوف من جيش المشركين.
الثالث : عند وصول العدو وتقارب الصفين قد تصعب المشورة إذ يلزم أن يتفرق الجيش خشية الإستهداف من قبل العدو .
الرابع : السعة في الوقت والمندوحة في العمل , فقد يرتأي المسلمون إجتناب اللقاء , والعزوف عن مواجهة جيش المشركين , أو يتوجه إختيارهم صوب المبادرة والإسراع بالرجوع إلى المدينة والتحصن فيها , خاصة وأنهم لم يكونوا مستعدين للقتال , ولم يخرج الصحابة كلهم .
الخامس : المشورة وما يترشح عنها مادة لإختيار النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الفعل المناسب له ولأصحابه بالوحي, وإذا كان المسلمون يكرهون القتال يومئذ فهل هو من عمومات قوله تعالى [كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ] ( ).
أو من مصاديق قوله تعالى [لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] ( ).
الجواب لا تعارض بين الأمرين إذ أن كتابة وفرض القتال لا يعني في معركة مخصوصة , بل هو من الشواهد على أن المسلمين يقاتلون دفاعاً .
فحينما استشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه قبل واقعة بدر وقبل الوصول إلى موضع المعركة بادر بعض رؤساء المهاجرين إلى القول واحسنوا , ومنهم من ذكر بطش وخبث قريش للتحذير وبيان الحال ويكون المسلمون على بينة من الأمر خاصة .
(ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ امْضِ لِمَا أَرَاك اللّهُ فَنَحْنُ مَعَك ، وَاَللّهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى : ” اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا ، إنّا هَهُنَا قَاعِدُونَ “( )
وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ حَتّى تَبْلُغَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِهِ) ( ).
وقد يسمى المقداد : (المقداد بن الأسود لأن الأسود بن عبد يغوث الزهري تبناه لحلف كان بينهم فنسب إليه) ( ) والأصح أنه كان المقداد بن الأسود وعندما نزل قوله تعالى [ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ] ( ) صار يُدعى المقداد بن عمرو , مثل زيد بن حارثة إذ كان يسمى زيد بن محمد إلى أن نزلت الآية أعلاه .
والأصل أن يكتفي النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بهذه المشورة لجلائها ولقول المقداد لها بحضور المهاجرين والأنصار من غير اعتراض أو ممانعة من بعضهم , ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن اثنى على المقداد ودعا له توجه مرة أخرى إلى الأنصار لسماع رأيهم فأظهروا الإستعداد للدفاع .
وتحتمل نتيجة مشورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه وجوهاً:
الأول : مباغتة جيش المشركين قبل أن يستعدوا للقاء .
الثاني : اللحوق بقافلة أبي سفيان خاصة وأنها موضوع علة خروج قريش للقتال .
الثالث : إنتظار قدوم جيش قريش , واستبانة ما يطلبون .
الرابع : حضور جيش قريش فرصة لدعوتهم إلى الإيمان ونبذ الكفر وعبادة الأصنام .
الخامس : المناجاة بالدفاع, خاصة من قبل المهاجرين , لشدة إيذاء قريش لهم , وأما بالنسبة للأنصار فهو للدفاع عن شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والنبوة والتنزيل وعن أنفسهم ودينهم .
السادس : تفويض الصحابة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأتخاذ القرار لعلمهم بأن الوحي يصاحبه.
وتدل الوقائع على اختيار الصحابة الوجه السادس أعلاه مع استعدادهم للدفاع والقتال , والبذل في سبيل الله , فهم لم يطلبوا القتال ولا الغزو , ولكنهم أظهروا استعدادهم للدفاع تحت راية النبوة وهو من مصاديق قوله تعالى [وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ] ( ).
وهذه المسألة بداية النصر , ومقدمة لقوله تعالى [وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ( ) ليكون من معاني الآية بخصوص الوحي ، التسليم بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حال الشدة والرخاء، واللجوء إلى الوحي عند الأمن والخوف لرجاء نشر الأمن في الآفاق .
الآية الأولى من آيات الدفاع
وهو قوله تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] ( ).
إبتدأت آية البحث بالحرف الواو , ويحتمل وجوهاً :
الأول : إنه حرف عطف .
الثاني : إنه حرف إستئناف .
الثالث : إفادة الجمع بين المعنيين أعلاه .
والمختار هو الثالث , لقاعدة كلية أسسناها في هذا السِفر المبارك وهي لو دار الأمر والمعنى بين الجمع بين العطف والإستثناء وبين إرادة أحدهما , فالاصل هو الأول , وفيه استقراء لعلوم خزائن الآية الكريمة خاصة وأن تقسيم الواو إلى عاطفة واستئنافية تقسيم استقرائي من قبل النحاة , ومضامين القرآن أعم من أن تحصرها القواعد النحوية أو الكلامية ( ).
والآية السابقة لها هي [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]( ).
وعلى القول المستحدث بأن الواو قد تكون للعطف والإستئناف معاً في آن واحد , ففيه مسائل :
الأول : تدل الواو في (وقاتلوا) على العطف من جهات :
الأولى : سؤال المسلمين عن الأهلة وهي جمع هلال لغرض السلم وأداء الفرائض العبادية كالصيام والحج , فجاءت آية الدفاع متعقبة لها , وكأنه دفاع عن الفرائض العبادية وسنامها الصلاة اليومية ، وهو الذي يدل عليه قوله تعالى [وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ] ( ) بتقريب أنه لابد من تهيئة مقدمات إقامة الفرائض العبادية وعدم التعرض للتهلكة ، قال تعالى [وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] ( ) .
الثانية : إطلالة الهلال على أهل الأرض جميعاً , وفيه وجوه :
الأول : إنها رحمة عامة بالناس .
الثاني : دعوة أهل الملل والشعوب والقبائل إلى السلم ونبذ الحرب والإقتتال .
الثالث : الهلال والزيادة الليلية فيه , وصيرورته بدراً مناسبة وسط الشهر القمري للتفكر ببديع خلق الله عز وجل , وتكون مراحل القمر في هيئته على وجوه:
الأول : الهلال : ويكون خيط دقيقاً لامعاً , سرعان ما يغيب تحت الأفق , والهلال جمعه أهلة , قال تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ) .
الثاني : التربيع الأول : وهو اليوم السابع من الشهر القمري , ويُرى الهلال بعد غروب الشمس وقد كساه النور .
الثالث : الأحدب المتزايد : وهو في اليوم الثامن من الشهر القمري , وبضعة أيام بعده .
الرابع : البدر : وهو في الليالي الثلاثة البيض , الليلة الثالثة عشرة , الرابعة عشرة , الخامسة عشرة من الشهر , إذ يغطي النور وجه القمر , ثم يتأخر البدر في إطلالته يوماً بعد يوم , ويأخذ نور القمر بالنقصان شيئاً فشيئا .
الخامس : الأحدب المتناقص : وهو بعد مضي (18) يوماً على بدء الشهر القمري .
السادس : التربيع الثاني : وهو عندما يمضي من الشهر القمري إثنان وعشرون يوماً , فيتناقص نور القمر , ويتأخر بزوغه بعد غروب الشمس نحو خمس ساعات .
السابع : الهلال الثاني : وهو بعد مضي (25) يوماً من الشهر وسمي الهلال الثاني لأن النور لا يغطي إلا جزءً يسيراً من طرفه .
الثامن : المحاق : وهو حال القمر في آخر يوم أو يومين من الشهر , إذ يكون على إستقامة واحدة بين الأرض والشمس , ويغمر وجهه الظلام , ويغيب تحت الأفق مع مغيب الشمس , وسمي المحاق لأن القمر بلغ أقصى حد النقصان وصار مختفياً , ويسمى في هذا الزمان حالة الإقتران .
والمحق لغة : نقصان الشئ حالاً بعد حال , وفي أوان المحاق في آخر الشهر يعمل السحرة السحر الذي قد يؤدي إلى التمريض , وهو من عمومات قوله تعالى [وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ] ( ) ومعناه الليل إذا أظلم , وقيل هو المراد من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة عندما نظر إلى القمر (قال : اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا فإنَّ هَذَا الغَاسِقُ إذَا وَقَبَ)( ).
وكان القمر يقسم بلحاظ الأسابيع , ويتوسطها البدر إلى :
الأول : الربع الأول : الهلال , والأكثر على أن الهلال ليلة واحدة أو ليلتين .
الثاني : الربع الأول : أي الأسبوع الثاني .
الثالث : البدر .
الرابع : الربع الثالث .
الخامس : المحاق .
(عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تتفكروا في عظمته ولكن تفكروا فيما خلق الله تعالى من الملائكة،
فإن خلقاً من الملائكة يقال له : إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى،
وقد مرق رأسه من سبع سماوات وأنه ليتضأل من عظمة الله تعالى حتّى يصير كأنه الوضيع) ( ).
الرابع : التأكيد بآية كونية على وجوب الإيمان .
وهل تنحصر هذه المناسبة بليلة الهلال , الجواب لا , إنما تبدأ من ليلة الشك التي قد تكون ليلة الأول من الشهر أو تكون تتمة للشهر السابق.
ثم تتجدد آيات الهلال بسعة وزيادة الجزء المنار منه كل ليلة إلى أن يصير بدراً وسط الشهر ثم يأخذ بالتناقص حتى ليالي المحاق , ومن خصائص التفكر في خلق الله عز وجل الإنصراف والعزوف عن القتال .
الثالثة : ابتدأت الآية السابقة بصيغة الجملة الخبرية ولكنها أختتمت بصيغة الجملة الإنشائية , ولغة الأمر بقوله تعالى [وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]( ) ليكون من معاني الجمع بين الآيتين وجوه :
أولاً : واتقوا الله بطاعة الله ورسوله .
ثانياً : واتقوا الله بتقديم الإحتجاج والجدال على القتال .
ثالثاً : واتقوا الله فإن تحلي المسلمين بالتقوى زاجر لأكثر المشركين عن قتالكم , قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا] ( ) وهو الذي تجلى في معارك الإسلام الأولى , فقد واجه مشركو قريش صعوبة في حشد الناس لقتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم , فاضطروا لبذل الأموال واستئجار الجنود فقد زحف في معركة أحد ثلاثة آلاف رجل من قريش واتباعهم نحو المدينة لقتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لأنهم قالوا ربنا الله وأدوا الفرائض العبادية .
وحينما التقى الجمعان كما في قوله تعالى [وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ] ( ) ظهر المسلمون عليهم ، وهموا بالفرار والرجوع إلى مكة لولا ترك الرماة المسلمين مواقعهم ، ومع هذا ففيه زاجر وإنذار للذين كفروا عن معاودة غزو المدينة .
رابعاً : فاتقوا الله عن صرف القتال عنكم , قال تعالى [وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا] ( ).
ومن الإعجاز في ماهية الأسماء التي ذكرت في القرآن أن اسم مكة لم يرد في القرآن إلا في الآية أعلاه والمراد من بطن مكة الحديبية , وتبعد عن مكة نحو (24)كم وعن حدّ الحرم (2)كم.
بينما ذكرت مكة بأسماء أخرى متعددة في القرآن , إذ ذكرت باسم أم القرى مرتين , قال تعالى [وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ] ( ).
لبيان أن النسبة بين الإنذار والقتال , عموم وخصوص مطلق , وينقطع القتال ولكن الإنذار مستمر ومتصل ولا يعلم ما صُرف من القتال بسبب إنذار النبي صلى الله عليه وآله وسلم للناس إلا الله عز وجل .
وهل من موضوعية في المقام لإنذارات الأنبياء السابقين وبشاراتهم ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، الجواب نعم ، قال تعالى [وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ] ( ) .
وكان أتباع الأنبياء يتوارثون كلاً من الإنذار وهذه البشارة ، ومن الآيات أن قريشاً أهل تجارة يغدون على الشام وعلى اليمن والمدينة المنورة التي كانت تسمى يثرب فيسمعون بتلك البشارات ، وهو من الحجة والنعمة في قوله تعالى [لِإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ] ( ).
وذكرت مكة في القرآن باسم البلد ثلاث مرات منها قوله تعالى [لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ* وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ]( ).
لبيان استمرار بقاء مكة بلدة عامرة إلى يوم القيامة بلحاظ كبرى كلية وهي أن القرآن باق إلى يوم القيامة لسلامته من التحريف والتغيير , ففي كل يوم من أيام الحياة الدنيا يطل قوله تعالى [لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ] ( ) على الناس .
فإن قلت هل تنخرم هذه القاعدة بقوله تعالى [وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ] ( ) الجواب لا .
وقد دعا إبراهيم عليه السلام الله عز وجل بأن تبقى مكة بلدة آمنة كما ورد في التنزيل [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ] ( ).
مع أنه لم تكن بيوت وبلدة يوم أسكن هاجر وإسماعيل عليه السلام , كما ورد تسميتها بالبلد الأمين لبيان استجابة الله عز وجل لدعاء إبراهيم وباسم البلدة بقوله تعالى [إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ]( ).
وباسم بكة كما في قوله تعالى [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ]( ).
ومن الإعجاز ان اسم مكة ذكر في القرآن بخصوص [بَطْنِ مَكَّةَ] ( ) والمراد الحديبية وصلحها إذ أراد المشركون أن يغدروا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الذين جاءوا معتمرين من غير أسلحة ودروع , فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصرف الله عز وجل كيدهم .
ويدل اسم الإشارة (هذا) للقريب , على أن إبراهيم عليه السلام حضر إلى مكة ودعا الله عز وجل فيها ومنها ولها .
ترى كيف علم إبراهيم عليه السلام أن موضع مكة سيكون بلداً مع أنه قال [رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ] ( ) الجواب من جهات :
الأولى : من فضل الله عز وجل على إبراهيم عليه السلام الإيحاء له أن مكة ستكون بلداً .
الثانية : إخبار الله عز وجل عن نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنه من ذريته ويبعث في مكة , وفي دعاء إبراهيم عليه السلام ورد في التنزيل [رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ]( ).
الثالثة : استقراء إبراهيم عليه السلام لصيرورة مكة بلداً لقوله تعالى [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ] ( ).
إذ يترشح عن مجئ الرجال للحج والعمرة والزيارة وجود أسواق وتجارة وضيافة وسدانة وحراسة .
الرابعة : دعاء إبراهيم عليه السلام بأن تكون البقعة التي فيها البيت الحرام بلداً , وكان إبراهيم عليه السلام رجلاً دعّاءً أي كثير الدعاء .
الخامسة : وجود سارة وإسماعيل عليه السلام في الموضع كافِ لأن يكون بلداً .
السادسة : ذات البيت الحرام وحده مصداق للبلد لذا يقال : (وسَبُوحة: البلد الحرام) ( ).
كما في التنزيل [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ] ( ) .
السابعة : بعث السكينة في نفس إبراهيم على إسماعيل وهاجر ، وكذا جعلهما في طمأنينة .
ويحتمل تقدير الآية وجوها :
الأول : رب اجعل هذا البلد آمناً.
الثاني : ربّ اجعل الحرم آمنا .
الثالث : رب اجعل هذا الموضع المبارك بلداً آمناً .
الرابع : ربّ اجعل مكة آمنة لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن (أنس قال : لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم فنزلت هذه الآية وهو الذي كف أيديهم عنكم( )) ( ).
(قال كعب بن زهير :
في عصبةٍ مِنْ قريشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ … ببطنِ مَكَّةَ لَمَّا أسْلَمُوا زُولُوا
زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلاَ كُشُفٌ … عِنْدَ اللّقَاءِ وَلاَ مِيلٌ مَعَازِيلُ) ( ).
لبيان قانون وهو أن المنع من القتال والإقتتال فضل من الله عز وجل سواء في الحديبية أو غيرها , وليس للمسلمين أن يقولوا لو وقع القتال لفعلنا , ولبيان مسألة وهي أن الله عز وجل يتفضل بأمور :
الأول : صرف مقدمات القتال , والعزم عليه ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ] ( ) .
الثاني : منع الناس من الحشد للقتال .
الثالث : إلتقاء الصفين , وعدم حدوث القتال ، فمثلاً بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر من ناحية العيض في ثلاثين راكباً كلهم من المهاجرين ليس فيهم أنصاري ،فلقوا أبا جهل في ثلاثمائة راكب ، ولم يقع بينهم قتال ، وقد تقدم بيانه .
الرابع : بعث الخوف والفزع في قلوب الذين كفروا ، قال تعالى [سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ] ( ) .
الخامس : نصر المسلمين عند حدوث قتال , قال تعالى [وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ( ).
ليكون من دلائل آية (ببدر) أعلاه أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يعزف عن القتال مع أن النصر حليفه , لوجوه :
فقد نصر الله عز وجل النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في معركة بدر مع قلة أصحابه والنقص في أسلحتهم ومؤنهم .
ومن الآيات في المقام أنهم خرجوا ولم يقصدوا دخول المعركة , إنما كانوا في كتيبة استطلاع ولكن المشركين خرجوا من مكة عازمين على القتال , وهل أصر المشركون على دخول معركة بدر عن جهالة وغفلة , الجواب إنما هو الكفر , وغلبة النفس الغضبية ، وتقدير قريش للوقائع والنتائج وفق الحسابات العسكرية, فقد استنتج جيش قريش عند اللقاء في ماء بدر مسائل :
الأولى : عدد جيش قريش أكثر من ثلاثة أضعاف عدد جيش المسلمين ,ولم يعلموا أن القلة مع الإيمان كثرة وقوة ، وأن الكثرة مع الكفر قلة وضعف وخوف ، قال تعالى [فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ]( ).
الثانية : ظهور أمارات الضعف والنحول على أجساد جيش المسلمين .
الثالثة : إنشغال المسلمين بالعبادة والدعاء .
الرابعة : ظن كفار قريش أن هذا اللقاء فرصتهم لأن عدد المسلمين يزداد يوماً بعد يوم , ويفد المهاجرون على المدينة من مكة وغيرها أفراداً وجماعات .
الخامسة : صيرورة قوافل قريش وتجارتها في حال خطر ولا تنحصر خشية قريش على القوافل في الطريق , إنما تشمل ركود وكساد تجارتها في مكة .
ومن الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن خشية قريش قبل بدر تحقق مصداقها الواقعي الأكبر بعد المعركة لما لحق قريشاً من الخسارة وما نزل بهم من الخزي والهوان بعد المعركة .
وهو من عمومات قوله تعالى [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]( ).
لقد أراد الله عز وجل أن يظهر دينه , ويعز نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه سواء قاتلهم المشركون أم لم يقاتلوهم , ولكن القتال سبب لسفك الدماء والخسائر , ليكون الدفاع سبيلاً ونوع طريق لإعلاء كلمة التوحيد , فمن معاني قوله تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] ( ).
أنها إذن بالقتال دفاعاً عن الإسلام , وتثبيتاً لإقامة الصلاة التي أفزعت المشركين من أول الأيام التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد الحرام , إذ عمدوا إلى إيذائه وضربه وهو ساجد أو راكع أو قائم في البيت الحرام .
ومن الإعجاز في الآية أعلاه مع قلة كلماتها أنها تجمع بين أمور :
الأول : العطف على الآية السابقة مما يستلزم استحضار مضامينها عند تلاوة هذه الآية واستقراء الدروس واستنباط المسائل منها كما تقدم بيانه .
الثاني : إبتداء الآية بقانون بلحاظ أن الواو حرف استئناف .
الثالث : الأمر بقوله تعالى [قَاتِلُوا] ويصف هذا الأمر بأمور :
أولاً : صدور الأمر بالدفاع من الله عز وجل إلى المسلمين من غير واسطة , وفي التنزيل [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] ( ).
ثانياً : شمول الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه .
ثالثاً : صيغة الجمع للقتال وشمول المسلمين به , ويخرج بالتخصيص النساء والصبيان وغير القادرين على القتال , قال تعالى [لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ]( ) وقال تعالى [لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
وقال جمع أن الآية أعلاه هي أول آية نزلت في الجهاد وليس فيها إلا الإذن والرخصة , والمختار أن قوله تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ]( ) وهي أول آية نزلت في الدفاع.
الرابع : تقييد القتال والدفاع بأنه في سبيل الله , وهو حجة على الذين كفروا لدلالة استحالة اجتماع الضدين على أن الطرف الآخر لم يقاتل إلا حمية وعناداً واستكباراً , واتباعاً لإغواء وخطوات الشيطان ، ويفسر القرآن بعضه بعضاً , قال تعالى [الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ]( ) .
والقتال في سبيل الله دفاع وسبيل لهداية الناس ، وإصلاح للنفوس وتهذيب للأخلاق ، وهو من معاني [في سبيل الله] أما القتال في سبيل الطاغوت فهو إرادة البقاء على الكفر والإنقياد إلى أمراء الضلالة مما يفيد إخبار الآية أعلاه عن نصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم دحر الطاغوت مثل أبي جهل الذي قتل في معركة بدر ، وأبي سفيان الذي أدركته التوبة في فتح مكة .
و(قال الكلبي : نزلت في عبد الرحمن بن عوف الزهري والمقداد بن الأسود الكندي وقدامة بن مظعون الجهني وسعد بن أبي وقاص الزهري وكانوا يلقون من المشركين أذى كثيراً وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة فيشكون إلى رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم} ويقولون يا رسول الله أئذن لنا في قتال هؤلاء فإنّهم آذونا فيقول لهم : كفّوا أيديكم (عنهم) فإني لم أُومَر بقتالهم) ( ).
وتقدير الآية على جهات :
الأولى : يا أيها النبي قاتل في سبيل الله الذين يقاتلونكم ويعتدون عليكم .
الثانية : يا أيها المهاجرون قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم .
وفيه نكتة وهي إذا قاتلكم كفار قريش فلا تقفوا صامتين , ولا تعتزلوا القتال , وتخلوا بينهم وبين الأنصار .
وتجلى هذا المعنى في معركة بدر , إذ ابتدأ القتال بأن تقدم للمبارزة رجال من وجهاء قريش , وفصلوا من الصف وهم :
أولاً : عتبة بن ربيعة .
ثانياً : شيبة بن ربيعة .
ثالثاً : الوليد بن عتبة .
فبادر للخروج لملاقاتهم ثلاثة من شباب الأنصار وهم :
أولاً : مُعاذ بن الحارث .
ثانياً : مُعوذ بن الحارث .
ثالثا : عبد الله بن رواحة , وقيل ثالثهم هو أخوهما عوف بن الحارث , وينسبون إلى أمهم عفراء .
فطلب منهم عتبة وأخوه وابنه التعريف بأنفسهم , فلما أخبروهم , قالوا نريد الأكفاء من قومنا .
(ثُمّ نَادَى مُنَادِي الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمّدُ أَخْرِجْ لَنَا الْأَكْفَاءَ مِنْ قَوْمِنَا. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : ” يَا بَنِي هَاشِمٍ قُومُوا فَقَاتَلُوا بِحَقّكُمْ الّذِي بَعَثَ اللّهُ بِهِ نَبِيّكُمْ إذْ جَاءُوا بِبَاطِلِهِمْ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ “.
فَقَامَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، فَمَشَوْا إلَيْهِمْ فَقَالَ عُتْبَةُ تَكَلّمُوا نَعْرِفْكُمْ – وَكَانَ عَلَيْهِمْ الْبِيضُ فَأَنْكَرُوهُمْ – فَإِنْ كُنْتُمْ أَكْفَاءَ قَاتَلْنَاكُمْ.
فَقَالَ حَمْزَةُ أَنَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ.
قَالَ عُتْبَةُ كُفْءٌ كَرِيمٌ. ثُمّ قَالَ عُتْبَةُ وَأَنَا أَسَدُ الْحُلَفَاءِ وَمَنْ هَذَانِ مَعَك؟
قال عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ. قَالَ عتبة : كُفْئَانِ كَرِيمَانِ)( ).
وقال الواقدي إن الذي أرجع الأنصار الثلاثة أعلاه إلى الصف هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كره أن يكون أول قتال للمشركين من قبل الأنصار , وأنه أحب أن تكون الشوكة لبني عمه وقومه.
والمشهور والمختار أن كفار قريش هم الذين لم يرضوا بمبارزتهم , إذ أرادوا أن يقتلوا بعض بني هاشم تشفياً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليعلم أهل مكة بقتلهم ويدخل الحزن بيوت بني هاشم من بني عبد المطلب وبني عبد المطلب , وله سابقة بحصار قريش لبني هاشم في شعب أبي طالب .
الثالثة : يا أيها الأنصار قاتلوا في سبيل الله الذ ين يقاتلونكم .
لقد بايع الأنصار النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في العقبة قبل هجرته إلى المدينة والذب عنه عند وصوله إلى المدينة , وهذا القيد في البيعة من قبل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليس من قبل الأنصار , وهو معجزة من معجزاته إذ لو شاء لأطلق البيعة والذب عنه لتشمل المدينة ومكة وغيرهما .
و(عن جابر قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم ، عكاظ ومجنة، في المواسم ، يقول: ” من يؤوينى ؟
من ينصرني ؟
حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة ” فلا يجد أحدا يؤويه ولا ينصره، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر، كذا قال فيه، فيأتيه قومه وذوو رحمه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك.
ويمضي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالاصابع.
حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الاسلام.
ثم أئتمروا جميعا فقلنا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف ؟ فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافينا فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك ؟
قال: ” تبايعوني على :
الأول ( ): السمع والطاعة في النشاط والكسل.
الثاني : النفقة في العسر واليسر.
الثالث : على الأمر بالمعروف .
الرابع : النهى عن المنكر.
الخامس : أن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم.
السادس : على أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة.
قال جابر : فقمنا إليه [ فبايعناه] وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم)( ).
فالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي( قال : فتمنعوني إذا قدمت عليكم), بناء على هذه الرواية .
وفيه آية وشاهد بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أنه سيهاجر إلى المدينة وأن الله عز وجل يحفظه في طريق الهجرة , وهو من مصاديق ما ورد في التنزيل [لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا] ( ) في قوله لصاحبه في الغار في طريقه إلى المدينة .
الرابعة : صيغة الجمع في القتال , ليشارك المسلمون في الدفاع , وفيه بعث للخوف والفزع في قلوب المشركين , ويدل عليه قوله تعالى [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ] ( ).
وهل يشمل الأمر في آية البحث ( المنافقين) أم أنه خاص بالمؤمنين.
المختار هو الأول , فكما يشمل الأمر بالفرائض العبادية كالصلاة والصيام والحج المنافقين والمنافقات فكذا يشمل الرجال منهم الأمر بالدفاع , خاصةً وأنه دفاع عن أنفسهم وأهليهم وأموالهم ، ويدل عليه قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ] ( ) .
فلفظ الذين آمنوا شامل لكل من نطق بالشهادتين ، لذا أختتمت الآية بأن الله عز وجل مع المتقين ليخرج المنافقون بالتخصيص .
كما يدل عليه قوله تعالى وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ إذ تتضمن الآية دعوة المنافقين لقتال المشركين ، كما يدل عليه خروجهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى معركة أحد ثم إنخزالهم من وسط الطريق بتحريض من رأس النفاق عبد الله بن أبي بن أبي سلول .
وقد كان المنافقون يخرجون مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى سوح المعارك وإن قصدوا الفتنة في مواضع عديدة كما تدل عليه آيات القرآن , كما أنهم خرجوا مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى معركة أحد ولكنهم إنخزلوا من وسط الطريق برئاسة عبد الله بن أبي سلول , الذي يقوم بالتحريض على القتال .
و(قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى إذَا كَانُوا بِالشّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ ، انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ بِثُلُثِ النّاسِ وَقَالَ أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي ، مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيّهَا النّاسُ فَرَجَ بِمَنْ اتّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ وَالرّيْبِ.
وَاتّبَعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، يَقُولُ يَا قَوْمِ أُذَكّرُكُمْ اللّهَ أَلّا تَخْذُلُوا قَوْمَكُمْ وَنَبِيّكُمْ حَضَرَ مِنْ عَدُوّهِمْ فَقَالُوا : لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ وَلَكِنّا لَا نَرَى أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ)( ).
فالنفاق هو إظهار الإيمان مع إبطان الكفر , ويدل الحديث أعلاه ونحوه على أن المنافقين يظهرون الكفر فيما بينهم , نعم يصح عليه أنه إبطان للكفر بلحاظ إدعائهم خلافه بحضرة المؤمنين , وفي التنزيل [وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ] ( ).
ومع أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كانوا في حال دفاع في معركة أحد , إذ أشرف جيش المشركين على المدينة يريدون استباحتها , وأن المنافقين خرجوا معه للدفاع عن الأرواح والممتلكات إلا إنهم نكصوا وعادوا من وسط الطريق , وفي خروجهم هذا شاهد بأن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن غازياً في معركة بدر التي جرت وقائعها في يوم واحد , وقبل معركة أحد بثلاثة عشر شهراً , وإلا لأحتج المنافقون خاصة وأن مبايعة الأنصار للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مقيدة بالدفاع عنه في المدينة .
فجاءت آية البحث وقوله تعالى (وقاتلوا) لتنسخ وتوسع البيعة أي أن هذا النسخ لا يختص بالحوار الذي جرى بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين أصحابه في الطريق إلى معركة بدر, لذا يمكن القول أن الآية موسعة لبنود بيعة العقبة , وهذه التوسعة حاجة , ومن مصاديق الدفاع .
وعندما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في مسيرهم , ووصلوا إلى موضع يسمى عُرق (بضم أوله) الظبية ويبعد عن المدينة (68)كم لقوا رجلاً من الأعراب وسألوه عن الناس وأخبار الطريق والمسافرين (فلم يجدوا عنده خبرا، فقال له الناس : سلّم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: أوفيكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قالوا: نعم.
فسلم عليه، ثم قال: لئن كنت رسول الله فأخبرني عما في بطن ناقتي هذه.
قال له سلمة بن سلامة بن وقش: لا تسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقبل علي فأنا أخبرك عن ذلك، نزوت عليها ففي بطنها منك سخلة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مه أفحشت على الرجل.
ثم أعرض عن سلمة) ( ).
لبيان أن سؤال الأعرابي ليس عن سوء قصد , إنما هو مقدار إدراكه وبسبب عزلته وخشونة حياته , وبُني في عٌرق الظبية مسجد في ذات الموضوع الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , إن قول الصحابة للأعرابي سلّم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاهد على أن خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من المدينة لنشر لواء الإسلام , وتعريف الناس خارج المدينة المنورة بالرسالة , وليس لقتال أحد .
ثم سار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وكان يسأل عن أسماء الجبال التي عن اليسار واليمين ويتفاءل بالأسماء الحسنة حتى إذا أتوا على واد يسمى زفران نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزل معه أصحابه .
فأتى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خبر مسير قريش والطريق الذي سلكوه , وأنهم يريدون منع عيرهم , وهذا الأمر في موضوعه لا يدل على حتمية القتال بين الفريقين خاصة وأن العير قد توجهت إلى مكة بأمان وكان طريق المسير ينبئ عن الموضع الذي يقصدون أي أنهم لابد أن يقصدوا ماء بدر للتزود بالماء سواء رجعوا منه إلى مكة أم استمروا بالمسير باتجاه المدينة .
وأدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم المقاصد الخبيثة لكفار قريش وأراد الإستعداد للمعركة بالمشورة ,فأطلع أصحابه على مسير قريش واستشارهم بأمر قتالهم في حال حدوثه .
ومن إعجاز القرآن قوله تعالى [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ] ( ) إن مشاورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ساعة الحرج والشدة أمارة على أنه لم يخف من جيش قريش وأنه لم يبيت القتال , إنما ترك لأصحابه الرأي وبيان الفعل المرغوب, والذي تطيب أنفسهم به مع أنه يعمل بالوحي وذات إستشارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم من الوحي .
قانون السلام في آية (وَقَاتِلُوا)
ومن الإعجاز في هذه الآيات آيات الدفاع والقتال مطلقاً أنها إبتدأت بالأمر المقيد بالقتال بقوله تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ]( )
واختتمت أول آية من آيات القتال أعلاه في ترتيب المصحف بقوله تعالى [وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ]( ).
و(قيل منسوخ بقوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) ( )) ( ).
ولكن المعنى مختلف , فالإعتداء المنهي عنه في آية البحث هو الإعتداء الإبتدائي , أما الآية أعلاه فالمراد الدفاع والمشاكلة في كيفية وصيغة الرد .
وكل قيد في الآية قانون وهي :
القيد الأول : قانون القتال في سبيل الله , فلا يصح القتال عصبية وحمية , وثأراً أو عند استيلاء النفس الغضبية أو طمعاً بمال أو مغانم أو توسع في أرض .
قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا] ( ) ليجعل هذا القيد كل مسلم ومسلمة يتدبر في أسباب وموضوع وغايات القتال.
ومن إعجاز القرآن أن لفظ (قاتلوا) ورد ثلاث مرات في القرآن وكلها تقيده بسبيل الله فالإضافة إلى آية البحث ورد هذا القيد المبارك في قوله تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ]( ).
وقوله تعالى [وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ]( ).
والسبيل : الطريق يذكر ويؤنث , والتأنيث هو الغالب .
وسبيل الله : عام في ملاك الخير والصلاح وأسباب القربة والطاعة لله عز وجل ومنه أداء الفرائض العبادية , والمستحبات , وهو الذي يتجلى منها في سبيل الله في آيات القرآن والاحاديث النبوية ومنه النهج القويم بالثبات على التوحيد .
وقد ذكر الدفاع بخصوص المؤمنين من الأمم السابقة كما في قوله تعالى [أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ] ( ).
من مجموع المرات التي ذكر فيها في القرآن وهي نحو (92) مرة , منها سبيلي [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ] ( )
وقال تعالى [الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ] ( ).
وقال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ).
وقال تعالى [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ] ( ).
وقال تعالى [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ] ( ).
وحتى الجهاد فإنه يكون باللسان والقلم , ومع النفس , والجهاد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , و(عن أبي سعيد الخدري قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبة إلى مغيربان الشمس ، حفظها ونسيها من نسيها ، وأخبر ما هو كائن إلى يوم القيامة ، حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإن الدنيا خضرة حلوة ، وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون . ألا فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء .
ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى ، فمنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت مؤمناً ، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت كافراً ، ومنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت كافراً ، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت مؤمناً .
ألا إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم . ألم تروا إلى حمرة عينيه ، وانتفاخ أوداجه؟
فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئاً فليلزق بالأرض . ألا إن خير الرجال من كان بطيء الغضب ، سريع الفيء . وشر الرجال من كان بطيء الفيء ، سريع الغضب .
فإذا كان الرجل سريع الغضب سريع الفيء فانها بها ، وإذا كان بطيء الغضب بطيء الفيء فإنها بها . ألا وإن خير التجار من كان حسن القضاء حسن الطلب ، وشر التجار من كان سيء القضاء سيء الطلب . فإذا كان الرجل حسن القضاء سيء الطلب فإنها بها ، وإذا كان الرجل سيء القضاء حسن الطلب فإنها بها . ألا لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يقول بالحق إذا علمه .
ألا إن لكل غادر لواء بقدر غدرته يوم القيامة . ألا وإن أكبر الغدر أمير العامة . ألا وإن أفضل الجهاد من قال كلمة الحق عند سلطان جائر .
فلما كان عند مغرب الشمس قال : ألا إن ما بقي من الدنيا فيما مضى منه كمثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى)( ).
وهل قوله تعالى [وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ]( ).
بخصوص القتال , الجواب لا , فالنسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق , وما أصابهم أعم وأكثر فيشمل الإبتلاء والأذى والجهد والمشقة سواء من القتال ورشحاته أو من غيره , قال تعالى [الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ]( ).
القيد الثاني : قانون عطف الأمر بالقتال على الأمر بالتقوى , ومن معاني تقديم الأمر بالتقوى لزوم التحلي بالتقوى بالخشية من عند الله عز وجل والمبادرة إلى أداء الفرائض والطاعات في كل من :
أولاً : مقدمات القتال .
ثانياً : ما قبل القتال .
ثالثا : أوان القتال وشدته , ومنها صلاة المطاردة .
رابعا : مع بعد القتال , وقد صلاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم صلاة العصر يوم معركة أحد وهو جالس لشدة جراحاته .
وهل عدم ابتداء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقتال من التقوى , الجواب نعم , وهو حجة في كون النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أول المسلمين .
وأول من يمتثل لأمر الله عز وجل , كما قال تعالى [قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ] ( ).
ومن التقوى إجتهاد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالتبليغ والإنذار قبل معركة بدر القتال , وكان ينادي بين الصفين (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) .
وقبلها كان ينادي بكلمة التوحيد هذه في البيت الحرام وفجاج مكة وفي موسم الحج , (قال الواقدي : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ صَالِح ٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا : أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ بِمَكّةَ ثَلَاثَ سِنِينَ مِنْ أَوّلِ نُبُوّتِهِ مُسْتَخْفِيًا ثُمّ أَعْلَنَ فِي الرّابِعَةِ .
فَدَعَا النّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ عَشْرَ سِنِينَ يُوَافِي الْمَوْسِمَ كُلّ عَامٍ يَتّبِعُ الْحَاجّ فِي مَنَازِلِهِمْ وَفِي الْمَوَاسِمِ بِعُكَاظٍ وَمَجَنّةَ وَذِي الْمَجَاز ِ يَدْعُوهُمْ إلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ حَتّى يُبَلّغْ رِسَالَاتِ رَبّهِ وَلَهُمْ الْجَنّةُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَنْصُرُهُ وَلَا يُجِيبُهُ حَتّى إنّهُ لَيَسْأَلُ عَنْ الْقَبَائِلِ وَمَنَازِلِهَا قَبِيلَةً قَبِيلَةً وَيَقُولُ يَا أَيّهَا النّاسُ قُولُوا : لَا إلَهَ إلَا اللّهُ تُفْلِحُوا وَتَمْلِكُوا بِهَا الْعَرَبَ وَتَذِلّ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ فَإِذَا آمَنْتُمْ كُنْتُمْ مُلُوكًا فِي الْجَنّةِ وَأَبُو لَهَب ٍوَرَاءَهُ يَقُولُ لَا تُطِيعُوهُ فَإِنّهُ صَابِئٌ كَذّابٌ فَيَرُدّونَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ أَقْبَحَ الرّدّ وَيُؤْذُونَهُ وَيَقُولُونَ أُسْرَتُك وَعَشِيرَتُكَ أَعْلَمُ بِكَ حَيْثُ لَمْ يَتّبِعُوك وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَيَقُولُ اللّهُمّ لَوْ شِئْتَ لَمْ يَكُونُوا هَكَذَا .
قَالَ وَكَانَ مِمّنْ يُسَمّى لَنَا مِنْ الْقَبَائِلِ الّذِينَ أَتَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ وَدَعَاهُمْ وَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ بَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَة وَمُحَارِبُ بْنُ حصفة وَفَزَارَةُ وَغَسّانُ وَمُرّةُ وَحَنِيفَةُ وَسُلَيْمٌ وَعَبْسُ وَبَنُو النّضْر ِ وَبَنُو الْبَكّاءِ وَكِنْدَةُ وَكَلْبٌ وَالْحَارِثُ بْنُ كَعْبٍ وَعُذْرَةُ وَالْحَضَارِمَةُ فَلَمْ يَسْتَجِبْ مِنْهُمْ أَحَدٌ)( ).
(وروى الطبراني عن طارق بن عبد الله قال: إني بسوق ذي المجاز إذ مر رجل بي عليه حلة من برد أحمر وهو يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا.
ورجل خلفه قد أدمى عرقوبيه وساقيه يقول: يا أيها الناس إنه كذاب فلا تطيعوه.
فقلت: من هذا ؟
قالوا: غلام بني هاشم الذي يزعم أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا عمه عبد العزى.
وروى الطبراني برجال ثقات من مدرك بن [ منيب ] .
قال: حججت مع أبي فلما نزلنا مني إذا نحن بجماعة فقلت لأبي : ما هذه الجماعة ؟ قال: هذا الصابئي.
وإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا.
وروى البخاري في تاريخه والطبراني في الكبير واللفظ له عن مدرك بن منيب – بضم أوله وكسر النون وآخر موحدة – العامري عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجاهلية وهو يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا.
فمنهم من تفل في وجهه ومنهم من حثا عليه التراب، ومنهم من سبه، حتى انتصف النهار فأقبلت جارية بعس من ماء فغسل وجهه ويديه.
وقال: يا بنية لا تخشي على أبيه غلبة ولا ذلة.
فقلت: من هذه ؟
قالوا: زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهي جارية وضيئة) ( ).
ومن الإعجاز في الآية السابقة إختتامها بقوله تعالى (لعلكم تفلحون) .
لبيان فوز المسلمين بالفلاح والسعادة والغبطة ومنه استعدادهم للدفاع عن ملة التوحيد والنبوة والتنزيل .
قانون معجزات آدم دعوة للسلم
لقد تفضل الله عز وجل وخلق آدم وليس من بشر حينئذ غيره ذكراَ أو أنثى , وهذه معجزة في ذات خلق آدم عليه السلام , وهي نعمة على كل الناس , فمن حقهم الإفتخار باتحاد الأبوة , وأن أباهم جميعاَ خلق في الجنة , وتفضل الله عز وجل [وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ] ( ).
وآدم عليه السلام أول نبي من الناس , فهل له معجزات , الجواب نعم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) ( ) .
وقد آمن بنبوة آدم زوجه وأولاده وأحفاده ونزل القرآن والسنة لتصدق أجيال المسلمين والمسلمات وإلى يوم القيامة بنبوة آدم عليه السلام ، وهو من القياس الإقتراني:
الكبرى : كل نبي جاء بمعجزة .
الصغرى : آدم نبي .
النتيجة : آدم جاء بمعجزة .
لقد فاز آدم بمعجزات متعددة ، إذ تدل آيات القرآن على أن الرسل يأتون بالبينات والدلائل الباهرة التي تدل على صدق نبوتهم .
وقيل ليس لآدم معجزات لأن علة وسبب المعجزات هو إقناع الناس بالتصديق بالنبوة ،ودعوتهم لعبادة الله ، وليس من كفار في زمان آدم ، ولا أصل لهذا القول .
وجاء القرآن لدعوة الناس جميعاً للتصديق بمعجزات آدم وبشاراته ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد فاز آدم بنعمة عظمى ، وهي أن معجزاته على جهات :
الأولى : خلق آدم من طين , فلم يولد برحم أو ما يشبه الرحم , فكان آية بين أبنائه وأحفاده , في خلقه ووجوده بين ظهرانيهم وعدم تحقق مصداق آخر مثله .
و (عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض . جاء منهم الأحمر ، والأبيض ، والأسود ، وبين ذلك والسهل ، والحزن ، والخبيث ، والطيب) ( ).
لقد كانت بداية خلق آدم إشارة إلى إنتشار نسله وذريته في عموم أرجاء الأرض كما هو ظاهر في هذا الزمان وهو من فضل الله عز وجل على الناس , وبيان لموضوع خلافة الإنسان في الأرض بوصوله إلى جميع أقاليمها وبقاعها .
الثانية : مخاطبة الله عز وجل لآدم قُبلاَ من غير واسطة ملك أو بشر ، وتفضل الله عز وجل بتوليه بتعليم آدم الأسماء كما في قوله تعالى [وَعلم آدم الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ] ( ) .
إذ تؤكد الآية أعلاه حقيقة وهي القطع بأن الملائكة لم يعلموا ما الأسماء التي علمها الله عز وجل لآدم حتى أخبرهم آدم فليس من ملك كان واسطة بين الله عز وجل وبين آدم.
وفيه بشارة اللبث الدائم للمؤمنين في الجنة كما تبين آيات القرآن , وهو فيه إشارة إلى تفضل الله عز وجل بتكليم من يشاء منهم من غير واسطة ملك .
الجواب إن أمر آدم مختلف إذ خلقه الله عز وجل بيده , ونفخ فيه من روحه وأسكنه الجنة ابتداء من فضل الله عز وجل , أما إذا شاء الله عز وجل أن يكلم بعض أهل الجنان من غير واسطة فهو من عظيم منه وإحسانه .
وإن قلت كما كلّم الله عز وجل آدم في الجنة من غير واسطة ملك فإنه سيسكنه جنة الآخرة ويكلمه من غير واسطة , الجواب لا دليل عليه للتباين الموضوعي , وورد في باب الشفاعة .
(وفي قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً }( ) ورد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ – آدم فمن سواه – إلا تحت لوائي ، وأنا أوّل من تَنْشَقُّ عنه الأرض ولا فخر . . . فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم عليه السلام فيقولون : أنت أبونا فاشفع لنا إلى ربك .
فيقول : إني أذنبت ذنباً أهبطت منه إلى الأرض ، ولكن ائتوا نوحاً . فيأتون نوحاً فيقول : إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم . فيأتون إبراهيم فيقول : ائتوا موسى .
فيأتون موسى عليه الصلاة والسلام فيقول : إني قتلت نفساً ، ولكن ائتوا عيسى . فيأتون عيسى عليه السلام فيقول : إني عُبِدْتُ من دون الله ، ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم .
فيأتوني فأنطلق معهم فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها ، فيقال : من هذا؟ فأقول : محمد . فيفتحون لي ويقولون : مرحباً .
فأخرّ ساجداً فيلهمني الله عز وجل من الثناء والحمد والمجد ، فيقال : ارفع رأسك . . . سل تُعْطَ ، واشفع تُشَفّعْ ، وقل يسمع لقولك .
فهو المقام المحمود الذي قال الله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}) ( ).
الثالثة : إخراج الناس في عالم الذر من ظهر آدم ، وعرضهم عليه ، وإقرارهم بالربويبة ، قال تعالى [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ] ( ) .
وعن أبي بن كعب قال (كان الناس حين عُرضوا على آدم وأُخرجوا من ظهره وأقروا بالعبودية أُمةً واحدة مسلمين كلّهم،
ولم يكونوا أُمة واحدة قط غير ذلك اليوم،
ثم اختلفوا بعد آدم فبعث الله الرسل وأنزل الكتب،
وكذلك في قراءة أُبيّ وعبد الله بن إسحاق : فاختلفوا فبعث الله النبيين) ( ).
الرابعة : أدم أول من تكلم من الناس .
الخامسة : تعليم الله عز وجل لآدم الكلام والأسماء ولغة الخطاب .
السادسة : سكن آدم وحواء الجنة برهة من الزمن .
السابعة : إختلاط آدم مع الملائكة وسماعهم وتعلمهم منه ، وكذا العكس ، إذ انه استمع وتلم من الملائكة ، وهل شاركته حواء في هذا الإستماع والتعلم ، الجواب نعم .
الثامنة : هبوط آدم من الجنة , ولم يولد من أب وأم , إنما خلقه الله عز وجل بيده , لتكون ذات ونفس الإنسان حجة عليه في الخلق والنشأة .
التاسعة : حزن وصبر آدم على قتل ابنه هابيل ، وهو أول قتيل في الأرض ، وهل في ذكر قصته في القرآن والسنة زجر للناس عن فجع الآباء والأمهات بأبنائهم بغير حق ، ودعوتهم للرأفة والعفو بالأولاد رحمة وشفقة بآبائهم وأمهاتهم .
الجواب نعم ، وهل تشمل هذه الدعوة السلاطين والحكام ، الجواب نعم ، قال تعالى [وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] ( ) .
وقال (معاوية بن عمار : سألت الصادق عليه سلام اللّه عن آدم (عليه السلام) أكان زوّج ابنته من ابنه،
فقال : معاذ اللّه والله لو فعل ذلك آدم ما رغب عنه رسول اللّه {صلى الله عليه وسلم} وما كان دين آدم إلاّ دين رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إنّ اللّه تبارك تعالى لما نزل آدم وحواء إلى الأرض وجمع بينهما ولدت حوّاء بنتاً وسمّاها ليوذا فبغت وهي أوّل من بغت على وجه الأرض فسلّط اللّه عليها من قتلها فولدت لآدم على أثرها قابيل،
ثم ولد له هابيل،
فلما أدرك قابيل أظهر اللّه جنية من ولد الجان يقال لها جهانة في صورة إنسية وأوحى اللّه تعالى إلى آدم (عليه السلام) أن زوجها من قابيل فزوجها منه فلما أدرك هابيل أهبط اللّه تعالى حوراء إلى آدم (عليه السلام) في صورة إنسية وخلق لها رحماً وكان اسمها نزلة،
فلما نظر إليها قابيل ومقها،
وأوحى اللّه تعالى إلى آدم (عليه السلام) أن زوّج نزلة من هابيل،
ففعل ذلك،
فقال قابيل له : ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به منه. فقال له آدم : يا بني إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء.فقال : لا ولكنّك آثرته عليّ بهواك. فقال له آدم : إن كنت تريد أن تعلم ذلك فقرّبا قرباناً فأيكما تقبل قربانه فهو أولى بالفضل من صاحبه.
قالوا : وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت نار من السماء فأكلتها.وإذا لم تكن مقبولة لم تنزل النار وأكلتها الطير والسباع،
فخرجا ليقرّبا وكان قابيل صاحب زرع وقرّب حبرة من طعام من أردى زرع وأضمر في نفسه : ما أبالي أيقبل مني أم لا لأتزوج أختي أبداً،
وكان هابيل راعياً صاحب ماشية فقرّب حملاً سميناً من بين غنمه ولبناً وزبداً وأضمر في نفسه الرضا للّه عز وجل) ( ) .
لقد كان خلق آدم , وجعل نبوته حجة ومن مصاديق قوله تعالى [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ] ( ) فشطر منها من مصاديق هذه الآية , وشطر سابق وتتأصل في الإنسان خاصة وأن الآية جاءت بصيغة المضارع القريب (سنريهم) لبيان توالي الآيات والبراهين التي تدل على بديع صنع الله , ولزوم عبادته والتنزه عن الشرك .
ثم بعث الله نوحا , وهو من الرسل الخمسة أولي العزم (وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وأمه قينوش بنت براكيل بن محويل بن قين بن آدم) ( ).
قيل (ولد في حياة آدم وذلك أن آدم لما كبر سنه ودق عظمه قال يا رب إلى متى أكد وأشقى قال يا آدم حتى يولد لك ولد مختون فيولد نوح بعد عشرة أبطن وادم حينئذ ابن ألف سنه إلا خمسين عاما ثم مات آدم وكثرت الجبابرة وضيعوا وصاة الأنبياء ونصبوا صور المتوفين من آبائهم وأخوتهم يسجدون لها ويعبدونها) ( ).
وهذا القول ليس بتام , فلم يولد نوح في أيام آدم , إذ تخبر آيات القرآن عن بعث نوح في قومه ودعوته لهم للإيمان وصبره وجهاده .
وقيل كان اسم نوح سكناً , ولكن لكثرة بكائه سمى نوحاً ، (قال الكسائي كان اسمه عبد الغفار أو يشكر وسبب تسميته نوحا ما قيل أنه رأي كلبا له أربعة أعين فقال نوح ان هذا الكلب شنيع فقال له الكلب يا عبد الغفار أتعيب النقش أمن النقاش فان كان العيب على النقش فان الأمر لو كان الىّ لما أختت أن أكون كلبا وان كان العيب من النقاش فهو لا يلحقه عيب لانه يفعل ما يشاء فكان كلما ذكر ذلك ينوح ويبكي على خطيئته وذنبه فلكثره نوحه سمي نوحا) ( ) .
إنما كان كثير البكاء على نفسه وعلى قومه وما سيلاقونه من الفرق والهلاك بسبب كفرهم .
وفي نسب إبراهيم عليه السلام قال قتادة (قال: إبراهيم خليل الله هو ابن تارح، بن ناحور، بن أشرع، بن أرغو، بن فالخ، بن عابر، بن شالخ، بن أرفخشذ، بن سام، بن نوح، بن لامك، بن متّوشلخ، بن خنوخ، ابن يرد، بن مهلاييل، بن قاين، بن أنوش، بن شيث، بن آدم.) ( ) .
ومن معجزات نوح طول عمره ، وتسخيره في الدعوة إلى الله ، وتحمل الأذى من قومه بصبر .
ومنها نزول الأمر من الله عز وجل بصنع السفينة ، قال تعالى [وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا] ( ).
وأخبار الله عز وجل له بأنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن ، ونهاه الله عز وجل عن الشفاعة للذين كفروا ، كما في قوله تعالى [وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ] ( ) .
لقد كانت سفينة نوح معجزة متعددة من بداية صنعها في اليابسة , وليس من ماء ثم سيرها ونجاتها ومن فيها من الغرق بين الأمواج المتلاطمة في الطوفان بآية من عند الله عز وجل .
لقد جاءت الكتب السماوية بقصة خلق آدم والإخبار عن كونه أبا البشر جميعاً ، وفيه دعوة للإنزجار عن الإرهاب والإقتتال .
وفي سفر التكوين (2: 7 و جبل الرب الاله ادم ترابا من الارض و نفخ في انفه نسمة حياة فصار ادم نفسا حية2: 8 و غرس الرب الاله جنة في عدن شرقا و وضع هناك ادم الذي جبله
2: 9 و انبت الرب الاله من الارض كل شجرة شهية للنظر و جيدة للاكل و شجرة الحياة في وسط الجنة و شجرة معرفة الخير و الشر
2: 10 و كان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة و من هناك ينقسم فيصير اربعة رؤوس) ( ).
(و كذا البشر كلهم من التراب و ادم صنع من الارض* 11لكن الرب ميز بينهم بسعة علمه و خالف بين طرقهم* 12 فمنهم من باركه و اعلاه و منهم من قدسه و قربه اليه و منهم من لعنه و خفضه و نكسه من مقامه) ( ).
قانون الاستسقاء ببركة النبي
بخصوص استسقاء أهل مكة بعبد المطلب ببركة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا زال في سنّ الصبا (اخرج ابن سعد وابن ابي الدنيا والبيهقي والطبراني وأبو نعيم وابن عساكر من طرق عن مخرمة بن نوفل عن امه رُقيقة بنت صيفي وكانت لدة( ) عبد المطلب .
قالت تتابعت على قريش سنون جدبة أقحلت الجلد وأدقت العظم فبينا أنا نائمة أو مهومة إذا هاتف يصرخ بصوت صحل يقول يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث منكم قد أظلكم ايامه وهذا أبان مخرجه فحي هلا بالحياء والخصب ألا فانظروا رجلا منكم وسيطا عظاما جساما أبيض بضا ( )أوطف الأهداب سهل الخدين أشم العرنين له فخر يكظم عليه وسنة يهدي اليه فليخلص هو وولده وولد ولده .
وليهبط إليه من كل بطن رجل فليشنوا من الماء وليمسوا من الطيب ثم ليستلموا الركن وليطوفوا بالبيت سبعا .
ثم ليرتقوا أبا قبيس فليستسق الرجل وليؤمن القوم فغثتم( ) ما شئتم إذا قالت .
فأصبحت مذعورة قد اقشعر جلدي ووله عقلي واقتصصت رؤياي فقمت في شعاب مكة فما بقي بها أبطحي إلا قالوا هذا شيبة الحمد وتتامت إليه رجالات قريش وهبط إليه من كل بطن رجل فشنوا من الماء ومسوا من الطيب واستلموا وطافوا ثم ارتقوا أبا قبيس .
حتى إذا استووا بذروة الجبل قام عبد المطلب ومعه رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم} غلام قد أيفع أو كرب.
فقال عبد المطلب اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة انت عالم غير معلم ومسؤول غير مبخل وهذه عبداؤك وإماؤك بعذرات حرمك يعني أفنية حرمك يشكون إليك سنتهم أذهبت الخف والظلف .
اللهم فامطرنا غيثا مغدقا ومريعا .
فما راموا حتى انفجرت السماء بمائها والط الوادي بثجيجه فلسمعت شيخان قريش ، وفي رواية ذكرت بعض اسمائهم وهم :
الأول : عبد الله بن جدعان .
الثاني : حرب بن أمية .
الثالث : هشام بن المغيرة ( ).
يقولون لعبد المطلب هنيئا يا ابا البطحاء هنيئا أي عاش بك أهل البطحاء وفي ذلك تقول رقيقة
بشيبة الحمد اسقى الله بلدتنا
لما فقدنا الحيا وأجلوذ المطر
فجاد بالماء جونى له سبل
سحا فعاشت به الأنعام والشجر
منا من الله بالميمون طائره
وخير من بشرت يوما به مضر
مبارك الأمر يستسقي الغمام به
ما في الآنام له عدل ولا خطر) ( ).
قانون أسماءمكة شعار متجدد لمحاربة الإرهاب
لقد جعل الله عز وجل مكة قبلة لأهل المشرق والمغرب , وهي حاضرة في الوجود الذهني يوميا عند كل مسلم ومسلمة , ويتوجهون إليها في مقاديم أبدانهم خمس مرات في اليوم , ولم يمر يوم على المسلم في الحضر أو في السفر إلا وهو يعلم جهة مكة , ووجوب التوجه إلى البيت الحرام , وهذا أمر تختص به مكة فليس مثلها بلدة منذ هبوط آدم إلى الأرض وإلى يوم القيامة ,يتوجه لها الملايين بمقاديم أبدانهم وبخشوع خمس مرات في اليوم .
فيكرر المسلم في السفر السؤال : أين القبلة ؟ ويرفع رأسه إلى السماء كل يوم ليعلم أوان الفجر صلاته أو الزوال أو الغروب ، وكأنه تجديد يومي متصل لمعجزة تعيين القبلة في قوله تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] ( ).
ووردت آيات كثيرة بخصوص مكة والحج والمسجد الحرام وتوليته , كما ورد ذكر مكة في القرآن بأسماء :
الأول : مكة وهو أشهر أسمائها , والأصل فيها ,ولم يرد لفظ مكة في القرآن إلا مرة واحدة بقوله تعالى [بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ]( ).
الثاني : بكة كما ورد قوله تعالى [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ] ( ).
الثالث : أم القرى , كما في قوله تعالى [لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا] ( ).
الرابع : البيت العتيق , و(عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : ربّ ، قد فرغت . فقال { أذن في الناس بالحج }( ) قال : ربّ، وما يبلغ صوتي؟
قال : أذّن وعليّ البلاغ .
قال : ربّ ، كيف أقول؟ قال : يا أيها الناس ، كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق . . . فسمعه من بين السماء والأرض ، ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون . . . ؟) ( ).
الخامس : معاد , كما في قوله تعالى [إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ]( ).
وورد عن ابن عباس في الآية أعلاه أقوال :
أولاَ : إلى مكة( ).
ثانياَ : إلى الجنة( ) وهو المروي عن الإمام علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ثالثاَ : إلى الموت , و(قال مقاتل : خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغار ليلا ثم هاجر من وجهه إلى المدينة ، فسار في غير الطريق مخافة الطلب ، فلمّا أمن ورجع إلى الطريق نزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة ، فاشتاق إليها وذكر مولده ومولد آبائه،فأتاه جبريل (عليهما السلام)،فقال : أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟
قال : نعم.
قال : فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول : {إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ}( ) إلى مكة ظاهراً عليها) ( ).
السادس : القرية , كما في قوله تعالى [وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ] ( ) وقوله تعالى [وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ]( ).
ومن أسرار تسمية مكة بالقرية مسائل :
الأولى : بيان قلة عدد أفراد قريش ، ومن معهم من أهل مكة .
الثانية : عجز قريش عن الصدّ عن سبيل الله .
الثالثة : لا يقدرون على منع الناس من دخول الإسلام .
الرابعة : إنذار رجالات قريش، قال تعالى [وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ] ( ) فمن ظلم قريش ظنهم بأنهم أسياد وأقوياء ويستطيعون قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه , فأخبر الله عز وجل أنهم أهل قرية .
وسماها الله عز وجل بالقرية تبكيتاً لكفار قريش ، وفيه بشارة بالنصر عليهم في معركة بدر ونسبة القرية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قريتك بشارة عودته إلى مكة فاتحاً وحاكماً بشرع الله .
وقد انتشر الإسلام في مدينة يثرب والقرى التي تحيط بها وبمدينة مكة ، لذا فان تسمية يثرب بالمدينة عند هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لها إخبار بكثرة المسلمين أزاء قلة المشركين ، وهي من مصاديق [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ] ( ) .
فان قلت قد جاء جيش المشركين في معركة أحد وعددهم ثلاثة آلاف بينما كان عدد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعمائة ، والجواب إنما جمعت جيوش المشركين من الأحابيش والقبائل ، وكان ألفان منهم مستأجرين من قبل أبي سفيان ، وكأنه مما يسمى في هذا الزمان بالمرتزقة .
الخامسة : منع دبيب الخوف من قريش إلى قلوب الذين يريدون دخول الإسلام مجتمعين ومتفرقين .
السادسة : فيه دعوة للمسلمين , لعدم الخشية من صناديد قريش , وعند عودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه إلى المدينة بعث مبشرين اثنين بالنصر إلى أهلها , ولكن المنافقين لم يصدقوا بالأمر , وظنوا أن زيد بن حارثة وهو أحدهما جاء هارباَ فزعاَ .
ولم تمر ساعات حتى دخل الأسرى المدينة إذ قدّمهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبله , واستعمل عليهم شقران غلامه مع أن فيهم من أشراف قريش لبيان قانونين وهما :
الأول : قانون الإيمان موضوع ومادة سبب للعز والرفعة , والثواب العاجل والآجل ، قال تعالى [إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] ( ).
الثاني : قانون الكفر طريق إلى الذل والهوان في النشأتين ، قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ] ( ).
وعندما عاد أهل المدينة من معركة بدر خرج أهل المدينة إلى الروحاء لإستقبال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتهنئته بالفتح ولقيه (وجوه الخزرج،
فقال سلمة بن سلامة بن وقش وهو من الأنصار الذين حضروا معركة بدر : ما الذي تهنئوننا به؟
فوالله ما قتلنا إلا عجائز صلعاً.
فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وقال : يا ابن أخي، أولئك الملأ، لو رأيتهم لهبتهم، ولو أمروك لأطعتهم، ولو رأيت فعالك مع فعالهم لاحتقرته، وبئس القوم كانوا على ذلك لنبيهم!
فقال سلمة: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، إنك يا رسول الله لم تزل عني معرضاً منذ كنا بالروحاء في بدأتنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: أما ما قلت للأعرابي وقعت على ناقتك فهي حبلى منك، ففحشت وقلت ما لا علم لك به!
وأما ما قلت في القوم، فإنك عمدت إلى نعمةٍ من نعم الله تزهدها.
فاعتذر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم معذرته، فكان من علية أصحابه) ( ).
السابعة : تسمية مكة بالقرية بشارة فتحها من قبل المسلمين .
السابع : البلدة , والبلد , قال تعالى [إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ] ( ) وباسم البلد , وفي دعاء إبراهيم ورد قوله تعالى [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ] ( ) لبيان صفحة من إعجاز القرآن , وهي عندما يكون ذكر العبادة والأمن والتوحيد يسمي القرآن مكة بالبلدة والبلد , مع أنه لم يكن في مكة يوم دعاء إبراهيم بلد ومساكن وزروع , ولكن فيها النبي إسماعيل , لذا قال إبراهيم [رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ] ( ).
أما إذا ذكر القرآن كفار قريش , وظلمهم فإن اسمها يكون قرية من غير تعارض بين الاسم والمسمى , ولبيان قانون وهو حاجة مكة للرجوع إلى اسم وصفة البلد والتي لا تتم إلا مع الإيمان , لذا قال الله تعالى [وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ] ( ).
الثامن : الوادي , كما في دعاء إبراهيم [بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ] ( ) لبيان أن علة السكن في مكة وعمارتها العبادة والتقوى وليس الإرهاب والغزو والقتل .
وهو من الشواهد على قانون (التضاد بين القرآن والإرهاب) وقانون (لم يغزُ النبي ص أحداً) اللذين أسسناهما في هذا التفسير بفيض ولطف من الله عز وجل .
وهل الدعاء في قوله تعالى [لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ]( ) خاصة بذرية إبراهيم أم أنه شامل للمسلمين والمسلمات .
الجواب هو الثاني , فالصلاة هبة غضة طرية وحكم عام يتجدد مصاديقه إلى يوم القيامة , فإن قلت ماذا عنه [فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ] ( ) .
الجواب لا مانع من ورود صدر الآية في شئ ، ووسطها شئ ، وآخرها شئ آخر , ولكن ميل أفئدة شطر من الناس في الآية عام شامل نحو أهل البيت والمسلمين , وكذا في الرزق والثمرات , وفي التنزيل [قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] ( ).
قانون تكرار الحج دعوة للسلم
وفي تكرار الحج كل سنة مسائل :
الأولى : تجدد معالم الإيمان في الأرض بأداء مناسك الحج .
الثانية : إتيان جميع وفد الحاج مناسك عبادية واحدة .
الثالثة : قطع المسافة مقدمة لأداء الحج , وحتى الذي بيته في مكة يخرج إلى منى وعرفة , قال تعالى [لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ]( ).
ومن الآيات أن عرفة خارج الحرم , وكانت قريش قبل الإسلام لا يذهبون في الحج إلى عرفة , إنما يفيضون من مزدلفة , ويقولون إنما نحن أهل الله فلا نخرج من الحرم فنزلت الآية أعلاه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج إلى عرفة في حجة الوداع لبيان أنها كانت حاجة للمسلمين والمسلمات بالإتحاد والتساوي في أداء المناسك ، ترى ماذا لو بقيت قريش تفيض من مزدلفة ولا تقف في عرفة ، ولا تفيض منها ، خصوصاً في هذه الأزمنة التي تعدد الإدعاء الجماعي بالانتساب إلى قريش وبني هاشم خاصة .
لقد بدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه فخرج إلى عرفة ليقتدي به بنو هاشم وعامة قريش ، كما أنه في تحريم الربا أول من ابتدأ بربا عمه العباس .
(عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع ، ( لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )، وأول ربا موضوع ربا العباس)( ).
وهل من مقاصد قريش البقاء على الكفر وتعدد غزوهم للمدينة والمسلمين في معركة بدر وأحد والخندق ، إنفرادهم بعدم الخروج من عرفة واختصاصهم بامتيازات في الحج وأسباب للشأن والجاه ، وأكل مال الربا .
الجواب نعم ، ومما جاء به الأنبياء قانون المساواة في العبادات والمعاملات وأمام القانون وتحملوا بسببه الأذى الكثير ، وهو الذي تسعى إليه الأمم والدول في هذا الزمان .
وفي حجة الوداع أمرالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (براحلته القصواء فرحلت له، فوقف للناس بالعقبة، فاجتمع إليه الناس، وفي رواية: ما شاء الله من المسلمين، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه بما هو أهله .
ثم قال: (أما بعد أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، ألا وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى،( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ( )ألا هل بلغت ؟) .
قالوا: بلغ رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: (فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع) ( ).
الرابعة : فضل الله سبحانه في إيمان المسلمين والمسلمات لأداء مناسك الحج بالتمكين والتيسير وتهيئة الأسباب وإزاحة الموانع , وهو من عمومات قوله تعالى [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]( ).
الخامسة : بيان فرض سنوي على العباد , وهو أداء مناسك الحج في كل سنة مرة واحدة , وليس من حج إلى مكان آخر غير البيت الحرام .
السادسة : جعل شطر من المسلمين في حال يسر وسعة , وتجدد الإستطاعة في كل سنة برحمة من عند الله عز وجل , قال تعالى [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً]( ).
فبينما تتنافر وتتقاتل القبائل تجدها تلتقي وتجتمع من وجوه :
الأول : الإجتماع في الطريق إلى مكة في أشهر الحج أو الأشهر الحرم ، فمثلاً شهر شوال من أشهر الحج والذي يسبق شهر ذي الحجة بشهرين ، فبينهما شهر ذي القعدة ، وقال تعالى [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَاأُوْلِي الأَلْبَابِ] ( ) ثم يأتي بعده شهر ذي القعدة وهو من أشهر الحج ، والأشهر الحرم أيضاً لذا فان القبيلة التي تخشى من بطش أو ثأر قبيلة أخرى لا يمر أفرادها على ديار تلك القبيلة الأخرى إلا في شهر ذي القعدة وعامة الأشهر الحرم .
الثاني : إلتقاء أفراد القبائل المختلفة في أسواق مكة الموسمية والدائمة مثل سوق عكاظ والمجنة وذي المجاز .
لقد كانت تلك الأسواق عيداً يتكرر كل عام وهو من رشحات فضل الله عز وجل في أداء ووجوب فريضة الحج .
وهل من معاني الإتيان في قوله تعالى [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ] ( ) أن الناس يأتون للأسواق والتجارة .
الجواب لا ، إنما يأتون لأداء الحج ، وتكون هذه الأسواق عرضا ملازماً ، ومن مصاديق البركة في قوله تعالى [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ] ( ).
ومن البركة تعدد الأسواق في الموسم بالإضافة إلى الأسواق الدائمية الثابتة في مكة والطائف والطرق المؤدية إلى مكة .
ومنها توفر الحاجات والمؤن والخيول والأنعام في هذه الأسواق ، وباسعار مناسبة خاصة عند أوان إنقطاع الأسواق ، وتوجه الناس لأداء الحج .
وكانت هذه الأسواق مناسبة للآداب والقاء القصائد والكلمات والتفاخر ، وتنمية ملكة التفاخر والفصاحة والبلاغة عند العرب ، لتكون مقدمة لنزول القرآن بتجلي إعجازه بالفصاحة والبلاغة .
وهل من صلة بين بلاغة القرآن وقانون (لم يغز النبي ص أحداً ) الجواب نعم لما فيها من أسباب الكفاية لجذب الناس لمنازل الهدى والإيمان , ولما أنزل الله سبحانه (على النبي (عليه السلام) {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم}( ) إلى قوله : {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} ( )قرأها النبي (عليه السلام) في المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته،
فلما فطن النبي (عليه السلام) لإستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية،
فانطلق الوليد حذاء مجلس قومه بني مخزوم فقال : والله لقد سمعت من محمد كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق وإنّه يعلو وما يُعلى. ثم انصرف إلى منزله .
فقالت قريش : صبا والله الوليد والله ليصبأنّ قريش كلّهم وكان يقال للوليد : ريحانة قريش .
فقال لهم : أبو جهل أنا أكفيكموه , فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزيناً .
فقال : له الوليد ما لي أراك حزيناً يا ابن أخي .
قال : وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون أنّك تؤمن بكلام محمد وتدخل على ابن أبي كبشة وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهم .
فغضب الوليد وقال : ألم تعلم قريش أني أكثرهم مالا وولداً , وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل؟
ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه .
فقال لهم : تزعمون أن محمداً مجنوناً فهل رأيتموه يخنق قط؟
قالوا : اللهم لا .
قال : تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه يتكهّن قط ؟
قالوا : اللهم لا .
قال : تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط؟
قالوا : اللهم لا. قال : تزعمون أنه كذّاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب ؟
قالوا : لا .
وكان رسول الله (عليه السلام) يسمّى : الأمين قبل النبوة من صدقه. فقالت : قريش : فما هو؟
فتفكّر في نفسه ثم نظر وعبس فقال : ما هو إلاّ ساحراً .
أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر .
وما يقوله سحر. فذلك قوله سبحانه {إِنَّهُ فَكَّرَ} ( ) في محمد والقرآن وقدّر في نفسه ماذا يمكنه أن يقول فيهما) ( ) .
والوليد بن المغيرة هو أبو خالد بن الوليد , ومات الوليد بن المغيرة في مكة في السنة الأولى لهجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثالث : الإجتماع في مكة بصفة العبادة والتعبد والزهد في الدنيا ، فالجامع المشترك هو الإقرار بالعبودية لله عز وجل والحرص على إظهار الطاعة له ، لذا تطوى أسواق مكة قبل يوم عرفة ، فآخرها هو سوق ذي المجاز ، ومنه يتوجه وفد الحاج إلى أداء المناسك .
ويكون على يمين القادم من عرفة إلى مكة ، ويبعد عن حدودها الشرقية 8 كم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتردد عليه قبل الهجرة ليدعو الناس فيه إلى الإسلام ، وحتى لو كانوا منشغلين بالبيع والشراء لالتفتوا إلى الدعوة , لأنها أمر عظيم وشأن قدسي جليل .
وقد وردت عدة أخبار شهد فيها بعضهم أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذي المجاز ينادي بكلمة التوحيد، ويتلو القرآن وعن (سلام بن مسكين ، عن أشعث بن أبي الشعثاء قال ، سمعت شيخا من بني كنانة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سوق ذي المجاز
فقلنا : صفه لنا . قال : رأيته وعليه بردان أحمران ، جعدا ( )مربوعا ، أبيض شديد سواد الرأس واللحية ، كأحسن الرجال وجها) ( ) .
(عن ربيعة بن عباد، قال: دخلنا( ) بعد فتحها بأيام ننظر ونرتاد وأنا مع أبي، فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فساعة رأيته عرفته وذكرت رؤيتي إياه بذي المجاز، وأبو لهب يتبع أثره يومئذٍ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا حلف في الإسلام، ولن يزيد حلف الجاهلية الإسلام إلا شدة .
وكانت أم هانىء تحدث تقول : ما رأيت أحداً كان أحسن ثغراً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما رأيت بطن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ذكرت القراطيس المثنية بعضها على بعض – تعني عكنه – وقد رأيته دخل يوم الفتح قد ضفر رأسه بضفائر أربع) ( ).
الرابعة : ترشح بركات الحج على أهل مكة ، ودعوتهم لإكرام البيت وزواره وتعاهد البشارة ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه البركات من مصاديق قوله تعالى [لِإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ] ( ) إذ ذكرت رحلة كل من الشام واليمن وغيرهما في سورة قريش أعلاه من باب الفرد الأمثل والأظهر ، وإلا فان لقريش في كل يوم رزقاً كريماً من جوار البيت وكثرة عماره والوافدين إليه للعمرة أو الزيارة أو الحج .
وظهرت النعم عليهم في حال السراء والضراء مع الأملاك والبساتين في مكة والطائف ، والإبل والثياب ونضارة والعيش للرجال والنساء منهم ، ولما فتح الله عز وجل مكة ودخل المهاجرون والأنصار مكة ، ورآوا أهلها وما يتصفون به أبدى سعد بن عبادة وهو من النقباء ومن رؤساء الخزرج .
إذ ورد (عن الحارث بن عبد الرحمن بن عوف، وإبراهيم بن عبد الله بن محرز، قالا: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة جلس عبد الرحمن بن عوف في مجلسٍ فيه جماعةٌ، منهم سعد بن عبادة .
فمر نسوةٌ من قريشٍ على ذلك المجلس، فقال سعد بن عبادة: قد كان يذكر لنا من نساء قريش حسنٌ وجمالٌ ؛ ما رأيناهن كذلك!
قال: فغضب عبد الرحمن حتى كاد أن يقع بسعد وأغلظ عليه.
ففر منه سعدٌ حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، ماذا لقيت من عبد الرحمن!
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وما له؟
فأخبره بما كان.
قال: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى كأن وجهه ليتوقد، ثم قال: رأيتهن وقد أصبن بآبائهن وأبنائهن وإخوانهن وأزواجهن؛ خير نساءٍ ركبن الإبل نساء قريش! أحناه على ولدٍ، وأبذله لزوجٍ بما ملكت يدٌ!) ( ).
الخامسة : إجتماع وأختلاط افراد القبائل في مواطن الحج في كل من :
الأولى : في مكة وأثناء وبعد أداء المناسك .
الثانية : الإختلاط في مِنى قبل التوجه إلى عرفة وبعد يوم الحج الأكبر .
الثالثة : الإجتماع في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة في عرفة .
الرابعة : الإلتقاء في التلبية وأداء المناسك .
وجاء الإسلام ليقف وفد الحاج في صفوف متراصة لأداء الصلاة خمس مرات في اليوم .
والحج تأديب عام , وتنقيح للسلوك , وتهذيب لعالم الأفعال , قال تعالى [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ]( ) ومن أهم أركان الحج :
الأول : الإحرام , وهو إبتداء الدخول في النسك من موقف مخصوص وأحد المواقيت أو الإحرام للحج من داخل مكة , لينادي وفد الحاج عند الإحرام (لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك) ويصاحبهم هذا النداء , وهو شعار الحاج وفيه إعلان وتوكيد للجامع المشترك بين الناس وهو العبودية لله عز وجل والتبرء من الشرك ومفاهيم الضلالة , إنه دعوة سنوية للأمن والأمان من المسلمين , وزاجر عن الإرهاب , وهو مصداق للآية أعلاه وشاهد على أن الإسلام دين السلام , وأن آيات الدفاع في القرآن وسيلة وحاجة لأداء الفرائض العبادية .
ولو لم يهجم المشركون في معركة بدر , ومعركة أحد , ومعركة الخندق , ويخونوا شروط صلح الحديبية .
فهل يسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه نحو مكة لفتحها , المختار لا , ولكن الفتح يتم بدخول الناس طوعاً في الإسلام.
الثاني : الوقوف بعرفة في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة من كل سنة لقوله تعالى [فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ]( ) ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الحجّ عرفة) ( ).
إنه وقوف دعاء وتهجد واستغفار وتوسل , لذا فإن الحج يتصف بأنه عبادة مالية وبدنية .
الثالث : طواف الإفاضة في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة , قال تعالى [ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ]( ) لإقتباس الأمن والسكينة من بهاء البيت , واستحضار قوله تعالى [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ]( ).
الرابع : السعي بين الصفا والمروة , بعد الوقوف في عرفة ومزدلفة وطواف الإفاضة لوجوب الترتيب بينها , ومن الأدلة على أن السعي ركن في الحج , ما ورد (عن حبيبة بنت أبي بحران قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى ، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره ، وهو يقول : اسعوا فإن الله عز وجل كتب عليكم السعي .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا.
وأخرج وكيع عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : سألت ابن عباس عن السعي بين الصفا والمروة قال : فعله إبراهيم عليه السلام) ( ) .
وبين واجبات وأركان الحج عموم وخصوص مطلق , فالواجبات أعم , وكذا هناك مستحبات في الحج , وكل من واجبات الحج ومستحباته دعوة للسلم المجتمعي ورسالة سلام ومودة متكررة إلى الناس جميعاً , ودعوة إلى الإيمان بالله عز وجل إلهاً ورباً , وفي التنزيل [وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ]( ).
بحث نحوي
الحروف (أن ، أنّ ، كأن ، لكن ، ليت ، لعل )وتسمى أيضاً :
الأول : الحروف المشبهة بالفعل ، لأنها تشبه الفعل وصيغة الأفعال من جهات :
الأولى : تكون هذه الأحرف مفتوحة الأواخر كالفعل الماضي .
الثانية : تنصب الأول وترفع الثاني كما في حال الفعل الذي يتقدم مفعوله على فاعله ، كما في قوله تعالى [إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ]( ).
الثالثة : تتضمن هذه الحروف معاني الأفعال .
الثاني : الحروف الناسخة لأنها تدخل على المبتدأ والخبر فتنسخ حكمهما ، إذ يتغير عنوانهما فيسمى الأول بدل المبتدأ اسمها وتصبح حركته النصب .
ويسمى الثاني بدل الخبر خبرها ، ويبقى على حال رفعه ، مثل قوله تعالى [إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ] ( ).
الثالث : تسميتها (إن وأخواتها ) ذكرت (أن) لأنها أكثر هذه الحروف الستة استعمالاً وشهرة .
ولهذه الحروف معاني لغوية وهي :
الأول والثاني :تفيد (إن) و(أن) معنى التوكيد ونفي الشك عن إتصاف المسند إليه بالمسند إذ الجملة الخبرية تحتمل الصدق والكذب إلا ما يأتي في التنزيل والسنة وحديث المعصوم فهو لا يحتمل إلا الصدق .
وتأتي (إن) لتأكيد الخبر والقول والوعد كما في قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ]( ) وقوله تعالى [إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ]( ) .
(عن أنس قال : نزلت { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم }( ) إلى قوله { ولكن عذاب الله شديد } ( ) على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مسير له ، فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه .
فقال : أتدرون أي يوم هذا؟ هذا يوم يقول الله لآدم : يا آدم ، قم فابعث بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فكَبُر ذلك على المسلمين ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم سددوا وقاربوا وابشروا ، فوالذي نفس محمد بيده ، ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير ، أو كالرقمة في ذراع الدابة ، وإن معكم لخليقتين ما كانتا في شيء قط إلا أكثرتاه : يأجوج ومأجوج ومن هلك من كفرة الإنس والجن) ( ).
الثالث : معنى (كـأن) التشبيه المؤكد ، وهي مركبة من حرفين ، إن ، كان النشبيه ,وفي وصف العلماء الذين يخدمون أهل الجنان في الآخرة قوله تعالى [كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ]( ) وفي ذم المنافقين قال تعالى [كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ] ( ) فالأصل (إنهم كاللؤلؤ المكنون )(أنهم كالخشب المسندة )
الرابع : وتأتي (لكن ) للإستدراك ودفع وهم ، مما قد يتبادر إلى الذهن كما تأتي للتأكيد [لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ] ( ) .
الخامس : تفيد (ليت) معنى التمني والترجي والرغائب البعيدة ، وفي التنزيل قيل [قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ] ( ).
وقيل أن (ليت ) حرف يتعلق بالمستحيل .
واستدل عليه بقول أبو العتاهية
(أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً * فأُخبرَهُ بما فَعَل المَشِيبُ).
ولكن معنى ليت أعم ، ولا ينحصر بالمستحيل .
السادس : تفيد (لعل ) الترجي في المحبوب ، والإشفاق في المكروه .
ومن إعجاز القرآن جعل الإخبار عن حتمية المعاد وأهوال الآخرة مناسبة لبيان صدق النبوات ومقدمة للتصديق بهم .
قانون الاسلام ينهى عن الإرهاب
من إعجاز القرآن تنزيه الناس عن مقدمات الإرهاب وعموم الضلالة, ومن وظائف المسلم النطق بما فيه الصلاح ونشر شآبيب الأمن والطمأنينة بين الناس , والإمتناع عن نطق وقول ما فيه تأسيس للإرهاب أو تغذية له , وهو من مصاديق قوله تعالى [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ] ( ).
ومن معاني قوله تعالى [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ]( ) أي أن الله عز وجل كتب للمسلمين أن يكونوا (خَيْرَ أُمَّةٍ) ومن خصائص خير أمة الإتصاف بخصال حميدة مستديمة :
الأولى : إقامة الصلاة , وأداء الفرائض العبادية , قال تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]( ) فالمسلمون خير أمة في تحقيق العلة من الخلق .
الثانية : صيرورة المسلمين أسوة حسنة لهداية الناس لمسالك الإيمان .
الثالثة : من المسلمات التضاد بين خير أمة وبين الظلم والإرهاب .
وتحتمل الآية معنيين :
الأول :المسلمون خير أمة لأنهم بالذات والتعيين والصفات والخصال الحميدة , كما في قوله تعالى مخاطباً النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ]( ).
الثاني : إنما نال المسلمون مرتبة السمو لأنهم أمروا بالمعروف ويأمرون به , ونهوا عن المنكر وينهون عنه .
فأبى الله عز وجل للمسلمين إلا أن يصاحب الفرد منهم والطبقة والجيل منهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ويمكن تسمية المسلمين على وجوه :
الأول : ملازمة الأمر بالمعروف للمسلمين في الشدة والرخاء.
الثاني : لا تنال الأمة مرتبة (خير أمة) إلا بالمواظبة على الأمر بامعروف والنهي عن المنكر , واجتناب التعدي .
الثالث : حاجة الناس في وجودهم للصلاح بالذات من قبل أن تصل النوبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وليكون تقدير الآية على وجوه :
الأولى : كنتم خير أمة تقيمون الفرائض العبادية وتطيعون الله , والعبادة علة استدامة الحياة البشرية على الأرض فتعبد أمة من الناس الله عز وجل , فينعم الله عز وجل على الناس باستدامة الحياة والتكاثر ونزول رزقه الكريم , وفي التنزيل [اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ]( ).
الثانية : كنتم خير أمة أخرجت للناس في صحة الأبدان والسلامة من الأدران , ومن الشكر لله العفو والصبر , ونشر رايات السلام .
الثالثة : إنتفاع الناس من التنزيل .
الرابعة : كنتم خير أمة , فيجب أن تتنزهوا عن الإرهاب , للتضاد بين مرتبة (خير أمة) وبين الإرهاب .
الخامسة : كنتم خير أمة فتعاونوا على نبذ الإرهاب وإجتنبوا القتل العشوائي .
السادسة : كنتم خير أمة لأنفسكم ولأهل الأرض بالسلم المترشح عن التقوى .
السابعة : كنتم خير أمة في البركة والفيض والرحمة لأنفسكم وغيركم .
لقد علم الله عز وجل بحاجة الناس إلى النبوة والتنزيل فبعث مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً من الأنبياء , كل نبي ينهى عن الإرهاب , ويوصي أتباعه بالتنزه عنه , والنهي عنه للتضاد بين معاني الرحمة التي جاء بها الأنبياء وبين الإرهاب والقتل العشوائي .
لقد إنقطعت النبوة ببعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فليس من نبي بعده , ولكن تركة النبوة باقية إلى يوم القيامة , ومنها أمور :
الأول : حرمة الإرهاب
الثاني : التنزه عن الإرهاب .
الثالث : بيان قبح وضرر الإرهاب .
الرابع : التنزه عن الإرهاب .
الخامس : التعاون لدفع واستئصال الإرهاب , وهل يختص هذا التعاون بالمسلمين فيما بينهم , الجواب لا , فمن معاني قوله تعالى [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ] ( ).
إرادة العموم في التعاون بين المسلمين والناس للحيلولة دون تغشي بآفة الإرهاب .
السادس : الثناء على الذين يمتنعون عن الإرهاب .
السابع : المنع من مقدمات الإرهاب .
الثامن : التفقه في الدين والإرتقاء في المعارف لإنتهاج أفضل السبل في المنع من الإرهاب , والقتل العشوائي , وهو من مصاديق قوله تعالى [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ]( ).
ومن الإعجاز الجمع بين أمور في آية البحث وهي :
الأول : كنتم في علم الله فإن الله عز وجل استعرض الأمم في عالم الذر فرآى المسلمين هم خير أمة .
الثاني : الثناء على الآمرين بالتقوى والصلاح .
الثالث : [خَيْرَ أُمَّةٍ] ( ) تنهى عن الشرك والإرهاب .
الرابع : وجوب الإيمان بالله سبحانه .
الخامس : الإيمان خير محض .
وتقدير الآية على وجوه :
الأول : يا أيها الذين آمنوا تعاونوا فيما بينكم على البر والتقوى .
الثاني : يا أيها الذين آمنوا تعاونوا مع أهل الكتاب على البر والتقوى , قال تعالى [وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ] ( ) .
فمن القرب الذي تذكره الآية أعلاه الإحسان المتبادل والتعاون في أعمال الخير ودفع الشر والبلاء , إذ أن المودة كيفية نفسانية تبعث على الرأفة والرحمة ومد يدّ العون .
ومن معانيها لزوم إمتناع المسلمين عن الإضرار بأهل الكتاب في حضرهم وقراهم وسفرهم , وفي بلاد المسلمين وهذا اللزوم من مصاديق قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ).
الثالث : يا أيها الناس تعانوا على الألفة والرحمة فيما بينكم , فقد أبى الله عز وجل إلا أن يتغشاكم جميعاً برحمته الواسعة .
الرابع : بيان قانون وهو أن التراحم في الدنيا مقدمة ووسيلة للشمول برحمة الله عز وجل في الآخرة .
وفي الحديث القدسي (عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : إن لله مائة رحمة قسم منها رحمة بين أهل الدنيا فوسعتهم إلى آجالهم ، وأخر تسعة وتسعين لأوليائه ، وإن الله عز وجل قابض تلك الرحمة التي قسمها بين أهل الدنيا إلى تسع وتسعين فكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة) ( ).
نذر عبد المطلب
لما رآى عبد المطلب ما لاقاه من قريش واصرارهم على مشاركته في زمزم , وتعرضه وأصحابه للهلاك في المفازة بسبب اللجوء إلى التحكيم في أطراف الشام نذر إن ولد له عشرة أولاد ثم بلغوا حتى يمنعوه من أذى قريش , لينحرن أحدهم لله عز وجل عند الكعبة .
وهل يصح هذا النذر الجواب لا , ولا يترتب عليه أثر لأنه في غير مرضاة الله عز وجل , ولكن قوم عبد المطلب كانوا في جاهلية .
لبيان حاجة الناس إلى بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبيان أحكام الشريعة وما فيه حفظ النفوس .
وقد كانت رؤيا إبراهيم عليه السلام وفداء إسماعيل بكبش حجة في المقام , وفي التنزيل [قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ]( ) إذ تدل هذه الآيات على الفداء بكبش ودم عن الإنسان , ومنه شرعت في الإسلام العقيقة والأضحية , وسيأتي بيان أحكامها .
ولما احتجت الملائكة على جعل الإنسان [فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) لأنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء .
أجابهم الله عز وجل بقوله [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] ( ).
ومن علمه تعالى مجئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأحكام النذر بالوحي وبما ينفع الناس , ويدفع عنهم الأذى وأسباب الحرج .
الوفاء بالنذر
النذر لغة : بمعنى الوجوب والإلزام , وهو في الإصطلاح إلزام المكلف نفسه بشئ لم يوجبه الله عز وجل , وفي التنزيل [وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ]( ).
وقد مدح الله عز وجل أهل البيت لإيفائهم بالنذر , (عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام في قوله عزوجل: (يوفون بالنذر)( ).
قالا: مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه رجلان، فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما، فقال: أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عزوجل، وكذلك قالت فاطمة عليها السلام.
وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضة، فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام، فانطلق علي عليه السلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف.
فقال : هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير ؟
قال: نعم، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير وأخبر فاطمة عليها السلام فقبلت وأطاعت، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرصا.
وصلى علي عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم المغرب ؟ ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم.
فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم
الله على موائد الجنة، فوضع اللقمة من يده ثم
قال: فاطم ذات المجد واليقين * يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين * جاء إلى الباب له حنين
يشكو إلى الله ويستكين * يشكو إلينا جائعا حزين
كل امرئ بكسبه رهين * من يفعل الخير يقف سمين
موعده في جنة دهين * حرمها الله على الضنين
وصاحب البخل يقف حزين * تهوي به النار إلى سجين
شرابه الحميم والغسلين فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول:
أمرك سمع يا ابن عم وطاعة * مابي من لؤم ولا رضاعة
غديت باللب وبالبراعة * أرجو إذا أشبعت من مجاعة
أن ألحق الاخيار والجماعة * وأدخل الجنة في شفاعة
وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعا وأصبحوا صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح. ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعا من الشعير و طحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقرصة لكل واحد قرصا.
وصلى علي المغرب مع النبي صلى الله عليهما ثم أتى منزله فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب.
فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة، فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده ثم قال:
فاطم بنت السيد الكريم * بنت نبي ليس بالزنيم
قد جاءنا الله بذا اليتيم * من يرحم اليوم هو الرحيم
موعده في جنة النعيم * حرمها الله على اللئيم
وصاحب البخل يقف ذميم * تهوي به النار إلى الجحيم
شرابه الصديد والحميم فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول:
فسوف اعطيه ولا ابالي * واؤثر الله على عيالي
أمسوا جياعا وهم أشبالي * أصغرهم يقتل في القتال
بكربلا يقتل باغتيال * لقاتليه الويل مع وبال
يهودي به النار إلى سفال * كبوله زادت على الاكبال
ثم عمدت فأعطته عليها السلام جميع ما على الخوان، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح ، وأصبحوا صياما، وعمدت فاطمة عليها السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا.
وصلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله ثم أتى منزله، فقرب إليه الخوان وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب.
فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا ؟
فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده ثم قال:
فاطم يا بنت النبي أحمد * بنت نبي سيد مسود
قد جاءك الاسير ليس يهتدي * مكبلا في غله مقيد
يشكو إلينا الجوع قد تقدد * من يطعم اليوم يجده في غد
عند العلي الواحد الموحد * ما يزرع الزارع سوف يحصد
فأعطيه لا تجعليه ينكد فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول :
لم يبق مما كان غير صاع * قد دبرت كفي مع الذراع
شبلاي والله هما جياع * يا رب لا تتركهما ضياع
أبوهما للخير ذو اصطناع * عبل الذراعين طويل الباع
وما على رأسي من قناع * إلا عبا نسجتها بصاع
وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه وباتوا جياعا، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شئ. قال شعيب في حديثه: وأقبل علي بالحسن والحسين عليهم السلام نحو رسول الله صلى الله عليه واله وهما يرتعشان كالفرخ من شدة الجوع ، فلما بصربهم النبي صلى الله عليه واله قال: يا أبا الحسن شد ما يسوؤني ما أرى بكم !؟
انطلق إلى ابنتي فاطمة، فانطلقوا إليها وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من
شدة الجوع وغارت عيناها ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه واله ضمها إليه
وقال: واغوثاه بالله ؟
أنتم منذ ثلاث فيما أرى ؟ فهبط جبرئيل فقال: يا محمد خذ ما
هيأ الله لك في أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبرئيل ؟ قال: (هل أتى على الانسان حين من الدهر) حتى إذا بلغ (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) ( ).
وقيل : فوثب النبي صلى الله عليه واله حتى دخل منزل فاطمة عليها السلام فرآى ما بهم فجمعهم ثم انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم ؟ فهبط عليه جبرئيل بهذه الآيات: (إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا* عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) ( ).
قال: هي عين في دار النبي صلى الله عليه وآله يفجر إلى دور الانبياء والمؤمنين (يوفون بالنذر) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجاريتهم (ويخافون يوما كان شره مستطيرا) ( ). يكون عابسا كلوحا (ويطعمون الطعام علي حبه) ( ) يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له (مسكينا) من مساكين المسلمين (ويتيما) من يتامى المسلمين (وأسيرا) من اسارى المشركين ويقولون إذا أطعموهم: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)( ).
قال : والله ما قولوا هذا لهم ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم ، يقولون: لا نريد جزاء تكافوننا به ولا شكورا تثنون علينا به، ولكن إنما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه) ( ).
أقسام النذر :
الأول : نذر الطاعة : بأن يلزم المكلف نفسه اتيان فعل طاعة وقربة إلى الله عز وجل , كما لو قال : لله عليّ نذر أن أصوم يوم غد , هذا في غير الصيام الواجب كشهر رمضان إذ أن النذر هو إلزام العبد نفسه بإتيان فعل عبادي لم يؤمر به بالذات .
الثاني : النذر المطلق , وهو عقد صيغة النذر على أمر يرجو تحققه كشفاء مريض , أو قضاء حاجة .
الثالث : النذر المباح , وهو إلزام الإنسان نفسه بنذر يستوفي فيه طرف الفعل أو الترك .
الرابع : النذر المكروه : وهو إلزام الإنسان نفسه بفعل أو أمر مكروه , فلا يجب عليه أداؤه لأنه مرجوح , وقيل يستحب عدم الوفاء به .
الخامس : نذر المعصية : وهو إلزام الناذر نفسه بفعل معصية , وإرتكاب محرم , ولا يجوز الوفاء به حتى وإن كان معلقاً , وتحقق متعلقه , وقيل تجب فيه كفارة اليمين.
وعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا وفاء لنذر في معصية , ولا فيما لا يملك العبد , و(عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : أَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه آله وسلم- رَجُلاً مِنْ بَنِى عُقَيْلٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ :
وَأُخِذَتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- تِلْكَ وَسُبِيَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَكَانَتِ النَّاقَةُ أُصِيبَتْ قَبْلَهَا فَكَانَتْ تَكُونُ فِيهِمْ وَكَانُوا يَجِيئُونَ بِالنَّعَمِ إِلَيْهِمْ.
فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ فَأَتَتِ الإِبِلَ فَجَعَلَتْ كُلَّمَا أَتَتْ بَعِيرًا رَغَا حَتَّى أَتَتْ تِلْكَ النَّاقَةَ فَشَنَقَتْهَا فَلَمْ تَرْغُ وَهِىَ نَاقَةٌ هَدِرَةٌ فَقَعْدَتْ فِى عَجُزِهَا ثُمَّ صَاحَتْ بِهَا فَانْطَلَقَتْ فَطُلِبَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا .
فَجَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا إِنِ اللَّهُ أَنْجَاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا.
فَلَمَّا قَدِمَتْ عَرَفُوا النَّاقَةَ فَقَالُوا نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم.
فَقَالَتْ إِنَّهَا قَدْ جَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا إِنْ أَنْجَاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا قَالُوا لاَ وَاللَّهِ لاَ تَنْحَرِيهَا حَتَّى نُؤْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ فُلاَنَةَ قَدْ جَاءَتْ عَلَى نَاقَتِكَ.
وَإِنَّهَا جَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا إِنْ أَنْجَاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- : سُبْحَانَ اللَّهِ بِئْسَمَا جَزَتْهَا إِنِ اللَّهُ أَنْجَاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ الْعَبْدُ)( ).
لقد كان نذر عبد المطلب وفق الشريعة الإسلامية نذر معصية , فأن نعمة الله عز وجل بالأولاد لا تقابل إلا بالشكر له سبحانه , قال تعالى [لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ]( ).
وهذا النذر لم يتنجز مصداقه الواقعي لتحقق الفداء , لبيان معجزة في ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونجاة والده قبل زواجه من آمنة بنت وهب وإزالة العوائق التي تحول دون ولادته .
وقد انقرض ببركة بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذا النذر بذبح الولد , أو بهدم دار أو بتلف بعض الأموال .
لقد جمع عبد المطلب أبناءه العشرة وأخبرهم بنذره , وتحقق ما سأله , ووجوبه فاستجابوا له بأن رزقه الله عز وجل عشرة أولاد صاروا يمنعونه من قريش , ودعاهم إلى الوفاء لله عز وجل بالنذر , واستجابوا له وقالوا له : كيف نصنع كي يتحقق وفاؤك بالنذر .
قال : يأخذ كل رجل منكم قدحاً , ثم يكتب فيه اسمه ثم ائتوني بأقداحكم , ففعلوا ما قال لهم , فدخل إلى الصنم هبل , وهو كان أكبر أصنام الكعبة ومنصوب على بئر في جوف الكعبة , ويجمع في تلك البئر ما يهدى إلى الكعبة وكان عند هبل أقداح وهي نوع القرعة وعليها قيّم يسمى صاحب الأقداح الذي يقوم بضربها ليخرج أحدها .
ولا أصل لهذه القرعة في كثير من المسائل التي يلجأون فيها إلى القرعة ,إنما القرعة في الأمر المشكك , فإذا أرادوا أن يزوّجوا شخصاً أو جاء خاطب لابنتهم , أو أرادوا ختان غلام , أو يدفنوا ميتاً , أو أرادوا سفراً , أو شكوا في نسب شخص , ذهب إلى هبل وقدموا بين أيديهم مائة درهم وجزوا.
(فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون، ثم قالوا: يا إلهنا، هذا ابن فلان، قد أردنا به كذا وكذا، فأخرج الحق فيه؛ ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب، فيضرب)( ) فيعملون بما يخرج من القداح , وقد يكون القدح الذي يخرج فارغاً فيعيدون الكرة , أو يخرج لإرجاء كعام فينصرفون ثم يرجعون إلى صاحب القداح بعد عام , وأزال الإسلام هذه القرعة , وهدم هبل , وليس الخيرة مثله إنما هي تفاؤل.
وتوجه إلى الله عز وجل بالسؤال للإرجاء لإهتداء لما هو أقوم وطلب الخيرة منه سبحانه .
و(عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمر كما يعلمنا السورة من القرآن . يقول : إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة .
ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب .
اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ، ومعاشي ، وعاقبة أمري ، وعاجل أمري وآجله ، فاقدره لي ، ويسره لي . وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ، ومعاشي ، وعاقبة أمري ، وعاجل أمري وآجله ، فاصرفه عني ، واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، وأرضني به . ويسمى حاجته باسمها) ( ).
وجاء عبد المطلب إلى صاحب القداح , وأخبره بنذره وأعطاه القداح العشرة , وقال اضرب بها , وقام عبد المطلب في جوف الكعبة يدعو الله عز وجل .
فأخذه عبد المطلب وبيده الشفرة ليذبحه عند الصنمين إساف ونائلة , حيث تنحر قريش عندهما الذبائح , وكانت قريش تجتمع عند البيت وحول الكعبة , كما أن بيوتهم ليست بعيدة عنه , ولا يفصل بينها وبين البيت إلا المطاف , وحينما اسكن قصي بن كلاب جد النبي قريشاً حول البيت جعل طرقاً بين البيوت توصل إلى الكعبة بيسر .
فقامت قريش أنديتها , وتناجوا وحضروا من بيوتهم , وقالوا لعبد المطلب : ماذا تريد أن تفعل ؟
قال : أذبحه , فقالت : قريش والله لا تذبحه ابداً حتى تغدر فيه وانضم إليهم أبناء عبد المطلب التسعة , أي أنهم لم يمنعوه من الأصل من الوفاء بنذره , ولكنهم قالوا أبحث عن وسائل وبدائل للنذر , وعند عدم توفر البدائل لك أن تذبحه , بينما الإسلام يحرم هذا النذر من الأصل .
ثم بينت قريش علة المنع بالقول (لئن فعلت هذا، لا يزال الرجل يأتي بإبنه حتى يذبحه، فما بقاء الناس على هذا) ( ).
أي أنهم منعوا ذبح عبد الله , ومن صيرورة هذا الذبح سنة من بعد عبد المطلب , ولم يكن عبد الله قد تزوج , ولم يولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
و (روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أنا ابن الذبيحين)( ) أعني به إسماعيل عليه السلام وعبد الله.
وقال قوم: إن جد المصطفى عليه السلام هو إسحاق لا إسماعيل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله ذكر أنسابه إلى معد بن عدنان ووقف، وقال عليه السلام: كذب النسابون بعد ذلك.
ولكن إسماعيل بن إبراهيم هو جد النبي صلى الله عليه وآله، وهو الذي أعان إبراهيم عليه السلام على بناء الكعبة، قال الله تعالى (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل – إلى قوله – ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك)( ) إلى آخر الآية.
وقيل: إن عبد المطلب لما حفر زمزم قال: إن سهل الله علي حفر زمزم علي ذبح أحد أولادي، فخرج السهم على عبد الله، فمنعه أخواله وقالوا: أفد ابنك بمائة من الإبل، وفي ذلك روايات مختلفة، والله أعلم) ( ).
وبين الخبر أعلاه أن موضوع النذر هو حفر بئر زمزم , ولكن المشهور والمختار هو نذر عبد المطلب بكثرة الأولاد ويكونوا عشرة ليكونوا عزاً له , وسبباً لمنع قريش من التعدي عليه , أو انتزاع بعض حقوقه , وشأنه , وفيه معجزة وهي أن أولاد عبد المطلب هؤلاء صاروا وابناءهم وأحفادهم واقية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , ومانعاً من إضرار قريش به عند قيامه بتبليغ رسالته.
لقد حذرت قريش عبد المطلب من أن يسّن سنة سيئة بين الناس بوأد الولد الذكر , إلى جانب عادة وأد البنات التي كانت شائعة في الجزيرة , ويدل عليه قوله تعالى [وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ]( ).
(فقال له المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم – وكان عبد الله ابن أخت القوم – والله لا تذبحه أبداً حتى تعذر فيه؛ فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه) ( ).
ثم افترضت قريش على عبد المطلب أن ينطلق بابنه عبد الله إلى الحجاز فإن به عرافة لها تابع أي تابع من الجن ويسألها وايدّ أولاد عبد المطلب هذا القول بأن يسألها عبد المطلب , ولكنهم قالوا له إن أمرتك بذبحه فاذبحه , وإن أمرتك بأمر لك وله فيه فرج فاقبله , وهذا أيضاً خطأ وضلالة من جهات :
الأولى : الذهاب إلى العرافة وقد جاء الإسلام بحرمته , قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (من أتى عرافًا أو كاهنًا، فقد كفر بما أنزل على محمد)( ).
وتحرم العرافة والكهانة والعيافة والزجر والطرق , وكل ما يلحق بالكهانة وإدعاء علم الغيب , وعلى حرمتها إجماع علماء الإسلام .
الثاني : حرمة أصل مثل هذا النذر , وهو قتل الولد .
الثالث : تعليق عدم ذبح عبد الله على فرج ومخرج من قبل العرافة .
الرابع : قطع المسافة وتحمل الأخطار , لسؤال العرّافة ودفع المال لها .
وفيه شاهد على حاجة الناس لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لتأتي هذه البعثة عن طريق نجاة أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الذبح بنذر باطل .
فالأولاد العشرة لعبد المطلب رزق كريم من الله عز وجل , وذبح أحدهم نوع جحود بهذه النعمة , وانطلق عبد المطلب وابنه عبد الله وجماعة معه حتى وصلوا إلى يثرب المدينة , فوجدوا العرافة قد ذهبت إلى خيبر , واسم (العرافة سجاح فيما ذكره يونس بن بكير عن ابن اسحاق)( ).
فركبوا إبلهم وتوجهوا إليها وقصوا عليها أمر النذر ومنع قريش ذبح عبد الله .
ولم تعلم هذه العرّافة أن هذا الذبيح سيكون له ولد يأتي يثرب مهاجراً ويقيم دولة العدل والإنصاف , ويحرم ذات صنعة العرافة ويحاسب عليها , وفي التنزيل [وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ] ( ).
(فقالت لهم : ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله . فرجعوا من عندها فلما خرجوا عنها قام عبدالمطلب يدعو الله ثم غدوا عليها فقالت لهم : قد جاءني الخبر كم الدية فيكم ؟ قالوا : عشر من الإبل وكانت كذلك .
قالت : فارجعوا إلى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقربوا عشرا من الإبل ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه , فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم) ( ).
فخرجوا من العرافة , وتوجهوا صوب مكة مستبشرين وذاع صيت إجابة العرافة , ورضوا به كمخرج من هذا النذر , ثم جاءوا إلى البيت الحرام , وإلى صاحب الأقداح فقربوا عبد الله وعشراً من الإبل .
ولجأ عبد المطلب إلى الدعاء , وسؤال الله عز وجل في البيت الحرام عند الصنم هبل.
ثم ضرب صاحب الأقداح بالقرعة فخرج القدح على عبد الله , ثم كرروا الضرب فيخرج على عبد الله إلى أن بلغت الإبل مائة .
ثم ضربوا الأقداح فخرج القدح على الإبل , فذهب رجال من قريش إلى عبد المطلب وهو قائم يدعو الله عز وجل وقالوا له : قد انتهى , رضي ربك يا عبد المطلب.
(فنحرت الإبل ثم تركت لا يصد عنها انسان ولا يمنع قال ابن هشام ويقال ولا سبع.
وقد روى أنه لما بلغت الإبل مائة خرج على عبد الله أيضا فزادوا مائة أخرى حتى بلغت مائتين فخرج القدح على عبد الله فزادوا مائة أخرى فصارت الإبل ثلاثمائة ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل فنحرها عند ذلك عبدالمطلب والصحيح الأول والله أعلم) ( ).
و (عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن ابن عباس سألته امرأة أنها نذرت ذبح ولدها عند الكعبة فأمرها بذبح مائة من الإبل وذكر لها هذه القصة عن عبد المطلب وسألت عبد الله بن عمر فلم يفتها بشيء بل توقف)( ).
ولا أصل لهذا القول عن ابن عباس وابن عمر , فالعلم بحرمة وبطلان هذا النذر جلي وواضح لأي مسلم ومسلمة .
هل في القرآن كلمات غير عربية
قال تعالى [قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ] ( ).
القرآن عربي بألفاظه وكلماته وحكمه , وهو معجزة في أساليبه وذخائره .
ويقال أن من غير العربي فيه أسماء بعض الأعلام مثل إسرائيل , وعمران , ونوح , وفيه وجهان :
الأول : وجود كلمات أعجمية قليلة في القرآن , ولا تخرجه عن عربيته, ولا يتعارض مع كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتكلم بلسان قومه.
قال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ]( ).
وقيل أن الكلمات الأعجمية في القرآن أخذت من لغات :
الأولى : الفارسية .
الثانية : السريانية .
الثالثة : العبرية .
الرابعة : اليونانية .
الخامسة : الحبشية , وغيرها .
ومن هذه الكلمات التي قيل إنها أعجمية :
الأولى : أباريق , كما في قوله تعالى [بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ] ( ) ولم يرد لفظ أباريق في القرآن إلا في الآية أعلاه .
الثانية : استبرق , وورد هذا اللفظ في القرآن أربع مرات وكلها بخصوص أهل الجنة ، ثلاثة منها في لباس أهل الجنة , والرابعة في فراشهم.
والإستبرق نوع من الحرير السميك (وقال ابن دريد في الجمهرة : باب ما تكلَّمتْ به العرب من كلام العجم حتى صار كاللّغز، وفي نسخة حتى صار كاللغة: فمما أخذوه من الفارسية: البُستان والبَهْرمان وهو لونٌ أحمر، وكذلك الأُرْجُوان، والقِرْمز وهو دود يُصْبَغ به. والدَّشت وهي الصحراء. والبُوصيّ: السفينة. والأرَنْدَج: الجلود التي تُدْبغ بالعَفْص. والرَّهْوَج: الهِمْلاج وأصله رهوار، والقَيْرَوان: الجماعةُ، وأصله كاروان، والمُهْرَق، وهي: خِرَق كانت تصقلُ ويكتبُ فيها وتفسيرها مُهر كَرْدأي صقلت بالخرز. والكرد وهي العُنُق.
والبَهْرج، وهو: الباطل. والبِلاَس، وهو المِسْحُ. والسَّرَقُ، وهو ضَرْبٌ من الحرير. والسرَاويل .
والعِراق ,قال الأصمعي. وأصلُها بالفارسية إِرانْ شَهْر، أي البلد الخراب فعرّبوها فقالوا: العراق. ولا دليل على هذا الأصل خاصة أنه كان يسمى أرض السواد , وبلاد النهرين , وهو مطمع كل ملك .
والخَوَرْنقَ وأصلُه خرانكه أي موضع الشرب. والسَّدير وأصله سِدِلّي أي ثلاث قباب بعضُها في بعض. والطَّيْجَن والطَّاجن وأصله طابق. والباريّ، وأصله: بورياء. والخَنْدَق وأصله كَنْدَه أي محفور.
والجَوْسَق وأصله كوشك. والجَرْدق من الخبز وأصله كرْدَه. والطّسْت والتَّوْر والهاون، والعرب تقول الهاوون إذا اضطرّوا إلى ذلك. والعسكر وأصله لشكر. والإسْتَبرَق. غليظُ الحرير. وأصلُه اسْتَرْوَه. والتَّنّور، والجَوْز، واللَّوز، والمَوْزَج: الخفّ، وأصله موزه. والخَوْر، وهو: الخليج من البَحر. ودَخاريص القميص. والبطّ للطائر المعروف. والأشْنان، والتَّخْت. والإيوان، والمَرْتَك.
ومن الأسماء: قابوس، وأصله كاَؤوس، وبسْطام وأصله أوستام وزاد في الصحاح: الدُّولاب والمِيزاب، قال: وقد عُرِّب بالهَمْز. والبَخْتُ بمعنى الجَدِّ، قال: والبُخْت من الإبل معرّب أيضاً، وبعضهم يقول: هو عربيّ. والتُّوتِياء، ودُرُوز الثوب، والدِّهَلِيز وهو ما بين الباب والدّار، والطِّراز، وإفرِيز الحائط، والقزّ من الإبريْسم، لكن قال في الجمهرة: إنه عربي معروف.
والبَوْس بمعنى التَّقْبيل، والزئبق، والباشَق، وجُلَّسَان، وهو الورد معرب كُلَّشَان، والجاموس، والطَّيْلَسَان والمِغْنَطيس، والكِرْباس، والمارَسْتان، والدَّوْرق: مِكْيال الشراب، والصَّكّ: الكتاب، وصَنْجَة الميزان، والصَّنْج، والصَّاروج ، وهي : النُّورة. والصَّوْلجان، والكَوْسَج، ونَوَافِج المِسْك، والهِمْلاَج من البَرَاذِين. والفَرْسَخ، والبَند، وهو: العلم الكَبير.
والزُّمُرُّد، والطَّبَرْزَذ، والآجر، والجوهر، والسِّفْسِير، وهو: السِّمْسَار، والسُّكَّر، والطُّنْبُور، والكَبَر، وزاد في المحكم: الزِّرْنيخ.
قال ابن دريد: ومما أَخَذُوه من الرومية: قَوْمس وهو: الأمير، والإسْفَنْط وهو ضَرْب من الخمر، وكذا الخَنْدَريس، والنُّمِّيُّ: الفَلس، والقُمْقُم والخَوْخ، والدُّراقِن رومي، أو سرياني.
ومن الأسماء: مارية، ورُومانِس، وزاد الأندلسي في المقصور والممدود: المَصْطَكاء.
قال ابن دُريد: ومما أخذوه من السُّرْيانية: التّأْمُور وهو موضع السرّ، والدَّرْبخة. الإصغاء إلى الشيء، أحسبها سريانية، وزاد الأندلسي: البَرنْساء والبَرْناساء بمعنى الخَلْق، وقال: تفسيره بالسريانية ابن الإنسان.
قال ابن دريد: ومن الأسماء: شُرَحْبيل، وشَراحيل، وعَادِياء.
قال: ومما أخذوه من النبطية المِرْعِزّى والمِرْعَزاء وأصله مريزي. والصِّيق: الغُبَارُ وأصله زيقا. والجُدَّاد: الخيوط المعقّدة، وأصله كداد. انتهى.
ومما أخذوه من الحبشية : الهَرْج: وهو القتل.
ومما أخذوه من الهندية : الإهْلِيلَجُ.
فصل في المعرّب الذي له اسمٌ في لغة العرب
في الغريب المصنف: إن الإبريق في لغة العرب يسمى التَّأمورَة، وفي الجمهرة: البطّ عند العرب صِغاره وكباره إوَز الواحدة إوَزة) ( ).
الثالثة :الإنجيل , توراة , زنجبيل , سجيل , طاغوت , فرعون , عدن, فردوس , ماعون , مشكاة .
الثاني : إرادة التداخل والتلاقح بين اللغات فمثلاَ اللغة الفارسية والتركية تقتبس كثيراَ من الكلمات العربية , ولم يؤثر هذا في كل منها .
ثم أن اللغة العبرية هي لغة كنعان , وكان يتكلم بها أهل فلسطين وعرب كنعان .
والأصل في اللغات تعليم الله عز وجل لآدم الأسماء ، قال سبحانه [وَعلم آدم الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ] ( ).
(عن ابن عمر قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق فقال : أيها الناس إن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ، أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم) ( ).
لقد لاقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الأذى من المشركين وسعوا إلى التشكيك بالقرآن وقالوا بزعمهم متحدين إياه: أليس هذا القرآن بلسان عربي مبين كما تقول؟! إنك تقول: تستهزئ, بينما العرب تقول: تهزأ, كذلك فإنك تقول: قسورة .
والعرب تقول: أسد, وغضنفر, وأبو الحارث, وأسامة, وإلى آخر أسماء الأسد, كما أنك تقول: كُبَّارًا, بينما العرب تقول: كبيرًا, وتقول: عُجاب, والعرب تقول: عجيب.
وبعد هذه الاتهامات دخل عليهم المجلس أحد شيوخ الأعراب – أهل البادية – الأقحاح, وكان قد تجاوزت سِنُّه التسعين, فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فرِح وسعد لذلك, وضحك صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدَت نواجذه.
فظن الشيخ الأعرابي أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضحك عليه لكبر سِنِّه, وانحناء ظهره؛ فقال الأعرابي: (أتستهزئ بي يا ابن قسورة العرب؛ لأني رجلٌ كبَّار؟! إنَّ هذا لشيء عُجاب [وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا] ( ).
وعديدة هي الكلمات التي قيل أنها أعجمية ، ولكن عند التحقيق يتبين أنها عربية فمثلاً (قسورة) في قوله تعالى [فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ] ( ) ورد في التفسير (من قسورة أي أسد ويقال رماة وقسورة فعولهة من القسر وهو القهر) ( )( ).
والطاغوت كلمة عربية اشتقاقها من الطغيان وهو مجاوزة الحد ، ووزنه فاعوت ، وهل كل ما عبد من دون الله خشية منه أو تزلفاً إليه ومن الطاغوت الشيطان والأصنام والكاهن والساحر (عن وهب بن منبه قال : سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها؟
قال : إن في جهينة واحداً ، وفي أسلم واحداً ، وفي هلال واحداً ، وفي كل حي واحداً ، وهم كهان تنزل عليهم الشياطين) ( ).
ومن خصائص الطواغيت اشعال الحروب والإستيلاء بالقهر على القرى والأمصار ، واستضعاف الناس ، فجاء الإسلام بالحرب عليهم ، واستئصال الطغيان ، وفيه منع من تجدد الغزو والقتل بغير حق .
وفي حجة الوداع ورد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس فقال : ( أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات ورجب مضر حرام ، إلا وإن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا .
وأخرج أحمد والباوردي وابن مردويه عن أبي حمزة الرقاشي عن عمه – وكانت له صحبة – قال : كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أوسط أيام التشريق أذود الناس عنه فقال : يا أيها الناس ، هل تدرون في أي شهر أنتم ، وفي أي يوم أنتم ، وفي أي بلد أنتم؟
قالوا : في يوم حرام ، وشهر حرام ، وبلد حرام ، قال : فإن دماءكم وأموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه .
ثم قال : اسمعوا مني تعيشوا ، ألا لا تتظالموا ألا لا تتظالموا ، إنه لا يحل مال امرىء إلا بطيب نفس منه ، ألا أن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة ، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتله هذيل .
ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع ، وإن الله قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب ، [لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ] ( ) .
ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، ألا و(إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السموات والأرض ، منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ( ) ، ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض .
إلا إن الشيطان قد آيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكنه في التحريش بينهم .
واتقوا الله في النساء فانهن عوان عندكم لا يملكن لأنفسهن شيئاً ، وإن لهن عليكم حقاً ، ولكم عليهن حقاً أن لا يوطئن فرشكم أحداً غيركم ، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه ، [وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ] ( ) ضرباً غير مبرح ، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وبسط يديه .
وقال : اللهمَّ قد بلغت ألا هل بلغت ، ثم قال : ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رُبَّ مبلغ أسعد من سامع) ( ).
(عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، تلا { قرآناً عربياً}( ).
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ألهم إسماعيل هذا اللسان العربي إلهاماً) ( ).
عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي) ( ) والحديث ضعيف سنداً.
ويقسم علماء الإنساب العرب إلى أقسام :
الأول : العرب البائدة ، وهم الأجيال التي انقرضت من العرب القدامى مثل عاد وثمود ، وطسم وجديس ، وحضرموت .
$$(من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : لما أوحى الله إلى العقيم أن تخرج على قوم عاد فتنتقم له منهم ، فخرجت بغير كيل على قدر منخر ثور حتى رجفت الأرض ما بين المشرق والمغرب ، فقال الخزان : رب لن نطيقها ولو خرجت على حالها لأهلكت ما بين مشارق الأرض ومغاربها ، فأوحى الله إليها : أن ارجعي . فرجعت فخرجت على قدر خرق الخاتم وهي الحقلة ، فأوحى الله إلى هود : أن يعتزل بمن معه من المؤمنين في حظيرة ، فاعتزلوا وخطَّ عليهم خطاً ، وأقبلت الريح فكانت لا تدخل حظيرة هود ولا تجاوز الخط ، وإنما يدخل عليهم منها بقدر ما تلذ به أنفسهم وتلين عليه الجلود ، وإنها لَتَمَرُّ من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة) ( ).##
وقال تعالى [فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ] ( ) أي الذين كذبوا بالرسالات وأمتنعوا عن أداء الفرائض والعبادات .
ونزلت الآيات ببيان منافع السفر بالتدبر في الخلق [قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( ) .
لبيان قانون وهو أن الله عز وجل يقرب الناس إلى التدبر في الخلق عند السفر وإنكشافهم في البيداء ، وجاء السفر في الطائرة والسفن لبيان عظمة مخلوقات الله عز وجل .
الثاني : العرب العاربة ، وهم من سلالة يشجب بن يعرب بن قحطان، ويسمون أيضاً العرب القحطانية .
الثالث : العرب المستعربة ، وهم المنحدرون من صلب إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، ويسمون العرب العدنانية ، ومنهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال ابن الرومي:
(وكم أبٍ عَلا بابنٍ ذُرا حسَبٍ … كما علتْ برسولِ اللهِ عدنانُ) ( ).
ولو تردد الأمر بين الإتحاد والتشابه بين اللغة التي علم الله تعالى بها الاسماء وبين لغة أهل الجنة , فالظاهر هو .
والمختار هو التساوي.
وفيه دعوة للمسلمين والمسلمات ان يحبوا العرب , وأن يعتني العرب والمسلمون جميعاً باللغة العربية لأنها لغة القرآن وعلومها دليل على إعجازه .
وتتجلى هذه العناية بتلاوة آيات القرآن كل يوم , بذات لغة التنزيل , وهل من حب العرب القول بأن القرآن خال من الكلمات الأعجمية الجواب لا , إنما هذا مبحث علمي .
وعودة هذه الكلمات للغة العربية من عمومات قوله تعالى [وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا]( ).
لبيان فضل القرآن على العربية أمور :
الأول : عودة كلمات منها ذهبت إلى اللغات الأخرى .
الثاني : تثبيت الكلام العربي وعدم تشتيته .
الثالث : منع العامية ولغات غير العرب الذين دخلوا الإسلام من الغلبة عليه والسريانية عند علماء اللغة شقيقة اللغة العربية ضمن اللغات السامية .
وتتداخل الكلمات خاصة بين الشعوب المتجاورة , وكأن الناس أهل رعي , وهل أثرت تجارة قريش في اقتباس العرب من اللغات الأخرى .
واقتباس العرب منهم , قال تعالى [لِإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ] ( ). الجواب لا مانع منه , ولكن يحتاج إلى دليل , ثم أن قريشاَ ليس كل العرب , فقد كان لكل قبيلة كلمات مخصوصة تنفرد بها . هناك كلمات أعجمية في القرآن ولكن العرب استعملتها بما يتماشى مع لغتها من النقص من حروفها , وتخفيف ثقل العجمة , وأدخلتها في أشعارها . وعن ابن عباس هناك كلمات أعجمية في القرآن مثل الطور , جبل بالسريانية , ( طفقا : أي قصدا بالعربية , القسطاس , القسط , العدل بالرومية , إنا هدنا إليك) إليك بالعبرانية القسورة , الأسد بلغة الحبشة . وقيل [وَعلم آدم الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ] ( ). أي علم آدم النفس وقبل أن يخلق جسده والمختار أن الله عز وجل علّم آدم وهو جسد وروح , لقد نزل القرآن ليتحدى العرب ببلاغتهم , ولو كانت فيه كلمات أعجمية فلا يضر في تحديه هذا ، وهو بشارة دخول هذه الأمم الإسلام . إنما وردت كلمات توافقت مع لغات أخرى , أو أنها كانت عند العرب وأخذتها الأمم الأخرى , ثم عادت الأجيال اللاحقة من العرب للتلفظ بها , وقد يتجلى مع التحقيق أن استعمال الأمم الأخرى تلك الالفاظ بغير معناها المذكور لها في القرآن , وهذا أمر يحتاج إلى دراسات لغوية وتأريخية . وقال جمع من العلماء بخلو القرآن من أي كلمة غير عربية . و(وقال أبو عبيدة : إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين , فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول ) ( ). واحتج بقوله تعالى [إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ] ( ). ونسب القول بوقوع وجود كلمات أعجمية في القرآن إلى الفقهاء ومنعه أهل اللغة العربية. وهناك نوع ملازمة يومية بين القرآن واللغة العربية , ولا تنفك هذه الملازمة إلى يوم القيامة , وتحتمل من جهة الفضل وجوهاَ : الأول : القرآن له فضل على العربية , والعربية لها فضل على القرآن من غير أن يلزم الدور بينهما . الثاني : القرآن له فضل على العربية وليس للعربية فضل على القرآن . الثالث : العربية لها فضل على القرآن , دون العكس . الرابع : ليس للقرآن فضل على العربية , ولا العربية لها فضل على القرآن . والصحيح هو الثاني أعلاه فقد منع القرآن من الضياع وتلاشي اللغة العربية خاصة بعد استيلاء الدول الكبرى على عدد من بلاد العرب كاليمن واتباع قبائل كثيرة منهم لملك الروم وفارس , وتشتت العرب , وكثرة الحروب بينهم , وهجرة القبائل من ديارها واستجارتها بملوك الزمان . وهل كان هلاك أبرهة وجيشه من أسباب حفظ العربية ومقدمات نزول القرآن بذات اللغة ، الجواب نعم , وهو من عمومات قوله تعالى [لِإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ] ( ) إذ تتآلف قريش باتحاد اللغة العربية ويعلمون إعجاز القرآن بتجلي الإرتقاء وكثرة الخزائن في آياته , خاصة عند مقارنتها يبالشعر والنثر العربي .
ومن معاني قوله تعالى [فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ] ( ) صدق العبادة لله عز وجل بتلاوة القرآن والتدبر في آياته , وقد قام إبراهيم عليه السلام بالدعاء للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته كما ورد في التنزيل [رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ]( ).
وهل كان بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت الحرام حفظ للعربية ومقدمة لعربية القرآن ، ودعا إبراهيم الناس للحج بأمر من عند الله عز وجل [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ] ( ).
وفي تجدد أداء مناسك الحج كل سنة رضا وغبطة وسكينة بأداءالعبادات وعزوف عن الغزو .
وحضور مواطن الحج مناسبة لإتحاد لغة أهل الموسم , وكانت أسواق مكة أيام الحج تتصف بقراءة القصائد الشعرية الرصينة , وقيام الخطباء بإلقاء قصائدهم , وكله من مقدمات حفظ العربية ومن هذه الأسواق :
الأول : سوق عكاظ .
الثاني : سوق المجنة .
الثالث : سوق ذي المجاز .
ترى ما هي الصلة بين مقدمات حفظ العربية وفضل القرآن , الجواب أن بركة القرآن في حفظ العربية قبل نزوله وأثناء نزوله وبعد نزوله , وهو من مصاديق قوله تعالى [وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ] ( ).
ليكون من معاني (ذكر) وتسمية القرآن بالذكر على نحو التعيين في الآية أعلاه إتصال بركة القرآن في أفراد الزمان الطولية , وتترشح عن هذه التسمية مسألة حفظ اللغة العربية في هذه الأفراد لأنها لغة القرآن .
وقد تفضل الله عز وجل ودافع عن عربية القرآن , وقال تعالى [وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ] ( ).
والمراد من الأعجمي هنا اللغة غير العربية كالفارسية واللاتينية والعبرية, ولو أنزل بأحدى اللغات غير العربية لقالوا كيف يصح أن يكون القرآن أعجميا والرسول عربياً ولقالوا لو جاء القرآن بلغات متعددة لغة عربية ولغة غير عربية , ولكن الله عز وجل أنعم عليهم بأكثر مما كانوا يرغبون .
وهل في الآية أعلاه ثناء على المسلمين من غير العرب , الجواب نعم .
إذ تلقوا القرآن وعربيته بالقبول والرضا , وتعاهد رسم حروفه وكلماته , لذا أخبرت الآية أعلاه بأن النفع العظيم للقرآن يخص الذين آمنوا بالله عز وجل والقرآن بلغته العربية .
ومن فضل الله عز وجل أن كثيراَ من علماء اللغة والنحو والتفسير من غير العرب منهم :
الأول : سيبويه , عمرو بن عثمان بن قنبر , وهو فارسي الأصل , مولى بني الحارث بن كعب توفى سنة 180 هجرية , وعمره أربعون سنة ونيف , وقيل مات وعمره (32) سنة , ومعنى سيبويه : رائحة التفاح .
ويسمى كتابه (الكتاب) ولكن هذه التسمية إذا اطلقت يراد منها القرآن , والمختار أن سيبويه لم يسم كتابه بهذا الاسم .
ونقل عن (أبي عثمان المازنيّ اسمه بكر بن محمد.
كتب أبو غسان رفيع إليه بأبيات، فقال: ما سألني فيتعبني، ويقال: فيعييني.
والأبيات:
تَفكَّرْتُ في النَّحْوِ حتَّى ضَجِرْتُ … وأتْعَبْتُ نَفْسِي له والْبَدَنْ
وأتْعَبْتُ بَكْراً وأشْيَاعَهُ … بطُولِ الْمَسَائِلِ في كُلِّ فَنّ
خَلاَ أنَّ باباً عليه العفا … ءُ للفاء يا ليته لم يَكُنْ
ولِلْواوِ بَابٌ إلى جَنْبِهِ … مِن المَقْتِ أحْسَبُه قد لُعِنْ
أجَبْت لما قِيلَ هذا كذا … على النَّصْبِ قالوا بإِضْمارِ أنْ
أدرك أبا الحسن الأخفش، وقرأ عليه أكثر ” الكتاب ” ، وكمله على الجرمي.
ويقال: إنه تحرف من حمله في كمه مرات، وكان يعظم شأنه.
ويُروى أنه قال؛ من أراد أن يعمل كتاباً كبيراً في النحو بعد سيبويه فليستحي) ( ).
ولم يثبت القول عن المازني إنما هي رواية وحتى على فرض ثبوتها , فهو رأي شخصي ، والقدر المتيقن منه أنه ينصرف إلى أقرانه والنحويين الذين من حوله .
قانون إكرام القرآن والسنة للمرأة .
لقد جاء القرآن باكرام المرأة إبتداء في إخباره عن حياة حواء وهي وآدم مع الملائكة في الجنة ، وحيث أن الملائكة لا يأكلون إنما غذاؤهم التسبيح فقد رأوا كيف أن آدم وحواء يأكلون من ثمار الجنة ، وعندما أغواهما إبليس بالأكل من الشجرة التي حرّمها الله عليهما أمر الله بأن يهبط ومعهما إبليس إلى الأرض .
وهذا الهبوط مقدمة لعلة خلق الناس ، ليدل قوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) على عجز إبليس عن قهر الإنسان أو الإستحواذ عليه ، وورد حكاية عن إبليس في التنزيل [وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ] ( ) .
وليس من ملة ونبوة أكرمت المرأة مثل نبوة وسنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونقترح تخصيص مجلدات خاصة بعنوان إكرام القرآن والسنة للمرأة .
وحكي عن ارسطو طاليس أنه قال : أن المرأة للرجل كالعبد للسيد ، والعامل للعالم، والبربري لليوناني .
وحكي عن سقراط أنه قال : إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة في العالم ،وإن المرأة تشبه شجرة مسمومة .
وبقيت المرأة تعاني الإضطهاد عند بعض الشعوب حتى قبل قرنين من الزمان .
وقد أكرم الله عز وجل المرأة في الإسلام بأحكام التكاليف والأسرة وانصاف المرأة بالميراث , و(عن أنس بن مالك قال : قال النبي {صلى الله عليه وآله وسلم} الجنة تحت أقدام الأمهات) ( ) وبدأ بها كوالدة , قال تعالى [وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا]( ).
فإن قيل لم يذكر من النساء في القرآن إلا اسم مريم بنت عمران.
والجواب هذا صحيح وفيه شاهد على ثناء الله عز وجل العفة والطاهرة وتقوى المرأة .
كما ذكرت نساء عديدات بلحاظ الصفات , فذكرت حواء بصفتها امرأة آدم عليه السلام وانها سكنت الجنة لبيان مسألة وهي أن سكن الجنة لم ينحصر بالرجل كما ذكرت امرأة فرعون لبيان الإيمان والثبات على التوحيد وسط النعم التي يوفرها الطاغوت , ورضاها بهجرانها وتلقي العذاب دون التخلي عن الإقرار بالربوبية لله وحده , وعدم الشرك به .
ومن غير أن تكيد هذه المرأة المؤمنة لفرعون في يقظته أو منامه , و(عن القاسم بن أبي برزة قال : جمع فرعون سبعين ألف ساحر،فألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا حتى جعل موسى يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوحى الله سبحانه أن ألق عصاك، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فاغر فاه،فابتلع حبالهم وعصيّهم وأُلقي السحرة عند ذلك سجداً فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار ورأوا ثواب أهلها،عند ذلك قالوا {لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ}( ) يعنى الجنة والنار وما رأوا من ثوابهم ودرجاتهم.
قال : وكانت امرأة فرعون تسأل : من غلب؟
فيقال : غلب موسى.
فتقول : آمنت برب موسى وهارون، فأرسل إليها فرعون فقال : انظروا أعظم صخرة تجدونها فأتوها فإنْ هي رجعت عن قولها فهي امرأته، وإنْ هي مضت على قولها فألقوا عليها الصخرة، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأريت بيتها في الجنة فمضت على قولها وانتزعت روحها، والقيت على جسد لا روح فيه) ( ).
كما ذكر القرآن امرأة عزيز مصر ومراودتها للنبي يوسف عليه السلام لبيان غلبة الشهوة وإرادة الفتنة , فمن إعجاز القرآن إنه لم يذكر مراودة امرأة لرجل من عامة الناس ,إنما ذكر يوسف النبي عليه السلام وهو تحت نير الرق لبيان الصبر والعصمة عن فعل السيئات .
وفيه انقاذ للذات والغير لأن فعل الفاحشة نوع مفاعلة , فإذا اجتنبه أحد الطرفين نجا الطرف الآخر أيضاً من إرتكاب ذات الفعل وبعصمة يوسف عليه السلام عن الفاحشة عصم الله أهل مصر من الهلكة والمجاعة العامة، وحافظ الملك على سلطانه لاتباعه نصائح يوسف ، كما ورد في التنزيل [قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ] ( ) لبيان قانون وهو إجتناب الشخص ذكراً أو أنثى الفاحشة سبب للرزق الكريم وصرف للبلاء .
وفيه بعث للتأسي بالنبي يوسف عليه السلام من قبل الرجال والنساء , قال تعالى [فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ] ( ).
ثم أن الآيات تبين قانوناً وهو أن الصبر عن الفاحشة سبب للرفعة في الدنيا والثواب في الآخرة , فمن الإعجاز أن يخرج النبي يوسف عليه السلام من السجن ويتبوأ منصب رئاسة الوزراء في مصر ، وهو غريب عن البلد وأهله .
وذكر القرآن بلقيس وهي ملكة سبأ وهي ترمز إلى السلطان والقوة والملك العام وحسن إدارتها وحكمتها .
وورد في (قوله تعالى : { إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُم }( ) حكاية عن الهدهد .
قال الحسن : هي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ ، وقال زهير بن محمد: هي بلقيس بنت شرحبيل بن مالك بن الديان وأمها فارعة الجنية ، وقيل ولدها أربعون ملكاً آخرهم شرحبيل . قال قتادة كان أولو مشورتها ثلاثمائة واثني عشر رجلاً كل رجل منهم على عشرة آلاف رجل) ( ).
قانون نبوة شيث
من إعجاز القرآن ورود أسماء ثمانية عشر نبياَ في أربع آيات متصلة بقوله تعالى [وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ* وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ]( ).
وأربعة من الأنبياء من العرب , كما ورد في حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم :
الأول : النبي هود عليه السلام .
الثاني : النبي صالح عليه السلام .
الثالث : النبي شعيب عليه السلام .
الرابع : النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وهود وصالح من العرب العاربة , وهما قبل زمان إبراهيم أما شعيب فمن بعد إبراهيم وقيل (إن اسم شعيب يثرون بن ضيعون بن عنقا بن ثابت بن مدين بن إبراهيم ، وقيل: هو شعيب بن ميكيل من ولد مدين، وقيل: لم يكن شعيب من ولد إبراهيم ، وإنما هو من ولد بعض من آمن بإبراهيم وهاجر معه الى الشام، ولكنه ابن بنت لوط، فجدّة شعيب ابنة لوط، وكان ضرير البصر، وهو معنى قوله تعالى: (وإنا لنراك فينا ضعيفاً) ( ) أي ضرير البصر) ( ).
وقد بعثه الله عز وجل إلى أهل مدين وهم أصحاب الأيكة أي الشجر الملتف لبيان ما عندهم من النعم ، وقد ذكر أصحاب الأيكة في القرآن أربع مرات ، قال تعالى [كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ] ( ).
ومن خصائص الأنبياء دعوة قومهم إلى التقوى ، وهو شاهد على عدم قيام الأنبياء بالغزو في دعوتهم وموضوعها ومقاصدها السامية ، وهل ذكر قصة شعيب في القرآن باعث على التقوى ، الجواب نعم ، قال تعالى [ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ] ( ).
ولم يرد لفظ [ذَلِكَ الْكِتَابُ] في القرآن إلا في الآية أعلاه لبيان علة ومنزلة القرآن وبقائه غضاً طرياً تحضر أحكامه في كل واقعة إلى يوم القيامة.
أما العرب المستعربة فهم من ولد إسماعيل .
واختلف في عدد الأنبياء الذين ذكروا بأسمائهم في القرآن على وجوه:
الأول : عدد الأنبياء هو خمسة وعشرون نبياً .
الثاني : عددهم ستة وعشرون نبياً .
الثالث : عددهم ثمانية وعشرون نبياً .
والمذكورون باسم العلم هم :
الأول : النبي آدم عليه السلام .
الثاني : النبي إدريس عليه السلام .
الثالث : النبي نوح عليه السلام .
الرابع : النبي هود عليه السلام .
الخامس : النبي صالح عليه السلام .
السادس : النبي إبراهيم عليه السلام .
السابع : النبي لوط عليه السلام .
الثامن : النبي إسماعيل عليه السلام .
التاسع : النبي إسحاق عليه السلام .
العاشر : النبي يعقوب عليه السلام .
الحادي عشر : النبي يوسف عليه السلام .
الثاني عشر : النبي أيوب عليه السلام .
الثالث عشر : النبي ذو الكفل عليه السلام .
الرابع عشر : النبي شعيب عليه السلام .
الخامس عشر : النبي موسى عليه السلام .
السادس عشر : النبي هارون عليه السلام .
السابع عشر : النبي داود عليه السلام .
الثامن عشر : النبي سليمان عليه السلام .
التاسع عشر : النبي عزير عليه السلام .
العشرون : النبي يونس عليه السلام .
الحادي والعشرون : النبي زكريا عليه السلام .
الثاني والعشرون : النبي يحيى عليه السلام .
الثالث والعشرون : النبي عيسى عليه السلام .
الرابع والعشرون : النبي إلياس عليه السلام .
الخامس والعشرون : النبي اليسع عليه السلام .
السادس والعشرون : النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
والإختلاف صغروي فيمن ليس بنبي , وهو في لقمان وذي القرنين , والخضر خلاف المختار أنهم ليسوا أنبياء , واشير إلى النبي شمويل أو سمويل بقوله تعالى [وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]( ).
و (قال وهب بن منبه : إنه لما قال الملأ من بني إسرائيل لسمويل بن بالي ما قالوا ، سأل الله تعالى أن يبعث لهم ملكاً ويدله عليه ، فقال الله تعالى له : انظر إلى القرن الذي فيه الدهن في بيتك ، فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن)( ).
وقيل أشير إلى النبي ارميا في القرآن بقوله تعالى [أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ) .
ولكن الذي مرّ على القرية نبى الله عزير , وعن الإمام علي عليه السلام في الآية أعلاه (قال : خرج عزير نبي الله من مدينته وهو شاب ، فمر على قرية خربة وهي خاوية على عروشها فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟
فأماته الله مائة عام ثم بعثه ، فأول ما خلق منه عيناه ، فجعل ينظر إلى عظامه وينظم بعضها إلى بعض ، ثم كسيت لحماً ، ثم نفخ فيه الروح فقيل له : كم لبثت؟
قال : لبثت يوماً أو بعض يوم . قال : بل لبثت مائة عام ، فأتى مدينته وقد ترك جاراً له اسكافاً شاباً ، فجاء وهو شيخ كبير)( ).
لقد أمدّ الله عز وجل بعمر جار للنبي عزير حتى تعدى المائة عام ليكون حجة وشاهداً على مدة بقاء عزير ميتاً , وليزداد يقيناً , فهو من مصايق قوله تعالى في خطاب إبراهيم[قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي] ( ) إلى جانب آيات أخرى إذ كان عزير يجلس مع بنيه وهم شيوخ وهو شاب إذ أنه مات وهو ابن أربعين سنة .
وذكر يوشع في القرآن بصفة فتى موسى عليه السلام بقوله تعالى [وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا] ( ).
وعن ابن عباس أن عزير بن سروخا هو الذي قال الله في كتابه [أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ).
نعم ورد عن وهب بن منبه , وعن عبيد بن عمير بأن [ َالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ] ( ) هو نبي اسمه ارميا .
والقرية في الآية أعلاه هي بيت المقدس بعد أن خربها بختنصر , وحينما بعث الله عز وجل عزيراً وجدها قد عمرت , وورد ذكر ارميا النبي في العهد القديم :
(الكلام الذي صار الى ارميا عن كل شعب يهوذا في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا هي السنة الاولى لنبوخذراصر ملك بابل الذي تكلم به ارميا النبي على كل شعب يهوذا و على كل سكان اورشليم قائلا) ( ).
وأول الأنبياء آدم أبو البشر الذي ليس له أب , ولم يولد في رحم , وهل فيه آية ومعجزة ، وهل فيه بشارة وإشارة لنشوء الإنسان في الأنابيب في هذا الزمان .
الجواب نعم , ولكن لابد وأن يحتاج للخليفة البشرية الذي هو من خلق الله عز وجل , أما آدم فقد خلقه الله عز وجل بالكاف والنون , أي بقوله تعالى [إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ]( ).
فإن قلت قد بقي آدم جسداَ أربعين سنة كما ورد (عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : بعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها .
فقالت الأرض : أعوذ بالله منك أن تنقص مني ، فرجع ولم يأخذ شيئاً وقال : يا رب إنها أعاذت بك فأعذتها.
فبعث الله ميكائيل كذلك . فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء ، وبيضاء ، وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين فصعد به ، فبل التراب حتى صار طيناً { لازباً }( ) .
واللازب : هو الذي يلزق بعضه ببعض ثم قال للملائكة : إني خالق بشراً من طين ، فخلقه الله بيده لئلا يتكبر عليه إبليس ، فخلقه بشراً سوياً ، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة .
فمرت به الملائكة ، ففزعوا منه لما رأوه .
وكان أشدهم منه فزعاً إبليس ، فكان يمر به فيضربه ، فيصوّت الجسد كما يصوّت الفخار يكون له صلصلة .
فيقول : لأمر ما خلقت! ويدخل من فيه ويخرج من دبره ويقول للملائكة : لا ترهبوا منه فإن ربكم صمد وهذا أجوف ، لئن سلطت عليه لأهلكنه .
فلما بلغ الحين الذي يريد الله أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل في رأسه عطس فقالت الملائكة : الحمد لله فقال : الحمد لله فقال الله له : يرحمك ربك .
فلما دخلت الروح في عنقه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخلت إلى جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ إلى رجليه عجلاً إلى ثمار الجنة . وذلك قوله تعالى { خلق الإِنسان من عجل }( ))( ).
والجواب أن خلق آدم جسداَ من تراب بذات الأمر [كُنْ فَيَكُونُ] ( ) , وكذا النفخ فيه من روح الله عز وجل , وتسويته بشراَ سوياَ , قال تعالى [وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ]( ).
فمثلاَ يستغرق بناء دار أربع سنوات ولكن كل مرحلة منه تتم بسرعة وعلى حدة بلحاظ أنها أفراد غير إرتباطية , وإن كان هذا المثل ليس يتام ولكنه تقريب للمعقول بالمحسوس ، ولبيان شاهد على عظيم قدرة ومشيئة الله عز وجل وتخلف أمثلة الدنيا عنها .
وكان شيث بن آدم نبياَ بعد أبيه ونزلت عليه خمسون صحيفة .
و(عن كعب الأحبار قال : إن الله أنزل على آدم عليه السلام عصياً بعدد الأنبياء المرسلين ، ثم أقبل على ابنه شيث فقال : أي بني أنت خليفتي من بعدي ، فخذها بعمارة التقوى والعروة الوثقى ، وكلما ذكرت اسم الله تعالى فاذكر إلى جنبه اسم محمد ، فإني رأيت اسمه مكتوباً على ساق العرش وأنا بين الروح والطين .
ثم إني طفت السموات فلم أرَ في السموات موضعاً إلا رأيت اسم محمد مكتوباً عليه ، وإن ربي أسكنني الجنة فلم أرَ في الجنة قصراً ولا غرفة إلا رأيت اسم محمد مكتوباً عليه .
ولقد رأيت اسم محمد مكتوباً على نحور الحور العين ، وعلى ورق قصب آجام الجنة ، وعلى ورق شجرة طوبى ، وعلى ورق سدرة المنتهى ، وعلى أطراف الحجب ، وبين أعين الملائكة ، فأكثر ذكره فإن الملائكة تذكره في كل ساعاتها)( ).
فإن قلت لم يذكر شيث في القرآن , والجواب قد ذكر في الأحاديث النبوية الشريفة التي هي شعبة من الوحي ، ومنها الحديث أعلاه (عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب؟
قال مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل على شيث خمسين صحيفة ، وعلى ادريس ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، وعلى موسى قبل التوراة عشر صحائف ، وأنزل التوراة والإِنجيل والزبور والفرقان .
قلت يا رسول الله : فما كانت صحف إبراهيم؟
قال : أمثال كلها أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ولو كانت من كافر ، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ويتفكر فيما صنع ، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال ، فإن في هذه الساعة عوناً لتلك الساعات واستجماعاً للقلوب وتفريغاً لها ، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه حافظاً للسانه ، فإن من حسب كلامه من عمله أقل الكلام إلا فيما يعنيه ، وعلى العاقل أن يكون طالباً لثلاث مرمة لمعاش ، أو تزوّد لمعاد ، أو تلذذ في غير محرم .
قلت يا رسول الله : فما كانت صحف موسى؟ قال : كانت عبراً كلها عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، ولمن أيقن بالموت ثم يضحك ، ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها ، ولمن أيقن بالقدر ثم ينصب ، ولمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل .
قلت يا رسول الله : هل أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال : يا أبا ذر نعم { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى } ) ( ) .
و (عن ابن عباس قال : من قال إن آدم قال شعراً فقد كذب على اللّه ورسوله ورمى آدم بالمآثم .
إنّ محمداً صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء كلهم صلوات اللّه عليهم في النهي عن الشعر سواء .
قال اللّه تعالى {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ}( ) ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سرياني .
وإنما يقول الشعر من تكلّم بالعربية فلمّا قال آدم مرثية في إبنه هابيل،
وهو أوّل شهيد كان على وجه الأرض. قال آدم لابنه شيث : وهو أكبر ولده ووصيّه : يا بني إنّك وصيي .
إحفظ هذا الكلام ليتوارث فلم يزل يقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أول من خط بالعربية .
وكان يقول الشعر فنظر في المرثية فإذا هو سجع .
فقال إن هذا ليقوّم شعراً فرّد المقدم إلى آخره والمؤخر إلى المقدم فوزنه شعراً وما زاد فيه ولا نقص حرفاً من ذلك قال :
تغيّرت البلاد ومن عليها
ووجه الأرض مغبرّ قبيح
تغير كل ذي طعم ولون
وقلّ بشاشة الوجه الصبيح
وقابيل أذاق الموت هابي
ل فواحزني لقد فقد المليح
ومالي لا أجود بسكب دمع
وهابيل تضمنّه الضريح
بقتل ابن النبي بغير جرم
قلبي عند قلبه جريح
أرى طول الحياة عليّ غمّاً
وهل أنا من حياتي مستريح
فجاورنا عدوّاً ليس يفنى
عدوماً يموت فنستريح
دع الشكوى فقد هلكا جميعاً
بهالك ليس بالثمن الربيح
وما يغني البكاء عن البواكي
إذا ما المرء غيّب في الضريح
فبكّ النفس منك ودع هواها
فلست مخلداً بعد الذبيح
فأجابه إبليس في جوف الليل شامتاً :
تنحّ عن البلاد وساكنيها
فتىً في الخلد ضاق بك الفسيح
فكنت بها وزوجك في رخاء
وقلبك من أذى الدنيا مريح
فما انفكت مكايدي ومكري
إلى أن فاتك الخلد الرّبيح
فلولا رحمة الجبّار أضحى
بكفك من جنان الخلد ريح) ( ).
فتنة خلق القرآن
ابتدأت شدة هذه الفتنة وظهورها العلني أيام المأمون العباسي , إذ قال الجهم بن صفوان بأن القرآن مخلوق وحادث , واعتمده المأمون , وعزل كل قاض لا يقول به , وبحدوثه قال المعتزلة ، ولاقى عدد من العلماء التعذيب بسببه ومنهم أحمد بن حنبل لأنهم رفضوا القول بأن القرآن مخلوق , وسميت فتنة خلق القرآن , ومحنة خلق القرآن وقال الأشاعرة بأن القرآن قديم .
وقالوا أنه علم من علوم الله عز وجل غير مخلوق , أزلي علمه , وحادث نزوله .
ولما كان المأمون بطرسوس على الحدود مع الدولة البيزنطية بعث إلى قائد شرطته في بغداد إسحاق بن إبراهيم ليجمع العلماء ليمتحنهم في مسألة خلق القرآن ، ويشتد بالتهديد على الذي لا يقول بها .
فأجابه العلماء إلى ما يريد خشية وخوفاً إلا أربعة هم :
الأول : أحمد بن حنبل .
الثاني : محمد بن نوح .
الثالث : القواريري .
الرابع : سجّادة .
عندئذ هددهم إسحاق بالحبس والضرب فاجابه القواريري وسجّادة ، فارسل أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح مقيدين زميلين إلى المأمون بطرسوس ، ولكن المأمون مات قبل أن يصلا إليه وعمره (48) سنة.
ومسألة خلق القرآن أو قدمه ليست بنت أيام المأمون إنما هي من أيام الدولى الأموية وعلى نحو المناظرات ، إذ كان يوحنا الدمشقي ينشر بين المسلمين بعض التساؤلات والشكوك ، وعشق النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزينب بنت جحش ، ولا يثبت المعتزلة لله كلاماًبحرف ونطق مسموع ، إنما يقولون بقدرة الله على الكلام في أي وقت ، لذا فهم يقولون بأن القرآن محدث لأن الله عز وجل قادر على كل شئ .
قال الخطيب البغدادي (أخبرنا محمد بن الفرج بن على البزار أخبرنا عبد الله بن إبراهيم بن ماسي حدثنا جعفر بن شعيب الشاشي حدثني محمد بن يوسف الشاشي حدثني إبراهيم بن منبه قال سمعت طاهر بن خلف يقول سمعت محمد بن الواثق الذي يقال له المهتدى بالله يقول : كان أبي إذا أراد ان يقتل رجلا احضرنا ذلك المجلس فاتى بشيخ مخضوب مقيد فقال أبى ائذنوا لأبى عبد الله وأصحابه يعنى بن أبى دؤاد
قال فادخل الشيخ والواثق في مصلاه .
فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين .
فقال له : لا سلم الله عليك .
فقال يا أمير المؤمنين بئس ما ادبك مؤدبك قال الله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) ( )والله ما حييتنى بها , ولا بأحسن منها .
فقال ابن أبى دؤاد يا أمير المؤمنين الرجل متكلم .
فقال له : كلمه فقال يا شيخ ما تقول في القرآن قال الشيخ لم تنصفنى يعنى ولي السؤال .
فقال له سل فقال له الشيخ ما تقول في القرآن .
فقال مخلوق .
فقال هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وآله و سلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه .
فقال شيء لم يعلموه .
فقال سبحان الله شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وآله سلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت .
قال فخجل فقال اقلنى والمسألة بحالها .
قال نعم قال : ما تقول في القرآن فقال مخلوق فقال هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وآله و سلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه فقال علموه ولم يدعوا الناس إليه .
قال أفلا وسعك ما وسعهم قال ثم قام أبي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه , ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول هذا شيء لم يعلمه النبي ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت .
سبحان الله شيء علمه النبي صلى الله عليه وآله و سلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه أفلا وسعك ما وسعهم.
ثم دعا عمارا الحاجب فأمر ان يرفع عنه القيود ويعطيه أربعمائة دينار وياذن له في الرجوع وسقط من عينه بن أبى دؤاد ولم يمتحن بعد ذلك أحدا) ( ).
وفي طريق هذه الرواية مجهول , فهي ضعيفة السند وهذا الإحتجاج أمر ظاهر على مر سنوات الفتنة , إنما كان استياء عام متراكم من فتنة خلق القرآن , وما خلفته وأول ما بدأت في أيام المأمون بن هارون الرشيد واستمر حكمه (198-218) هجرية ثم استمرت في أيام المعتصم بن هارون الرشيد (218-227) هجرية .
ثم أيام الواثق بالله (227-232) وهو هارون بن محمد , وهو تاسع خليفة عباسي وآخر خلفاء العصر العباسي الأول .
وقيل استمر إلى الخليفة الذي تلاه وهو المتوكل على الله (232-247) وهو ابن المعتصم بن هارون الرشيد , وهو من الخلفاء العباسيين في العصر الثاني الذي يتصف بغلبة الحرس التركي , وكان هؤلاء الخلفاء تسعة وعشرين كان حكم بعضهم صورياَ , ومنهم من أزيح من سلطانه بمكر وإذلال .
ولا أصل أو موضوع لتلك الفتنة ، والدماء التي أريقت فيها .
قراءة في كتيبة بني المصطلق
هل خروج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه إلى بني المصطلق من مصاديق قوله تعالى [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ]( ) أم أن القدر المتيقن من الآية هو الإعداد والتهيء وليس الخروج للعدو الذي يريد الهجوم على المدينة .
الجواب هو الأول , إنما الإعداد أو التهيء للأمر المفاجئ المباغت وغيره , فحالما سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن بني المصطلق يريدون الهجوم على المدينة جمع أصحابه وأخبرهم , وأعدوا العدة ومستلزمات التهيء , ولم يلجأوا إلى الإعتذار , ولم يطلبوا الإمهال ومع كثرة المنافقين الذين خرجوا مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الكتيبة فإنهم لم يحرضوا المسلمين على القعود لم يترك لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرصة لهذا التحريض ولأن الأمر عام البلوى والخطر يهدد أهل المدينة كلهم .
وهل يشمل يهود المدينة من بني قريظة والنضير وبني قنيقاع الجواب نعم , ترى هل من صلة بين كتيبة بني المصطلق وبين صلح الحديبية الجواب نعم , إذ أدركت قريش أموراَ :
الأول : إصابة أعوانها من القبائل بالضعف والوهن .
الثاني : قدوم المسلمين لتشتيت الجموع التي تريد محاربة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو من عمومات قوله تعالى [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ]( ).
الثالث : دخول الإسلام إلى كل قبيلة من قبائل العرب , فليس من قبيلة إلا وتجد فيها مسلمين , وهناك أفراد منهم قد هاجروا إلى المدينة , وهو زاجر لهذه القبائل عن قتال أبنائهم .
ولقد لحق الخزي قريشاَ , إذ قاتلت أبناءها في معركة بدر حتى أنهم حينما تقدم شباب من الأنصار لمبارزة عتبة بن ربيعة وأخيه شيبة وابنه الوليد بن عتبة لم يرضوا بهم , وسألوا أكفاءهم من قريش , وفيه حجة عليهم لقطعهم الرحم , وإصرارهم على سفك دماء قريش , وسرعان ما جاءت هزيمتهم في المعركة بفضل من الله عز وجل ، قال تعالى [وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ] ( ).
وهل من صلة بين آيات الدفاع وبين كتيبة بني المصطلق ونتائجها ، الجواب نعم ، خاصة وأن بني المصطلق من الأحابيش الذين زحفوا مع كفار قريش لمعركة أحد .
وقد تهيئوا للهجوم على المدينة فسار إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أصحابه في شهر شعبان من السنة السادسة للهجرة .
أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينادي في الناس : قولوا إلا الله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم ،ولكنهم أبوا وتراموا بالنبل ساعة .
ثم التفتوا ساعة فانهزم بنو المصطلق (وَقَدْ أُصِيبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ يُقَالُ لَهُ هِشَامُ بْنُ صُبَابَةَ ، أَصَابَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ رَهْطِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ مِنْ الْعَدُوّ فَقَتَلَهُ خَطَأٍ) ( ).
وفي كتيبة بني المصطلق نزلت سورة المنافقين ، وكان خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم من الشواهد على الحاجة إلى آيات الدفاع لتفريق جموع الكفار التي تريد غزو المدينة مع قربهم منها ، أي بامكانهم مباغتة أهل المدينة ليلاً وقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحارب جموع الكفار إلا عندما يهجمون على المدينة أو يـتأكد بأنهم يريدون غزوها ، ليكون من معاني [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ] ( ) دافعوا في سبيل الله ضد الذين يهاجمونكم أو يريدون مهاجمتكم .
قانون ليلة القدر
وهي ليلة مباركة شرّفها الله بذكرها في القرآن ، وإحياء المسلمين لها بالعبادة والدعاء ،قال تعالى [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ]( ) لم يذكر اسم شهر في القرآن إلا اسم شهر رمضان بقوله تعالى [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ] ( ) ليكون عنوان ضبط حساب الشهور بعد أن ذكرت الشهور من وجوه :
الأول : بيان القرآن بأن عدد الشهور اثنا عشر شهراً كما في قوله تعالى [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ] ( ).
الثاني : ذكر الأشهر الحرم من غير تعيين أسمائها كما في قوله تعالى [مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ] ( ).
الثالث : ذكر أشهر الحج في القرآن وبيان أنها معلومة عند الناس كما في قوله تعالى [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ] ( ) لبيان أن الناس يؤدون الحج قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم يتعاهدون أيامه ، لبيان مسألة وهي أن النسئ لم يضر بأصل حساب الشهور ، قال تعالى [إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ] ( ).
ومن خصائص تعيين أشهر الحج وتداخل أكثر أيامها مع الأشهر الحرم نبذ العنف وإجتناب الإرهاب وتعطيل وإرجاء القتال سواء قبل الإسلام أو بعده .
وليكون ذكر شهر رمضان على نحو الخصوص أواناً لمعرفة زمان الأشهر الأخرى وبيان مسألة عقائدية وهي ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تم ضبط الشهور إلى يوم القيامة وانقطع النسئ إلى الأبد ، وهو من دلائل قوله تعالى [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ( ) .
إذ تبين الآية أعلاه فضل الله تعالى بضبط حساب الشهور والأيام وما يترشح عنها من الأنظمة والحساب ببركة نزول القرآن ، وفيه قانون وهو ترشح العلوم عن الإخبار القرآني فكل جملة خبرية في القرآن تترشح عنها مسائل علمية أو عقائدية أو شرعية ، وتفتح منها خزائن ومنافع متعددة .
وعن النبي (عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال : لكلّ آية ظهر وبطن ولكل حرف حدّ ومطلع) ( ) وصار المسلمون يعلمون ترتيب وضبط الشهور بالتتابع وفق سير القمر الذي يمر بأطوار ومنازل وأولها الهلال : وهو طلعة القمر على الأرض وأهلها إذ سلك في نصف الكرة الشمالية ، ويكون عزيزاً في اطلالته هذه لأنه يخرج على هيئة الخيط الدقيق ، فمرة يُرى وأخرى لا يكاد يُرى خاصة .
وأنه لا يبقى في الغالب إلا فترة وجيزة ودقائق معدودة ، تقل مرة وتزداد أخرى ، ثم لا يلبث أن يغيب تحت الأفق ، وقد ذكر القرآن هذه الحالة .
وكأنه يشير إلى هذا التباين في هيئته وشكله بورود ذكره بصيغة الجمع، قال تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ).
ومع ذكر القمر سبعاً وعشرين مرة في القرآن أكثرها في خلق السموات والأرض والشمس والقمر وتسخيرهما بأمر الله عز وجل للنفع العام ، قال تعالى [وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ] ( ) .
ويبعد القمر عن الأرض نحو 400000 كم ، ويكون حجمه نحو نصف الأرض ، وتقدر جاذبيته بحوالي سدس جاذبية الأرض ، وتقدر كتلته بنحو 735 مليون بليون طن أي مليون مليون طن .
إذ يختلف في مقدار ( البليون ) ففي الإلمانية يكون المراد منه مليون مليون ، أما الألف مليون فيعبر عنها بالمليار ، ويكتب الرمز (9 10 ) أي عشرة مرفوعة للأس التاسع ، ويستعمل هذا القياس في بريطانيا وأمريكا والوطن العربي ،والبرازيل وروسيا وتركيا ، ويشار إليه بالمقياس القصير .
وأما في المانيا وفرنسا فان المراد من البليون مليون مليون ، ويكون باثني عشر صفراً (1000000000000) ويرمز إليه (12 10) عشرة مرفوع للأس الثاني عشر ، ويشار إليه بالمقياس الطويل ، ولابد من الإتفاق الدولي في زمن العولمة على تحديد مقدار البليون واسم محدد له .
ولم يذكر الأسبوع في القرآن ، ولكن ذكر اسم يوم الجمعة ويوم السبت فيه ، قال تعالى [ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ] ( ) .
ولم تذكر في القرآن ليلة إلا ليلة القدر ، وذكرت بالصفة ، وليس بالعدد والتعيين ، وهو من إعجاز القرآن .
وذكرت ثلاث مرات في سورة واحدة سميت باسمها وهي سورة القدر ، قال تعالى [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ *تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ]( ) .
وفي المرسل في شعب الإيمان (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أري أعمال الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك ، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر) ( ) .
وهل اللام في [تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ] للعهد أم الجنس .
المختار هو الأول .
وسميت ليلة القدر لوجوه :
الأول : إرادة القدر الرفيع والمنزلة والشرف لهذه الليلة .
الثاني : تقدير الله عز وجل نزول القرآن في هذه الآية .
الثالث : كتابة المقادير في هذه الليلة .
الرابع : وصف البركة والمباركة وتقديرها في هذه الليلة .
الخامس : نزول ملائكة ذوي قدر في هذه الليلة .
السادس : نزول كتاب ذي قدر في هذه الليلة .
السابع : تقدير الأرزاق والآجال في هذه الليلة ، وكتابة وفد الحاج لتلك السنة ، وما فيها من خصب وجدب أو سرّاء أو ضراء ، و منها الأوبئة ككورونا , وما يصرف من الأمراض والأدران والبلاء بفضل الله أضعاف ما يراه الناس منها ، وهو من اللطف الإلهي بالناس ورشحات خلافتهم في الأرض ،وعمومات قوله تعالى [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] ( ) .
نعم محو البلاء ودفع الأدران والجائحة من الكلي المشكك الذي يكون على مراتب متفاوتة من جهة الزمان والمكان والحكم والكيف ، إذ يزداد محوها ودفعها مع الإيمان والدعاء والصدقة ، ولا يكون الدفع حينئذ خاصاً بالمؤمنين والدعاء بل ينتفع منه غيرهم ممن حولهم ، وقد ينتفع منه أهل الأرض جميعاً .
وهو من مصاديق قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ).
ويستحب قراءة سورة القدر في الركعة الأولى من الصلاة وهي سورة أهل البيت عليهم السلام ، وتنزل الملائكة كل عام في تلك الليلة أفواجاً.
الثامن : من يحيي هذه الليلة بالعبادة ذو قدر وشأن.
والبحث في ليلة القدر على وجوه :
الأول : ليلة القدر في القرآن .
الثاني : لماذا سميت ليلة القدر .
الثالث : أسباب وموضوع نزول سورة القدر .
الرابع : فضل ليلة القدر .
الخامس : أوان ليلة القدر من بين الليالي .
السادس : خصائص ليلة القدر .
السابع : علة إخفاء ليلة القدر .
الثامن : العمال العبادية والنوافل في ليلة القدر .
التاسع : الثواب العظيم لأعمال ليلة القدر .
العاشر : ليلة القدر ترغيب بالتقوى ومانع من الغزو .
الحادي عشر : ليلة القدر وعاء عبادي للتنزه عن الإرهاب والإرهاب الموازي .
ويأتي القدر بمعنى القضاء والحكم ، وبمعنى الشأن ، ويقال فلان ذو قدر ، ويأتي بمعنى التقدير لذا ورد قوله تعالى [فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ] ( ).
وتحتمل بداية وأوان تسمية وتعيين ليلة القدر وجوهاً :
الأول : تسمية ليلة القدر من يوم خلق الله السموات والأرض .
الثاني : سميت ليلة القدر عندما علّم الله تعالى الأسماء فهي من أفراد قوله تعالى [وَعلم آدم الأَسْمَاءَ كُلَّهَا] ( ) .
الثالث : ورود ذكر ليلة القدر في الكتب السماوية .
الرابع : لم تسم ليلة القدر إلا عند نزول القرآن فيها.
وباستثناء الوجه الأخير فان الوجوه الأخرى كلها من مصاديق الآية إنما نزل القرآن بتأكيد شرفها ، وبعث المسلمين على الإنتفاع الأمثل منها .
ويدل قوله تعالى [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ] ( )على نيل ذات الليلة هذه التسمية قبل نزول القرآن .
ترى ما هي النسبة المنطقية بين نزول الملائكة والروح في ليلة القدر وبين نزول القرآن فيها ، وكلاهما مذكور في ذات سورة القدر .
الجواب النسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق ، فكان نزول الملائكة والروح إلى الأرض قبل نزول القرآن ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وانقطع نزول القرآن بانتقاله إلى الرفيق الأعلى ولكن الملائكة والروح تنزل كل سنة في هذه الليلة .
(اليوم السابع والعشرون قال مولانا أبوعبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: إنه يوم مبارك مختار جيد يصلح لطلب الحوائج والشراء والبيع، والدخول على السلطان، والبناء والزرع والخصومة، ولقاء القضاة والسفر، والابتداءات والاسباب والتزويج وهو يوم سعيد جيد وفيه ليلة القدر) ( ).
وذكر الإمام البركات المتعددة لهذ اليوم مما ينفي عنه التقية ، مثلاً هو سعيد جيد ، فاطلب ما شئت خفيف لسائر الأحوال ، واتجر فيه وطالب بحقك وأطلب عدوك ، وتزوج وأدخل على السلطان ، والق فيه من شئت ،ويكره فيه إخراج الدم ، ومن ولد فيه يكون جميلاً حسناً طويل العمر ، كثير الرزق قريباً من الناس محبباً إليهم ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام ، ولد فيه يعقوب عليه السلام .
ومعنى إنا انزلناه في ليلة القدر وجوه :
الأول : نزل القرآن كاملاً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، عن ابن عباس والإمام الصادق .
الثاني : إبتداء نزول القرآن في ليلة القدر .
الثالث : ونضيف لها وجهاً آخر وهو العنوان الجامع ، إذ نزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ونزل أوله في ذات الليلة ، وقال تعالى [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ] ( ). مما يعني أن بركة الليلة قبل نزول القرآن ، وازدادت بركتها بهذا النزول .
ترى هل من صلة بين ليلة القدر وذكرها في القرآن وبين آيات الدفاع ومعاني السلام فيها , الجواب نعم , فقد وردت سورة كاملة باسم (سورة القدر) للإشارة إلى تلك الليلة والتي ورد ذكرها في ذات السور ثلاث مرات مع قلة كلماتها .
ويعتمد تعيينها أنها إحدى ليالي شهر رمضان وهو أحد شهور السنة القمرية , وهي مجموع المدة التي يدور فيها القمر حول الأرض اثنتي عشرة مرة , كل دورة شهر كامل , وتعتمد كثير من الأمم هذا الحساب ومنها :
الأولى : الحساب الهجري الإسلامي , والذي بدأ من هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة ، قال تعالى [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ] ( ).
الثانية : السنة الصينية .
الثالثة : السنة الهندية , إذ يستعملون الحساب القمري منذ حوالي ألف سنة قبل الميلاد , ويمكن إحتساب السنة الهندوسية سنة قمرية شمسية إذ أنهم يضيفون شهراً إضافياً لكل ثلاثين شهر قمري لأن الفارق بين السنة الشمسية وهي (365) وبين السنة القمرية (354) يوماً نحو أحد عشر يوماً وقد يكون عشرة أيام .
وشاع في هذا الزمان إعتماد الحساب الميلادي في أكثر بقاع الأرض , وهو حساب شمسي , لقد وردت مادة (قتل) ست مرات في آية واحدة [وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ] ( ) .
ووردت في آية واحدة من القرآن ثلاث مرات في قوله تعالى [وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا]( ).
إذ تتضمن الآية النهي عن القتل , وعن سفك الدماء , وتبين حرمة الدم وأن الله عز وجل هو الذي حرم القتل وفيه وعيد على القتل .
ثم أخبر الله عز وجل عن قانون وهو أن الذي يُقتل مظلوماً يقيض الله عز وجل أسباباً لوليه للإقتصاص من القاتل ومعاقبته سواء كان هذا الولي أباً أو ابناً أو دولة وقانوناً , ولا ينحصر السلطان بالقصاص قتلاً , فقد يشمل العقوبة بالسجن أو قبول الدية , ومع هذا حذرت الآية من قتل غير القاتل , لبيان قانون وهو أن بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لوقف القتل ظلماً بين الناس ومنع اللجوء إلى القتل والجرح , مما يدل على أن آيات القتال إنما هي للدفاع المحض .
كما جاء قبل الآية أعلاه من سورة الإسراء بآيتين قوله تعالى [وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا]( ).
لبيان مسألة وهي منع القتل وسفك الدماء داخل الأسرة الواحدة وحاجة الناس لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لإستئصال عادة وأد البنات , قال تعالى [وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ]( ) إذ تبين الآية أعلاه الحساب الأخروي الشديد على القتل وسفك الدماء .
وهل تفيد الآية أعلاه النهي عن زج الأولاد والشباب في الحروب والمعارك بين القبائل والدول ، الجواب نعم , خاصة وأن علة كثير من المعارك طلب التوسع والإستيلاء على ثروات وبلدان أخرى , لتخبر الآية الملوك والأمراء أن الله عز وجل يرزقهم من غير حرب .
ولو أجريت دراسة مقارنة بين ما يكسبه الرابح في الحرب من الأموال والأراضي التي يضمها إلى سلطانه وبين ما يفقده قومه وجيشه من أرواح بالقتل , لرجح الثاني إلى جانب خسارة الأموال الكثيرة وتعطيل الأعمال في الحروب , مع العقوبة عليه في الدنيا وهو الذي يؤكده المعنى الأعم للآية أعلاه [وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا]( ) فالذي يساق للحرب كرهاً وخدمة إجبارية مظلوم وإن لم يقتل .
وتبين العقاب الأخروي [إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا]( ) إذ تدعو الآيتان أعلاه إلى منع الهجوم والعدوان وإشعال الحروب , ولكن كفار قريش لم يتعظوا فسيرّوا الجيوش العظيمة ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الذين كانوا فرحين بفضل الله عز وجل بليلة القدر وإحيائها بالعبادة والذكر والإستغفار ، ليكون دفع هذه الجيوش من مصاديق قوله تعالى [أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ]( ) .
ولابد من دلالات عقائدية لذكر ليلة القدر ثلاث مرات في القرآن بقوله تعالى [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ]( ).
لبيان قانون وهو إبتداء إستئصال التعدي وسفك الدماء من ليلة القدر وهي مصاحبة ليلة القدر للناس أيام الحياة الدنيا إذ تتجدد كل عام لمحاربة الإرهاب والفساد بفضل من الله عز وجل , ويتلقى المسلمون هذه الليلة بصيام أيام شهر رمضان فلابد من موضوعية في جعل هذه الليلة في ذات شهر الصيام , قال تعالى [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ]( ).
وكما أن الأشهر الحرم دعوة للمسلمين للإمتناع عن القتال فكذا فإن ليلة القدر والأعمال العبادية فيها دعوة لنبذ القتال والإمتناع عن الغزو ولتأكيد على آيات السلم والموادعة والصفح ، قال تعالى [وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] ( ).
قانون علامات ليلة القدر
لمّا خص الله عز وجل ليلة القدر بالذكر في القرآن من بين ليالي السنة التي تبلغ ثلاثمائة وأربعة وخمسين ليلة وثماني ساعات وبضع دقائق ، فلابد من نعم خاصه تنزل في هذه الليلة على الناس وذات الأرض والبركات فيها ـ قال تعالى [وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ] ( ).
فمن بركة ليلة القدر النعم الإلهية التي تنزل فيها ، وما فيها من التقدير والفضل من الله .
ونزول الخيرات ودفع الآفات .
ومن علامات القدر :
الأول : نزول الملائكة أفواجاُ في هذه الليلة .
الثاني : اعتدال الجو فيها ، فلا يوصف بالحرار ولا البرودة ، وهناك فرق بينهما وبين الليالي الأخرى التي قبلها .
الثالث : إشراقة الصباح , والشمس تخرج عند طلوع فجر ليلة القدر ، ولا شعاع لها إلى أن ترتفع .
الرابع : عدم نزول الشهب والنيازك في ليلة القدر .
الخامس : إمتلاء النفس بالسكينة .
ومن معاني [خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ] ( ) بيان عظيم شأن هذه الليلة وأنها باب فتحه الله عز وجل للمؤمنين بالدعاء والتسبيح وتلاوة القرآن لنيل الثواب العظيم ببركة صيام شهر رمضان ونزول القرآن فيه ،إذ يدرك كل إنسان أن أيامه في الحياة قصيرة ومحدودة ويقضيها باللهث وراء الدنيا وحاجاتها ولذاتها .
ويرغب المؤمنون والمؤمنات بالسعة والمندوحة في العمر لعمل الصالحات وجني الحسنات بالتقوى ، فتفضل الله عز وجل وحقق لهم هذه الرغائب بأن جعل العمل العبادي في ليلة القدر مثل عمل ألف سنة .
وعن الباقر عليه السلام قال (علامة ليلة القدر أن تهب ريح فان كانت في برد دفئت، وإن كانت في حر بردت. وعنه عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نهى أن تغفل عن ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، أو ينام أحد تلك الليلة) ( ).
وتتصف ليلة القدر بلطافة جوها ، وطيب ريحها , والشمس مشرقة شعاعها هادئ , ويوم ليلة القدر كليلته .
ووجود علامات خاصة بليلة القدر شاهد على المشيئة الإلهية في الأكوان , وأحوال الأرض والسماء , بأن تكون علامات مخصوصة في زمان معين لإخبار الناس عن حدث أو مناسبة , وهو من عمومات استجابة السماء والأرض والكواكب لله عز وجل , قال تعالى [ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ]( ).
لقد أراد الله عز وجل للناس التفكر بالآيات الكونية , وتفضل الله عز وجل بتسخيرها للإنسان وعباداته , وللمنع من الشرك ومفاهيم الضلالة , والزجر عن القتال والعدوان .
إن علامات ليلة القدر حجة على الذين كفروا , وزاجر لهم عن غزو المدينة , وعن قتل المسلمين وسفك الدماء , وفيه بيان لقانون وهو أن الآيات الكونية عون ومدد للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن في صرف ضروب القتال , وفي التنزيل [وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ]( ).
أوان ليلة القدر
لقد ذكرت وجوه عديدة في تعيين ليلة القدر , منها :
الأول : إنها في شهر رمضان .
الثاني : الليالي الفرد من شهر رمضان .
الثالث : إحدى العشر الأواخر من شهر رمضان (وعن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ً : التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) ( ).
(و قال أبو ذر : سألته ( صلى الله عليه و آله ) عنها ، فقال : ” التمسوها في العشر الأواخر ” فقلت : أي ليلة • فقال (صلى الله عليه و آله وسلم ): ” لو شاء الله اطلعك عليها)( ).
و (عن الإمام الباقر عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله لما انصرف من عرفات وسار إلى منى، دخل المسجد فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر .
فقام خطيبا فقال بعد الثناء على الله: أما بعد ! فانكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لاني لم أكن بها عالما اعلموا أيها الناس إنه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوي فصام نهاره، وقام وردا من ليله، وواظب على صلواته وهجر إلى جمعته وغدا إلى عيده، فقد أدرك ليلة القدر، وفاز بجائزة الرب) ( ).
الرابع : (عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى وفي سابعة تبقى وفي خامسة تبقى) ( ).
(عن أبي بن كعب قال : في ليلة القدر والله إني لأعلمها وأكثر علمي هي الليلة) ( ).
الخامس : وفي أدعية أيام رمضان عن الكفعمي في مصباحه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها دعاء اليوم التاسع والعشرين : اللهم ارزقني فيه ليلة القدر وصيري كل عسر إلى يسر ، والكفعمي هو شيخ تقي الدين إبراهيم ولد في قرية كفعم إحدى قرى جبل عامل وتوفى 905 هجرية ،وفيه أدعية وصلوات وأعمال اليوم والليلة وتواريخ الأئمة مستقاة من (238) مصدر واستنسخ الكتاب مرات ومرات حتى في أيام مؤلفه .
السادس : ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان ، وعليه الإجماع وإليه ذهب الإمامية والحنابلة والشافعية والمالكية ثم اختلفوا في تعيينها .
السابع : ليلة القدر في مطلق ليالي شهر رمضان ، وليست في ليلة مخصوصة ومعينة منه , وبه قال ابو حنيفة ، وقال صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني أنها في شهر رمضان ، ولكنها في ليلة معينة منه .
الثامن : أنها أول ليلة من شهر رمضان ، وبه قال الصحابي أبو رزين العقيلي ، ودليل على هذا القول ، وهو لقيط بن عامر بن المنفتق ، وهو من أهل الطائف ، وهو وافد بني المنتفق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث عديدة منها (عن أبي رزين العقيلي رجل من بني عامر قال: قلت يا رسول الله إن أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحجّ ولا العمرة ولا الظَّعْن، وقد أدركه
الإسلام، أفأحج عنه؟ قال:”حُج عن أبيك واعتمر) ( ).
التاسع : ليلة القدر في العشر الأواسط من الشهر وهي مبهمة فيها ، نسب هذا القول إلى الصحابي عثمان بن أبي العاص الثقفي الذي وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع وفد ثقيف سنة تسع للهجرة فاسلموا وهو أصغرهم سناً وعمره (27) سنة وأمره عليهم لما رآى رجحان عقله ، وحرصه على التفقه في الدين وأقره أبو بكر على الطائف ثم استعمله عمر على عمان والبحرين ، وسكن البصرة في السنة الحادية والخمسين للهجرة .
وعن عكرمة أن ليلة القدر هي النصف من شعبان وسواء ثبت هذا القول عنه أو لا فهو قول مخالف للنص وإجماع المسلمين مع ما لهذه الليلة من الفضل عن عثمان بن محمد بن المغيرة (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما من يوم طلعت شمسه إلا يقول من استطاع أن يعمل فيّ خيراً فليعمله ، فإني غير مكر عليكم أبداً ، وما من يوم إلا ينادي مناديان من السماء يقول أحدهما : يا طالب الخير أبشر ، ويقول الآخر : يا طلب الشر أقصر .
ويقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً مالاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم اعط ممسكاً مالاً تلفاً .
وأخرج ابن أبي الدنيا ، عن عطاء بن يسار قال : إذا كان ليلة النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة ، فيقال اقبض من في هذه الصحيفة ، فإن العبد ليفرش الفراش وينكح الأزواج ويبني البنيان وان اسمه قد نسخ في الموتى .
وأخرج الخطيب في رواة مالك ، عن عائشة : سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : يفتح الله الخير في أربع ليال ، ليلة الأضحى والفطر ، وليلة النصف من شعبان ، ينسخ فيها الآجال والأرزاق ويكتب فيها الحاج ، وفي ليلة عرفة إلى الأذان) ( ).
العاشر : انها ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ، نسب هذا القول إلى كل من زيد بن ثابت ، والى بن مسعود كما ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنها تحتمل في التاسع عشر .
الحادي عشر : تنتقل ليلة القدر بين ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان ، فتكون سنة في ليلة ، وفي سنة أخرى في ليلة أخرى ، وهكذا ، واستقراء من الجمع بين أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أوان ليلة القدر وذهب إلى هذا القول ابن حجر العسقلاني والنووي وغيرهما .
الثاني عشر : أنها ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان .
الثالث عشر : هي ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان .
الرابع عشر : أنها ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان .
الخامس عشر : احدى الليالي الفرد من العشر الأواخر في شهر رمضان .
السادس عشر : إحدى ليلتين , ليلة الحادي والعشرين , والثالث والعشرين من شهر رمضان وعن الإمام الباقر عن آبائه عليهم السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يغفل عنها أحد .
ترى لماذا ذكر اسم شهر رمضان بالاسم في القرآن من بين أشهر السنة فيه وجوه :
الأول : بيان موضوعية شهر رمضان من بين أيام وأشهر السنة .
الثاني : الإخبار عن موضوعية أوان نزول القرآن في السموات والأرض .
الثالث : تحبيب أيام شهر رمضان إلى قلوب المسلمين والمسلمات .
الرابع : جعل المسلمين يستعدون لإستقبال شهر رمضان إذ يحلون ضيوفاً على أيامه ، ويحل هو ضيفاً عليهم من غير أن يلزم الدور بينهما للتباين في موضوع وماهية الضيافة .
الخامس : ترغيب المسلمين والمسلمات بصيام شهر رمضان ، قال تعالى [وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ] ( ) .
السادس : ذكر المسلمين لشهر رمضان طيلة أيام السنة بتلاوة آياته ، وعامة آيات الصيام ، وهو من أسرار وجوب تلاوة كل مسلم ومسلمة القرآن في كل ركعة من ركعات الصلاة اليومية الواجبة ، والصلوات المستحبة .
السابع : البعث على العناية بالوقت ، والإنتفاع منه بطاعة الله وعمل الصالحات .
الثامن : تفقه المسلمين في الدين وأمور الشريعة .
التاسع : ضبط المسلمين لأعمالهم بلحاظ أفراد الزمان ، وعدم التفريط بالوقت .
ترى هل من موضوعية لذكر شهر رمضان في القرآن بخصوص كل من قانون :
الأول : التضاد بين القرآن والإرهاب .
الثاني : لم يغز النبي (ص) أحداً .
الجواب نعم ، ففيه بعث على العبادة والخشية من الله عز وجل ، وقد قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] ( )
فمن التقوى في المقام أن الصيام واقية من الإرهاب ، وحرز من القتل وسفك الدماء ، وهو مناسبة لدعوة الناس إلى الهدى والإيمان .
إن ذكر القرآن لشهر رمضان وتلاوة المسلمين لآياته واستحضارهم لفريضة الصيام في أيام السنة كلها ثم صيامهم لذات الشهر دعوة سماوية لنبذ الإرهاب ، وعصمة منه لإجتناب إرهاب وتخويف المسلمين في دينهم .
لقد أخفى الله عز وجل ليلة القدر من بين الليالي كما أخفى الصلاة الوسطى [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَة الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ] ( ) وأخفى اسم الله الأعظم بين أسماء الله .
نعم ذكرت ليلة القدر والصلاة الوسطى في القرآن ، ولم يذكر فيه اسم الله الأعظم ، ولكن النصوص التي تؤكده مستفيضة .
وتحتمل النسبة بين [خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ]( ) [تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا] ( ) وجوهاً :
الأول : لأن هذه الليلة خير من ألف شهر فقد خصها الله عز وجل بنزول الملائكة والروح فيها .
الثاني : الجمع بين فضيلتين فهذه الليلة مباركة بذاتها , وبسبب نزول الملائكة فيها.
الثالث : صارت ليلة القدر خيراً من ألف شهر لأن الملائكة والروح ينزلون فيها إلى الأرض .
الرابع : نزول القرآن في ليلة القدر .
الخامس : لأنها سلام حتى مطلع الفجر .
السادس : نزول مصاديق وأفراد من فضل الله في ليلة القدر تتغشى أهل الأرض .
ولا تعارض بين هذه الوجوه وكلها من عظيم شأن ليلة القدر .
واجماع المسلمين أن ليلة القدر في شهر رمضان لقانون التفسير الذاتي للقرآن، وتفسير بعضه بعضاً وللسنة النبوية القولية والفعلية .
وقد أخبر الله بكلامه في القرآن بأن القرآن نزل في شهر رمضان كما في قوله تعالى [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ( ) .
وذكر في سورة القدر [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ] ( ) وفي موارد الجمع بين الآيتين أن الذي أنزل القرآن هو الله عز وجل ، إذ ورد في سورة البقرة بصيغة المبني للمجهول [أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ] وأخبرت سورة القدر بأن الله عز وجل هو الذي انزله ، ولا يقدر على انزال الوحي إلى الأنبياء إلا الله سبحانه ، فلا يقوم الملائكة بالوحي وتبليغه إلا بأمر من عند الله عز وجل .
لقد جعل الله عز وجل ليلة القدر مناسبة عظيمة في الأرض للتراحم والتوادد بين الناس ، والصفح والعفو، لتكون دعوة لنبذ العنف وترك التعدي , لذا تفضل الله عز وجل وأخفاها من بين الليالي ليجتهد الناس في العبادة والدعاء والتضرع إليه سبحانه .
وهل ينفع هذا الإجتهاد في العزوف عن القتال , والنفرة منه , الجواب نعم ، فهذا الإجتهاد صارف للمتعبد وغيره من القتال والعدوان ، وهو من مصاديق قوله تعالى [الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا] ( ).
وجاءت آيات الدفاع والسلم والصلح والموادعة ليسعى المسلمون في سنن التقوى طيلة ليالي رمضان للفوز بإصابة ليلة القدر وهو منقطعون إلى العبادة ويظهرون أسمى مراتب التقوى والخشية من الله عز وجل , وفيها دعوة للعبد لزجر النفس عن الهوى وإتباع النفس الغضبية .
و(عن ابن مسعود قال : أعظم آية في كتاب الله تعالى { الله لا إله إلا هو الحي القيوم }( ) وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر – الآية التي في النحل – { إن الله يأمر بالعدل والإحسان }( ) وأكثر آية في كتاب الله تفويضاً { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب }( ) وأشد آية في كتاب الله رجاء{ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم }( ))( ).
قانون تباين معنى اللفظ المتحد
كما يفسر القرآن بعضه بعضاً , فإنه يبين وجوه تعدد وتباين معاني اللفظ المتحد بلحاظ القرائن ومناسبة الموضوع والحكم , فتجد كلمة واحدة تفيد معنى محموداً , وآخر مذموماًَ يفصل بينهما بالعلامات والقرائن كما في موضوع الفرح , فهو على قسمين :
الأول : الفرح المحمود : وهو الغبطة والبهجة والسرور بفضل الله عز وجل , والهداية إلى سواء السبيل .
قال تعالى [قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ] ( ).
إذ تبين الآية بجلاء موضوع الفرح المحمود وهو بفضل الله عز وجل وأنه أفضل مما يجمع الناس , فإن قيل إذا كان جمع الأموال بفضل من الله عز وجل , والإقرار بأنه نعمة من عند الله سبحانه , الجواب هو من الرح المحمود , ويكون من فضل الله عز وجل في المقام , إخراج زكاة المال , والمسارعة في فعل الخيرات , قال تعالى [وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ] ( ).
و(عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : مَنْ هَدَاهُ اللهُ لِلإِسْلاَمِ وَعَلَّمَهُ القُرآنَ ثُمَّ شَكَا الفَاقَةَ كَتبَ اللَّهُ الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ثم تلا { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ( )) ( ).
وجاءت كلمة (مِّمَّا يَجْمَعُونَ) بصيغة الغائب لإرادة كفار قريش , وتقدير الآية خير مما يجمع كفار قريش لإتصاف هذا الجمع بأمور :
الأول : جمع الأموال بالحلال والحرام ، ومنه الربا .
الثاني : تسخير المشركين أموالهم لصد الناس عن سبل الهدى ، ولمنع انتشار مفاهيم الإيمان .
الثالث : الفرح المذموم : الذي يترشح عن الزهو والفخر والبطر .
ففي قصة قارون وقومه ورد قوله تعالى [إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ] ( ).
إذ نهاه قومه عن الفرح المترشح عن البغي على موسى عليه السلام والمؤمنين , ففرح قارون كان مقيداً ومقترناً بشر وإيذاء للنبي والمؤمنين .
وقال الشاعر هدبة العذري :
ولا أتمنى الشر والشر تاركي … ولكن متى أحمل على الشر أركب
ولست بمفراح إذا الدهر سرني … ولا جازع من صرفه المتقلب( ).
لقد سخّر قارون أمواله لإيذاء النبي موسى عليه السلام والمؤمنين وللتفاخر والبطر والزهو , وجاءت الآية التي بعدها بدعوته للإنفاق في مرضاة الله , وإخراج الزكاة وفعل الخيرات , وكانت مفاتح خزائن قارون تحمل على ستين بغلاً , وكل مفتاح بقدر الإصبع وكل واحد منها لخزانة مستقلة .
لقد جعل الله عز وجل الحياة الدنيا دار إمتحان واختبار وابتلاء , ومن آتاه الله عز وجل نعمة في الدنيا فلا يحق له تسخيرها للإضرار بالذات أو الغير , ولا يجوز أن يزيدها وينميها بالسحت والكسب الحرام , كالربا , لذا قال تعالى يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
ولابد من تقدير قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ] ( ).
أولاً : إن الله لا يحب الفرحين بزخرف الدنيا .
ثانياً : إن الله لا يحب الفرحين الذين تنسيهم النعم ذكر الله عز وجل .
ثالثاً : إن الله لا يحب الفرحين المعتدين .
رابعاً : إن الله لا يحب الفرحين إلا الذين يفرحون بفضل الله عز وجل.
و(عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله يحب كل قلب حزين .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان وقال : هذا متن منكر ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زُرِ القبور تَذْكُر بها الآخرة ، واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو موعظة بليغة ، وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك ، فإن الحزين في ظل الله يوم القيامة) ( ).
خامساً : إن الله لا يحب الفرحين المفسدين .
ويتجلى هذا المعنى من نصيحة قوم قارون له في قوله تعالى [وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ] ( ).
وقد نزل القرآن باستحباب الفرح بفضل الله عز وجل , واستقبال البشارة من الله عز وجل بالتسليم والغبطة .
قال تعالى [الم *غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ] ( ).
لدلالة الآية على نصر أهل الكتاب على الذين ليس عندهم كتاب , ولأن نصر الروم وهم على دين عيسى المسيح عليه السلام يغيظ كفار قريش .
وقيل اتفق نصر الروم في يوم معركة بدر فيكون من معاني فرح المؤمنين هو فرحهم بالنصر على كفار قريش .
و(عن ابن عباس في قوله { الم غلبت الروم } ( ).
قال : غلبت . وغلبت قال : كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أصحاب كتاب ، فذكروه لأبي بكر ، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنهم سيغلبون فذكره أبو بكر لهم فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلاً فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا .
فجعل بينهم أجلاً خمس سنين ، فلم يظهروا ، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : الا جعلته أراه قال : دون العشر فظهرت الروم بعد ذلك فذلك قوله { الم غلبت الروم }( ).
فغلبت ، ثم غلبت بعد . يقول الله { لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله }( ) .
قال سفيان : سمعت أنهم قد ظهروا عليهم يوم بدر) ( ).
وقيل الفرح لذة القلب لنيل المشتهى والفرح فرح الرضا .
والنسبة بين الفرح والسرور هو العموم والخصوص المطلق , فالفرح أعم لأنه يظهر على المرء في قوله وفعله وعكسه الحزن .
أما السرور فهو احساس بالبهجة , ويظهر على وجه الإنسان وعكسه الغم .
وقد ورد السرور في القرآن أيضاَ , وتبين في آيتين متجاورتين , وبين معنى اللفظ في الآيتين تضاد أيضاً مثل التضاد في لفظ الفرح .
فالسرور المحمود في الآخرة بقوله تعالى [فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا] ( ) وقد يجمع الفرح والسرور المحمود كما ورد عن (ابن عمر قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشية عرفة فقال : أيها الناس إن الله تطوّل عليكم في مقامكم هذا ، فقبل من محسنكم وأعطى محسنكم ما سأل ، ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم ، أفيضوا على اسم الله .
فلما كان غداة جمع قال : أيها الناس إن الله قد تطوّل عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم ، ووهب مسيئكم لمحسنكم ، والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم الله فقال أصحابه : يا رسول الله أفضت بنا الأمس كئيباً حزيناً ، وأفضت بنا اليوم فرحاً مسروراً؟
فقال : إني سألت ربي بالأمس شيئاً لم يجد لي به سألته التبعات فأبى علي ، فلما كان اليوم أتاني جبريل فقال : إن ربك يقرئك السلام ويقول ضمنت التبعات وعوّضتها من عندي) ( ).
أما السرور المذموم فورد في قوله تعالى [وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا* وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا] ( ).
وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يحب التفاؤل , ويحب رؤيا البشارة ويتلقاها بالشكر لله عز وجل , ويكره التشاؤم والتطير ورؤيا الإنذار ويقابلها بالدعاء والتوجه إلى الله عز وجل بمحوها .
قانون البراءة من فعل الكفار
ومن الإعجاز في قوله تعالى [إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ] ( ) أنه يتعلق بعالم الأفعال وإنحصار البراءة بها ، مما يدل على تعاهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لقرابته .
وهل الآية من مصاديق قوله تعالى [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] ( ) الجواب نعم ، وهي أعم في موضوعها إذ أنها خطاب واحتجاج من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على الكفار ومنهم رؤساء قريش ، وفيه تذكير بعالم الآخرة ، ووقوف الناس للحساب بين يدي الله فيها .
(عن ابنِ مسعودٍ: كنتُ مستتراً بأستارِ الكعبةِ فدخلَ ثلاثةُ نفرٍ ، ثقفيانِ وقرشيٌّ ، أو قرشيانِ وثقفيٌّ فقال أحدُهم أترونَ أنَّ الله يسمعُ ما نقولُ قال الآخرُ يسمعُ إنْ جهَرنا ، ولا يسمعُ أنْ أخفينَا فذكرتُ ذلكَ للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فأنزلَ الله تعالَى : { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ }( ) الآيةَ) ( ) وذكره الخبر بلفظ قيل تضعيف له .
وهل قوله تعالى [لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ] ( ) منسوخ بآية السيف أو غيرها ، الجواب لا ، لأن هذه الآية قانون يشمل الدنيا والآخرة ، إذ أن ضروب وآثار العمل وما يترتب عليها لا يتعلق بعالم الآخرة ، إنما يشمل الحياة الدنيا أيضاً ، وفيه بعث للسكينة في نفوس المؤمنين ، ودعوة لهم للإجتهاد في طاعة الله من غير التفات للذين كفروا وجحدوا واستخفافهم بهم ، قال تعالى [زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ] ( ).
وتبين الآية ترشح التضاد في العمل على الإختلاف في العقيدة والملة ، وأن عمل أهل التوحيد هو طاعة الله والتحلي بمكارم الأخلاق والتنزه عن السيئات ، أما الذين كفروا فأنهم لا يمتنعون عن الفواحش والمنكرات ، وفي التنزيل [وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ] ( ) لبيان مسألة وهي أن أحد الفريقين على حق ، والآخر على باطل ، وإن جاءت الآية بصيغة المفرد فقد وردت آية أخرى الصيغة الجمع [لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ] ( ) والذي ورد في القرآن ثلاث مرات ، منها :
الأولى : مجئ الآية خطاباً على لسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى المشركين , كما في قوله تعالى [وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ] ( ) .
الثانية : ورود الآية على لسان المؤمنين وبصيغة الثناء عليهم ، كما في قوله تعالى [وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ] ( )، وهو من إعجاز القرآن.
أما الآية الأولى فان النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يتكلم عن نفسه وعن المؤمنين والمؤمنات ، وهو من مصاديق [النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ]( ).
ومن الإعجاز أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لم يغضب في خطابه مع المشركين بدليل أنه قدم الإقرار بالربوبية المطلقة لله عز وجل , وتسليمه بالعبودية له سبحانه , وإخباره للمشركين بأن الله عز وجل ربهم أيضاً , وربوبية الله عز وجل المطلقة سور الموجبة الكلية والجامع المشترك بين الناس جميعاً لبيان قانون وهو أن الله عز وجل ربّ العالمين شاء الذين كفروا أم أبوا .
ومن الإعجاز في الفرائض العبادية للمسلمين , أن كل مسلم ومسلمة يتلوان قوله تعالى [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]( ) سبع عشرة مرة في الصلاة اليومية .
وهل كانت هذه التلاوة من أسباب سخط كفار قريش على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإيذائهم له عندما يصلي في المسجد الحرام في سني البعث الأولى , الجواب نعم .
قراءة في الجزء السابق
الحمد لله الذي جعل الجزء الثالث بعد المائتين من التفسير يتعلق بقانون (لم يغزُ النبي “ص” احداً) وهو الجزء العشرون الخاص من هذا التفسير والخاص بهذا القانون المبارك والمستحدث , ويتضمن الجزء السابق أعلاه قوانين وتحقيقات علمية متعددة منها :
الأول : المقدمة وتتألف من (25) صفحة .
الثاني : قانون نزول الآية القرآنية برزخ دون سفك الدماء .
الثالث : قانون المشركون هم الغزاة في معركة بدر .
الرابع : الغزو في تأريخ العرب .
الخامس : قانون آيات السلم محكمة .
السادس : قانون آيات الدفاع سلامُ دائم .
السابع : قانون شراء النفس بالصبر .
الثامن : قانون معجزات نوح زاجر عن الضلالة .
التاسع : قانون آيات السفر .
العاشر : قانون التدبر في القرآن حكمة .
الحادي عشر : معجزة ولادة إبراهيم (ع).
الثاني عشر : قانون مواطن الآخرة .
الثالث عشر : قانون تقسيمات أوان نزول الآيات .
الرابع عشر : طريق الهجرة .
الخامس عشر : قانون (قولوا لا إله إلى الله تفلحوا ) سلام .
السادس عشر :قانون الرؤيا مقدمة صلح الحديبية .
السابع عشر : قانون مقدمات صلح الحديبية .
الثامن عشر : النسوة في الحديبية .
التاسع عشر: قانون وهن قريش .
العشرون : قانون نسب النبي (ص) .
الحادي والعشرون : قانون الإحتجاج بالتلاوة وليس السيف .
الثاني والعشرون : قانون التضاد بيم إدعاء العهد وقتل الأنبياء .
الثالث والعشرون : دستور المدينة .
الرابع والعشرون : قانون الجزية قبل الإسلام .
الخامس والعشرون : قانون العفو من الجزية .
السادس والعشرون : النسبة بين الزكاة والجزية , وقد فرضت الزكاة على المسلمين في السنة الثانية للهجرة , بينما نزل الأمر بالجزية في السنة التاسعة للهجرة , وهو عام الوفود .
السابع والعشرون : سبب وعلة الجزية .
الثامن والعشرون : قانون كتائب النبي (ص) سلم .
وتناول الجزء السابق مقدمات وأسباب ووقائع الحديبية وهي من الشواهد على صدق قانون (لم يغزُ النبي “ص” احداً) فبعد أن صدر عشرون جزءَ من تفسيرنا هذا بخصوص القانون أعلاه صدر الجزء الثالث بعد المائتان من التفسير بذات القانون .
ويتناول هذا الجزء المبارك آيات مخصوصة تتعلق بحال الحرب ، وتحتمل في تسميتها وموضوعها أنها آيات القتال أو آيات الهجوم , أو يستقرأ هذا المعنى مما دأب عليه المفسرون .
والمختار أنها آيات دفاع محض , وتدل عليه الوقائع والأحداث والصلة بين آيات القرآن في مضامينها القدسية , ومنهم من قال أن آيات القتال هي آيات دفاع هجومي , ولكن هذا الإصطلاح لم يثبت .
وعن(ذِي كَلاعٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله وآله عليه وسلم يَقُولُ : اتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ.
حَدَّثَنَا أَبُو عمير حَدَّثَنَا ضمرة عن الشيباني عن أبي نكسة رجل من المحرزين عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اتركوا الترك ما تركوكم , وذروا الحبشة ما وذروكم)( ).
وهذا الترك إبتداء واستدامة , أي أن حدث صدام وفتنة ثم ترك الطرف الآخر المسلمين فإن على المسلمين أن يكفوا ولا يصروا على الصدام والفتنة .
وهل يختص الأمر بالترك والحبشة , الجواب لا , خاصة وان الترك صاروا مسلمين وواجهة مشرقة للإسلام , وكذا الحبشة فإنه أعم ويشمل أفريقيا وغربها وجنوبها , وكأن الحديث يقول اتركوهم يتدبرون في القرآن ومعجزات الإسلام ليدخلوا الإسلام .
لبيان أن الإسلام يسعى إلى السلام , وليس إلى القتال والمواجهة , ويدل على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا قوله تعالى [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] ( ).
و (روى أبو داود عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
[ ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين – قال ابن يحيى قال أبو معمر – وتكون من أمصار المسلمين فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شاطىء النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء ] .
الغائط المطمئن من الأرض , والبصرة الحجارة الرخوة وبها سميت البصرة وبنو قنطوراء هم الترك ومن خلفهم يقال : إن قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه ولدت له أولادا جاء من نسلهم الترك)( ).
قانون الوحي الخاص
ويمكن تقسيم الوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قسمين :
الأول : الوحي العام الذي يتعلق بالشرائع والأحكام العامة التي يؤمر بها كل نبي كما في وجوب الصلاة .
الثاني : الوحي الخاص , وهو إصطلاح مستحدث في معناه نذكره في هذا الجزء من التفسير , والمراد منه الوحي بالوقائع الخاصة التي تتعلق بشخص النبي وسيرته , وصِلاته مع أصحابه وعامة الناس , ومعاملاته إذ يتداخل هذا الوحي مع الوحي العام الذي يشمل أيضاً الصلات والمعاملات وفق الموازين الشرعية .
وقد ورد في القرآن لفظ (يَسْأَلُونَكَ) كما في قوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ]( ) لبيان إجتماع الوحي العام والخاص في المسألة الواحدة .
وقال تعالى [يَايَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا] ( ) والمراد من القوة الجد وبذل الوسع والعمل بحلال الله وتحريم واجتناب حرامه .
أما الكتاب ففيه وجوه :
الأول : التوراة .
الثاني : الوحي كما في آية البحث [اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ] .
الثالث : كتاب أنزل على يحيى خاصة ثم أمره الله عز وجل أن يتلقاه بجد واجتهاد .
الرابع : المراد صحف إبراهيم .
الخامس : المقصود جنس الكتاب .
السادس : إرادة صحف إبراهيم والكتب التي أنزلت على أنبياء بني إسرائيل كما في قوله تعالى [وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ] ( ) ليخرج منها الإنجيل والقرآن لأنهما نزلا بعد يحيى ، ولأن القرآن لم ينزل على أنبياء بني إسرائيل .
السابع : إرادة الكتب المنزلة على الأنبياء من عند الله ، قال تعالى [كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ]( ).
والمشهور الذي أدعي عليه الإجماع هو الأول أي التوراة .
والمختار أنه التوراة ومعه الوحي الخاص بالنبي يحيى ، فان إكرام الله عز وجل للأنبياء أن كل نبي له وحي خاص يدرك معه أنه نبي ، ويتعلق بالأمور والأحوال التي من حوله ، ومنهاج العمل اليومي ، وهذا القول مستحدث منا في هذا السِفر ، وهو قانون في الوحي فلكل نبي هناك بصمة ، وهي خاصة به يأتي به الملك غير الكتاب المنزل على الرسول الذي كان في زمانه أو قبله .
فصحيح أن النبي يعمل بشريعة الرسول الذي قبله , ولكن لكل نبي وحي خاص في طول هذا الكتاب والشريعة , يتعرض لمستحدث من المسائل , ويكون ضياء يهدي النبي لما يجب عليه فعله وهو ما يملى على النبي عن عامة المؤمنين في زمانه والذي يعملون بأحكام شريعة الرسول السابق .
وهل يشملهم قوله تعالى [وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا] ( ).
أم أن الآية أعلاه خاصة بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , المختار هو الأول : وتقدير الآية بالنسبة لعامة الأنبياء : واتبعوا ما يوحى إليكم من العمل بالشريعة المنزلة وما يأتيكم من الوحي الخاص , ولبيان مسألة , وهي أن الوحي الذي كان يأتي للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء أعم من الأمر والنهي , لأنه لو كان خاصاً بالأمر لورد بلفظ إعمل بما أوحي إليك ولأن النسبة بين الإتباع والإمتثال للأوامر والنواهي هي العموم والخصوص المطلق .
وهذا لا يتعارض مع قانون وهو ان الوحي كله أمر وفضل من عند الله عز وجل ولم يرد لفظ [خُذْ الْكِتَابَ] ( )في القرآن إلا في هذه الآية من سورة مريم ولكن حكم عام للأنبياء , وفيه شاهد بأن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لو كان مأموراً بالغزو لم يتأخر لأنه مع الأمر بالغزو يأتي النصر.
(قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، قَالَ سَمِعْت رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسْأَلُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، عَنْ إرْسَالِ الْعِمَامَةِ مِنْ خَلْفِ الرّجُلِ إذَا اُعْتُمّ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ سَأُخْبِرُك إنْ شَاءَ اللّهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِلْمِ كُنْت عَاشِرَ عَشَرَةِ رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ فِي مَسْجِدِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيّ عليه السلام ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ إذْ أَقْبَلَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَسَلّمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ .
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك ، أَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَفَضْلُ؟
فَقَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا قَالَ فَأَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ وَأَحْسَنُهُمْ اسْتِعْدَادًا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ ثُمّ سَكَتَ الْفَتَى .
وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسُ خِصَالٍ إذَا نَزَلْنَ بِكَمْ وَأَعُوذُ بِاَللّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنّ إنّهُ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ حَتّى يُعْلِنُوا بِهَا إلّا ظَهَرَ فِيهِمْ الطّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ الّذِينَ مَضَوْا ؛ وَلَمْ يَنْقُضُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلّا أُخِذُوا بِالسّنِينَ وَشِدّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السّلْطَانِ وَلَمْ يَمْنَعُوا الزّكَاةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السّمَاءِ فَلَوْلَا الْبَهَائِمُ مَا مُطِرُوا ؛ وَمَا نَقَضُوا عَهْدَ اللّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إلّا سُلّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذَ بَعْضَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهمْ وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمّتُهُمْ بِكِتَابِ اللّهِ وَتَجَبّرُوا فِيمَا أَنَزَلَ اللّهُ إلّا جَعَلَ اللّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ .
ثُمّ أَمَرَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْ يَتَجَهّزَ لِسَرِيّةِ بَعَثَهُ عَلَيْهَا ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ اعْتَمّ بِعِمَامَةِ مِنْ كَرَابِيسَ سَوْدَاءَ فَأَدْنَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ مِنْهُ ثُمّ نَقَضَهَا ، ثُمّ عَمّمَهُ بِهَا ، وَأَرْسَلَ مَنْ خَلْفَهُ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ ثُمّ قَالَ هَكَذَا يَا ابْنَ عَوْفٍ فَاعْتَمّ ، فَإِنّهُ أَحْسَنُ وَأَعْرَفُ ثُمّ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ اللّوَاءَ .
فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَحَمِدَ اللّهَ تَعَالَى ، وَصَلّى عَلَى نَفْسِهِ ثُمّ قَالَ خُذْهُ يَا ابْنَ عَوْفٍ اُغْزُوَا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَقَاتَلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ لَا تَغْلُوا ، وَلَا تَغْدِرُوا ، وَلَا تُمَثّلُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا ، فَهَذَا عَهْدُ اللّهِ وَسِيرَةُ نَبِيّهِ فِيكُمْ . فَأَخَذَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ اللّوَاءَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَخَرَجَ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ) ( ).
ولبس عبد الرحمن بن عوف العمامة السوداء وهو ليس من بني هاشم , ولم يكن تقييد بلون ونوع العمامة التي يلبسها المسلم , وعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم العمائم تيجان العرب , وأخبر بأن الإجهار بالفواحش سبب لنزول الطاعون والوباء والجائحة مع النهي عن النقص في الميزان .
وعن حجب الزكاة لأنها سبب لقلة الغيث والمطر .
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الرحمن بن عوف (إنْ أَطَاعُوك فَتَزَوّجْ ابْنَةَ مَلِكِهِمْ فَأَسْلَمَ الْقَوْمُ وَتَزَوّجَ عَبْدُ الرّحْمَنِ تَمَاضُرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ وَهِيَ أُمّ أَبِي سَلَمَةَ وَكَانَ أَبُوهَا رَأْسَهُمْ وَمَلِكَهُمْ) ( ).
وفي رواية أن عبد الرحمن هو الذي كتب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يستأذنه بالزواج منها فأذن له , ووقعت هذه السرية في شعبان من السنة السادسة للهجرة .
وعلى فرض ورود كلمة (اغزوا) فإن القتال لم يقع ولم يتم غزو قرية أو بلدة مما يدل على أن القدر المتيقن من إصطلاح الغزو في السنة النبوية هو الخروج في كتائب وسرايا من غير اشتراط ونوع قتال أو هجوم على أحد .
ومن الإعجاز في بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تجلي معاني الرحمة في الوحي العام والخاص الذي يوحيه الله عز وجل له , وتدعو آيات إلى السلم والموادعة والسكينة .
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعفو عن أعدائه ويصفح عمن يسئ إليه , قال تعالى [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ]( ).
ويحضر معنى ومفهوم هذا الدفع في دفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسباب القتال مع المشركين .
قانون أقسام الوحي
ابتدأت الآية الكريمة بالإخبار من عند الله بأنه يوحي إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي يجب عليه اتباع هذا الوحي ، وهل فيه شهادة على نسخ القرآن للكتب السماوية السابقة بلحاظ حصر الإتباع بما يوحى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
الجواب لا ، إنما يستفاد هذا النسخ من أدلة أخرى ،وفيه شاهد بأن الله عز وجل أنزل القرآن ليُعمل بأحكامه ، وهو من أسرار تلاوة كل مسلم ومسلمة القرآن خمس مرات في الصلاة اليومية لما في هذه التلاوة من أمور :
الأول : التذكير بآيات القرآن ، وهذا التذكير لذات القارئ وللسامع ، وهو من الإعجاز في وجوب القراءة الجهرية في صلاة الصبح والمغرب والعشاء .
الثاني : شهادة المسلم على نفسه عند التلاوة ، وهي حجة عليه .
الثالث : التلاوة باعث على العمل الصالح ،وواقية من فعل السيئات .
الرابع : حفظ القرآن من الضياع ، ومن الزيادة أو النقيصة فيه .
وذكرت آية البحث الوحي بقوله تعالى [وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ] ( ) والنسبة بي الوحي والقرآن هي العموم والخصوص المطلق ، فالوحي أعم .
أقسام الوحي : الوحي هو الإشارة والإخبار في خفاء ، والإطعام ، والكتابة ، وأقسام الوحي للنبي من عند الله عز وجل على وجوه :
الأول : الرؤيا في المنام بما يجعل النبي يدرك أنها وحي ، وليس حلماً له كواحد من البشر أو أضغاث الأحلام ، وفي إبراهيم عليه السلام ورد قوله تعالى [قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ] ( ) وأول ما بدء به النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الرؤيا الصادقة وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصباح .
(عن الزهري قال : أخبرني عروة عن عائشة أنها قالت : أوّل ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم،
فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح .
ثم حبّب (الله) إليه الخلاء .
فكان يأتي حراء فيتحنث فيه .
وهو التعبد (في) الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده بمثلها،
حتى فجأه الحق،
وهو في غار حراء.
قال : فجاءه الملك وقال : اقرأ فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقلت له : ما أنا بقارئ قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد،
ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ،
فأخذني فغطني الثانية،
حتى بلغ مني الجهد،
ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقاري،
فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد،
ثم أرسلني فقال : اقرأ باسم ربّك الذي خلق،
حتى بلغ،
ما لم يعلم) ( ).
الثاني : الإلهام والقذف في القلب ، وعن عبد الله بن مسعود قال (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن روح القدس نفث في روعي : أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها , فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) ( ) ليكون الحديث بشارة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم باتمام تبليغ الرسالة والسلامة من محاولات الكفار لإغتياله ، ودعوة له وللمسلمين للعناية بما يُلقى ويُقذف من الوحي في قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وهو باعث للطمأنينة في الرزق وعدم السعي للغزو , وإحتلال بلاد الغير طلباً للرزق إذ يكفل الله عز وجل للناس رزقهم من غير اللجوء للحرب وسفك الدماء .
وقد أدرك الملائكة هذه الكفالة عندما أخبرهم الله عز وجل [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً]( ) للملازمة بين الخلافة وإستيفاء الرزق ولأن الله عز وجل هو [خَيرُ الرَّازِقِينَ]( ).
الثالث : آيات القرآن التي ينزل بها جبرئيل ، ويتلوها على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويتأكد من ضبطه لها قبل أن يغادره ، والتأكد هذا معجزة للنبي إذ أنه ليس بالكيفية التي عند عامة الناس بخصوص الذاكرة إنما بفضل من الله عز وجل , وتثبيت الآية في الوجود الذهني بمعجزة ، وهو من مصاديق قوله تعالى [سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى] ( ).
الرابع : تكليم النبي قبلاً كما في آدم ، إذ ورد في التنزيل [وَعلم آدم الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ] ( ).
الخامس : تكليم الله للنبي من وراء حجاب كما في موسى عليه السلام، قال تعالى [وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا] ( )وكما في تكليم الله عز وجل للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء والمعراج .
ويستدل بالآية أعلاه على أن كلام الله حقيقة وليس مجازاً ،وقد ثبت في علم النحو أن الفعل إذا أُكد بالمصدر فانه يدل على الحقيقة ، وليس المجاز، فالله عز وجل متكلم وهو مشهور علماء الإسلام ، وليس فقط هو خالق الكلام .
ومنهم من قسم كلام الله إلى قسمين :
أولاً : الكلام النفسي ، وهو قديم .
ثانياً : الكلام اللفظي المسموع .
ولا دليل على هذا التقسيم .
السادس : تعليم الله عز وجل للأنبياء بواسطة ملك ، قال تعالى [وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ] ( ) .
السابع : الحديث القدسي ، وهو الذي ينقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمعنى ، وليس باللفظ ، وهو منسوب إلى القدس والطهارة ، فيوحى به الله إلى النبي صلى الله عليه وآل وسلم, ويقوم بالإخبار عنه ، وأنه من عند الله عز وجل .
وتشمل أخبار الحديث القدسي قواعد علم الرجال والتراجم , والسند الصحيح والحسن والضعيف ، وتتعلق بكلمة التوحيد وأمور الملة وتأكيد الفرائض العبادية ، وبيان عظيم نفعها ، وقد ينسب الحديث القدسي إلى الملك جبرئيل وإلى النبي .
ومنهم من يسميه (خاطر الملك ) وليس بتام , ومن الإعجاز في ضبط السنة النبوية ، وقلة الخطأ أو الزيادة أو النقصان فيها أن كلمة روح القدس نفث في روعي ، ومع أنها تجذب الأسماع فلم تتكرر في المنقول من الحديث النبوي إلا في حديث واحد عن رسول الله :
(إن رُوح القُدُس نفث في رُوعي( ): أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا( ) في الطلب) ( ).
وأيضاً لم يذكر إلا في عدد قليل من كتب الحديث (عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضع لحسان منبراً في المسجد ، فكان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيه) ( ).
مما يدل على أن روح القدس يأتي للأنبياء والأولياء والصالحين لهدايتهم إلى السداد والرشاد ، ويصرفهم بالإرشاد والتحديث والإيماء ونحوه عن أسباب الأذى والضرر .
وقد شّرف الله عز وجل القرآن فهو كلامه المعجز المنقول بالتواتر السالم عن المعارضة المتجدد بتلاوته المحصور بين الدفتين في المصحف والعبادات والمعاملات والأحكام ، وفيه أمور الدين والدنيا ، والإخبار عن مواطن الحساب الأخروي ، وليس فيه تقسيم كالسنة والحديث النبوي إلى صحيح وحسن ونحوه ، إنما كله أرقى من الصحيح لأنه يفيد القطع , وليس فيه حرف زائد ، ولا تطرأ عليه النقيصة ، قال تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون] ( ).
ولا يصح لمس كلام القرآن لغير المتطهر بخلاف الحديث القدسي ، ولا يجوز الجحد بكلمة من القرآن .
والأحاديث القدسية الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قليلة لا تتجاوز عدد الأصابع .
قانون التذكير بالمعاد
تتصف الحياة الدنيا بالقصر في أيامها ، ومع هذا فانها تغري الإنسان وتجعله يلهث وراء لذاتها وحطامها وما فيها من الإغراء والمتعة ، حتى يختطف الموت الإنسان ، والغربة الحق هي غربة اللحد التي تبدأ بالكفن وتجهيز مغادرة الميت الدنيا طوعاً وقهراً ، قال تعالى [كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ] ( ).
وقد كان في مغادرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحياة الدنيا عبرة وتذكرة وسبيل توبة واستعداد للآخرة .
وعن الإمام علي عليه السلام (لما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجاءت التعزية . جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } ( )إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفاً من كل هالك ، ودركاً من كل ما فات فبالله فثقوا ، وإياه فأرجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب) ( ).
لبيان مسألة وهي أن في الآية تذكيراً بقانون وهو أن الرسول لابد وان يموت مثلما مات الرسل السابقون ، وأن هذا الموت لا ينفي عنه صفة الرسالة .
و(كل) سور الموجبة الكلية ، لنفي الإستثناء في موضوع الآية ، وهو نزول الموت وشدة سكراته بكل إنسان ، وهو من خصائص الحياة الدنيا ، فهي دار ممر وعبور ، قال تعالى [وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] ( ) والحيوان مصدر ، والمراد من الحيوان الحياة الدائمة ، والحيوان مبالغة في الحياة .
فتبين الآية أعلاه التباين بين ماهية الحياة الدنيا وأنها لهو وسريعة الزوال ، وتميل بأهلها ، يفارقها أهلها كما يفارق الصبيان بعضهم بعضاً بعد انقضاء اللعب , أما الآخرة فهي دار الخلود .
يموت الإنسان مع شأنه في أسرته وعمله ومقامه ، وما تلبث الوقائع حتى تعود من جديد على يد غيره من إدارة عمله ونحوها ، ولكن يبقى الذكر الحسن .
وعن المسعودي في رثاء محمد بن علي بن أبي طالب لأخيه الحسن عليه السلام (وقف على قبره فقال: أبا محمد، لئن طابت حياتك، لقد فجع مماتك، وكيف لا تكون كذلك وأنت خامس أهل الكساء، وابن محمد المصطفى، وابن علي المرتضى، وابن فاطمة الزهراء، وابن شجرة طُوبَى. ثم أنشأ يقول عليه السلام:
أأدْهن رأسي أم تطيب مجالسي … وَخدُّكَ معفور وأنت سليب.
أأشْرَب ماء المزن من غيرمَائِة … وقد ضمن الأحشاء منك لهيب
سأبكيك ما ناحت حمامة أيْكَةٍ … وما اخضر في دَوْح الحجاز قضيب
غريب وَأكْنَاف الحجاز تَحُوطه … ألا كل من تحت التراب غريب) ( ).
ومن خصائص القرآن أنه يذكر بالمعاد وحضور الأعمال إلى جانب أصحابها ، وملازمتها لهم في منازل عديدة من مواطن يوم القيامة ، وفي قوله تعالى [يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ] ( ) قال قتادة ( ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول : تعرض الناس ثلاث عرضات يوم القيامة .
فأما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير وجدال ، وأما العرضة الثالثة فتطير الصحف في الأيدي .
اللهم اجعلنا ممن تؤتيه كتابه بيمينه قال : وكان بعض أهل العلم يقول: إني وجدت أكيس الناس من قال : { هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابية }( ) .
قال : ظن ظناً يقيناً فنفعه الله بظنه . قال : وذكر أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول : من استطاع أن يموت وهو يحسن الظن بالله فليفعل .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطاير الصحف في أيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله( )
إن تذكير القرآن بالمعاد ، وتأكيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه ، وذكر بعض أهوال ووقائع عرصاته شاهد على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لا يطمعون بالدنيا ، ولا يقاتلون من أجل المال والغنائم .
ولم يسع النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقتال ، وهل التذكير بالمعاد دعوة للسلم ونبذ الحرب ومفاهيم الإرهاب ، الجواب نعم .
و(عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قال إبليس لربه تعالى : يا رب قد أهبط آدم ، وقد علمت أنه سيكون كتاب ورسل ، فما كتابهم ورسلهم؟
قال : رسلهم الملائكة والنبيون ، وكتبهم التوراة والإِنجيل والزبور والفرقان .
قال : فما كتابي؟
قال : كتابك الوشم ، وقراءتك الشعر ، ورسلك الكهنة ، وطعامك ما لم يذكر اسم الله عليه ، وشرابك كل مسكر ، وصدقك الكذب ، وبيتك الحمام ، ومصائدك النساء ، ومؤذنك المزمار ، ومسجدك الأسواق)( ).
من بديع صنع الله عز وجل صيرورة الموت عاقبة كل إنسان , قال تعالى [إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ]( ) وأخبر القرآن عن وقوف الناس بين يدي الله عز وجل للحساب وفيه دعوة للموادعة واجتناب سلّ السيوف والإقتتال , نعم قد ذكر الله عز وجل الذين قتلوا في سبيله شهداء كما في معركة أحد حيث كان المشركون هم الذين غزوا المدينة , و(عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }( ).
وكذا قال قتادة ، والربيع ، والضحاك : إنها نزلت في قتلى أحد) ( ).
فقد النبي (ص)
يكثر القرآن من التذكير بالموت , لدعوة الناس للإستعداد له , ومن ضروب التهيء للموت إجتناب التعدي والإرهاب .
لقد ورد قوله تعالى كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَمواساة متقدمة للمسلمين على وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليكون أول من نعاه ورثاه هو الله عز وجل ، وتفضل وأخبر المسلمين بموته قبل أن يغادر الدنيا .
و(عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبى طالب عليهم السلام ، قال: لما تُوفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجاءت التعزية، جاءهم آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه .
فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }( ) .
إن في الله عَزَاءً من كل مُصِيبة، وخَلَفًا من كل هالك، ودركًا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال جعفر بن محمد: فأخبرني أبي أن علي بن أبي طالب قال: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر، عليه السلام .) ( ).
وفي ذات الوقت الذي يذكر القرآن المسلمين بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فان آياته تبعث المسلمين على العمل الصالح وتعاهد الفرائض والعبادات بقوله تعالى [وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] ( ) وليس من مصيبة أعظم واكبر من فقد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فبمغادرته الدنيا تفتقد أمور وهي :
الأول : التنزيل ، إذ ينقطع نزول آيات القرآن إلى يوم القيامة ، وليس من كتاب آخر غير القرآن ينزل بعده فهو خاتم الكتب السماوية .
الثاني : إنقطاع الوحي ، فلا ينزل الملك بصفة وحي النبوة ، وبين الوحي والقرآن عموم وخصوص مطلق , فكل قرآن هو وحي وليس العكس .
لقد كانت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبباَ للحزن المركب والأسى .
الثالث : فقد شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , والحرمان من طلعته البهية , وعن (الإمام الباقر عليه السلام قال : لما بقي من أجل رسول اللهّ صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث نزل جبريل مغموماَ ، فقال : يا أحمد، إن الله أرسلني إليك إكراماً لك، وتفضيلاً لك، وخاصة بك يسألك عما هو أعلم به منك يقول لك: كيف تجدك؟.
قال: أجدني يا جبريل مغموماً، وأجدني يا جبريل مكروباً ” . فلما كان في اليوم الثاني هبط إليه جبريل.
فقال: يا أحمد، إن اللّه أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلاً لك وخاصة بك يسألك عما هو أعلمِ به منك، يقول: كيف تجدك؟
قال : ” أجدني يا جبريل مغموماً وأجدني يا جبريل مكروباَ ” .
فلما كان اليوم الثالث نزل عليه جبريل، وهبط معه ملك الموت، ونزل، معه ملك يقال له إسماعيل يسكن الهواء لم يصعد إلى السماء قط ولم يهبط إلى الأرض منذ يوم كانت الأرض على سبعين ألف ملك ليس منهم ملك إلا على سبعين ألف ملك، فسبقهم جبريل .
فقال: يا أحمد، إن اللّه أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلاً لك، وخاصة بك، يسألك عما هو أعلم به منك، ويقول لك: كيف تجدك. قال: أجدني يا جبريل مغموماً وأجدني يا جبريل مكروباً .
ثم إستأذن ملك الموت، فقال جبريل: يا أحمد، هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمي كان قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك
قال: ” ائذن له ” .
فدخل ملك الموت فوقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فقال: يا رسول الله يا أحمد، إن اللّه أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك في كل ما تأمرني، إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها، وإن أمرتني أن أتركها تركتها، قال: ” وتفعل يا ملك الموت؟ ” .
قال: أمرت بذلك أن أطيعك في كل ما تأمرني به، فقال جبريل: ” يا أحمد، إن الله قد اشتاق إليك، قال: ” فامض يا ملك الموت لما أمرت به.
قال جبريل: ” السلام عليك يا رسول اللّه، هذا آخر مواطئي الأرض، إنما كنت حاجتي من الدنيا.
فتوفي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، وجاءت التعزية يسمعون الصوت والحس ولا يرون الشخص: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته، ” كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة “( )، في الله عزاءً عن كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، إنما المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته) ( ).
الرابع : فوات نعمة إستغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم للناس , قال تعالى [وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] ( ).
الخامس : إنقطاع الحديث النبوي , والسنة النبوية القولية والفعلية , والتي هي من الوحي , قال تعالى [وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى] ( ).
وقد ورد عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن عصى عليا فقد عصاني) ( ).
لقد كانت سنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خيرا محضا وعلى وجوه مباركة :
الأول : أنها ضياء ومنهاج للناس .
الثاني : فيها تهذيب للأخلاق .
الثالث : أنها برزخ دون الفتنة والضلال , قال تعالى [فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] ( ).
و(عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : أخوف ما أخاف عليكم ثلاثاً : رجل آتاه الله القرآن ، حتى إذا رأى بهجته وتردى الإسلام ، أعاره الله ما شاء ، اخترط سيفه ، وضرب جاره ، ورماه بالكفر.
قالوا : يا رسول الله ، أيهما أولى بالكفر ، الرامي أو المرمي به؟
قال : الرامي ، وذو خليفة قبلكم آتاه الله سلطاناً فقال : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، وكذب ما جعل الله خليفة حبه دون الخالق ، ورجل استهوته الأحاديث كلما كذب كذبة وصلها بأطول منها ، فذاك الذي يدرك الدجال فيتبعه) ( ).
منهاج الدراسة في الحوزة
قال تعالى [وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] ( ).
و(عَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ .
وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَرِثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) ( ).
ويتعلق موضوع هذا البحث بمناهج الدراسة والتدريس في الحوزة العلمية الشريفة التي صار لها أكثر من ألف سنة والتي تعد المبلغين والعلماء والمفتين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والخطباء وأئمة الجمعة والجماعة .
وتتعدد أفراد ومناهج الدراسة الحوزوية لتعدد العلوم التي تدرس فيها , والمقاصد السامية , والغايات الحميدة لقيامها وهو من أسباب دوامها وعدم تأثرها بالتقلبات السياسية والإجتماعية , خاصة وأن هذه الدراسة تستلزم التفرغ لها .
ولابد لطالب الحوزة العلمية أن يدرس كلاً من :
الأول : علوم اللغة العربية والنحو والصرف , والبلاغة والبيان في الجملة .
الثاني : علم الفقه , وهو الأصل الذي تتقوم به دراسة الحوزة , ويسعى الطالب فيها لبلوغ مرتبة الفقاهة .
الثالث : علم التفسير وقد شرعنا في البحث الخارج للتفسير في الحوزة النجفية من سنة 1999 .
الرابع : علم أصول الفقه.
الخامس : علم المنطق .
السادس : علم الحديث .
السابع : علم الرجال .
الثامن : علم الكلام والعقائد .
التاسع : الفلسفة .
العاشر : علم الأخلاق .
الحادي عشر : الخطابة .
وكان في السابق يدرس في الحوزة علم الهيئة والرياضيات , ولا يعني هذا أن طالب الحوزة العلمية يتقن كل هذه العلوم أو يدرس الكتب العديدة لكل علم , إنما يدرس عبر مراحل الدراسة المتعددة الكتب الخاصة بكل علم بما ينهل منها .
ويكون الإنتفاع والتوسع فيها من الكلي المشكك لأن حضور الدرس يتقوم في الغالب بالقراءة في كتاب خاص بذات العلم مع مناقشته , وقيام الأستاذ بشرح المصطلحات وتوضيح الفكرة , وتقريب المعنى لأذهان الطلبة .
فالملاك هو التلبس بطلب العلم واستقراء المسائل ساعة الدرس وخارجه .
ومن خصائص الدراسة الحوزوية أن الطالب هو الذي يختار الأستاذ الذي يدرس عنده , وموضوع الكتاب , ولكن الكتب في كل مرحلة من الدراسة تكون ثابتة في الجملة إلا بعض التغييرات فيها .
ولغة التدريس في الحوزة العلمية هي العربية , وكانت بعض الدروس والبحث الخارج تدرس باللغة الفارسية , والدراسة في الحوزة الشريفة على مراحل .
المرحلة الأولى : مرحلة المقدمات :
وتبدأ بدراسة رسالة علمية مبسطة لمرجع من الأحياء أو من المعاصرين ممن سبق كما لو كانت رسالته مما عمل بها , وقد درسنا في مرحلة المقدمات منهاج الصالحين للسيد الخوئي (العبادات والمعاملات).
وكان من ألذ الدروس لأنك تشعر بالإنتقال من سؤالك للغير عن أمور دينك ودنياك إلى التأهل لها , والإستعداد للفوز بالأجر والثواب بإجابة الآخرين منها , وكأن حاجزا ًبينك وبين الجهالة قد زال , وقد أنعم الله عز وجل على الناس فجعل كلامه بين ظهرانيهم تقرأونه كل يوم , وقد درس أولادي وعدد قليل غيرهم مختصر رسالتي العلمية (العهد) .
ويفكك الأستاذ العبارة ويشرح مضمون المسألة مع استدلال مبسط لبعض المسائل الفقهية .
وكذا تدرس في هذه المرحلة تبصرة المتعلمين في أحكام الدين للعلامة الحلي ت 726.
وسميت هذه المرحلة مقدمات لأنها مقدمة فيما يراد التخصص بدروس الفقه والأصول , وتدرس في النحو الأرجومة , وشرح قطر الندى لإبن هشام , وخلاصة المنطق والبلاغة الواضحة , وكتاب المعالم الجديدة للأصول للسيد الصدر .
ويصح اختيار بعض الكتب لعلماء معاصرين تتصف بوضوح العبارة, وحسن التبويب وجودة التنظيم .
وهذه العلوم لابد منها في مرحلة المقدمات وإن طالت مدتها وقد يضيف لها الطالب بعض العلوم كالعروض والبديع وكيفية الدراسة أن يقرأ الأستاذ العبارة والمسألة ثم يفككها ويبينها ويقربها للأذهان , وفي ختام الدرس يستمع لمناقشة وأسئلة الطلبة وعليه أن لا يستخف ببعض الأسئلة خاصة وأن مداركهم مختلفة , وهم في بدايات الدراسة الحوزوية , ومن الأساتذة من يأتي بالمناقشة خلال الدرس , والأكثر لا يرتضيه لما فيه من تشتيت لذهن الطالب , وتفويت الفرصة والمنفعة وبعض المطالب على عموم الطلبة الذين يحضرون الدرس .
المرحلة الثانية : وهي مرحلة السطوح المتوسطة , وتدرس فيه اللمعة الدمشقية للشيخ محمد بن مكي العاملي (734-786) هجرية , وهو دورة فقهية كاملة بلغة موجزة ومعها شرح الروضة البهية للشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (911- 965) هجرية , ودروات اللمعة حاجة لطالب العلم لما فيها من جزالة العبارة والإيجاز من غير إخلال , وعندي شرح عليه اسمه (اشراقة اللمعة) .
ويبدأ كتاب اللمعة الدمشقية بالعبادات ثم المعاملات ثم الأحكام , ويضم كتاب اللمعة كلاً من :
الأول : كتاب الطهارة .
الثاني : كتاب الصلاة .
الثالث : كتاب الزكاة .
الرابع : كتاب الخمس .
الخامس : كتاب الصوم .
السادس : كتاب الإعتكاف .
السابع : كتاب الحج .
الثامن : كتاب الجهاد .
التاسع : كتاب الكفارات .
العاشر : كتاب النذر .
الحادي عشر : كتاب القضاء .
الثاني عشر : كتاب الشهادات
الثالث عشر : كتاب الوقف .
الرابع عشر : كتاب الهبة .
الخامس عشر : كتاب المكاسب .
السادس عشر : كتاب الدَين .
السابع عشر : كتاب الرهن .
الثامن عشر : كتاب الحِجر .
التاسع عشر : كتاب الضمان .
العشرون : كتاب الحوالة .
الواحد والعشرون : كتاب الكفالة .
الثاني والعشرون : كتاب الصلح .
الثالث والعشرون : كتاب الشركة .
الرابع والعشرون : كتاب المضاربة .
الخامس والعشرون : كتاب الوديعة .
السادس والعشرون : كتاب العارية .
السابع والعشرون : كتاب المزارعة .
الثامن والعشرون : كتاب المساقاة .
التاسع والعشرون : كتاب الإجارة .
الثلاثون : كتاب الوكالة .
الواحد والثلاثون : كتاب الشفعة .
الثاني والثلاثون : كتاب السبق والرماية.
الثالث والثلاثون : كتاب الجعالة.
الرابع والثلاثون : كتاب الوصايا .
الخامس والثلاثون : كتاب النكاح .
السادس والثلاثون : كتاب الطلاق .
السابع والثلاثون : كتاب الخلع والمباراة .
الثامن والثلاثون : كتاب الظهار .
التاسع والثلاثون : كتاب الإيلاء .
الأربعون : كتاب اللعان .
الواحد والأربعون : كتاب العتق .
الثاني والأربعون : كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد .
الثالث والأربعون : كتاب الإقرار .
الرابع والأربعون : كتاب الإقرار .
الخامس والأربعون : كتاب الغصب .
السادس والأربعون : كتاب اللقطة .
السابع والأربعون : كتاب إحياء الأموات .
الثامن والأربعون : كتاب الصيد والذبائح .
التاسع والأربعون : كتاب الأطعمة والأشربة .
الخمسون : كتاب الميراث .
الواحد والخمسون : كتاب الحدود .
الثاني والخمسون : كتاب القصاص .
الثالث والخمسون : كتاب الديات .
وتكون دراسة اللمعة والروضة في بحث واحد خاصة وأن كتاب الدرس جامع لهما , وقد درستها عند الأستاذ جعفر الربيعي .
ويدرس في الأصول : أصول الفقه للشيخ محمد رضا المظفر , وكتاب المنطق للشيخ المظفر , وكتاب الحاشية في المنطق للعلامة عبد الله اليزدي ت 988هجرية .
أو الحلقة الأولى من دروس أصول الفقه للسيد محمد باقر الصدر , وفي علم الكلام الباب الحادي عشر وغيره .
ويدرس في الفقه الإستدلالي الأصول العامة للفقه المقارن للسيد محمد تقي الحكيم. وجواهر البلاغة للسيد أحمد بن إبراهيم الهاشمي , وألفية ابن مالك في النحو وبعضهم يدرس شرح ابن عقيل وبعض كتب الصرف مثل شذا العرف , ودراسة علم التفسير والحديث وعلم الرجال والتعديل والجرح وعلم الكلام سواء على نحو الإستقلال أو اثناء الدراسة والأولى .
وهذه المرحلة , مرحلة المقدمات هي أشد مراحل الدراسة وتستلزم المواظبة وقد تستمر ثمان سنوات , ويمكن اختصارها بالتداخل في الدراسة.
وتخصيص بحث مستقل للتفسير في مرحلة السطوح لبيان مناهج التفسير , وتأريخه ومقدمات عن علوم القرآن من النسخ , والمحكم والمتشابه , وأسباب النزول , والمكي والمدني.
و(عن أبي البختري قال : دخل علي بن أبي طالب عليه السلام المسجد فإذا رجل يخوّف فقال : ما هذا؟!
فقالوا : رجل يذكر الناس . فقال : ليس برجل يذكر الناس ولكنه يقول أنا فلان بن فلان فاعرفوني ، فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟
فقال : لا . قال : فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه)( ).
وهناك مؤلفات عديدة لأساتذة في الحوزة في هذه الأيام وفي مختلف علوم الحوزة, لا بأس من الإنتفاع منها وتدريسها خاصة وأنها خلاصة تجربة هؤلاء الأساتذة في الدرس والتدريس .
وتتعرض دروس الفقه والأصول لآيات الأحكام وتفسيرها وللأحاديث النبوية وأقوال المعصومين سواء في الكتاب المقرر أو عند شرح الأستاذ واستدلاله .
المرحلة الثالثة : وفيها يدرس كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري والرسائل وكتاب كفاية الأصول للآخوند وهو أهم كتاب في هذه المرحلة وقد درست الأول والثاني عند سماحة السيد محمد الكلنتر في جامعة النجف , وهو مؤسسها , وله شرح قيّم على كل منهما فانتفعنا من متن الكتاب والشرح الذي كانت أجزاؤه تطبع تباعاً ومن الأستاذ خاصة في كتاب البيع , ودرست الكفاية على يد الأستاذ الشيخ باقر القرشي .
ويدرس التفسير وعلم الرجال والتعديل والجرح , كما تدرس في هذه المرحلة دروس في علم الأصول بحلقاته الثلاثة للسيد الصدر , وتدرس القواعد الفقهية , وعلم الكلام والعقيدة وعلوم تفسير القرآن , وعلم الحديث والدراية وعلم الفلسفة , والسيرة , وحياة المعصومين وعلم الأديان , والمذاهب , والأدب العربي , ويطالب الطالب بإعداد بحث وتحقيق في الدروس التي درسها في هذه المرحلة .
المرحلة الرابعة : البحث الخارج , وهو أعلى مراتب الدراسة في الحوزة العلمية فهو نوع طريق للإجتهاد وملكة الإستنباط , وهو ليس قراءة في كتاب وشرح مفرداته ومسائله ومعانيه , إنما يختار الأستاذ موضوع أو مسألة سواء في بحث الفقه أو الأصول ثم يشرحها شرحاً وافياً ومستفيضاً , ويذكر الأقوال فيه وآراء المذاهب الإسلامية المختلفة مع ذكر أدلتها قدر المستطاع ويأتي بالآيات والروايات المناسبة في المقام , وفي الختام يبدي رأيه وفتواه مع الدليل الذي يرتكز إليه .
ويتولى التدريس فيه كبار علماء الحوزة , ويتضمن البحث الخارج السماح للطالب بالمناقشة , ويقوم الأستاذ بتشجيع الطلبة لأن فيها تنمية لملكة الإستنباط , وهي مقدمة للإجتهاد , وهذه المرحلة تكون جماعية من جهة عدد الحضور وقد يحضر مجتهد عند مجتهد آخر إذا كان من الأعلام .
أما من جهة موضع ومحل الدروس فليس في الحوزة النجفية على مدى تأريخها الذي يمتد لأكثر من ألف سنة قاعات أو بنايات خاصة للدروس , إنما تعقد دروسها وبحوثها في المساجد في الغالب وينقطع الدرس عند حلول وقت صلاة الظهر أو صلاة المغرب , ومن الدروس ما يعقد بعد صلاة العشاء .
وقد تجد أكثر من حلقة دراسية في آن واحد في المسجد , كما تعقد الدروس في الحسينيات , أو في بيت الأستاذ أو في مكتبة , ويجلس الأستاذ مع الطلبة على الأرض , وإذا كثر عدد الطلبة يجلس على المنبر كي يراه طلبته , ويستعمل حينئذ مكبر الصوت , وقد أدخلت الكراسي في الدرس الحوزوي إذ حضر يوماً طبيب العظام والكسور من الديوانية وتضايق عند الإفطار من الجلوس على الأرض , وقال إن الإنسان بعد الأربعين يضره الجلوس على الأرض .
وليس من كتاب مقرر في البحث الخارج , ولكن هناك كتب في الفقه والأصول ومختلف العلوم متعددة في المقام .
ولادة الإمام الحسين عليه السلام
في الثالث من شعبان من السنة الرابعة للهجرة على أشهر الروايات أطلّ على الأرض نور الإمامة بولادة الإمام الحسين عليه السلام و(عن زوجة العباس بن عبد المطلب وهي ام الفضل لبابة بنت الحارث قالت : رأيت في النوم قبل مولد الحسين عليه السلام كأن قطعة من لحم رسول الله قطعت ووضعت في حجري، فقصصت الرؤيا على رسول الله .
فقال: إن صدقت رؤياك فان فاطمة ستلد غلاما وأدفعه إليك لترضعيه، فجرى الأمر على ذلك، فجئت به يوما فوضعته في حجري فبال، فقطرت منه قطرة على ثوبه صلى الله عليه واله فقرصته فبكى.
فقال كالمغضب: مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت ابني، قالت: فتركته ومضيت لآتيه بماء، فجئت فوجدته صلى الله عليه وآله يبكي فقلت: مم بكاؤك يا رسول الله فقال: إن جبرئيل أتاني وأخبرني أن أمتي تقتل ولدي هذا.
ولم يثبت رضاعة أم الفضل للحسين مع قثم ، لأن العباس لم يكن هاجر بعد , وكان أسيراَ عند المسلمين في معركة بدر التي وقعت في السنة الثانية للهجرة , إلا أن تكون قد هاجرت بقثم قبل إسلام العباس .
وقد ذكرت القصة مع أم أيمن أيضاً وهو الأرجح خاصة وأن أم أيمن كانت حاضرة وقائع خطبة علي لفاطمة عليها السلام .
وأم أيمن هي بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحاضنته أي ليست مرضعته ، هاجرت الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول أم أيمن أمي بعد أمي ) ( ) .
وكانت أم أيمن أمة لاخت خديجة فوهبتها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقيل كانت مولاة لعبد الله أبي النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعن ابن سعد قالوا : كان ورثها من أمه فاعتقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين تزوج خديجة ، وكان زيد بن حارثة غلاماً لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعتقه ، وزوجه أم أيمن بعد النبوة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزور أم أيمن.
توفيت أم أيمن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمسة أشهر أو ستة أشهر.
وهي أم أسامة بن زيد بن حارثة وابنها أيمن من زوجها الأول عبيد الحبشي (كان أيمن هذا ممن بقي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين ولم ينهزم وذكره ابن إسحاق فيمن استشهد يوم حنين وأنه الذي عنى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بقوله في شعره :
وثامننا لاقى الحمام بسيفه … بما مسه في الله لا يتوجع ) ( ).
(عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي).
رواه الطبراني ورجاله ثقات وعن أنس قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني…
قال: وما ذاك؟ .
قال تزوجني فاطمة. فأعرض عنه، فرجع أبو بكر إلى عمر فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها. ثم فعل عمر ذلك، فأعرض عنه، فرجع إلى أبي بكر فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها. انطلق بنا إلى علي نأمره أن يطلب مثل ما طلبنا .
قال علي فأتياني له، فقالا: بنت عمك تخطب، فنبهاني لأمر، فقمت أجر ردائي..طرفه على عاتقي به، وطرفه الآخر في الأرض، حتى انتهيت إليه، فقعدت بين يديه فقلت: قد علمت قدمي في الإسلام، ومُناصَحَتي، وأني…قال: وما ذاك؟ قال تزوجني فاطمة، قال: وما عندك؟ قال: فرسى، وبدني.
قال : أما فرسك، فلا بد لك منه.
وأما بدنك فبعها، فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما، فأتيته بها، فوضعها في حجره، فقبض منها قبضة، فقال: يا بلال، ابتع طيبا، وأمرهم أن يجهزوها، فعجل لها سريرا مشروطا، ووسادة من أدم حشوها ليف .
وقال: (آت أهلك فلا تحدث بها حتى آتيك). فجاءت مع أم أيمن، فقعدت في جانب البيت، وأنا في الجانب الآخر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ها هنا أخي؟ ) .
قالت أم أيمن: أخوك وقد زوجته ابنتك؟! فقال لفاطمة: (آتيني بماء، فقامت إلى قعب في البيت فجعلت فيه ماء، فأتته به، فمج فيه، ثم قال: قومي، فنضح بين يديها، وعلى رأسها، وقال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم.
ثم قال: آتيني بماء، فعلمت الذي يريده، فملأت القعب فأتيته به، فأخذ منه بفيه، ثم مجه فيه، ثم صب على رأس علي وبين قدميه ثم قال: (ادخل على أهلك باسم الله)) ( ).
وقال أصحاب الحديث فلما أتت على الحسين سنة كاملة، هبط على النبي اثنا عشر ملكا على صور مختلفة أحدهم على صورة بني آدم يعزونه ويقولون إنه سينزل بولدك الحسين ابن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل، وسيعطى مثل أجر هابيل، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل، ولم يبق ملك إلا نزل إلى النبي يعزونه والنبي يقول: اللهم اخذل خاذله، واقتل قاتله، ولا تمتعه بما طلبه.
وعن أشعث بن عثمان، عن أبيه، عن أنس بن أبي سحيم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: إن ابني هذا يقتل بأرض العراق، فمن أدركه منكم فلينصره فحضر أنس مع الحسين كربلا وقتل معه. ورويت عن عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش، عن شيخه أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، عن رجاله، عن عائشة قالت:
دخل الحسين على النبي وهو غلام يدرج فقال: أي عائشة ألا اعجبك لقد دخل علي آنفا ملك ما دخل علي قط فقال: إن ابنك هذا مقتول، وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها فتناول ترابا أحمر فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة فأخرجته يوم قتل وهو دم.)( ).
وعندما ولد الحسين عليه السلام جاء رسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال : يا أسماء , وقيل هي بنت عميس , هاتي ابني , فدفعته إليه في خرقة بيضاء , فأذن في أذنه اليمنى , وأقام في اليسرى , ووضعه في حجره وبكى , فقالت أسماء : قلت فداك أبي وأمي مم بكاؤك , فقال ابني هذا؟
قلت : إنه ولد الساعة .
ولكن أسماء بنت عميس كانت آنذاك في الحبشة مع جعفر الطيار.
ولعلها أسماء بنت زيد الأنصاري , احدى نساء بني الأشهل ، وهي ممن بايعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن لم تحضر بيعة العقبة ، وهي ابنة (عمة معاذ بن جبل تكنى أم سلمة وقيل أم عامر مدنية . كانت من ذوات العقل والدين .
روي عنها أنها أتت النبي صلى الله عليه وآله و سلم فقالت : إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهن يقلن بقولي وعلى مثل رأيي إن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك ، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات قواعد بيوت ومواضع شهوات الرجال ، وحاملات أولادهم.
وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز والجهاد وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله .
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجهه إلى أصحابه فقال: ” هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه ” . فقالوا : بلى والله يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” انصرفي يا أسماء وأعلمي من ورائك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال ” .
فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارا بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ( ) .
وتدل عناية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأهل بيته على منهاج السلام والرأفة الذي ينتهجه في حياته اليومية ، وفيه دعوة للمسلمين والناس جميعاً لنشر شآبيب الرحمة والمودة داخل بيوتهم ، وتنمية صلة الرحم بين الأهل والأقارب، قال تعالى [وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ] ( ).
وورد عن عكرمة (في قوله { الذي تساءلون به والأرحام }( ) قال : قال ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يقول الله تعالى : صلوا أرحامكم فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا ، وخير لكم في آخرتكم) ( ).
وهل العناية بالعيال شاهد على إرادة السلام ، الجواب نعم ، لما فيه من حب الدعة والسكينة .
لقد بعث الله عز وجل الأنبياء لبناء الأسرة المؤمنة الصالحة التي يشكر أفرادها الله عز وجل ويتناجون بالإمتناع عن الإرهاب والظلم ، ويحث بعضهم بعضاً على الصبر ، قال تعالى [ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ] ( ).
قانون آيات الدفاع في القرآن
لقد وردت مادة (قتل) في آيات عديدة من القرآن , ولابد من التدبر في معانيها , ولحاظ أوانها والحال التي كان عليها المسلمون وإصرار المشركين على الهجوم عليهم , وقد بدأت دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة بأمور :
الأول : مناداة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بكلمة التوحيد , (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) .
الثاني : إخبار النبي محمد صلى الله وآله وسلم عن كونه رسولاً من عند الله عز وجل , [قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ]( ) وتلاوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم آيات القرآن , وكان هذا الإخبار على جهات :
الأولى : التبليغ لأهل البيت وعموم بني هاشم بأمر من عند الله عز وجل , إذ بدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأقربين , قال تعالى [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] ( ) .
و(عن البراء قال : لمّا نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} ( ) جمع رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم} بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً،الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العس،فأمر عليّاً برِجْل شاة فأدمها ثم قال : ادنُوا باسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا،ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم : اشربوا باسم الله،فشرب القوم حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال : هذا ما يسحركم به الرجل.
فسكت النبي {صلى الله عليه وآله وسلم} يومئذ فلم يتكلّم. ثمَّ دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم} فقال : يا بني عبد المطلب إنّي أنا النذير إليكم من الله سبحانه والبشير لما يجيء به أحد منكم،جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا وأطيعوني تهتدوا،ومَن يواخيني ويؤازرني ويكون وليّي ووصيي بعدي،وخليفتي في أهلي ويقضي ديني؟
فسكت القوم، وأعاد ذلك ثلاثاً كلّ ذلك يسكت القوم.
ويقول علي : أنا فقال : أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب : أطع ابنك فقد أُمِّر عليك) ( ).
وهل من ينحصر إنذار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعشيرته بهذا اللقاء أم أنه يتكرر مع هؤلاء الأربعين ومع غيرهم الجواب لا .
الثانية : إتصال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأفراد , ودعوتهم للإسلام , وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على سؤال الذي يتصل به بأن لا يفشي خبره خشية بطش رؤساء قريش .
الثالثة : دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفود الحاج من رجال القبائل وأهل يثرب والطائف واليمن للتصديق بنبوته منتفعاً من الأشهر الحرم التي يصادف شهران من أشهر الحج منها وهما شهر ذي القعدة وذي الحجة , [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ]( ).
ومن أشهر الحج كما في قوله تعالى [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَاأُوْلِي الأَلْبَابِ]( ).
الرابعة : الدعوة الفعلية , إذ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقوم بأداء الصلاة في البيت الحرام , بمرآى ومسمع من رجال قريش , والوافدين إلى البيت الحرام , ويسمع الناس تلاوته للقرآن في الصلاة ويرون وركوعه وسجوده , وصلاة الإمام علي عليه السلام وخديجة أم المؤمنين خلفه .
وهذا الإصطلاح الدعوة العملية مستحدث في هذا الجزء من التفسير , ترى ما هي النسبة بينه وبين السنة الفعلية , الجواب هو العموم والخصوص المطلق , فالسنة النبوية أعم .
الخامسة : زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض البيوت والأشخاص , وتلاوة القرآن عليهم .
ومن الإعجاز في المقام أنه لم يتردد من الذهاب إلى رؤساء قريش ويدعوهم إلى الإسلام , وكان عقبة بن أبي معيط يكثر من مجالسة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقدم عقبة من سفر فصنع طعاماً , ودعا أشراف قومه , ومنهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلما قُرب الطعام , قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، فأكل رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم} من طعامه) ( ).
لبيان دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للفرد بحضور الجماعة والرؤساء من قريش وفيه معجزة حسية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودليل على صدق نبوته , وعدم خشيته من رؤساء قريش .
ومن الآيات في المقام أن عقبة إستجاب لطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعترض أحد في المجلس على طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الإستجابة , ولكن أبي بن خلف كان غائباً , وعندما رجع إلى مكة أُخبر بالقصة فقال (أُبي : صبأت يا عقبةُ , قال : والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل من طعامي حتى أشهد له , فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له.
فقال أُبي : ما أنا بالذي أرضى عنك أبداً إلا أن تأتيه فتبصق( ) في وجهه وأمتثل عقبة لأمر أُبي بن خلف , ونزل قوله تعالى وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً *يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً .
ليكون المراد من فلان هو أبي بن خلف , ومعنى الآية أعم من سبب النزول إذ أنها تتضمن الإنذار من مصاحبة واتباع الفاسق والظالم , الذي يدعو لإتباع الهوى , ويمتنع عن أداء الفرائض العبادية , ويظهر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الصبر والتحمل , ويستمر في دعوته .
وتمر الأيام ويهاجر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة مضطراً , وفي شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة تناجى رؤساء قريش للنفير والخروج لقتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان عقبة بن أبي معيط من أشهر المحرضين للخروج .
فمثلاً جاء إلى أمية بن خلف وكان جسيماً وثقيلاً , وتثاقل عن الخروج , وحينما كان جالساً في المسجد الحرام بين ظهراني قومه جاءه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها نار( ) ووضعها بين يديه ثم قال : يا أبا علي استجمر , فإنما أنت من النساء .
فشعر أبي بالحرج , وقال قبحك الله , وقبح ما جئت به .
والمجمرة والتبخر بها لا يختص بالنساء , ولكنه الغالب ومجئ عقبة بالمجمرة أمام الملأ وفي المسجد الحرام لتعيير أبي بن خلف .
وقد يكون التبخر للإكرام كما حكي عن (المأمون كان إذا تبخرَّ طرح العود والعنبر، فإذا تبخر أمر بإخراج المجمرة ووضعها تحت الرّجل من جلسائه إكراماً له؛ فحضر أحمد بن يوسف يوماً وتبخر المأمون على عادته ثم أمر أن يوضع المجمر تحت بن يوسف فقال: هاتوا إذاً المردود.
فقال : ألنا يقال هذا , ونحن نصل رجلاً واحداً بستة آلاف ألف دينار؟
إنّما قصدنا إكرامك وأن أكون أنا وأنت قد اقتسمنا بخوراً واحداً؛
يحضر عنبر، فأحضر منه شيء في غاية الجودة في كل قطعة في المجمر يبخّر بها أحمد ويدخل رأسه في زيقه حتى ينفد بخورها. وفعل به ذلك وبقطعة ثانية وثالثة وهو يصيح ويستغيث، وانصرف إلى منزله وقد احترق دماغه واعتلَّ ومات.
وأحمد بن يوسف بن القاسم العجلي بالولاء , الكاتب توفى سنة (213 هـ/828م) من أهل الكوفة .
ولى ديوان الرسائل للمأمون , ومنهم من شك في هذا الخبر لأن أحمد بن يوسف يعرق مقام الخليفة , وكان المأمون يحبه , ونسب إليه بيت من الشعر :
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه … فصدر الذي يستودع السر أضيق
ولكن هذا البيت ليس له , وهو سابق لزمانه حتى صار مثلاً .
قال : (أبو هلال العسكري أنه مثل سائر ) ( ) ومنهم من ينسب البيت إلى شاعر من غير تعيين( ) ومنهم من ينسبه إلى العتبي في قصيدته
ولي صاحبٌ سري المكتم عنده … مخاريق نيران بليلٍ تُحرَّق
عطفت على أسراره فكسوتها … ثياباً من الكتمان ما تتخرق
فمن تكن الأسرار تطفو بصدره … فأسرار نفسي بالأحاديث تغرق
فلا تودعن الدهر سرك جاهلاً … فإنك إن أودعته منه أحمق
وحسبك في سر الأحاديث واعظاً … من القول ما قال الأديب الموفق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه … فصدر الذي يستودع السر أضيق( ).
وكانت له جارية يقال لها نسيم كان لها من قلبه مكان خطير فقالت ترثيه:
ولو أنّ ميتاً هابه الموت قبله … لما جاءه المقدار وهو هيوب
ولو أنّ حيّاً قبله صانه الردى … إذا لم يكن للأرض فيه نصيب
وقالت ترثيه أيضاً:
نفسي فداؤك لو بالناس كلّهم … ما بي عليك تمنّوا أنهم ماتوا
وللورى موتة في الدهر واحدة … فألسننا حرب وأبصارنا سلم
وتحت استراق اللحظ منا مودّةٌ … تطلّع سرّاً حيث لا يبلغ الوهم)( ).
لقد أراد أبو جهل تعييره , فأمر أمية بن خلف أن يشترى له بعير وتجهز معهم , وأراد عتبة بن ربيعة القعود وعدم الخروج , ولكن أخاه شيبة (قال : له أخوه شيبة : إن فارقنا قومنا كان ذلك سبة علينا، فامض مع قومك، فمشى معهم)( ).
فكان أن قتلا معاً في بداية المعركة وقتل معهما الوليد بن عتبة بعد أن إختاروا طلب المبارزة حمية وعناداً وجهالة , خاصة وأنهم علموا قبل الوصول إلى موضع معركة بدر أن قافلة أبي سفيان في طريقها إلى مكة سالمة ولم يتعرض لها أحد , وأن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه حاضرون في ميدان بدر , لتكون حجة عليهم , قال تعالى [قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ]( ) .
وأبو سفيان رئيس القافلة هو زوج هند بنت عتبة , التي قُتل في ساعة واحدة أبوها وأخوها وعمها , ومن الآيات أن أخاها الآخر أبا حذيفة يقف يومئذ إلى جانب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم , واسم أبي حذيفة هُشيم , وقيل هاشم .
وكان رجالات قريش لا يطيقون رؤية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في المسجد الحرام فصاروا يؤذونه بالإستهزاء والسخرية والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يتلقى أذاهم بالصبر والحلم مع المواظبة على الدعوة إلى الله عز وجل , ثم لجأوا إلى إيذائه باليد والفعل عندئذ أسمعهم دعاءه وشكواه إلى الله عز وجل , فكان يوماً ثقيلاً عليهم , (عن عبد الله بن مسعود قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا على قريش غير يوم واحد، فإنه كان يصلى ورهط من قريش جلوس، وسلا جزور قريب منه.
فقالوا: من يأخذا هذا السلا فيلقيه على ظهره ؟
فقال عقبة بن أبى معيط: أنا.
فأخذه فألقاه على ظهره.
فلم يزل ساجدا حتى جاءت فاطمة فأخذته عن ظهره) ( ).
قانون إحصاء آيات الدفاع
لقد جعل الله عز وجل الحياة الدنيا دار النعم وملأها بلطفه وإحسانه على الناس جميعاً , فينهل البر والفاجر من فضله , وكل فرد من هذا الفضل يذّكر الناس بوجوب عبادته تعالى , ومن النعم الإلهية جعل الله عز وجل التنزيل مصاحباً للناس في حياتهم العامة والخاصة , يصدرون عنه لينالوا الخير والتوفيق , قال تعالى [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] ( ) لتجمع آيات القرآن أحكام العبادات والمعاملات وسنن الحياة ، وأسباب الرقي والأمن والعز .
وذكرت آيات القرآن ما لاقاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أذى المشركين ، وإصرارهم على إرادة قتله ، وحشد الجيوش لقتاله وأصحابه ، ليتضمن القرآن كلاً من :
الأولى : آيات الدفاع .
الثانية : آيات الصلح ومنها صلح الحديبية .
الثالثة : آيات القتال في سبيل الله .
الرابعة : آيات الجهاد في سبيل الله .
الخامسة : آيات الهجرة , ومنها آية الغار , وقوله تعالى [لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ] ( ) وتشمل هذه الآيات المسلمات كما في قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] ( )ومنه [اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا] ( )
السادسة : آيات وقائع المعركة وفيها وجوه :
الأول : آيات معركة بدر .
الثاني : آيات معركة أحد .
الثالث : آيات معركة الخندق .
الرابع : آيات فتح مكة .
الخامس : آيات معركة حنين .
السادسة : آيات الشهادة منها قوله تعالى [وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ] ( ).
السابعة : آيات الأسرى , وحسن معاملتهم .
الثامنة : مقدمات المعركة .
التاسعة : نتائج القتال .
العاشرة : الصبر عند القتال ، وتسمى آيات القتال هذا السِفر بآيات الدفاع والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق ، فالقتال أعم لبيان أن قتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه دفاعاً محضاً وضرورة ، من أسباب المجذاب للناس للإسلام وأحكامه وإنصاتهم لآيات القرآن ، وسأقوم بقراءة بيانية لأكثر الآيات التالية بما يؤكد هذا القانون ويدل على تنزه الإسلام والقرآن وسيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن الغزو أو القتال ، إنما كان الدفاع حاجة وضرورة لنشر السلام والأمن في الجزيرة والعالم ، وحمل وإكراه المشركين على الكف عن قتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ولا يتعارض هذا القانون مع إحصاء وتقسيم آيات الدفاع وفق التقسيم أعلاه أو غيره ، ولكن الكبرى الكلية في المقام أن كل ذكر للقتال والجهاد في القرآن إنما هو أمر للمسلمين للدفاع المقرون بالصبر ، والإستغناء عن القتال عندما يكف المشركون عنه ، ويمتنعون عن التحشيد لغزو المدينة ، ومن آيات الدفاع :
سورة البقرة
الأولى : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ( )( )
- الثانية : وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ
الثالثة : فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( )
الرابعة : َقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ( ) .
الخامسة : الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ( ) .
السادسة : وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( )
السابعة : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ( ).
الثامنة : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( ) .
التاسعة : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( ) .
سورة آل عمران
العاشرة : وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ( )
الحادية عشرة : وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ( )
الثانية عشرة : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ( )
الثالثة عشرة : بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ( )
الرابعة عشرة : سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ( )
الخامسة عشرة : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ( )
السادسة عشر ة: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( ).
السابعة عشرة : وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ( ).
الثامنة عشرة : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ( )
التاسعة عشرة : إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ( )
العشرون : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ( )
الحادية والعشرون : وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ( ).
الثانية والعشرون : فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ( )
سورة النساء
الثالثة والعشرون : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا( )
الرابعة والعشرون : وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا( )
الخامسة والعشرون : وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا( )
السادسة والعشرون : فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا( )
السابعة والعشرون : وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا( )
الثامنة والعشرون: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا( )
التاسعة والعشرون : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا( )
الثلاثون : أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا( )
الواحدة والثلاثون : مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا( )
الثانية والثلاثون : فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا( )
الثالثة والثلاثون: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا( )
الرابعة والثلاثون : لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا( )
الخامسة والثلاثون : إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا( )
السادسة والثلاثون : إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا( )
السابعة والثلاثون : فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا( )
الثامنة والثلاثون : وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا( )
التاسعة والثلاثون : وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا( )
الأربعون : وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا( )
الواحدة والأربعون : فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا( )
الثانية والأربعون : وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا( )
سورة المائدة
الثالثة والأربعون : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ( )
الرابعة والأربعون :يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ( )
الخامسة والأربعون :قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ( )
السادسة والأربعون : قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ( )
السابعة والأربعون : قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ( )
الثامنة والأربعون : قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ( )
سورة الأنفال
التاسعة والأربعون : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ( )
الخمسون : وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( )
الواحدة والخمسون : وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ( )
الثانية والخمسون : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ( )
الثالثة والخمسون : الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ( )
الرابعة والخمسون : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( )
الخامسة والخمسون : لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ( )
السادسة والخمسون : فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( )
السابعة والخمسون : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( )
الثامنة والخمسون : وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( )
سورة التوبة
التاسعة والخمسون : بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ( )
الستون: فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي ( )
الواحدة والستون : وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ( )
الثانية والستون : فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( )
الثالثة والستون : وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ( )
الرابعة والستون : كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ( )
الخامسة والستون : لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ( )
السادسة والستون : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ( )
السابعة والستون : وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ( )
الثامنة والستون : قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ( )
التاسعة والستون : وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( )
السبعون : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( )
الواحدة والسبعون: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ( )
الثانية والسبعون : أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( )
الثالثة والسبعون :الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ( )
الرابعة والسبعون :- يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ( )
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ( )
الخامسة والسبعون :- يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ( )
السادسة والسبعون :- قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ( )
السابعة والسبعون :- لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ( )
الثامنة والسبعون :- ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ( )
التاسعة والسبعون :- يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( )
الثمانون : قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ( )
الواحدة والثمانون : -هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ( )
الثانية والثمانون : – إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ( )
الثالثة والثمانون : – إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ( )
الرابعة والثمانون : – يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ( )
الخامسة والثمانون : – إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( )
السادسة والثمانون : – إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( )
السابعة والثمانون : – انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ( )
الثامنة والثمانون : لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ( )
التاسعة والثمانون : عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ( )
التسعون : لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ( )
الواحدة والتسعون : إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ( )
الثانية والتسعون : وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ( )
الثالثة والتسعون : لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ( )
الرابعة والتسعون : لَقَدْ ابْتَغَوْا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ( )
الخامسة والتسعون : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ( )
السادسة والتسعون : إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ( )
السابعة والتسعون : قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ ( )
الثامنة والتسعون : قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ( )
التاسعة والتسعون : قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ( )
المائة : وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ( )
الواحدة بعد المائة : وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ( )
الثانية بعد المائة : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(
الثالثة بعد المائة : وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( )
الرابعة بعد المائة :-أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ( ) الْعَظِيمُ
الخامسة بعد المائة :- الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ( )
السادسة بعد المائة : فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ( )
السابعة بعد المائة : فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ( )
الثامنة بعد المائة : وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ( )
التاسعة بعد المائة : وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ( )
العاشرة بعد المائة :رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ( )
الحادية عشرة بعد المائة : أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( )
الثانية عشرة بعد المائة : وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنْ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( )
الثالثة عشرة بعد المائة : لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( )
الرابعة عشرة بعد المائة : وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ( )
الخامسة عشرة بعد المائة : إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( )
السادسة عشرة بعد المائة :يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لاَ تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( )
السابعة عشرة بعد المائة : يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ( )
الثامنة عشرة بعد المائة : مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ( )
التاسعة عشرة بعد المائة : وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( )
العشرون بعد المائة : وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ( )
الواحدة والعشرون بعد المائة : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ( )
الثانية والعشرون بعد المائة : وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ( )
سورة الحج
الثالثة والعشرون بعد المائة : إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ( )
الرابعة والعشرون بعد المائة : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ( )
الخامسة والعشرون بعد المائة : الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ( )
السادسة والعشرون بعد المائة : الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ( ).
سورة محمد
السابعة والعشرون بعد المائة : فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ( )
الثامنة والعشرون بعد المائة : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ( )
التاسعة والعشرون بعد المائة : فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ( )