- المقدمـــــــة
- الحمد لله الخالق الملك بديع السموات والأرض , يرزق من يشاء بغير حساب , خلق آدم وبارك في ذريته وجعل لهم من الأرض سكناَ ومقاماَ , وفي التنزيل [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ]( ).
- وزود الله الإنسان بسلاح العقل وجعله حجة دائمة وأنعم عليه مرة أخرى إذ أرشده وتعاهده في التوجيه نحو عمل الطاعات فأنزل القرآن وجعله هدى من الضلالة , ونوراَ في الظلمة , ووقاية وحرزاَ وأماناَ ودليلاَ لأعمال الروح , ونبراساَ للأعمال وخيمة صلاح دائم وصلة والتقاء ورحمة, وفي قوله تعالى [إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا] ( ) تحد متجدد وبشارة ووعد .
- ولقد أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم على حين فترة من الرسل, والله هو [الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ]( ) العليم بحاجة البشر ليخرج العقول من سباتها والنفوس من دائرة الغفلة , وليفيض على القلوب منافع وعظات مؤثرة , وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (“اللهم لا مانع لِما أَعْطَيْت، ولا معطِيَ لما مَنَعْتَ، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدّ”)( ), فلا يزال القرآن بالنفس يصلحها في طريق الحق والفلاح وإتيان الفرائض والواجبات والإكثار من الإحسان والصالحات ويدفعها بلطف عن الباطل لتتأذى منه وتتنكر للمنكر وتنفر عن سبيله , ويعالج الضعف المركب في النفس من حب الشهوات ويصرف عن الإنسان ما يتعرض له من إغواء الشيطان وإغرائه بالضبط والتأديب والسنن الشرعية والاعتدال وبيان الحدود والأحكام وآثار الفعل ونتائجه وبيان العاقبة.
- وجعل الله عز وجل الأسرة هي الوحدة الأولى في المجتمع فأقامها على أساس من الحق والإحسان والود والتسامح , وجاءت العقيدة حارساَ على الأمانة في التنفيذ والأعمال وبتربية ذات صبغة فطرية وكيفية تجريبية واقعية غير معقدة .
- ولا بعيدة عن فطرة النفس البشرية وما تطيق بتجانس مع الأزمنة في إختلافها , وفيه رحمة للناس وحجة قال تعالى [فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ]( ).
- وترى في القرآن الفصاحة والاستعارة والمجاز والكناية والتعريض والتلميح وما فيه وقع وتأثير نفسي وروحي يخترق شغاف القلوب لتستجيب النفوس وتنصاع وتفوز بالدارين .
- الحمد لله الذي جعل القرآن ربيع القلوب ، وشفاء للصدور وعطراً للآذان ، وتنقيحاً للمجالس , وواقية من الشر والأخلاق المذمومة ، وهو حرب على الإرهاب والإضرار بالناس ، وقد ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفي طرق متعددة في كتب المسلمين قوله (لا ضرر ولا ضرار) .
- ومن معانيه أن لا يضر الإنسان نفسه ، ولا يكون سبباً للإضرار بالآخرين ، ومنها أن لا يدخل ضرراً على غيره من أجل منفعة له ، والإرهاب والتفجير العشوائي ليس فيه منفعة للذات أو الغير ، إنما هو شر محض وضرر على الحاضر والغائب .
- الحمد لله الذي جعل القرآن سبيل استقامة الحياة ولواء العز ، ووسيلة العبور على الصراط يوم القيامة ، ومن نعمة الله عز وجل على المسلمين تلاوة كل مسلم ومسلمة قوله تعالى [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] ( ) سبع عشرة مرة على نحو الوجوب العيني في الصلاة ، ليكون شاهداً على الإقرار بالربوبية المطلقة لله عز وجل وأن بيده مقاليد كل شئ .
- الحمد لله الذي جعل تلاوة التنزيل مصاحبة لوجود الإنسان في الأرض من يوم هبوط آدم وحواء إليها ، ليكون ضياءً يملأ الآفاق وسهاماً تتوجه إلى الشيطان وواقية منه، ولا يعلم عدد الذين تابوا وأصلحوا بتلاوة التنزيل والإستماع له إلا الله عز وجل، وهو من معاني رحمة الله بالناس في الدنيا والآخرة ، لذا جعل الله عز وجل البسملة أول آية من سورة الفاتحة ، وأول آية في ترتيب ونظم القرآن بين الدفتين .
- وموضوع هذا الجزء هو أن آيات السلم والموادعة والصلح غير منسوخة مع بيان وتفسير لعدد من الآيات التي ذكر أنها منسوخة ، وقد يسأل بعضهم هل هناك آية منسوخة أم أن قوله تعالى [مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ) إرادة إمكان النسخ وليس بالضرورة تحققه واقعاً.
- الجواب هو الأول ، وأن هناك آيات منسوخة وعليه الإجماع وأظهرها:
- الأول : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ) ونسختها الآية التي بعدها [أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ]( ) ويتعلق النسخ بالأمر بالصدق وهو الرخصة والتخفيف , قال ابن عباس (قال ابن عباس : وذلك أنّ الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأكثروا،حتى شقّوا عليه وأحفوه بالمسألة فأدبّهم الله سبحانه وفطّنهم عن ذلك بهذه الآية ، وأمرهم أن لا يناجوه حتى يقدّموا صدقة) ( ).
- و(قال مجاهد : نهوا عن مناجاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حتى يتصدّقوا، فلم يناجه إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام قدّم ديناراً فتصدّق به ثمّ نزلت الرخصة.
- وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة}( ) فإنّها فرضت ثم نسخت) ( ).
- ومن الآيات أن النسخ جاء بعد ساعة من نهار لبيان مسألة وهي أن أمر النسخ ظاهر وبيّن , لا أن يأتي أحد التابعين لذكر آيات عديدة منسوخة لم يشر إلى نسخها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو الصحابة ,كما يلاحظ أن هذا النسخ خاص بأيام حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
- الثاني : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً* إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً] ( ) وهذه السورة من أوائل السور التي أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة .
- و(عن سعيد -هو ابن جبير-قال: لما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ }( ) قال: مكث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل، كما أمره، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه، فأنزل الله عليه بعد عشر سنين: { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ } إلى قوله: { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ }( ) فخفف الله تعالى عنهم بعد عشر سنين)( ) مما يدل على أن النسخ في حقيقته تخفيف ورخصة .
- ومن النسخ ما ورد من التدرج في حرمة الخمر ، وفيه تخفيف عن الناس بالتدرج في الحكم الشاق أو قطع ما اعتاد عليه شطر منهم ، إذ نزل قوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا] ( ) إذا أدرك الناس أن الإثم بسبب الخمر الأكثر وصاروا يلتفتون إلى مصاديق هذا الإثم وأسباب الضرر التي تترشح عن شرب الخمر .
- ومن الأثم الذنب والضرر والمفسدة ، وفيه تهيئة للأذهان لتحريمها ، ثم نزل تحريمها في أوقات الصلاة ، قال تعالى [ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى] ( ) فانتقل الأمر من بعث النفرة في النفوس من الخمر إلى تحريمها في أوقات مخصوصة وبيان تعارضها مع قدسية الصلاة وأن الصلاة هي صاحبة الوقت الأصلي ، وفيه تنمية لملكة حب الصلاة .
- (عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حبب إليَّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة) ( ).
- وكان بعضهم يشرب الخمر بعد صلاة العشاء ليصحو قبل صلاة الصبح ثم نزل تحريم الخمر على نحو الإطلاق بقوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]( ) وجاءت السنة النبوية للبيان وتأكيد تشريع حرمة الخمر (عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام .
- وأخرج الحاكم وصححه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : الزبيب والتمر هو الخمر ، يعني إذا انتبذا جميعاً .
- وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والنحاس في ناسخه والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن من الحنطة خمراً ، ومن الشعير خمراً ، ومن الزبيب خمراً ، ومن التمر خمراً ، ومن العسل خمراً ، وأنا أنهاكم عن كل مسكر) ( ).
- وذهب بعض العلماء إلى القول بالتدرج في فرض الصيام ، لأن في الإمساك عن شهوة الفرج والبطن مشقة ، فكان أولاً الصوم المستحب بصوم ثلاثة أيام من الشهر ثم التخيير على صيام اليوم أو إطعام المسكين بقوله تعالى [وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ] ( ) ثم نزل وجوبه بتمام الشهر لقوله تعالى [فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ]( ).
- وقيل من النسخ نسخ الوصية للوالدين والأقربين بتعيين الفرائض ، ونسخ فرض خمسين صلاة بخمس صلوات في اليوم مع الفوز بثواب الخمسين صلاة .
- والنسخ في القرآن علم خاص له قواعده وظوابطه , ونسلم به إلا أن القول بأن آيات الصلح والصفح به والموادعة كلها منسوخة لا أصل له , ولا دليل على أن آية السيف نسخت (124) آية من القرآن وهو خلاف مضامين الرحمة , ومعاني الرأفة التي جاء بها القرآن .
- لقد أخبر الله عز وجل عن علة خلق الناس وهي العبادة بقوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ] ( ).
- وهل يلزم لتحقيق هذه الغاية نسخ آيات الصفح والموادعة والصبر على الذين كفروا , الجواب لا .
- إذ بعث الله عز وجل الأنبياء وأنزل عليهم الكتب السماوية ليهتدي الناس إلى عبادته , ولوشاء حملهم على عبادته كرهاً .
- (عن جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر أن يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك .
- قلنا : يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك؟
- فقال : إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد ، يقول به هكذا . ولفظ الطبراني : إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الله عز وجل ، فإذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه) ( ).
- ويمكن أن ننشئ قانوناً وهو : لو دار الأمر بين النسخ والإطلاق والتقييد بين آيتين أو في آية واحدة ، فالأصل هو الإطلاق والتقييد وليس النسخ .
- وهذا الجزء نزهة علمية في رياض آيات الإحسان والرفق والصلح , وشم نسيم آيات الصلح والموادعة ومنافعها وآثارها , وكيف أن المسلمين بحاجة لها في زمان العولمة والتداخل مع الأمم والحضارات وأهل الملل الأخرى والناس جميعاً في سلام وأمن , ولتنشيط حركة المعامل ولتزدهر التجارات والسياحة بين البلدان , ويرتقي الشباب في تحصيل الدرجات والمراتب العلمية من غير كدورة بسبب الإنتماء العقائدي .
- ومن الإعجاز في الشريعة الإسلامية أن الفرائض العبادية لا ضرر فيها على أحد , كالصلاة التي هي عمود الدين .
- ومن معاني قوله تعالى [إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ] ( ) إجتناب المسلم وغير المسلم للإرهاب .
- وقد ورد (عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا ضرر ولا ضرار ، من ضار ضاره الله ، ومن شاق( ) شاق الله عليه) ( ).
- وقد أظهر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الرفق والرأفة حتى بالحيوان في حالات عديدة , و(عن عبد اللّه بن معقل قال : قال رسول اللّه {صلى الله عليه وآله وسلم} لولا أنّ الكلاب أُمّة من الأُمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم وأيما قوم اتخذوا كلباً ليس بكلب حرث أو صيد أو ماشية نقصوا من أجورهم كل يوم قيراطاً) ( ) أي لبيان وجود منفعة عقلانية بالكلب , مع تأكيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الرفق بالكلب وعامة الحيوانات , وعنه صلى الله عليه وآله وسلم (بينا رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا كلب يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا : يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا ؟ قال : في كل ذات كبد رطبة أجر ] وعكس هذا ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمر [ أن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال :
- عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)( ).
- وكان كرام العرب يبغضون الكلاب , ويكرهون إقتناءها لانها تنبح على الضيف , وكأنها تطرده , وتفزع السائل وقد تعض الغريب أو القريب .
- إن رفق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحيوانات كالكلب والقط والعصفور والنملة وغيرها كما في الأحاديث النبوية دعوة لكل مسلم للتنزه عن الإضرار بالناس من باب الأولوية القطعية ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] ( ) إذ تذّكر الآية أعلاه بالأخوة النسبية بين الناس وأن الشأن والمنزلة الرفيعة بالتقوى والخشية من الله وفيها نشر لألوية السلم والأمن والأمر ، بالصلات الحسنة مع الناس والنهي عن الإرهاب وسفك الدماء والتخريب للمال العام والخاص ، قال تعالى [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]( ).
- ومن علوم القرآن الناسخ والمنسوخ , والنسخ لغة المحو والإزالة , يقال : نسخت الشمس الظل , وقد يأتي النسخ بمعنى التبديل والتغيير , وهو في الإصطلاح رفع حكم شرعي سابق بحكم شرعي لاحق ومتأخر عنه.
- والمختار أن الآية القرآنية لا تنسخها إلا آية قرآنية مع الدليل على النسخ
- , وفي التنزيل [لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ]( ) ولو دار الأمر بين نسخ آية معينة أو عدمه , فالأصل هو عدم النسخ , وتدل سنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم القولية والفعلية على إتصال واستمرار تجليات الرحمة والعفو والسلم إلى حين إنتقاله إلى الرفيق الأعلى .
- ومن الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنها شريعة السلم والسلام , ومن رشحات عفو وصبر وإعراض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الذين كفروا دخولهم الإسلام طواعية.
- وحينما (قيل يا رسول الله ، ألا تلعن قريشاً بما أتوا إليك؟
- فقال : لم أبعث لعاناً إنما بعثت رحمة يقول الله : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}( )( ).
- وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمتنع عن لعن الذين آذوه وحاربوه وقتلوا في غزوهم المدينة في معركة أحد , والخندق , وقبلها معركة بدر , طائفة من أصحابه وأرادوا قتله سواء قبل الهجرة أو بعدها , فمن باب الأولوية إمتناعه عن وضع السيف فيهم , وتدل على هذا الإمتناع السنة النبوية القولية والفعلية , وتبين بجلاء أن دعوى نسخ آية السيف لأكثر من (120) آية من آيات السلم والموادعة لا أصل لها , ونذكر في هذا الجزء عدداً من آيات الصبر والسلم غير المنسوخة.
- وبعد صدور أكثر من مائتي جزء من تفسيري للقرآن وكل جزء منها روضة علمية ناضرة , يأتي هذا الجزء في قانون (آيات السلم محكمة غير منسوخة) وأتولى بمفردي والحمد لله كتابة وتصحيح ومراجعة كتبي في التفسير والفقه والأصول والكلام إلى جانب الفتوى ومحاضرات البحث الخارج على فضلاء الحوزة العلمية في النجف الأشرف ,[إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ]( ).
- ولا يمكن النظر إلى آيات الدفاع والقتال على نحو منعزل عن آيات القرآن الأخرى وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي هي مرآة للقرآن , إذ كان القرآن ينزل بالصفح والعفو والصبر والحلم وعدم الرد على أذى قريش ومن هذه الآيات :
- الأولى : قوله تعالى[وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً]( ).
- الثانية : قوله تعالى [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ]( ).
- الثالثة : قوله تعالى [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ] ( ).
- الرابعة : قوله تعالى [لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ] ( ).
- الخامسة : قوله تعالى [نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ] ( ).
- السادسة : قوله تعالى [وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ] ( ).
- وفي الآية حث للمسلمين بعدم الإلحاح على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتال المشركين والرد على إعتدائهم بمثله.
- السابعة : قوله تعالى [وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ] ( ).
- الثامنة : قوله تعالى [فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ] ( ).
- التاسعة : قوله تعالى [فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ]( ).
- العاشرة : قوله تعالى [وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ] ( ) .ط
- الحادية عشرة : قال تعالى [ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقَّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ] ( ).
- لبيان نكتة عقائدية وهي أن الله عز وجل هو الذي يحاسب ويعاقب الذين كفروا سواء في الدنيا أو في الآخرة ، وفيه مواساة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودعوة له ولأصحابه بالصبر على الأذى ، وعدم المبادرة إلى القتال ، ومثلها قوله تعالى [مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ] ( ) [وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] ( ) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ.
- وفي الآية أعلاه دعوة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين للصبر على الذين كفروا وعدم مؤاخذتهم وعقابهم على جحودهم ، وتتضمن المواساة والتخفيف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والدعوة للنظر بعاقبة الذين كذبوا الأنبياء السابقين ، قال تعالى [وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ] ( ).
- لقد استمرت دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله في مكة ثلاث عشرة سنة دخل فيها الإسلام طائفة من أهلها ، فنالوا صفة الصحابة بعد أن لاقوا صنوف الإستهزاء والأذى البدني والنفسي والقهر والحصار والتعذيب ومنهم من مات التعذيب من قبل كفار قريش مثل سمية أم عمار بن ياسر ، ولا أقول تعذيب قريش لأن أكثر هؤلاء الصحابة من قريش ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم من قريش .
- ثم هاجروا فجمعوا صفة كريمة أخرى إلى الصفة الأولى ، ثم دافعوا عن الإسلام والنبوة والتنزيل مع الأنصار .
- وهناك في هذا الزمان قوانين العدالة الإنتقالية لمن لاقوا الأذى والسجن والتعذيب وذوي القتلى من النظام الظالم ، ولم تكن فيما قبل أيام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذه القوانين ، ولكن الله عز وجل رزقه وأصحابه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من الجاه والمال والشأن والعز إلى جانب الأجر والثواب العظيم في الآخرة ، قال تعالى [وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا] ( ).
- الحمد لله الذي لا تنفد خزائنه وهي مفتوحة للناس في الليل والنهار يقربها إليهم , ويكشف لهم عن بعضها , ويدعوهم لعبادته ودعائه لتأتيهم دفعة وتدريجياً .
- الحمد لله الذي جعل كل آية من القرآن نعمة عظمى , وخزينة مفتوحة للعلوم , وقد أنعم الله عز وجل علينا بصدور الجزء الخامس بعد المائتين قبل عشرين يوماً والذي يتضمن قوانين ومسائل مستنبطة في قانون (آيات الدفاع سلام دائم) وهو قانون بكر ومستحدث .
- ومن فضل الله عز وجل عدم الإكتفاء بذكر العنوان ونسأله تعالى أن ينعم علينا بصدور عدة أجزاء من التفسير خاصة بهذا القانون وكان الجزء السابق هو أولها ويتضمن :
- الأول : المقدمة وهي تتألف من (36) صفحة , وهي بذاتها كتاب مستقل وعلم يدعو العلماء والمحققين للنهل منه .
- الثاني : قانون البسملة سلام .
- الثالث : قانون إتباع الوحي سلم ورحمة عامة .
- الرابع : قانون الوحي إلى الأنبياء .
- الخامس : آيات الدفاع عن ماذا .
- السادس : قانون العبادة مودة بين الناس .
- السابع : الآية نبراس .
- الثامن : قانون الإستشارة النبوية في الدفاع رحمة .
- التاسع : الآية الأولى من آيات الدفاع .
- العاشر : قانون السلام في آية (وَقَاتِلُوا) .
- الحادي عشر : قانون معجزات آدم دعوة للسلم .
- الثاني عشر : الاستسقاء ببركة النبي .
- الثالث عشر : قانون أسماء مكة شعار متجدد لمحاربة الإرهاب .
- الرابع عشر : قانون تكرار الحج دعوة للسلم .
- الخامس عشر : بحث نحوي .
- السادس عشر : قانون الإسلام ينهى عن الإرهاب .
- السابع عشر : نذر عبد المطلب .
- الثامن عشر : الوفاء بالنذر .
- التاسع عشر : أقسام النذر .
- العشرون : هل في القرآن كلمات غير عربية .
- الحادي والعشرون : قانون إكرام القرآن والسنة للمرأة .
- الثاني والعشرون : قانون نبوة شيث .
- الثالث والعشرون : فتنة خلق القرآن .
- الرابع والعشرون : قراءة في كتيبة بني المصطلق .
- الخامس والعشرون : قانون ليلة القدر .
- السادس والعشرون : قانون علامات ليلة القدر .
- السابع والعشرون : أوان ليلة القدر .
- الثامن والعشرون : قانون تباين معنى اللفظ المتحد .
- التاسع والعشرون : قانون البراءة من فعل الكفار .
- الثلاثون : قانون الوحي الخاص .
- الحادي والثلاثون : قانون أقسام الوحي .
- الثاني والثلاثون : قانون التذكير بالمعاد .
- الثالث والثلاثون : فقد النبي( ص) .
- الرابع والثلاثون : منهاج الدراسة في الحوزة .
- الخامس والثلاثون : ولادة الإمام الحسين عليه السلام .
- السادس والثلاثون : قانون آيات الدفاع في القرآن .
- السابع والثلاثون : قانون إحصاء آيات الدفاع .
- الحمد لله الذي جعل القرآن مصاحباً للناس مجتمعين ومتفرقين ، وحاضراً في الرخاء والشدة ، والسعة والضيق ، وحال الدفاع والسلم ، ومن معاني وفوائد هذه الصحبة أنه زاجر عن المعصية ومانع من إرتكاب الفاحشة .
- وعن (سليم بن عامر قال : كان بين معاوية وبين الروم عهد ، وكان يسير حتى يكون قريباً من أرضهم ، فإذا انقضت المدة أغار عليهم ، فجاءه عمرو بن عبسة فقال : الله أكبر وفاء لا غدر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمرها أو ينبذ إليهم على سواء قال: فرجع معاوية بالجيوش .
- وأخرج البيهقي في شعب الايمان عن ميمون بن مهران قال : ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء . من عاهدته فوفى بعهده مسلماً كان أو كافراً فإنما العهد لله ، ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها مسلماً كان أو كافراً ، ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلماً كان أو كافراً) ( ).
- مما يدل على لزوم تعاهد العهود والمواثيق حتى تمام أجلها من غير الإستعداد للإجهاز عليهم أواخر مدة العهد ، ويدل الحديث أعلاه وتلقي المسلمين له بالعمل بمضامينه حتى بعد إنتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى وإنقطاع نزول القرآن إلى أيام معاوية على أن آيات السلم وتعاهد العقود والمواثيق باقية ومستديمة وأن آية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( )، إنما المراد منها خصوص مشركي مكة وما حولها .
- وهذا الجزء هو السادس بعد المائتين من تفسيري للقرآن ، وهو خاص بقانون (آيات السلم محكمة غير منسوخة ) وهو قانون مستحدث في هذا الجزء ، وتأتي بعده أجزاء أخرى إن شاء الله في ذات سنخية هذا القانون ، إذ أن المسلمين والناس جميعاً في كل زمان بحاجة إلى كشف الحقائق النورانية للفيوضات القرآنية وأنوار التأويل في بعث الطمأنينة في النفوس ، ونشر معاني السكينة في المجتمعات ، ويبحث هذا الجزء في علم مستحدث بعد أن جاء واحد وعشرون جزء في قانون (لم يغز النبي (ص) أحداً) وهي:
- الأول : الجزء الرابع والستون بعد المائة .
- الثاني : الجزء الخامس والستون بعد المائة .
- الثالث: الجزء السادس والستون بعد المائة .
- الرابع : الجزء الثامن والستون بعد المائة .
- الخامس : الجزء التاسع والستون بعد المائة .
- السادس :الجزء السبعون بعد المائة .
- السابع :الجزء الواحد والسبعون بعد المائة .
- الثامن :الجزء الثاني والسبعون بعد المائة .
- التاسع :الجزء الرابع والسبعون بعد المائة .
- العاشر :الجزء السادس والسبعون بعد المائة .
- الحادي عشر :الجزء السابع والسبعون بعد المائة .
- الثاني عشر :الجزء الثامن والسبعون بعد المائة .
- الثالث عشر :الجزء الثمانون بعد المائة .
- الرابع عشر :الجزء الواحد والثمانون بعد المائة .
- الخامس عشر :الجزء الثاني والثمانون بعد المائة .
- السادس عشر :الجزء الثالث والثمانون بعد المائة
- السابع عشر :الجزء السابع والثمانون بعد المائة .
- الثامن عشر : الجزء الثاني والتسعون بعد المائة .
- التاسع عشر :الجزء الثالث والتسعون بعد المائة .
- العشرون : الجزء السادس والتسعون بعد المائة.
- الواحد والعشرون : الجزء الرابع بعد المائتين .
- وستأتي أجزء أخرى في ذات موضوع هذا القانون إن شاء الله إذ جعلت منهجيتها حسب توالي الوقائع والأحداث ، وإذ أختتم الجزء المائتين بخروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وألف وأربعائة من أصحابه إلى العمرة في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة ، ولكن المشركين صدوهم فكان صلح الحديبية الذي أسماه الله فتحاً.
- وعن ابن مسعود قال : أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي ، وكان إذا أتاه اشتد عليه فسرّي عنه وبه من السرور ما شاء الله ، فأخبرنا أنه أنزل عليه { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً}( ))( ).
- (عن عروة قال : أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحديبية راجعاً ، فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : والله ما هذا بفتح ، لقد صددنا عن البيت وصدَّ هدينا ، وعكف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية( )، ورد رجلين من المسلمين خرجا.
- فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول رجال من أصحابه : إنّ هذا ليس بفتح.
- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بئس الكلام ، هذا أعظم الفتح ، لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم ويسألوكم القضية ( )، ويرغبون إليكم في الإِياب ، وقد كرهوا منكم ما كرهوا ، وقد أظفركم الله عليهم ، وردكم سالمين غانمين مأجورين ، فهذا أعظم الفتح . أنسيتم يوم أحد [إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ] ( )، وأنا أدعوكم في أخراكم، أنسيتم يوم الأحزاب [إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ]( ).
- قال المسلمون : صدق الله ورسوله هو أعظم الفتوح والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا . فأنزل الله سورة الفتح) ( ).
- وجاء سبعة أجزاء من هذا التفسير بقانون (التضاد بين القرآن والإرهاب) وهي :
- الأول : الجزء الرابع والثمانون بعد المائة .
- الثاني : الجزء الخامس والثمانون بعد المائة .
- الثالث : الجزء الثامن والثمانون بعد المائة .
- الرابع : الجزء الخامس والتسعون بعد المائة .
- الخامس : الجزء الثامن والتسعون بعد المائة .
- السادس : الجزء التاسع والتسعون بعد المائة .
- السابع : الجزء الثالث بعد المائتين .
- الحمد لله الذي جعل ينابيع المعرفة تترشح متلألئة من آيات القرآن ، كل آية تدعو العلماء وعامة الناس للتزود منها في سبل الحياة ، فقد جعل الله عز وجل الحياة الدنيا دار إمتحان وإبتلاء وإختبار ، وأبى الله عز وجل أن يبقى الإنسان وحيداً بين أمواجها المتلاطمة ، أنما أنار الله لهم طريق الهداية والرشاد بتعاقب الأنبياء ومصاحبة الوحي والمعجزة لكل نبي ومجئ الرسل منهم بشرائع وأحكام بينة في الحلال والحرام إلى جانب المعجزات والآيات الكونية التي هي حجة على كل انسان ليكون من وجوه تقدير قوله تعالى [فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ]( )، ولله الحجة البالغة على كل انسان ، ولله الحجة البالغة كل يوم.
- ومن فضل الله أن عدد الرسل هو ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً ، ليكون النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والرسل وآخر الرسل أولي العزم منهم ، وهم كل من:
- الأول : نوح عليه السلام .
- الثاني : إبراهيم عليه السلام .
- الثالث : موسى عليه السلام .
- الرابع : عيسى عليه السلام .
- الخامس : الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
- وجعل الله عز وجل القرآن خاتم الكتب السماوية ، قال تعالى[وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا] ( ).
- وجاء هذا الجزء المبارك بقانون مستحدث وهو (آيات السلم محكمة غير منسوخة ) لبيان مسألة ازدياد الإبتلاء بها في زمان العولمة وتقارب البلدان ، وحوار الثقافات وتداخل الحضارات ، وظهور مفاهيم جديدة تتسابق في الصبغة العالمية من جهة الشياع والـتأثير.
- فتتجلى الحاجة إلى التنزيل وهو رحمة ولطف من عند الله بالناس ، ولبيان مسألة وهي تقريب الله عز وجل الناس إلى سبل الطاعة ولما قال تعالى [يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ]( )، فأنه سبحانه رزقهم بما ينفعهم من غير أن ينتفي فقرهم وحاجتهم إلى رحمة الله في النشأتين.
- إذ أن كل آية منه روضة فكرية تدعو إلى السنن الأخلاقية الحميدة ، ومنها آيات السلم والموادعة ونبذ العنف ، ومن خصائص القرآن ومضامينه القدسية أنه يُحرم الإرهاب ببيان يمنع من الإختلاف في التأويل .
- وهذا التحريم بالنص الجلي من أسرار سلامة القرآن من التحريف وعصمته من الـتأويل الخاطئ ، الذي قد يؤدي إلى الظلم وسفك الدماء .
- والنسبة بين الظلم وسفك الدماء هي العموم والخصوص المطلق ، فسفك الدماء بغير حق من أشد أنواع الظلم ، وعن ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما( ).
- وذات النسبة بين سفك الدماء والقتل العشوائي ، فهذا القتل من أشد وأقبح أنواع سفك الدماء .
- وعن عمرو بن الحمق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أمن رجلاً( )، على دمه ، فقتله ، فأنا بريء من القاتل ، وإن كان المقتول كافراً( ).
- فجاءت آيات السلم لتدعو المسلمين إلى نشر مفاهيم الرحمة والمودة بين الناس ، وإن قيل هذه الآيات منسوخة ، فهناك آيات تدل على وجوب هذا النشر منها قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ).
- وعن البراء قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ : قل : اللهم اجعل لي عندك عهداً ، واجعل لي عندك ودّاً ، واجعل لي في صدور المؤمنين مودة فأنزل الله [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا]( )، قال : فنزلت في علي عليه السلام .
- وأخرج الطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : نزلت في علي بن أبي طالب { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً } قال : محبة في قلوب المؤمنين)( )( ).
- ( عن علي عليه السلام قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله{سيجعل لهم الرحمن وداً } ما هو :
- قال : المحبة ، في قلوب المؤمنين ، والملائكة المقربين. يا علي ، إن الله أعطى المؤمن ثلاثاً . المنة والمحبة والحلاوة والمهابة في صدور الصالحين) ( ).
- فمع أن الحديث النبوي بيّن أن موضوع الآية هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فان الإمام أخبر عن معنى الآية الخاص به وعن قانون عام ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو أن أحكام الآية أعم من أن تختص بأسباب النزول ، وأن كانت في الثناء عليه .
- لتكون النسبة بين عموم معنى الآية وأسباب النزول هو العموم والخصوص المطلق ، وهو من أسرار بقاء الآية القرآنية غضة طرية إلى يوم القيامة.
- (وقال كعب الأحبار : قرأت في التوراة أنها لم تكن محبة لأحد إلا كان بدؤها من الله تعالى ينزل إلى أهل السماء ثم ينزلها إلى أهل الأرض ، ثم قرأت القرآن فوجدته فيه وهو قوله { سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً } يعني : محبة في أنفس القوم) ( ).
- ونذكر هنا مسألة ولعله للمرة الأولى ، وهي أن أكثر الروايات الواردة في النسخ آيات السلم والمنسوخ مطلقاً من آيات القرآن إنما ورد من قبل التابعين، وليس من طريق الحديث النبوي أو أحاديث الصحابة .
- ولو كان لبان بينما يرد كثير من أسباب النزول في حديث وأخبار الصحابة ، فلو كان هناك نسخ لآيات السلم لظهر بجلاء في السنة النبوية وأخبار الصحابة خاصة وأنهم كانوا يتحادثون ويحدثون الناس بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والذين يستمعون من الصحابي عدد غير قليل ، ومن الآيات أنهم تفرقوا في الأمصار ، وسيأتي في قانون (انتقال الصحابة في الأمصار ) ( ).
- ومع أن موضوع هذا الجزء يخص سلامة آيات الصفح والعفو والموادعة من النسخ ، فانه يتضمن النهي عن الإرهاب ، ومن الإعجاز في المقام أن كل آية من آيات الصفح والعفو والموادعة تدل على هذا المعنى ، وعلى سلامتها من النسخ من وجوه :
- الأول : أسباب نزول الآية القرآنية ، وكيف أنها تأمر بالحلم والرفق والإحسان ، وسيأتي بيان في قوله تعالى [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] ( ) وذكر أنها منسوخة بآية القتال( ).
- والمختار أنها غير منسوخة ، وفيها نهي عن الإرهاب من باب الأولوية القطعية ، فاذا كان المسلم مأموراً بمقابلة السيئة بالإحسان ، فمن باب الأولوية النهي عن القتل وسفك الدماء والتفجير العشوائي ، وقتل النفس والغير ، أو الإساءة إلى عموم المسلمين بما يترشح عن التعدي والتفجير من نفرة النفوس .
- الثاني : كل آي قرآنية هي ثروة وكنز في أيدي الناس وضياء ينير لهم درب الهداية ، وفي تلاوة كل حرف منها عشر حسنات وذات التلاوة باعث على العمل بمضامين الآية.
- ومن الإعجاز أن كل مسلم ومسلمة يتلوان القرآن سبع عشرة مرة في اليوم .
- ولو دار الأمر بين عمل المسلمين بما يتلونه من القرآن وبين قول بعض التابعين أن الآية منسوخة يتقدم عمل المسلمين بالآية خاصة وأن القول بنسخها لم يصدر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الصحابة أو الأئمة.
- بل لو دار الأمر بين قول أفراد من التابعين بنسخ الآية وعدم قول تابعين آخرين بنسخها فيقدم الثاني لأن الأصل هو عدم النسخ .
- أن أي آية يقال بأنها منسوخة لابد من تثبيت قواعد ، وهي :
- الأول : هل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنسخها ، وورد هذا القول بطريق صحيح سنداً .
- الثاني : هل تدل آيات القرآن الأخرى على عدم نسخها ، فيقدم هذا الدليل لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً .
- الثالث : دلالة الوقائع والأحداث على الحاجة للعمل بالآية القرآنية التي لم يثبت نسخها ، مع تجلي المنافع العظيمة من مضامينها القدسية .
- الرابع : لقد أفردت في تفسير كل آية بابين بخصوص إعجاز الآية ، وهما:
- أولاً : إعجاز الآية الذاتي .
- ثانياً : إعجاز الآية الغيري .
- وابين في هذا الجزء أن إنتقال كثير من الصحابة من المدينة المنورة إلى الأمصار بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من معجزات القرآن والسنة النبوية ، وهو شاهد بأن الإسلام انتشر بالقرآن والتبليغ وإقامة الفرائض العبادية .
- حــــــرر فــي
- اليوم السابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1441 هجرية
- 9/7/2020 م
- القرآن في الإصطلاح
- القرآن لغة اسم علم لكلام الله المعجز ، وأصل لفظ القرآن مصدر ، يقال قرأ قراءة وقرآناً ، قال تعالى [فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ] ( ) .
- والقرآن في الإصطلاح هو كلام الله ، ويتصف بأمور :
- الأول : لقد خصّ الله النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بنزول القرآن عليه .
- الثاني : أنزل الله عز وجل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحياً بواسطة الملك جبرئيل عليه السلام ، وهو من مصاديق قوله تعالى [لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ] ( ) .
- الثالث : نزل القرآن باللفظ والمعنى .
- الرابع : القرآن هو المكتوب في المصاحف , المحصور بين الدفتين .
- الخامس : نقلت القرآن طبقة عن طبقة من المسلمين بالتواتر العالي ، إذ ينفرد القرآن بخصوصية وهي أن كل جيل من المسلمين يقوم بتعاهده ونقله مع تداخل الأجيال ، وهذا التعاهد والنقل من غير زيادة أو نقيصة من مصاديق قوله تعالى [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ] ( ).
- السادس : لم ينزل القرآن على نبي أو رسول أو وصي أو أي فرد من البشر قبل النبي محمد صلى الله علي وآله وسلم ، ولن تنزل وإلى يوم القيامة آية قرآنية من السماء بعد مغادرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ، وهو من مصاديق قوله تعالى [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا] ( ) .
- السابع : القرآن هو كتاب الله المتعبد بتلاوته ،ولا يجوز إنكار حرف أو كلمة منه ، وهو من أسرار ترتب الحسنات والأجر على تلاوة القرآن.
- و(عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته ما استطعتم.
- إن هذا القرآن هو حبل الله وهو النور المبين والشفاء النافع وعصمة من تمسك به ونجاة من تبعه.
- لا يعوج فيقوّم ولا يزيغ فيستعتب , ولا تقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد.
- فاقرأوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات،
- أما أني لا أقول (ألم) حرف ولكن ألف ولام وميم ثلاثون حسنة) ( ).
- الثامن : العمل بالقرآن ضرورة ، وفيه هدىً وهو الصراط المستقيم (عن يزيد بن حيان قال : دخلنا على زيد بن أرقم فقلنا له : لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصليت خلفه؟
- قال : نعم.
- وإنه خطبنا فقال : إني تارك فيكم كتاب الله هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة.
- وروى عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله يقول : يا أيها الناس إني قد تركت فيكم خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي.
- أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله جل جلاله من السماء وعترتي أهل بيتي) ( ) .
- وفي هذه الأحاديث شاهد على أن القرآن سالم من التحريف أمس واليوم وغداً لأن خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجه إلى أجيال المسلمين والمسلمات المتعاقبة ، ومن معاني [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ] ( ) أي تمسكوا بالقرآن وأحكامه .
- التاسع : القرآن كلام الله المعجز الذي تعجز الخلائق عن الإتيان بمثله ، قال تعالى [قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا] ( ) من جهات :
- الأولى : رسم القرآن .
- الثانية : ألفاظ القرآن .
- الثالثة : تلاوة آيات القرآن .
- الرابعة : إحاطة كلمات القرآن المحدودة باللامحدود من الوقائع والأحداث .
- الخامسة : المسائل المستنبطة من الجمع بين كل آيتين من القرآن ، وعجز الناس عن الإتيان بما يترشح عن جمع معشار هذه المسائل ، لبيان مسألة وهي عدم إنحصار إعجاز القرآن بذاته وكلماته ، إنما يشمل ما يترشح عنه من العلوم ، وهي مستمرة ومتجددة إلى يوم القيامة .
- السادسة : من إعجاز القرآن سلامته من التحريف والتبديل والتغيير في بعض كلماته ، فهذه السلامة ليست من صنع وجهاد المسلمين إنما هي فضل من عند الله ،ويدل عليه قوله تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون]( ).
- نعم سعي وجهاد المسلمين في حفظ القرآن من مصاديق قوله تعالى [وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ] ( ) .
- ومن أسرار هذا الحفظ وكون المسلمين جنوداً في المقام أمر الله لكل مسلم بتلاوة القرآن في الصلاة اليومية والنافلة وكل صلاة ، وتفضله بالأمر بالإنصات للقرآن ، قال تعالى [وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] ( ) .
- السابعة : فضل الله في بقاء كلامه بن الناس ، ويتلى ويقرأ كل يوم ، لقد بدأ نزول وقراءة القرآن في مكة محل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لتكون هذه القراءة من الأمن .
- دراسة عقائدية في آية النسخ
- آية السيف هي [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
- ولم يرد فيها أو في أي آية من القرآن لفظ السيف , وهو من إعجاز القرآن والأمارات على أن آيات السلم والموادعة والصلح لم تنسخ , والأصل هو عدم النسخ لأي آية قرآنية , ولا تكون منسوخة إلا بالدليل , وهناك مسائل :
- الأولى : لو تردد الأمر بين نسخ آية السيف لأكثر من مائة آية أو عدمه , فالأصل العدم , سواء على نحو السالبة الكلية أو الجزئية ولا يصح القول بأنها نسخت هذه الآيات بالجملة فلابد من البيان بخصوص كل آية والدليل على النسخ وإلا فان الأصل هو عدم النسخ .
- الثانية : لو تردد الأمر بين هل هذه أو تلك الآية ناسخة لتلك الآية أو عدمه , فالأصل العدم .
- ولا يعني هذا القول بعدم النسخ , فالنسخ موجود لقوله تعالى [مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( ).
- ولكن الذي أقصده بالقول أعلاه (لو تردد) أي المسائل الخلافية في نسخ مخصوص لبعض الآيات , ومن النسخ في القرآن نسخ القبلة , وهو من نسخ السنة بالقرآن , إذ صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بعد الهجرة ستة عشر شهراً إلى بيت المقدس حتى نزل قوله تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] ( ) .
- وفي قوله تعالى [فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ] ( ) وجوه :
- الأول : المراد أشهر الإمهال الأربعة , وهذه الأشهر هي :
- أولاً : شوال ، وبه تبدأ ، وهو من أشهر الحج , وليس من الأشهر الحرم.
- ثانياً : شهر ذي القعدة وهو من الشهر الحرم .
- ثالثا: شهر ذي الحجة وهو من الأشهر الحرم .
- رابعاً : شهر محرم ، وهو من الأشهر الحرم .
- فتبدأ الأشهر الأربعة من شهر شوال وتنقضي مع نهاية شهر محرم من السنة العاشرة للهجرة , فتكون نهايته خروج الأشهر الحرم , وانتظار مهلة الأشهر الأربعة .
- أي تكون ثلاثة أشهر من هذه الأربعة في السنة التاسعة للهجرة , والشهر الأخير منها في السنة العاشرة منها .
- الثاني : المراد :
- أولاً : عشرون يوماً من شهر ذي الحجة لأن التبليغ كان يوم عرفة (عن سعد بن أبي وقاص : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث علياً عليه السلام بأربع : لا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد فهو إلى عهده ، وإن الله ورسوله بريء من المشركين) ( ).
- ثانياً : شهر محرم الحرام من ذات السنة وهي السنة التاسعة للهجرة .
- ثالثاً : شهر صفر .
- رابعاً : شهر ربيع الأول .
- خامساً : عشرة أيام من شهر ربيع الآخر .
- الثالث : المراد الأشهر الحرم الأربعة المذكورة في قوله تعالى [مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ] ( ).
- الرابع : إرادة الأشهر الحرم الثلاثة المجتمعة :
- أولاً : شهر ذي القعدة .
- ثانياً : شهر ذي الحجة .
- ثالثاً : شهر محرم .
- والمختار هو الوجه الثاني أعلاه ، ويدخل في طوله الوجه الثالث , مع أن رجب من الأشهر الحرم وهو الشهر السابع من أشهر السنة القمرية . ولكنه شهر فرد منفصل , فينصرف موضوع الآية إلى خصوص الأشهر الثلاثة المتصلة أوان نزول الآية .
- وذكرت الآية عهود النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع المشركين على وجوه :
- الأول : العهد الذي تنقضي مدته قبل تمام أربعة أشهر من حين نزول الآية أعلاه .
- الثاني : العهود التي تستوفي أجلها بتمام أربعة أشهر من حين نزول الآية أعلاه .
- الثالث : العهود التي يزيد أجلها على أربعة أشهر .
- الرابع : المشركون الذين ليس لهم عهد أو عقد موادعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
- الخامس : أصحاب العهود المطلقة التي ليس لها أجل محدد .
- فبالنسبة للأول والثاني أعلاه يكمل أهلها مدة أربعة أشهر , أما الذين تزيد مدة عهودهم على أربعة أشهر , فتتم لهم مدتهم لقوله تعالى [إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ] ( ).
- أما على القول بأن مهلة الأشهر الأربعة شاملة للجميع , فيدل على أن آية السيف ناسخة للآية أعلاه ولو على نحو الموجبة الجزئية بخصوص الذين عاهدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أكثر من أربعة أشهر .
- ومن إعجاز الآية أن الذي يعاهد المشركين كان هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكن الخطاب في لفظ (عَاهَدتُّمْ) موجه إلى المسلمين لإرادة نشر الأمن والأمان في هذه الأشهر , ولأن عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم للناس ملزم للمسلمين .
- ومدة الإمهال وهي أربعة أشهر من أوان إبتدائها تبدأ مدة الإمهال من اليوم التاسع من شهر ذي الحجة من السنة التاسعة للهجرة , وهو يوم عرفة , لما ورد أن الإمام علي عليه السلام تلا يومئذ على أهل الموسم سورة براءة ونقل بلاغاً إلى الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخصوص الإمهال ومدته ، وقد تقدم أن المختار هو الوجه الثاني أعلاه لموضوعية أوان التبليغ في إحتساب المدة ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ] ( ).
- قراءة في النسخ
- وتذكر كتب التفسير النسخ في آيات عديدة وأن آيات القتال ناسخة لآيات السلم والموادعة , فمثلاً قالوا أن آية السيف وهو قوله تعالى [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ) ناسخة لأكثر من مائة وعشرين آية من القرآن , ولا دليل عليه , ومنها قوله تعالى [وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ] ( ) أي لست موكلاً بهم فتقهرهم على الإيمان , ومثلها [وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ] ( ).
- وقوله تعالى [وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ]( ) أو في قوله تعالى [أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ] ( ) ونحوها .
- وقيل أنها منسوخة بآية السيف التي تخص مشركي مكة ةمن حولها في أيام نزولها , ومن شرائط النسخ وجوه :
- الأول : اتحاد الموضوع بين الآية الناسخة والمنسوخة .
- الثاني : التعارض بين موضوع الآيتين .
- الثالث : تعذر الجمع بين الموضوعين وحكمهما , فإن كان الجمع بين الآيتين ممكناً فلا تصل النوبة إلى النسخ .
- الرابع : تأخر تأريخ نزول الناسخ على زمان المنسوخ .
- وذكر أن النسخ على وجوه :
- الأول : نسخ اللفظ والمعنى , وقيل كان تنزيل يُقرأ (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر) ثم نسخ .
- وعن (الواحدي من هذا ما روي عن أبي بكر قال : كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر ، وفيه نظر) ( ).
- الثاني : نسخ اللفظ دون المعنى أي رُفع الخط ولكن الحكم باق , وكان يقرأ : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة , ثم نسخ لفظه .
- و(روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لولا أكره أن يقول الناس : قد زاد في القرآن ما ليس فيه، لكتبت آية الرجم وأثبتها، فوالله لقد قرأناها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ترغبوا عن آبائكم، فإن ذلك كفر بكم. الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة، نكالا من الله والله عزيز حكيم) ( ).
- الثالث : نسخ الحكم مع بقاء اللفظ ، ومنه قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ) إذ نسخ حكمها وبقيت تلاوتها ، وقيل منه نسخ آية الوصية للوالدين والأقربين ، قال تعالى [لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا] ( ) بآية المواريث كما عن ابن عباس ، وذكر أن الآية بقى الندب والإستحباب فيها للأقربين وغيرهم .
- وحتى الذين ذكرتهم الآية تجوز الوصية لهم من غير سهامهم من الأرث على قول ، وهو المختار ، وتدل علية آية الوصية هذه ومن الفقهاء من قال بتوجه الخطاب في الآية [فَارْزُقُوهُمْ] إلى الورثة المالكين بان يقوموا بالتطوع وإعطاء ذوي القربى من التركة لإختصاص الصدقة الواجبة بالزكاة وزكاة الفطر ، وأستدل بما ورد (عن طلحة بن عبيد الله : أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثائر الرأس فقال : يا رسول الله أخبرني بما فرض الله عليّ من الصيام؟
- فقال : شهر رمضان إلا أن تطوّع .
- فقال : أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟
- فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشرائع الإِسلام .
- قال : والذي أكرمك لا أتطوّع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئاً .
- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أفلح إن صدق ، أو دخل الجنة إن صدق) ( ).
- ومن نسخ الحكم مع بقاء التلاوة ذكر قوله تعالى [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] ( ) وعن (ابن عباس في قوله { والذين يتوفون منكم . . . }( ) الآية . قال : كان للمتوفى عنها زوجها نفقتها وسكناها في الدار سنة ، فنسختها آية المواريث فجعل لهن الربع والثمن مما ترك الزوج .
- وأخرج ابن جرير عن عطاء في الآية قال : كان ميراث المرأة من زوجها أن تسكن إن شاءت من يوم يموت زوجها إلى الحول ، يقول { فإن خرجن فلا جناح عليكم } ثم نسخها ما فرض الله من الميراث) ( ).
- ولكن يمكن الجمع بين الآيتين .
- وأختلف في وقوع هذا النسخ على قولين :
- الأول : هو أن المنسوخ ثابت التلاوة مرفوع الحكم ، أما الناسخ فهو ثابت التلاوة والحكم .
- الثاني : نفى جماعة بقاء التلاوة مع انتفاء الحكم .
- والمختار هو الأول لكن النقاش في عدد الآيات المنسوخة إذ أنها , ولكن بعض المفسرين أكثر تعدادها .
- وقيل منها آيات المهادنة وآيات السلم مع الكفار واستدل على النسخ بقوله تعالى [مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ) ولا دليل عليه خاصة مع كثرة آيات السلم وحسنها الذاتي وأنها فرع الرحمة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي صاحبت نبوته وتجلت في سنته القولية والفعلية .
- الرابع : نسخ حديث الآحاد بالحديث المتواتر لأن الحديث المتواتر أقوى في سنده .
- الخامس : نسخ الحديث المتواتر بحديث الآحاد , والمشهور قال بالمنع منه ، لأن المتواتر قطعي الثبوت ، وخبر الآحاد ظني الوقوع ، ولا يرتفع القطعي بالظني ، لأن الأقوى لا يرتفع بالأضعف .
- وقال ابن حزم ونحوه بجواز النسخ إذا صحت نسبة حديث الآحاد إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
- قانون شروط النسخ
- قال تعالى [مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ).
- النسخ لغة على وجوه :
- الأول : التحويل والتغيير .
- الثاني : الرفع والإبطال والترك , كما يقال نسخت الشمس الظل أي ذهبت به وأبطلته .
- الثالث : النقل كما في النقل من كتاب إلى آخر , قال تعالى [إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ]( ) والمعنى الأخير لا صلة له بالآية الكريمة أعلاه .
- أما الإنساء في قوله تعالى (أَوْ نُنسِهَا) فهو الترك والإذهاب , وليس من النسيان لأن الله عز وجل منزه عنه , ويقال فلان نسانا هذه الأيام أي لا يجعل لنا عطاء أو أنه ترك عادته معنا .
- ومن أسباب نزول آية النسخ أعلاه أن بعضهم قال انظروا إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم يأمر أصحابه بأمر ثم يأمرهم بغيره فنزلت الآية وقيل اتخذ بعضهم النسخ طعناً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه لو كان من عند الله عز وجل لكان ثابتاً لا يطرأ عليه تبديل والمختار عدم كون هذه الأسباب علة تامة وسبباً لنزول الآية الكريمة .
- إنما الآية رحمة وتخفيف عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة وأجيال المسلمين إلى يوم القيامة لذا قالت الآية [نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا]( ) خاصة وأن الآية المنسوخة لم ترفع من القرآن إنما هي باقية فيه بلفظها ، ويترشح عن هذا البقاء تلاوة المسلمين للآية كل يوم للتدبر في معانيها ، والعمل بمضامينها ، ومن معاني ودلالات النسخ الكثير في آيات القرآن أن القول بالنسخ خاص بجماعه من العلماء والمستقلين في التفسير والفقه كل يوم ويتلقونها بالتسليم بالعمل بأحكامها ، وهذا التسليم من الفطرة ، ومن مصاديق قوله تعالى [فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا] ( ) .
- وقد يلجأ إليها المسلم في زمان آخر , في غير ما يذكر من نسخ اللفظ والتلاوة كما انها حاضرة في علم التفسير وفي سياق الآيات المتجاورة وغيرها( ), ومن معاني الخير في الآية وجوه :
- الأول : نأت بخير منها لكم وللناس .
- الثاني : نأت بخير منها في اليسر والتخفيف , قال تعالى [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ] ( ).
- الثالث : نأت بخير منها في الحجة والبرهان .
- الرابع : نأت بخير منها في دفع أسباب الغزو والقتال.
- الخامس : نأت بخير منها أو مثلها في الأجر والثواب .
- ومن شروط النسخ :
- الأول : مجئ النسخ بآية قرآنية , وقيل أن النسخ بخطاب شرعي , وهو لفظ عام لا يحتمله المقام , فالمختار أن السنة لا تنسخ القرآن , ثم أن القرآن أخبر عن كون النسخ من عند الله عز وجل لقوله تعالى [مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ) فالله عز وجل هو الناسخ ، وهو الذي يأتي بخير من الآية المنسوخة أو مثلها , فإن قيل أن السنة النبوية شعبة من الوحي , فهذا صحيح , ولكن من مصاديق [بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا]( ) هو القرآنية وهي أعلى مرتبة , وتقدير الآية على وجوه:
- الأول : نأتي بآية قرآنية خير منها أو نأتي بآية قرآنية مثلها إذ أن السنة النبوية لا ترقى إلى مرتبة القرآن ، وهذا البيان منا شاهد على عدم نسخ السنة للقرآن.
- الثاني : فأت بخير منها في التخفيف أو مثلها في القرآنية .
- الثالث : نأت بخيرمنها في ثواب التلاوة أو منها في الثواب والتعبد بها ، فمن إعجاز القرآن التعبد بتلاوته ، فلا يتعبد برواية الحديث ، وإن كان فيه أجر ،إنما التعبد والتلاوة في الصلاة بالقرآن .
- فيكون بين الآية المنسوخة والناسخة عموم وخصوص من وجه , فمن مادة الإلتقاء بينهما القرآنية والتنزيل , ومادة الإفتراق هو مرتبة الحكم والوجه أعلاه من التقدير ونحوها , وقال تعالى [وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ] ( ).
- الثاني : الإنفصال الزماني بين الناسخ والمنسوخ , فإن الناسخ متأخر زماناً عن المنسوخ .
- الثالث : إتصاف كل من الناسخ والمنسوخ بأنه حكم شرعي وليس حكماً عقلياً , ومن الحكم الشرعي المنسوخ استقبال بيت المقدس .
- قال تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] ( ) .
- وهذه الآية من أظهر آيات النسخ إلا أن المنسوخ لم يذكر باللفظ والحكم في القرآن إنما هو من نسخ القرآن للسنة , إلا على قول ابن عباس أدناه , وأن مراده نسخ آية البحث وليس القبلة , ولكن هذه الآية من الآيات التي وردت فيها أسباب نزول كثيرة كما يأتي بيانه في الجزء التالي إن شاء الله .
- وقد ثبت في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كانوا بعد الهجرة يتوجهون إلى بيت المقدس مدة ستة عشر شهراً إلى أن نزل تحويل القبلة , الا على القول أن الآية أعلاه ناسخة لقوله تعالى [وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] ( ).
- (عن ابن عباس قال : أوّل ما نسخ لنا من القرآن فيما ذكر والله أعلم شأن القبلة . قال الله تعالى { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله }( ) فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ، ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق ونسخها . فقال { ومن حيث خرجت فول وجهك } ( )الآية .
- وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } قال كان الناس يصلون قبل بيت المقدس ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة على رأس ثمانية عشر شهراً من مهاجره ، وكان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر به ، فنسختها قبل الكعبة) ( ).
- والمختار عدم وجود نسخ بين الآيتين لتعدد الموضوع ومناسبة الحكم إذ أنها تتعلق بصلاة التطوع وحال السفر (عن ابن عمر قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على راحلته تطوّعاً أينما توجهت به ، ثم قرأ ابن عمر هذه الآية { فأينما تولوا فثم وجه الله } وقال ابن عمر : في هذا نزلت هذه الآية) ( ).
- الرابع : يقع النسخ في الأمر والنهي , فلا نسخ في الأمثلة والأخبار والقصص , قال تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ] ( ).
- الخامس : لا نسخ مع إمكان الجمع بين الآيتين , وهذا الوجه من أبهى قواعد وشرائط النسخ إذ يمنع تعدد التأويل , ويحول دون الإختلاف في التفسير والعمل .
- السادس : لا يدخل النسخ على مبادئ التوحيد والنبوة وما يكون على صفة واحدة.
- السابع : مجئ الناسخ بعد تحقق أوان الإمتثال والتمكن منه , وفي قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- ولم يعمل بهذه الآية إلا الإمام علي عليه السلام ثم نسخت بالآية التي بعدها , قال تعالى [أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] ( ).
- (عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قال : لما نزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة }( ) .
- قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما ترى ديناراً قلت : لا يطيقونه ، قال : فنصف دينار ، قلت : لا يطيقونه ، قال : فكم قلت شعيرة؟
- قال : إنك لزهيد ، قال : فنزلت { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات }( ).
- قال : فبي خفف الله عن هذه الأمة.
- وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي قال : ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت وما كانت إلا ساعة يعني آية النجوى)( ) لبيان مسألة وهي حتى الآية المنسوخة يكون لها اسم خاص .
- وقد ذكرت في تفسيري لكل آية اسماً ( )خاصاً بها , وجعلت موضوعه في آخر باب إعجاز الآية الذاتي .
- (وأخرج عبد بن حميد عن سلمة بن كهيل { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول}( ) الآية قال : أول من عمل بها الإمام عليّ عليه السلام ثم نسخت) ( ).
- عن (ابن عباس : وذلك أنّ الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأكثروا ، حتى شقّوا عليه وأحفوه بالمسألة فأدبّهم الله سبحانه وفطّنهم عن ذلك بهذه الآية، وأمرهم أن لا يناجوه حتى يقدّموا صدقة.
- وقال مقاتل بن حيّان : نزلت في الأغنياء ، وذلك أنّهم كانوا يأتون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على (المجالس) حتى كره النبي صلى الله عليه وآله وسلم طول جلوسهم ومناجاتهم فأمر الله تعالى بالصدقة عند المناجاة، فلمّا رأوا ذلك انتهوا عن المناجاة، فأمّا أهل العسرة فلم يجدوا شيئاً،
- وأمّا أهل الميسرة فبخلوا ومنعوا، فاشتدّ ذلك على أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت الرخصة.
- قال مجاهد : نهوا عن مناجاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حتى يتصدّقوا.
- فلم يناجه إلاّ الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام قدّم ديناراً فتصدّق به ثمّ نزلت الرخصة.
- وقال الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة}( ) فإنّها فرضت ثم نسخت) ( ).
- الثامن : إتصاف الناسخ والمنسوخ بأنهما نصان قاطعان ، ويمكن تقسيم الوجوه أعلاه إلى قسمين :
- الأول :الشروط المتفق عليها في النسخ مثل تأخر الناسخ عن المنسوخ في نزوله , وقيل منه تقييد المنسوخ بوقت مخصوص , ولكن موضوع النسخ أعم.
- ويمكن أن نضيف مسألة وهي إذا نزلت آية فيها تخفيف فتقدم , ومنه آيات الصلح والموادعة والسلم فإنها تقدم خاصة مع تأخر زمان نزولها وعدم ثبوت الناسخ لها .
- الثاني : الشروط الأخرى المختلف فيها .
- وهل يشمل النسخ آيات الدفاع والقتال ,الجواب نعم , ولكن ليس بمعنى أنها تنسخ آيات السلم والموادعة , فهذه الآيات رحمة ولطف من عند الله عز وجل بالمسلمين والناس جميعاً .
- إنما آيات الدفاع قد تكون منسوخة , إذا ثبت دليل النسخ , وهذا القول مستحدث في هذا السِفر في الجملة , فالمتعارف أن آيات القتال تنسخ آيات السلم , ولكن آيات السلم محكمة .
- ومن إعجاز القرآن أنه جامع لآيات السلم والقتال من غير تعارض بينهما لبيان مسألة وهي أن القتال والجهاد هو دفاع محض , وهو لا يتعارض مع السلم الذي يكون حاضراً قبل القتال وبعده .
- وإذا وقع التعارض في واقعة مخصوصة بأن تقدم آية السلم أم آية القتال فتقدم آية السلم .
- ومن إعجاز القرآن أن آيات النسخ جاءت في ترتيب آيات القرآن قبل آيات القتال والدفاع , إذ أنها الآية الخامسة بعد المائة من سورة البقرة وهي آية مدنية .
- وكذلك جاءت آيات فرض الصلاة والزكاة والصيام قبل آيات القتال في ترتيب القرآن , وأول آية تتعلق بالقتال في نظم المصحف هو قوله تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ]( ) ويتضمن هذا الجزء قراءة في تفسيرها .
- ثم تبعتها الآيات الأربعة التي بعدها في ذات الموضوع وهي : قوله تعالى [وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ] ( ).
- ولابد من دراستها مجتمعة ومتفرقة فقد دأب علماء التفسير على تفسير كل آية منها على نحو مستقل , ولكن هذا لا يمنع من دراستها وتأويلها واستنباط المسائل منها مجتمعة , وكما تقدمت على هذه الآيات خمس آيات تخص فريضة الصيام والتي تبدأ بقوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] ( ) وآيات الأهلة وضبط التأريخ الشهري والسنوي بقوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ) ودلالتها وموضوعيتها في العبادات والمعاملات .
- ثم جاءت بعد آيات القتال آية بوجوب الإنفاق في سبيل الله , ثم وجوب إتمام الحج والعمرة.
- وهل هو من نسخ القتال بأداء الفرائض العبادية، الجواب لا , إذ أن ترتيب وتعاقب الآيات , موضوع منفصل عن النسخ , ولكن تستقرأ منه مسائل وقوانين منها :
- الأول : قانون القتال في حال الدفاع .
- الثاني : قانون الأولوية والإستدامة للعبادة .
- الثالث : قانون تعاهد الفرائض العبادية .
- الرابع : قانون الفقاهة طريق نجاة من التعدي في حال القتال , وهو سبيل للتدارك , ومن عمومات قوله تعالى [وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ]( ).
- الخامس : قانون اختصاص القتال بالمشركين الذين يقاتلون النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين .
- السادس : عدم التعارض بين أداء الفرائض العبادية وبين القتال.
- وفيه أمارة على أن المراد من القتال الدفاع والضرورة , التي تقدر بقدرها , ومنه الميل إلى السلم عند أوانه وتحقق أسبابه ومقدماته , قال تعالى [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] ( ) ، وهل الآية أعلاه خاصة بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، الجواب لا ، وهي مطلقة .
- ومن الإعجاز في إحاطة آيات الفرائض العبادية لآيات القتال بأن سبقتها آيات الصيام , وتعقبتها آيات الزكاة والحج .
- وكل منها من أركان الدين , لبيان قانون وهو أن الأصل والأولوية للعبادة والذكر والتسبيح , وأن القتال عند الضرورة والدفاع ، وهي سنة الحياة فايام الحروب والإقتتال قليلة بالنسبة لمجموع أيام الحياة الدنيا ،وهو من بديع صنع الله ومشيئته في حياة الناس العامة ، ومصاديق قوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ).
- ولبيان قانون وهو أن التفقه في الدين وأداء الفرائض برزخ دون التعدي والظلم .
- قانون القصة في القرآن باعث للأمن
- لقد تفضل سبحانه بأتيان بعض قصص القرآن بأسلوب قصصي شيق جذاب , وهو من مصاديق الأحسن في قوله تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ] ( ).
- إن القصة في القرآن هي أول قصة في اللغة العربية تظهر الإلتزام وتوضح مسألة الأدب ووظائفه الإجتماعية والأخلاقية والتعليمية وغيرها متجاوزة ما كان سائداَ عند أرقى المجتمعات آنذاك ألا وهو التفكير النظري المجرد , والذي لا زال بعضهم يشير إليه بالتعظيم مع إنه كان غالباَ ما يكون جدلياَ أو مملاَ هجره أكثر الناس لبعده عن واقع الحياة وقلة أهميته مع التطور السريع الحاصل في المجتمعات وتركيبها وأسس ونماذج تفكيرها , فكانت القصة في القرآن عاملاَ ذا تأثير في الجدال والحوار والموعظة وحلقات دراسية متتابعة لكي ترسخ في الأذهان أهمية وضرورة السعي في رضوان الله عز وجل والتحذير من معصيته .
- ولتثبيت قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المسلمين , وتدل قصص القرآن على قانون وهو تحلي الأنبياء بالصبر , وتلقيهم التعدي والإيذاء من الكفار مع بيان القرآن لمنافع الصبر في طاعة الله عز وجل , قال تعالى [تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ] ( ) .
- ومضامين هذا الجزء من تفسيري للقرآن وهو السادس بعد المائتين من مصاديق هذا الصبر وكيف أن القرآن يدعو إلى السلم وتعاهده , وفيه أبهى معاني الصبر .
- والقصة ذات الموعظة من بين ما تميز به ما أنزل من القرآن في مكة حيث يغلب عليه الإسلوب الخطابي والحديث والبشارات والإنذارات وذم ما كان شائعاً من عبادة الأصنام والتعريف بأهلها , مع بيان ضرورة التوحيد عبر ضرب الأمثال من قصص الماضين وأخبار الصالحين والترغيب والترهيب في تعبير حسن الإيقاع منسجم الكلم , شديد التأثير أعجز أهل العلم والبيان , ومن الآيات المكية في المقام[وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ]( ).
- قال أحد المشركين وهو الوليد بن المغيرة لما سمع القرآن (أن فيه لحلاوة وأن عله لطلاوة وأن أعلاه لمورق وأن أسفله لمعذق وأنه يعلو ولا يعلو عليه)( ) .
- ومما جاء في القرآن من القصص قصة نبي الله يوسف عليه السلام , إذ اختصرت سورة كاملة وسميت باسمه , وقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما سئل عن أكرم الناس فقال : (يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله) ( ).
- وأنك ترى القراء كثيراَ ما يقرأون سورة يوسف والناس يستمعون لها بإندفاع وشوق ورضا في المساجد , والتكايا والأسواق وعبر المذياع , كما أن الناس يميلون إلى قراءتها في مناسبات الفرح والحزن , ومقدار ما حفظه الغالبية من هذه السورة يعكس إنجذاب النفوس لها , وتراهم يتجاذبون أطراف الحديث حول تفاصيل تلك القصة وعلومها وأسرارها وما فيها من عبر ودروس شاكرين لله من فضله في تطهير النفوس من العداوة والحقد , وليأتي القرآن بمذهب النشوء والإرتقاء في المجتمعات وفي النفس الإنسانية خاصة ( ).
- فأظهر القرآن مراحل الصلاح والتطور والأمل في أنماط السلوك والسنن بعد قتل قابيل لأخيه هابيل وحيث تراجع أخوة يوسف عن فكرة قتله إلى إبطال مكر قريش وتجاوز الضرر الناجم عن حسدهم وأذاهم للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولأصحابه , وتجلى تضاؤل الشر من مصاديق إحتجاج الله عز وجل على الملائكة [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ]( ) عندما تساءلوا كيف يكون الإنسان [فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً]( ) وهو يفسد فيها ويسفك الدماء .
- لقد بعث الله تعالى النبيين ومعهم الحجة والبينة التي يظهرون بها على ما هو شائع في ذلك الزمان , وغالب على إهتمام أهله وأصحاب الرياسة فيه, فأعطى داود الصوت الحسن بالذكر والتسبيح , والان له الحديد لإنتشار صنعة الدروع ونحوها عند أهل زمانه .
- وآتى الله سليمان الآيات وسخر له الجن والطير والريح في زمان أخذ الناس يميلون لإتخاذ الطلسمات والعجائب , قال تعالى [وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ]( ).
- وكان الناس في أيام عيسى عليه السلام يهيمون بالطب فرزقه الله عز وجل إحياء الموتى باذنه وإبراء الأكمه والأبرص .
- والذي لم يرد ذكره في هذا الباب من قبل جملة من المفسرين أن يوسف عليه السلام جاء في زمن اهتم فيه الناس بالرؤيا وتأويلها من خلال رؤيا الملك نفسه والغلامين ويوسف هو أيضا , لتكون رؤيا يوسف عليه السلام في صباه مقدمة لنيله مرتبة تأويل الرؤيا بفضل من الله عز وجل , وقيامه بتأويل رؤيا السجينين اللذين معه ثم رؤيا الملك وارتقائه إلى مرتبة الوزارة كما ورد في التنزيل [قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ]( ).
- ومن قبل ذلك بزمان غير بعيد رؤيا إبراهيم عليه السلام , قال تعالى [فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ]( ) كما آتاه الله عز وجل حسن الصورة والهيئة .
- وأظهر الله عز وجل عفته وعصمته في زمن كان الفجور والفحشاء بعض مظاهر ونتائج الشرك فيه فأراد الله عز وجل منع ذلك واطفاء ناره بسلاح العصمة والنبوة والعلم رحمة للناس وللمؤمنين خاصة .
- وفي زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلب الكلام وصنعته والبلاغة والكهانة والخطب فأنزل الله عز وجل القرآن المبين الذي لم تحل رموزه , ولم تسبر أغواره فكما كان نزوله على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تدريجياً وعلى التوالي فإن ذخائره تستخرج على تعاقب الأجيال مع غوص العلماء في مكنونات علومه , وذخائر خزائنه , قال تعالى [قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا]( ).
- وكل آية من القرآن طبقة من البلاغة والفصاحة فوق الشعر والنثر وأرقى منهما , وحينما سمع العرب القرآن أخذتهم الدهشة والتحير وظهر عليهم الارتباك واتضح لقريش أنه ليس شعراَ كما يظنون , واعترف كهنتها أنهم لا يستطيعون أن يزعموا بأنه سحر لما يحمل معه من أسرار ملكوتية وإعجاز وأنزلوا ما علق على الكعبة مما هو أفخر أشعار العرب .
- الدار التي ولد فيها النبي ( ص )
- لقد أثارت دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله استياء قريش ، وصاروا يتحدثون في سنخية وكيفية الفعل معه وتناجوا بالتحريض عليه ، فمشوا مرة أخرى إلى أبي طالب ، ويبعدكيلو متر ونصف عن البيت الحرام ، وحوّل في هذا الزمان إلى مدرسة اسمها مدرسة النجاح ، وفي هذا البيت عاش النبي في كنف عمه أبو طالب ، وفيها ولد الإمام علي عليه السلام ، إذ أنه يقع في شعب أبي طالب وسمّي فيما بعد شعب علي تقع فيه في هذا الزمان مكتبة مكة العامة ، وهي قريبة من الموضع والبيت الذي ولد به النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ أنه ولد في الدار التي كان يملكها أبوه عبد الله ، أما البيت الذي أرادت قريش قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه ، فهو بيت خديجة ، وهو أقرب إلى المسجد الحرام على مسافة نصف كيلو منر منه ، وتقع وسط وادي إبراهيم مقابل المسعى ، وأقيم مكانها في هذا الزمان مدرسة لتحفيظ القرآن ، وفيها بات الإمام علي عليه السلام في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
- وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة أخذ الدار عقيل بن أبي طالب ، ترى هل سأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها عندما وقع في الأسر في معركة بدر .
- الأرجح نعم ، وقد دفع العباس بن عبد المطلب فديته وندبة عقيل كما تقدم .
- وفي بيته هذا وغيره من بيوت بني هاشم قال النبي في حجة الوداع حينما سئل أين تنزل يا رسول الله ؟
- فقال :وهل ترك لنا عقيل من ظل .
- وكان الزقاق الذي فيه هذه الدار يسمى زقاق المولد ، وهو شاهد على التسالم بولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيه .
- وقال الأزرقي ( ) (حدثنا أبو الوليد ، قال : سمعت جدي ويوسف بن محمد ، يثبتان أمر المولد ، وأنه ذلك البيت ، لا اختلاف فيه عند أهل مكة)( ).
- والظاهر أن عقيل قد باعه في أيامه ، وقيل اما أنه هو الذي باعه أو أحد أولاده وأحفاده من بعده ، فقد اشتراه محمد بن يوسف أخو الحجاج وأدخله في داره ، فلما حجت الخيزران أم موسى الهادي وهارون الرشيد اشترته وجعلته مسجداً ، وأخرجته من الدار وأشرعت بابه إلى الزقاق .
- وكان في المسجد موضع مثل التنور الصغير ، وهو محل مسقط رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمكان الذي ولدته فيه أمه آمنة بنت وهب في يوم الأثنين لاثنتي عشرة مضت من شهر ربيع الأول من عام الفيل ، وذكر أنه ولد في السابع عشر من ذات الشهر ، وصادف شهر نيسان من السنة (571) ميلادية .
- وحتى على القول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد في الدار التي عند الصفا ، فالمراد أنها ذات الدار لقربها من جبل الصفا ، لأن الذي يقول به يذكر أنها صارت لمحمد بن يوسف وأن زبيدة زوجة هارون جعلتها حين حجت مسجداً .
- وقول مرجوح الذي يذهب إلى أن الدار التي عند الصفا هي غير الدار التي هي مكتبة مكة العامة .
- وعن رجل (من أهل مكة يقال له سليمان بن أبي مرحب مولى بني خثيم قال : حدثنا ناس كانوا يسكنون ذلك البيت قبل أن تشرعه الخيزران من الدار ، ثم انتقلوا عنه حين جعل مسجدا قالوا : لا والله ما أصابتنا فيه جائحة ، ولا حاجة ، فأخرجنا منه ، فاشتد الزمان علينا) ( ).
- والتواتر لغة تعاقب الأفراد والأشياء واحدا بعد آخر , من غير مهلة أو فترة بينهما .
- وهو في الإصطلاح خبر جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب لكثرتهم ، ومن الفقهاء من اشترط تعدد بلدان كل طبقة منهم , ولا يلزم هذا الشرط .
- الثانية :تدل آية البحث على أن النبي محمداً يدرك قانوناً وهو أن الذي يوحى إليه هو من عند الله عز وجل ، وليس من ملك من الملائكة إنما يكون الملك رسولاً من عند الله ، وفي التنزيل [ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ] ( ).
- لم تقف الآية عند الإخبار عن إتباع الوحي بل قيدته بأنه من عند الله ، وهو رب العالمين ، إذ قالت [اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ] لبيان حب وإكرام الله عز وجل للنبي محمد صلى الله عليه وآل وسلم.
- وتدل صفة الربوبية في المقام على أن الوحي رحمة ولطف من عند الله عز وجل .
- الثالثة : الخبر وتأكيد الحق والصدق ، لقد ابتدأت الآية بالأمر من الله عز وجل إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم باتباع الوحي الذي أمر به ، وأنه من عند الله سبحانه ولو دار الأمر بين استدامة هذا الإتباع أو انقطاعه في موضوع مخصوص ، فالأصل هو استدامته وهو من الشواهد على عدم نسخ الآية القرآنية إلا مع الدليل القرآني على نسخها ، أو ورود السنة النبوية بذكر آية قرآنية ناسخة لها .
- ويدل الإخبار عن الوحي على استحالة وجود الشريك لله عز وجل لبيان مسألة وهي أن المشركين على وهم ، وأن التضاد قد حصل في الأرض بين النبوة والشرك ، ولابد أن النبوة والإيمان يستأصلان الشرك من علم الأقوال والأفعال , قال تعالى [ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ] ( ) .
- لقد هبط آدم وحواء إلى الأرض بعقيدة التوحيد ، وحتى قتل قابيل لأخيه هابيل إنما هو خلاف ونزاع شخصي سواء على القول بقبول قربان هابيل دون قربان قابيل ، أو بخصوص الزواج ،ولكن دبّ الكفر والشك إلى الناس مع تقادم الأيام ، وعمل طائفة منهم على تأليه الأشخاص الموتى ثم الأحياء ثم الأصنام .
- (عن ابن عباس قال : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق ، فاختلفوا فبعث الله النبيين قال : وكذلك هي في قراءة عبد الله { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا } ( ))( ).
- و(عن مجاهد { وما كان الناس إلا أمة واحدة } قال : آدم عليه السلام { واحدة فاختلفوا } قال : حين قتل أحد ابني آدم أخاه) ( ).
- فتضمنت الآية الأمر من الله للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالإعراض عن المشركين .
- فقوله تعالى [اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ] ( ) والقول بأن خاتمة الآية أعلاه منسوخة يلزم تقدير الآية على وجوه :
- الأول : يا أيها الرسول اتبع ما أوحي اليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين حتى يأتيك وحي بقتالهم .
- الثاني : يا أيها الرسول اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين حتى يأتيك أمر بقتالهم عندئذ أعرض عن هذا الإعراض.
- الثالث : يا أيها الرسول أتبع ما أوحي إليك من ربك في العبادات والمعاملات والأحكام لا إله إلا هو واعرض موقتاً وإلى حين عن المشركين.
- ولا أصل لهذا التقدير ، ولو دار الأمر بين نسخ الآية وعدم نسخها ، فالأصل هو عدم النسخ إلا أن يدل دليل من الكتاب والسنة خاصة .
- وفي المرسل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لكلّ آية ظهر وبطن ولكل حرف حدّ ومطلع) ( ).
- ويصعب مع هذا التعدد في معاني الآية ومضامينها القدسية القول بالنسخ من غير دليل قطعي خاصة مع تفسير الآية كلها جملة واحدة .
- ولا ينحصر معنى ( أعرض عن المشركين ) بترك قتالهم , وحتى على هذا القول فيحتاج النسخ إلى دليل قطعي , ومن معاني الإعراض في الآية وجوه :
- الأول : دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله وعدم المبالاة باستهزاء المشركين , قال تعالى [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ]( ).
- الثاني : ترك الإلتفات إلى تكذيبهم , وهذا الترك ليس أمراً عدمياً , بل هو أمر وجودي يصاحبه الحذر منهم .
- الثالث : عدم الخشية من المشركين , ليكون من معاني الآية البشارة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم باندحار الشرك ومفاهيمه , قال تعالى [فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ] ( ).
- الرابع : إجتهدُ في طاعة الله عز وجل , ولا يضرك إلحاح الذين كفروا ولهثهم وراء زينة الدنيا من غير عناية بأحكام الحلال والحرام .
- قال تعالى [فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا]( ).
- الخامس : أقم الصلاة وأعرض عن المشركين الذين يجعلون مع الله عز وجل إلهاً آخر .
- السادس : توكل على الله عز وجل , وأقم على التوحيد وأعرض عن المشركين .
- السابع : أعرض عن عقاب وقتال المشركين , وفي التنزيل [إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ] ( ).
- الثامن : وأعرض عن المشركين [ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا] ( ).
- التاسع : وأعرض عن المشركين [وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا] ( ).
- العاشر : وأعرض عن المشركين وأشكر الله عز وجل على نعمة دخول طائفة من الناس الإسلام وفوزهم بمرتبة المهاجرين والأنصار , قال تعالى [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] ( ).
- علم جديد في النسخ
- قيل أن هذا الشطر (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)منسوخ بآية السيف( ) ، وفي تفسير الطبري (وقيل: إن هذه الآية منسوخة، نسخها الجهاد والأمر بالقتال ونسبته إلى القيل تضعيف له .
- *ذكر من قال ذلك:
- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم) الآية، قال: أمرَه بهذا ، ثم نَسَخه وأمرَه بجهادهم) ( ).
- (قال مقاتل والكلبي : هذه الآية منسوخة بآية الجهاد) ( ).
- وعلة النسخ هي إفادتها إعراض النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين عن المشركين وعدم التعرض لهم .
- ونسب إلى إبن عباس (في قوله { فاعفوا واصفحوا }( ) وقوله { وأعرض عن المشركين }( ) ونحو هذا في العفو عن المشركين قال : نسخ ذلك كله بقوله { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله }( ) وقوله { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }( )) ( ).
- أي أن هذه الآيات منسوخة بآيتين تتضمنان الأمر بالقتال وهما :
- الأولى : [قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ] ( ).
- الثانية : آية السيف وهي تسمى أيضاً آية القتال ، وهي [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- (أخرج أبو الشيخ عن السدي { وأعرض عن المشركين } قال : كف عنهم ، وهذا منسوخ نسخه القتال { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ( ).)( ).
- والمختار أن الآية ليست منسوخة ، ووردت آيات أخرى مشابهة لها منها قوله تعالى [فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ] ( ).
- من الإعجاز في القرآن بيانه لعدم التعارض بين دعوة تبليغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس برسالته وأحكامه وبين إعراضه عن الذين كفروا، قال تعالى [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ] ( ).
- ولما أمر الله عز وجل للنبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالإعراض عن المشركين فانه سبحانه وعده بكفايته ودفع أذى المشركين عنه ، قال تعالى [إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ] ( ) وقال تعالى [أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ] ( ).
- والآيتان أعلاه من الشواهد على عدم نسخ آيات العفو والصلح والموادعة ، وهو علم جديد بأن نستحضر الآيات التي تدل على عدم النسخ، وعدم إنحصار بحث آيات النسخ بالناسخ والمنسوخ ، إنما يشمل :
- الأولى : الآية التي يذكر أنها منسوخة .
- الثانية : الآية الناسخة .
- الثالثة : الآيات التي تنفي نسخ الآية الأولى أعلاه .
- الرابعة : الآيات التي تدل على عدم ثبوت صفة الآية الناسخة للآية المنسوخة .
- الخامسة : لحاظ صلة الآية التي يقال أنها منسوخة بالآيات المجاورة لها موضوعاً وحكماً ، كما يتجلى في علم سياق الآيات الذي أسسناه على نحو التفصيل والبيان في هذا السِفر ، ففي تفسير كل آية هناك فصل خاص بسياق الآيات.
- كما صدرت لنا عدة أجزاء خاصة بالصلة بين آيتين متجاورتين والحمد لله .
- ولم يرد في القرآن نسخ آية مخصوصة , وكذا لم يرد على لسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تعيين آيات منسوخات , فهو يتلو آيات القرآن ويفسر عدداً منها , ويستشهد بآيات كثيرة من القرآن , ولم يقل أن هذه الآية منسوخة أو أن الآية الفلانية ناسخة لغيرها .
- ومع هذا فإن باب العلم مفتوح , ويمكن الجمع بين الآيات أو بيان إحتمال النسخ بينها , وهذا لا يمنع من نفي هذا النسخ مع الدليل خاصة وأن الأصل في كل آية قرآنية هو عدم النسخ , والنسبة بين كون الآية محكمة وبين عدم نسخها بآية أخرى هو العموم والخصوص المطلق , فعدم النسخ أعم أي ليس كل آية غير منسوخة هي آية محكمة , إنما قد يترشح عنها الإحكام من آيات أخرى في ذات الموضوع والحكم ، قال تعالى [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ]( ).
- وفي تفسير القرطبي (وقد روي عن ابن عباس انه قال لما قيل له : إن آية الدَين منسوخة قال : لا والله إن آية الدين محكمة ليس فيها نسخ قال : والإشهاد إنما جعل للطمأنينة وذلك أن الله تعالى جعل لتوثيق طرقا منها الكتاب ومنها الرهن ومنها الإشهاد)( ).
- وورد (عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ( لَا وَاَللَّهِ إنَّ آيَةَ الدَّيْنِ مُحْكَمَةٌ وَمَا فِيهَا نَسْخٌ) ( ) ولو دار الأمر بين ما رواه عكرمة , وما ذكره الثعلبي من غير إسناد , فالأرجح هو الأول لأن عكرمة تلميذ ابن عباس وإن نعت بالضعف .
- وآية الدين هي : [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ]( ).
- وعلى فرض النسخ فهناك مسألة وهل تكون الآية منسوخة في زمان ومكان وموضوع دون غيره , ويمكن أن نطلق عليه (النسخ المحصور) الجواب لا دليل عليه , ولكنه مع هذا يدل على الملازمة بين أمور :
- الأول : وجود الآية في المصحف بين الدفتين .
- الثاني : تلاوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين لكل آية من آيات القرآن والتدبر في معانيها .
- و(عن فاطمة عليها السلام قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (يا فاطمة ، كان جبريل يأتيني في كل سنة مرة يعارضني بالقرآن ، وقد أتاني العام مرتين ، ولا أراني إلا أفارق الدنيا) ( ) .
- وليس من دليل على أن جبرئيل أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن آيات السلم والموادعة منسوخة .
- و(عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه جبريل كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ ، يعرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه القرآن ، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)( ).
- وهناك مسألة وهي عند تعلق موضوع النسخ بشطر من آية لابد من استحضار الصلة بينه وبين الشطر الآخر من الآية ، ودلالة الجمع بينهما ، وهل هو أمارة على عدم النسخ خاصة إذا كان يجمع بين شطري الآية وحدة الموضوع ، أو يجمع بينهما حرف عطف أو أداة الشرط والتي تستلزم جملتين هما جملة فعل الشرط ، وجملة جواب الشرط .
- قانون وقائع معركة بدر الدفاعية
- يتجلى توثيق وقائع هذه المعركة من جهات :
- الأولى : آيات القرآن النازلة بخصوص معركة بدر من وجوه :
- الأول : الآيات التي نزلت قبل معركة بدر , ومنها قوله تعالى [وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ( ).
- الثاني : الآيات التي نزلت عشية ويوم معركة بدر .
- الثالث : الآيات التي نزلت بعد معركة بدر والتي تتعلق بها , ومنها آية الأنفال [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ] ( ) وقوله تعالى [وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ] ( ).
- الثانية : المعجزات الحسية التي وقعت في معركة أحد .
- الثالثة : سنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر من وجوه :
- الأول : استشارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه في القتال أو عدمه , وتأكيده على سماع رأي الأنصار لأنهم بايعوه في العقبة على الذب والدفاع عنه عندما يصلهم إلى المدينة , قال تعالى [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ] ( ).
- الثاني : ما أجاب الصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما استشارهم مثل المقداد بن الأسود , وبعض رؤساء الأنصار , فبعد أن أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلبه الإستشارة , واستمع لرأي بعض المهاجرين ز
- كرر طلب الإستشارة , ف(قال له سعد بن معاذ لعلك تريدنا يا رسول الله فقال أجل قال فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق واعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما اردت .
- فنحن معك والذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره ان تلقى بنا عدونا غدا انا لنصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى) ( ).
- الثالث : إجتهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالدعاء وإنقطاعه إليه لبيان قانون في القتال , وهو أن الدعاء سلاح الأنبياء , والتسليم بقانون وهو أن النصر بيد الله عز وجل وحده , و(عن ابن عباس وحكيم بن حزام، وإبراهيم التيمي قالوا: لما حضر القتال رفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديه يسأل الله النصر وما وعده، ويقول: ” اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك، وما يقوم لك دين)( ).
- وسيأتي قانون أدعية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر , لبيان موضوعيتها في النصر وكيف أنها دليل على إرادة الدفاع وليس الهجوم , وفيها تخفيف عن المسلمين ، ودفع لضروب من الأذى عن المسلمين .
- لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتضرع إلى الله عز وجل ويشكو له طغيان وظلم وعتو قريش .
- الرابع : صبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر .
- الخامس : تنظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصفوف أصحابه وتعبئتهم للقتال .
- الرابعة : البشارات في معركة بدر , وهي من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , وهي على أقسام :
- أولاً : البشارات القرآنية بالنصر .
- ثانياً : فضل الله عز وجل على المسلمين يوم بدر , ومنه قوله تعالى [وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً] ( ).
- إذ حزر المشركون عدد المسلمين قبل القتال ورأوا أن عددهم قليل فتمادوا في غيهم وطمعوا في قتلهم , وقالوا إنهم أكلة رأس , والذي حزر المسلمين وطاف حول معسكرهم هو نفسه عمير بن وهب الذي اتفق مع صفوان على قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , ثم أسلم وحسن إسلامه .
- و(عن أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالُوا : لَمّا اطْمَأَنّ الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ فَقَالُوا : احْزُرْ لَنَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ قَالَ فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ ثَلَاثُ مِائَةِ رَجُلٍ يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ ؟
- قَالَ فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتّى أُبْعِدَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ مَا وَجَدْت شَيْئًا)( ).
- ويظهر من الخبر أن عميراً هذا اشترك في معركة بدر هو وابنه فتم أسر الابن, وفرّ عُمير راجعاً إلى مكة , فلم يتعظ إنما سعى في قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
- ثالثاً : البشارات التي جاءت على لسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , ويمكن تقسيم هذه البشارات إلى أقسام :
- أولاً : البشارات عندما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في المدينة قبل خروجهم إلى بدر .
- ثانياً : البشارات في الطريق إلى معركة بدر , فقد استشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه وهو في ذخران قبل أن يصل إلى موضع معركة بدر.
- ولما سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولهم بالدفاع حينئذ قال (سيروا وابشروا فان الله قد وعدني احدى الطائفتين والله لكأني الآن انظر إلى مصارع القوم ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذفران ثم نزل قريبا من بدر)( ).
- رابعاً : بشارات النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه عشية معركة بدر , إذ قال (هذا مصرع فلان، يضع يده على الأرض ها هنا وها هنا، فما أماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ( ).
- لقد أزاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه البشارات ما لرؤساء قريش من الشهرة والهيبة في قلوب المسلمين خصوصاً المهاجرين , وأخبر أنهم سيقتلون بكفرهم , وفي هذه البشارة بعث للمسلمين للإستعداد للقتال , وأن الأمل بعدم وقوع المعركة قد يتلاشى بسبب إضرار رؤساء قريش .
- فإن قلت لماذا قلت (قد يتلاشى) وتقليل الأمر من أن إشارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مصارع رجال من قريش يدل على وقوع المعركة , الجواب لعمومات قوله تعالى [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]( ) فإن هذه الآية حاكمة على السنة النبوية , ولأن السنة هي أيضاً رحمة.
- جدة النبي محمد(ص)
- هي فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة , تلتقي مع زوجها عبد المطلب بجده الرابع وهو مرّة بن كعب بن لؤي وبالنسبة لها هو الجد الخامس .
- وأولادها هم :
- الأول : أبو طالب بن عبد المطلب .
- الثاني : الزبير بن عبد المطلب .
- الثالث : عبد الله بن عبد المطلب , وهو أبو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
- ومن الأناث :
- الأولى : عاتكة بنت عبد المطلب .
- الثانية : البيضاء بنت عبد المطلب .
- الثالثة : أروى بنت عبد المطلب .
- الرابعة : حرة بنت عبد المطلب .
- الخامسة : أميمة بنت عبد المطلب
- وأسلمت عاتكة وهي التي رأت رؤيا أخبرت أخاها العباس وكذا أسلمت عمته صفية , وصفية عمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأبيه , وهي أخت حمزة بن عبد المطلب لأمه وأبيه .
- وكانت في الجاهلية زوجة (الحارث بن حرب بن أمية) فولدت له صيفي بن الحارث , ثم هلك عنها فخلف عليها العوام بن خويلد أخو خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم , فولدت صفية له الزبير والسائب وعبد الكعبة , بان وأخبرت عاتكة أخاها العباس عن رؤياها وأن مصيبة تحل بمكة.
- وقد مدحها حسان بن ثابت في ثنايا ذمه لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قبل إسلامه , إذ قال :
- وإن سنام المجد من آل هاشم … بنو بنت مخزوم ووالدك العبد
- ومن ولدت أبناء زهرة منهم … كرام ولم يقرب عجائزك المجد
- ولست كعباس ولا كابن أمه … ولكن لئيم لا تقام له زند
- وإن امرأ كانت سمية أمه … وسمراء مغمور إذا بلغ الجهد
- وأنت هجين نيط في آل هاشم . كما نيط خلف الراكب القدح الفرد( ).
- وجدة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة بنت عمرو من بني مخزوم , وهي من المنجبات , أي اللائي ولدن ثلاثة أو أكثر من السادة والأشراف .
- وكان سفيان أخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرضاعة ، ولكن عندما بُعث النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان سفيان شديد العداوة له .
- (أما قوله بنو بنت مخزوم فأراد بهم عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والزبير بن عبد المطلب، وأبا طالب بن عبد المطلب، والبيضاء بنت عبد المطلب، ومرة، وعاتكة، وأروى، وأميمة؛ فهؤلاء الثلاثة الذكور والخمس الإناث أشقاء؛ أمهم جميعاً فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمرو بن مخزوم) ( ).
- و(عن الوليد بن هشام المخزومي، قال: خطب ابن الزبير( ) فنال من علي، فبلغ. ذلك ابنه محمد بن الحنفية( ) فجاء حتى وضع له كرسي قدامه، فعلاه، وقال: يا معشر قريش، شاهت الوجوه! أينتقص علي وأنتم حضور؟ إن عليّاً كان سَهْماً صادقاً
- أحَد مرامي اللّه على أعدائه يقتلهم لكفرهم ويُهَوِّعُهم مآكلهم، فثقل عليهم، فرموه بقرفة الأباطيل، وإنا معشر له على ثبج من أمره بنو النخبة من الأنصار، فإن تكن لنا في الأيام دولة ننثر عظامهم ونحسر عن أجسادهم، والأبدان يومئذ بالية ،[وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ]( ).
- فعاد ابن الزبير إلى خطبته، وقال: عذرتُ بني الفواطم يتكلمون، فما بال ابن الحنفية.
- فقال محمد: يا ابن أم رومان، وما لي لا أتكلم. أليست فاطمة بنت محمد حليلة أبي وأم إخوتي. أو ليست فاطمة بنت أسد بن هاشم جدتي. أو ليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ جدة أبي. أما واللّه لولا خديجة بنت خويلد ما تركت في بني أسد عَظْماً إلا هشمته، وإن نالتني فيه المصائب صبرت.) ( ).
- وفاطمة بنت عمرو, أقرب الفواطم من جهة الأمهات إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و(امها) صخرة بنت عمران بن مخزوم.
- و (امها) تخمر بنت عبد بن قصي .
- و (امها) سلمى بنت عامرة بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر.
- و (امها) هند بنت عبد الله بن الحارث وائلة بن ظرب بن عدوان.
- و (امها) زينب بنت نصر بن عامر بن سعد بن قيس ابن قين بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان.
- ويقال بل زينب بنت مالك بن ناصرة بن كعب بن حرب بن سعد بن فهم.
- و (امها)
- عاتكة بنت عامر بن الظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن
- الحارث وهو عدوان.
- و (امها) شقيقة بنت قتيبة بن معن بن مالك ابن يعصر.
- و (امها) سورة بنت اسيد بن عمرو بن تميم بن مر.
- و (ام مالك) بن النضر، عاتكة وهى عكرشة وهى الحصان بنت عدوان بن عمرو بن قيس.
- و (امها) ماوية بنت سويد بن الغطريف وهو حارثة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث.
- و (ام النضر) بن كنانة برة بنت مر بن اد.
- و (امها) ماوية من بنى ضبيعة بن ربيعة بن نزار و (امها) عاتكة بنت الأزد بن الغوث.
- وأما (القضاعية) فولدته صلى الله عليه من قبل كعب بن لؤى بن غالب (امه) ماوية بنت القين بن جسر بن شيع الله بن أسد ابن وبرة.
- و (امها) وحشية بنت ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كثير بن عذرة.
- و (امها) عاتكة بنت رشدان بن قيس بن
- جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة.
- و (الاسدية) ولدته صلى الله عليه من قبال كلاب بن مرة، (امه) هند بنت سريرة بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة.
- و (امها) عاتكة بنت دودان بن اسد بن خزيمة.
- و (امها) جديلة بنت صعب بن على بن بكر بن وائل.
- وقد ولدته صلى الله عليه الازدية مرة أخرى من قبل غالب بن فهر.
- (ام غالب) بن فهر ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن ابن هذيل بن مدركة.
- و (امها) سليمى بنت طابخة بن الأس بن مضر.
- و (امها) عاتكة بنت الازد بن الغوث.
- الفواطم اللاتى ولدنه صلى الله عليه قرشية * وقيسيتان * ويمانيتان.
- اما القرشية فولدته من قبل ابيه عبد الله (امه) فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم.
- و (ام عمرو) بن عائذ فاطمة بنت عبد الله بن رزام بن ربيعة بن جحوض بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة ابن خصفد بن قيس بن عيلان بن مضر.
- و (امها) فاطمة بنت الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة فهاتان القيسيتان.
- واما اليمانيتان (فأم قصي) بن كلاب، فاطمة بنت سعد بن سيل وهو خير بن حمالة من الجدرة من أزد شنوءة.
- وأم [ بني قصي ] حبى بنت حليل بن حبشية بن كعب بن سلول الخزاعية.
- (أم حبى) فاطمة بنت نصر بن عوف بن عمرو بن ربيعة بن حارثة من خزاعة.)( ).
- ويدل الخبر أعلاه على حفظ علماء الأنساب لأسماء الأمهات أيضاً , وفيه إكرام للمرأة , وحرص على تعاهد النكاح ونبذ السفاح .
- دعوى كثرة الآيات المنسوخة
- النسخ في الإصطلاح هو رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنه لولاه لكان الحكم الأول سائداً .
- وفي التعريف أعلاه تقييد من وجوه :
- الأول : التقييد أعلاه بأن الرفع قرآني من الله عز وجل لأن المشهور يذكر تعريف النسخ بأنه رفع حكم شرعي بدليل شرعي ، ولا يرفع حكم الآية القرآنية إلا الحكم الوارد في القرآن .
- الثاني : تعلق النسخ بحكم شرعي مخصوص لبيان إنحصار النسخ بأمر أو نهي معين ، فلا يدخل النسخ على أصول العبادات ومبادئ عقيدة والتوحيد والسنن والأخلاق ، قال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ] ( ) .
- واستقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه المسجد الأقصى في الصلاة ستة عشر شهراً إلى أن نزل قوله تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] ( ) .
- وقد يتعلق النسخ بالسنة النبوية بأن ينسخ حديث نبوي حديثاً آخر أو فعلاً آخر ، كما في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إني كنت نهيتكم عن ثلاث : نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها، لتذكركم زيارتُها خيرًا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فكلوا وأمسكوا ما شئتم .
- ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية، فاشربوا في أي وعاء ، ولا تشربوا مسكرا)( ).
- إذ يبين الحديث أعلاه النهي المتقدم زماناً ، وتأخر الأمر عنه .
- الثالث : تحقق النسخ بحكم شرعي جلي .
- المختار أن السنة لا تنسخ القرآن ، ولا يثبت النسخ بالتأويل بتعارض الأدلة ، كما لا يثبت بالعقل والإجتهاد ، إنما يثبت نسخ الآية القرآنية بآية قرآنية مثلها ، قال تعالى [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا] ( ) .
- ولو دار الأمر بين الجمع بين الآيتين أو النسخ فالجمع هو المقدم والأولى.
- وقد ذكرت آيات كثيرة بأنها منسوخة ، ولم يثبت نسخها ، ونذكرها إن شاء الله ثم نتعرض لشطر منها وكيف أنها غير منسوخة , وأن النسخ لم يثبت فيها , ومنها :
- الأولى : قوله تعالى [وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ). .
- ويتعلق موضوع النسخ بقوله تعالى أعلاه [فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ] ( ) والمختار أن الآية غير منسوخة .
- الثانية : قوله تعالى [وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] ( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] ( ).
- الثالثة : قوله تعالى [كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ] ( )
- ذكر أن موضوع الوصية فيها منسوخ بقوله تعالى [لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا] ( ).
- الرابعة : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]( ) القائل بالنسخ النحاس ,ومكي بن أبي طالب .
- فكان الصحابة إذا حل وقت الإفطار , أفطروا وأكلوا وشربوا وجامعوا أزواجهم مالم يناموا قبل ذلك ثم نسخ بقوله تعالى [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ] ( ) .
- ولكن موضوع النسخ لا يتعلق بمنطوق الآية .
- الخامسة : قوله تعالى [أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ] ( ) القائلون بالنسخ النحاس ابن الجوزي السيوطي مكي بن أبي طالب منسوخة بقوله تعالى [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ( ).أي من شهد الشهر بالغاً عاقلاً معافى فليصمه .
- والمختار أنه ليس من نسخ بين الآيتين ، ومعنى الإ طاقة هو عدم القدرة على الصيام إلا بمشقة وعسر ، فتترتب عليه الفدية (وقرأ ابن عباس ، ومجاهد : { وَعَلَى الَّذِينَ لاَ يَطِيقُونَهُ فدية } ، وتأويلها : وعلى الذين يكلفونه ، فلا يقدرون على صيامه لعجزهم عنه ، كالشيخ والشيخة والحامل والمرضع ، فدية طعام مسكين ، ولا قضاء عليهم لعجزهم عنه) ( ).
- والمختار هو القضاء على الحامل والمرضع عند التمكن من الصيام ، إذ أن مدة قضاء الصوم تستمر من اليوم الثاني من شهر شوال إلى آخر شهر شعبان من ذات السنة ، فمتى صارت المرأة قادرة على القضاء لزم .
- (عن محمد بن المنكدر قال : بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن تقطيع قضاء صيام شهر رمضان فقال : ذاك إليك ، أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ، ألم يكن قضاء؟! فالله تعالى أحق أن يقضى ويغفر) ( ).
- السادسة : قوله تعالى [وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ]( ).
- السابعة : قوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الثامنة : قوله تعالى [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] ( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] ( ).
- ولكن هناك تباين موضوعي بين المتاع والعدة ، وعلى فرض وجود آية نسخ حكمها فقد نسب إلى جمع من الصحابة أنه لا تبقى كتابتها في المصحف .
- (عن ابن الزبير قال : قلت لعثمان بن عفان { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً }( ) قد نسختها الآية الأخرى ، فلم تكتبها أو تدعها؟
- قال : يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه من مكانه) ( ).
- ومعنى كلامه أي إذا كان حكمها قد نسخ بالأربعة أشهر فما الحكمة من إبقاء كتابتها ورسمها في المصحف مع زوال حكمها ، وأن بقاء رسمها يوهم بأن حكمها باق .
- فأجاب عثمان بأني وجدتها في المصحف , فكتبتها مثلما هي موجودة فيه .
- وهذا الكلام من عثمان بن عفان مجمل لا يدل على النسخ ، وهو أقرب إلى نفي النسخ مع تعدد المعنى والدلالة لكل من الآيتين .
- التاسعة : قوله تعالى [لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ] ( ).
- العاشرة : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ] ( ).
- الحادية عشرة : قوله تعالى [وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً * وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا] ( )
- ذكر أنهما منسوختان بقوله تعالى [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ] ( ).
- أو أنها منسوخة بآية الرجم , والتي قيل نسخت تلاوتها وبقي حكمها كما في(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم) ( ).
- ويشكل عليه بأن النسخ قانون سماوي جلي يتضمن التخفيف فاما أن يأتي بمثل المنسوخ أو يأتي بخير منه .
- والأخف خير من الأثقل لما فيه من التيسير والإعانة على الإمتثال ، وذكر أن الأثقل إذا جاء ناسخاً يكون خيراً لما فيه من الثواب ، ولا دليل على هذا القول .
- فمن معاني النسخ بالأخف أن الله عز وجل يتفضل بأجر وثواب على الناسخ الأخف بمثل الأجر والثواب على الأثقل ، والمختار أن ما يذكر من منسوخ التلاوة ليس بحجة في باب الناسخ والمنسوخ القرآني .
- وتدل على التفسير آيات عديدة منها قوله تعالى [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ] ( ) ووردت نصوص كثيرة في التخفيف والحض على إرادة اليسر والإمتناع عن التشديد عن النفس .
- (عن محجن بن الأدرع : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلاً يصلي فتراءاه ببصره ساعة فقال : أتراه يصلي صادقاً؟
- قلت : يا رسول الله هذا أكثر أهل المدينة صلاة .
- فقال : لا تسمعه فتهلكه ، وقال : إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليسر ولا يريد بهم العسر .) ( ).
- (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ الْأَعْرَابِيِّ
- الَّذِي سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ ) ( ).
- (أبي عُرْوَة، قال: كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخرج رَجلا يَقْطُرُ رأسه من وضوء أو غسل، فصلى، فلما قضى الصلاة جعل الناس يسألونه: علينا حرج في كذا؟
- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إن دين الله في يسر” ثلاثًا يقولها)( ) .
- عن (أنس بن مالك يقول : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يسروا ولا تعسروا ، وسكنوا ولا تنفروا ) ( ).
- (وأخرج أحمد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق .) ( ).
- (وأخرج البزار عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ) ( ).
- وأخرج البخاري والنسائي والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : الدين يسر ، ولن يغالب الدين أحد إلا غلبه ، سددوا وقاربوا ، وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ) ( ).
- الثانية عشرة : قوله تعالى [وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] ( ).
- الثالثة عشرة : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا] ( )
- ذكر أنها منسوخة بقول تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ).
- الرابعة عشرة : قوله تعالى [أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا] ( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الخامسة عشرة : قوله تعالى [وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً] ( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- السادسة عشرة : قوله تعالى [إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً* سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا] ( )
- ذكر أنهما منسوختان بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- السابعة عشرة : قوله تعالى [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا] ( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الثامنة عشرة : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلاَئِدَ وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ]( ).
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- التاسعة عشرة : قوله تعالى [سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ]( ) .
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ] ( ).
- العشرون : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنْ الآثِمِينَ]( ) .
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا]( ).
- الحادية والعشرون : قوله تعالى [وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الثانية والعشرون : قوله تعالى [اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ] ( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ). .
- وسيأتي بيان عدم نسخها في هذا الجزء .
- الثالثة والعشرون : قوله تعالى [وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]( ).
- الرابعة والعشرون : قوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ).
- الخامسة والعشرون : قوله تعالى [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- السادسة والعشرون : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] ( ).
- السابعة والعشرون : قوله تعالى [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] ( ).
- الثامنة والعشرون : قوله تعالى [انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ]( ).
- التاسعة والعشرون : قوله تعالى [وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الثلاثون : قوله تعالى [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الحادية والثلاثون : قوله تعالى [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الثانية والثلاثون : قوله تعالى [الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]( ).
- الثالثة والثلاثون : قوله تعالى [فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الرابعة والثلاثون : قوله تعالى [لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا] ( ).
- الخامسة والثلاثون : قوله تعالى [إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- السادسة والثلاثون : قوله تعالى [فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- السابعة والثلاثون : قوله تعالى [قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الثامنة والثلاثون : قوله تعالى [نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- التاسعة والثلاثون : قوله تعالى [فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الأربعون : قوله تعالى [فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الحادية والأربعون : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ) والإجماع على أنها منسوخة , والآية الناسخة هي [أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ]( )وفيه بيان على وجود النسخ في القرآن , وسيأتي البيان .
- الثانية والأربعون : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- الثالثة والأربعون : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً]( ) .
- والإجماع على أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى [إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
- الرابعة والأربعون : قوله تعالى [وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً]( )
- ذكر أنها منسوخة بآية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- وليس في سورة الفاتحة شئ من الناسخ أو المنسوخ وهو من إعجاز القرآن وأسرار تلاوتها في الصلاة اليومية وغالباً ما يكون المنسوخ من الآيات المكية والناسخ آية مدنية , وذكر أن في سورة البقرة (26) آية منسوخة و والمدار على النص والضبط والتحقيق .
- الخامسة والأربعون : قوله تعالى [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ]( ) .
- الآية مدنية (وأسند الطبري عن ابن عباس أنه قال : نزلت { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر } إلى قوله { ولا هم يحزنون }( ) فأنزل الله بعدها ، { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه }( ) الآية)( ).
- السادسة والأربعون : قوله تعالى [وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]( ) وقيل هذه الآية منسوخة بقوله تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ]( ).
- السابعة والأربعون : قوله تعالى [إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ]( )
- والآية مدنية , وذكر أنها نسخت بالإستثناء [إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ] ( ).ولكن هناك تباين موضوعي بين الإستثناء والنسخ .
- الثامنة والأربعون : قوله تعالى [إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ) الآية مدنية ، والتحريم للضرر على الأبدان والمجتمع من أكلها ، وقد تبين بعض الدراسات العلمية هذه الحقيقة والميتة لخبثها وضررها ، والدم لأنه يقسي القلب , ( وما أهل به لغير الله ) أي رفع الصوت عند الذبح لغير الله بالتقرب إلى الأصنام ، وعدم ذكر التسمية .
- وذكرت الآية خصوص لحم الخنزير والمراد لحم وشحم الخنزير سواء ذُكي أو لم يُذكى ، ومن حلف أن لا يأكل لحماً وأكل الشحم حنث يمينه ، فالشحم متداخل مع الله وملحق به ، بخلاف ما لو حلف أنه لا يأكل الشحم فان أكل اللحم لا يحنث .
- أما نجاسة الخنزير وأجزائه أو خصوص ما لا تحله الحياة منها مثل الشعر والعظم أو عدمها فهي مسألة أخرى سواء أخذ منه حياً أو ميتاً .
- وقال جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة ومشهور الإمامية بنجاسة شعر الخنزير ، وذهب المالكية إلى طهارته .
- وذكر أنه نسخ بالسنة بعض الميتة وبعض الدم بقول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (أحلت لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد ، والكبد والطحال) ( ) ولكنه من التخصيص .
- التاسعة والأربعون : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ]( ) .
- وموضع النسخ في الأنثى , وباقي الآية محكم وناسخها قوله تعالى [وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ]( ).
- وقيل منسوخة بقوله تعالى [وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا] ( ).
- الخمسون : قوله تعالى [كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ] ( ) الآية مدنية .
- قيل انها منسوخة بقوله تعالى [يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا]( ).
- الحادية والخمسون : قوله تعالى [وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ]( )
- والآية مدنية , وذكر أنها نسخت بالإستثناء بقوله تعالى [وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ]( ).
- الثانية والخمسون : قوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]( ).
- الثالثة والخمسون : قوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ]( )
- فامتنع قوم من شربها , وشربها قوم , ونزل قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَق-ُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا]( ) .
- فكان جماعة يشربونها بعد صلاة العشاء , فنزل قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ) أي فاتركوه .
- الرابعة والخمسون : قوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ]( )
- والشطر الثاني من الآية منسوخ بقوله تعالى [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] ( ).
- الخامسة والخمسون : قوله تعالى [ وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ]( ) .
- ثم اسثنى من المشركات الكتابيات والناسخ بقوله تعالى [الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ] ( ) أي اليهودية والنصرانية , والمختار أنه ليس من نسخ , ولكن الجمع بين الآيتين يدل على التباين وأن الكتابية ليست مشركة .
- والمراد من المشركة هي الوثنية من عبدة الأصنام .
- ويتجلى الخصوص في آية السيف , وهو قوله تعالى [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ) أنها خاصة بمشركي مكة , ولا تشمل الآية الكتابي , وقد فارق النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الدنيا , وكان في المدينة بعض اليهود , ولم يحملهم على ترك دينهم .
- السادسة والخمسون : قوله تعالى [وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]( ) والنسخ في وسطها [وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] ( ).
- السابعة والخمسون : قوله تعالى [الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ]( )
- نسخت بالإستثناء [الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ]( ).
- والمختار أن الإستثناء ليس نسخاً .
- الثامنة والخمسون : قوله تعالى [وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير]( )
- ذكر أنها نسخت بالإستثناء بقوله تعالى [فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ] ( ).
- التاسعة والخمسون : قوله تعالى [لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا]( ).
- الستون : قوله تعالى [لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ]( )
- ذكر أنها نسخت بقوله تعالى [وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ]( ).
- الحادية والستون : قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ]( ) نسخها قوله تعالى [وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ] ( )ولكن آية الدَين أطول آية في القرآن ، وتتضمن معاني وأحكاماً عديدة وهي غير منسوخة وسيأتي مزيد البيان .
- الثانية والستون : قوله تعالى [لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ]( )
- ذكر أنها منسوخة بقوله تعالى [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]( ) .
- الآيات المنسوخة من سورة آل عمران
- وهي مدنية وقيل فيها خمس آيات منسوخة , وهي :
- الثالثة والستون : قوله تعالى [فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ]( ).
- قيل الناسخ آية السيف [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
- الرابعة والستون : قوله تعالى [كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ *خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ]( ) .
- إنما ذكر أن الآية نزلت في الحرث بن سويد وغيره أسلموا ثم ارتدوا ولحقوا بالكفار ثم كتبوا إلى أهلهم : هل لنا من توبة فنزلت الآية إلى قوله [إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
- وقيل أن الآية أعلاه هي الناسخة , والمختار أنها ليست ناسخة ولا منسوخة إنما هي إستثناء وحكم .
- و(عن ابن عباس قال : كان رجل من الأنصار فأسلم ثم ارتد ولحق بالمشركين ، ثم ندم فأرسل إلى قومه : أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هل لي من توبة؟ فنزلت { كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم }( ) إلى قوله { فإن الله غفور رحيم }( ) فأرسل إليه قومه فأسلم) ( ) وذكرت أسباب أخرى لنزولها في ذات الموضوع .
- والإستثناء ليس نسخاً إنما هو من فضل الله عز وجل , ومن إعجاز القرآن ورود الإستثناء وفرصة التدارك في ذات الآية , وقد وردت بعض الأخبار بما يفيد عدم النسخ وأنه أجنبي عن موضوع الآية .
- (عن مجاهد قال : جاء الحارث بن سُوَيد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم) ( ).
- [وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ] ( ) قيل نسختها آية السيف .
- [وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا]( ).
- وقال الزمخشري (ولا حاجة إلى ذلك ، لأنّ الإغضاء عن السفهاء وترك المقابلة مستحسن في الأدب والمروءة والشريعة ، وأسلم للعرض والورع) ( ).
- [وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ] ( ) (قال قتادة : نسختها آية القتال) ( ).
- وفي الآية رخصة بالصلات والمعاملة مع الذين لا يقاتلون المسلمين , ولم يقوموا بإخراجهم من ديارهم , إنما أخرجهم مشركوا قريش , ولبيان قانون وهو إجتماع أمرين في صدود المسلمين عن المشركين وهما :
- الأول : قتل المشركين للمسلمين .
- الثاني : إخراج المسلمين من ديارهم وأراضيهم .
- ولم تقل الآية : لاينهاكم الله عز وجل عن قتال [الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ] ( ) إنما المقصود لاينهاكم الله عن الإحسان والبر بالذين لم يقاتلوكم , وفيه بشارة ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودولته .
- وفي أسباب نزول هذه الآية شواهد على ما نذهب إليه من وجوه :
- أولاً : المراد قوم من خزاعة صالحوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه( ) وخزاعة حلفاء بني هاشم في الجاهلية والإسلام .
- ثانياً : قوم من العرب كفار ولكنهم يميلون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته , ومنهم من كان يخشى بطش قريش , ومنهم من ينتظر ما تؤول إليه الأمور .
- إذ أدركوا أن دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حق وصدق , ولكنها مرتكزة إلى حياته وشخصه الكريم , وكان آخر الرسل قبل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عيسى عليه السلام الذي سعوا بقتله إلى الحاكم , وهو بيلاطس البنطي , قال تعالى [وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا] ( ).
- ثالثاً : إرادة كفار قريش ممن لم يقاتلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يظاهروا عليه , وعلى الوجهين أعلاه , وقيل الآية منسوخة بآية السيف.
- رابعاً : قيل (قدمت على أسماء بنت أبي بكر أمّها قتيلة بنت عبد العزى وهي مشركة بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها في الدخول ، فنزلت ، فأمرها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن تدخلها وتقبل منها وتكرمها وتحسن إليها) ( ).
- خامساً : هم المسلمون الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا , عن مجاهد وهو بعيد لأن المسألة تتعلق بالقتال وعدمه , وفي التنزيل [إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً] ( ).
- من الآيات التي قيل إنها منسوخة
- الآية الأولى : قوله تعالى [وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ] ( ).
- وعن قتادة أن قوله تعالى [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا] منسوخ بآية السيف والمختار أنه ليس منسوخاً وفيه مسائل :
- الأولى : تحض الآية على الأخلاق الحميدة ، وهي طريق للهداية والإيمان .
- الثانية : ورد عن الإمام علي عليه السلام في قوله تعالى[وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا] ( ) قال (يعني الناس كلهم) ( ) .
- وفي هذا الحديث دلائل فيها :
- الأول : عدم إنحصار موضوع الآية ببني إسرائيل وإن كان أولها يتضمن ذكر ميثاق بني إسرائيل .
- الثاني : إتحاد الأحكام العبادية التي جاء بها الأنبياء .
- الثالث : تلقي أهل البيت والصحابة الآية الكريمة بالقبول والعمل بمضامينها.
- الرابع : استدامة العمل بمضامين الآية .
- الخامس : الدلالة على أن الآية وما فيها من الأوامر محكمة غير منسوخة.
- السادس : الترغيب والبعث للعمل بهذه الآية القرآنية.
- السابع : إفراد كل شطر وأمر في الآية بتفسير وبيان خاص .
- وعن ابن عباس في الآية قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو واجب إلى يوم القيامة( ) لإفادة المعنى الأعم للآية وأنها لا تختص ببني إسرائيل .
- لبيان قانون وهو مخاطبة الناس بالأحسن والأفضل من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتأكيد وجوبهما إلى يوم القيامة شاهد على عدم نسخ الآية , قال تعالى [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ] ( ).
- الثالثة : وردت الآية خطاباً لبني إسرائيل , وموضوعاً للتحلي بمكارم الأخلاق ونشر شآبيب الرحمة بين الناس ومخالطتهم بالخلق الحسن .
- ويترشح عنه المعاملة بالصدق والأمانة والوفاء بالعهود والمواثيق ، ويمكن إصدار جزء أو أجزاء خاصة بالآيات التي تأمر بالأخلاق الحميدة التي أمر الله تعالى بها وصلة هذه الأوامر القرآنية بكل من القوانين التي صدرت فيها عدة أجزاء من تفسيرنا هذا وهي :
- الأول : قانون لم يغز النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحداً.
- الثاني : قانون التضاد بين القرآن والإرهاب .
- الثالث : قانون آيات الدفاع سلام دائم .
- الرابع : قانون آيات السلم محكمة غير منسوخة ، الذي اختص هذا الجزء به فضلاً ولطفاً من عند الله وستصدر أجزاء أخرى منه إن شاء الله .
- لقد إبتدأت آية البحث بصيغة الجملة الخبرية [وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ] التي تتضمن الأمر والعهد ووجوب العمل بمضامين الميثاق ، ومن خصائص الخبر في القرآن إفادته القطع .
- وهل هذا الميثاق منحصر ومختص ببني إسرائيل ، الجواب لا ، إنما هو من مصاديق قوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]( )، ومواثيق الأنبياء قال تعالى [الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ]( )، والميثاق في المقام العهد المؤكد والوعد بالتقيد بالأوامر والنواهي وفيه وجوه :
- الأول : عبادة بني إسرائيل مجتمعين ومتفرقين لله وحده مع تعظيم مقام الربوبية.
- الثاني : التنزه عن الشرك وعبادة العجل ، وفيه إنذار للعرب من عبادة الأصنام ، فمن إعجاز القرآن نزوله بلغة إياك أعني واسمعي يا جارة.
- الثالث : الإمتناع عن الغلو باشخاص الأنبياء .
- الرابع : الإحسان للأب والأم ، لقوله تعالى [وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا]( )، فهما العلة الظاهرة لوجود الولد ، وقيامها بالعناية به وتربيته .
- والإحسان للوالدين من مصاديق قوله تعالى [أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ]( )، وفي الآية دعوة للوالدين لتربية الأبناء على الإيمان والهدى ، ليترشح عنها قيامهم بالإحسان للوالدين ، وفي تأديب لقمان لغبنه ورد في التنزيل [يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ]( )، ومن الإحسان للوالدين توارث الإيمان وسنن العبادة وجاء الإحسان للوالدين متعقباً لعبادة الله ، وعدم الشرك به سبحانه .
- وقد ورد الخطاب للمسلمين أيضاً في التوحيد والإحسان للوالدين وذي القربى والرفق باليتامى والجار مطلقاً ، قال تعالى [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا]( ) .
- وفي قوله تعالى [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا] ( ) وجوه :
- الأول : وقولوا للناس حسناً في حال السلم .
- الثاني : وقولوا للناس حسناً عند الجدال .
- الثالث : وقولوا للناس حسناً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
- الرابع : وقولوا للناس حسناً عند الخلاف والخصومة .
- الخامس : وقولوا للناس حسناً اليوم وغداً .
- السادس : من خصائص المؤمنين أن يقلوا للناس حسناً .
- السابع : وقولوا للناس حسناً استجابة لأمر الله عز وجل .
- الثانية : الذين يجب على المسلمين أن يقولوا لهم قولاً حسناً ، وهم جميع الناس من كل الملل والمذاهب والمشارب إذ أن الألف واللام في [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا] ( ) لإفادة الجنس والعموم الإستغراقي ، ويشمل الرجال والنساء مجتمعين ومتفرقين ، وفيه بعث للرأفة بين الناس ، وسبب لميل الناس إلى المسلمين ومبادئ التشريع ، قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا] ( ).
- ومن الأمارات والقرائن على عدم نسخ قوله تعالى [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا] ( )صيغة الجمع فيها ، إذ تتألف من ثلاث كلمات ، وكل كلمة منها قرينة على عدم النسخ وهي :
- الأولى : توجه الخطاب والأمر في الآية [وَقُولُوا ] ( ) والمراد من جهة المخاطبين وجوه :
- الأول : النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
- الثاني : أهل البيت .
- الثالث : الصحابة من المهاجرين والأنصار رجالاً ونساءً ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] ( ) .
- وتبين الآية مخاطبة الكفار بالقول الحسن ، وإعطاءهم المهور التي دفعوها للمؤمنات مع أنهم قد دخلوا بهن ، ومنهن من أنجبت من زوجها الكافر ، ولكن عندما آمنت أمر الله عز وجل المسلمين أن يعطوا الكفار مهورهم ، وما يلبثون حتى يأتوا مسلمين ، وقد ترجع لهم أزواجهم ، فاذا اسلم زوجها مدة العدة فهو أحق بها .
- أما إذا انقضت عدتها انفسخ عقد النكاح ، ولو أنه آمن في مكة قبل انتهاء عدتها بيوم ، وهي في المدينة مهاجرة ، فلا يقدر على الوصول إليها أو إيصال الخبر في يوم واحد ، فالجواب يقيم البينة على اسلامه وتأريخه وتعود إلى عصمته.
- الرابع : التابعون وهم العلماء وعامة المسلمين والمسلمات ممن دخلوا الإسلام بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولم يروه في حياته، ولكنهم سمعوا من الصحابة .
- كما يمكن تعريف التابعي بأنه الذي لقى الصحابي ومات مسلماً ، وقال السيوطي (الصحابة وكانت مدتهم من المبعث إلى آخر من مات من الصحابة مائة وعشرين سنة , وقرن التابعين من مائة سنة إلى نحو سبعين وقرن أتباع التابعين من ثم إلى نحو العشرين ومائتين) ( ) .
- والمختار ليس من ضبط لمرتبة كل طبقة منهم للتداخل بينهم ، إذ بدأت فئة التابعين من يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل حتى قبل وفاته ممن أسلم ولم يرّ النبي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم لاشتراط رؤية شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنيل مرتبة الصحابي .
- ويمكن أن يكون الذين أسلموا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يروه فئة وقسيما وبرزخاً بين الصحابة والتابعين ، قال تعالى [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] ( ).
- الخامس : تابعوا التابعين ، وهم الذين لم يدركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا الصحابة ولكنهم لقوا التابعين .
- السادس : أجيال المسلمين المتعاقبة إلى يوم القيامة .
- ولا يختص الوصف بالرجال من المسلمين بل يشمل النساء أيضاً في كل زمان ، إنما ورد التذكير للغالب .
- الآية الثانية : قوله تعالى [فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ]وتمام الآية هو [وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ).
- لقد وردت الآية أعلاه بخصوص طائفة من أهل الكتاب ، وهل معنى قوله تعالى [وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ] ( ) ود أكثر أهل الكتاب ، الجواب لا ، إنما المراد عدد كثير منهم ، ويحتمل هذا العدد في موضوعه وأوانه وجوهاً :
- الأول : إرادة طائفة من اليهود الذين كانوا في المدينة .
- الثاني : بعض أهل الكتاب أيام التنزيل .
- الثالث : المراد بعض أهل الكتاب أيام النبوة وعهد الصحابة .
- الرابع : إرادة العموم والإطلاق الزماني .
- والمختار هو الثاني إذ وردت الآية بصيغة الفعل الماضي [وَدَّ] لتكون هذه الكثرة قلة ، وهو من التخفيف عن المؤمنين .
- وذكرت الآية الود بقوله تعالى [وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ] ( ) والود كيفية نفسانية لبيان أنه لم يترجل إلى الخارج بأفعال وإكراه أو تحشيد الجيوش كما فعلت قريش , وعزم وتخطيط الوجهاء والرؤساء منهم على نشوب القتال في معركة بدر وأحد والخندق .
- وهل في الآية منع لهذا الود من البروز في عالم الأقوال والأفعال ، الجواب نعم ، وهو من إعجاز القرآن والمدد للنبي والمسلمين من الله بآيات القرآن .
- نعم جاءت آيات تخبر عن إحتمال حدوث الإرتداد بسبب الطاعة لهم ، أو الطاعة للذين كفروا أو قتال المشركين كما في الآية التالية :
- الأولى : [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ]( ).
- الثانية : [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ]( ).
- الثالثة : [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ]( ).
- ولم يرد لفظ [فَاعْفُوا ] ( ) في القرآن إلا في الآية أعلاه من سورة البقرة ، وكذا لفظ [َاصْفَحُوا].
- ويحتمل وجوهاً :
- الأول :تعلق العفو والصفح بموضوع آية البحث وود طائفة إرتداد المسلمين وبيان علة هذا الود وهو الحسد .
- الثاني : إتخاذ العفو عن الناس سجية .
- الثالث : إرادة العفو عن هذه الطائفة من أهل الكتاب .
- الرابع: العفو عن أهل الكتاب عامة .
- والمختار الثاني والرابع .
- وهل منه سقوط الجزية خاصة وأنها لن تفرض في بداية البعثة النبوية أو بدايات هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة .
- الجواب العفو في أصل الجزية كثير ، والأصل أن المستثنى أقل من المستثنى منه ، ولكن الذين تم استثناؤهم واعفاؤهم من الجزية وسقوطها عنهم أكثر من الذين فرضت عليهم الجزية ، وهم :
- الأول : النساء ، وهن نصف المجتمع أو أكثر أو أقل قليلاً ، وكانت النساء في الغالب أكثر من الرجال لأنهم يهلكون في الحروب والقتال والغزو، وهو من أسباب حكم تعدد الزوجات ، ومن توالي بعث الأنبياء ، وكل نبي يدعو إلى عبادة الله ونبذ القتال .
- وإن كانت المرأة غنية فلا تجب عليها الجزية أيضاً .
- الثاني : الشيخ الفاني والرجل الكبير .
- الثالث : الذي فيه عاهة مزمنة .
- الرابع : المريض الذي لا يرجى برؤه ، ومنه لو كان مصابا بمرض ليس له علاج ، وهل يلحق بالمريض المزمن، الجواب نعم .
- ونسأل الله عز وجل أن يكتشف للأمراض المستعصية والمستحدثة في هذا الزمان والأوبئة علاج في القريب العاجل ، وفي التنزيل [وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ] ( ).
- الخامس : الأعمى .
- السادس : الرهبان في الصوامع والكنائس والديارات ممن ليس من أهل القتال .
- السابع : الفلاحون وأهل الزراعة والحرث ممن لا يشتركون في القتال .
- وكل هؤلاء ليس عليهم جزية وإن كانوا موسرين وأغنياء .
- الثامن : الصبية ليس عليهم جزية لمسلم أو ذمي ، ولو كان المسلمون قد دخلوا مدينة فيها النساء فقط وعرضن الجزية ليدخلن في ذمة وحماية المسلمين عقدت لهن الذمة ولا يؤخذ منهن شئ ، لبيان أن بدل ومقابل الجزية الأمن والأمان ، والدفاع عن أهل الذمة وعن ملتهم وبقائها في الأرض .
- ومعنى لأمره ، قوله تعالى [حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ] ( ) له معان :
- الأول : الأمر والحكم الصادر لغرض الفعل والإمتثال والذي يجمع على أوامر .
- الثاني : الأمر وهو الشئ ونحوه ، والذي يجمع على أمور .
- الثالث : إرادة المشيئة الخالصة التي ليس للإنسان فيها شأن من جهة الإمتثال ، قال تعالى [وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ] ( ).
- الرابع : المعنى الأعم الجامع للوجوه أعلاه .
- ولا تعارض بين هذه الوجوه ، وكلها من مصاديق الآية ، وكل فرد منها رحمة بالناس جميعاً ، ليكون تقدير الآية بلحاظ الوجوه أعلاه على جهات:
- الأولى : فاعفوا وأصفحوا حتى يأتيكم أمر الله بخصوصهم .
- الثانية : فاعفوا وأصفحوا حتى تدخل طائفة منهم الإسلام .
- الثالثة : فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بظهوركم وعدم ترتب الأثر على حسدهم.
- وهل يمكن تقدير الآية حتى يأتي الله بالناسخ ، الجواب لا ، إلا أن يثبت نسخ الآية ، لأن آية البحث [حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ] ( ) وعد .
- وفي التنزيل [وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً] ( ) فلابد أن الأمر الذي تذكره الآية موجود في القرآن .
- وهل يحتمل ورود هذا الأمر بالسنة النبوية ، المختار أن الوعد ورد بآية قرآنية فيأتي الأمر بآية قرآنية أيضاً ، وهو من عمومات قوله تعالى [َيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ] ( ).
- ويحتمل لفظ [بِأَمْرِهِ] في قوله تعالى [حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ] ( ) وجهين:
- الأول : إرادة المفرد والمتحد .
- الثاني : المقصود المتعدد والجنس ، والتقدير على شعبتين :
- الأولى : حتى يأتي الله بأوامره .
- الثانية : حتى يأتي الله بالأمور المتعلقة بكل موضوع .
- والمختار هو الثاني أعلاه بشعبتيه ومصاديق أمر الله في الآية أكثر من أن تحصى في أفرادها وموضوعها ونفعها أو فيوضاتها ومنها :
- الأول : النصر للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
- الثاني : صلح الحديبية ، قال تعالى [بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ] ( )
- فعندما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه إلى العمرة في السنة السادسة ظن المنافقون أنهم لن يرجعوا من وجهتهم هذه وأن المشركين سيجهزون عليهم خصوصاً , وأنه ليس من مدة مديدة بين زحف عشرة آلاف رجل من المشركين في معركة الخندق وبين صلح الحديبية سوى ثلاثة عشر شهراً .
- ليكون من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الحسية رجوعه وأصحابه بأمن وسلام وصلح مع المشركين ، قال تعالى [وَالصُّلْحُ خَيْرٌ] ( ) .
- وهل قهر وخزي المنافقين في هذا الرجوع معجزة أخرى للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
- الجواب نعم ، وفيه شاهد على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يريد القتال ، ولا يطلب الغزو ، وأن آيات السلم محكمة غير منسوخة ، ومن المعجزات في المقام تخلف قوم من المنافقين عن الخروج الى الحديبية , لتجلي الحق وشواهد صدق النبوة .
- الثالث : فتح مكة ، وعن (عبد الله بن مغفل يقول: قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته فرجَّع فيها) ( ) .
- الرابع : هداية فريق من الناس للإسلام .
- الخامس : دخول الأفراد والجماعات الإسلام .
- السادس : مجئ الوفود إلى المدينة في السنة التاسعة للهجرة والتي سميت: عام الوفود وتسمى أيضاً عام تبوك ، ومن هذه الوفود وفد نصارى نجران والصلح على أداء الجزية ، قال تعالى [فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] ( ) ونزلت الجزية في ذات السنة أي سنة تسع للهجرة .
- السابع : إرادة الساعة ويوم القيامة وعالم الحساب ، فلم تأت الآية بلفظ (فاعف وأصفح) كي تكون خطاباً وأمراً إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إنما جاءت بصيغة الجمع .
- نعم وردت آية أخرى بقوله تعالى [فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] ( ) لإفادة إستدامة العفو والصفح من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأجيال المسلمين عن أهل الكتاب ، واتخاذ العفو منهاجاً ، وفيه شاهد بأن آيات العفو والصفح غير منسوخة .
- لقد أراد الله عز وجل استدامة العفو والصفح من المسلمين فيما بينهم ولأهل الكتاب وعامة الناس ، أما مسألة تغيير الحال فهو راجع إليه سبحانه.
- وجعل الله عز وجل النفوس تميل إلى الألفة والمودة والرحمة بين الناس ببركة نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يرد الله عز وجل عسكرة البلدان، وإنحصر سعي المسلمين بالدعوة والدفاع .
- إنما تفتح آيات السلم والموادعة سبل المودة بين الناس لذا فالمراد من العفو والصلح العموم والجنس ، وليس هو إرادة فرد مخصوص أو واقعة عين ، لذا جاءت الآية بصيغة الجمع فاعفوا واصفحوا .
- وقال الشاعر :
- خذي العفو مني تستديمي مودتي … ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
- فإني رأيت الحب في الصدر والأذى .. إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب( ).
- ونسب هذان البيتان إلى أسماء بن خارجة الفزاري( ).
- روى أسماء عن الإمام علي عليه السلام وعبد الله بن مسعود وأدرك فترة النبوة وتوفى سنة (66) للهجرة .
- كما نسب هذان البيتان إلى حسان بن ثابت .
- والتباين بين الآية القرآنية ، وهذا الشعر ظاهر ، ، إذ يأمرها الشاعر بالسكوت وكم الأفواه حين غضبه .
- أما الآية القرآنية فجاءت باطلاق العفو والصفح في كل الأحوال ، مما يدل على أنه مقدم على الغضب ، ولا يصح للمسلمين الإنتقام والبطش عند الغضب ، وقد تقدم بيانه في الجزء السابق في تفسير قوله تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] ( ).
- ويدل عليه في السنة النبوية أن المشركين إذ انهزموا وتفرقوا تركهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يلاحقهم ، وكان أحياناً يراهم قد صعدوا رؤوس الجبال ، ولم يتعقبهم أو يرسل أصحابه لقتلهم أو لجلبهم أسرى ، وهذا الترك أمر وجودي ، وهو من مصاديق قوله تعالى [فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ] ( ) .
- فمن أمر الله تدبر الناس في معجزات النبوة والذي يتفرع عنه التفكر في الآيات الكونية والهداية لدخول الإسلام .
- وقد أختلف في موضوع النسخ بالنسبة لقوله تعالى [فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ] ( ) على قولين :
- الأول : الآية منسوخة (عن قتادة في قوله { من بعد تبين لهم الحق }( ) قال : من بعد ما تبين لهم أن محمداً رسول الله يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل نعته وأمره ونبوته ، ومن بعد ما تبين لهم أن الإِسلام دين الله الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم { فاعفوا واصفحوا } قال : أمر الله نبيه أن يعفو عنهم ويصفح حتى يأتي الله بأمره ، فأنزل الله في براءة وأمره فقال { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله }( ). فنسختها هذه الآية ، وأمره الله فيها بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يقروا بالجزية ) ( ).
- ولكن الآية أعلاه من سورة التوبة تحدد الجهة التي يقاتلها المسلمون بأنها لا تؤمن بالله ، ولا تؤمن بالمعاد وينكرون الآخرة والحساب ليس لهم من الكتاب إلا الاسم ، ولايدخل فيهم اليهود والنصارى لأنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ، وأتباع الأنبياء جاءوا بالدعوة إلى الله ، والإخبار عن كون يوم القيامة حق وصدق ، ولابد من الجمع بين آيات القتال لأنها من المطلق كما يأتي بيانه .
- وتتضمن الآية اللوم لأهل الحسد لقيام الحجة والبرهان على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندهم وأنهم رأوا الآيات والمعجزات الباهرات .
- ليكون من إعجاز الآية إخبارها عما في قلوب الناس ، وكيف أن طائفة منهم يدركون أن النبوة حق وصدق ، ولكنهم يظهرون خلافه ، قال تعالى [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ] ( ).
- لقد ذكر القرآن طائفة أخرى بالضد منهم وهم المنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر .
- وهل يشمل أمر الله سبحانه المنافقين ، الجواب نعم ، ومن مصاديق أمر الله في المقام وجوه :
- الأول : نزول آيات وأحكام في ذم الحسد مطلقاً ، والحسد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على المدد والتوفيق من عند الله عز وجل ، بقوله تعالى [وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ).
- الثاني : تغيير الكيفية النفسانية لهؤلاء القوم ، قال تعالى [إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ] ( ).
- الثالث : مجئ النصر والفتح للمسلمين , وبما فيه النفع للناس جميعاً .
- الرابع : من أمر الله تثبيت الإيمان في قلوب المسلمين وانحسار وقلة عدد المنافقين بتوبة فريق منهم ، قال تعالى [لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا] ( ).
- وتحتمل توبة الله على المنافقين وجوهاً :
- الأول : يتوب الله عز وجل عن المنافقين إن تابوا .
- الثاني : يهدي الله تعالى المنافق ليتوب عليه .
- الثالث : التوبة من الله عن طائفة من المنافقين وهم على نفاقهم على نحو التخصيص والإستثناء ، ممن كان مع نفاقه يأتي بالعبادات ، ويخرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتائب الدفاع ليس حمية أو من أجل غنائم إنما دفاعاً عن النبوة والتنزيل .
- والصحيح هو الوجه الأول والثاني .
- هل يمكن الرد على هذا الوجه الثالث أعلاه بأنه في هذا الحال لم يعد منافقاً ، وهو ليس ممن [خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا] ( ) لأن الآية أعلاه تدل على التضاد في العمل وليس فساد العقيدة .
- الجواب ، إنما يؤاخذ المنافقون على إخفائهم الكفر ، وعلى الفعل الذي يترشح عنه ، فيترتب على إخفاء الكفر إثم ، وهو معصية .
- قوله تعالى [وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ] ( ) في سبب وموضوع النزول أقوال :
- الأول : نزلت هذه الآية بخصوص تمثيل قريش بقتلى المسلمين يوم معركة أحد .
- وذكر أن الآية منسوخة بقوله تعالى [وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ]( )
- الثاني : هذه الآية غير منسوخة وهو المختار .
- الثالث : نزلت الآية في كل مظلوم أن يقتص من ظالمه , (قاله ابن سيرين ومجاهد)( ) وهو من الشواهد على كون الآية غير منسوخة لإستدامة حكمها في كل زمان .
- الآية الثالثة : قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلاَئِدَ وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ] ( ).
- أخرج عن (ابن عباس قال : آيتان نسختا من هذه السورة – يعني من المائدة – آية القلائد ، وقوله { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم }( ) فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخيراً ، إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم ، فنزلت) ( ).
- لقد كانت الأمم والدول من حول العرب لهم ملوك ورؤساء يدفعون الناس بعضهم عن بعض , وليس لأكثر العرب ملوك وكل جماعة أو قبيلة تعمل بذاتها , فجعل الله عز وجل لهم البيت الحرام , والأشهر الحرم والهدي والقلائد أمناً ليتجنبوا القتال .
- فيلقى الرجل قاتل أبيه أو اخيه أو ابن عمه فلا يعرض له , و(عن قتادة في قوله تعالى { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد }( ).
- قال : حواجز أبقاها الله في الجاهلية بين الناس ، فكان الرجل لو فعل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يُتناول ولم يُقرب ، وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه .
- وكان الرجل لو لقي الهدي مقلداً وهو يأكل العصب من الجوع لم يعرض له ولم يقربه ، وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر فأحمته ومنعته من الناس .
- وكان إذا نفر تقلد قلادة من الإذخر أو من السمر فمنعته من الناس حتى يأتي أهله حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية)( ).
- ولا دليل على النسخ هنا لأصالة الإطلاق وللأولوية القطعية ، لأن الله عز وجل بعث النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة ورأفة بالناس , قال تعالى[وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ) وقد أمضى السنن ذات صبغة الرحمة والعفو والموادعة.
- وفي سبب نزول الآية وجوه :
- الأول : (عن زيد بن أسلم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت ، وقد اشتد ذلك عليهم ، فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة ، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصد هؤلاء كما صدوا أصحابنا ، فأنزل الله { ولا يجرمنكم . . . . } الآية ) ( ) .
- الثاني : (عن السدي قال : أقبل الحطم بن هند البكري حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فدعاه فقال : إلام تدعو؟
- فأخبره ، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان ، فلما أخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : انظروا لعلي أسلم ولي من أشاوره ، فخرج من عنده .
- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر ، فمر بسرح من سرح المدينة فساقه .
- ثم أقبل من عام قابل حاجاً قد قلد وأهدى ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبعث إليه ، فنزلت هذه الآية حتى بلغ { ولا آمين البيت الحرام }( ) .
- فقال ناس من أصحابه : يا رسول الله خلِّ بيننا وبينه فإنه صاحبنا.
- قال : أنه قد قلد! قالوا : إنما هو شيء كنا نصنعه في الجاهلية ، فأبى عليهم ، فنزلت هذه الآية ) ( ).
- الثالث : (نزلت هذه الآية في الحُطَم بن ضبيعة أغار على سرح المدينة ، فذهب به إلى اليمامة ، ” فلّما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام القضية سمع تلبية حجَّاج اليمامة .
- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هذا الحطم فدونكم ، وكان قد قلَّد ما نهب من سرح المدينة ، وأهداه إلى الكعبة ” ، فلمَّا توجَّهوا في طلبه أنزل الله تعالى : { لا تحلوا شعائر الله }( ) يريد : ما أُشعر لله ، أَيْ : أُعْلِمَ { ولا الشهر الحرام } بالقتال فيه { ولا الهدي } وهي كلُّ ما أُهدي إلى بيت الله من ناقةٍ ، وبقرةٍ وشاةٍ ، { ولا القلائد } يعني : الهدايا المقلَّدة من لحاء شجر الحرم { ولا آمِّين البيت الحرام }( ) قاصديه من المشركين) ( ) .
- وعن الإمام الباقر عليه السلام (نزلت هذه الآية في رجل من بني ربيعة يقال له: الحطم) ( ).
- والحُطَم بن ضبيعة أخو قيس بن ثعلبة ارتد بعد رحيل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , وتبعه من ارتد من بكر بن وائل , ومن لا يزال على الكفر منهم ونزل الحُطم بالقطيف وهجر (أي الإحساء) .
- (واستغوى الخط ومن فيها من الزط والسايجة وبعث بعثاً إلى دارين)( ).
- ومدينة الخط أنشأها أردشير بن بابك في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي وهي متداخلة مع القطيف التي قيل أن تأريخها يرجع إلى الالفية الخامسة قبل الميلاد .
- وقويت شوكة الحطم , وسار له العلاء بن الحضرمي وانضم إليه في اليمامة ثمامة بن أثال مع مسلمة بني حنيفة أبناء عم مسيلمة الكذاب ، وقبائل أخرى ، وكاد جيش العلاء يتعرض للهلاك عطشاً لولا فضل وآية من عند الله ، إذ ورد في حديث عن منجاب بن راشد قال (وخرج مع العلاء من عمرو وسعد الرباب مثل عسكره وسلك بنا الدهناء حتى إذا كنا في بحبوحتها ، والحنانات والعزافات عن يمينه وشماله .
- وأراد الله عز وجل أن يرينا آياته نزل وأمر الناس بالنزول فنفرت الابل في جوف الليل فما بقى عندنا بعير , ولا زاد ولا مزاد , ولا بناء إلا ذهب عليها في عرض الرمل , وذلك حين نزل الناس وقبل أن يحطوا فما علمت جمعا هجم عليهم من الغم ما هجم علينا .
- وأوصى بعضنا إلى بعض ونادى منادي العلاء اجتمعوا فاجتمعنا إليه .
- فقال ما هذا الذى ظهر فيكم وغلب عليكم فقال الناس وكيف نلام ونحن إن بلغنا غدا لم تحم شمسه حتى نصير حديثا .
- فقال أيها الناس لا تراعوا ألستم مسلمين( ) ألستم في سبيل الله ألستم أنصار الله قالوا بلى .
- قال فأبشروا فو الله لا يخذل الله من كان في مثل حالكم .
- ونادى المنادى بصلاة الصبح حين طلع الفجر فصلى بنا ومنا المتيمم ومنا من لم يزل على طهوره .
- فلما قضى صلاته جثا لركبتيه وجثا الناس فنصب في الدعاء ونصبوا معه فلمع لهم سراب الشمس.
- فالتفت إلى الصف فقال رائد( ) ينظر ما هذا ففعل ثم رجع فقال سراب.
- فأقبل على الدعاء ثم لمع لهم آخر فكذلك ثم لمع لهم آخر فقال ماءفقام وقام الناس فمشينا إليه حتى نزلنا عليه فشربنا واغتسلنا فما تعالى النهار حتى أقبلت الابل تكرد من كل وجه فأناخت إلينا فقام كل رجل إلى ظهره فأخذه فما فقدنا سلكا فأرويناها وأسقيناها العلل بعد النهل وتروينا ثم تروحنا) ( ).
- والتقى الجيشان وتخندق كل منهما ، وكانوا يتراوحون القتال ، ويرجع كل منهما إلى خندقه واستمروا على هذه الحال شهراً ، وفي إحدى الليالي سمع المسلمون ضوضاء شديدة في معسكر المشركين كأن قتالاً وفتنة حدثت بينهم .
- فقال أحد المسلمين وهو عبد الله بن حذف أنا آتيكم بخبرهم فاحتال بالدخول إليهم وأرادوا قتله ولكن أمه من عِجل فاستجار باحدهم إذ صار ينادي يا أبجراه ، فجاء أبجر بن بجير فعرفه ، ورآى عبد الله بن حذف أن القوم سكارى ، قد غلب عليهم الشراب ، فطلب تجهيزه فحمله أبجر على بعير وتركه فرجع عبد الله إلى معسكر المسلمين وأخبرهم بأن القوم سكارى فاقتحموا عليهم عسكرهم ، وقُتل الحُطم ليلتئذ وصار أصحابه بين قتيل أو أسير أو هارب .
- الثالث : عن ابن عباس (كان المشركون يحجون البيت الحرام ، ويهدون الهدايا ، ويعظمون حرمة المشاعر ، وينحرون في حجهم ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فقال الله { لا تحلوا شعائر الله }( ) وفي قوله { ولا الشهر الحرام }( ) يعني لا تستحلوا قتالاً فيه { ولا آمين البيت الحرام }( ) يعني من توجه قبل البيت .
- فكان المؤمنون والمشركون يحجون البيت جميعاً ، فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحداً يحج البيت ، أو يتعرضوا له من مؤمن أو كافر .
- ثم أنزل الله بعد هذا { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا }( ) وفي قوله { يبتغون فضلاً } يعني أنهم يترجون الله بحجهم { ولا يجرمنكم } يقول : لا يحملنكم { شنآن قوم } يقول : عداوة قوم { وتعاونوا على البر والتقوى }( ) قال : البر . ما أمرت به { والتقوى } ما نهيت عنه) ( ).
- والقلائد جمع قلادة , ، ولها في المقام معنيان :
- الأول : ذوات القلائد من الهدي والبُدن التي تقلد عليها علامة ، وعطفت على الهدي من عطف الخاص على العام ولأن ذوات القلائد أشرف الهدي .
- والتأكيد على النهي عنها وحرمة التقليد ، وهذا المعنى حكاه الطبري عن ابن عباس ، ولكن كلامه لا يدل عليه( ) .
- الثاني : من يقلد به الهدي والبُدن للذين يأمون المسجد الحرام ويقصدونه سواء من وفد الحاج أو المعتمرين ،والحج في القلائد أظهر وأبين وكي يعلم الناس جهة الحاج فلا يتعرضون له ، ولا إلى هديه بغارة أو غدر، وهذا التقيد والإنضباط أيام الحج مقدمة لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لبيان مسألة وهي أن مقدمات بعثة الرسول لا يقدر عليها إلا الله عز وجل ، وأنها من مصاديق مجئ قوله تعالى [وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا] ( ) بصيغة الماضي ، وما يقلد به الهدي على وجوه :
- الأول : ظفائر من صوف أو وبر .
- الثاني : ربط نعلين بالهدي .
- الثالث : وضع جزء من لحِاء الشجر ، ولحاء الشجر هو الطبقة الخارجية لجذع الشجرة والشجيرة .
- الرابع : جعل قِشر لحاء الشجر على الهدي .
- ومعنى تقليد الهدي بالنعلين أنهما يقيان صاحبهما الأذى من حر الرمضاء ومن البرد والشوك والهوام والقذر ، فكأن الذي يأتي بالهدي خرج من القذر والمعاصي .
- وسميت قلائد لأنها تشبه قلادة المرأة ، ولو تأخر شخص في مكة بعد خروج الأشهر الحرم ، وأراد العودة إلى موطنه وضع في عنقه قلادة من لحِاء الحرم للدلالة على أنه كان في الحج من أجل ألا يتعرض له أحد بسوء .
- الآية الرابعة : قوله تعالى [فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] ( ).
- يتعلق موضوع النسخ في الآية أعلاه بقوله تعالى [فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] ( ) بعدم مؤاخذتهم عما سلف وصدر منهم , لأن المعجزة مصاحبة للنبوة وهي سبيل للحجة عليهم , لبيان الترفع عن المؤاخذة على الإيذاء وخائنة الأعين والتعريض , وقيل (وهذا منسوخ بآية السيف)( ).
- والمختار أنها ليست منسوخة إنما هي من مصاديق قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ).
- وتتضمن آية البحث ذكراً لطائفة من الناس كفروا بدعوة الأنبياء ، ونقضوا المواثيق التي أخذت عليهم فغضب الله عز وجل عليهم وأبعدهم عن رحمته ، وحجب عنهم فضله من غير أن يقطع عنهم ما كتب لهم من الرزق ، وهو الذي يدل عليه بالأولوية القطعية قوله تعالى [فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ] ( ) فاذا كان الله عز وجل يأمر نبيه بالعفو عنهم فمن باب الأولوية أنه أرأف بعبادة ، وهذا الأمر بالعفو والرفق بهم من رحمة الله عز وجل بهم .
- وأيهما أشد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين ذكرتهم آية البحث أم كفار قر يش الذين حاربوه بالسيف ، الجواب هو الثاني ، ومع هذا صبر عليهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكان يدعوهم إلى الإسلام .
- وتتضمن آية البحث أمرين كل فرد منهما واجب عيني على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم :
- الأول : العفو عن القاسية قلوبهم الذين حرفوا الكلم ولعنهم الله .
- الثاني : الصفح عنهم .
- المختار أن النسبة بين العفو والصفح هو العموم والخصوص المطلق ، فالعفو أعظم وأكبر لذا من أسماء الله عز وجل الحسنى (العفو) وفي التنزيل [إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ] ( ).
- ولم يرد في الاسماء الحسنى الصافح ، نعم ورد الأمر من الله عز وجل كما في قوله تعالى [فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ] ( ) .
- وهل يشمل الأمر عامة المسلمين ، الجواب نعم لقاعدة الإلحاق أي يلحق المسلمون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في العفو والصفح ، وبقاء قانون العفو والصفح بين المسلمين , وعن عامة أهل الكتاب في كل أجيال المسلمين من مصاديق قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ) .
- و قد توجه الأمر من الله عز وجل للمسلمين بالعفو والصفح بصيغة الجمع وبيان أن ثمرته المغفرة من عند الله بقوله تعالى [وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
- الآية الخامسة : قوله تعالى [اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ] ( ).
- لبيان وجوب تعاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم للوحي وما فيه من الأوامر والنواهي وعمله والمسلمين بها , والدعوة إلى كلمة التوحيد , وعدم الإصغاء إلى كلام المشركين , وعروضهم وتهديدهم وقتالهم , وذكر أن قوله تعالى [وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ]( ) منسوخ بآية السيف , ولا دليل على النسخ وتدل عليه الآية التالية لها [وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ]( ).
- وتتضمن الآية مسائل :
- الأولى : الأمر بالإتباع ، وهو مقيد بالوحي ، فلا يتبع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما يوحيه الله عز وجل له من الأحكام ، وما يهديه إليه من الأفعال .
- ومن الشواهد على تفسير القرآن بالقرآن أن هذه الآية تفسير وتأكيد لقوله تعالى [وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى] ( ) وأن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في حله وترحاله وفي خروجه في الكتائب يتبع الوحي ، وكذا في تعيين أوان هذا الخروج ، وهو من الدلائل على أنه حينما خرج باتجاه ماء بدر لم يقصد الإستيلاء على قافلة أبي سفيان ، ولو شاء الله عز وجل لجعله وأصحابه يقطعون عليها الطريق في الوقت والمكان المناسب .
- ولكن الله عز وجل خفّف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين والناس جميعاً ، ومنع من القول بأنه سلّب القافلة وقطع طريقها ، بينما جاءت المغانم الكثيرة مع النصر في معركة بدر التي هي حجة على الذين كفروا لأنهم ابتدأوا القتال فيها وأصروا عليه ، إذ أن المشركين عندما نظروا إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وجالوا حول معسكرهم , وأحرزوا قلة عددهم وأسلحتهم قالوا : إنهم أكلة رأس .
- وهل قوله تعالى[ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ] ( ).شاهد على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يغزُ أحداً أم أن من الوحي الغزو والهجوم على القبائل والمدن ، المختار هو الأول ، ولو كان هناك وحي بالغزو فهو حق [وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ] ( ) ولكن السنة النبوية تبين أن الوحي سلام وآمن وفي قوله تعالى [اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ] ( ) لزوم إنجاز النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما أمره الله عز وجل من غير تسويف أو تأخير أو تهاون .
- الآية السادسة : قوله تعالى [إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ] ( ).
- أي فارقوا الملة والطريقة التي جاء بها الرسول وصاروا فرقاً وطوائف ومذاهب , كل فرقة تتشيع وتعمل لخصوص مذهبها , وتستقل بأحكامها فإن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم برئ منهم وهم يتحملون أوزار أعمالهم .
- وقيل أن معنى الآية النهي عن التعرض لهم , ولذا ذكر أن الآية منسوخة بآية السيف , ولكن خاتمة ذات الآية تضمنت التخفيف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والوعيد لهؤلاء الظالمين , ولبيان مسألة وهي حرمة التفرق إلى شيع ومذاهب وترك السنن التي جاء بها التنزيل والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , قال تعالى [وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ]( ).
- لقد أراد الله عز وجل في هذه الآية للمسلمين الإتعاظ من أهل الملل السابقة , والإحتراز من الشقاق والفرقة التي تقود إلى التنازع والخصومة والإرهاب والإقتتال .
- قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ] ( ).
- ويحتمل قوله تعالى [إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ] ( ) وجوهاً :
- الأول : إرادة طائفة من اهل الكتاب .
- الثاني : أهل الأهواء , قال تعالى [وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا]( ) .
- الثالث : المشركون .
- لقد وردت الآية بصيغة الماضي المتكرر [إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا]( ), والشيع : جمع شيعة , وهم الجماعة والفرقة التي يجمعها جامع ومبدأ أو رأي أي كل فرقة تتشيع لقولها ورأيها , ولا تحصر الآية معنى الشيعة بخضوع إتباع شخص أو إمام , وفي التنزيل [وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ]( ) أي من شيعة نوح عليه السلام , لبيان مسألة وهي ليس كل تشيع مذموم , فهناك من التشيع ما هو محمود وقائم على سنن التوحيد , وقوله تعالى [لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ]( ).
- أي أنك لا تُسأل عنهم , وليس عليك حسابهم , وهم يتحملون أوزار عملهم بدليل نسبة الدين إليهم بقوله تعالى [إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ]( ) ولم تقل الآية (فرقوا دينكم).
- وذكر معنى آخر للآية وهو الذي يتعلق به النسخ وهو : النهي عن التعرض لهم , لبيان مسألة وهي إنتفاء هذا النهي بآية السيف , وهناك مسائل :
- الأولى : تعدد الأخبار بخصوص المراد من الذين فرقوا دينهم .
- الثانية : لم يثبت نسخ الآية , والمختار أنها غير منسوخة .
- الثالث : لم يؤمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتال اليهود والنصارى .
- الرابعة : لم يرد دليل على نسخ هذه الآية .
- وقال الزمخشري (وقيل : هي منسوخة بآية السيف)( ) ونسبة النسخ إلى القيل تضعيف وتمريض له .
- وهذه الآية من مصاديق قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]( ) من جهات :
- الأولى : ذر الذين تفرقوا من أهل الكتاب , وتحذيرهم من الإختلاف بخصوص كتبهم .
- الثاني : ذم المشركين من عبدة الأصنام , والكواكب .
- الثالث : إنذار المسلمين من التفرق والإنقسام إلى فرق ومذاهب , وحدوث الخلاف والإنشقاق بينهم , وهل من هذا التفرق إنقسام أمصارهم إلى دول كل دولة لها حكم ونظام مستقل عن الأخرى كما هو في هذا الزمان , الجواب لا .
- ومن الشواهد على أن الآية غير منسوخة لإخبار الآية التي بعدها عن الثواب عن الحسنة , والعقاب على السيئة بقوله تعالى [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ]( ).
- وهي عامة في معناها ودلالتها , وتدل بلحاظ آية البحث على قانون وهو أن هذا التفرق العام ليس برزخاً دون فوز الذي يعمل الصالحات بالثواب والأجر .
- ومن إعجاز القرآن دلالة آيات القرآن الأخرى على إنصراف موضوعها عن المسلمين , ومنه قوله تعالى [وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ]( ).
- فقد ذكرت الآية مسألة وهي قد يكون المسلمون على فرق ودول ولكن الجامع المشترك هو الإيمان , والرجوع إلى الفقهاء برزخ دون إتباع الأهواء .
- الآية السابعة : قوله تعالى [وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ] ( ) أي اتركوني ودعوتي الناس للإيمان , وأنا لا أؤاخذ على عملكم .
- وتبين الآية الكريمة وجوب قيام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالتبليغ وتلاوة القرآن ودعوة الناس للإيمان .
- ويكون الناس في تلقي الدعوة والتبليغ على أقسام :
- الأول : الذين يصدقون بالدعوة , وينطقون بالشهادتين ويؤدون الفرائض , قال تعالى [وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ] ( ) ولم يرد لفظ (فَمَنْ آمَنَ) في القرآن إلا في الآية أعلاه .
- الثاني : الذين يختارون الوقوف والتوقف , واستقراء الأمن أو طلب المزيد , ومن معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الخصوص نزول آيات القرآن نجوماً وعلى نحو التوالي والتعاقب , مع مصاحبة المعجزات الحسية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حله وترحاله .
- وهو من أسباب خروج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة في كتائب ليرى أصحابه وأهل القرى والمسافرون المعجزات , فإن قلت إنما أصحابه معه في المدينة ولا يحتاج لرؤيتهم الآيات الخروج منها , الجواب هذا صحيح , ولكن هناك مسائل :
- الأولى : اجتماع الصحابة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السفر والكتائب , فليس من عمل أو شغل يشغلهم عن الإنصات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
- الثانية : طرو وقائع ومواضيع في السفر.
- الثالثة : رؤية عامة الناس وأفراد القبائل إنقياد الصحابة لأوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نباهة ورضا وتسليم بالوحي .
- الثالث : الذين يتخذون طريق العناد والإستكبار والإعراض عن التبلغ, قال تعالى [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ] ( ).
- ولم يرد لفظ (أَلْفَيْنَا) في القرآن إلا في الآية أعلاه , وكذا لفظ (ألفوا) وورد في القرآن مرة واحدة وبذات المعنى في قوله تعالى [إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ] ( ).
- (قوله تعالى : { وَإِن كَذَّبُوكَ }( ) ، يعني : المشركين بما أتيتهم به . { فَقُل لّى عَمَلِى } يعني : ديني . { وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } ، يعني : دينكم . { أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ } وأدين؛ { وَأَنَاْ بَرِىء مّمَّا تَعْمَلُونَ }( ) وتدينون به غير الله تعالى ، قال السمرقندي: وهذا قبل أن يؤمر بالقتال ، ولما نزلت آية القتال نسخت هذه الآية)( ).
- وكذا في تفسير أبي السعود (إنه منسوخٌ بآية السيف) ( ).
- (وقال مقاتل والكلبي : هذه الآية منسوخة بآية السيف .
- قال الإمام فخر الدين الرازي : وهو بعيد لأن شرط الناسخ أن يكون رافعاً الحكم المنسوخ .
- ومدلول الآية : اختصاص كل واحد بأفعاله وبثمرات أفعاله من الثواب والعقاب وآية القتال ما رفعت شيئاً من مدلولات هذه الآية فكان القول بالنسخ باطلاً)( ).
- وتقدير الآية : لي جزاء عملي من الثواب للتبليغ والسعي في طاعة الله عز وجل , ولكم جحودكم من العقاب , لذا فإن آية السيف لا تتعارض مع هذا المعنى , وعلى فرض أن الإنسان يموت أو يقتل كافراً فإنه يلقى جزاء كفره .
- وهل يختص حكم الآية بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أم أنه شامل للمسلمين والمسلمات , الجواب هو الثاني للدلالة على أن الآية تدل على نبذ الإرهاب , ومنع القتال بين المسلمين وغيرهم .
- وفي التنزيل [فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالْأُولَى]( ) وهو سبحانه أعلم بعباده وإليه مرجعهم جميعاً , ويقفون بين يديه للحساب .
- وقوله تعالى [لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ] ( ) إنذار ووعيد للذين كفروا ودعوة متجددة لهم بعد تكذيبهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم , فحينما كذبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رسالته , وأنكروا نزول القرآن لم يتركهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما ذكرّهم بعالم الحساب في الآخرة.
- ومنه قوله تعالى [لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ] ( ).
- وذكر أن الآية نزلت في رهط من قريش قالوا : يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك بأن تعبد آلهتنا سنة , ونعبد إلهك سنة , ونشركك في أمرنا كله , ثم فنظر (فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه ، وأن كان الذي بأيدينا خيراً مما في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه ، فقال : معاذ الله أن أشرك به غيره) ( ).
- وهؤلاء الرهط هم :
- الأول : الوليد بن المغيرة .
- الثاني : أمية بن خلف .
- الثالث : الأسود بن المطلب بن أسد
- الرابع : الحرث بن قيس السهمي .
- الخامس : العاص بن وائل .
- السادس : الأسود بن عبد يغوث الزهري( ).
- وجاءت آية البحث بصيغة الجمع (وَإِنْ كَذَّبُوكَ) ( ) مع وجود عدد من أهل البيت والصحابة وأناس لم تصلهم الدعوة , فيكون تقدير الآية على وجوه :
- الأول : وإن كذبك الذين كفروا في نبوتك .
- الثاني : وإن كذب الذين كفروا المعجزات التي جئت بها .
- الثالث : وإن كذب الذين كفروا بالدعوة إلى الإيمان .
- الرابع : وإن كذبك رؤساء قريش .
- وقد ورد لفظ إن كذبوك ثلاث مرات في القرآن , إذ ورد في قوله تعالى [فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَت وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ]( ) , ( ).
- وقوله تعالى [فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ]( ).
- لقد تفضل الله عز وجل ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم رأفة بالناس لهدايتهم إلى الصلاح والفلاح , ويدل قوله تعالى (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) على أن دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإيمان ذات صبغة سليمة , وأنه لم يستعمل الإكراه , ولم يرفع سيفاً على الناس , كان سلاحه القرآن وتلاوة آياته , وهو واقيه له ولأصحابه ليبقى القرآن عنوان السلم والموادعة بين الناس إلى يوم القيامة .
- ومن خصائصه أنه يتبرأ كل يوم من الإرهاب ويزجر عنه , وهو من أسرار تلاوة المسلمين له خمس مرات في اليوم .
- ليكون من الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه ليس لها مثيل في الدعوة إلى التوحيد والسلم المجتمعي تتكرر خمس مرات وفي كل بقعة من بقاع الأرض وإخفاتاً بحال الخشوع والخضوع لله عز وجل .
- فمن معاني تسمية قول (الله أكبر) في أول الصلاة تكبيرة الإحرام ، والوقوف بين يدي الله عز وجل بهيئة الضعيف المستكين وهو من أسباب كسب ود الناس , وبعث الطمأنينة في نفوسهم من المسلم فلا يصح الإتيان بضد الصلاة وهيئتها وهو الإرهاب والقتل العشوائي والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة .
- وهل في صيغة الشرط في قوله تعالى (وَإِنْ كَذَّبُوكَ) ( ) بشارة دخول الناس الإسلام, الجواب نعم ليكون من معاني قوله تعالى [فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ] ( ) الصبر والإستمرار بالدعوة إلى الله عز وجل , وتبين الآية الترغيب بالإيمان فيكون من وجوه تقديرها :
- الأول : فقل لي عملي في طاعة الله ولكم عملكم في المعاصي.
- الثاني : فقل لي عملي في الدعوة إلى الله ولكم عملكم في الصالحات إن تبتم , فإن قلت لا تحتمل خاتمة الآية [وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ]( ) هذا المعنى .
- الجواب هذا يخص الذين يبقون على الكفر , كما أنه يشمل الكفار قبل أن تدركهم التوبة , وهو أيضاَ دعوة للإنابة والتوبة والهداية ، وهل أيضاً شاهد على السلم والموادعة مع الكفار ، وقد يكون الإنذار والوعيد بالعقاب الأخروي على الكفر أشد وطأة على الكفار ، وهو سبيل لدخول الناس الإسلام .
- الثالث : فقل لي عملي في هدايتكم للإيمان , ولكم عملكم بعد التوبة (وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم :الإسلام يجّب ما قبله)( ).
- الرابع : فقل لي عملي رسولاً من الله عز وجل لا يضرني تكذيبكم , وهذا المعنى من إعجاز الآية لبيان قانون وهو أن تكذيب الذين كفروا لا يضر الرسالة والتبليغ , ليكون من معاني قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ]( ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن كذبوك .
- وهل ينقطع التبليغ بالنسبة للذين كذبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجواب لا , إذ أن الآية أعلاه مطلقة في موضوعها وهي أعم من سبب النزول في غدير خم بعد عودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع فلا ينقطع تبليغ الذين كفروا بالحجة والبرهان .
- ولم يرد لفظ [لِي عَمَلِي ]ولفظ [وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ] ( ) في القرآن إلا في آية البحث ، ولابد له من دلالات منها أن أكثر المشركين في الجزيرة دخلوا الإسلام ، وأن قوله تعالى [لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ] ( ) تخويف وإنذار للذين كفروا ، وترغيب للناس بالهداية والإيمان ، فمن معاني الآية التضاد بين الإيمان والكفر ، والإخبار بأن الإيمان قول وعمل وأن الإسلام جاء بأحكام الحلال والحرام والبعث على إتيان الصالحات ، قال تعالى [أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ] ( ) .
- ومن الإعجاز في الآية أنها لم تأت بواو العطف في قوله تعالى [فَقُلْ] ( ) فلم تقل الآية (وان كذبوك وقل لي عملي ) إنما جاءت بالفاء لبيان لزوم الرد السريع على تكذيبهم ، فان قلت الفاء في [فَقُلْ] هي رابطة لجواب الشرط .
- والجواب هذا صحيح ولكنه لا يتعارض مع معنى التعقيب في المقام ، أي إن كذب المشركون بالتنزيل فلا تغزهم ولا تهجم عليهم ، ولكن لا تسكت عنهم .
- ولا تكتف بالإعراض عنهم ، أي لا إفراط ولا تفريط فالغزو لا حاجة له، أما الإعراض فانه يجعلهم يتمادون في غيهم ويفتتن الناس بهم ، ويكون هذا الإفتتان وضرره على وجوه :
- الأول : البقاء على الكفر والضلالة ، وفيه تقوية للكفار .
- الثاني : إتباع طائفة من عامة الناس لرؤساء الكفر .
- فجاء القرآن بالتحذير والوعيد على هذا الإتباع بالندامة والحسرة والعذاب في الآخرة للتابع والمتبوع بقوله تعالى [إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ] ( ).
- ليكون من إعجاز الآيتين أعلاه زجر الناس عن نصرة رؤساء الشرك من قريش ورؤساء القبائل الموالية في غزوهم للمدينة ، وإصرارهم على قتال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإرادة الشرك للقتال ، كما في معركة أحد .
- (عن ابن أبزى: “إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله”، قال: نزلت في أبي سفيان، استأجر يوم أحد ألفين ليقاتل بهم رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، سوى من استجاش من العرب) ( ).
- (قال سعيد بن جبير : وابن ابزى نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أُحد ألفين من (الأحابيش) يقاتل بهم النبيّ {صلى الله عليه وسلم} (سوى) من أشخاص من العرب. وفيهم يقول كعب بن مالك :
- فجينا إلى موج البحر وسطه
- أحابيش منهم حاسر ومقنع
- وفينا رسول الله نتبع قوله
- إذ قال فينا القول لاينقطع
- ثلاثة الألف ونحن نظنه ثلاث
- مئين أن كثرن فاربع
- وقال الحكم بن عيينة : نزلت في أبي سفيان بن حرب حيث أنفق على المشركين يوم أُحُد أربعين أوقية وكانت أوقيته اثنين وأربعين مثقالاً.) ( ).
- وهل نفعت هذه الآيات بالتأثير على هؤلاء المسـتأجرين ، الجواب نعم ، وهو من أسرار إنسحاب المشركين من ساحة معركة أحد في نفس اليوم الذي ابتدأت فيه ، مع أن الجولة كانت لهم .
- الثالث : من الإفتتان التردد واختيار الوقوف عن دخول الإسلام ، خاصة وأن رؤساء الكفر ينفقون الأموال لمنع الناس من التصديق بالمعجزات ، قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ] ( ).
- وتدل الآية أعلاه بلحاظ آية البحث على أن عمل الذين كفروا هو هدر وتضييع الأموال في محاربة النبوة والتنزيل مما يترتب عليه الحسرة والندامة في الدنيا والآخرة ، وهو من الشاهد على أن الآية محكمة وغير منسوخة .
- وهل الحسرة على الإنفاق بالباطل وحده ، الجواب لا ، إنما على أثره وضرره الخاص والعام ، فبسبب إنفاق قريش على معركة أحد سقط سبعون شهيداً من الصحابة منهم حمزة بن عبد المطلب عم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
- لقد لحقت الهزيمة والخيبة قريشاً يوم بدر ، ورجعت فلولهم إلى مكة وألتقوا مع أبي سفيان رئيس القافلة التي نشبت المعركة بسببها ، استأجر أبو سفيان ضمضم بن عمرو ليطلب من قريش النفير لإنقاذ القافلة مع أنها سارت بأمان حتى وصلت مكة .
- ولعل أبو سفيان كان متعمداً تهييج قريش وإدخالها في حرب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أنه كان متفقاً مع أبي جهل ونحوه من رؤساء قريش على هذا النفير من قبل أن يغادر إلى الشام لمعرفتهم بأن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه يخرجون في كتائب وسرايا استطلاع وضبط حول المدينة ويبتعدون عنها .
- وكانت قريش تجتمع في دار الندوة التي بناها قصي بن كلاب جدّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للتحاور وتدارس الأمور والمهمات فاتفقوا على توجيه نداء إلى أرباب قافلة أبي سفيان لتسخير أرباح أموالهم التي في القافلة لمحاربة النبي .
- ومن المكر أن أبا سفيان لم يوزع أموال القافلة على أهلها بل جعلها في باب المسجد الحرام ، فمشى عدد من رجالات قريش وقد تقدم ذكر أسمائهم ، ومعهم عدد من الرجال ممن قُتل أو أسر آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر إلى أهل العير ، وأصحاب الأموال في قافلة أبي سفيان ، وكلّموهم وسألوهم المساهمة بأموالهم التي في القافلة لمحاربة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذريعة أن المعركة وقعت بسبب أموالهم (فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك.
- قال البلاذري: ويقال: بل مشى أبو سفيان إلى هؤلاء الذين سموا) ( ).
- وكانت قافلة أبي سفيان تتألف من ألف بعير محملة ببضائع قيمتها خمسون ألف دينار ذهبي ، وكل دينار مثقال ذهب عيار ثماني عشرة حبة ، فقاموا ببيعها ودفعوا لأرباب التجارة رؤوس أموالهم واستحوذوا على الأرباح .
- (وكانوا يربحون في تجاراتهم لكل دينار دينارا، فأخرجوا خمسة وعشرين ألف دينار الاجل مسيرهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى: (إن الذين كفروا ينفقوا أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) ( )) ( ).
- ويفسر القرآن بعضه بعضاً ، قال تعالى [فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ] ( ).
- أي أن براءة النبي من عمل المشركين تأتي بعد معصيتهم له ، وبعد إصرارهم على الكفر والضلالة ، وقال تعالى [وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ] ( ) لبيان العمل الذي يتبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو إجرام الذين كفروا .
- وجاء الشطر الثاني والأخير من آية البحث [أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ] ( ) لـكيد الشطر الأول والتفصيل واستحداث وجوه من الإحتجاج .
- وفي هذه الآية هداية للمسلمين إلى سبل الإحتجاج وتنمية ملكة الجدال بالأحسن عندهم , والتي تدل بالدلالة التضمينية على التسليم بعدم الحاجة للجوء إلى القتال ولمعان السيوف .
- كما تبين إرتقاء المسلمين في معالم الإيمان إذ أن جدال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع المشركين لا يخرجه عن صدق النبوة , فهم يعلمون بأن إمتناعه عن اللجوء إلى القتال مترشح عن الوحي , ومن الإعجاز في النبوة أن جدال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم واحتجاجه على أشخاص لهدايته أو شطر منهم , وهداية غيرهم ممن إنتفع واتعظ من الجدال خاصة وأن جدال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مترشح عن الوحي , ويتقوم ببيان المعجزات والدلائل التي تدل على صدق نبوته .
- ويدل موضوع البراءة من أعمال المشركين على بقاء موضوعها وأنها لجوء إلى الله عز وجل في الدنيا والآخرة , إذ يتبرأ المؤمنون في الآخرة من عمل المشركين ويمتنعون عن الشفاعة لهم .
- وقد ورد في باب الجدال مع المشركين [وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ] ( ) على طريقة السبر والتقسيم لإحاطة الأمر إلى عالم العقل والحجة , فمن الهدى إقامة الصلاة لذا من الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم مصاحبة إقامة الصلاة لأيام البعثة النبوية الأولى , وتلاوة سورة الفاتحة فيها التي هي دليل الهدى .
- فالمراد نحن على هدى وأنتم على ضلال , وأنتم لا تنالوا الثواب من عملنا , ونحن لا يأتينا الإثم من كفركم وجحودكم , قال تعالى [كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ]( ) , ومنه قوله تعالى [قُلْ لاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ]( ).
- وفيه دعوة للتدبر بآيات القرآن واستقراء الحكم منه لذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القرآن حجة لك أو عليك , وفي الآية نوع رفق بالكفار , وهل فيها تقية , الجواب نعم .
- لقدتضمنت آية البحث مسائل :
- الأولى : إبتدأت الآية بحرف الواو , وذكر أنه حرف عطف , والمختار أنه حرف عطف , وحرف إستئناف .
- الثانية : جاءت بعد الواو أداة الشرط والجملة الشرطية (وإِنْ كَذَّبُوكَ) ( ) هو خطاب إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لبيان أن جواب الشرط يتضمن الجزء على هذا التكذيب , ولم يقل الله عز وجل فقاتلهم أو أقتلهم إنما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لهم ويحتج عليهم , فهذا التكذيب باللسان أو بالفعل ولكنه لا يرقى إلى القتال , لأنهم إذا قاتلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فإن الله عز وجل أمرهم بالدفاع كما تقدم وتقدير الآية على وجوه :
- الأول : فإن كذبوك بألسنتهم .
- الثاني : فإن كذبوك بالإستهزاء .
- الثالث : وإن كذبوا نزول القرآن من عند الله عز وجل .
- الرابع : وإن كذبوا المعجزات الحسية التي جئت بها .
- الخامس : وإن كذبوا دعوتك إلى التوحيد , ووجوب نبذ الشرك ومفاهيم الضلالة.
- السادس : وإن كذبوا بالوعيد والحساب يوم القيامة , ورد عن ابن عباس : أنه لما نزل قوله تعالى ({وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } ( )وقرأ عطية العوفي في {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ}( ) بالنصب والبشر جمع بشره وجمع البشر أبشار.
- {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} ( )من الخزنة ويحتمل أن يكونوا تسعة عشر صنفاً ويحتمل أن يكونوا تسعة عشر صفاً .
- ويحتمل أن يكونوا تسعة عشر نقيباً، ويحتمل أن يكونوا تسعة عشر ملكاً بأعيانهم وعلى هذا أكثر المفسّرين. ولا يستنكر هذا فإن ملك واحد يقبض أرواح جميع الخلق كان أحرى أن يكون تسعة عشر على عذاب بعض الخلق.
- أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن لؤلؤ قال : أخبرنا الهيثم بن خلف قال : حدّثنا إبراهيم ابن إبراهيم قال : حدّثنا حجاج بن جريح قال : حدّثنا مرفوعاً إلى النبي (عليه السلام) إنّه نعت خزنة النار فقال : كأن أعينهم البرق ، وكإن أفواههم الصياصي يجرّون أشعارهم ، لأحدهم من القوة مثل قوة الثقلين يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرميهم في النار، ويرمي بالجبل عليهم.
- وقال عمرو بن دينار : إن واحداً منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر. قال ابن عباس وقتاده والضحاك : لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل : لقريش ثكلتكم أمهاتكم اسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم ألدّهم أي الشجعان أفتعجز كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم .
- فقال أبو الاشدين كلدة بن خلف بن أسد الجمحي : أنا أكفيكم منهم سبعة عشرة على ظهري وسبعة على بطني واكفوني أنتم اثنين. فأنزل الله سبحانه وتعالى {وما جعلنا أصحاب النار إلاّ ملائكة}( ) إلا رجالا فمن ذا يغلب الملائكة {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ} عددهم {إِلا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} ( )لتكذيبهم بذلك)( ).
- السابع : وإن كذبوا مع دخول المهاجرين والأنصار في الإسلام .
- الثامن : وإن كذبوك مع وجود بشارات الأنبياء السابقين برسالتك .
- التاسع : وإن كذبوك في الوحي الذي يأتيك من عند الله عز وجل .
- العاشر : وإن كذبوا بأحكام الحلال والحرام التي جاءت بها شريعة الإسلام .
- الحادي عشر : وإن كذبوك ووقفوا عند التكذيب ولم يقاتلوا .
- الثاني عشر : وإن كذبوك بدعوتك للأخلاق الحميدة , وترك الفساد والمعاصي .
- الثالث عشر : وإن كذبوك فأنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
- الرابع عشر : وإن كذبوك فإن الله عز وجل هو الذي يتولى إجابتهم بقرآن يبقى إلى يوم القيامة .
- وهل يشمل الخطاب في الآية الكريمة المسلمين , الجواب نعم , وتقديرها: فإن كذبوا النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم [فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ] ( ).
- إذ تحض الآية المسلمين على الجدال بالأحسن وطاعة الله عز وجل والإقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صبره على الذين كفروا قال تعالى [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا] ( ).
- الثالثة : دلالة الآية في مفهومها على الثناء على المؤمنين الذين صدّقوا النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم , ولم يكذبوه ودعوته للشكر لله عز وجل على هذه النعمة.
- و(عن أبي جحيفة قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقوم حتى تفطر قدماه فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
- قال : أفلا أكون عبداً شكوراً؟)( ) .
- وفي الحديث زجر عن الغلو بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
- الرابعة : بيان قانون وهو مواجهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للذين يكذبونه بالقول والإحتجاج , ومضمون هذا الإحتجاج نازل من عند الله عز وجل [فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ] ( ) .
- وهذا البيان شاهد بأن هذا الإحتجاج هو أفضل رد على الذين كفروا , وهو من الأمارات على انه غير منسوخ , فلما أتى الرد والأمر من الله عز وجل فلابد أنه أعظم من أن يكون منسوخاً , وأنه أقرب إلى الحكم في المقام.
- الخامسة : إكرام الله عز وجل للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمواساته على تكذيب الكفار له , وهو من أبهى أسباب الصبر .
- السادسة : يدل أمر الله عز وجل (فقل) على حصر الرد التكذيب بالقول .
- وقد ورد لفظ (َإِنْ كَذَّبُوكَ) ثلاث مرات في القرآن , ومن الإعجاز فيها أن جواب الشرط والأمر من الله عز وجل فيها للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو (فقل) وفيه تأكيد على سنخية الرد وأنه بالقول , وهذه الآيات هي :
- الأولى : قوله تعالى [فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ] ( ).
- الثانية : قوله تعالى [فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ] ( ).
- الثالثة : قوله تعالى [وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ]( ) .
- أما بالنسبة للآية الأولى أعلاه فهي دعوة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر على التكذيب مثلما صبر الرسل السابقون , قال تعالى [فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ] ( ) .
- أما الآية الثانية فتبين سعة رحمة الله وإمهاله للناس على تكذيبهم بالأنبياء, وما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أحكام الحلال والحرام كما في الآيات السابقة لها .
- ومن رحمة الله عز وجل في المقام تنجز صلح الحديبية بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقريش ليدخل من يشاء من الناس الإسلام من غير خشية من قريش , إذ كان من شروطه :
- (وَضْعِ الْحَرْبِ عَنْ النّاسِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهِنّ النّاسُ وَيَكُفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى أَنّهُ مَنْ أَتَى مُحَمّدًا مِنْ قُرَيْشٍ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ رَدّهُ عَلَيْهِمْ وَمَنْ جَاءَ قُرَيْشًا مِمّنْ مَعَ مُحَمّدٍ لَمْ يَرُدّوهُ عَلَيْهِ وَإِنّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً وَأَنّهُ لَا إسْلَالَ وَلَا إغْلَالَ وَأَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ) ( ).
- فدخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , ودخل بنو بكر في عهد قريش , ومن منافع هذا العهد أن صارت خزاعة تساعد المسلمين والمسلمات .
- الآية الثامنة : قوله تعالى [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ] ( ) لإرادة الصفح والعفو والإحسان وعدم الثأر أو الإنتقام من الذين يؤذون النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين .
- وقيل إن الآية منسوخة بآية السيف , ولكنها محكمة إذ أنها من مصاديق مكارم الأخلاق , ومن الحلم والإحسان وسجايا النبوة .
- وتبين آيات القرآن النفع العظيم من تلقي الأذى بالصبر والحكمة والأحسن من الأقوال والأفعال ، قال تعالى [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] ( ) وقال الثعلبي : هذه الآية نسختها آية القتال( ) .
- والمختار أن الآية غير منسوخة ، ومن الإعجاز أن أجيال المسلمين يتلقونها بالقبول ، ويحرصون على العمل بمضامينها ، ليكون من بيان وإعجاز القرآن الغيري : قانون عمل أجيال المسلمين بالآية القرآنية شاهد على عدم نسخها ).
- ولو جعلنا هذا العمل في مقابل قول بعض علماء التابعين بأن (124) آية منسوخة بآية السيف ، فان هذا العمل هو الراجح ، وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون] ( ).
- وقيل أن مقابلة إساءة العدو بالإحسان سبب لذهاب عداوته ، ولكنها ليست قاعدة عامة ، إنما هذه المقابلة مناسبة لبيان أخلاق النبوة , وفرصة لتدبر الناس في المعجزات التي جاء بها ، إذ ان العداوة وصدور الإساءة المتكررة من المشركين سبب للغشاوة على أبصارهم ، وفيه إنشغال وحنق وغيظ يحول دون تدبرهم بالمعجزات التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتفضل الله عز وجل وأمر النبي بالإحسان إليهم ، ليكون هذا الإحسان سبباً لدخولهم الإسلام ، كما أنه وسيلة لتخلص المنافقين من براثن النفاق .
- وفيه دعوة عامة لتهذيب المنطق (عن معاذ بن جبل قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك ، فأصاب الناس ريح فتقطعوا ، فضربت ببصري فإذا أنا أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقلت : لأغتنمن خلوته اليوم .
- فدنوت منه فقلت : يا رسول الله أخبرني بعمل يقربني – أو قال – يدخلني الجنة ، ويباعدني من النار؟
- قال : لقد سألت عن عظيم ، وأنه ليسير على من يسره الله عليه .
- تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤتي الزكاة المفروضة ، وتحج البيت ، وتصوم رمضان .
- وإن شئت أنبأتك بأبواب الخير .
- قلت : أجل يا رسول الله .
- قال : الصوم جنة ، والصدقة تكفر الخطيئة ، وقيام العبد في جوف الليل يبتغي به وجه الله ، ثم قرأ الآية { تتجافى جنوبهم عن المضاجع }( ) .
- ثم قال : إن شئت أنبأتك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه . قلت أجل يا رسول الله . قال : أما رأس الأمر فالإسلام .
- وأما عموده فالصلاة ، وأما ذروة سنامه فالجهاد ، وإن شئت أنبأتك بأملك الناس من ذلك كله .
- قلت : ما هو يا رسول الله؟ فأشار بإصبعه إلى فيك . فقلت : وإنا لَنُؤَاخَذَ بكل ما نتكلم به؟!
- فقال : ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يُكِبُّ الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم ، وهل تتكلم إلا ما عليك أو لك) ( ).
- ومن معاني قوله تعالى [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] مداراة الناس ، فلا يختص موضوعها باساءة الكافرين ومقابلتها بالأحسن , بل هي عامة.
- والمداراة مع القريب والبعيد من الخلق الحسن ، قال تعالى [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ] ( ) .
- ومنهم من قال بالتفصيل والتقسيم من جهتين :
- الأولى : إذا كانت الآية من مكارم الأخلاق فهي محكمة وباقية في الأمة .
- الثانية : إذا كانت الآية بمعنى المواعدة فهي منسوخة بآية القتال .
- أما الأولى فصحيحة ، وأما الثانية فلا دليل عليها ، ويمكن أن ننشئ قانوناً وهو أن النسخ لا يكون إلا بخصوص آية واحدة ، وليس آيات لموضوع متحد خاصة .
- وتدل الآية في مفهومها على مسألة وهي أن مقابلة السيئة بالإحسان لا يعني الضعف ، ولا يؤدي إلى الوهن في الدين ، إنما هو بشارة من عند الله عز وجل ، ليكون تقدير الآية على وجوه :
- الأول : إدفع بالتي هي أحسن السيئة فان الله ناصرك .
- الثاني : إدفع بالتي هي أحسن السيئة فان المشركين لن يضروك .
- الثالث : من أخلاق وسنن الأنبياء الدفع بالتي هي أحسن .
- الرابع : قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أدبني ربي فاحسن تأديبي ) ( ).
- ومن مصاديق هذا التأديب أمر الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يتلقى السيئة بالإحسان .
- الخامس : إدفع بالتي هي أحسن لبيان معجزة حسية لك إذ لا يكون تكرار وتجديد الإحسان مع كل إساءة من المشركين متحدين ومتفرقين إلا بأخلاق النبوة .
- ولابد من وجود مصاديق لإمتثال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لمضامين هذه الآية ، وتوالي واستمرار هذه المصاديق على عدم نسخها .
- السادس : ادفع بالتي هي أحسن وفوض أمرك إلى الله ، وفي التنزيل [أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا] ( ).
- السابع : وعن عطاء عن قوله تعالى[ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] قال بالسلام، أي ملاقاة العدو وعداوته بالسلام ، فان السلام برزخ دون القطيعة، ومانع من الجفاء الدائم .
- الثامن : ادفع وقابل السيئات بالإحتجاج ، وتلاوة القرآن والأحسن اسم تفضيل ، وورد بخصوص القرآن الثناء عليه ووصفه بالحسن الذاتي والغيري [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ] ( ).
- لبيان مسألة وهي الدفع بالقرآن والجدال به وإقامة الحجة به ، والتودد إلى الناس بتلاوة آياته والتحلي بأخلاقه .
- التاسع : إدفع الشر بالخير ، والجهل بالحلم , والجفاء بالتحية والسلام ، قال تعالى [وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ] ( ).
- العاشر : قال مقاتل (نزلت في أبي سفيان بن حرب وكان مؤذياً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصار له وليًّا، بعد أن كان عدواً. نظيره قوله تعالى : {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً})( ).
- الحادي عشر : تدل ثمرة الدفع بالأحسن التي تبينها الآية على المنافع العظيمة للخلق الحميد والصفح والعفو (قال ابن عباس : أمر الله تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنّه وليّ حميم) ( ).
- صحيح أن الآية خطاب إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمراد عامة المسلمين والمسلمات ، وهو من مصاديق قوله تعالى [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ] ( ) لبيان أن الخير هنا يتجلى بالخلق الحسن ، ورد السيئة بالإحسان ، لأن هذا الرد من أبهى مصاديق الحسن ، فقد يكون من سجايا الإنسان الإحسان واللطف ، ولكن حينما تأتيه إساءة فانه لا يطيقها ولا يقابلها بمثلها ، أو يقطع إحسانه عن مصدرها ، فتفضل الله عز وجل ودعا المسلمين إلى أبهى وأسمى مراتب الحسن .
- فان قلت قد ورد قوله تعالى [ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ] ( ) .
- الجواب جاءت الآية أعلاه بصيغة الجمع لبيان الحاجة إلى الدفاع وصدّ هجوم المشركين ، مع التقيد بالتقوى بأن يكون الإنتصار للملة والدين وليس لأنفسهم .
- وفي الآية أعلاه إنذار وتخويف للذين كفروا من قريش ومن والاهم ، وزاجر لهم من التعدي على المسلمين ، وهو من عمومات قوله تعالى [سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ] ( ).
- وليس من تعارض بين قوله تعالى [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] وبين آية البحث ، إذ يمكن العمل بمضامين كل منهما في آن واحد ، خاصة وأن آية التعدي خاصة بحال الحرب ، وهو منقطع ومتقطع ، والعزوف والصرف عنه من جهات :
- الأولى : الإحسان سبب للرأفة .
- الثانية : في الإحسان والمعروف دعوة إلى الهداية والتوبة ، وتقدير الآية ( قولوا للناس حسناً ليهتدوا ) ومن الإعجاز في بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن الله يأمره بأن يأمر الناس جميعاً بالقول الأحسن والأفضل والأنفع ، قال تعالى [وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا]( ).
- الثالثة : بيان قانون وهو الملازمة بين الإيمان والإحسان ، من معاني الإيمان الخشية من عند لله عز وجل هذه الخشية رضا الله عز وجل بالإحسان للناس .
- الرابعة : في الإحسان إلى الغير ثواب لأنه يؤتى به بقصد القربة وطاعة الله وعملاً بأمره ، قال تعالى [هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ]( ) (عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ }( ) .
- قال: “هل تدرون ما قال ربكم؟” قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: “يقول هل جزاء ما أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة”)( ).
- وهل يشمل الرد بالإعتداء وتعطيل الإحسان فيه مع الرفق بهم والنصح لهم ، الجواب لا ، لإمكان الجمع بين الإحسان والرفق والعفو , والإعانة مع الرد على التعدي المسلح ، وهذا الرد مقيد بدفعه وصرفه بالإحسن.
- فمن معاني الجمع بين الآيتين هو الإكتفاء بدفع تعدي المشركين وعدم ملاحقتهم ومطاردتهم إلى مكة (وعن ابن عباس : { بالتى هِىَ أَحْسَنُ } الصبر عند الغضب ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة) ( ).
- وعن حفص بن غياث ، قال الإمام جعفر الصادق ( يا حفص إن من صبر صبر قليلا، وإن من جزع جزع قليلا، ثم قال: عليك بالصبر في جميع امورك، فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله وأمره بالصبر والرفق فقال: ” واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا “( ) .
- وقال: ” ادفع بالتي هي أحسن السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم “( ) .
- فصبر رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قابلوه بالعظام ورموه بها، فضاق صدره فأنزل الله: ” ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون “( ) ثم كذبوه ورموه فحزن ذلك فأنزل الله: ( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك
- فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى أتاهم نصرنا “) ( ).
- فألزم نفسه الصبر فقعدوا وذكروا الله تبارك وتعالى وكذبوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكرهم إلهي،
- فأنزل الله تعالى : ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب * فاصبر على ما يقولون “( ) فصبر صلى الله عليه وآله في جميع أحواله) ( ).
- وهذا البيان من التفسير الموضوعي للقرآن وبيان عدم نسخ آيات الصبر والعفو والإحسان ، وأن كل كلمة وآية من القرآن فريدة في موضوعها .
- لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض ) ( ).
- ترى ما هي النسبة بين المداراة وموضوع آية البحث [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] الجواب هو العموم والخصوص المطلق فالمداراة أعم في موضوعها ، والدفع بالأحسن جزء منها , ولكنه من أسماها وأعلاها مرتبة.
- ومن معاني عدم نسخ الآية ما يترتب على العمل بها من الثواب العظيم قال تعالى [وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا] ( ).
- الآية التاسعة : قوله تعالى [وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ]( ).
- وتبين الآية أن نوع التعامل مع أهل الكتاب هو الجدال والإحتجاج وليس الحرب والقتال , وصبغة هذا الجدال من طرف المسلمين هو الأحسن من وجوه :
- الأول : الأرفق .
- الثاني : إقامة الحجة والإتيان بالبرهان .
- الثالث : الإحتجاج بآيات القرآن , فهي حجة وشاهد سماوي , وكلام الله عز وجل الذي أنزله رحمة للناس جميعاً , قال تعالى [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ] ( ).
- الرابع : التنزه عن السبّ والشتم واللعن , و(عن خالد بن أبي عمران قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن اسكت فسكت ، فقال يا محمد : إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً ، وإنما بعثك رحمة للعالمين ، ولم يبعثك عذاباً ، ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ، ثم علّمه هذا القنوت:
- اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يفجرك ، اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، إليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك ، إن عذابك الجد بالكفار ملحق) ( ).
- الخامس : الجدال بالأحسن مناسبة لتفقه المسلمين في الدين , والإرتقاء في المعارف الإلهية .
- السادس : في الجدال بالحجة والبرهان سكينة للنفس , ومنع من استيلاء النفس الغضبية على اللسان أو الجوارح.
- السابع : اتخاذ طريق الجدال نبذ للإرهاب , ومانع منه ، وإدراك لقبحه, وعدم الحاجة إليه .
- الثامن : من خصائص الجدال انتفاع الناس جميعاً منه , فصحيح أنه قد يقع بين طرفين إلا أن المنتفعين منه أعم , وهذا الإنتفاع العام من خصائص صبغة الأحسن في الجدال .
- التاسع : من الجدال الأحسن الرجوع إلى أمثال وقصص القرآن , قال تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ]( ).
- قال تعالى[فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ] ( ).
- (وقيل إن فيها موادعة نسختها آية السيف) ( ) إذ أن المتعارف هو نسخ آية السيف لآيات الموادعة .
- ولم تقل الآية : وجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن )، وإحتمال أن اثبات شئ لشئ لا يدل على نفيه عن غيره ، إنما وردت الآية بصيغة الحصر والتقييد .
- ويجب على المسلمين في المقام أمور :
- الأول : تلقي جدال أهل الكتاب بالجدال ، وفيه تنزيه عن النفس الغضبية ، ومنع من التعدي في القول والفعل ، قال تعالى [وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] ( ).
- الثاني : صبغة الجدال هي الأحسن والأفضل والأسمى ، ومن معانيه : ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن من جدالهم وكيفيته .
- وهل في الآية بشارة ظهور المسلمين ، الجواب نعم وتقدير الآية : فان صارت لكم دولة فلا تجادلوا اليهود والنصارى وأهل الملل إلا باللطف والموادعة وما يشيع شآبيب الأمن .
- الثالث : إلى جانب الأحسن في سنخية الجدال فقد تضمنت الآية الأمر للمسلمين بأمر حسن آخر وهو تجديد وتكرار إعلانهم التسليم والتصديق بنزول القرآن من عند الله عز وجل .
- الرابع : التصديق بنبوة الأنبياء السابقين .
- الخامس : التصديق بالتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام والإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام.
- السادس : الإقرار بالتوحيد والإخبار عن كونه الجامع المشترك بين المسلمين وأهل الكتاب ، وفي التنزيل [قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] ( ) .
- إسلام ثمامة
- في شهر محرم من السنة السادسة للهجرة وبعد معركة الخندق وقبل صلح الحديبية خرجت سرية محمد بن مسلمة إلى بني القرطاء في أرض نجد وفي طريق عودة السرية وجدوا ثمامة بن آثال وهو سيد بني حنيفة , فأسروه وحينما وصلوا إلى المدينة .
- ولم يكن في المدينة سجن فربطوه إلى سارية من سواري المسجد ولم يكن المسجد آنذاك كبيراً واسعاً , إنما كانت مساحته 1050 م2 بطول 35 م وعرض 30 م ، وكان ارتفاع جدرانه مترين ، وفي السنة السابعة للهجرة قام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بتوسعته بزيادة 1425 م2 .
- وفي ربط ثُمامة مناسبة ليرى صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والآداب العامة وسنن التقوى التي يتصفون بها .
- وحينما دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المسجد عرف شخص ثُمامة .
- (فقال : أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ ؛ هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ .
- وَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ فَقَالَ اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ وَأَمَرَ بِلِقْحَتِهِ ( ) أَنْ يُغْدَى عَلَيْهِ بِهَا وَيُرَاحُ فَجَعَلَ لَا يَقَعُ مِنْ ثُمَامَةَ مَوْقِعًا وَيَأْتِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ فَيَقُولُ أَسْلِمْ يَا ثُمَامَةُ .
- فَيَقُولُ إيْهَا يَا مُحَمّدُ إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ( ) .
- وَإِنْ تُرِدْ الْفِدَاءَ فَسَلْ مَا شِئْت( ) ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَمْكُثَ ثُمّ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ يَوْمًا : أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ .
- فَلَمّا أَطْلَقُوهُ خَرَجَ حَتّى أَتَى الْبَقِيعَ ، فَتَطَهّرَ فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ ثُمّ أَقْبَلَ فَبَايَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَمّا أَمْسَى جَاءُوهُ بِمَا كَانُوا يَأْتُونَهُ مِنْ الطّعَامِ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُ إلّا قَلِيلًا ، وَبِاللّقْحَةِ فَلَمْ يُصِبْ مِنْ حِلَابِهَا إلّا يَسِيرًا .
- فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِمّ تَعْجَبُونَ؟
- أَمِنْ رَجُلٍ أَكَلَ أَوّلَ النّهَارِ فِي مِعَى( ) كَافِرٍ وَأَكَلَ آخِرَ النّهَارِ فِي مِعَى مُسْلِمٍ إنّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَإِنّ الْمُسْلِمَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ) ( ).
- فخرج ثمامة معتمراً وقيل هو أول معتمر في الإسلام ولا دليل عليه , إذ كان عدد من المسلمين يدخلون مكة معتمرين وأكثرهم لا يجاهر بإسلامه , نعم هو أول من دخل مكة ملبياً ناطقاً بكلمة التوحيد (لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك) .
- وفيها حرب على الأصنام , وذم وتوبيخ للذين يعبدونها , فثارت قريش وأخذوه ووبخوه , وقالوا له صبأت .
- (لَقَدْ اخْتَرْت عَلَيْنَا ، فَلَمّا قَدّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ دَعُوهُ فَإِنّكُمْ تَحْتَاجُونَ إلَى الْيَمَامَةِ لِطَعَامِكُمْ فَخَلّوهُ) ( ).
- (وَمِنّا الّذِي لَبّى بِمَكّة مُعْلِنًا … بِرَغْمِ أَبِي سُفْيَان فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ) ( ).
- ومن الآيات أن ثمامة لم يعمل معهم بالتقية , إنما توعدهم وهو في مكة فقال (وَاَللّهِ لَا تَصِلُ إلَيْكُمْ حَبّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ) ( ) ثم خرج إلى اليمامة .
- لقد كان ثمامة عندما أسره المسلمون مربوطاً في سارية من سواري المسجد النبوي وهو يلتمس من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما يمر عليه أن يفك أساره , ويعده بخير وهو كافر .
- أما في مكة فإن المشركين أرادوا قتله وهو مسلم , فتوعدهم في عقر دارهم حتى يدخلوا الإسلام عن آخرهم , وعندما عاد ثمامة من مكة أمر بني حنيفة ألا يبعثوا الحنطة إلى قريش فاستجابوا له .
- وكانت اليمامة ريف مكة , تردها الحبوب والغلات منها .
- فاضر بقريش , وكادت تكون عندهم مجاعة خاصة مع ضعف وقلة القوافل بين مكة والشام , فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إنّك تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرّحِمِ وَإِنّك قَدْ قَطَعْت أَرْحَامَنَا ، وَقَدْ قَتَلْت الْآبَاءَ بِالسّيْفِ وَالْأَبْنَاءَ بِالْجُوعِ فَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ إلَيْهِ أَنْ يُخَلّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ) ( ) .
- وفيه شاهد على إعتراف كفار قريش بان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصل الرحم ويأمر به , وأن الكتب التي يبعثها الكفار إليه تصله , ويجيب عليها بالأحسن بالقول والفعل ، فلم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم : إن حصار ثمامة لكم جزاء لحصاركم لنا أهل البيت في بطحاء مكة ، أو هو جزاء لغزوكم لنا في معركة أحد والخندق ، ولم يرد عليهم بأنكم قطعتم الرحم وقتلتم عمي حمزة وعدداً من المهاجرين والأنصار .
- إنما استجاب لهم بالكتابة إلى ثمامة برفع الحصار عنهم وهو من مصاديق ادفع بالتي هي أحسن علماً بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر ثمامة بهذا الحصار.
- وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول (اللهم إن أكلة من لحم جزور أحب إلي من دم ثمامة) ( ) أي أن قتله ليس فيه نفع ، وأن قطعة لحم صغيرة من بعير في الطعام هي أفضل وأحسن من سفك دمه ، ليكون هذا القول من مصاديق إحتجاج الله عز وجل على الملائكة [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] ( ) عندما إحتجوا على جعل الإنسان [فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) بأنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء , فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمتنع عن سفك دم الكافر , إنما يدفع بالتي هي أحسن .
- وليكون من معاني إحتجاج الله عز وجل أن الكافر يفسد في الأرض فيقابله المؤمن بحقن الدم وإجتناب الفتك به , لذا قال تعالى [وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] ( ).
- لقد أخلف ثمامة في إيمانه فإن قلت أين كان عندما ارتدت بنو حنيفة برئاسة مسيلمة الكذاب.
- وقال ثمامة يوم أسلم (يا رسول الله والله لقد قدمت عليك، وما على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، ولا دين أبغض إلي من دينك ولا بلد أبغض إلي من بلدك ، وما أصبح على وجه الأرض أحب إلي من وجهك ، ولا دين أحب إلي من دينك ، ولا بلد أحب إلي من بلدك) ( ).
- ترى هل كان ثُمامة حياً يوم ارتد مسيلمة الكذاب وتبعه كثير من قومه من بني حنيفة ، الجواب نعم كان حياً فقام بانذارهم ووعظهم ونهيهم عن تصديق واتباع مسيلمة ، وقال لهم أنه أمر مظلم وشقاء , وحذرهم من بلاء ينزل بهم فلم يلتفتوا إلى إنذاره ففارقهم ومن اتبعه من قومه ، وأتفق أن مرّ قريباً منهم العلاء بن الحضرمي أميراً على جيش ، فالتحق به ثُمامة وأصحابه من المسلمين فأصاب المشركين الفزع للمدد الذي جاء به ثُمامة ، ولمعرفتهم بشأنه ومقامه (وقال ثمامة بن أثال في ذلك :
- دعانا إلى ترك الديانة والهدى … مسيلمة الكذاب إذ جاء يسجع
- فيا عجبا من معشر قد تتابعوا … له في سبيل الغي والغي أشنع
- في أبيات كثيرة ذكرها ابن إسحاق في الردة وفي آخرها :
- وفي البعد عن دار وقد ضل أهلها .. هدى واجتماع كل ذلك مهيع) ( ).
- وشهد ثُمامة مع العلاء قتال المرتد الحُطم بن ضبيعة وقتل الحطم .
- وانهزم المشركون ، وقسم العلاء الغنائم ، ونفل رجالاً فأعطى أحدهم خميصة( ) كانت للحطم يباهي بها ، فاشتراها منه ثُمامة (فلما رجع ثمامة بعد هذا الفتح رأى بنو قيس بن ثعلبة، قوم الحطم، خميصته على ثمامة فقالوا: أنت قتلت الحطم، قال: لم أقتله، ولكني اشتريتها من المغنم، فقتلوه)( ).
- والحُطم هو الحطم بن ضبيعة من بني قيس ارتد في البحرين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأرسل إلى الأمراء في بعض الأقطار وأوعدهم واستفحل أمره بمن اتبعه على الردة من بكر بن وائل واناس لم يزالوا كفاراً.
- قانون آيات الصلح والموادعة
- لقد بعث الله عز وجل النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً إلى الناس جميعاً , وهم على مشارب شتى , ومنهم أهل الكتاب الذين لا يؤاخذون على البقاء على دينهم والكتاب الذي أنزل على نبيهم مثل النصارى واليهود .
- فليس من الحكمة الخلط بينهم وبين الكفار المشركين , وهناك أمم لم تصلهم دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن وصلتهم فهم أشداء أقوياء يكون قتالهم وسفك الدماء أشد خطراً على الإسلام والمسلمين والناس جميعاً لذا فالتبليغ وظيفة متجددة للنبوة , وهو حجة وأقام الله عز وجل البراهين الساطعة على ربوبيته في الآيات الكونية وفي ذات الإنسان والحياة اليومية العامة للناس ، قال تعالى [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ]( ).
- وفي الآية أعلاه دليل على أن الله عز وجل يحمل الناس طوعاَ وكرهاً على التدبر في الآيات الكونية , واستقراء وجود وحضور الخالق وحفظه لهم وتعاهده لهذه الآيات , كما في قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا]( ).
- و(عن عبد الله بن مسعود قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا أبا القاسم ان الله يمسك السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول كذا بيده.
- فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال : وما قدروا الله حق قدره) ( ).
- وليس من تعارض بين إكتفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتبليغ وبين آيات السيف التي نزلت بخصوص مشركي مكة وحاجة المسلمين والناس لفتح مكة , قال تعالى [وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ] ( ) وولاية البيت الحرام بذاتها موضوع للدفاع ونشر آداب التوحيد , وألوية الأمن والسلام .
- وقد قال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ) ومن الرحمة الإكتفاء بالتبليغ والبشارة والإنذار .
- قال تعالى [فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ]( ) .
- ومما ذكروه في المنسوخ بآية السيف من الآيات :
- خطة إغتيال النبي (ص)
- بعد معركة بدر جلس عمير بن وهب إلى صفوان بن أمية في حجر إسماعيل في البيت الحرام , وصفوان موتور بقتل أبيه وأخيه في معركة بدر, أما عمير فإن ابنه أسير في المدينة عند المسلمين , تم أسره في معركة بدر .
- جلس عمير إلى صفوان بن أمية في الحِجر أي حجر إسماعيل عليه السلام عند البيت الحرام وهو في الأصل جزء من الكعبة انقصتها قريش لعدم إيفاء النفقة الحلال على البيت , والحجر نصف دائرة يقع من الجهة الشمالية للبيت بين الركن الشامي والعراقي , وهو محاط بسياج , والأصل أن البيت الحرام محل للتقوى [وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ]( ) .
- وقال تعالى [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ] ( ) الغاية من وضع ونصب البيت عبادة الله عز وجل وأداء المناسك لقوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ] ( ).
- فأخذ عمير يذكر وجهاء قريش الذين قتلوا في معركة بدر والمصيبة التي نزلت بهم , وحتى مسألة دفنهم كانت تؤذي الكفار , إذ سحبوا إلى القليب, والقوا فيها , والقليب هي البئر التي نضب ماؤها , فاستحضر صفوان الواقعة , وقال (إن في العيش خير بعدهم) .
- عندئذ قال له عمير : صدقت والله , أما والله لولا دين عليّ ليس له عنه قضاء , وعندي عيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي فيهم علة ابني أسير في أيديهم , أي أن عميراً يريد الإنتقام من المهاجرين والأنصار بقتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
- فغمرت الفرحة صفوان , وأدرك أنه يأخذ ثأره من غير أن يخاطر بنفسه خاصة وأن قلوبهم امتلأت رعباً من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه , ويدرك صفوان أن عميراً يستطيع القيام بالإغتيال إذ كان شيطاناً من شياطين قريش وكان كثير الإيذاء للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان في مكة قبل الهجرة .
- عليّ دين , وعندي عيال أخشى عليهم الضيعة بعدي ولولاه لركبت إلى محمد حتى أقتله , قال : فاكتم شأني وشأنك .
- أراد عدم إشاعة الخبر , وكان عدد من المسلمين لم يهاجروا , إلى جانب إنحياز بني هاشم إليهم , وميل نفوس أهل مكة لهم , ووجود معتمرين وزوار .
- واشترى عمير راحلة , وشحذ سيفه جعل فيه السم .
- وهذا الإتفاق الخبيث بين صفوان وعمير من الإعجاز في إخبار قوله تعالى [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]( ) ونزلت هذه الآية بعد أن سمع المشركون بمبايعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم , غاية مكرهم تحقق أحد الأفراد الثلاثة :
- الأول : حبس وسجن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويظهرون أنهم يفعلون به مثلما يفعلون ببعض الشعراء ، وأنه [مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ] ( ) وقيل [لِيُثْبِتُوكَ] ( )أي بالجراحة ، كما يقال أثبتته الجراحة ، وحكاه النقاش عن أهل اللغة ولم يسم أحداً ) ( ).
- الثاني : قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووقف نزول آيات القرآن ، فحينما نزلت سورة بذم عم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أبي لهب وزوجته أم جميل وهي أخت أبي سفيان وشاع خبر السورة بين الناس .
- وصار المسلمون وغيرهم رجالاً ونساءً يتلونها ، فهي أمر طارئ جديد بأن يأتي هجاء من السماء بقوله تعالى [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ *سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ] ( ) .
- أدركت قريش ما يلحقها من الضرر العام والخاص وأن الذم من السماء سيأتي لرؤسائهم ، كما أن هيبتهم بين الناس أخذت بالتضاؤل ، فعقدوا العزم على قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا العزم ليس وليد ليلة وضحاها ، إنما هو مترشح عن أيام وأشهر وسني الدعوة في مكة ، والتي استمرت ثلاث عشرة سنة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة .
- (عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل عليه القرآن وهو ابن أربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشر سنين) ( ).
- ليبقى حاضراً في الوجود الذهني لكل مسلم ومسلمة عزم المشركين على قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مكة يدعوهم إلى الله من غير أن يحمل سيفاً أو عصا أو آلة جارحة ، وهو شاهد على أن المشركين هم المعتدون ، ويكون تقدير [أَوْ يَقْتُلُوكَ] ( ) على جهات :
- الأولى : أو يقتلوك من الأيام الأولى للبعثة النبوية ، وهذا لا يمنع إرادتهم قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة ، فاثبات شيء لشيء لا يدل على نفيه عن غيره .
- الثانية : يقتلوك لأنك تدعو إلى التوحيد .
- الثالثة : يقتلوك لأنك تأمر بنبذ عبادة الأصنام .
- الرابعة : يقتلوك عندما دخل رهط من الناس الإسلام قال تعالى [إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا] ( ) والآيتان أعلاه من سورة النصر ، وهي مدنية ، ومن آخر ما أنزل من القرآن إلا أنها تتضمن توالي دخول الناس الإسلام ، وهل كانت قريش تدرك قانون دخول الناس أفواجاً مع استمرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته، لذا اجتهدوا في الإجهاز عليه وعلى التنزيل من السنين الأولى للدعوة ، الجواب نعم ، لتجلي المعجزات التي تدل على صدق نبوته وأنه لا يدعو إلا إلى الحق .
- الخامسة : يقتلوك لإمتناعك عن طاعتهم بالتوقف عن الدعوة إلى الله .
- السادسة : يقتلوك ويوقفوا نزول القرآن والوحي .
- السابعة : يقتلوك فقد أغاظتهم إقامتك الصلاة في المسجد الحرام ، ومن معاني قوله تعالى [أَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي] ( ) الوعد من عند الله عز وجل بنجاة وسلامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كيد المشركين وإرادة بطشهم بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بسبب الصلاة .
- الثامنة :ليقتلوك خشية على سلطانهم وشأنهم .
- التاسعة : ليقتلوك ويمنعوك من الهجرة إلى المدينة بعد أن علموا ببيعة وفد الأوس والخزرج لك في العقبة ، ومن شروط البيعة أن يذبوا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن وصل إلى يثرب ، فأراد كفار قريش قتله قبل الخروج إلى المدينة ، لأنهم أدركوا أن المدينة تكون بعد الهجرة دار تبليغ وحكم ، وأن ضياء الإسلام يشع منها ، وفي التنزيل [يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ] ( ) .
- العاشرة : يقتلوك حسداً من عند أنفسهم .
- الحادي عشرة : يقتلوك باغواء من الشيطان فهم عبدة أوثان ينفذ إليهم إغواؤه، قال تعالى [إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ] ( ).
- الثانية عشرة : يقتلوك ويقتلو أصحابك ، فاذا كان المشركون يجرأون على قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانهم يقومون بقتل أصحابه أيضاً.
- الثالثة عشرة : أو يقتلوك ويأبى الله إلا أن يحفظك ويذب عنك ، ومن أسباب وبشارات هذا الحفظ نزول القرآن نجوماً وعلى نحو التوالي طيلة مدة أيام النبوة ، قال تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون] ( ) .
- (وقيل : الضمير في { لَهُ } لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كقوله تعالى { والله يَعْصِمُكَ }( )) ( ).
- والمختار عائدية الضمير للقرآن وتأويله إلى يوم القيامة ويترشح عن حفظ القرآن وتنزيله حفظ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
- الرابعة عشرة : أو يقتلوك لإرادة تذكير النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين بنعمة الله عز وجل عليهم بسلامته من القتل والإغتيال حتى تبليغ رسالته ، قال تعالى [وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا] ( ) .
- الخامسة عشرة: بيان مسألة وهي أن شطراً من الأنبياء تعرضوا لمحاولات القتل ، ومنهم من قتله المشركون .
- (عن أنس قال : أوحى الله إلى يوسف : من استنقذك من القتل حين همَّ اخوتك أن يقتلوك؟
- قال : أنت يا رب . قال : فمن استنقذك من المرأة إذ هممت بها؟
- قال : أنت يا رب . قال : فما لك نسيتني وذكرت آدمياً؟
- قال : جزعاً ، وكلمة تكلم بها لساني .
- قال : فوعزتي ، لأخلدنك في السجن بضع سنين . فلبث في السجن بضع سنين) ( ).
- وفي التنزيل [وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ] ( ) وليس لقريش على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ذنب ، وكان يتلقى أذاهم بالصبر المقترن بالدعوة إلى الله عز وجل ، والإجتهاد بالعبادة ، ويتفضل الله عز وجل عليه بالمعجزات ونزول الآيات وهو أشد على قريش من رد الإعتداء بمثله .
- السادسة عشرة : أو يقتلوك فعجل بالخروج من مكة والهجرة إلى المدينة.
- السابعة عشرة : أو يقتلوك ) لبيان فضل الله عز وجل على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بيعة العقبة .
- الثامنة عشرة : أو يقتلوك وإن هاجرت إلى المدينة ، وهو من أسرار مجئ الآية بصيغة الفعل المضارع أو يقتلوك .
- التاسعة عشرة : أو يقتلوك فخذ الحيطة والحذر ، وفي قوله تعالى [وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا] ( ) .
- ورد عن الحسن البصري أن معنى الآية [يقول : أحطت لك بالعرب لا يقتلوك ، فعرف أنه لا يقتل] ( ).
- العشرون : أو يقتلوك بأن يجتمعوا ويشتركوا في قتلك ، ليتعذر على بني هاشم محاربة قبائل قريش وطلب الثأر منهم ، ولتتوزع الدية عليهم ، وفي قوله تعالى ({ وإذ يمكر بك الذين كفروا }( ) وذلك أنَّ مشركي قريش تآمروا في دارة النَّدوة في شأن محمَّد عليه السًّلام .
- فقال بعضهم : قيِّدوه نتربص به ريب المنون .
- وقال بعضهم : أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه .
- وقال أبو جهل – لعنه الله – : ما هذا برأي ، ولكن اقتلوه ، بأن يجتمع عليه من كلِّ بطنٍ رجلٌ ، فيضربوه ضربة رجلٍ واحدٍ ، فإذا قتلوه تفرَّق دمه في القبائل ، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلِّها ، فأوحى الله تعالى إلى نبيِّه بذلك ، وأمره بالهجرة ، فذلك قوله : { ليثبتوك } أَيْ : ليوثقوك ويشدُّوك { أو يقتلوك } بأجمعهم قتلةَ رجلٍ واحدٍ ، كما قال اللَّعين أبو جهل ، { أو يخرجوك } من مكَّة إلى طرفٍ من أطراف الأرض) ( ).
- الحادية والعشرون : تحذير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من إرادة المشركين قتلهم .
- وحينما حاصر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الطائف بعد معركة حنين وهجوم هوازن وثقيف على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كان عروة بن مسعود من وجهاء ورؤساء ثقيف وساهم في الدفاع عن الطائف .
- ولكن عندما أنصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حصارها لحقه عروة بن مسعود إلى المدينة هو ورهط من أصحابه وأعلن اسلامه خصوصاً وأنه اشترك في مفاوضات قريش مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية ورآى المعجزات ، وقال عروة للنبي بعد أن أسلم أنه يذهب إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام .
- عن (الليث ابن سعد: أَن عروة بن مسعود استأْذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَن يأْتي قومه، فقال، إِني أَخاف أَن يقتلوك،
- قال: إِني أحب إِليهم من أَبكار أَولادهم، من ذاك الذي عرف من منزلته عندهم، فأَذن له، فلما أَتى قومه أَذن فيهم بالصلاة قبل أَن يعلمهم، فقتلوه.
- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إِن مثل عروة مثل صاحب آل ياسين” قال: “.
- وكان صاحبهم رجلاً يقال له حبيب- وكان نجارًا.
- فقال: “يَا قوْمِ اتبعُوا المُرْسَلِين، اتّبعُوا مَنْ لاَ يَسْأَلكم أجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُون” وقال: “وَمَا لِيَ لاَ أعْبُدُ الَّذِي فطرَني وإليه تُرْجعُون، أأتخِذُ مِنْ دونِهِ آلِهَةً إنْ يُرِدْنِ الرّحْمَنُ بضُر لاَ تَغْنِ عَنّي شَفَاعَتُهُم شَيئًا وَلاَ يُنْقذُون، أنِّي إذًا لَفي ضَلاَلٍ مُبينٍ، إنِّي آمَنْتُ برَبّكُم فَاسْمَعُون”( ) .
- فقاموا إِليه فأَخذوا قَدُومَه من قُفَّته فضربوه به على دماغه فقتلوه، فقيل له “اُدخل الجنّة” فلما دخلها ذكر قومه قال: “يَا لَيْتَ قوْمي يَعْلَمُونَ، بمَا غَفَرَ لِي رَبّي وَجَعَلَني مِنَ المُكْرَمِين”( )) ( ).
- وإن قلت (يُخْرِجُوكَ) فقد تحقق خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
- والجواب هذا الخروج مختلف ليس هو الذي أرادوه , ومن إعجاز الآية أنها لم تقل ليثبتوك أو يقتلوك أو تخرج , إنما قيدت الآية نسبة فعل إخراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكفار قريش , كي يرسلوه إلى جهة تقتله فيها ذؤبان العرب , فيكون هذا الإخراج مقدمة لقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن بأيدي غيرهم فلا يتحملون ديته ولا عداوة بني هاشم .
- خاصة وأن رجال القبائل كثيروا التردد على مكة لاسيما في موسم الحج ولهم معهم صلات تجارية , وقد يتفقون معهم على المكر .
- وقول آخر أنهم صرفوا النظر عن إخراجه لأن إبليس أشار عليهم بأن غيرهم يؤويه .
- وقال تعالى [وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنْ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا] ( ).
- و(سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الأيام ، سئل عن يوم السبت فقال هو يوم مكر وخديعة .
- قالوا : وكيف ذاك يا رسول الله؟
- قال : فيه مكرت قريش في دار الندوة إذ قال الله { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}( ) .
- وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ليثبتوك } يعني ليوثقوك) ( ).
- الثالث : [أَوْ يُخْرِجُوكَ] ( ) , أي يقومون باخراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة بصفة الطريد , لصد الناس عن التصديق برسالته , وللتحريض على قتله .
- لقد ذكر عمير عائقين دون إقدامه على إغتيال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فبادر صفوان إلى التعهد بهما , هما :
- الأول : الدَين الذي ركب عميراً , فقال له صفوان : عليّ دينك , أنا أقضيه عنك , وكان صفوان رجلاً ثرياً , كما جاءته تركة كبيرة من أبيه بعد قتله في معركة بدر , خاصة وأن أباه أمية كان من المطعِمين العشرة في الطريق إلى بدر , ولا يتصدى إلى إطعام الجيش ويذبح تسعة أو عشرة من الأباعر في يوم واحد إلا الثري منهم , قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ] ( ) ليخسر رؤساء قريش يوم بدر أموالهم وحياتهم وتلحقهم الحسرة يوم القيامة.
- الثاني : يعلم صفوان أن مسألة العيال أهم من الديون , فقال لعمير أضم عيالك إلى عيالي , (أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا ، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ) ( ) فرضي عمير بهذا العرض , وأدرك أن عياله سيكونون بأمن وعيش كريم, فقال : فاكتم شأني وشأنك .
- إذ أراد عدم إشاعة الخبر ، وكان يخشى إشاعة الخبر أو وصوله إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من جهات :
- الأولى : كان عدد المسلمين في مكة لم يهاجروا لأسباب متعددة , وهم يقومون ببعث الأخبار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
- الثانية : إنحياز بني هاشم رجالاً ونساءً , مسلمهم وكافرهم إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا يرضون بقتله .
- الثالثة : نفرة نفوس عامة أهل مكة من إرادة قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة مع استحضارهم لمعجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الحسية والعقلية عندما كان في مكة , وكذا الآيات بعد هجرته ومنها النصر المبين في معركة بدر خلافاً لقاعدة السبب والمسبب المادية من جهة التباين في كثرة أفراد جيش مشركي قريش وقلة عدد جيش المسلمين إلى جانب التباين في العدة والسلاح والمؤن .
- وكان المسلمون في الطريق إلى بدر كل ثلاثة يتناوبون على بعير , وكان الإمام علي عليه السلام وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بعير واحد .
- الرابعة : وجود المعتمرين والزوار في مكة , فاشاعة الخبر سبب لوصوله إلى المسلمين , وقد يقتل عمير في طريقه إلى المدينة , وهل هذا الإتفاق والكيد بين صفوان وعمير في البيت الحرام من مصاديق عدم أهلية المشركين لولاية وسدانة البيت الحرام , قال تعالى [وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ] ( ) .
- الجواب نعم ، وهو من البشارات بقرب فتح مكة لوجود المقتضي وفقد المانع ، ولتمادي الذين كفروا بالتعدي والتواطئ على الظلم والتعاون على الإثم .
- وهل هو خلاف دعاء إبراهيم عليه السلام [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ] ( ) وتفضل الله عز وجل بالقول [وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ] ( ) .
- الجواب نعم , فمن عمومات الأمن في المقام عدم إتخاذ البيت الحرام محلاً للمكر وإرادة قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لذا فإن فتح مكة لا يكون بعيداً في أوانه خاصة وأن قريشاً يواصلون إعداد وتجهيز الجيوش للهجوم على المدينة , كما في معركة أحد ومعركة الخندق , قال تعالى [وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ]( ).
- لقد إستجاب صفوان لعمير في طلبه إخفاء إتفاق إغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحصره بينهما , ولم يسأله ضامناً وضماناً على تعهده بقضاء دينه , ومعيشة عياله , إذ يدل هذا الإتفاق على أن عميراً إختار أن يكون إنتحارياً وأنه حينما يقوم بقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيقتلونه وأمر عميراً بسيفه فشحذ له وجعل فيه السمّ لتكون ضربته قاتلة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
- دخول عمير المسجد النبوي
- لقد انطلق عمير نحو المدينة حتى إذا دخلها , سأل عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فدّلوه على المسجد النبوي فتوجه إليه واناخ راحلته على بابه ودخل المسجد وهو متوشح بسيفه , وهذه علامة من علامات الشر وتبييت سوء النية , واتفق أن عدداً من الصحابة كانوا جلوساً يذكرون وقائع معركة بدر , ويستحضرون المعجزات التي وقعت فيها .
- فلما رآه الصحابة عرفه المهاجرون منهم , وقال عمر (هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر، وهو الذى حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر.
- ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا نبى الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه) ( ).
- لقد توقع الصحابة إحتراز النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه والطلب إليهم بسؤاله عما جاء به , وماذا يريد ؟ وأن يأمرهم بنزع سيفه منه ، فهو عدو فاتك .
- ولكن النبي صلى الله عليه وآلع وسلم قال : أدخله عليّ .
- فادخلوه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجلس عدد من الصحابة إلى جواره خشية غدره ، ولما دخل لم يأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يجلس حيث انتهى به المجلس أو في موضع بعيد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة وأنه يحمل سيفه، إنما قال أدن يا عمير .
- وفي رؤاية أن لنبي صلى الله عليه وآله وسلم كرر الطلب .
- (ادن يا عمير ادن يا عمير) ( ).
- ناداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسمه لبيان أنه يعرفه في مكة ويعلم بشروره ، وهل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أن عميراً جاء لإغتياله وأن سيفه مسموم ، الجواب نعم ، وهو من الوحي الذي يوحيه الله عز وجل إلى رسوله الكريم ، ولبيان ثقة النبي صلى الله عليه آله وسلم بالله عز وجل ، ودفعه الشرور عنه ، وهو من مصاديق قوله تعالى [أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ] ( ).
- تحية الإسلام
- لقد دنا عمير من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يستطع الصحابة منعه ، ثم قال : انعموا صباحاً ، إذ أن الذي يريد الإغتيال لا يتعجل إنما يريد حالة من الغفلة ليقوم بالغدر .
- وهذه التحية هي السائدة في أيام الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة ، وفي ضيف إبراهيم عليه السلام في الملائكة ورد قوله تعالى [وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ] ( ) للإشارة إلى عمير أنك لو قلت : السلام عليكم لأطمئننا على الظاهر ، ولكان حجة عليك .
- فقال عمير (أَمَا وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْتُ بِهَا لَحَدِيثُ عَهْدٍ) ( ).
- لقد خاطب عمير النبي محمداً باسمه المجرد ( يا محمد ) وهو أمارة على أن الرجل لم يًسلم ولم يأت لدخول الإسلام ، يخاطب النبي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عميراً باسمه وهو كافر ، ويرد عمير ويخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويناديه (يا محمد) وهو بين أصحابه فلم يغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إنما كان احتجاجه على كيفية التحية ، ولزوم أن تكون بالسلام وهو من الشواهد على صدق نبوته .
- ولم يغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما بقى ينصت له ، ويوليه عناية لقدومه من مكة ولكف وحسم ما جاء به ، وعدم تركه يتربص الفرصة الملائمة ليجهز على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
- حضور الوحي في الحوار
- قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فما جاء بك يا عمير ؟
- قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فاحسنوا فيه ، عندئذ قال له النبي : فما بال السيف في عنقك ؟
- إذ أن الأصل حينما ينيخ الراكب راحلته أن يترك السيف في رحله ، لأنه أصبح في المدينة وبين أهلها حيث الأمان .
- قال عمير : قبحها الله من سيوف ، وهل أغنت عنا شيئاً؟
- وهو جواب توريه ومكر ، إذ أراد أن يبعد الحديث عن الحال التي هو فيها ولموضوع سيفه ، فلم يرد على سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حمله السيف إنما استذكر معركة بدر ،وفيه حجة عليه إذ أنه وكفار قريش شهروا اسلحتهم يومئذ ، وكان لهم الإبتداء من وجوه :
- الأول : الرمي بالنبال والسهام .
- الثاني : الزحف صوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه .
- الثالث : تقدم عدد منهم وسط المعركة ، وطلب المبارزة ، إذ تقدم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد وسألوا أن يتقدم لهم من يبارزهم ، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار .
- قالوا : من أنتم ؟
- إذ كان من سنن المبارزة أن يعرف كل طرف نفسه للأخر ، أو لا أقل أنه من حق أحدهمت أن يسأل الآخر عن هويته ، لذا تكون حينئذ المفاخرة بالشعر والنثر ، وقد تستمر هذه المفاخرة لدقائق قبل المبارزة لتكون تعريفا ومقدمة للإحماء .
- فأجابوهم : نحن رهط من الأنصار لم ينتموا إلى الأوس والخزرج .
- وهل كان عمير يسمع هذا الحوار يوم بدر ، الجواب نعم ، فهو من فرسان بدر البارزين ، وكان هذا الحوار بين الصفين مسموعاً للجميع ، ثم رأى الجيشان كيف ان عتبة طلب أن يبرز لهم من قومهم من قريش .
- (ثم نادى مناديهم يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قم يا عبيدة بن الحارث ويا حمزة بن عبد المطلب ويا علي بن إبي طالب ، فلما دنوا منهم قالوا : من أنتم فذكروا أنفسهم .
- قالوا نعم أكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة وبارز حمزة شيبة وبارز علي الوليد ابن عتبة .
- فأما حمزة فلم يمهل أن قتل شيبة وعلي الوليد واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتان كلاهما أثبت صاحبه فكرّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا واحتملا عبيدة إلى أصحابه وقد قطعت رجله ومخها يسيل .
- فلما أتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ألست شهيداً يا رسول الله قال : بلى فقال عبيدة : لو كان أبو طالب حياً لعلم أنا أحق بما قال منه حيث يقول :
- ونسلمه حتى نصرع حوله … ونذهل عن أبنائنا والحلائل) ( ).
- ولما أبعد عمير الكلام عن حمله السيف وامتنع عن الإجابة على موضوع السيف وحمله إياه في المجلس ، مع أنه بين قريش والمسلمين حال حرب , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنزعه عنه ، إنما قال له : أصدقني ما الذي جاء بك .
- قال عمير : ما جئت إلا لذلك ؟
- ولم يمهله النبي طويلاً إنما واجهه بكشف إخبار من الغيب وشاهد على الوحي ، إذ قال له (بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ قُلْت : لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْتُ حَتّى أَقْتُلَ مُحَمّدًا ، فَتَحَمّلَ لَك صَفْوَانُ بِدَيْنِك وَعِيَالِك ، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ وَاَللّهُ حَائِلٌ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ) ( ).
- قد يتبادر إلى الذهن أن عميراً ينكر هذا ، ويحلف الأيمان الغليظة أو لا أقل أنه يخرج من المكان ، وتفاجأ الصحابة الجالسين بالأمر ، وهمّوا أن يهجموا على عمير وينزعوا سيفه ، وينتظروا ما يأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتصل أخبار عمير وجزائه إلى مكة والقبائل ، وتكون زاجراً لهم.
- ولكن عميراً لم يتردد في إعلان إسلامه في الحال ، إذ قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله( ).
- اعتياد الصحابة على المعجزات
- وهل استغرب الصحابة الأمر ، الجواب لا , لأنهم اعتادوا على رؤية المعجزات الحسية والعقلية ولكنهم أدكوا مسألة وهي أنهم سيواصلون القتال ، ولن تمنع قريشا بدرُ من غزو المدينة .
- لقد استحضر الصحابة قوله تعالى [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ] ( ) وما فيه من الإعجاز , وما له من المصاديق المتجددة وإن إرادة قتل المشركين للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم تختص بليلة المبيت بعد أن إجتمع رؤساء قريش في دار الندوة عندما علموا ببيعة الأنصار للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم واستعدادهم لإستقباله في المدينة ، وتقدم بعض أصحابه بالذهاب إليها ، إذ ذكرت الآية [أَوْ يَقْتُلُوكَ] ( ) وهذا الأمر لم ينقطع بهجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان كفار قريش يسعون لقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء في ميدان المعركة , أو خارجها .
- ومن الشواهد هذه الآية الكريمة ومصداقها في مجئ عمير لإرادة قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصرف الله عز وجل الشر دعوة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة للحيطة والحذر والإجتهاد بالدعاء .
- ولما نطق عمير بالشهادتين قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه (فَقّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ . وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُ فَفَعَلُوا) ( ).
- لقد كانت خطة إغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم سرية ومحصورة بين صفوان بن أمية وبين عمير لا يعلم بها أحد غيرهما ، كما أنه لم يتباطئ في التوجه إلى المدينة ، إذ سارع إلى الخروج لشدة عداوته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولمنع إفشاء الخبر ، فليس من رسول يأتي من مكة بالخبر ، نعم كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة يعرفون أن عميراً رجل سوء لا يؤتمن جانبه , ومن الراجح أن خططا أخرى جرت لإغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم صرفها الله سبحانه , وهذا الصرف من مصاديق قوله تعالى [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] ( ).
- أمر النبي بتعليم عمير
- لم يقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند هذه الواقعة كثيراً ، ولم يُشهد أصحابه على معجزته هذه ، أو يقم بتأكيدها ، إنما توجه صوب العمل وإصلاح عمير للإيمان ، قال تعالى [فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
- لقد القى النبي إلى أصحابه أوامر بضع كلمات من جوامع الكلم , ليس فيها ما يخص القتال .
- الأمر الأول : فقهوا أخاكم في دينه ، وفيه وجوه :
- الأول : أكدّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن عميراً صار أخاهم في العقيدة وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] ( ) واصطلاح جديد غير الأخوة النسبية والصلات القبلية .
- الثاني : يجب أن لا يؤاخذ عمير على إيذائه للصحابة عندما كانوا في مكة ، ولا لدوره في معركة بدر وقيامه برصد وإحصاء المسلمين يومئذ .
- الثالث : هل فيه بعث للسكينة في نفس عمير ، الجواب نعم ، فلم ينفعه سيفه المسموم ، أنما نفعه في النشأتين وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بأنه أخو الصحابة وأنه نال مرتبة الصحبة في لحظة واحدة ، قال تعالى [إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ] ( ) .
- الرابع : يبين الحديث أن الإسلام دين الفقاهة وأن الذي يدخل الإسلام لا يقف عند النطق بالشهادتين ، بل لابد من أداء الفرائض العبادية باتقان ، ومعرفة أحكام الحلال وإتيانها ، ومصاديق الحرام وإجتنابها .
- الخامس : يمكن إستقراء مسألة وهي تعليم وتعلم الأحكام الشرعية متصل ومستمر وعلى نحو العموم الإستغراقي للمسلمين ، ولا يختص بأهل العلم ، قال تعالى [فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] ( ).
- السادس : لقد قيّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفقاهة والإفهام والتعليم أنه بخصوص الدين ، وفيه شاهد على أن مدارس وحلقات التدريس والعلم كانت من أيام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
- السابع : إرادة الملازمة بين دخول الإسلام وبين طلب الفقاهة ودراسة الفقه بما يساعد الإنسان في عباداته ومعاملاته .
- الثامن : عدم وجود غيظ في قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلن على الذي يدخل الإسلام ، وإن كان شديد الأذى له ، قال تعالى فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.
- التاسع : لم يشترط النبي صلى الله عليه وآله وسلم إسلام الأسير أو دفع الفدية بدلاً عنه ، وهل يلحق وهب أباه بالإسلام بالتبعية ، الجواب لا ، لأنه كان بالغاً ، وقد دخل الإسلام طواعية مع أبيه بعد إطلاق سراحه .
- حديث فقهّوا أخاكم
- لقد قيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الفقاهة بخصوص الدين بقوله (فقهوا أخاكم في دينه) وفيه شهادة نبوية على صدق إيمان عمير وأنه ليس كاذباً أو منافقاً .
- ويدل هذا الحديث على الإطلاق في قوله تعالى [وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] ( ) وأن موضوع هذه الآية لا ينحصر بالرجوع من الكتائب ، والقتال والمرابطة إنما يشمل مسائل :
- الأولى : التوبة والإنابة.
- الثانية : التفقه في أحكام الشريعة في الجملة .
- الثالثة : سؤال الحكم الشرعي .
- الرابعة : معرفة وجود سنن للفرائض والمواريث .
- الخامسة : الرجوع إلى الفقهاء من أجل عدم التعدي , أو الغفلة في العقود .
- فلا يكون تقدير الآية : إذا رجعوا إليكم من الكتائب وحده ، إنما يشمل السؤال وطلب الفتيا والتعضيد والتآخي والعون وأسباب الهداية .
- وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفقاهة والتفقيه ، الجواب نعم .
- العاشرة : يدل حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مسألة وهي أن الصحابة بلغوا درجة الفقاهة ، وليس المراد المعنى الإصطلاحي للفقيه والمفتي في هذا الزمان ، إنما هي الفقاهة إجمالاً التي تنجي الإنسان في النشأتين .
- الحادية عشرة : دلالة كفاية الكتاب والسنة لبلوغ حد الكفاية من مرتبة الفقاهة ، وقد يأخذ تعليم الصحابة لعمير أسابيع أو أشهراً ، والذي يتلقى دروس الفقاهة يكون معلماً وهادياً لغيره .
- الثانية عشرة : بيان حقيقة وهي ليس ثمة فترة بين دخول الإسلام وبين التفقه في الدين وتعلم أحكام الشريعة وسنن العقود .
- الأمر الثاني : بعد أن قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحاضرين من أصحابه: فقهوا أخاكم في دينه قال لهم (واقرئوه القرآن) ( ) بيان عطف الخاص على العام ، وأن الفقاهة أعم من تلاوة وتعليم القرآن ، فمن الفقاهة بيان أن الصلاة خمس مرات في اليوم وأن كل صلاة منها بعدد مخصوص ، ثم التفصيل في واجبات ومستحبات الركعة الواحدة من الصلاة إلى جانب لزوم الطهور كمقدمة واجبة للصلاة .
- وكان قدوم عمير إلى المدينة في آخر السنة الثانية للهجرة إذ أنه جاء بعد واقعة بدر ، وكان ابنه أسيراً عند المسلمين وكان الغيظ والحنق يملأ قلوب رجال قريش على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما لحقهم من الهزيمة والخزي .
- وصحيح أن المسلم يتلو القرآن في الصلاة ، ولكن الحديث يدل على أن تعلم قراءة القرآن أمر آخر ، ومنه التدبر في الآيات وتفسيرها ، ومعرفة شذرات من إعجازها .
- ويبين الحديث موضوعية تعلم القرآن وتلاوته وأنه ملازم لدخول الإسلام ، وفيه حث على تعليم الصبيان تلاوة القرآن .
- الأمر الثالث : لقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باطلاق سراح ابن عمير وهو أسير في معركة بدر ، وقد يتبادر إلى الأذهان وحسب عرف هذا الزمان أن الأسير آنذاك محجوز بين جدران أربعة ، ولكن أسرى بدر لم يكونوا محبوسين أو محجوزين ، فالقدر المتيقن من الأمر أنهم كانوا ممنوعين من مغادرة المدينة ، ويدل عليه قوله تعالى [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا] ( ) .
- والأسير لا يكون إلا من المشركين من كفار قريش في معركة بدر ونحوها.
- (عن ابن عباس في قول الله سبحانه وتعالى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}( ) قال : مرض الحسن والحسين فعادهما جدّهما محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامّة العرب .
- فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذراً وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء.) ( ) ، وقد تقدم ذكر القصة كاملة وكيف أن أهل البيت نذروا صيام ثلاثة أيام ثم صاروا يطوون كل يوم من الأيام الثلاثة ليس لهم من طعام إلى الماء بسبب إعطائهم طعام إفطارهم إلى مسكين ثم يتيم ثم أسير ، ولا يكون الأسير إلا من المشركين ، فنزل القرآن بالثناء عليهم إذ قال تعالى [يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا *وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *س إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا]( ) ( ).
- لقد ألتقى عمير مع ابنه الأسير وقد أسلم عمير وأخبر ابنه بسبب مجيئه والمعجزة التي قادته إلى الهدى ودعا ابنه إلى الإسلام فاستجاب له .
- و(عن أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول : اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . قلت : يا رسول الله وإن القلوب لتتقلب؟! قال : نعم . ما من خلق الله من بشر من بني آدم إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله ، فإن شاء الله أقامه ، وإن شاء أزاغه .
- فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب .
- قلت : يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي .
- قال : بلى ، قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني) ( ).
- ثم عاد بعد أيام وبعد أن تفقه في الدين كما عن عروة بن الزبير فقال (يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْت جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللّهِ شَدِيدَ الْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَأْذَنَ لِي ، فَأَقْدَمَ مَكّةَ ، فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ تَعَالَى ، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلّ اللّهَ يَهْدِيهِمْ كُنْت أُوذِي أَصْحَابَك فِي دِينِهِمْ ؟
- فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ فَلَحِقَ بِمَكّةَ) ( ).
- وهذه المعجزة أخرى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تجلت في عمل الصحابة وبعد أن خاطب عمير رسول الله في أول دخوله : يا محمد ، قال بعدها : يا رسول الله ، ومع علم عمير بأنه صار في مأمن من الحساب عن إيذائه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في مكة إلا أنه لم يكتف بطلب العلم والإقامة في المدينة المنورة إنما أعلن رغبته بالرجوع إلى مكة سفيراً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهلها يدعوهم إلى الإسلام .
- لبيان الإعجاز في تعجيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعليم عمير أحكام الشريعة لأنه سيبادر للعودة إلى مكة ولابد أن يتسلح بالفقاهة , وتدرك قريش التغيير وسنخية الإيمان التي صار يتصف بها , فلا يغريه صفوان أو غيره بالمال وليحارب هو وابنه الوثنية وعبادة الأصنام .
- وسفارة عمير هذه تختلف عن سفارة مصعب بن عمير عندما أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة يدعو أهلها إلى الإسلام ويصلي جماعة بالمسلمين ، إذ أن عميراً يعرض نفسه للهلاك لأنه خرج من مكة بنية اغتيال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم باتفاقه مع صفوان بن أمية الذي جهزه وانفق عليه .
- وكان صفوان صامتاً إلى أن مرت عدة أيام على مغادرة عمير ، وبما يوازي قطعه مسافة الطريق إلى المدينة ووصوله إليها صار يبشر رؤساء قريش: (أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمْ الْآنَ فِي أَيّامٍ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرّكْبَانَ حَتّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلَامِهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلّمَهُ أَبَدًا ، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا) ( ).
- بين سفارة عمير وسفارة عروة
- عمير بن وهب هو ابن عم صفوان بن أمية ، كلاهما من جمح من قريش ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذا الحال غالباً ما يحذر الذي يريد العودة إلى قومه لدعوتهم إلى الإسلام .
- كما في عروة بن مسعود وهو من سادات ثقيف الذين يسكنون الطائف وتبعد عن مكة نحو (75) كم.
- وبعثته قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية ليرجع في السنة التاسعة لأنه كان يدخل على الملوك ويكلمهم ، فاراد أن ينظر حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه .
- (فأتاه بالحديبية فجعل عروة يكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمغيرة بن شعبة شاك في السلاح على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له المغيرة: كف يدك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن لا تصل اليك.
- فرفع عروة رأسه فقال: أنت هو، والله اني لفي غدرتك ما أخرجت منها بعد.
- فرجع عروة الى قومه فقال: أي قوم، اني قد رأيت الملوك وكلمتهم، والله ما رأيت مثل محمد قط، وما هو بملك، ولقد رأيت الهدي معكوفا( ) يأكل وبره، وما أراكم الا ستصيبكم قارعة.
- فانصرف ومن معه من قومه الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسلما، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرجع الى قومه فرجع .
- فقال: اني أخاف أن يقتلوك، قال: لو وجدوني نائما أيقظوني، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجع الى قومه مسلما، فرجع عشاء، فجاءت ثقيف يحيونه، فدعاهم الى الاسلام، فاتهموه وعصوه وأسمعوه ما لم يكن يحسب، ثم خرجوا من عنده .
- فلما أسحر وطلع الفجر قام عروة على غرفة داره فأذن بالصلاة وشهد فرماه رجل من ثقيف سهمه فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صاحب يس، دعا قومه فقتلوه)) ( ).
- وفي رواية أن عروة قال (إِني أحب إِليهم من أَبكار أَولادهم، من ذاك الذي عرف من منزلته عندهم، فأَذن له، فلما أَتى قومه أَذن فيهم بالصلاة قبل أَن يعلمهم، فقتلوه) ( ).
- وكأن الذي يذكر هذا الخبر يشير إلى تعجل عروة باعلان الأذان قبل تعليمهم مبادئ وأحكام الإسلام ، وهذه الإشارة ليست صحيحة ، فقد حاربت ثقيف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في معركة حنين ، وابتدأت فيها الهجوم والقتال مع أن أخبار فتح مكة قد وصلت إليهم .
- قال تعالى [لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ] ( ) .
- ثم حاصرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقاوموا الحصار ، وكأن سبب هذه الإشارة بعض رجال ثقيف في افتعال نوع عذر لظلمهم وتعديهم بقتل عروة .
- لقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( انهم إذن قاتلوك ) وفيه أنه لما رمي قال أشهد أن محمدا رسول الله لقد اخبرني بهذا انكم تقتلوني ) ( ).
- ولكن بعد مقتل عروة وفي السنة التاسعة للهجرة قدم المدينة وفد ثقيف بضعة عشر رجلاً فيهم بعض رؤسائهم وأسلموا بعد تفاوض وشروط .
- وحينما عاد عمير إلى مكة ذهب إلى أهله وعياله ، ولم يقف عند صفوان بن أمية ، ودعا إلى الإسلام فأخبروا صفوان فقال (قد عرفت حين لم يبدأ بي قبل منزله أنه قد ارتكس وصبأ فلا أكلمه أبدا ولا أنفعه ولا عياله بنافعة .
- فوقف عليه عمير وهو في الحجر وناداه فأعرض عنه فقال له عمير : أنت سيد من سادتنا أرأيت الذي كنا عليه من عبادة حجر والذبح له أهذا دين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فلم يجبه صفوان بكلمة) ( ).
- ولكن النبي لم يحذر أو ينهي عميراً عن الذهاب إلى مكة ودعوتهم للإسلام وفيه مسائل :
- الأولى : عمير أضعف شأناً من عروة في قومه .
- الثانية : كفار مكة أشد حنقاً وغيظاً على الإسلام .
- الثالثة : لقد سبب عمير حرجاً وخزياً لقريش إذ غادرهم ليقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعاد مسلماً وداعياً إلى الله ، قال تعالى [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ]( ).
- الرابعة : دعا عروة قومه للإسلام من غير إيذاء ، أما عمير فكان يؤذي من خالفه من الكفار .
- الخامسة : دخل جماعة من أهل مكة الإسلام على يد عمير ليكونوا نواة لفتح مكة وإزاحة استحواذ الكفار عليها ، قال تعالى [وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ]( ) .
- لبيان مسألة وهي أن من جنود الله التائب الذي يجتهد دفعة في طاعة الله، ويكون موعظة لغيره في تعاهد سنن التقوى ، لذا ترى بعضهم يأتي متأخراً في الإنتساب ثم لا يلبث أن يرتقي السلم بسرعة (قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكّةَ ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ) ( ).
- ولم يكن عنده مال ينفقه عليهم أو في سبيل جذبهم للإسلام ، وهو معجزة أخرى للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن الناس تدخل الإسلام من غير أن ينفق عليهم ، بينما أنفق كفار قريش الأموال الطائلة لصدهم عن سبيل الله دون جدوى .
- ليكون من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم في علم الغيب أنه ينذر في موضع ولا يحذر في موضع آخر مع إتحاد الموضوع ، فيكون كل من التحذير وعدمه صدقاً وعدلاً .
- والظاهر أن عميراً لم يتأخر كثيراً في مكة إنما عاد إلى المدينة لأنه خرج مع رسول الله إلى معركة أحد التي وقعت في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة .
- أما صفوان بن أمية فانه لم يتعظ من إيمان عمير بن وهب ، إنما كان يجتهد في التحشيد لمعركة أحد ، ومشى على أرباب قافلة أبي سفيان يسألهم المشاركة بأموالهم للإنفاق على الجيش خاصة وأن قريشاً استأجرت الفين من رجال القبائل وهم ثلثا جيش المشركين في معركة أحد ، ولم يخرج صفوان لمعركة بدر ، ولكنه من رؤساء قريش في معركة أحد ، وشارك في القتال .
- فمثلاً كان الصحابي (خارجة بن زيد بن أبي زهير أخذته الرماة يوم أحد فجرح بضعة عشر جرحا فمر به صفوان بن أمية فعرفه فأجهز عليه ومثل به وقال هذا ممن أغرى بأبي علي يوم بدر – يعني أباه أمية بن خلف وكان أمية بن خلف الجمحي والد صفوان يكنى أبا علي بابنه علي الذي قتل معه يوم بدر .
- قال ابن إسحاق قتل أميةً بن خلف رجل من الأنصار من بني مازن . وقال ابن هشام : قتله معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب بن إساف اشتركوا فيه
- قال ابن إسحاق وابنه علي بن أمية قتله عمار بن ياسر يعني يومئذ ببدر فلما قتل صفوان من قتل يوم أحد قال : الآن شفيت نفسي حين قتلت الأماثل من أصحاب محمد قتلت ابن قوقل وقتلت ابن أبي زهير خارجة بن زيد وقتلت أوس بن أرقم) ( ).
- ويدل الخبر أعلاه على أن قتل أمية بن خلف في ميدان المعركة ، وليس بعدها وأن بلالاً أجهز عليه هو وابنه بعد أن صار أسيراً بيد عبد الرحمن لأنه كان صديقه في مكة قبل الإسلام .
- وقول صفوان (الآن شفيت..)يدل في ظاهره على أن أباه قتل في ميدان المعركة كما اشترك صفوان بن أمية في شراء الصحابي خبيب بن عدي (عن ابن شهاب أن عقبة بن الحارث بن نوفل اشترى خبيب بن عدي من بني النجار وكان خبيب قد قتل أباه يوم بدر قال : واشترك في ابتياع خبيب فيما زعموا أبو إهاب ابن عزير وعكرمة بن أبي جهل والأخنس بن شريق وعبيدة بن حكيم بن الأوقص وأمية بن أبي عتبة وبنو الحضرمي وصفوان بن أمية بن خلف وهم أبناء من قتل من المشركين يوم بدر .
- ودفعوه إلى عقبة بن الحارث فسجنه في داره وكانت امرأة عقبة تقوته وتفتح عنه وتطعمه وقال لها : إذا أرادوا قتلي فآذنيني . فلما أرادوا قتله آذنته فقال : لها أعطيني حديدة أستحد بها فأعطته موسى فقال – وهو يمزح : قد أمكن الله منكم فقالت ما كان هذا ظني بك فطرح الموسى وقال : إنما كنت مازحا .
- وروى عمر بن أمية الضمري قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خبيب بن عدي لأنزله من الخشبة فصعدت خشبته ليلا فقطعت عنه وألقيته فسمعت وجبة خلفي فالتفت فلم أر شيئا) ( ).
- وفي يوم فتح مكة جاء عمير بن وهب من ضمن المهاجرين والأنصار الذي جاءوا من المدينة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد صفوان التصدي للمسلمين والقتال ثم فّر من مكة عند دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليها ، وأسلمت امرأته ناجية بنت الوليد بن المغيرة ، وهي أخت خالد بن الوليد.
- وأخذ عمير نفسه الأمان له من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطلب علامة فاعطاه عمامته , فادركه عمير وقيل ابنه وهب في جدة ليركب البحر فناداه وطلب منه العودة إلى مكة فعاد معه .
- وروى أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ) عندما قدم عليه صفوان بن أمية الجمحي ومعنى صفوان الصخر الأملس الصامت , ويوم صفوان أي صافٍ.
- شهد صفوان معركة اليرموك أميراً على كردوس ، وتوفى في مكة سنة (41) للهجرة.
- تقسيم موضوعي لآيات القرآن
- من رشحات قوله تعالى [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ] ( ) أنه دعوة للعلماء لاستقراء العلوم والقوانين المتعددة من القرآن ، وهذا الإستقراء من اللامتناهي لعدم نفاذ خزائن القرآن ، إذ أنه مرآة لموجودات وثمار الجنة ، قال تعالى [ُ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] ( ) .
- وكلما استقرأت قوانين وأنظمة وقواعد من الآية القرآنية يأتي جيل من العلماء وزمان آخر لتتجلى قوانين أخرى من غير أن تتزاحم أو تتعارض مع القوانين السابقة بل تكون في طولها وامتداداً لها ، وشاهداً على أن آيات القرآن غضة طرية ، وملائمة لكل زمان ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] ( ).
- وتتضمن آيات القرآن كلاً من :
- الأولى : آيات الربوبية والمشيئة .
- الثانية : آيات الخلق ، خلق الأكوان والملائكة والكائنات ، ومنه خلق آدم ، قال تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ] ( ) لبيان قانون وهو أن خلق الله عز وجل في الإنس لا يتعلق بشخص آدم إنما كل إنسان مخلوق من عند الله عز وجل .
- الثالثة : الآيات الكونية الأرضية والسماوية ، قال تعالى [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ] ( ).
- الرابعة : آيات النبوة والتنزيل ومنه قصص الأنبياء ، قال تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ] ( ).
- الخامسة : آيات العقيدة والإيمان .
- السادسة : آيات العبادات وأحكامها كما في وجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج.
- السابعة : آيات المعاملات .
- الثامنة : آيات الصبر .
- التاسعة : آيات الجهاد .
- العاشرة : آيات الدفاع ، وقد تأتي آية تجمع بين الوجوه الثلاثة أعلاه كما في قوله تعالى [اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ).
- الحادية عشرة : آيات العفو والصفح ، قال تعالى [وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( )، وفي خاتمة الآية أعلاه بيان للأجر والثواب في العفو والصفح .
- الثانية عشرة : آيات الإستغفار والرحمة من الله عز وجل .
- الثالثة عشرة : آيات المعاد واليوم الآخر , والجنة والنار ، وهذا تقسيم إجمالي ، وهنا تقسيم موضوعي تفصيلي لآيات القرآن .
- وهذا التقسيم بياني واستقرائي ، وإلا فان الآية الواحدة قد تتحدث عن عدة مفاهيم ومعاني من الجهات والخصائص أعلاه ، ويساهم هذا التقسيم في إظهار جوانب من إعجاز القرآن إذ أنه يبين ويجمع الآيات التي تخص موضوعاً معيناً كما أنه يقسم تقسيمات نوعية متعددة .
- ومنها (قانون إحصاء آيات الدفاع) الذي تقدم في الجزء السابق ( ).
- وكذا بالنسبة لآيات العبادات مثلاً ، إذ تقسم كل من :
- الأولى : آيات الصلاة ومقدماتها أحكامها وأوانها , قال تعالى[أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا]( ).
- الثانية: آيات الصيام وأحكامها .
- الثالثة : آيات الزكاة وأحكامها . وأصناف المستحقين , قال تعالى [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] ( ).
- الرابعة : آيات الحج وأحكامها , وكل فريضة لواء للسلم العالمي , وزاجر عن الإرهاب .
- وسيأتي مزيد بيان بخصوص هذا القانون في الجزء التالي .
- قانون أحسن القصص
- قال تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ] ( ) لقد أكرم الله عز وجل النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين والمسلمات بنزول القرآن ، مع البيان بأنه (أحسن الحديث ) بقوله تعالى [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ] ( ).
- والنسبة بين [أَحْسَنَ الْحَدِيثِ] و[أَحْسَنَ الْقَصَصِ] هي العموم والخصوص المطلق .
- فالحديث أعم والقصص جزء منه ، ولو أطلقنا على قصص القرآن أحسن الحديث لصح ، والسور الجامع لها هو القرآن , كلام الله المحصور بين الدفتين الذي [لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ] ( ).
- ويحتمل المراد من [أَحْسَنَ الْقَصَصِ] ( ) وجوهاً :
- الأول : خصوص قصة يوسف عليه السلام ومضامين هذه السورة التي اختص أغلبها بقصته وصبره على أذى إخوته ، وتوليه الوزارة في مصر ، وعفوه عن إخوته ونجاة الناس من المجاعة بحسن تدبيره .
- الثاني : قصة يوسف عليه السلام وإخوته ، وقصته مع أبيه يعقوب النبي, وقصه لرؤياه عليه .
- الثالث : إرادة قصص الأنبياء المذكورة في القرآن والمشار إليها في ذات سورة يوسف، قال تعالى [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ]( ) أي لذوي العقول والبصائر .
- الرابع : عموم القصص الواردة في القرآن .
- والمختار هو الأخير ، فتدخل فيها قصص الأنبياء السابقين ، وقصة موسى وفرعون ، وإبراهيم والنمروذ ، ومنها هلاك الظالمين والمكذبين .
- وهل يدخل في[أَحْسَنَ الْقَصَصِ] ( ) ما ذكره القرآن مما لاقاه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته إلى الله ، ودخول الناس الإسلام بمعجزة من عند الله عز وجل ، وإرادة المشركين قتله ، كما في قوله تعالى [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ] ( ) .
- المختار نعم وقوله [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] ( ) تدخل فيها قصص رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإرادة الإخبار لكل الأجيال المتعاقبة وإلى يوم القيامة .
- وهي آخر آية من سورة يوسف .
- خاصة وأن الآية السابقة وهي الآية 110 من سورة يوسف ابتدأت بقوله تعالى [حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ] ( ) وكأن الضمير في [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ] يعود إلى [الرسل ] المذكورين في الآية أعلاه .
- وقال (سعد بن أبي وقاص : أُنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتلاه عليهم زماناً، وكأنهم ملّوا فقالوا : لو قصصت علينا،
- فأنزل الله تعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} الآية،
- فقالوا : يا رسول الله لو ذكرتنا وحدثتنا فأنزل الله تعالى {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} ( )الآية،
- فقال الله تعالى على هذه الآية : أحسن القصص.
- واختلف الحكماء فيها لمَ سميت أحسن القصص من بين الأقاصيص؟
- فقيل : سماها أحسن القصص لأنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العبر والحكم والنكت ما تتضمن هذه القصة، وقيل : سمّاها أحسن لامتداد الأوقات فيما بين مبتدأها إلى منتهاها )( ).
- أي استمرار سرد وذكر قصة يوسف من حين صباه وما لاقاه من أخوته، وبيعه وحياته في بيت العزيز ، وسجنه في مصر ثم توليه الوزارة في مصر ، ومجئ أبيه وإخوته إليه ، وشكره لله على عظيم النعم .
- والنقاش في الكبرى فلا دليل على اختصاص أحسن القصص بسورة يوسف , إنما المراد قصص القرآن .
- ويدل عليه الحديث النبوي , إذ ورد (عن عقبة بن عامر قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك ، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما كان منها على ليلة فلم يستيقظ حتى كانت الشمس قيد رمح قال : ألم أقل لك يا بلال أكلئنا الليلة؟
- فقال : يا رسول الله ذهب بي النوم فذهب بي الذي ذهب بك ، فانتقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك المنزل غير بعيد ثم صلى ، ثم هدر بقية يومه وليلته فأصبح بتبوك ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأوثق العرا كلمة التقوى ، وخير الملل ملة إبراهيم ، وخير السنن سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأشرف الحديث ذكر الله .
- وأحسن القصص هذا القرآن ، وخير الأمور عوازمها ، وشر الأمور محدثاتها ، وأحسن الهدي هدي الأنبياء ، وأشرف الموت قتل الشهداء ، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى ، وخير العلم ما نفع ، وخير الهدى ما اتبع ، وشر العمى عمى القلب ، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى ، وشر المعذرة حين يحضر الموت ، وشر الندامة يوم القيامة .
- ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبراً ، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجراً ، وأعظم الخطايا اللسان الكذوب ، وخير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد التقوى ، ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل ، وخير ما وقر في القلوب اليقين ، والإرتياب من الكفر والنياحة من عمل الجاهلية ، والغلول من جثاء جهنم ، والكنز كيُ من النار ، والشعر من مزامير إبليس ، والخمر جماع الإثم ، والنساء حبالة الشيطان ، والشباب شعبة من الجنون ، وشر المكاسب كسب الربا ، وشر المآكل مال اليتيم ، والسعيد من وعظ بغيره ، والشقي من شقي في بطن أمه ، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربع أذرع ، والأمر بآخره، وملاك العمل خواتمه ، وشر الروايا روايا الكذب ، وكل ما هو آت قريب ، وسباب المؤمن فسوق ، وقتال المؤمن كفر ، وأكل لحمه من معصية الله ، وحرمة ماله كحرمة دمه ، ومن يتأول على الله يكذبه ، ومن يغفر يغفر له ، ومن يغضب يغضب الله عنه ، ومن يكظم الغيظ يأجره الله ، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله .
- ومن يتبع السمعة يسمع الله به ، ومن يصبر يضعف الله له ، ومن يعص الله يعذبه الله ، اللهم اغفر لي ولأمتي ، قالها ثلاثاً : استغفر الله لي ولكم)( ).
- ففي الحديث أعلاه يطلق النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على القرآن أحسن القصص لبيان قانون وهو أن كل قصة من القرآن هي من أحسن القصص .
- وعن (ابن مسعود قال : قالوا يا رسول الله ، لو قصصت علينا ، فنزلت { نحن نقص عليك أحسن القصص }( ) .
- وأخرج ابن جرير ، عن عون بن عبد الله قال : مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ملة ، فقالوا : يا رسول الله ، حدثنا ، فأنزل الله تعالى { الله نزل أحسن الحديث }( ) ثم ملوا ملة أخرى فقالوا : يا رسول الله ، حدثنا فوق الحديث ودون القرآن – يعنون القصص – فأنزل الله { الر تلك آيات الكتاب المبين }( ) هذه السورة ، فأرادوا الحديث ، فدلهم على أحسن الحديث . وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص) ( ).
- ويدل عليه أيضا عموم الحكم .
- لقاعدة المورد لا يخصص الوارد , وإن كان الأولى تسمية هذه القاعدة المورد لا يخصصه الوارد .
- أو المورد لا ينحصر بالوارد وأحسن القصص هو المورد.
- أو الوارد لا يخصص عموم الحكم, وقصة يوسف هو الوارد.
- وقاعدة انتفاء خصوصية المورد .
- ولكن يتجلى في المقام العموم في الحكم لصبغة القرآنية ولوجود قاعدة كلية , وهو الذي يتعين في المقام , لذا فإن مورد وموضوع أحسن القصص وهو قصص القرآن لا يختص بالوارد وهو قصة يوسف .
- وقاعدة إلغاء خصوصية المورد , فصحيح أن الآية وردت في ثنايا قصة يوسف , إلا أن صبغة وحكم أحسن القصص عامة , كالذي يسأل عن الشك في القراءة ، فيأتيه جواب يتعلق بترك الشك مطلقاً .
- وقد تكرر قوله تعالى [وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ] ( ) في الثناء على الأنبياء والإخبار بما رزقهم الله عز وجل من الشأن الرفيع والمنزلة السامية ، فمثلاً في يوسف ورد قوله تعالى [وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ] ( ) .
- وكذا في موسى عليه السلام مع إضافة نعمة أخرى وهي الإستواء بقوله تعالى [وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ] ( ) وكذا في نوح وإبراهيم، قال تعالى [وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ] ( ).
- وقد ورد لفظ [وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ] ( ) تسع مرات في القرآن ، والمراد الجزاء في الدنيا والآخرة .
- و(أحسن) اسم تفضيل , وهو وصف مشتق من المصدر على وزن أفعل ويكون بين شيئين أو أكثر في صفة مخصوصة ، وزاد أحدهما على غيره بالحسن , أو بالصفة المذكورة في الجملة مثل : أفضل , أجود , أكرم , لبيان المفاضلة وهو يراد منه اسم الفاعل أو الصفة المشبهة كما في قوله تعالى [وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] ( ).
- وكل شئ هين على الله عز وجل[ إنما أمره إذا أراد شيئاَ أن يقول كن فيكون] ( ).
- وقد صدرلي كتاب (تفسير سورة يوسف) والمسجل برقم الإيداع في دار الوثائق والكتب ببغداد برقم 272 لسنة 1991.
- وقد ذكرت يومئذ في تفسير الآية أن (نحن) لغة الجمع للتعظيم تسمعها مستجيبة السموات والأرض ومن فيهن من غير إنكار لفضل الله سبحانه على رسوله وعلى المسلمين أن يقص أحسن المعاني في ذروة البلاغة وعذوبة الألفاظ ، وفيها أخبار الأمم السابقة .
- وذكرت فيه عن الإمام الباقر عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, قال : من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين)
- وهل تدخل فيه القراءة في صلاة المغرب والعشاء أم لا , المختار أن القراءة في الصلوات الخمس تدخل فيه , أحسن القصص الخبر يحتمل لإفادة الجملة الخبرية في القرآن الصدق والحق.
- وتحتمل قصة يوسف وجهين :
- الأول : إنها قصة متحدة .
- الثاني : في سورة يوسف وحياته قصص متعددة .
- والمختار هو الثاني .
- فقوله تعالى [وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ]( ).
- قصة كاملة بمفردها فرآى يوسف البرهان من الله عز وجل مع تعدد مصاديق هذا البرهان وذكرت الآية صرف الله عز وجل السوء والفحشاء مجتمعين ومتفرقين عن يوسف عليه السلام لإفادة العطف المتعدد بينهما متعدد وهو من عطف الخاص على العام , والأشد على الشديد ، لأن الفحشاء أشد قبحاً .
- والنسبة بين [أَحْسَنَ الْحَدِيثِ] ( ) و[أَحْسَنَ الْقَصَصِ]( ) هي العموم والخصوص المطلق .
- والحديث أعم ليكون أحسن في أحسن , ويمكن استقراء مسألة أصولية منه وهي تقسيم المطلق في باب المطلق والمقيد إلى أقسام :
- الأول : المطلق العام .
- الثاني : المطلق الخاص .
- الثالث : المقيد العام .
- الرابع : المقيد الخاص .
- فأحسن القصص من المطلق الخاص بلحاظ أحسن الحديث لأن المراد القرآن كله وما فيه من العبادات والأحكام والسنن .
- ومن الإعجاز في قصص القرآن أن كل قصة منها تتضمن أموراً :
- الأول : البعث على الصبر وتحمل الأذى في جنب الله ، وسيأتي في (قانون صبر الأنبياء إزدراء للإرهاب ) .
- وقد يكون الصبر بسبب إبتلاء خاص كما في مرض أيوب واجتهاده بالدعاء من مقام الرضا بقدر الله ، وكان عند أيوب أولاد كثيرون وأموال ودواب وأنعام وحرث ، وفي التنزيل [وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ] ( ).
- ولكن الإبتلاء الأشد والأكثر هو الأذى الذي يأتي من المشركين ، فمثلاً ورد في قصة نوح وأذى قومه له ، وفي التنزيل [قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ] ( ).
- وإذا كان قوم نوح يتوعدونه بالرجم فان قريشاً عزموا على قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم واجتمعوا في ليلة المبيت ليجهزوا عليه في فراشه ، لولا أن تفضل الله عز وجل وأرسل جبرئيل ليأمره بالهجرة إلى المدينة ، ومع أن بعضهم اقترح عليهم أن يتركوه وشأنه ، والتخلية بينه وبي ذؤبان العرب ، فان كان صادقاً كان النفع لقريش وإن قتله العرب أو الأعراب ليس على قريش بأس .
- لكنهم أبوا إلا تجهيز الجيوش لقتله وأصحابه .
- الثاني : من معاني ودلالات قصص القرآن أن كل قصة منها مواساة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعليم وتأديب للمسلمين ، وزاجر عن الإرهاب من جهات :
- الأولى : تقوم حياة الأنبياء بالصبر ، وتحمل الأذى .
- الثانية : مجئ شآبيب الرحمة للناس بالصبر .
- الثالثة : قبح الظلم وإنقطاع دابر الظالمين ممن كانوا يؤذون الأنبياء ويمنعونهم من تبليغ رسالاتهم ، كما في نمروذ وسعيه في قتل إبراهيم عليه السلام ، وفرعون وقهره لبني اسرائيل وإرادته قتل موسى عليه السلام
- الرابعة : وجوب نبذ الإرهاب , لتنزه الأنبياء عنه , قال تعالى [فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ] ( ).
- الثالث : الفضل العظيم من الله على الأنبياء , والحاجة العامة لهذا الفضل .
- الرابع : تجلي الإعجاز المتعدد في قصة كل نبي .
- وهل تدخل في [أَحْسَنَ الْقَصَصِ]( ) قصص الأنبياء التي وردت في السنة النبوية القولية , منها مثلا ما أخرجه ( ابن المنذر ، عن عمر مولى غفرة يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن إدريس كان نبياً تقياً زكياً ، وكان يقسم دهره على نصفين : ثلاثة أيام يعلم الناس الخير ، وأربعة أيام يسيح في الأرض ، ويعبد الله مجتهداً .
- وكان يصعد من عمله وحده إلى السماء من الخير مثل ما يصعد من جميع أعمال بني آدم ، وإن ملك الموت أحبه في الله ، فأتاه حين خرج للسياحة فقال له : يا نبي الله ، إني أريد أن تأذن لي في صحبتك . فقال له إدريس وهو لا يعرفه إنك لن تقوى على صحبتي .
- قال : بلى ، إني أرجو أن يقويني الله على ذلك ، فخرج معه يومه ذلك حتى إذا كان من آخر النهار مر براعي غنم ، فقال ملك الموت لإدريس : يا نبي الله ، إنا لا ندري حيث نمسي ، فلو أخذنا جفرة( ) من هذه الغنم فأفطرنا عليها؟ .
- فقال له إدريس : لا تعد إلى مثل هذا ، تدعوني إلى أخذ ما ليس لنا ، من حيث نمسي يأتي الله برزق! فلما أمسى أتاه الله بالرزق الذي كان يأتيه ، فقال لملك الموت : تقدم فكل .
- فقال ملك الموت : لا والذي أكرمك بالنبوة ما أشتهي .
- فأكل إدريس وقاما جميعاً إلى الصلاة ، ففتر إدريس وكلّ وملّ ونعس ، وملك الموت لا يفتر ولا يمل ولا ينعس ، فعجب منه وقال : قد كنت أظن أني أقوى الناس على العبادة فهذا أقوى مني! فصغرت عنده عبادته عندما رأى منه .
- ثم أصبحا فساحا ، فلما كان آخر النهار مرا بحديقة عنب فقال ملك الموت لإدريس : يا نبي الله ، لو أخذنا قطفاً من هذا العنب لأنا لا ندري حيث نمسي .
- فقال إدريس : ألم أنهك عن هذا وأنت حيث تمسي يأتينا الله برزق! فلما أمسى أتاه الله الرزق الذي كان يأتيه فأكل إدريس ، فقال لملك الموت هلم فكل .
- فقال : لا والذي أكرمك بالنبوة يا نبي الله ، لا أشتهي . فعجب! ثم قاما إلى الصلاة ففتر إدريس أيضاً ، وكلّ وملّ ، وملك الموت لا يكلّ ولا يفتر ولا ينعس .
- فقال له عند ذلك إدريس : لا والذي نفسي بيده ما أنت من بني آدم! فقال له ملك الموت عنده ذلك : أجل لست من بني آدم . فقال له إدريس : فمن أنت؟
- قال : أنا ملك الموت .
- فقال له إدريس : أمرتَ فيَّ بأمر؟
- فقال له : لو أمرت فيك بأمر ما ناظرتك ، ولكني أحبك في الله ، وصحبتك له .
- فقال له إدريس : يا ملك الموت ، إنك معي ثلاثة أيام بلياليها لم تقبض روح أحد من الخلق؟
- قال : بلى والذي أكرمك بالنبوة يا نبي الله ، إني معك من حين رأيت ، وإني أقبض نفس من أمرت بقبض نفسه في مشارق الأرض ومغاربها ، وما الدنيا عندي إلا بمنزلة المائدة بين يدي الرجل ، يمد يده ليتناول منها ما شاء . فقال له إدريس : يا ملك الموت ، أسألك بالذي أحببتني له وفيه ألا قضيت لي حاجة أسألكها؟ .
- فقال له ملك الموت : سلني ما أحببت يا نبي الله . فقال : أحب أن تذيقني الموت ، وتفرق بين روحي وجسدي حتى أجد طعم الموت ، ثم ترد إلي روحي .
- فقال له ملك الموت – عليه السلام – : ما أقدر على ذلك ، إلا أن استأذن فيه ربي ، فقال له إدريس – عليه السلام – فاستأذنه في ذلك . فعرج ملك الموت إلى ربه ، فأذن له ، فقبض نفسه وفرق بين روحه وجسده ، فلما سقط إدريس عليه السلام ميتاً ، رد الله إليه روحه ، وطفق يمسح وجهه وهو يقول : يا نبي الله ، ما كنت أريد أن يكون هذا حظك من صحبتي! فلما أفاق .
- قال له ملك الموت : يا نبي الله ، كيف وجدت؟ قال : يا ملك الموت ، قد كنت أحدث وأسمع ، فإذا هو أعظم مما كنت أحدث وأسمع! ثم قال : يا ملك الموت ، أريد منك حاجة أخرى قال : وما هي؟ قال : تريني النار حتى أنظر إلى لمحة منها .
- فقال له ملك الموت : وما لك وللنار ، إني لأرجو أن لا تراها ، ولا تكون من أهلها ، قال : بلى أريد ذلك؛ ليكون أشد لرهبتي وخوفي منها! فانطلق إلى باب من أبواب جهنم فنادى بعض خزنتها فأجابوه ، وقالوا : من هذا؟ .
- قال : أنا ملك الموت – فارتعدت فرائصهم – قالوا : أمرت فينا بأمر؟ فقال : لو أمرت فيكم بأمر ما ناظرتكم ، ولكن نبي الله إدريس – عليه السلام – سألني أن تروه لمحة من النار .
- ففتحوا له قدر ثقب المخيط فأصابه من حرها ولهبها وزفيرها ما صعق! فقال ملك الموت : أغلقوا! فأغلقوا ، فمسح ملك الموت وجهه وهو يقول : يا نبي الله ، ما كنت أحب أن يكون هذا حظك من صحبتي .
- فلما أفاق قال له ملك الموت : يا نبي الله ، كيف رأيت؟ قال : يا ملك الموت ، كنت أحدث وأسمع ، فإذا هو أعظم مما كنت أحدث وأسمع! فقال له : يا ملك الموت ، قد بقيت لي حاجة أخرى لم يبق غيرها . قال : وما هي؟ .
- قال : تريني لمحة من الجنة . قال له ملك الموت – عليه السلام : يا نبي الله أبشر! فإنك إن شاء الله من خيار أهلها ، وأنها إن شاء الله مقيلك ومصيرك.
- فقال : يا ملك الموت ، إني أحب أن أنظر إليها ، ولعل ذلك أن يكون أشد لشوقي وحرصي وطلبي! فذهب به إلى باب من أبواب الجنة ، فنادى بعض خزنتها فأجابوه ، فقالوا : من هذا؟
- قال : ملك الموت . فارتعدت فرائصهم .
- وقالوا : أمرت فينا بشيء؟ فقال : لو أمرت فيكم بشيء ما ناظرتكم ، ولكن نبي الله إدريس – عليه السلام – سأل أن ينظر إلى لمحة من الجنة فافتحوا .
- فلما فتح أصابه من بردها وطيبها وريحانها ما أخذ بقلبه فقال : يا ملك الموت ، إني أحب أن أدخل الجنة فآكل أكلة من ثمارها ، وأشرب شربة من مائها ، فلعل ذلك أن يكون أشد لطلبتي ورغبتي وحرصي . فقال : ادخل . فدخل فأكل من ثمارها ، وشرب من مائها .
- فقال له ملك الموت ، اخرج يا نبي الله ، قد أصبت حاجتك حتى يردك الله مع الأنبياء يوم القيامة . فاحتضن بساق شجرة من شجر الجنة وقال : ما أنا بخارج منها ، وإن شئت أن أخاصمك خاصمتك .
- فأوحى الله إلى ملك الموت ، قاضه الخصومة .
- فقال له ملك الموت : ما الذي تخاصمني به يا نبي الله؟
- فقال إدريس : قال الله تعالى { كل نفس ذائقة الموت }( ) فقد ذقت الموت الذي كتبه الله على خلقه مرة واحدة . وقال الله : { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً }( ) وقد وردتها ، أفأردها مرة بعد مرة؟ وإنما كتب الله ورودها على خلقه مرة واحدة ، وقال لأهل الجنة : { وما هم منها بمخرجين }( ) أفأخرج من شيء ساقه الله إليّ؟ .
- فأوحى الله إلى ملك الموت ، خصمك عبدي إدريس ، وعزتي وجلالي: إن في سابق علمي قبل أن أخلقه أنه لا موت عليه إلا الموتة التي ماتها ، وأنه لا يرى جهنم إلا الورد الذي وردها ، وأنه يدخل الجنة في الساعة التي دخلها ، وأنه ليس بخارج منها ، فدعه يا ملك الموت ، فقد خصمك وإنه احتج عليك بحجة قوية .
- فلما قرّ قرار إدريس في الجنة ، وألزمه الله دخولها قبل الخلائق ، عجب الملائكة إلى ربهم فقالوا : ربنا خلقتنا قبل إدريس بكذا وكذا ، ألف سنة ، ولم نعصك طرفة عين ، وإنما خلقت إدريس منذ أيام قلائل ، فأدخلته الجنة قبلنا؟ .
- فأوحى الله إليهم : يا ملائكتي ، إنما خلقتكم لعبادتي وتسبيحي وذكري، وجعلت فيها لذتكم ، ولم أجعل لكم لذة في مطعم ولا مشرب ولا في شيء سواها ، وقوّيتكم عليها ، وجعلت في الأرض الزينة والشهوات واللذات والمعاصي والمحارم ، وإنه اجتنب ذلك كله من أجلي ، وآثر هواي على هواه ، ورضاي ومحبتي على رضاه ومحبته .
- فمن أراد منكم أن يدخل مدخل إدريس فليهبط إلى الأرض ، فليعبدني بعبادة إدريس ، ويعمل بعمل إدريس ، فإن عمل مثل إدريس أدخله مدخل إدريس ، وإن غير أو بدل استوجب مدخل الظالمين .) ( ).
- والمختار أن القدر المتيقن من أحسن القصص هو ما ورد في القرآن , وتقدير الآية : نحن نقص عليك أحسن القصص في القرآن ) نعم تعقبها القصص التي يرويها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتي هي شعبة من الوحي ، فلم تقل الآية (نقصص عليكم ) للدلالة على الحصر بقصص القرآن فلا يقص النبي على نفسه .
- قانون المطلق والمقيد في آيات الدفاع
- هذا العنوان جديد في موضوعه , وإدخال لعلم الأصول في موضوع مهم في القرآن وهو آيات القرآن , ونحن ندرس وندّرس المطلق والمقيد في علم الأصول , وثمرته أنه يوظف في دلالته في مسائل علم الفقه , ولكن هذا المبحث يتعلق بخصوص آيات القتال.
- والمطلق لغة : هو التسريح والتخلية والإرسال , ومنه إطلاق الأنعام في المرعى ومنه طلاق المرأة .
- أما في الإصطلاح فهو ما دل على شائع في جنسه وإرادة الماهية ونفس الحقيقة كما ورد في التنزيل [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً]( ).
- و(عن الإمام الرضا عليه السلام قال : ولو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم” قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر “( ) يعني لا صغيرة ولا كبيرة) ( ).
- وورد لفظ [قَالُوا ادْعُ] ( ) ثلاث مرات في القرآن في ثلاث آيات متتالية من سورة البقرة كلها خاصة بذات الموضوع , [وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا] ( ).
- وقيل المطلق هو النكرة في سياق الإثبات , ومن النحاة من لم يفرق بين المطلق والنكرة , وتتعلق الأحكام بالأفراد وليس الماهيات .
- واسم الجنس فرد شائع مثل قلم يدخل عليه الألف واللام لأنه نكرة .
- أما علم الجنس فهو ماهية مثل (زيد) فهو معرفة لا تدخل عليه الألف واللام .
- والمقيد هو اللفظ الدال على الماهية مع قيد من قيودها , وإذا ورد الخطاب مرة مطلقاً وآخر مقيداً ففيه صور :
- الأولى : إتحاد السبب والحكم , فيحمل المطلق على المقيد , كما في قوله تعالى [إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ] ( ).
- ولكن بيّن القرآن أن ميتة البحر خارجة عن هذا التحريم كما في قوله تعالى [أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ]( ).
- وكذا بالنسبة للدم إذ أن التقييد في ذات الدم المحرم في قوله تعالى [إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً] ( ) فالدم الذي في الكبد أو الحمرة التي تعلو القدر عند الطبخ بسبب تقطيع اللحم ليس بحرام .
- وعن (عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحلت لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد ، والكبد والطحال) ( ).
- الثانية : إختلاف السبب والحكم , فلا يحمل المطلق على المقيّد كما في قوله تعالى [فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ] ( ).
- أما في آية حكم السرقة في قوله تعالى [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاًمِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] ( ).
- فالسرقة موضوع مختلف , واختلف في محل القطع على وجوه :
- الأول : القطع من الكوع , وهو مفصل الزند من الرسغ أي مفصل الكف , يقابل الكوع الكرسوع .
- الثاني : القطع من المرفق , والمذكور في آية الوضوء بصيغة الجمع بقوله تعالى [إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]( ) .
- الثالث : القطع من رؤوس الأصابع فقط , وهو المروي عن الإمام الجواد عليه السلام في احتجاجه على الفقهاء في مجلس الخليفة العباسي المعتصم .
- الرابع : قطع الأصابع مع ترك الإبهام والراحة , وهو المروي في المرسل عن الإمام علي عليه السلام (أنه كان إذا قطع السارق ترك الابهام والراحة، فقيل له : يا أمير المؤمنين عليه السلام تركت عامة يده ؟
- قال: فقال لهم: فان تاب فبأي شئ يتوضأ، لأن الله يقول: ” والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا ” من الله فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله غفور رحيم( )) ( ).
- وقالوا إن قوله تعالى [وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] ( ) في كفارة الظهار , أو كفارة اليمين [لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ( ) مقيدة بقوله تعالى [فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا]( ).
- ويكاد يكون عليه الإجماع والمختار عدم التقييد والإطلاق في تحرير رقبة في آية الظهار للتباين والإختلاف في السبب , ولبيان السعة في تحرير العبيد والإماء , وعدم التحرج من إحتمال كون العبد الذي يرام تحريره ليس بمؤمن , وعلى فرض الإطلاق يشمل تحرير الكتابي والذمي .
- قانون لا تعتدوا
- الإعتداء : تجاوزالحد ، والإيذاء والظلم ، ويقال (أعتدى ) عليه المعجم الوسيط .
- والنسبة بين البغي والإعتداء عموم وخصوص مطلق ، فالبغي أعم ، وكذا بالنسبة للظلم ، والإعتداء نوع مفاعلة ، وفيه أطراف :
- الأول : المعتدي .
- الثاني : موضوع الإعتداء .
- الثالث : المعتدى عليه .
- الرابع : أثر وضرر الإعتداء ، وهذا الضرر مركب من جهات :
- الأولى : الضرر على المعتدى عليه .
- الثانية : الضرر على المعتدي نفسه .
- الثالثة : الضرر على غير طرفي الإعتداء وإشاعة السيئة والإضرار بالنظام العام .
- الرابعة : الضرر الدنيوي .
- الخامس : الضرر الأخروي ، وفي هذا الزمان جاء الإضرار من الإرهاب إلى الدول والمؤسسات والعوائل ، وصيرورة بعض النساء أرامل والأولاد ايتاماً.
- أما قوله تعالى [فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ]( ) فالأعتداء الأول من المشركين ظلم ، أما الإعتداء الثاني فهو جزاء وزجر عن تكرار تعد المشركين ، وإن وافقه في اللفظ ، وهذه الموافقة للبيان وبعث الخوف في قلوب المشركين ، وهو من مصاديق قوله تعالى [سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ] ( ) .
- وورد لفظ [لاَ تَعْتَدُوا] مرتين في القرآن , وكلاهماخطاب للمسلمين وهما:
- الأول : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ( ).
- الثاني : [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] ( ).
- وجاءت الآية بصيغة الجمع بواو الجماعة لتجدد الخطاب لأجيال المسلمين , وإستدامة الحكم إلى يوم القيامة .
- ومع أن آية البحث(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ( )من آيات القتال فقد قيل أنها منسوخة أيضاً ، فمع أننا نقول بأن آيات السلم غير منسوخة ، يطل علينا قول بأن آيات القتال منسوخة لما هو أشد في ضروب القتال ، إذ نسب الطبري إلى القيل نسخ هذه الآية وهو تضعيف له ، كما أنه ذكر قولاً أخر بأنها ليست منسوخة .
- فقال بعضهم هذه الآية أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك، وقالوا : أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين ، والكف عمن كف عنهم ، ثم نسخت بـ (براءة ) ( ).
- ونسب هذا القول إلى الربيع .
- (وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره للمسلمين بقتال الكفار، لم ينسخ. وإنما الاعتداءُ الذي نهاهم الله عنه، هو نهيه عن قتل النساء والذَّراريّ. قالوا: والنهي عن قتلهم ثابتٌ حُكمه اليوم. قالوا: فلا شيء نُسخ من حكم هذه الآية)( ).
- أي حتى الذي لم يقل بالنسخ إنما قال بأن القدر المتيقن من عدم التعدي هو النهي عن قتل النساء والذراري ، والربيع بن خثيم الثوري تابعي كوفي.
- ولم يرد قول بالنسخ في الآية عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن الصحابة ولا أهل البيت ، ولو كان لبان .
- ويمكن أن نؤسس قاعدة وهي :
- لو دار الأمر بين قول التابعي مثل الحسن البصري والربيع ومجاهد وسفيان الثوري وابن زيد بنسخ الآية وبين عدمه فالأصل هو عدمه .
- وحتى نسبة القول بالنسخ إلى الصحابة لابد من التحقق من سندها ووثاقة رجال السند وفق قواعد علم الرجال ، وأن الخبر ليس مرسلاً أو منقطعاً .
- ومثلاً قد يرد عن ابن عباس خبران متعارضان سواء في نسخ آية مخصوصة أو غيره مما يرجح معه على أن أحدهما غير صحيح .
- وإلى جانب علم الرجال يحقق في الخبر من جهة علم الدراية ومتن الحديث .
- ويطل قانون ( لا تعتدوا) خمس مرات في كل يوم على المسلمين في الصلوات اليومية ، وفيه زجر عن الإرهاب وعن القتل العشوائي وعن التفجيرات ، وهل الارهاب وإخافة الناس في بيوتهم وأسواقهم ومنتدياتهم من الإعتداء أم أن القدر المتيقن من الإعتداء هو المبرز الخارجي ومصداق الإعتداء .
- الجواب هو الأول ، فلا يصح إخافة الناس الآمنين بغير حق .
- ترى ما هي النسبة بين (لا تعتدوا) وبين (لا تعتدون).
- المختار هو نسبة الأصل والفرع ، إذ يترشح عن (لا) الناهية في التنزيل (لا) الخبرية في إمتثال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين لأحكام الآية .
- وتتجلى عن الجمع بين قانون (لا تعتدوا) وقانون [إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] ( ) مسائل أخرى مستقلة , غير المسائل الخاصة بكل قانون منهما .
- وتقدير (ولا تعتدوا) من جهة الأفراد والتثنية والجمع على وجوه :
- الأول : يا أيها المسلم لا تعتدِ .
- الثاني : يا أيتها المسلمة لا تعتدي , لبيان أن الإعتداء المنهي عنه أعم من ميدان القتال .
- الثالث : يا أيها المسلمان لا تعتديا
- الرابع : يا أيها المسلمتان لا تعتديا .
- الخامس : يا أيتها المسلمات لا تعتدين .
- السادس : يا أيها الذين آمنوا لا تعتدوا .
- والمراد من الذين آمنوا كل من آمن بالدعوة الظاهرة ونطق بالشهادتين فيدخل فيهم المنافقون ، فالنسبة بين الذين آمنوا ويا أيها المؤمنون العموم والخصوص المطلق .
- وتضمنت آية البحث :
- الأول : العطف على الآية التي بعدها [وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ) وهذه الواو تفيد العطف والإستئناف وأن قيل في صناعة النحو أنها عاطفة ، إذ أن تقسيم الواو إلى عاطفة واستئنافية تقسيم استقرائي متأخر عن نزول القرآن، وكما في أسباب النزول أن المدار على عموم المعنى ، فكذا بالنسبة للواو ، فقد تكون عاطفة ، وقد تكون استئنافية ،وتبين الآية آداب الدفاع ، وتدعو للإقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في سيرته .
- الثاني : الأمر بالقتال والدفاع وجاءت الآية بصيغة الجمع لمنع التكاسل والقعود عن الدفاع ، وفي التنزيل [الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ]( ).
- وهذا القتال مقيد وليس مطلقاً ، مقيد بأنه خاص عند قيام المشركين بالقتال.
- وتحتمل صيغة الجمع وجوهاً :
- الأول : إرادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإكرامه بصيغة الجمع .
- الثاني : المقصود خصوص المؤمنين .
- الثالث : عامة الصحابة من المهاجرين والأنصار ، وشمول المنافقين معهم مثل عبد الله بن أبي بن أبي سلول والجد بن قيس .
- والمختار هو الثالث ، ويدل عليه نظم وسياق الآيات ، إذ أن هذه الآية معطوفة على آيات الصيام التي تبدأ بقوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] ( ) وهذا الشمول دليل على أن القتال إنما هو دفاع ، والتقدير على وجوه :
- الأول : يا أيها الذين آمنوا دافعوا عن النبوة ، والمراد من الدفاع عن النبوة مطلق لإرادة تعاهد توثيق النبوات في القرآن ، وذكر أسماء الأنبياء والإقتداء بهم ، قال تعالى [أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ] ( ).
- الثاني : الدفاع عن شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان المشركون يسعون لقتله ، فإن قلت لقد خطط المشركون لإغتيال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقتله غيلة حتى بعد هجرته إلى المدينة , فهل يشمله قول قاتلوا بسبب سعي المشركين لإغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم , أم أن إرادة هذا الإغتيال قضية في واقعة , ومسألة عين شخصية .
- الجواب هو الثاني ، فارادة الإغتيال ليست قتالاً ، وهو من البيان والإعجاز في مجئ آية البحث بصيغة الجمع [الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ] ( ).
- وابتدأت محاولات قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة , ثم تعددت واشتدت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولا فضل الله عز وجل بصرفها والوقاية منها .
- الثالث :الدفاع عن القرآن وتوالي نزول آياته وتأكيد صدق نزولها من عند الله عز وجل .
- الرابع : الدفاع عن نهج في سبيل الله ، لأن المشركين يحاربون هذا السبيل ويصدون الناس عنه ، قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلاَلاً بَعِيدً] ( ).
- الخامس : القتال للدفاع عن النفس والعرض والمال ، ففي معركة أحد صار المشركون على بعد (6) كم من المسجد النبوي ، وهم يهمون باقتحام المدينة ، وهل إطلالة جيوشهم على المدينة يومئذ من الغزو ، أم أن الغزو لا يتحقق إلا إذا هجموا على المدينة أو حاصروها كما في معركة الخندق ، الجواب هو الأول .
- إحصائية في المنسوخ
- النسخ لغة الإزالة والمحو , ويقال نسخت الشمس الظل ، وقد يأتي النسخ بمعنى التحويل والتبديل والتغيير .
- والنسخ في الإصطلاح هو رفع حكم شرعي سابق بدليل شرعي لاحق ومتأخر عنه ، ولا يكون النسخ إلا من عند الله عز وجل لذا يمكن القول أن أطراف النسخ هي :
- الأول : الآمر بالنسخ وهو الله عز وجل الذي يقوم بالنسخ ، فهو الذي له المشيئة المطلقة ، وهو أعلم بالعباد والرؤوف بالمؤمنين الذي يخفف عنهم بحكمته ولطفه ، وفي التنزيل [وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ] ( ).
- الثاني : المنسوخ ، وهو الحكم المرفوع الذي يطرأ عليه النسخ ويزول العمل به على فرض ثبوت شروط نسخه ، قال تعالى [مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ).
- الثالث : الحكم الناسخ ، وهو الحكم اللاحق والمتأخر مع إتحاد الموضوع بين المنسوخ والحكم الناسخ ولا يمكن الجمع بينهما .
- الرابع : النسخ وهو الآية التي تفيد النسخ الخاص بموضوع معين أو ورود دليل يدل على النسخ ، وقد يكون النسخ في السنة النبوية بأن ينسخ حديث أو فعل لاحق للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً أو فعلاً سابقاً له .
- ويكون النسخ في الأحكام الشرعية ويمكن تفسيره إلى أقسام :
- الأول : نسخ الحكم القرآني بحكم قرآني لاحق ، كما في قوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ] ( ) فانه منسوخ بقوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ) .
- الثاني : نسخ السنة بالقرآن ،كما في توجه النبي والمسلمين ستة عشر شهراً بعد الهجرة إلى بيت المقدس في صلاتهم ، حتى نزل قوله تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] ( ) .
- ونسخ صيام ثلاثة أيام في الشهر عند نزول قوله تعالى [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ( ) .
- الثالث : نسخ السنة بالسنة النبوية ومنه ما ورد عن الإمام علي عليه السلام (قَالَ
- إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَعَنْ الْأَوْعِيَةِ وَأَنْ تُحْبَسَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ قَالَ إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَوْعِيَةِ فَاشْرَبُوا فِيهَا وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مَا أَسْكَرَ وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ أَنْ تَحْبِسُوهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَاحْبِسُوا مَا بَدَا لَكُمْ) ( ) .
- وقول النبي (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ) يدل على ثبوت النهي في السابق وحلول الإذن بخلافه .
- ويقسم هذا الوجه من النسخ إلى أقسام :
- الأول : نسخ السنة المتواترة بالسنة المتواترة ، أي أن كل طرف منهما يرويه جماعة عن جماعة مع ثبوت تقدم زمان المنسوخ وتأخر زمان الناسخ فعلاً أو قولاً .
- الثاني : نسخ خبر الآحاد بالحديث المتواتر لأن التواتر أقوى , وأظهر وأبين في الحجة .
- الثالث : عدم نسخ الحديث المتواتر بخبر الآحاد , وهو المشهور لأن المتواتر بمرتبة قطعي الصدور بخلاف خبر الواحد وهو ظني الصدور , والقطعي أقوى من الظني .
- وقال ابن حزم وجماعة بجواز نسخ حديث الآحاد للمتواتر , وأنه إذا صح خبر الآحاد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يفيد العلم , ولكن لابد من لحاظ القرائن , وللتباين بين المتواتر والسند المنفرد .
- الرابع : نسخ خبر الآحاد بالآحاد ، لأنهما بمرتبة واحدة ، أي يرويه شخص واحد أو اثنان وقيل ثلاثة في أي طبقة منه ، ولم يصل إلى مرتبة الحديث المتواتر وشروطه .
- واستدل على الإشتراك وعدم التفريق بين خبر الآحاد الصحيح والخبر المتواتر بقوله تعالى [وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] ( ) بلحاظ انطباق لفظ الطائفة على الواحد .
- ولا دليل على هذا الإستدلال ، إذ تدل الآية على إرادة الجمع من لفظ الطائفة من جهات :
- الأولى : الأصل في الطائفة إرادة الجماعة , والطائفة من الشئ : القطعة منه , وتأتي الطائفة بمعنى الشعب , والفئة , والجماعة , والشرذمة , وفي قوله تعالى [فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ] ( ) .
- وأفادت النصوص بكثرة بني إسرائيل الذين خرجوا مع موسى عليه السلام وطلبهم فرعون من قبل وجنوده الذين هلكوا في البحر الأحمر.
- وعن ابن عباس قال : (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أصحاب موسى الذين جاوزوا البحر اثني عشر سبط ، فكان في كل طريق اثنا عشر ألفاً كلهم ولد يعقوب عليه السلام)( ) أي يكون مجموع عددهم هو (144000) مائة وأربعة وأربعون ألفاً .
- والطرف , قال تعالى [لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ]( ).
- الثانية : صيغة الجمع , وواو الجماعة في قوله تعالى [طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا] ( ) والتفقه في الدين يلزم أطرافاً :
- الأول : الأستاذ .
- الثاني : طالب الفقه والمتعلم .
- الثالث : التفقه .
- الرابع : مادة ووسيلة التفقه سواء كانت نظرية أو عملية , ومنه بيان آيات الأحكام والقواعد الفقهية .
- الثالثة : إرادة التخصص بطلب الفقه والسعي للإجتهاد فيه باستنباط الأحكام من الكتاب والسنة وليس بالرأي .
- الرابعة : صيغة الجمع في قوله تعالى [وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ]( ).
- إذ يتكرر الضمير (هم) مرتين في الشطر أعلاه من الآية , وإذا كانت الشهادة على فعل أو وصية أو دين تستلزم شاهدين عدلين وإن كان مبلغ الدين قليلاً , فمن باب الأولوية أن يكون الإنذار المترشح عن الفقاهة متعدداً .
- الخامسة : بيان أن التفقه وإحراز مراتب عالية فيه فرض كفاية , وقد يكون فرض عين على بعض الفقهاء والعلماء , إذ أن كثرة المشتغلين به والمتصدين له سبب لتعطيل المعاشات , وللتباين بين موضوع الفقاهة وحمل الرواية سواء كان حملها من شخص واحد كما في خبر الواحد ,أم من قبل جماعة متعددين , وقد يحمل شخص الرواية , وتروى عنه في كتب الحديث , وهو ليس فقيهاً , والنسبة بين المحدث والفقيه هو العموم والخصوص المطلق .
- قانون انتقال الصحابة إلى الأمصار كاشف عن قلة النسخ في القرآن
- ليس من حصر للمعجزات التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والشواهد التي تدل على صدق نبوته والتي تتجلى أفراد مستحدثة منها في كل زمان مع أنها ذات السنة القولية والفعلية ليس فيها زيادة ، ولكل نبي صحابة وأتباع .
- وقد يبعث النبي لأهل بيته ولنفسه وهو فرد نادر ومع هذا أيضاً يكون له أصحاب يشهدون المعاني القدسية التي يتضمنها قوله وفعله ، والتي تترشح عنهما مجتمعين ومتفرقين .
- لقد أحب الله عز وجل النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وقرن اسمه في فصول الأذان مع اسمه تعالى ، إذ يقول المؤذن خمس مرات في اليوم :
- الله أكبر الله أكبر
- الله أكبر الله أكبر .
- أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله
- أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
- أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى آخر فصول الأذان.
- ليكون من منافع الأذان اليومي التذكير بالقرآن والسنة ، والدعوة لتعاهد كل منهما ، وهو الأمر الذي أدركه الصحابة ، وكانوا يحرصون على الإنصات للوحي ولخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلامه ، وكان بعض الصحابة ولبعد مساكنهم عن المسجد النبوي يتناوبون في الحضور بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليخبر أحدهما صاحبه عن وقائع ذلك اليوم.
- وقد ورد عن عمر بن الخطاب أنه قال (إني كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فينزل يومًا وأنزل يومًا فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك)( ).
- نعم من الصحابة من يكون بيته مجاوراً لبيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث غلق الأبواب على المسجد إلا باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وباب علي عليه السلام.
- وهذا التناوب من مصاديق قانون مؤاخاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار ، ومن هذه الأخبار :
- الأول : ما ينزل من القرآن في ذات اليوم .
- الثاني : أسباب نزول الآية أو الآيات القرآنية إن وجدت لها أسباب .
- الثالث : تفسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم للآيات النازلة في ذات اليوم أو الأيام والأشهر والسنين السابقة .
- الرابع : خطبة أو خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحديث النبوي في ذات اليوم .
- الخامس : السنة الفعلية وما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذات اليوم ، وكل قول وفعل للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاح والإصلاح .
- السادس : أداء الصلاة في المسجد النبوي .
- السابع : أخبار قريش ومن والاهم وتجهيزهم الجيوش ضد المدينة المنورة.
- قانون عدم نسخ القرآن بالسنة النبوية
- ليس من حصر لعلوم القرآن ، ومنها علم الناسخ والمنسوخ ، بأن يأتي حكم لاحق ينسخ حكماً أو فعلاً سابقاً ، والإجماع على وجود النسخ في القرآن ، ولا عبرة بالقليل النادر والذي خالف الإجماع ، ولكن من العلماء من توسع وأكثر من النسخ من جهات :
- الأولى : ورود قول بنسخ آية واحدة ل(124) آية كما قيل في نسخ آية السيف لآيات الصفح والسلم والصلح والموادعة .
- الثانية : تعدد وكثرة الآيات المنسوخة .
- الثالثة : ترك إمكان الجمع بين الآيتين التي يقال أن النسبة بينهما النسخ .
- الرابعة : عدم الوقوف عند أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة وأئمة أهل البيت من النسخ ، ولعله نسب إلى ابن عباس أقوال في نسخ آيات متعددة بالإرسال أو بطرق ضعيفة السند أو منقطعة ، وفي ذات الوقت الذي ترد عنه أخبار بما يدل على أن هذه الآيات غير منسوخة.
- وهناك موضوع في النسخ يتعلق بامكان نسخ السنة النبوية للقرآن أو عدمه ، والمختار عدم نسخ السنة للقرآن.
- ويجتهد المحققون في ذكر أسماء كل من المجوزين وأسماء المانعين لهذا النسخ ، ولو لاحظت الأسماء لوجدتهم من تابعي التابعين ، صحيح أن بعضهم أئمة مذاهب .
- فمثلاً ذهب مالك ت 179هجرية والحنفية إلى جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة لإنتفاء المانع منه عقلاً وشرعاً ، ولقوله تعالى [وَمَا ينطق عن الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى] ( ) ولقول النبي (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ( ).
- أما الشافعي ت(676)هجرية , وأحمد بن حنبل ت(780) هجرية في احدى روايتين عنه فذهبا إلى القول بعدم جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة,
- ومن المناسب في المقام ذكر الآيات التي تدل على أن وظيفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيان الأحكام ، قال تعالى [وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] ( ).
- فوظيفة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تبليغ وبيان الأحكام ، والعمل بمضامينها , ومنه التخصيص والتقييد في حال ثبوته , وليس نسخها، ومع أن المختار عدم نسخ السنة للقرآن إلا أن وظائف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعم من البيان لذا أشكل على هذا الإستدلال بانتفاء الدليل أو الأمارة على الحصر ، وليس من أداة من أدوات الحصر في الآية .
- إن قصر عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبيان مناف لوظيفته في التشريع ، والذي يدل عليه قوله تعالى [وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] ( ).
- ومسألة النسخ لا صلة لها بالتقليد والمذاهب إنما يرجع فيها إلى القرآن والسنة ، واجتهد العلماء في موضوع نسخ السنة للقرآن من عدمه ، وهناك مسائل :
- الأولى : لو سألت صحابياً هل كانوا يعتقدون بأن السنة تنسخ القرآن ، وهل ظهرت هذه المسألة في منتدياتهم وأقوالهم ، الجواب لا ، فمن خصائص أيام التنزيل أن السنة النبوية لا تنسخ القرآن .
- الثانية : يستقرأ العمل بالسنة من القرآن ، قال تعالى [وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] ( ) .
- وهل يختص الإتيان والنهي الوارد في الآية أعلاه بالأمر والنهي الوارد في السنة النبوية سواء كان يتضمن الوجوب أو الحرمة , وهما الأصل أو الإستحباب والكراهة بلحاظ القرائن .
- الجواب لا ، إذ المراد منهما ما ورد في القرآن والسنة من الأحكام بلحاظ أن السنة النبوية مرآة وبيان للقرآن ، قال تعالى [مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ]( )، وقال [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي]( ).
- ولبيان قانون سماوي وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يأمر إلا بكل ما هو خير ، ولا ينهى إلا عن الشر وما فيه الضرر .
- وعن مسروق قال: جاءت امرأة إلى ابن مسعود فقالت: بلغني أنك تنهى عن الواشمة والواصلة، أشيء وجدته في كتاب الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
- قال : بلى، شيء وجدته في كتاب الله وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
- قالت: والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول ، قال: فما وجدت فيه: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ( )قالت: بلى.
- قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة. قالت: فلعله في بعض أهلك. قال: فادخلي فانظري.
- فدخلت فَنَظرت ثم خرجَت، قالت: ما رأيتُ بأسا. فقال لها: أما حفظت وصية العبد الصالح {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ }( ).
- الثالثة : من الإعجاز في المقام نسبة تبديل الآيات إلى الله عز وجل ، قال تعالى [وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] ( ).
- فنسب الله عز وجل التبديل في الآيات له سبحانه وأخبر عن كون هذا التبديل من التنزيل .
- والقرآن قطعي الصدور من عند الله ، وهو سالم من التحريف والزيادة والنقيصة وليس من حصر لأسباب وسبل حفظ القرآن ، وهي متجددة في كل زمان مع إستدامة تلاوة كل مسلم ومسلمة آيات القرآن كل يوم وقد ورد (عن قتادة في قوله { وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ }( ) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول : بلغوا عن الله ، فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله .
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ من طريق قتادة عن الحسن : أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : يا أيها الناس بلغوا ولو آية من كتاب الله ، فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله أخذها أو تركها .
- وأخرج البخاري وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) ( ) .
- والمراد من الآية في التبليغ مطلق آيات القرآن مما يدل على اتصال وبقاء موضوع وأحكام ودلالة آيات القرآن ، وأن السنة لا تنسخ القرآن .
- وهذا لا يعني التشكيك بثروة المسلمين من الأحاديث النبوية والتي اجتهد الصحابة وأهل البيت والتابعون في ضبطها وطرح ما ليس من السنة .
- الرابعة : من إعجاز القرآن إنحصار النسخ به ، وتأخر النسخ عن كل من:
- الأول : الجمع بين آيات القرآن .
- الثاني : تفسير آيات القرآن بعضها لبعض .
- الثالث : بيان وتفسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لآيات القرآن وعمله بمضامينها قبل أن يغادر الدنيا .
- الخامسة : من الشواهد السماوية على أن السنة لا تنسخ القرآن قوله تعالى [وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي] ( ) وقد يقال أن نسخ السنة للقرآن إنما هو من الوحي وليس من تلقاء نفس النبي ، ولكن لا تصل النوبة إليه .
- وقيل أن القرآن قطعي الصدور ظني الدلالة أما الشطر الأول فصحيح ، وأما الشطر الثاني فليس بصحيح إذ أن الظن لا يفيد القطع ، وآيات القرآن بيان جلي ونص ظاهر ، وإذا كانت الآية القرآنية تحمل وجوهاً متعددة فلا يعني هذا أنه ظني الدلالة ، ولو قيل القرآن قطعي الصدور متعدد الدلالة لكان أنسب في المقام .
- قانون النسخ إلى البدل
- من إعجاز القرآن أنه حرز من الإختلاف والنزاع ومن المنافع في المقام الحيلولة دون ترتب الشقاق والخصومة على هذا الإختلاف في حال حصوله، وفيه تخفيف آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين في موضوع النسخ .
- لقد أراد الله عز وجل للمسلمين اتقان الفرائض ، فحال دون أسباب ومقدمات الإنشغال عنها ومن هذه الأسباب كثرة النسخ ، لذا فالمختار هو قلة النسخ في القرآن.
- ومن الآيات في المقام تلقي الصحابة نزول القرآن وفي ميدان العمل بأحكام آيات القرآن بالتصديق والقبول والعمل بمضامينها ، فمثلاً حالما نزل نسخ القبلة استدار المسلمون إلى البيت الحرام في صلاتهم.
- فان قلت إنما هو نسخ القرآن للسنة ، فليس من آية قرآنية تتضمن التوجه إلى بيت المقدس ،والجواب إنه نسخ لفعل عبادي اعتاد المسلمون على أدائه ستة عشر شهراً بعد الهجرة النبوية ، وهناك نسخ لآية قرآنية بآية قرآنية أخرى كما في جعل الصدقة مقدمة لمناجاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم التي تدل على قانون النسخ إلى بدل .
- ويحتمل النسخ وجهين :
- الأول : النسخ إلى بدل .
- الثاني : النسخ إلى غير بدل .
- أما الأول فتدل علية آية النسخ [مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ( ) إذ تتضمن الآية أعلاه الوعد الكريم من الله عز وجل بالبدل في ذات سنخية أو فعل الآية المنسوخة أو غيره .
- والمختار أن النسخ لابد أن يكون إلى بدل ، وإن عجزت الأوهام عن درك وتعيين هذا البدل ، ولكنه موجود في القرآن .
- والمراد من النسخ إلى غير بدل هو رفع حكم شرعي دون أن ينزل حكم شرعي بديل عنه , وأستدل عليه بالآية المنسوخة [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ) .
- والآية الناسخة هي [أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ]( ) ، ولكن الآية تدل على البدل الأعم والأعظم بقوله تعالى [فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ] ومنها الصلاة جماعة بامامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
- و(عن الإمام عليّ عليه السلام قال : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي آية النجوى { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة }( ) كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكنت كلما ناجيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدمت بين يدي درهماً ، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد فنزلت { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات } الآية) ( ).
- فهذه الآية والحديث والبيان أعلاه وفي أيام الصحابة ، وليس من إعتراض عليه ، وقد كان الإمام علي عليه السلام يحتج به , كما يذكره الصحابة في فضائل الإمام علي عليه السلام ، إذ ورد عن عبد الله بن عمر (كان لعليّ بن أبي طالب ثلاث لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ من حمر النعم : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى) ( ).
- وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام بأن هذا النسخ تخفيف ورحمة من عند الله عز وجل بالمسلمين .
- وعن الإمام علي عليه السلام قال : (لمّا نزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ما ترى بذي دينار.
- قلت : لا يطيقونه. قال : كم.
- قلت : حبّة أو شعيرة. قال : إنك لزهيد. فنزلت [أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ]( ).
- قال عليّ عليه السلام : فِيّ خفَّف الله سبحانه عن هذه الأمّة،
- ولم تنزل في أحد قبلي ولن تنزل في أحد بعدي) ( ).
- وقد يقال أن الحديث يدل في ظاهره على النسخ إلى غير بدل ، والجواب إن النص والبيان الوارد في آية النسخ باخبارها عن بدل عن المنسوخ يدل على وجود بدل ، ومنه في المقام تعاهد أداء الفرائض ، والإنتقال إلى استحباب الصدقة عند مناجاة المسلمين للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
- وينقسم النسخ إلى بدل إلى أقسام :
- الأول : النسخ إلى الأخف وما فيه اليسر ، كما في قوله تعالى [يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ] ( ) إذ نسختها الآية التي بعدها [الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] ( ).
- ومن النسخ إلى بدل أيسر وأخف ما ذكر من نسخ حرمة الأكل والشرب والجماع بعد النوم في ليالي رمضان ، والناسخ هو قوله تعالى [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ] ( ).
- ولكن هذا التحريم لم يكن موجوداً في القرآن فهو ليس من نسخ آية بآية أخرى ، ولعل المسلمين كانوا يعملون به بالسنة النبوية أو وفق سنن الأمم السابقة من الموحدين.
- (عن كعب بن مالك قال : كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد ، فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده ، فوجد امرأته قد نامت ، فأيقظها وأرادها فقالت : إني قد نمت فقال : ما نمت ثم وقع بها .
- وصنع كعب بن مالك مثل ذلك ، فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره ، فأنزل الله { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم}( )( ).
- وهل هذا النسخ كنسخ القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام ، الجواب لا من جهات :
- الأولى : ثبوت توجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس إلى أن نزل قوله تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ]( ).
- الثانية : استدامة صلاة النبي وأصحابه ستة عشر شهراً إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة .
- الثالثة : دلالة آية تحويل القبلة على صلاة المسلمين إلى قبلة أخرى لبيان قانون وهو لزوم عناية أجيال المسلمين والمسلمات بما يذكره ويرويه الصحابة بخصوص كل من :
- الأول : آيات القرآن وكلماتها ورسمها .
- الثاني : أسباب نزول آيات القرآن .
- الثالث : السنة النبوية القولية والفعلية .
- الرابع : الوقائع ولأحداث .
- الخامس : سير المعارك بين المسلمين وكفار قريش ، ومن تابعهم من أهل مكة والقرى ، ليتجلى من هذه الأخبار كل من :
- أولاً : قانون لم يغز النبي (ص) أحداً .
- ثانياً : قانون التضاد بين القرآن والإرهاب .
- ثالثاً : قانون آيات الدفاع سلام دائم .
- رابعاً : آيات السلم محكمة غير منسوخة .
- السادس : تتبع أخبار الصحابة بخصوص الناسخ والمنسوخ .
- دلالة عدم النسخ في الآية
- هل يدل قوله تعالى[اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ] ( )على عدم النسخ، الجواب نعم إلا مع الدليل عليه لإستصحاب عمل النبي والمسلمين بما أمر الله عز وجل به ، وتقدير الآية على وجوه كثيرة منها :
- الأول : إتبع ما أوحي إليك من الأحكام .
- الثاني : إتبع ما أوحي إليك في الصبر والدفاع .
- الثالث : إتبع ما أوحي إليك من القيام بالتبليغ .
- الرابع : إتبع ما أوحي إليك بأداء الصلاة في أوقاتها ، قال تعالى [اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ] ( ).
- الخامس : وجوب اقتران العمل بأوان التنزيل ، فليس من فترة بين نزول الآية والعمل بها ، ويدرك المسلمون هذا القانون ، كما لافي التحول إلى استقبال المسجد الحرام مثلاً ، ونزول قوله تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] ( ) .
- (وأخرج ابن سعد عن محمد بن عبد الله بن جحش قال :صلّيت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصرفت القبلة إلى البيت ونحن في صلاة الظهر ، فاستدار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنا فاستدرنا معه.
- عن عمارة بن أوس الأنصاري قال : صلينا إحدى صلاتي العشي ، فقام رجل على باب المسجد ونحن في الصلاة ، فنادى أن الصلاة قد وجبت نحو الكعبة ، فحوّل أو انحرف أمامنا نحو الكعبة والنساء والصبيان .
- وأخرج ابن أبي شيبة والبزار عن أنس بن مالك قال : جاءنا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إن القبلة قد حوّلت إلى بيت الله الحرام ، وقد صلى الإِمام ركعتين فاستداروا ، فصلوا الركعتين الباقيتين نحو الكعبة ) ( ).
- وهل النسخ من الوحي ، الجواب نعم ، وهو على وجوه :
- الأول : إخبار الآية القرآنية بأنها ناسخة لآية أخرى .
- الثاني : نزول جبرئيل بالنسخ على نحو التعيين فيقول أن الآية الفلانية نسخت الآية الفلانية ، وهل يختص هذا النسخ على فرض حصوله بأوان نزول الناسخ ، الجواب لا ، فقد يتأخر عليه .
- الثالث : لقد كان جبرئيل يعارض ويتدارس مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم القرآن مرة كل سنة ، فهل يقول له أن هذه الآية ستون منسوخة وأن آي أخرى ستنزل ناسخة لها ، الجواب نعم ، ولكن هذا الأمر لم يثبت لعدم تحقق دخول النسخ ، فمثلاً نزل قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ) ثم نزل بعدها في ذات اليوم تخفيفاً عن المسلمين ولاستدامة مناجاتهم وسؤالهم للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى [أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] ( ) .
- والمنسوخ هو تقديم الصدقة قبل مناجاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن العلماء من قال أن النسخ في المقام من غير بدل إذ نسخت الصدقة هناك من غير أن يكون لها بدل .
- وفي التنزيل [يَايَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا] ( ) والمراد من الكتاب التوراة ، وقيل صحف إبراهيم والصحيح هو الأول ، إذ أن النبي يتبع شريعة الرسول الذي قبله .
- والمراد من [بِقُوَّةٍ] أي بجهد ومثابرة وإجتهاد وتقيد بأحكام الشريعة وسننها ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الأمثل في أخذ الكتاب أبى الإنصات لإغواء وتخويف رؤساء قريش بالكف عن تبليغ الرسالة والدعوة إلى الله من غير أن يلاقي أذاهم بمثله ، وبينما قام إبراهيم بتهشيم وكسر الأصنام فان النبي محمداً لم يكسرها في بداية دعوته إلا أنه كان يعيبها ويذم عبادتها ، فتحاملت قريش عليه لأن فيه سباً وشتماً لآبائهم ، إذ فارقوا الدنيا على عبادتها ، ورأوا أن عمه ابا طالب يذّب عنه ويحدب عليه ويدافع عنه ، وهو ذو منزلة عند قريش فمشوا إليه وشكوا إليه .
- وقالوا أن محمداً عاب ديننا وضلل آباءنا :
- الأول : قيام أبي طالب بكف النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن قريش والأصنام التي يعبدون .
- الثاني : التخلية بينهم وبين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه التخلية مصداق ومقدمة لما ورد في قوله تعالى [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ] ( ) أي أن هذه التخلية لا تعني بالضرورة قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إنما تجعلهم أمام عدة خيارات وكلها تؤدي إلى منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تبليغ رسالته .
- لم يكن الأذى الذي لحق قريشاً من إعابته لعبادتهم الأصنام محصوراً فيما بينهم وبينه ، إنما أصابهم الخزي أمام رجال القبائل ، وعمار البيت الحرام ، وزوار مكة خاصة وان عبادتها منافية للفطرة الإنسانية ، فمن مصاديق قوله تعالى [وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ] ( ) وقوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) نفرة عامة النفوس من عبادة الأصنام ومن التقرب والتزلف إليها ، وهو من المدد الإلهي للأنبياء فحالما يأتي النبي بدعوته إلى التوحيد يجد آذاناً صاغية ، ومنه تجليات استجابة الناس لحج بيت الله الحرام بقوله تعالى [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ] ( ).
- لبيان مسألة وهي يأتي الناس لحج البيت الحرام خالياً من الأصنام ، وإن وجدت عرضاً وجهالة فان الله عز وجل بعث النبي محمداً لإزالتها ، فلا يوضع فيه صنم أو وثن إلى يوم القيامة .
- إن فضح قريش عند القبائل حجة ومقدمة لإمتناع رجال القبائل عن نصرة قريش في حربهم على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لقد كانت لغة التهديد والوعيد ظاهرة في طلب رؤساء قريش من أبي طالب ولكنه صبر عليهم ، وقال لهم (قولاً رقيقاً وردهم رداً جميلاً)( ) .
- ليتعلم أبو طالب الجدال بالأحسن من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فان قيل هو عمه ، فهل يتعلم منه ، الجواب نعم لأن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة للناس جميعاً ، قال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ] ( ) .
- وقد أمر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عمه حمزة أن يخرج في أول سرية في الإسلام ، وقاتل بين يديه في معركة بدر ، ومعركة أحد حيث استشهد ، وأظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحزن الشديد عليه بما جعل نساء الأنصار يتوقفن عن التعازي والمواساة بشهدائهم ويتوجهون إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقدمن له العزاء والمؤاساة ، وفي كل زمان تجد لمواساة النساء الصادقة أثراً وباعثاً على الرقة وتخفيفاً للمصاب.
- وخرج رجال قريش من عند أبي طالب ، ولم يتوجه باللوم للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي استمر في دعوته الناس لكلمة التوحيد ، ويتلو عليهم القرآن فينصتون بتدبر وإدراك للتباين الرتبي بينه وبين ما اعتادوا عليه من الشعر الذي يتصف أغلبه بالتفاخر بالآباء وذم الأعداء ، فجاء القرآن بذم الآباء لعبادتهم الأصنام ، وبدعوة الناس لمكارم الأخلاق وسنن العبادة ، وتذكيرهم بعالم الحساب والجزاء ، فتوالى دخول الناس للإسلام ، نعم ليس كل من يدعوه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأسلام يستجيب له ، إنما كان الذين يستجيبون معشار الذين يدعوهم ، وهو من مصاديق الجدال بالأحسن ومنافعه ، وهناك أناس ذكوراً وأناثاً يدخلون الإسلام بالواسطة من جهات :
- الأولى :صيرورة الذين أسلموا دعاة إلى الإسلام .
- الثانية : دخول القرآن لبيوت مكة طوعاً وانطباقاً ، فمن إعجاز القرآن أن الناس يتناقلون آيات القرآن ، وهو من أسرار نزولها نجوماً وعلى مراحل، فما أن تدخل آية قرآنية بيوت مكة وينصت لها أهله ويرددونها ويتدارسونها حتى تنزل أيات وسور أخرى ، وهو من الإعجاز في كون السور المكية قصيرة وتتضمن الإنذار والوعيد مع إشارتها إلى بعض رؤساء قريش في جحودهم وعتوهم ، كما مثلاً في لاسورة الهمزة [وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ] ( ) .
- وذكر أن قوله تعالى [وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ] (نزلت في أُميَّة بن خلف . وقيل : في الوليد بن المغيرة ، كان يغتاب النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم) ( ).
- ولم يرد لفظ [هُمَزَةٍ] و[لُمَزَةٍ] إلا في السورة أعلاه ، وتتضمن ذم العادات المذمومة ، وتدعو إلى الأخلاق الحميدة ، وليتساءل الناس عن الحطمة ، وما المقصود منها ، وهو من أسرار قوله تعالى [وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ] ( ) ففي هذه الآية ترغيب للناس جميعاً للسؤال عنها ، فيبين لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أنها نار الآخرة جهنم .
- (عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن النار تأكل أهلها حتى إذا اطلعت على أفئدتهم انتهت ، ثم إذا صدروا تعود ، فذلك قوله { نار الله الموقدة ، التي تطلع على الأفئدة }( ))( ).
- الثالثة : ظهور الخوف والرعب على رجالات قريش وخشيتهم من دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومناجاتهم بالفتك به ، وحضّ بعضهم بعضاً على إيذاء وتعذيب أصحابه ، حتى مات عدد منهم تحت التعذيب مثل سمية بنت خياط أم عمار بن ياسر ، إذ تولى تعذيبها أبو جهل فقتل في معركة بدر .
- الرابعة : دخول رهط من الناس الإسلام ذكوراً وأناثاً ، فمن الإعجاز الغيري للقرآن أن دخوله البيوت لا يذهب سدىً ، إنما يدخل فرد أو أفراد من أهل البيت الإسلام فيكون نبتاً طيباً يبعث عطر الإيمان في أرجاء البيت ليجذب ساكنيه إلى الإسلام ، ويجعل نفوسهم تنفر من عبادة الأوثان .
- الخامسة : من إعجاز القرآن أنه عضد للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في نبوته ، ويتولى ذات القرآن التبليغ فهو بلاغ ، قال تعالى [هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ]( ).
- قانون تعضيد القرآن للنبي (ص)
- ليس من حصر لوجوه تعضيد القرآن للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم منها :
- الأول : تلاوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن ، وهو من أسرار الجهر بالقراءة في أكثر ركعات الصلاة اليومية كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتلو ما ينزل من القرآن على أهل بيته وأصحابه ليقرأوه على الناس ، وهذه القراءة من سبل عرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه على الأفراد والجماعات من أهل مكة وزوار المسجد الحرام ، وعلى القبائل في موسم الحج.
- الثاني : البشارة والإنذار في القرآن.
- الثالث : آيات الثناء على الله ، وما يدل على وجوب الحمد والشكر له سبحانه ، لذا جعل الله عز وجل القراءة واجبة في الصلاة ، ومنها قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة ، ونزلت الفاتحة في مكة لبيان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأها في الصلاة في البيت الحرام والتي تبدأ بالبسملة ثم آية [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]( ).
- الرابع : ترغيب الناس بالإيمان ، وذم البقاء على الكفر.
- الخامس : الوعد والوعيد في القرآن.
- السادس : أسباب نزول الآية القرآنية لأنها جزء من الواقع اليومي منها مثلاً [فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا]( )، وقوله تعالى [فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]( )، ويقال عفا يعفو عفواً ، فهو عافِ وعفوِ .
- والعفو: التجاوز عن الذنب .
- وعن (عبد الله بن عمر ، يقول : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح : اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة . اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ، ودنياي ، وأهلي ، ومالي . اللهم استر عوراتي ، وآمن روعاتي .
- اللهم احفظني من بين يدي ، ومن خلفي ، وعن يميني ، وعن شمالي ، ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) ( ).
- أما الصفح فهو الإعراض عن الذنب والإساءة .
- يقال صفح عنه يصفح صفحاً ، ومن خصال الكريم أنه صفوح ، وأصل الصفح من صفحة العنق ، وكأن الذي يصفح يولي بصفحة العنق معرضاً .
- واستصفح فلاناً أي طلب منه ، وقيل الصفح هو الأعم لأنه عفو وزيادة، ولا دليل عليه .
- والله عز وجل كثير العفو ، وهو الذي يمحو ويطمس الذنب .
- وتبين الآية الكريمة الملازمة بين النبوة والعفو والصفح ، فلابد أن يعفو النبي عن أولئك الذين قست قلوبهم ما داموا لم يقاتلوه وأصحابه ، لذا فان الآية محكمة وغير منسوخة .
- ومن الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه بعث بين قوم يتصفون بأمور :
- الأول : الكفر.
- الثاني : الشرك وعبادة الأصنام .
- الثالث : الغزو المتبادل بين القبائل وكل فرد وجماعة منهم يخشون الإغارة عليهم.
- الرابع : السبي والنهب للبيوت ، ومنه تسمية شهر (صفر) لأنه يأتي بعد ثلاثة أشهر حرم وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ، فيكثرون من إغارة بعضهم على بعض حتى يجعلون البيوت التي يغزونها صِفراً وخالية من المتاع.
- الخامس : كثرة القتل.
- السادس : طلب الثأر .
- السابع : التفاخر بالآباء مع أنهم ماتوا على الشرك والضلالة ، لذا كان من أسباب سخط قريش على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إدعاؤهم أنه شتم آباءهم ، وفي التنزيل [قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ]( ).
- الثامن : وأد البنات خشية السبي عند الغزو ولحوق الذل بهم بسبب هذا الأمر.
- التاسع : المعاملات الباطلة ، ومنها الربا إذ كان أحدهم يبيع السلعة على رجل إلى أجل مسمى ، ويجعل زيادة بسبب البيع بالآجل ، وإذ حان الأجل يقول له البائع : أتقضي أم تربي ، أي تزيد على المبلغ ويكون الى أجل آخر جديد أو أن الدين يزداد أو مضاعف ، فاذا باعه ناقة أو طعاماً بخمسين ديناراً إلى سنة ، فعند عجره عن القضاء عند تمام الحول يجعله مائة دينار ويصبر له سنة أخرى ، وهكذا في السنة التالية فلذا نعتها الله بالأضعاف المضاعفة بقوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]( ).
- وفي التوراة : للاجنبي تقرض بربا و لكن لاخيك لا تقرض بربا( ).
- العاشر : إنكار التنزيل والوعيد وعالم الآخرة والجزاء يوم القيامة ، وجاءت رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم صريحة بذم عادات الجاهلية والنهي عنها ونزلت آيات القرآن بالتوحيد والإقرار بنبوة محمد والمعاد ، وتحريم الوأد والربا والغزو وسفك الدماء.
- وصحيح أن القرآن نزل نجوماً وعلى التوالي في الأيام والأشهر والسنين إلا أن أحكامه كالتي نزلت دفعة واحدة لقصر مدة التنزيل ، وهو من مصاديق تعضيد القرآن للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في رسالته.
- ومن تعضيد القرآن ، قراءة المسلمين والمسلمات له ، وكتابة السور والآيات في الرقاع والورق وسعف النخيل والجلود وقطع العظام الصغيرة يتناقلها المسلمون ، وتصل الى القبائل بواسطة وفود الحاج والعمرة.
- ومن الآيات إتصاف العرب بقوة الحافظة بالفطرة ، وحياة البادية ، وقلة مشاغل الدنيا ، وتنمية الذاكرة بحفظ قصائد الشعر الطويلة وأسماء الشعراء ، وأنساب الأفراد وقبائلهم.
- وإحياؤهم لهذه العلوم في موسم الحج ، وأسواق العرب التي تقام حينئذ في مكة وحواليها ومنها سوق عكاظ وسوق المجنة ، وسوق ذي المجاز وهل يمكن القول بقانون تعضيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن ، الجواب نعم ، وهو الذي يأتي في الجزء السابع بعد المائتين ان شاء الله.
- إن تعضيد القرآن للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دعوة للسلم ونشر للأمان ، لذا فان آيات السلم من هذا التعضيد والمتجدد في كل زمان.
- المخضرمون
- المخضرم من الخضرمة ، وهو القطع كأن المخضرم انقطع عن أصحابه ، وفي معنى المخضرمين وجوه :
- الأول: الذي عاش في الجاهلية شطراً من عمره ، وفي الإسلام شطراً آخر ، وعدّ منهم حسان بن ثابت ، وهو صحابي وشاعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (وتوفى سنة 50 هجرية ) إذ قيل أنه عاش ستين سنة في الجاهلية ، وستين أخرى في الإسلام ، ومنهم حكيم بن حزام .
- ومنهم من أطلق اسم (المخضرمون من التابعين) والواحد منهم مخضرم على الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ، وقد اسلموا ولم يروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنهم من أوصلهم إلى أربعين فرداً ، ومنهم :
- الأول : أبو رجاء العطاردي.
- الثاني : سويد بن غفلة.
- الثالث : أبو عثمان النهدي.
- الرابع : ابو عمرو الشيباني .
- الخامس : أبو وائل الأسدي .
- السادس : عمرو بن ميمون الأزدي .
- السابع : عبد خير بن يزيد الخَيواني.
- الثامن : عبد الرحمن بن مل .
- التاسع : أبو الحلال العتكي واسمه ربيعة بن زرارة ، قال ابن حجر : أدرك الجاهلية ثم نزل البصرة روى ابن الجارود في الكنى من طريق المهلب بن بكر بن حازم عن الفضل بن موسى عن أبي الحلال العتكي أنه أدرك أهل بيته يعبدون الحجارة ويقال: إنه توفي وهو ابن مائة وعشرين سنة في زمن الحجاج( ).
- العاشر : الأحنف بن قيس .
- الحادي عشر : المستظل بن يزيد .
- الثاني عشر : سعد بن أياس .
- الثالث عشر : عبد الله بن عكيم .
- الرابع عشر : النجاشي ملك الحبشة .
- الخامس عشر : الشاعر تميم بن مقبل .
- السادس عشر : الشاعر لبيد بن ربيعة .
- ولكن هؤلاء المخضرمين كثيرون من أهل المدن والقرى والبادية ، ونسبة العموم والخصوص من وجه بينهم وبين الذين نريد جعلهم قسيماً مستقلاً وهم الذي أسلموا أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يروه كأن لم يأتوا المدينة أيام حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو جاءوا ووجدوه قد انتقل إلى الرفيق الأعلى.
- الثاني : الشعراء المخضرمون الذين عاشوا في أيام الجاهلية ، ولهم قصائد أيامها ، وعاشوا أيام الإسلام ومنهم حسان بن ثابت , والخنساء , ولبيد بن ربيعة ، ومنهم الحطيئة الذي توفى سنة(59) هجرية ، والظاهر انه أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان كثير الهجاء ، حتى هجى أباه وأمه وعمه وخاله ونفسه .
- وقال في ( الزبرقان بن بدر:
- دع المكارم لا ترحل لبغيها … واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي) ( ).
- فشكاه إلى عمر ، فقال لا أرى بقوله بأساً ثم سأل حسان بن ثابت فقال أنه هجاه وسلَحَ عليه .
- فأمر به عمر فحبس ، وقيل رماه في بئر لا ماء فيها فقال الحطيئة :
- (ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ … زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجر
- ألقيت كاسبهم في قعر مظلمةٍ … فاغفر عليك سلام الله يا عمر
- أنت الإمام الذي من بعد صاحبه … ألقت إليك مقاليد النهى البشر
- لم يؤثروك بها إذ قدموك لها … لكن لأنفسهم كانت بك الإثر
- فامنن على صبيةٍ في الرمل مسكنهم … بين الأباطح يغشاهم بها القدر
- أهلي فداؤك كم بيني وبينهم … من عرض داويةٍ يعمى بها الخبر) ( ).
- وشفع له عبد الرحمن بن عوف والزبير فأطلقه .
- (قال الأصمعي كان الحطيئة جشعاً سؤولاً محلفاً دني النفس، كثير الشر، قليل الخير بخيلاً، قبيح المنظر، رث الهيئة مغموز النسب فاسد الدين) ( ).
- الثالث : الذي عاش شطراً من عمره في الجاهلية وشطراً في الإسلام ، ولكنه لم يرّ وهو مسلم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم سواء أسلم أيام النبي أم لم يسلم .
- وهذا هو أظهر التعاريف للمخضرم في علم الحديث ، ويدخل معهم الذين اسلموا أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يروه .
- ومن التابعين أويس الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد ورد عن عمر بن الخطاب أنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ” إن من خير التابعين رجل من قرن يقال له أويس القرني) ( ) .
- وإذا ثبت أن أويس قد أسلم في أيام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيسقط اقتراحناً باسم خاص بأفراد الطبقة الذين اسلموا أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يروه لأن النبي صلى الله عيله وآله وسلم سماه تابعياً , ولم يثبت .
- ويتصف أويس بالزهد وكثرة العبادة ، وقد سأل الله الشهادة ، وخرج مع الإمام علي عليه السلام في معركة صفين سنة 37 للهجرة واستشهد فيها.
- وعن أصبغ بن يزيد قال (أسلم أويس القرني على عهد النبي صلى الله عليه و سلم ولكن منعه من القدوم بره لأمه) ( ).
- و(أصبغ بن يزيد الوراق، وكان يكتب المصاحف، لا يحتج بحديثه، مات سنة تسع وخمسين ومائة) ( ).
- (قال النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم لاصحابه: ابشروا برجل من امتي يقال له: اويس القرني، فإنه يشفع بمثل ربيعة ومضر، ثم قال لعمر: يا عمر إن أدركته فاقرأه مني السلام، فبلغ عمر مكانه بالكوفة، فجعل يطلبه في الموسم لعله أن يحج حتى وقع إليه هو وأصحابه وهو من أحسنهم هيئة وأرثهم حالا .
- فلما سأل عنه أنكروا ذلك وقالوا: يا أمير المؤمنين تسأل عن رجل لا يسأل عنه مثلك، قال: فلم، قالوا لانه عندنا مغمور في عقله ! وربما عبث به الصبيان، قال عمر: ذلك أحب إلي، ثم وقف عليه فقال: يا اويس إن رسول الله صلى الله عليه وآله أودعني إليك رسالة وهو يقرأ عليك السلام وقد أخبرني أنك تشفع بمثل ربيعة ومضر فخر أويس ساجدا ومكث طويلا ما ترقى له دمعة ، حتى ظنوا أنه مات .
- و نادوه: يا اويس هذا أمير المؤمنين، فرفع رأسه ثم قال: يا أمير المؤمنين أفاعل ذلك قال: نعم يا اويس، فأدخلني في شفاعتك، فأخذ الناس في طلبه والتمسح به، فقال يا أمير المؤمنين شهرتني وأهلكتني) ( ).
- بحث نحوي
- ابتدأ قوله تعالى [وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ] ( )بحرف الإستئناف الواو، لبيان أن الآية تتضمن الإخبار عن قانون مستقل، وهو نصر الله للمسلمين في واقعة مخصوصة ، والمشهور في الصناعة النحوية أن اللام في [لقد] واقعة في جواب قسم محذوف ، وقد ذكرت هذا المعنى في إعراب هذه الآية وأنه لا دليل عليه ( ).
- والمختار أنها لام توكيد وتسمى أيضاً لام الإبتداء وتدخل في مواضع :
- الأول : تدخل على (إن) المكسورة ، وبعد ظرف أو جار ومجرور .
- وتكررت (إن) في آيات متتالية [إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ * وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ ]( ) .
- ولا تدخل اللام على أخوات (إن) وأدخلها بعضهم على خبر (لكن) لبيت شعر نُعت بأنه شاذ قال ابن هشام (احتجوا بقوله:
- ولكنني من حُبّها لعميدُ
- ولا يعرف له قائل، ولا تتمة، وهو محمول على زيادة اللام، أو على أن الأصل لكن إنني ثم حذفت الهمزة تخفيفاً ونون لكنْ للساكنين) ( ) ، وقيل ليس له نظير ، ولكن النظير والشبيه ممكن الإيجاد .
- الثاني : تدخل لام التوكيد على المبتدأ والخبر ، كما في قوله تعالى [لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ]( ).
- الثالث : تدخل على الخبر بشرط أن يتقدم على المبتدأ ، قال تعالى [وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( ).
- الرابع : الماضي المتصرف الذي يتعقب (قد ، لما ) في قوله تعالى [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ] ( ) .
- الخامس : الفعل الماضي الجامد كما تكرر [لَبِئْسَ] في قوله تعالى [يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ] ( ).
- السادس : الفعل المضارع ، قال تعالى [هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ] ( ) .
- فمن معاني لام الإبتداء تأكيد الجملة المثبتة وإفادة القطع ، لذا فهي لا تدخل على الجملة المنفية لفظاً أو معنى .
- كيف علم الملائكة بإفساد الإنسان في الأرض
- الحمد لله الذي شرّف الإنسان بأن جعل خلقه في الجنة وأسكن آدم عليه السلام وحواء فيها برهة من الزمن .
- قال تعالى [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ]( ) من أين علم الملائكة أن الإنسان يفسد في الأرض فيه وجوه :
- الأول : إن الله عز وجل ألهمهم بما سيكون من أحوالهم بعد ذلك .
- الثاني : علموا ذلك من الطباع البشرية , رأوا آدم حين خلقه الله أجوف وشهوته سريعة أراد المسارعة إلى ثمار الجنة , أي بالإستنباط ليكون أول من تعلم علم الأصول الملائكة عند خلق آدم .
- الثالث : علموا أن الجن الذين سكنوا الأرض فسدوا , قاسوا عليه على القول بأن الأرض عمرت من الجان كما في تقديم الجن في قوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ] ( ).
- الرابع : أعلمهم الله عز وجل قبل هذا الحوار .
- الخامس : بعض الملائكة رآى ما في اللوح المحفوظ .
- السادس : علموا استقراء من لفظ الخليفة , لأن الخليفة يتحاكمون عنده في المظالم , وأعظمها في الفروج والدماء والظلم , فردوا على الله عز وجل فندموا ولاذوا بالعرش واستغفروا , فأحب الله عز وجل أن يتعبد بمثل ذلك العباد فوضع في السماء الرابعة بيتاً بحذاء العرش يسمى الضراح , ثم وضع هذا البيت بحذاء البيت المعمور , ثم أمر آدم عليه السلام فطاف به فتاب الله عز وجل عليه .
- السابع : عن الإمام عليه السلام إن الملائكة إشتكت من النسناس والجن الذين كانوا يعمرون الأرض قبل آدم عليه السلام آلاف السنين , فقال الله عز وجل [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً]( ) فقالوا [أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ] ( ).
- أي كما أفسد بنو الجان وتحاسدوا وتباغضوا فاجعل ذلك الخليفة منا فإنا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ونسبح بحمدك ونقدس لك , فقال عز وجل [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] ( ) واجعل من ذريته أنبياء ومرسلين وعبادا صالحين , وأئمة مهتدين , اجعلهم خلفاء على خلقي .
- (عن جابر الجعفي، عن الباقر عليه السلام ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : إن الله تبارك وتعالى أراد أن يخلق خلقاً بيده وذلك بعدما مضى من الجن والنسناس في الأرض سبعة آلاف سنة،وكان من شأنه خلق آدم كشط عن أطباق السماوات وقال للملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والنسناس .
- فلما رأوا ما يعملون من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا لله وتأسفوا على أهل الأرض ولم يملكوا غضبهم .
- فقالوا: ربنا أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن، وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف عليهم، ولا تغضب، ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك.
- قال: فلما سمع ذلك من الملائكة ” قال إني جاعل في الأرض خليفة ” ( ) يكون حجة ” في أرضي على خلقي، فقالت الملائكة: ” سبحانك أتجعل فيها من يفسد فيها ” ( ) كما أفسد بنو الجان ويسفكون الدماء كما سفكت بنو الجان، ويتحاسدون ويتباغضون، فاجعل ذلك الخليفة منا فإنا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ” ونسبح بحمدك ونقدس لك ” ( ) .
- فقال جل وعز: ” إني أعلم ما لا تعلمون ” ( ) إني اريد أن أخلق خلقا ” بيدي، وأجعل من ذريته أنبياء ومرسلين، وعبادا ” صالحين، وأئمة مهتدين، أجعلهم خلفاء على خلقي في أرضى ينهونهم عن معصيتي، وينذرونهم من عذابي، ويهدونهم إلى طاعتي، ويسلكون بهم سبيلى، وأجعلهم لي حجة عليهم وعذرا ” ونذرا “،
- وأبين النسناس عن أرضي واطهرها منهم، وأنقل مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي وخيرتي، واسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض فلا يجاورون نسل خلقي، وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا ” فلا يرى نسل خلقي الجن ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم، فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم اسكنهم مساكن العصاة وأوردتهم مواردهم ولا أبالي.
- قال : فقالت الملائكة : يا ربنا افعل ما شئت ” لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم “( ) قال: فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسمائة عام.
- قال : فلاذوا بالعرش فأشاروا بالأصابع، فنظر الرب جل جلاله إليهم ونزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال: طوفوا به، ودعوا العرش فإنه لي رضا. فطافوا به وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا “، فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء ، ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض) ( )
- الثامن : ( وفي مرسلة ابن أبى عمير ، عن الإمام جعفرالصادق عليه السلام : أنه سئل عن ابتداء الطواف، فقال : إن الله تبارك وتعالى لما أراد خلق آدم عليه السلام قال ” للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة “( ) فقال ملكان من الملائكة: ” أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء “( ) فوقعت الحجب ، فيما بينهما وبين الله عزوجل، وكان تبارك وتعالى نوره ظاهرا ” للملائكة، فلما وقعت الحجب بينه وبينهما علما أنه سخط قولهما، فقالا للملائكة : ما حيلتنا ؟ وما وجه توبتنا ؟
- فقالوا: ما نعرف لكما من التوبة إلا أن تلوذا بالعرش، قال: فلاذا بالعرش
- حتى أنزل الله عزوجل توبتهما ورفعت الحجب فيما بينه وبينهما، وأحب الله تبارك وتعالى أن يعبد بتلك العبادة فخلق الله البيت في الأرض وجعل على العباد الطواف حوله، وخلق البيت المعمور في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة) ( ) .
- التاسع : إن الله عز وجل أخبر الملائكة [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً]( ) يكون من ولده من يفسد فيها ويسفك الدماء , فقالت الملائكة : [أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ] ( ).
- ليكون من معاني الآية إذ قال ربك للملائكة جميعاً فقال بعضهم أو اثنان منهم , والإثنان أقل الجمع كما في قوله تعالى [هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ]( )
- ومن معاني الخليفة :
- الأول : خليفة في تعمير الأرض .
- الثاني : خليفة في تبليغ الأحكام , ويقال : لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم خليفة الله عز وجل.
- الثالث : الخليفة من يخلف غيره , وفي المقام يراد منه من يعمر الأرض بالذكر.
- الرابع : سمي خليفة لأنه يخلف الذاهب , ويأتي من بعده , أي جاء الناس بعد النسناس والجن , ويسفك الدماء أي بغير حق .
- الخامس : ذهب جمع من العلماء أن المراد من قوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) الإطلاق ومنه أن الإنسان خليفة الله في الأرض ، وقال تعالى [يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ] ( ) يعني بيت المقدس , في الأرض خليفة يخلفني وينفذ أحكامي ويقوم بالتبليغ .
- وأنكرت طائفة هذا المعنى لأن الخليفة لمن هو غائب غير حاضر ، بينما الله عز وجل حاضر في كل مكان وشاهد على كل شئ ، وفي التنزيل [مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] ( ).
- (وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إحتج آدم وموسى عليهما السلام , فقال له موسى عليه السلام : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة , فقال له آدم عليه السلام : أنت موسى اصطفاك الله عز وجل لرسالته وكلامه , ثم تلومني على أمر قُدّر قبل أن أخلق , فحج آدم وموسى عليهما السلام )
- والملائكة جمع , ملك , والتاء لتأنيث الجمع ومنه الألوكة أي الرسالة .
- الآية بيان لنعمة من عند الله عز وجل على الناس في أصل خلقهم وهو الخلافة في الأرض , وهي منزلة لم تتأتى للملائكة حينما خلقهم الله عز وجل , لم يجعلهم خلفاء , وكذا بالنسبة للجن .
- قال تعالى [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً]( )
- وهل يمكن نسبة الفساد إلى إبليس إذ أنه هبط مع آدم عليه السلام وحواء إلى الأرض أو هو والكفار , الجواب نعم [وَنُقَدِّسُ لَكَ] ( ) ننزهك عما لا يليق بك , وقيل اللام زائدة .
- قال المفسرون : أنهم قالوا : نحن أحق بالإستخلاف , والمختار بخلافه ونؤسس هنا قانوناً جديداً في المقام وهو أن الملائكة إنما توسلوا وتضرعوا إلى الله عز وجل أن لا يكون الخليفة مفسداً وسافكاً للدم .
- وتقدير الآية [وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ]( ) فاجعل خلفاء الأرض مثلنا في التسبيح والتقديس لك لا تجعل نمروذ هو الحاكم على إبراهيم ، وفرعون على موسى, ولايكون أبو جهل مقابل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا تجعل عمر بن سعد والشمر مقابل الإمام الحسين عليه السلام .
- والمقام يتحمل معنى خلفاء لقوله تعالى إذ ذكر لفظ (خلفاء) ثلاث مرات في القرآن بقوله تعالى :
- الأول : كما في التنزيل [وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ) لبيان أن الوعظ والتذكير والإنذار والبشارة مصاحبة للحياة الدنيا , وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] ( ).
- الثاني : [أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ] ( ).
- الثالث : [وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ] ( ).
- وهل يتعلق موضوع الآية بالقوانين الأربعة التي أسستها في تفسيري للقرآن , وصدرت أجزاء خاصة بكل منها والحمد لله , وهي :
- الأول : قانون التضاد بين القرآن والإرهاب .
- والذي صدرت منه سبعة أجزاء من تفسيري هذا للقرآن (معالم الإيمان في تفسير القرآن).
- الثاني : قانون (لم يغزُ النبي “ص” أحداً) والذي صدر منه واحد وعشرون جزء .
- الثالث : قانون (آيات الدفاع سلام دائم) والذي صدر فيه الثاني والأربعين بعد المائة والجزء الرابع بعد المائتين من تفسيري هذا للقرآن .
- الرابع : قانون آيات السلم محكمة غير منسوخة , والذي يختص به هذا الجزء .
- الجواب نعم أما بالنسبة للقانون الأول أعلاه وهو التضاد بين القرآن والإرهاب ففيه مسألتان :
- الأولى : الإرهاب فساد , والنسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق، فالإرهاب جزء من الفساد .
- الثانية : القتل والقتل العشوائي والإرهاب من مصاديق قوله تعالى [وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ]( ) إذ أن المراد بسفك الدماء بغير حق , ومن الإعجاز في هذه الآية هو أن القتل بغير حق يترشح عنه الفساد , وكذا فإن الفساد يترشح من القتل بغير حق من غير أن يلزم التسلسل بينهما للتباين الجهتي .
- فإن غزو المشركين للمدينة المنورة من الفساد ففيه محاربة للنبوة والتنزيل وإرادة قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووقف نزول آيات القرآن , إذ أنها لم ولن تنزل على غيره , ولم يعلموا أنه من أسرار نزول القرآن على نحو النجوم والتدرج والتوالي هو سلامته من القتل والإغتيال إلى أن يتم نزول آيات القرآن , و(عن ابن عباس قال : لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح }( ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نعيت إلى نفسي إني مقبوض في تلك السنة) ( ).
- لقد وقعت معركة بدر بإلحاح وإصرار من قريش , وكانت علة خروجهم ونفيرهم هي إنقاذ قافلة أبي سفيان بعد أن أرسل لهم ضمضم بن عمرو يندبهم , وحينما أرسل لهم أبو سفيان وهو في الطريق بأن قافلة .
- وأما بالنسبة للقانون الثاني فان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجتهد في منع القتال ، ودفع مقدماته ، وحتى حين يلتقي الجمعان كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر أصحابه أن لا يبدأوا القتال ، مما يدل بالدلالة التضمنية على الإمتناع عن مباغتة المشركين أو رميهم بالسهام .
- لقد جاء القرآن بآيات السلم والصلح والبعث على الرأفة والصفح والرحمة .
- فحينما رد الله عز وجل على الملائكة [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] ( ) فانه سبحانه يعلم بأنه يوحي إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة إلى عبادته سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأن قيام المشركين بسفك الدماء مؤقت ، ينقطع بفتح مكة وسيادة الإيمان وتعظيم شعائر الله ، قال تعالى [سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ] ( ).
- وأما بالنسبة للقانون الثالث فان آيات الدفاع شاهد على سفك الدماء الذي أخبر عنه الملائكة بقولهم [أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ]( ) وأن آيات الدفاع بشارة من عند الله عز وجل للملائكة بتنزيه الأرض من الفساد وسفك الدماء .
- وأما بالنسبة للقانون الرابع والذي أختص به هذا الجزء فان السلم ضد للفساد وسفك الدماء لذا وردت آيات كثيرة في القرآن تتضمن مسائل :
- الأولى : الدعوة إلى السلم .
- الثانية : الترغيب بالسلم .
- الثالثة : بيان منافع السلم .
- الرابعة : الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بتحري السلم والسعي إليه ، قال تعالى [ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] ( ).
- قانون التوقي من الوباء
- لقد جاءت الشرائع السماوية بالنهي عن الإضرار بالغير , والوعيد على هذا الإضرار , وهناك قاعدة أصولية تسمى قاعدة : لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وهي قاعدة , وأصل هذه القاعدة حديث للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مسنداً عند عموم المسلمين , وهي مسألة سيالة وحكم عام من باب الطهارة إلى باب الديات .
- ومن معاني الحديث أن لا ضرر , أي لا يصح إدخال الضرر على الغير من إجل إنتفاع الذات , أما قوله صلى الله عليه وآله وسلم : لا ضرار فهو على وجوه :
- الأول : لا دخل على غيره حذراً من غير منقصة له .
- وقد تكون الإستهانة بكورونا وعدم إتباع النصائح والوصايا الطبية من أسباب نقل العدوى لنفسه ولغيره من غير منفعة , ولم يخطر على بال شطر من العلماء أن من مصاديق هذه القاعدة أن يضر الإنسان نفسه ويضر غيره في آن واحد , ليأتي هذا البلاء ويبين أن هذا الحديث يشمل هذا المعنى .
- الثاني : التشابه واتحاد المعنى بين الضرر والإضرار .
- الثالث : الضرر هو الإضرار بمن لا يضره , والضرار هو أن يضر من تلقى منه الضرر .
- الرابع : الضرر بالذات , والإضرار بالغير .
- كما أن عدم الإحتراز من كورونا خلاف حفظ بعض الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة لحفظها , وهي حسب الترتيب :
- أولاً : الدين .
- ثانياً : النفس .
- ثالثاً : العقل .
- رابعاً : العرض.
- خامساً : المال , ومبحث الضرورات الخمس ذكره الغزالي استقراء مستحدثا منه .
- قال تعالى [وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] ( ).
- الأول :الإحتراز من كورونا واجب شرعاًُ وعقلاً .
- الثاني : لبس الكمامات والقفازات .
- الثالث :التباعد وعدم الإختلاط , وعدم مغادرة المنزل إلا لضرورة وشبهها .
- الرابع : العناية بالمناعة .
- الخامس : عدم الإستخفاف بالمرض .
- السادس : لابد من ضبط الدخول والخروج من المستشفى الخاص بكورونا .
- السابع : بعض الدراسات الطبية الآن تقول أن فايروس كورونا أصبح يفقد حدته واخذ بالضعف من جهة حال المصابين به , وقديماً كان الطاعون يأتي بالربيع , ويرتفع بالصيف ، إنه مناسبة للدعاء والإستغفار والصدقة .
- وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (داووا مرضاكم بالصدقة).
- نبارك ونشيد بجهود الأطباء العاملين والهيئات الطبية في أرجاء الأرض فكل واحد منهم يصدّ ويدافع عن عموم أهل الأرض في زمن العولمة ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] ( ).
- الثامن : لا يجوز التجمع من غير سبب وجيه , ولا الإستخفاف بالمرض, قال تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] ( ).
- ومن الأخوة الإيمانية تعاهدك لسبل السلامة ولغيرك ولعيالك .
- إن كثيرا من الدوائر الحكومية تعطلت على نحو السالبة الكلية أو الجزئية, وكذا الدراسة في مراحلها المختلفة , فلابد أن ينعكس هذا الأمر على الإحتراز في الشارع والسوق والبيت , ويجب إتباع الأوامر والنصائح والتوصيات التي تصدرها الجهات الصحية والحكومية , ولابد من توفير الحماية للأشخاص الذين هم أكثر عرضة للإصابة (بكوفيد 19) والرعاية والعلاج للمرضى المصابين به.
- صلاة العيد
- تجلت في السنة الثانية للهجرة أحكام شرعية وسنن متعددة ، وهل للنصر في معركة بدر موضوعية في هذه الأحكام إذ وقعت هذه المعركة في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة ، قال تعالى [وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ] ( ) .
- الجواب نعم ، وهو من أسرار تسمية هذا اليوم [يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ]( ) ووقع في هذه السنة كل من :
- الأول : تحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى ، وهو بيت المقدس إلى البيت الحرام ، بآية قرآنية , وحكم ناسخ من الله , قال تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] ( ) .
- فبعد أن صلى المسلمون نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً نزل تحويل القبلة , ومن الإعجاز أن إمتثال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لتحويلها كان فورياً , لبيان قانون وهو : موضوعية الإمتثال في النسخ .
- و(عن ابن عباس قال إن أول ما نسخ في القرآن القبلة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بضعة عشر شهراً .
- وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب قبلة إبراهيم ، وكان يدعو الله وينظر إلى السماء ، فأنزل الله { قد نرى تقلب وجهك }( ) إلى قوله { فولوا وجوهكم شطره }( ) يعني نحوه ، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله { قل لله المشرق والمغرب } ( )وقال : { أينما تولوا فثم وجه الله }( )) ( ).
- الثاني : في شهر شعبان من السنة الثانية نزل تشريع صوم شهر رمضان بعد أن كان الصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] ( ) ولكن ليس من دليل أو أمارة على أن المسلمين كانوا صياماً في معركة بدر أو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالإفطار عند الخروج من المدينة .
- ونسب إلى القيل بأن صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة (إن فريضة رمضان نزلت في السنة الثانية من الهجرة وذلك قبل غزوة بدر بشهر وأيام ، وكانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان على رأس ثمانية عشر شهراً من الهجرة) ( ).
- وقيل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صام تسع رمضانات لأنه غادر الدنيا في السنة الحادية عشرة للهجرة .
- وكان الصيام اختيارياً ثلاثة أيام في الشهر ، وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم يوم عاشوراء (وقال عطاء : التشبيه كتب عليكم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر – قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وفي بعض الطرق : ويوم عاشوراء – كما كتب على الذين من قبلكم ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء ، ثم نسخ هذا في هذه الأمة بشهر رمضان) ( ).
- ومنهم من يُرجع فرض الصيام إلى أيام مكة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحديث جعفر الطيار مع النجاشي إذ قال (كنا قوما على الشرك، نعبد الاوثان ونأكل الميتة ونسئ الجوار، يستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نحل شيئا ولا نحرمه.
- فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته.
- فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الارحام ونحمى الجوار، ونصلي لله عزوجل ونصوم له ولا نعبد غيره.) ( ).
- لقد كان الصيام على مرحلتين :
- الأولى : التخيير , والمندوحة في التعيين .
- الثانية : الوجوب والإلزام والحصر الزماني والوجوب العيني على كل مكلف ذكراً أو أنثى .
- الثالث : أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخمس في كتيبة بني قينقاع في شهر شوال من السنة الثانية للهجرة .
- الرابع : تشريع زكاة المال , في شهر شوال من السنة الثانية للهجرة ,قال تعالى [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] ( ).
- الخامس : تشريع زكاة الفطر في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة ، قال تعالى [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى]( ) .
- السادس : زواج الإمام علي عليه السلام من فاطمة عليها السلام.
- وصلاة العيد واجبة , وشروطها كشروط الجمعة ، فمتى ما تجب الجمعة تجب صلاة العيد , وصلاة العيد على قسمين :
- الأول : صلاة عيد الفطر في اليوم الأول من شهر شوال .
- الثاني : صلاة عيد الأضحى في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة.
- وإذا اجتمعت صلاة عيد الفطر أو الأضحى مع الجمعة فالمكلف مخير بالحضور .
- وصلاة الإستسقاء مثل صلاة العيد في العدد والكيفية والصفة ، والخطبة فيها بعد الصلاة أيضاً .
- وصلاة العيد مستحبة على الإنفراد ، وإذا فاتت لا يجب قضاؤها ، ولا بدل لها ، وهو لا يمنع من صلاة ركعتين رجاء المطلوبية .
- والجلوس بين الخطبتين في صلاة العيد ووقتها من طلوع الشمس إلى زوالها ، والأولى من ارتفاع الشمس إلى زوالها ، فاذا زالت الشمس وحلت صلاة الظهر فقد فات وقت صلاة العيد ، فلا قضاء .
- سواء كانت صلاة العيد فرضاً أو نفلاً ، وكان فواتها عمداً أو سهواً .
- ولا يتعين في صلاة العيد قراءة سورة مخصوصة ، ويستحب بعد الفاتحة قراءة سورة الأعلى في الركعة الأولى ، وسورة الشمس في الركعة الثانية .
- وخطبة صلاة العيد بعد أداء صلاته ، وهما خطبتان كخطبة صلاة الجمعة ، وينبغي أن يذكر الإمام في خطبة الفطر زكاة الفطرة ويحث عليها ، ويبين وجوبها وشرائطها ومقدارها ومستحقيها .
- وفي خطبة صلاة الأضحى يذكر أحكام الأضحية .
عدد المشاهدات: 85