المقدمـــــــــــــة
الحمد لله الذي جعل الحياة الدنيا دار رحمته التي ليس لها حد ولا منتهى ، والتي تتغشى الخلائق كلها ، وكل جنس ونوع منها كالملائكة والإنس والجن يظن أنه فاز بالنصيب الأوفر منها ، وهو من الإعجاز في الخلق ، ومصاديق قوله تعالى [بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ] ( )، ومن مصاديق هذا الإبداع ولاية الله العامة للخلائق ، والولاية الخاصة لكل منها ومنه ولاية الله للمؤمنين وتأديبهم وهدايتهم ، ودفع البلاء والضرر عنهم ، قال تعالى [اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ]( ).
وهل يختص هذا الظن بالنوع أم يشمل أفراده والتمايز بينها الجواب هو الثاني ومنه قوله تعالى [كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ]( )، مع تعدد موضوع الفرح والسرور سواء كان في الملة والدين ، أو المال والأولاد ، أو الشأن أو الصحة والعافية وغيرها .
ومن الآيات في رحمة الله إنتفاع النوع مما يأتي للفرد منه ، وبالعكس من غير أن يلزم الدور بينهما .
ومنه مصاديق متعددة لقوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) بأن ينتفع كل إنسان من الرحمة والولاية العامة وتنتفع الفرقة والطائفة والأمة والناس جميعاً من الرحمة الخاصة ، ومنه بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بدليل قوله تعالى[وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ) .
الحمد لله الذي أبى إلا أن تكون أنواع ووجوه رحمته في كل ساعة كثيرة ومتعددة ، وأعم من أن تحصى سواء تلك التي تأتي للفرد أو العائلة أو الجماعة ، وقد أنعم الله عز وجل على أهل الأرض بالصلاة والفرائض العبادية الأخرى ، وهي بذاتها رحمة تترشح عنها الرحمة ، ومن فضل الله سبحانه أن جعل مقدمة للصلاة وهو الوضوء والطهارة مطلقاً ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]( ).
الحمد لله على تفضله ورحمته بالعباد بالوحي إلى الأنبياء ، ونزول الكتب عليهم
، وبين الوحي والكتاب عموم وخصوص مطلق ، إذ أن الوحي ملازم للنبوة ، ومصاحب للأنبياء والرسل ،ومنه ما يأتي بعنوان إفعل ، لا تفعل .
ومنه إحتجاج ، وجواب على سؤال ، وأمر ونهي ، لبيان قانون وهو من رحمة الله عز وجل بالناس حضور الوحي بين ظهرانيهم ، وهل يختص هذا الحضور باتباع النبي ، ومن هم في دويرته وزمانه ، الجواب لا ، فافاضات الوحي أعم وأوسع ، فاذا أنزل الله رحمة فهو أكرم من أن يرفعها .
الحمد لله الذي أنعم على الناس بالقراءة والكتابة ، قال تعالى [ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ]( ).
لتتجلى منافع القراءة والكتابة في تدوين وتوثيق وبيان الوحي ، وتأويل علومه في قوانين :
الأول : قانون تدوين وكتابة نصوص الوحي .
الثاني : قانون ذكر وتوثيق أسماء الأنبياء بلحاظ ذكر نص وموضوع الوحي الذي يتم توثيقه .
الثالث : قانون بيان علوم الوحي ، وإنتفاع الناس منها .
الرابع : قانون تجدد علوم تأويل الوحي والتنزيل .
ومن الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم قيامه بجعل بدل عدد من أسرى معركة بدر تعليم عشرة صبيان من قبل كل واحد منهم ، وفيه شاهد على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنه يسعى لنشر العلم بين المسلمين ، ويبذل المال والجهد لإرتقائهم في سلم المعارف لأنه طريق العلوم في القرآن من جهات :
الأولى : الإعجاز العلمي .
الثانية : الإعجاز التشريعي .
الثالثة : الإعجاز الغيبي .
الرابعة : تجلي قانون التضاد بين القرآن والإرهاب ( ).
الخامسة : كشف الحقائق وذكر الدلائل على قانون (لم يغز النبي (ص) أحداً ) في سياق أجزاء متعددة من هذا التفسير إذ صدر بهذا الخصوص واحد وعشرون جزءً والحمد لله وكان آخرها الجزء الثاني عشر بعد المائتين ، ويختص بصلح الحديبية ومقدماته ووقائعه، وكيف أن الله عز وجل جعله فتحاً ، ونسب هذا الفتح له سبحانه، كما في قوله تعالى [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا] ( ).
وهذه الآية شهادة سماوية وسلام وأمن للناس إلى يوم القيامة ، فقد تم صلح النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع المشركين بأمر من عند الله عز وجل ، وأراد الله أن يكون فتحاً تتجدد معالمه ، وتفيض منافعه على الناس كل يوم إلى يوم القيامة ، وهو شاهد على إمكان الجمع بين كل من القوانين التي صدرت فيها أجزاء من هذا السِفر وهي :
الأول : التضاد بين القرآن والإرهاب .
الثاني : قانون لم يغز النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحداً .
الثالث: قانون آيات الدفاع سلم دائم ( ).
الرابع : قانون آيات السلم محكمة غير منسوخة ( ).
الخامس : قانون الصلة بين آيتين متجاورتين من القرآن( ).
وهو الذي اختص به هذا الجزء المبارك بذكر بعض الآيات التي تدل على أن بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لنشر السلم والأمن في الأرض .
والنسبة بين الأمن والسلم هي العموم والخصوص المطلق ، فالأمن أعم.
لقد اتصفت دعوة الأنبياء إلى السلم واللاعنف بأنها وفق قوانين سماوية لا تقبل النقض ، ولا يقدر الناس وإن اجتمعوا على نقضها ، وهو من مصاديق قوله تعالى [قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا] ( ).
فمن عجز الخلائق عن الإتيان بمثل القرآن نزوله بآيات وسور نشر وإشاعة السلم .
الحمد لله الذي له ملك السموات والأرض والسلطان فيهما ، ولا يفعل إلا ما فيه الخير والنفع ، قال تعالى [لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ]( )، فتفضل وبعث الأنبياء رحمة بالناس وهداية لهم لسبل السلام والرشاد ، ولإتخاذ السلم والأمن وسيلة للتدبر في عالم الخلق والإنشاء ، والتنزه عن الظلم ، وهو من مصاديق قوله تعالى [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ]( )، أي صراط الدنيا وصراط الآخرة ، والصراط الذي يكون بلغة لصراط آخر مع التسلسل بما يؤدي إلى الخلود في النعيم وهل القرآن صراط مستقيم ، الجواب نعم وموضوعيته وعظيم شأنه من جهات :
الأولى : التصديق بنزول القرآن من عند الله فهذا التصديق صراط مستقيم وإن كان إعتقاداً أما ما يترتب ويترشح عنه من الفعل فهو صراط آخر.
الثانية : تلاوة الآية القرآنية ومن إعجاز القرآن ترشح التدبر والتفكر عن هذه التلاوة ، ولا يختص هذا التفكر بقارئ الآية القرآنية إنما يشمل المستمع، لذا قال تعالى [وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا]( ) .
الثالثة : العمل بمضامين وأحكام الآية القرآنية .
الرابعة : إتخاذ الآية القرآنية منهاجاً وصراطاً .
الخامسة : الفوز بالأجر والثواب بقراءة الآية القرآنية .
السادسة : حضور القرآن في عالم البرزخ للدفع عن قارئه ، وعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال : سُورَةٌ فِي القُرْآنِ ثَلاَثُونَ ، شُفَعَتْ لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ [تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ]( ).
وروى زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود قال : يؤتى بالرجل في قبره من قبل رأسه ، فيقول له : ليس لك علي من سبيل .
قد كان يقرأ على سورة الملك ، فيؤتى من قبل رجليه ، فيقول : ليس لك علي سبيل .
كان يقوم بسورة الملك ، فيؤتى من قبل جوفه ، فيقول : ليس لك علي سبيل .
قد أوعاني سورة الملك ، قال : وهي المنجية تنجي صاحبها من عذاب القبر( ).
السابعة : حضور القرآن يوم القيامة عند قارئه وشفاعته له .
وقد تقدم الجزء السابق من تفسيري وهو الثالث عشر بعد المائتين بقوله تعالى [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ] ( )، فهل هذه الآية من مصاديق قانون هذا الجزء (آيات السلم محكمة غير منسوخة) الجواب نعم، إذ أنها دعوة للصبر عند هجوم الأذى والكيد وظهور المكر من الذين كفروا وهذه الدعوة من مصاديق قوله تعالى [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]( ).
فما نبينه في هذا السِفر المبارك أن آيات السلم أعم من التي تذكر السلم بالنص، وتستبدل أيام الحرب بالمهادنة والموادعة ، إذ يشمل السلم ودعوة القرآن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين إلى الصبر واستحضار خشية الله والتقوى منه في السر والعلانية .
ومن إعجاز الآية أنها تدعو المسلمين مجتمعين ومتفرقين إلى الصبر والتقوى ، وتقدير الآية :
الأول : يا أيها الذي آمن اصبر فان ذلك من عزم الأمور .
الثاني : يا أيتها المؤمنة اصبري فان ذلك من عزم الأمور .
الثالث : يا أيها الذين آمنوا اصبروا فان ذلك من عزم الأمور .
الرابع : يا أيها الذي آمن اتقٍ الله فان ذلك من عزم الامور .
الخامس : يا أيتها التي آمنت اتق الله فان ذلك من عزم الأمور .
السادس : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله فان ذلك من عزم الأمور.
السابع : يا أيها الذي آمن اصبر وأتقٍ الله فان ذلك من عزم الأمور .
الثامن : يا أيتها التي آمنت اصبري وأتقٍ الله فان ذلك من عزم الأمور .
التاسع : يا أيها الذين آمنوا اصبروا واتقوا الله فان ذلك من عزم الأمور.
وصحيح أن الآية جاءت بصيغة الجملة الشرطية ،وإن تصبروا وتتقوا إلا أنها تحمل على البعث على الصبر والتقوى ، وتتضمن الأمر بالصبر والتقوى، ومنه مثلاً قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ( ).
وهل قوله تعالى [وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ] ( ) من آيات السلم غير المنسوخة ، الجواب نعم.
ليفتح هذا العلم أبواباً من العلم والإستنباط من آيات القرآن ، وينسخ ويمنع من القول أن آية السيف نسخت مائة واربعاً وعشرين آية أو مائة آية .
إذ ترد وفق هذا المنهج الذي نعتمده في هذا البحث مئات الآيات التي تدل على دعوة القرآن للسلم والألفة ونبذ الإرهاب والتطرف والعنف والغلو .
الحمد لله الذي زيّن الدنيا بالنبوة والتنزيل مثلما زيّن السماء بالكواكب والنجوم ، وكأن قول يوسف عليه السلام [يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ]( )، إشارة إلى التداخل والتشابه بين نجوم السماء ، وأنبياء الله في الأرض ، والنجوم آية حسية تدعو الناس إلى عبادة الله ، وتدعو الناس إلى التفكر في عظمة مخلوقاته أما الأنبياء فجاءوا بالمعجزات التي تهدي الناس إلى الصراط والصلاح ، وكل معجزة سلاح يغني عن السلاح.
الحمد لله الأول قبل الإنشاء والإحياء ، والذي لم يوجد شئ إلا بأمره ومشيئته ، ولا يكون بقاء الأشياء بأحوالها المختلفة إلا بفضله وإرادته ، وفيه بعث للسكينة في نفوس الناس كافة .
الحمد لله حمداً دائماً بعدد ساعات أيام الحياة الدنيا ، إذ تتطلع إلى أن يكتب الله عز وجل لنا حمداً له من قبل أن يخلق آدم ، ليكون هذا الحمد واقية ، ونجاة من الفجور والظلم ، وقد أخبر الله الملائكة على جعل الإنسان خليفة في الأرض [قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ] ( ) لبيان قانون متقدم على هبوط آدم إلى الأرض ، وهو دعوة الملائكة آدم وذريته للإمتناع عن الفساد وعن القتل ، وجرح الغير بدون حق .
سبحان الله الذي [عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ]( )، إذ رزقه العقل وعاءً ووسيلة لإكتساب المعارف وإصلاح الذات ، وترك الخلق الكريم إرثاً يلحّ على الناس بوجوب عبادة الله ، وأنزل الله الكتب السماوية لتكون بذاتها علماً ونبراساً وضياءً ينير دروب السالكين ، ويمنع من الظلمة ويرفع الغشاوة التي تؤدي إلى الضلالة وتنمي الحقد والكراهية ، فنزل القرآن بالسلم العام للمجتمعات ليصاحب الحياة الدنيا بأداء الفرائض العبادية .
والعبادة خير محض للناس جميعاً [فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ] ( ) وهي من اللطف بالعباد ، وصيغ تقريبهم إلى رحمة الله ، وتوالي الفضل الإلهي عليهم .
وهي من إحسان الناس لأنفسهم ، وقد قال تعالى [رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ] ( ).
وكل آية من آيات السلم رحمة بالناس جميعاً لأنها تدعو إلى الإيمان ، وعبادة الله بالحجة والبرهان .
وهل آيات الأحكام شاهد على عموم التكليف ، الجواب نعم ، لقاعدة الإشتغال وعموم التكليف ، فمثلاً ورد نحو أربعة عشر حكماً في أطول آية في القرآن وهي آية الدين ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] ( ).
وجاء هذا الجزء وهو الرابع عشر بعد المائتين في قانون آيات السلم محكمة غير منسوخة لبيان مصاديق من شآبيب الرحمة التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , وتجليات قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]( ).
حرر في الحادي عشر من شهر جمادي الأولى 1442
26/12/2020
قانون السلم حاجة
السلم ضد العنف والقتال ، وهو تجانس مجتمعي ، واستقرار وسكينة في الصلات الخاصة والعامة ، وليس من إنسان أو فرقة أو دولة إلا وتحتاج السلم ، وإن أعرضت عنه واتجهت صوب العنف والقتال ، فأنها تندم .
ولو عادت الأيام من جديد لامتنعوا عن القتال والمجازفة ، والشواهد التأريخية كثيرة ثم أن الناس شرع سواء في التأريخ وتزول مع تقادم الأيام والسنين الأهواء واستحواذ النفس الغضبية ، وتنكشف الحقائق للناس وتفتضح الدسائس والمكائد ، ويتجلى للناس قبح القتال ، وسذاجة أسبابه، ويتأكد معه قانون وهو أن أضرار الحرب والقتال أكثر من نفعها باستثناء دفاع وقتال الأنبياء ، وحرب أهل الإيمان ضد الكفار الوثنين المعتدين .
والمثل المتوكل فنذر إن برأت لا تصدّقن بمال كثير ، فلما عوفي جمع القضاة وسألهم كم المبلغ الذي يتصدق به ، إذ أنه خشي أن يكون مقدار المبلغ الكثير بلحاظ الشأن والمقام ، وأن الخليفة يجب أن يكون قليله أكثر من كثير غيره ، فأختلف الفقهاء في الإجابة فبعث إلى الإمام علي الهادي عليه السلام فقال (يتصدَّق بثلاثة وثمانين ديناراً.
قالوا: من أين لك هذا .
قال: لأنَّ الله تعالى قال : لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ” وروى أهلنا أن المواطن كانت ثلاث وثمانين موطناً) ( ).
لبيان مسألة وهي أن النصر لا يختص بخصوص ميدان المعركة .
(كان قد سُعي به إلى المتوكّل، وقيل إنَّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته، وأوهموه أنَّه يطلب الأمر لنفسه؛
فوجَّه إليه عدَّةً من الأتراك فهجموا منزله على غفلةٍ، فوجدوه في بيت مغلق، وعليه مِدرعة من شعر، وعلى رأسه مِلحفة من صوف، وهو مستقبل القبلة، يترنَّم بآياتٍ من القرآن في الوعد والوعيد، ليس بينه وبين الأرض بساط إلاَّ الرمل والحصى، فأُخذ على الصورة التي وُجد عليها في جوف الليل، فمثل بين يديه، والمتوكّل في مجلس شرابه، وبيده كأس .
فلمَّا رآه أعظمه، وأجلسه إلى جانبه، فناوله الكأس، فقال: يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قطُّ، فاعفني منه.
فأعفاه، وقال: أنشدني شعراً أستحسنه .
فقال : إنِّي لَقليل الرواية منه.
فقال : لا بدَّ. فأنشده:
باتوا على قُلَلِ الأَجبال تحرسهمْ … غُلْبُ الرجال فما أغنتهمُ القُلَلُ
واستُنزلوا بعد عِزٍّ من معاقلهم … فأُودعوا حُفَراً يا بئسَ ما نزلوا
ناداهمُ صارخٌ من بعدِ ما قُبِروا: … أين الأَسرّة والتيجان والحُلَلُ؟
أين الوجوه التي كانت منعَّمةً … من دونها تُضربُ الأَستار والكِلَلُ؟
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهمْ: … تلك الوجوه عليها الدود يَقْتَتِلُ
قد طال دهراً ما أكلوا وما شربوا … فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا
فأشفق من حضر على عليّ، وخافوا أنَّ بادرةً تبدر إليه؛ فبكى المتوكّل بكاءً طويلاً، حتَّى بلَّت دموعه لحيته، وبكى من حضره.
ثمَّ أمر برفع الشراب، وقال: يا أبا الحسن أعليك دين .
قال : نعم ، أربعة آلاف دينار.
فأمر بدفعها إليه ، وردَّه إلى منزله مكرَّماً) ( ).
لقد اجتهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم طيلة أيام النبوة في تثبيت ركائز السلم واشاعة الأمن للملازمة بينها ، وكان العرب يتقاتلون بينهم كقبائل وجماعات وأفراد ، وهذا القتال توليدي ، يغذيه الثأر والغدر والإنتفاع ، ويعلق في الأشهر في الأشهر الحرم قال تعالى [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ]( )، فبعث الله عز وجل النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ليتغشى لواء السلم القرى والمدن طيلة أيام السنة .
وهل هذا المنهج النبوي من أسباب دخول الناس في الإسلام الجواب نعم ، ومنه بيعة العقبة إذ كان الأوس والخزرج يتقاتلون فيما بينهم فتطلعوا إلى نبوة محمد للألفة والوفاق بينهم بطاعة الله .
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج ، فلقى نفراً من الخزرج حينئذ فسألهم أن يجلسوا ليكلمهم (قَالَ أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلّمُكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى . فَجَلَسُوا مَعَهُ فَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ فصدقوا بدعوته .
لبيان معجزة حسية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي قانون الوئام والوفاق بين المهاجرين والأنصار ببعثة وهجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
قانون الفرائض العبادية لواء سلم
الفرائض العبادية اسم جامع لكل ضروب الطاعة الواجبة التي يتقرب بها العباد إلى الله عز وجل ، ومنها الصلاة والصيام والزكاة والخمس والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنها بر الوالدين والإمتناع عن المعاصي وهي باب لنزول رحمة الله عز وجل ، قال سبحانه [وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ]( )، وليس من حصر لأفراد مصاديق الرحمة في الدنيا والآخرة التي تترشح عن طاعة الله والرسول ، بقصد القربة ، قال تعالى [قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ]( ) .
ويمكن القول بأن كل فريضة عبادية قلبية أو بدنية أو مالية هي جهاد في سبيل الله من غير أن يكون فيه حمل لسيف أو مطلق السلاح .
وعن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام قال (سأل رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الجهاد فقال : ألا أدلك على جهاد لا شوكة فيه الحج .
وأخرج عبد الرزاق عن عبد الكريم الجزري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إني رجل جبان ولا أطيق لقاء العدوّ .
فقال : ألا أدلك على جهاد لا قتال فيه؟
قال : بلى يا رسول الله .
قال : عليك بالحج والعمرة) ( ).
وقد يتبادر إلى الذهن تقييد الحج كجهاد بأنه للضعيف والكبير والمرأة لسقوط الجهاد الدفاعي عنها ، ولكن الحج جهاد مطلق في موضوعه وحكمه وورد عن (عمرو بن عبسة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الأعمال حجة مبرورة أو عمرة مبرورة) ( ).
و(عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من أهل المدينة إلى أبي الدرداء ، وهو بدمشق ، فقال : ما أقدمك أيْ أخي ، قال : حديث بلغني أنك تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال أما قدمت لتجارة؟
قال : لا.
قال : أما قدمت لحاجة ، قال : لا ، قال : أما قدمت إلا في طلب هذا الحديث .
قال : نعم.
قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “من سلك طريقا يطلب فيه علمًا ، سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم ، وإنه ليستغفر للعالم مَنْ في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب.
إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)( ).
و(إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلوا)( ).
وعن جابر بن عبد الله قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول اللهم إني أسألك علما نافعا وأعوذ بك من علم لا ينفع)( ).
وقد صدر الجزء (206) و(207) و(208) من هذا السِفر المبارك بقانون آيات السلم محكمة غير منسوخة في علم مستحدث يتضمن كشف الغطاء عن حقائق قرآنية جاء زمان العولمة مناسباً لها بلحاظ أن الإسلام عقيدة ومبادئ وأمة ترفع لواء السلم بين الناس جميعاً .
قانون السلم في الحكم الشرعي
من خصائص الشرائع السماوية البقاء والدوام كقانون وتشريع وملاك عمل بين الناس ، إذ أنها لا تقبل الزوال والمحو ، وبها يقهر الله الظالمين ، وينجي المستضعفين ، قال تعالى [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ]( ).
وإذا أراد سلطان تجاوز الشرائع وترك العمل بها تجلت له وللناس أضرار تركها ، وانقضت أيامه في الدنيا أو في الحكم باسرع مما سعى إليه ، وبذل المال والجهد من أجل استدامة حكمه أو وراثته ، والشواهد عليه في كل زمان كثيرة ومتعددة ، قال تعالى [إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ] ( ) .
وتفضل الله عز وجل ورأف بالناس بنزول القرآن ، وتضمنه الأحكام التكليفية ، وأمور الحلال والحرام ، وحفظه من التغيير والتحريف والنقص أو الزيادة ، قال تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون] ( ).
وتعاهد وحفظ الله عز وجل للقرآن من أعظم النعم على المسلمين والناس ، وهو برزخ دون الفرقة والإقتتال ، ولو طرأ تغيير أو تبديل على آيات القرآن لقال بعضهم بالإعراض عن جانب من أحكام الشريعة .
ولكن الله عز وجل منع من هذا القول والإعراض إلى يوم القيامة باخباره عن حفظ القرآن وما فيه من الأحكام التي هي رحمة وتخفيف .
ومن خصائص أحكام الفرائض والمستحبات في الإسلام أنها دعوة للسلم ، وبرزخ دون العنف .
قانون ما قبل الهجرة توطئة للسلم لما بعدها
لقد كان الناس جميعاً قبل هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يدخلون مكة ، ويؤدون مناسك العمرة ، والرؤساء منهم لينزلون ضيوفاً على رجالات قريش ، ومن الناس من يأتي للجلب أو للإقتران أو لأمور إجتماعية وقبلية ، ولكن دخول مكة يختلف عن دخول غيرها من البلدات إذ أنه يقترن بالطواف بالبيت الحرام ، وليس في بلدة أخرى بيت لله ، لذا سماها الله عز وجل اسم القرى ، قال سبحانه [لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا]( ).
وقد فشل أبرهة في بناء صرح يحج إليه العرب في اليمن ، وأعرض الناس عنه عزوفاً ، مما جعل حبهم للبيت الحرام ومكة يشتد ويزداد .
وعندما بعث الله عز وجل النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم طرأ أمر مبارك عظيم ، فصار الذي يأتي مكة يرجع لأهله بتحفة ونبأ رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورؤية طلعته البهية وتلاوته لآيات التنزيل ، وهو لا يختلف عن غيره من الناس ولكنه يحمل أعباء الرسالة ، قال تعالى [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا] ( ).
قانون الصيام سلم محض
الصيام حمل للنفس والجوارح عن الإمتناع عن الأكل والشرب ولذة الفراش طاعة لله عز وجل ، لبيان حبس النفس من الإضرار بالغير طمعاً خشية من الله عز وجل وطاعة له سبحانه لأنه حرّم الظلم بين الناس ، وما الشأن والسلطان إلا امتحان وباب للإفتنان.
والظلم هو التعدي عن الحق إلى الباطل ، وإنحراف عن العدل ، وأعظم ضروب الظلم الكفر والشرك ، قال تعالى [إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ] ( ) .
لذا فمن المقاصد السامية لأحكام الشريعة النهي عن الشرك والمنع من سيادة مفاهيمه في الأرض ، وأداء الصيام براءة من الشرك والكفر ، وهداية إلى الرشد والسلام .
وهو عنوان الإتحاد بين أهل الملل من الموحدين إذ يلتقون جميعاً بأداء الصيام على نحو الوجوب والفرض قربة إلى الله تعالى كما قال سبحانه [كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]( ).
وفيه بيان للتشابه في فرض الصيام بين المسلمين والأمم السابقة ، والصيام في الإسلام هو الإمتناع عن الأكل والشرب والجماع طيلة أيام شهر رمضان ، وهو الشهر التاسع من الأشهر القمرية العربية ويبدأ من رؤية الهلال , قال تعالى [فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ]( )، ولا يشمل الصيام ساعات الليل في تخفيف عن المسلمين إذ قال تعالى [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ]( ) .
كما ذكرت الآية أعلاه إباحة الجماع في ليالي رمضان ، وقيدته بالحلال بدليل اتخاذه وسيلة لطلب الولد ، وعن ابن عباس : أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ، ثم إن ناساً من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأنزل الله [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ]( )، إلى قوله [فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ]( )، يعني انكحوهن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه حتى إذا أمسى طعم من الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة ، وأن عمر بن الخطاب بينما هو نائم إذ سوّلت له نفسه فأتى أهله ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة ، فإنها زينت لي فواقعت أهلي ، هل تجد لي من رخصة .
قال : لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر .
فلم بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن ، وأمر الله رسوله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة ، فقال [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ] إلى قوله [تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ] يعني بذلك الذي فعل عمر ، فأنزل الله عفوه فقال [فَتَابَ عَلَيْكُمْ] إلى قوله [مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ]( )، فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح( ).
ويبين الإذن والإباحة في الجماع والأكل والشرب في ليالي رمضان رحمة الله عز وجل بالمسلمين ، وتيسير صيام النهار ، وبعث الشوق للتقيد والإمتثال لأحكامه واستدامة جواز طلب الوقت في أي يوم من أيام السنة خاصة وأن العلم الحديث اثبت أن عمر كل من الحيمن المنوي والبويضة أكثر من يوم .
فحتى لو نزلت في النهار فان الحيمن في انتظارها أو أنه ينزل إليها في الليلة التالية ، وهل في قوله تعالى [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ]( ) ترغيب بالجماع وإنجاب الولد ، في شهر الصيام والصبر والتقوى ، الجواب نعم .
وعن أنس بن مالك : إنّ إمرأة كانت يُقال لها : الحولاء عطارة من أهل المدينة ، وحلّت على عائشة فقالت : يا أُم المؤمنين زوجي فلان أتزّين له كل ليلة وأتطيب كأنّي عروس زُفت إليه فإذا آوى إلى فراشه دخلت عليه في لحافه ألتمس بذلك رضا الله عزّ وجلّ حوّل وجهه عني أراه قد أبغضني .
قالت : أجلسي حتّى يدخل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قالت : فبينا إنّا كذلك إذ دخل النبّي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما هذه الرّيح التي أجدها أتتكم الحولاء أبتعتم منها شيئا .
فقالت عائشة : لا والله يا رسول الله.
فقصّت الحولاء قصتها.
فقال لها : أذهبي واسمعي له وأطيعي ، فقالت : أفعل يارسول الله ، فما لي من الأجر.
قال : ما من امرأة رفعت في بيت زوجها شيئاً ووضعته مكاناً تريد الإصلاح إلاّ كتب الله لها حسنة ومحا عنها سيئة ، ورفع لها درجة ، وما من امرأة حملت من زوجها حين تحمل إلاّ لها من الأجر مثل القائم الصّائم نهاره الغازي في سبيل الله ، وما من إمرأة يأتيها الطلق إلاّ لها بكل طلقة عتق نسمة وبكل رضعة عتق رقبة فإذا افطمت ولدها ناداها مناد من السّماء أيتها المرأة قد كفيت العمل فيما مضى فاستأنفي فيما بقى ( ).
وذكر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث أعلاه الأجر العظيم للمرأة عند الحمل من الزوج سواء في شهر رمضان أو غيره بأنه يعادل أجر المؤمن الجامع في أن واحد بين أمور :
الأول : قيام الليل .
الثاني : صيام النهار .
الثالث : الدفاع والمرابطة في سبيل الله .
وهذا المعنى من معجزات السنة النبوية القولية وإكرام الإسلام للمرأة ، ومصاديق قانون (آيات السلم محكمة غير منسوخة) فالإنشغال بطلب الولد ثم ولادته وحضانته وإعاشته وتربيته وإصلاحه لأمور الدين والدنيا يستحوذ على أيام الإنسان في بناء المجتمع السليم المعافي .
وقوله تعالى [وَابْتَغُوا] أي اطلبوا وهو أمر إباحة وجواز واستحباب ، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : تناكحوا تكثروا فانّي أُباهي بكم الأمم يوم القيامة حتّى بالسقط( ).
ليكون التباهي والتفاخر يوم وبكثرة العدد وفعل الصالحات ، وليس في القتال والغزو ، ولم يقل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث أعلاه : كي أحارب بكم الأمم أو أهل الملل والأمصار .
وهل حديث النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعلاه من مصاديق قوله تعالى [وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ]( )، الجواب نعم.
قانون الصيام عزوف عن القتال
يتخذ المسلمون الصيام بلغة ووسيلة في الصبر والتحمل ، لذا يسمى شهر رمضان شهر الصبر ، وصحيح أنه ليس من الأشهر الحرم , ولكن المسلمين ينقطعون إلى العبادة والذكر فيه.
ويترتب على الإمساك عن الطعام قلة الحركة والسفر والضرب في الأرض ، وفيه شاهد على أن الفرائض العبادية التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم سلم محض ويتجدد كل يوم كما في الصلاة ، وكل سنة كما في الحج والصيام والزكاة .
ويدل قوله تعالى [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ] ( ) في مفهومه على الزجر عن الزنا والسفاح ، فالذي يقضي نهاره ممتنعاً عن لذيذ الطعام والشراب لا يظلم نفسه وغيره بارتكاب الحرام سواء في النهار أو الليل .
وإن قلت قد لا يجد الفقير لذيذ الطعام في أيام شهر رمضان أو غيره من أيام السنة فهو في واقعه كالصائم في باقي أيام السنة والجواب إنما يكون رغيف الخبز ألذ طعام بالنسبة للفقير بحسب حاله، فحينما يمتنع عنه أو عن ذات شرب الماء بقصد القربة إلى الله تعالى فقد إنقطع عما فيه اللذة .
وكذا يمتنع الفقير وزوجته عن الجماع في نهار رمضان طاعة لله عز وجل ، وهذا الفرد من الإمساك يلتقي فيه الغني والفقير ، والسيد والعبد , ومن الفقراء من يكون أكثر ميلاً له ، فيحبس جوارحه طاعة لله عز وجل .
وفيه حث للمسلمين للرأفة والرحمة بالناس , وعدم إطلاق العنان للجوارح في إيذاء الناس ، وهو من مصاديق التقوى العامة في قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]( ).
وهل في صيام المسلمين شهر رمضان دعوة للناس لكف الأذى عنهم أيضاً .
الجواب نعم ، فلا غرابة بأن يفرض الله سبحانه الصيام على المسلمين في السنة الثانية للهجرة ، وهي أول سنة يقع فيها قتال بين المسلمين والمشركين إذ وقعت معركة بدر في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة باصرار من أبي جهل ونفر من رؤساء قريش .
ومن الآيات ظهور هذا الإصرار للجمعين يومئذ بمشادة بين أبي جهل الذي أصر على القتال وعتبة بن ربيعة قبل بدئ القتال لتكون شاهداً على ظلم وتعد المشركين إلى جانب آيات القرآن التي تدل على أن المسلمين لم يطلبوا القتال أو يرغبوا فيه يومئذ كما يدل عليه قوله تعالى [وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ]( ) .
وهل الآية أعلاه من آيات السلم التي هي موضوع هذا الجزء من التفسير , الجواب نعم .
لقد كان عتبة بن ربيعة وهو أبو هند زوجة أبي سفيان يجتهد ويبذل المال في الإصلاح بين الناس ، فلما وقف في ميدان معركة بدر، ورآى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لا يريدون القتال ، ومنهم ابنه أبو حذيفة بن عتبة .
سار عتبة بين صفوف جيش المشركين ، وعددهم يومئذ نحو ألف وهو يحضّهم على ترك القتال والذي يدل في مفهومه على أن أمر القتال وابتدائه بيد المشركين أنفسهم ، وأن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لا يبدأ القتال ، ولا يملي شروطاً لمنعه أو لوقفه سواء في شهر رمضان أو غيره من أشهر السنة الحل أو الحرم .
وبخصوص ليلة معركة بدر ورد عن الإمام علي عليه السلام (قَالَ مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرُ الْمِقْدَادِ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ)( ).
وفيه دليل على أن النبي محمداً لم ينشغل ليلته بالتخطيط ووضع الخطط وتقسيم الوظائف لهجوم أو حتى دفاع إنما التجأ إلى الدعاء وهو سلاح الأنبياء في الشدة والرخاء ، ويدعو الله عز وجل (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض)( ).
وعن الإمام علي عليه السلام في حديث عن ليلة بدر ( )، أنه أصابهم طش( )، من المطر فانطلق الصحابة تحت الشجر والجحف( ) وعندما طلع فجر يوم السابع عشر من شهر رمضان نادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الصلاة عباد الله.
مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينم وواصل صلاة الليل بصلاة الفجر , وعندما تم الفتح فيما بعد واصل صيام الليل بالنهار وهو صيام الوصال , ونهى المسلمين عند فهو من مختصاته .
وعن أنس قال : واصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان، فواصل ناس من المسلمين ، فبلغه ذلك ، فقال : لو مد لنا الشهر لواصلت وصالا ، يدع المتعمقون التعمق ، لستم مثلي ، إني أظل ، فيطعمني ربي ويسقيني( ).
مقدمة بيعة العقبة
حينما يستعرض الإنسان تأريخ البيعة يرى أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم التقى في العقبة وفد الأنصار ثلاث مرات ، بينما تذكر بيعتان وهو الصحيح ، إذ أن اللقاء الأول لم يكن بيعة ، إنما كان عرضاً من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لرسالته عليهم ، كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نبوته ويتلو آيات القرآن على وفود القبائل الأخرى الذين يأتون لحج بيت الله الحرام ويتخذ من أيام الأشهر الحرم واقية وحرزاً .
فلا تستطيع قريش الإضرار به في الموسم ، ومع هذا كان يتصل بوفد الحاج خفية ويسألهم أم يكتموا أمره ، وإن لم يقبلوا دعوته ، قال تعالى [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ] ( ).
ويقوم بعضهم بالرد بغلظة عليه والإساءة إليه ، خاصة وأن عمه أبا لهب كان يسير خلفه في منى وهو ينادي عليه : كذاب .
وهل من موضوعية ونفع من وجود اليهود في المدينة بما كانوا يتحدثون به عن أخبار نبي آخر الزمان ، الجواب نعم .
قال ابن اسحاق (فلما أراد الله اظهار دينه واعزاز نبيه وانجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الموسم الذى لقى فيه النفر من الانصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقى رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا .
فقال لهم من أنتم قالوا نفر من الخزرج .
قال أمن موالى يهود قالوا نعم .
قال أفلا تجلسون أكلمكم قالوا بلى .
فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الاسلام وكان مما صنع الله بهم في الاسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم .
وكانوا أهل علم وكتاب وكانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شئ قالوا لهم إن نبيا مبعوثا الآن قد أظل زمانه نتبعه نقتلكم معه قتل عاد وارم .
فلما كلّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض تعلموا والله انه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه .
فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام .
وقالوا له إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فان يجمعهم الله عليك) ( ).
وحتى في مكة قبل الهجرة كانت أخبار أهل الكتاب ببعثة نبي آخر الزمان شبه شائعة ، وصحيح أن رؤساء قريش أظهروا العداوة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتجاهروا بالجحود بالنبوة والتنزيل إلا أن طائفة من أهل البيت وأهل مكة دخلوا الإسلام ، ولاقوا صنوف التعذيب .
لذا أكرمهم الله عز وجل ، قال تعالى[وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] ( ).
ولقاء هؤلاء النفر مع النبي سبق بيعة العقبة الأولى بسنة، إذ جرى هذا اللقاء في موسم الحج في السنة الحادية عشرة للهجرة النبوية ، والذين التقى بهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشخاص كلهم من الخزرج وهم :
الأول : (أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ .
الثاني : َعَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ .
الثالث : َرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ .
الرابع : َقُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ .
الخامس : َعُقْبَةُ بْنُ عَامِر ٍ .
السادس : َجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابٍ.
فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا)( ).
وبعض كتاب السير يجعل بيعات العقبة ثلاث ، ويجعل هذا اللقاء البيعة الأولى .
ولكن ليس فيه بيعة ، إنما دعوة إلى الإسلام واستجابة من عدد قليل ، لقد سبق إسلام هؤلاء النفر الستة إسلام عشرات من أهل البيت ، ومن قريش وعامة أهل مكة ، ومنهم من هاجر إلى الحبشة ، وكان عددهم ثلاثة وثمانين رجلاً وثمان عشرة امرأة( ) .
ولكن إسلام هؤلاء الستة من الخزرج إنتقال في الدعوة إلى السعة والأقاليم ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ] ( ) .
وكان هذا العدد مباركاً فحالما رجعوا إلى المدينة صاروا يدعون الناس إلى الإسلام ، ويتلون عليهم آيات القرآن ، ويبينون معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأصبح أهل يثرب يعلمون ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونزول القرآن ، فلما كان العام المقبل حضر منهم اثنا عشر رجلاً ، منهم خمسة من رجال اللقاء في العام الماضي ،وتمت بيعة العقبة الأولى , وتخلف جابر بن عبد الله بن رئاب السلمي الذي حضر فيما بعد( بدراً وأحداً والخندق وسائر المشاهد، وهو أول من أسلم من الأنصار قبل العقبة الأولى بعام) ( ).
ويروي أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ] ( ) قال صلى الله عليه وآله وسلم (يمحو من الرزق ويزيد فيه) ( ).
وعن (جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في هذه الآية لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال ، هي الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له) ( ).
وأما السبعة الباقون الذين حضروا فهم كل من :
الأول : معاذ بن الحارث بن رفاعة، وهو ابن عفراء أخو عوف المذكور.
الثاني : ذكوان بن عبد القيس الزرقي، وقيل: إنه دخل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة، فسكنها معه، فهو مهاجري أنصاري قُتل يوم أحد .
الثالث : عبادة بن الصامت بن قيس.
الرابع : أبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة البلوري .
الخامس : العباس بن عبادة بن نضلة، وهؤلاء من الخزرج.
ومن الأوس رجلان:
السادس : أبو الهيثم بن التيهان من بني عبد الأشهل.
السابع : عويم بن ساعدة، فأسلموا وبايعوا ) ( ).
تواريخ بيعة العقبة
الأول : اللقاء بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووفد الخزرج وعددهم ستة أشخاص في موسم الحج من السنة الحادية عشرة للهجرة النبوية الشريفة ، ولما عرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم الإسلام أسلموا ورجعوا إلى يثرب ، ليخبروا قومهم عن بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
لقد وعد هؤلاء النفر النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خيراً وأخبروه بوجود خصومة شديدة وعداوة في قومهم بين الأوس والخزرج مع أنهم ابناء عمومة واحدة .
وكان الأوس والخزرج أخوين لأب وأم وأصلهم من سبأ من اليمن واسم أمهم قيلة من قبيلة قضاعة وهي (قيلة : بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة أم الأوس والخزرج
قال النعمان بن بشير الأنصاري يمدح الأوس والخزرج :
بهاليل من أولاد قيلة لم يجد … عليهم خليط في مخالطة عتبا
مساميح أبطال يراحون للندى … يرون عليهم فعل آبائهم نحبا
وهذان البيتان في قصيدة له) ( ).
وكانت تقع بينهم معارك بين الحين والآخر .
وقالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم يتطلعوا إلى جمعهم وتآلفهم ببركة نبوته والتصديق برسالته ووعدوه خيراً .
واذا تآلفوا فلن يكون أحد أعز من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ولم يعلموا أن الله عز وجل قد كتب العز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يخلقه ، قال تعالى [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ] ( ).
ويحمل قولهم على تهيئة مقدمات وأسباب هذا العز .
كما يبين مسألة وهي أن دخول الأنصار في الإسلام لم يكن إبتداء واختياراً محضاً من عندهم ، إنما هو بسعي وجهد وبركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يسعى لكثرة الشوكة والعدد والعدة ، والهجرة والتبليغ بعيداً عن قريش ومكرهم .
وهل كانت عند هؤلاء الستة أخبار بتآلفهم ببعثة نبي آخر الزمان محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، المختار نعم .
ويدل هذا الخبر على قانون حاجة الناس وإستدامة الحياة في الجزيرة لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وهل كان هؤلاء الستة أول من دخل الإسلام من أهل يثرب أم سبقهم غيرهم ، المختار هو الثاني ، وقد جاءت الأخبار بخصوص هؤلاء الستة في العقبة لكن الواقع والحال أعم وأوسع واثبات شي لشي لا يدل على نفيه عن غيره ، وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتصل بوفود القبائل للحج والعمرة يدعوهم إلى الإسلام مدة سني البعثة .
وتدل الحروب المتكررة بين الأخوة من الأوس والخزرج مثلاً على وقوعها بين أبناء العمومة ، وبين المتباعدين .
وتدل عليه الشواهد التأريخية والوجدان ، وكثرة الحروب والمعارك التي وقعت بين القبائل العربية قبل الإسلام مثل معركة البسوس ، وهي من أكبر وأطول المعارك في تأريخ العرب ، وكانت بين بكر بن وائل ، وتغلب بن وائل ، وقد تقدم البيان والتفصيل بخصوصهما .
ومعركة داحس والغبراء بين فزارة وعبد قيس .
ويوم النسار بين ضبة وبني تميم ، وأحتج بما ورد فيه من الشعر عبد الله بن عباس على نافع بن الأزرق الذي (قال له : أخبرني عن قوله { إن عذابها كان غراماً }( ) قال : ملازماً شديداً كلزوم الغريم الغريم قال : وهل تعرف العرب ذلك؟
قال : نعم .
أما سمعت قول بشر بن أبي حازم؟
ويوم النسار ويوم الجفار … كانا عذاباً وكانا غراماً)( ).
ومسائل ابن الازرق ليست قوية في سندها وكثرتها ولكن تلقاها كثير من أهل العلم بالقبول .
وأيام الفجار الأربعة ، وكل يوم يستمر مدة في مواجهة وكر وفر ، وترصد منها بين هوازن وقريش ، وكان عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ نحو أربع عشرة سنة .
أما المعارك بين الأوس والخزرج فتصل إلى عشرة معارك منها حرب سمير .
وعن الكلبي أن قوله تعالى [وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ] ( ) (نزلت في حرب سمير وحاطب، وكان سمير قتل حاطباً،
فجعل الأوس والخزرج يقتتلون إلى أن أتاهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله سبحانه هذه الآية، وأمر نبيّه، والمؤمنين أن يصلحوا بينهم)( ) .
وهو بعيد من جهات :
الأولى : أسباب نزول الآية الكريمة بخلافه .
الثانية : صبغة الإيمان في الآية ، وقيد المؤمنين لإفادة المسلمين والصحابة من الطرفين .
الثالثة : صيغة المضارع في الآية ، ولغة الشرط [وَإِنْ طَائِفَتَانِ].
الرابعة : ذكر حرب سمير في أسباب نزول آية أخرى و(عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “فَكَانَتْ قُرَيْظَةُ حُلَفَاءَ الأَوْسِ، وَكَانَتِ النَّضِيرُ حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، فَكَانُوا يَقْتَتِلُونَ فِي حَرْبٍ سُمَيْرٍ فَتُقَاتِلُ بَنُو قُرَيْظَةَ مَعَ حُلَفَائِهَا النَّضِيرَ وَحُلَفَاءَهُمْ، وَكَانَتِ النَّضِيرُ تُقَاتِلُ قُرَيْظَةَ وَحُلَفَاءَهَا وَيَغْلِبُونَ فَيُخَرِّبُونَ دِيَارَهُمْ وَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا، فَإِذَا أُسِرَ رَجُلٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا جَمَعُوا لَهُ حَتَّى يُفْدُوهُ فَتُعَيِّرُهُمُ الْعَرَبُ بِذَلِكَ، يَقُولُونَ: كَيْفَ تُقَاتِلُونَهُمْ وَتُفْدُونَهُمْ، قَالُوا: أُمِرْنَا أَنْ نَفْدِيَهُمْ وَحُرِّمَ عَلَيْنَا قِتَالُهُمْ، قَالُوا: فَلِمَ تُقَاتِلُونَهُمْ ؟
قَالُوا: إِنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ يُسْتَذَلَّ بِحُلَفَائِنَا، فَذَلِكَ حِينَ عَيَّرَهُمُ اللَّهُ، فَقَالَ: ” ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ) ( ).
وآخرها حرب بُعاث بين الأوس وحلفائهم من جهة ، والخزرج وحلفائهم من جهة أخرى ، ووقعت قبل الهجرة النبوية بخمس سنوات ، لذا حضر وفد من الأوس ، ووفد من الخزرج في كل من بيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية .
مما يدل على بركة نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الألفة بينهم وإصلاح حالهم ، ونزل قوله تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] ( ) لبيان أن المدار في الصلة بين الناس على الإيمان ،وأن الإختلاف والتباعد بسبب العقيدة .
وإذ اثنى الله عز وجل على المؤمنين ونعتهم بأنهم إخوة فان الكفار لا يستطيعون الإرتقاء إلى هذه المرتبة ، إنما يدب الخلاف والكراهية بينهم ، قال تعالى [بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ] ( )أي أن الله عز وجل يباعد بين قلوبهم ، ويمنع من تآلفهم ، أو سيادة المحبة والمودة بينهم .
وقد يقال كان الأوس والخزرج يعملون على تنصيب عبد الله بن أبي بن أبي سلول ملكاً عليهم جميعاً ، وهو من الخزرج الذين هم أكثر عدداً من الأوس .
والجواب من جهات :
الأولى : لا تدل النية بتنصيب عبد الله بن أبي ملكاً على تحقق هذا الأمر، لتجذر الخصومة وكثرة القتلى بين الطرفين .
الثانية : وجود حلفاء لكل من الفريقين من اليهود وبعض القبائل العربية مما يؤجج أسباب الخصومة والفتن والثأر بينهم .
الثالثة : من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الغيرية وفيوضات رسالته تضاؤل الكدورة والبغضاء بين الناس ، ومن أسبابها الظاهرة إنشغالهم بالتنزيل ومعاني آياته ، والتدبر فيها وتتبع أخبار نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتي هي شعبة من الوحي ، وهل من ملازمة بين الوحي والمعجزة .
الجواب نعم ، فيأبى الله عز وجل أن يكون وحيه مثل كلام البشر في موضوعه وأثره ، وعظيم نفعه ، إذ يعجز الناس عن درك عظيم منافع الوحي في الدنيا والآخرة ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ]( ) .
وقيل (ثُمّ رَجَعُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَدَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَفَشَا الْإِسْلَامُ فِيهَا حَتَى لَمْ يَبْقَ دَارٌ إلّا وَقَدْ دَخَلَهَا الْإِسْلَامُ فَلَمّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ جَاءَ مِنْهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا) ( ).
وقد لا يدل مجئ اثني عشر رجلاً فقط على دخول الإسلام كل دار في المدينة ولكنها المعجزة وفضل الله وإرادة معرفة الناس ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومبادئ الإسلام .
ولقد فشا وشاع أمر الإسلام في مكة ، وذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنتديات والبيوت وتُلي القرآن في المدينة من غير خشية من كفار قريش ، ولم يكن يومئذ في المدينة منافقون ومنافقات .
لقد كان يهود المدينة يفخرون على الأوس والخزرج بأن عندهم التوراة، ويقومون بتلاوتها ، فجاءت تلاوة القرآن بعربية فصيحة وبلاغة عالية تجذب الأسماع ، وتبهر النفوس ، وتبعث على التدبر والتفكر في كل من :
الأول : ذات آيات القرآن .
الثاني : موضوع آيات القرآن .
الثالث : دلالة آيات القرآن مجتمعة ومتفرقة .
الرابع : موضوعية نزول آيات القرآن في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وهل ينحصر انتشار الإسلام وتلاوة آيات القرآن في المدينة والتي كانت تسمى يومئذ يثرب بهؤلاء النفر الستة الذين التقوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الجواب لا ، فقد سبقتهم أنباء بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتوالت أخبارها على المدينة وغيرها .
وقد تم هذا اللقاء في السنة الحادية عشرة للبعثة النبوية ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلتقي وفود القبائل الذين يقدمون إلى الحج طيلة سنوات البعثة من وجوه :
الأول : عرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه على القبائل .
الثاني : بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوفد الحاج دلائل نبوته .
الثالث : تلاوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم آيات القرآن على الوفود.
ومن إعجاز القرآن أنه دعوة إلى الإيمان في كل زمان ، وأنه الشاهد على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد قال الله تعالى في خطاب إلى موسى عليه السلام [سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا] ( ).
ليتفضل الله عز وجل ويجعل القرآن وآياته عضداً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكل مسلم ومسلمة ورسلاً إلى أهل المدن والقرى .
وهل كان لآيات القرآن التي وصلت إلى المدينة موضوعية في إسلام هؤلاء الستة من الأوس والخزرج .
المختار نعم ، قال تعالى [لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ]( ).
بين الصبر والصلاة سلام
لقد جعل الله عز وجل القرآن [تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] ( ) ومنه آيات الأحكام والأوامر والنواهي إلى يوم القيامة ، وتتجلى فيها مجتمعة ومتفرقة قوانين :
الأول : قانون طاعة الله عز وجل والإستجابة لأوامره تعالى .
الثاني : قانون اتباع الأنبياء والرسل .
الثالث : قانون الشكر لله عز وجل بأداء الواجبات والإمتناع عن النواهي .
الرابع : قانون نشر ألوية السلم والأمن في الأرض .
الخامس : قانون جني الحسنات ، وما يرجح كفة الميزان في الآخرة .
السادس : قانون التحلي بالصبر والتحمل ، قال تعالى[وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ]( ).
وبين الصبر والصلاة في الآية أعلاه عموم وخصوص مطلق ، إذ يلزم في أداء الصلاة أمور :
الأول : الصبر وحبس النفس في طاعة الله.
الثاني : الصبر عن الدنيا وزينتها.
الثالث : إنتزاع وقت للعبادة يعطل فيه المؤمن كسبه.
ترى ما هي النسبة بين الصبر والصلاة ، المختار أنها العموم والخصوص المطلق ، وأن الصلاة صبر في طاعة الله ، وصبر وحجاب عن المعصية ، وما بين الصبر والصلاة من وجوه الإلتقاء والتشابه سلام ودعوة للألفة وتحسين لغة الخطاب بين الناس في أمور الدين والدنيا .
ومن الآيات أن الصبر يدعو إلى الصلاة ، كذا العكس .
نداء الصلاة يوم بدر
من خصائص الأنبياء الإلتجاء إلى الصلاة والإجتهاد بالتضرع إلى الله عند الشدائد ، وفيه موعظة للناس وتأديب لهم ، وكان يوم بدر مناسبة تجلى فيها هذا القانون ، ليبقى وثيقة نبوية ، وشاهداً على حب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة ، واستجارته بالله عز وجل في يوم الإبتلاء الذي سمّاه الله تعالى يوم الفرقان .
هناك مسائل :
الأولى : هل كانت دعوة النبي للصلاة لأصحابه خاصة أم لجمع وجيش المشركين معهم .
الثانية : هل سمع معسكر المشركين دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة .
الثالثة : لماذا لم يرم المشركون المسلمين بالسهام عند الصلاة.
الرابعة : ترى ماذا لو جاء المشركون للصلاة .
الخامسة : هل من موضوعية لهذه الدعوة المباركة في سير ونتائج المعركة .
أما المسألة الأولى فالمختار أن دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامة لمن حضر وسمع النداء وهو من مصاديق قانون تكليف المشركين بالفروع كتكليفهم بالأصول ولعمومات قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ]( ) .
ومن مصاديق العموم والإطلاق في المقام دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة في الميدان ، ليكون تقدير قوله تعالى [يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ]( )، بلحاظ النداء النبوي للصلاة على وجوه :
الأول : يوم بدر هو يوم الفرقان باقامة المؤمنين الصلاة ومحاربة الكفار لهم على هذه الإقامة .
الثاني : يوم الفرقان بين الإيمان والكفر هو يوم التقى الجمعان .
الثالث : يوم الفرقان يلجأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه إلى الصلاة .
أما المسألة الثانية فالمختار نعم قد سمع المشركون نداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أقل الذي هم قريبون من معسكر المسلمين ، لبيان مسألة وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخش المشركين في إقامة الصلاة لذا نزلت صلاة الخوف فيما بعد .
وفي سماع المسلمين لنداء الصلاة مسائل :
الأولى : إنه حجة على المشركين يومئذ.
الثانية : فيه دعوة لهم للتوبة والإنابة .
الثالثة : حض المشركين للإمتناع عن القتال .
وفيه بعث للخوف والرعب في قلوبهم إذ يرون الضبط والإنصياع عند المسلمين لله ورسوله ، قال تعالى [سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ]( ) .
لبيان مسألة وهي نداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة في ساحة المعركة سبب لبعث الرعب والخوف في قلوب المشركين ، وفيه شاهد بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يغز أحداً ولكن آيات القرآن تغزو القلوب فيهتدي بعضهم ويجحد آخرون .
ومع أن الصحابة لم يناموا ساعات الليل كلها إلا أنهم حالما سمعوا نداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة في أول شآبيب ضياء الفجر هبوا جميعاً للوضوء والتطهر , والوقوف صفوفاً متراصة بين يدي الله عز وجل لتنزل الملائكة لنصرتهم ,قال تعالى [إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ] ( ).
والزكاة سلم ، ومودة بين الناس ، وينتفع منها الغني والفقير وعامة الناس ، إذ ينشر تعاهد الزكاة والصدقة والمحبة والألفة بين الناس ويمنع من العنف وثورة الفقراء على الأغنياء في حال إزدياد الفاقة والجوع ، إذ تنقذ أحكام الزكاة والخمس الفقراء من ركوب جادة الظلم والعنف ، وتحافظ على سلامة الأغنياء وتنشيطهم للتجارة والأسواق ، وسيأتي بيانه .
وحج البيت سلم دائم يتجدد كل سنة ، إذ تشع أنوار السلم من حج وعمارة البيت كل سنة ، وكذا في استقبال المسلمين له من مشارق ومغارب الأرض خمس مرات في اليوم ، لما فيه من عنوان الوحدة والأخوة في الله ، والرحمة العامة بين المسلمين وغيرهم .
وكذا بالنسبة لفريضة الخمس وإخراج الحقوق الشرعية .
وسيأتي قانون النواهي الشرعية سلم ووسيلة للأمن المجتمعي العام .
أوقات الصلاة سلام يومي متجدد
من الآيات أن الله عز وجل يخلف العبد خيراً مما يفقده بسبب الصلاة ومقدماتها ، ومن الصبر في الصلاة إجتناب الفواحش ، قال تعالى [اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ]( ).
لقد تضمنت الآية أعلاه ثلاثة تكاليف موجهة إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبواسطته إلى الأمة :
الأول : تلاوة آيات القرآن على الناس ، وفي الصلاة ، وقيدت الآية التلاوة بشرطين :
أولاً : الوحي الخاص إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليس مطلق الوحي إلى الأنبياء ، قال تعالى [إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا] ( ).
ثانياً : تقييد تلاوة الوحي بأنه من القرآن ، لبيان قانون وهو النسبة بين الوحي والقرآن عموم وخصوص مطلق ، إذ أن الوحي على جهات :
الأولى :آيات وسور القرآن .
الثانية : الحديث القدسي .
الثالثة : السنة النبوية .
وينزل جبرئيل بالقرآن , أما عامة الوحي فهو على وجوه :
أولاً : القاء بالروع بما يجعل النبي يدرك أنه من الوحي.
ثانياً : الوحي المنامي في الرؤيا كما في إبراهيم عليه السلام إذ ورد في التنزيل [قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ]( ).
ثالثاً : يأتي به سائر الملائكة , وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو شئتُ لسارت معي جبال الذهب ، جاءني مَلَكٌ إن حُجِزْتَهُ لتساوي الكعبة .
فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول : إن شئتَ نبيًا عبدًا، وإن شئت نبيًا مَلِكًا ، فنظرت إلى جبريل فأشار إليَّ أنْ ضَعْ نفسك ، فقلت : نبيًا عبدًا” قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئًا يقول : آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد( ).
رابعاً : ينزل به جبرئيل ، ولكنه والنبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يفصلان بين وحي القرآن ووحي السنة ، قال تعالى [وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ] ( ).
الثاني : إقامة الصلاة ، وجاءت الآية مطلقة ، وتضمنت آيات أخرى ذكرت أوقات الصلاة ، وهي :
الأولى : قوله تعالى [وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ] ( ) لإفادة صلاة الصبح والعصر .
الثانية : قوله تعالى [وَأَقِمْ الصَّلاَةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ] ( ) لبيان صلاة الصبح والمغرب والعشاء .
الثالثة : قوله تعالى [أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا] ( ) لبيان صلاة الظهر والعشاء والفجر .
والمراد من غسق الليل ظلمته ، وحتى الذي يجمع بين صلاة المغرب والعشاء، جمع تقديم بأن يقدم صلاة العشاء مع صلاة المغرب ومتعقبة لها فانها تكون عند الظلمة وغسق الليل ، أما من يؤخر المغرب ويصليها مع العشاء فانه يسمى جمع تأخير ، أي تأخير صلاة المغرب لحين أوان صلاة العشاء ، وكل منهما صحيح.
وحتى لو قيل بأن الآية أعلاه من سورة (ق) تذكر التسبيح وهو أخص من الصلاة ، فقد أفادت الآية أعلاه الدلالة على صلاة الصبح .
وعن الإمام الباقر عليه السلام حينما سئل عن خمس صلوات في الليل والنهار (هل سماهن الله تعالى وبينهن في كتابه .
فقال : نعم قال الله عزوجل لنبيه : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل “الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سماهن وبينهن ووقتهن، وغسق الليل انتصافه، ثم قال [وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا]( ).
فهذه الخامسة وقال تبارك وتعالى في ذلك [أَقِمْ الصَّلاَةَ طَرَفِي النَّهَارِ]( )، وطرفاه صلاة المغرب والغداة وصلاة الغداة أي صلاة الفجر ، والغدوة : البُكرة وما بين الطلوعين ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فلا تخفروا الله في ذمته ، فإنه من أخفر ذمته طلبه تبارك وتعالى حتى يكبه على وجهه.
وأخرج البزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من صلى الغداة فهو في ذمة الله ، فإياكم أن يطلبكم الله بشيء من ذمته.
وأخرج الطبراني عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه( ).
أي أن الذي يصلي صلاة الفجر في وقتها فهو محفوظ بذمة الله عز وجل فلا يجوز الإعتداء عليه في يومه ومن يعتدي عليه يبوء بسخط وغضب من الله لبيان موضوعية وشأن صلاة الصبح والعناية والتقيد بأدائها ، وفيها قهر للنفاق وطرد للكسل في مرضاة الله .[وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ]( )، فهي صلاة العشاء الآخرة، وقال عزوجل [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَة الْوُسْطَى]( )، وهي صلاة الظهر، وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه واله وهي وسط صلاتين بالنهار : صلاة الغداة وصلاة العصر [وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ] ( )، في صلاة الوسطى) ( ).
وهل قوله تعالى [إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ] ( ) من آيات السلم أم أنها اجنبية عنه فهي خاصة ، الجواب هو الأول إذ تنهى الصلاة عن الظلم وعن التعدي ، قال تعالى [وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ]( ) .
ومن معاني الصلاة أنها حال خشوع وخضوع للعبد بين يدي الله ، وأصلح الله المسلمين للإمتناع عن التعدي بأدائهم الصلاة جماعة لتكون مناسبة للتقيد بسنن التقوى والتعاون في سبل المعروف وهو من مقدمات قوله تعالى [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى]( ).
الثالث : الإكثار من ذكر الله ، والنسبة بينه وبين الصلاة العموم والخصوص المطلق لبيان قانون وهو عدم إنحصار التلاوة والعبادة بأوقات الصلاة ، ولتأكيد الترغيب بصلاة النافلة .
ومن الإعجاز في الآية أعلاه أن ذات الصلاة تنهى ، فهي أمر وجودي مستقل له شأن وأمر ونهي ، فهي طاعة لله ، وتدعو إلى الطاعة واتيان القربات ، وتمنع عن فعل السيئات ، إذ يدل ذكر نهي الصلاة عن الفواحش عن فضل الله في تشريعها , وعظيم ثوابها .
على أنها تتضمن معاني الأمر والترغيب بالفرائض العبادية الأخرى ، لذا يأتي ذكر وإخراج الزكاة مقترناً بأداء الصلاة , فقال تعالى في عدة آيات من القرآن وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ منها ثلاث مرات في سورة البقرة.
وآيات إقامة الصلاة واتيان الزكاة محكمة غير منسوخة ، وبه يقطع جميع علماء الإسلام ، فهل هي من آيات السلم ، أم أن القدر المتيقن بخصوص أمر السلم هي الآيات التي تدعو إلى السلم والصلح والموادعة.
الجواب هو الأول ، فقد كانت الصلاة ضابطة كلية لملاكات الأخلاق , وبها تتقوم سنن التقوى .
معجزة الخروج إلى الحديبية سلام
من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الحسية أن موقعاً يمر أو يقيم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبضعة أيام يكون من معالم التأريخ والجغرافية وتعلم أجيال المسلمين باسمه وموضوعه .
لتأتي هذه الأيام بالعناية بالآثار والواقع التأريخية لتكون مناسبة لاستحضار سيرة الأنبياء والوقائع التي حدثت في أيامهم بما يكون شاهداً على صبرهم وجهادهم ، وتفانيهم وأهل بيتهم وأصحابهم في مرضاة الله ، قال تعالى [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] ( )، ودعوة الناس إلى الهدى والإيمان ، وتثبيت أفراد الوحي وآيات التنزيل في الأرض ، وجعلها ميراثاً ، وثروة متجددة تجذب البركة والفيض وتمنع من الظلم والجور والبطش والإرهاب .
لقد خرج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة هو وأصحابه وهم يريدون العمرة ، وهذا القصد معجزة حسية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فان قلت كيف يكون الخروج إلى العمرة معجزة ، والجواب من جهات :
الأولى : جاء خروج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحديبية بعد مرور نحو سنة على غزو عشرة آلاف من المشركين المدينة المنورة ، وإحاطتهم ومحاصرتها لأكثر من عشرين ليلة وقد جاءوا من مكة وما حولها، فيتوجه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إليهم في دارهم ليس للقتال، إنما لأداء واجب وبقصد الصلح.
الثانية : هذا الخروج من رشحات الوحي وأسرار التنزيل .
الثالثة : إستجابة الصحابة لدعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للخروج مع إثارة المنافقين الريب ، وبث الخوف من التوجه إلى ديار قريش ، وقد زحفوا هم وحلفاؤهم قبل نحو سنة بعشرة آلاف في الأحزاب ، ولم يعلموا أن الله الذي صرف شرورهم يومئذ بالمعجزة هو الذي يكف أيديهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ] ( ) .
الرابعة : توجه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة بعد مرور ثلاث سنوات على معركة أحد التي هجم فيها ثلاثة آلاف من مشركي مكة وحلفائهم على المدينة لإرادة قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فجاءهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى عقر دارهم .
وكما سقط سبعون شهيداً من المسلمين ، فقد قتل في المعركة اثنان وعشرون من المشركين منهم حملة لواء قريش ، وفي قتلهم خزي لقريش ، ليكون خصوص قتل حملة لواء قريش من مصاديق الخزي والخيبة التي لحقتهم كما في قوله تعالى [لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ]( )، وتتعلق الآية أعلاه بمعركة أحد من جهة أسباب النزول ، ولكن موضوعها أعم ، وتحتمل وجوهاً :
الأول : الآية أعلاه من آيات القتال .
الثاني : إنها من آيات السلم .
الثالث : انها من آيات القتال والسلم .
والمختار هو الثالث ، فصحيح أنها نزلت للإخبار عن خيبة وخزي وندامة جيش الذين كفروا في معركة أحد ، إلا أنها دعوة للسلم لما تبينه من قانون وهو رجوع المشركين خائبين ، ليكون هذا الرجوع زاجراً لهم عن الظلم واستدامة التعدي والغزو ، فلم يكن قوله تعالى [لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا] ( ) مطلوباً بذاته فقط ، إنما هو مقدمة للسلم والكف عن القتال والغزو .
وفيه نكتة وهي أن الآية تمنع من القول بأن المشركين انتصروا في معركة أحد ، فصحيح أن المسلمين فقدوا في المعركة سبعين شهيداً ، وأن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه اصيبوا بجراحات بالغة كثيرة إلا أنهم لم يخسروا المعركة ، ولم يستطع المشركون أن يحققوا أي غاية من غاياتهم الخبيثة ، وهل رجوعهم خائبين يجعل آيات القتال في معركة أحد من آيات السلم أيضاً ، الجواب نعم .
والأصل أن المسلمين اذا استحضروا وقائع معركة أحد ، والخندق ، وغزو المشركين لهم ، وتهديدهم المستمر لهم فأنهم يحرصون على البقاء في المدينة ، وإجتناب اللقاء مع المشركين خاصة وأنه لم تطرأ حوادث ووقائع تغير حال المشركين إلى الضعف الشديد ، ولكن الخروج إلى الحديبية كان بوحي من عند الله عز وجل ، لبيان قانون وهو أن الوحي خارق لنظام الأحداث وتعاقبها، إذ جاء هذا الخروج برؤيا رآها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قانون [ فَتْحًا مُبِينًا] سلام غير منسوخ
لقد جعل الله عز وجل الحياة الدنيا دار الفتح والفرج والعز ، لبيان مصداق لملك الله عز وجل للسموات والأرض ، ونصرته للأنبياء والأولياء، ويتبادر إلى الذهن من قوله تعالى [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا] ( ) أنه فتح ظفر وقهر للأعداء وغلبة على الكفار .
ولكن هذا الفتح هو الصلح مع الكفار لبيان مسألة وهي أن الصلح مع أهل الكتاب هو من الأمن والسلم من باب الأولوية ، وكذا الصلح بين طوائف المسلمين ، قال تعالى [وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ] ( ) وهذه الآية من الإعجاز الموضوعي الغيبي في القرآن ، إذ لم تكن طوائف مستقلة للمسلمين أيام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يقع قتال بينهم ، ولكنها تتضمن الإخبار عن مستقبل وحال المسلمين ما بعد أيام النبوة والتنزيل .
وورد ذكر الطائفة في معركة أحد بقوله تعالى [إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ]( )، لبيان أن الطائفة هنا لم تخرج عن الجماعة ، ولم يقع بينها وبين عامة الصحابة خلاف أو شقاق.
وقد يأتي من الناس من يقول لابد من محاربة الكفار ، فتكون هذه الآية زاجراً له ، وهل تدل هذه الآية على أن القدر المتيقن من آية السيف هو خصوص أيام وسنة النزول ، الجواب نعم .
وآية السيف هي [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] ( ).
لقد جاءت آيات كثيرة من القرآن بلزوم صبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين على أذى المشركين ، ولا يمكن احتساب هذه الآيات كلها منسوخة لإحتمال تأويل آية بالإطلاق الزماني والمكاني ، والاصل عدم ثبوت هذا الإطلاق لفظاً ودلالة قال تعالى [ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ] ( ) .
وتدل الآية بالدلالة التضمنية على حضّ المسلمين والمسلمات على الصبر على ظلم وتعدي وغزوات المشركين عليهم ، وعلى الأذى الذي كان يأتي من المنافقين وبعض الطوائف الذين كانوا في المدينة .
ومن مصاديق الصبر الإعراض ، وتفويض الأمر إلى الله عز وجل قال سبحانه [وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً]( ).
ومن الإعجاز في آية الفتح أنها ذكرت المعلول والغاية والمقاصد السامية من صلح الحديبية منها ما ورد بقوله تعالى [ِليَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ] ( ) والمراد الأمة ، وقيل ما فرط من النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ترك الأولى ولإتمام النعمة من عند الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين والمسلمات .
لبيان مسألة وهي أن تمام النعمة ليس بالحرب وتحقيق النصر فيه، إنما بالصبر والصلح المقرون بالثبات على الإيمان .
وفي يوم الحديبية (دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ فَقَالَ اُكْتُبْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ .
فَقَالَ سُهَيْلٌ لَا أَعْرِفُ هَذَا ، وَلَكِنْ اُكْتُبْ بِاسْمِك اللّهُمّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ اُكْتُبْ بِاسْمِك اللّهُمّ فَكَتَبَهَا .
ثُمّ قَالَ( ) اُكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمّدٌ رَسُولَ اللّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو.
فَقَالَ سُهَيْلٌ لَوْ شَهِدْت أَنّك رَسُولُ اللّهِ لَمْ أُقَاتِلْك ، وَلَكِنْ اُكْتُبْ اسْمَك وَاسْمَ أَبِيك ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ اُكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو) ( ) .
فان قلت إن إبتداء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بكتاب الصلح مع سهيل بن عمرو رئيس وفد قريش إلى صلح الحديبية ببسم الله الرحمن الرحيم من الإيمان والثبات عليه ، فلماذا استجاب لطلب سهيل بأمرين :
الأول : ترك البسملة .
الثاني : محو لفظ رسول الله صفة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الجواب من جهات :
الأولى : ليبقى ملايين المسلمين يتلون البسملة في الصلاة اليومية ، وفي تلاوة القرآن .
الثانية : موضوعية السلم ، ومنع القتال في السنة النبوية .
الثالثة : سلامة السنة النبوية ومبادئ الإيمان من الثأر والإنتقام .
الرابعة : بيان قانون مصاحب للحياة الدنيا ، وهو : الصلح فتح.
ولما احتجت الملائكة على جعل الإنسان [فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) لأنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء أجابهم الله [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] ( ) .
ومن علم الله واحتجاجه لأعلاه على الملائكة إمضاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للصلح مع المشركين ، ورضاه بشروطهم مثل محو البسملة وصفة الرسالة له ، وجواز من يدخل في عهدهم من القبائل ، وعودته وأصحابه من غير أداء العمرة في تلك السنة مع أنهم صاروا على بعد أمتار معدودة من الحرم المكي .
الخامسة : بيان مسألة وهي أولوية الصلح إذا لم يتعرض المشركون لسنن التوحيد التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولإقامته وأصحابه الصلاة .
وكان همّ قريش قبل هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يكف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذم عبادة الأصنام ، وتقبيح التوسل بها ، وألحّ وجهاؤهم على أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يترك النبي شتمهم وآباءهم لأنهم يعبدون الأوثان .
وما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشتمهم إنما يذم فعلاً منكراً وهو الشرك ،وتنزل الآيات بهذا المعنى ،وقال تعالى [إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا]( ) .
ليدل رضا وإمضاء قريش لصلح الحديبية على سكوتهم على إنكار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعبادة الأوثان ، خاصة مع توالي نزول القرآن بالإنذار من عبادة الأوثان واللجوء إليها ،
وتمر الأيام ويدخل سهيل بن عمرو الإسلام ويحسن إسلامه ، ويتخذ يوم وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مهارته في الخطاب وسيلة لمنع الناس في مكة من الإرتداد أو الإخلال بالنظام وأوقات الصلاة ، وإتباع العامل عليها يومئذ عتُاب بن أسيد الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها يوم فتح مكة (معاذ بن أبي الحارث ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين استعمل عتاب بن أسيد على مكة قال : هل تدري على من استعملتك ؟
استعملتك على أهل الله) ( ).
(ولما توفي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ووصل خبره إلى مكة وعامله عليها عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية استخفى عتاب وارتجت مكة , فقام سهيل بن عمرو على باب الكعبة وصاح بهم، فاجتمعوا إليه .
فقال: يا أهل مكة لا تكونوا آخر من أسلم وأول من ارتد، والله ليتمن الله هذا الأمر كما ذكر رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فلقد رأيته قائماً مقامي هذا وحده , وهو يقول : قولوا معي لا إله إلا الله تدن لكم العرب وتؤد إليكم العجم الجزية، والله لتنفقن كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله، فمن بين مستهزىء ومصدق فكان ما رأيتم، والله ليكونن الباقي.
فامتنع الناس من الردة.
وهذا المقام الذي قاله رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، لما أسر سهيل بن عمرو في بدر لعمر بن الخطاب) ( ) وامتناع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قطع لسان سهيل بن عمرو إذ أنه نبي الرحمة والعفو .
وتبين مقدمات صلح الحديبية أن السماحة واللطف من أخلاق النبوة ، وأنها لا تفرز إلا الخير والفلاح للمسلمين والناس جميعاً .
وتحتمل بنود صلح الحديبية وجوهاً :
الأول : ذات صلح الحديبية سلام ، وابتدأ معه فجر جديد يبعث السكينة في النفوس ، وترفع فيه راية الأمل .
الثاني : ذات الجلوس للتفاوض سلم ونبذ للحرب والقتال ..
الثالث : يترشح السلام عن صلح الحديبية مع تعاقب الأيام والليالي .
فقد كان المسلمون في حذر واحتراز يومي متصل من المشركين خشية مداهمتهم المدينة ، فكان صلح الحديبية أماناً وعزاً ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ]( )، فان قلت قد انتفع المشركون من صلح الحديبية ، وكان فرصة لمزاولتهم التجارة ، وتسيير القوافل إلى الشام واليمن .
الجواب إنه من مصاديق قوله تعالى [لِإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ]( ) وكان صلح الحديبية فرصة لدخول الناس الإسلام ، والتدبر في معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وهل بقيت نتائج صلح الحديبية أم انقطعت في زمانها وبعد نقض قريش له ، الجواب هو الأول ، ولا يضر به توجه الخطاب في الآية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، إذ أنه عام يشمل الأمة وليس هو من مختصات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فمثلاً ذكرت الآية تمام النعمة .
والصلح مناسبة لبيان أحكام الشريعة ، وقال تعالى [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا] ( ).
قراءة في [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا] ( )
هذه الآية أول آية من سورة الفتح ، وإبتدأت بالضمير [إِنَّا] في لغة تعظيم لمقام الربوبية ، إذ يخبر الله عز وجل عن الفتح الذي لا يقدر عليه إلا هو سبحانه ، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قلة مستضعفاً تريد قريش قتله في فراشه ، وتوزيع ديته على بيوتات قريش ، مع أنه جاء لهم بخير الدنيا والآخرة ، قال تعالى [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ] ( ).
ومن الآيات ثبوت الذم القرآني لهم بالصفة ، وخصوص أبي لهب بالاسم هو وزوجته والوعيد بالنار لهم ، مع انه عم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ *وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ] ( ).
ووردت الآية بصيغة الفعل الماضي [فَتَحْنَا ] وهل يمكن أن يكون المراد (سنفتح لك) في الزمن اللاحق ، الجواب نعم ، ولكن هذا لا يصح إلا مع القرينة والذي يتجلى من جهات :
الأولى : المراد من الفتح المفتاح والمدخل والمقدمة .
الثانية : وصف الفتح بأنه مبين لإرادة ما يفتحه الله عز وجل للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين ، ومن أبواب الظفر والعز ، ودخول الناس في الإسلام من غير قتال .
الثالثة : رشحات وبركة صلح الحديبية التي تجلت وظهرت للخاص والعام من حين عقد هذا الصلح .
إذ نزلت الآية في الحديبية ، ولم تكتف الآية بتسمية الفتح بل وصفته بأنه مبين وفيه وجوه :
الأول : تجلي الفتح ، وظهوره للناس .
الثاني : هذا الفتح معجزة حسية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثالث : في الآية دعوة للناس للتدبر في مضامين وأسرار ودلائل هذا الفتح.
الرابع :إرادة العموم الإستغراقي لمعنى هذا الفتح ، فكما تدبر الناس في هذا الفتح أدركوا أنه مبين ظاهر .
الخامس : لا يفتح الله عز وجل لرسوله إلا الفتح المبين ، وفي التنزيل [وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا] ( ).
السادس : من معاني الفتح المبين لحوق الخزي بالذين كفروا ، ولا يختص هذا الخزي بأيامهم في الحياة الدنيا ، إنما يشمل كلاً من أيام الحياة الدنيا وعالم الآخرة .
فكلما قرئ القرآن أو ذكرت سنة النبي ، وتأريخ النبوة استعرض الناس مالاقاه وأهل بيته وأصحابه من الأذى الشديد ، قال تعالى لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.
السابع : بيان فضل الله عز وجل على المسلمين والمسلمات ، وتقدير الآية : إنا فتحنا لكم فتحاً مبيناً .
الثامن : انا فتحنا لك فتحاً مبيناً في صلح الحديبية من غير قتال .
التاسع : انا فتحنا لك فتحاً مبيناً بصلح الحديبية بدخول كثير من الناس في الإسلام .
العاشر : انا فتحنا لك فتحاً مبيناً ظاهراً في مكة إذ صار المسلمون فيها يجاهرون باسلامهم ، ومن خصائص الأنبياء التخفيف عن أصحابهم ، وقد خفّف الله عز وجل عن الناس وعن المسلمين كما في قوله تعالى [يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا] ( )وقوله تعالى [الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ]( ).
الحادي عشر : تبين آية البحث موضوع الفتح ونتيجته بأن غفر الله عز وجل للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كل ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، لبيان فضل الله عليه وعلى أمته ، والمراد ليغفر لأمتك ويرزقك درجة الشفاعة يوم القيامة .
الثاني عشر : بيان مرتبة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من بين الأنبياء ، بأن رزقه الله عز وجل الفتح المبين من غير قتال .
الثالث عشر : إخبار القرآن عن حب الله عز وجل للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم واستجابته لدعائه ودعاء إبراهيم وإسماعيل فيه بأن فتح الله عز وجل له فتحاً عظيماً .
الرابع عشر : البشارة بقرب فتح مكة .
قانون بيعة الرضوان فتح مبين
المراد من البيعة الصفقة المعقودة في البيع والشراء ، واستعملت في مبايعة الصحابة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على العهد والإيمان والولاء, لبيان نفعه وثوابه عند الله ، قال تعالى [إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] ( ) .
(أوَّلُ مَن ضَرَبَ الدَّنانيرَ، وأولُ مَن أحْدَثَ البِيعةَ) ( ) هو هرقل ملك الروم.
وبيعة المسلمين للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم معجزة ، وأمر خاص ، وهو النطق بالشهادتين والإقرار بنبوته وأنه رسول من عند الله .
ومن الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبق البيعة للهجرة النبوية ، إذ تمت بيعة وفد من الأوس والخزرج من أهل يثرب للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بيعة العقبة الأولى من السنة الثانية عشرة للهجرة النبوية الشريفة ثم تمت بيعة العقبة الثانية في السنة الثالثة عشرة للهجرة النبوية .
وبين البيعتين عموم وخصوص مطلق ، فالبيعة الثانية أعم وأوسع من وجوه :
الأول : عدد الذين حضروا بيعة العقبة الثانية أضعاف عدد الذين حضروا العقبة الأولى .
الثاني : مواد وموضوع بيعة العقبة الثانية أكثر وأظهر في الولاء والطاعة، والإستعداد للدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد سميت البيعة الأولى بيعة النساء لخلوها من شرط الذب والدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثالث : وجود عدد من النسوة في بيعة العقبة الثانية ومبايعتهم للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الرابع : إنصات وفد الأنصار لآيات وسور من القرآن أكثر مما سمعوا في بيعة العقبة الأولى ، لما نزل من القرآن في المدة بين البيعتين .
الخامس : من بين الذين حضروا البيعة الثانية من كان قد أسلم في البيعة الأولى أو وهو في المدينة عند عودة رجال البيعة الأولى لها ، ودعوتهم الناس إلى الإسلام ، ونبذ عبادة الأوثان ، كما تجددت البيعة في صلح الحديبية في بيعة الرضوان ، قال تعالى [لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا] ( ) .
قانون التحدي برؤيا النبي (ص)
الحمد لله الذي جعل الرؤيا حبلاً ممدوداً بين السماء والأرض ، تأتي للناس جميعاً ، فكما أنهم شرع سواء في الهواء والماء ، فان الرؤيا تأتيهم جميعاً ، ولكن النسبة بين الأفراد في المقام هي العموم والخصوص من وجه، ومن مادة الإلتقاء .
رؤيا الإنذار ، وليس من إنسان إلا ويأتيه هذا القسم من الرؤيا بلحاظ شأنه ومقامه ، والموضوع الذي يوليه العناية ، فتأتي للبر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، والشواهد التأريخية عليه كثيرة ، لتكون بلاغاً وحجة على الناس ومنها رؤيا ملك مصر أيام يوسف عليه السلام ، ثم رؤيا فرعون موسى .
(عن ابن مسعود – وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنه كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر، فأحرقت القِبْط وتركت بني إسرائيل، وأخربت بيوت مصر، فدعا السحرة والكهنة والقافة( ) والحازة( )، فسألهم عن رؤياه .
فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه – يعنون بيت المقدس – رجل يكون على وجهه هلاكُ مصر.
فأمر ببني إسرائيل ألاّ يولد لهم غلام إلا ذبحوه، ولا يولد لهم جارية إلا تركت. وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجاً فأدخلوهم واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة.
فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم وأدخلوا غلمانهم، فذلك حين يقول الله: ” إنّ فرعون علا في الأرضِ “( ) يقول ” تجبَّر في الأرض، ” وجعل أهلها شيعاً ” – يعني بني إسرائيل حين جعلهم في الأعمال القذرة – ” يَسْتضعفُ طائفةً منهمْ يُذَبِّحُ أبناءَهُم “( ) ، فجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح، فلا يكبر الصغير، وقذف الله في مشيخة بني إسرائيل الموتَ) ( ).
ودخل رؤساء القبط على فرعون ، وشكوا له الحاجة إلى الأيدي العاملة، والنقص الفادح في العمال بسبب ما لحق بني إسرائيل من شبه إبادة، وسألوا أن يبقى شطر من أولادهم ، خاصة مع تقادم زمان الرؤيا وعدم ظهور ما يدل على صحة تحقق مصداقها فأمر بذبح ابناء بني إسرائيل الذين يولدون في سنة ، وتركهم في سنة أخرى على التوالي .
فولد هارون في السنة التي ليس فيها ذبح للمواليد فتركوه ، أما موسى فولد في السنة التي يذبحون فيها المواليد من بني إسرائيل .
ترى هل كانت رؤيا فرعون من الله عز وجل أم من الشيطان ، وإذا كانت من الله عز وجل هل فيها تحريض لفرعون على بني إسرائيل ، والجواب كانت هذه الرؤيا من الله عز وجل ، ولا يقدر عليها إلا هو سبحانه .
والمختار لم تكن أضغاث أحلام ، إنما هي إنذار يتضمن دعوة فرعون إلى التوبة والإنابة ، والكف عن إدعاء الربوبية ، ففي هذه الرؤيا مسائل :
الأولى : مداهمة رؤيا الإنذار لفرعون .
الثانية : إصابة فرعون بحال الخوف والفزع من الرؤيا .
الثالثة : عجز فرعون عن تأويل رؤياه .
الرابعة : الأجر والثواب لمن يلقى الأذى في سبيل الله .
الخامسة : اضطرار فرعون للإستعانة بغيره من الملأ ومعبري الرؤيا ومفسري الأحلام، خاصة وأنه تأويل الرؤيا كان مهنة رائجة أيام الفراعنة و(في مصر أيام الفراعنة فقد انشات مكاتب خاصة في المعابد، ففي احدى اللوحات التي اكتشفت امام غرفة في أحد هذه المعابد تعود الى سنة 3000 ق.م. أو نحو ذلك مكتوب (أني افسر الاحلام ولدي اذن من الآلهة بأن اقوم بذلك حظ سعيد، ان المفسر هو كريتي الاصل).
وفي ورقة محفوظة في متحف القاهرة النص الآتي: اذا ولدت قطة (أي المرأة تحلم بذلك اثناء حملها) فسيكون لها العديد من الاولاد. واذا ولدت كلباً فسيكون لها ولد.
وقاموا بعمل مخطط للرقود كتوطئة للحلم والرؤيا. وكان المفسر يشرف على الزائر في معابد السيرابيم المخصصة للاحلام فيطلب منه ان يأخذ قطعة من الكتان الابيض وان يكتب عليها أسماء خمسة من اوثانهم. ثم يلفها في فتيلة ويضعها في سراج ويشعل طرفها البارز. ويحدد لـه كلام يكرر سبع مرات ثم يطفىء السراج وينام واذا لم يأته الحلم وما فيه من أجابة على مسألته فعليه ان يكرر العملية مع زيادة في البذل والجهد.
وقد يضطر بعضهم لارسال وكيل عنه ليحلم نيابة عنه وقد ذكروا ان حلماً (لتيموس) (450 )ق.م. وهو أحد الفراعنة قد نقش على صدر أبي الهول.
وقالوا ان لقدماء المصريين ملكاً للاحلام هو (بس) نقشوا صورته على وسائدهم.) ( ) .
السادسة : حاجة فرعون لسماع تأويل رؤياه ، وتدل هذه الحاجة على أنه مخلوق ومن عالم الإمكان للملازمة بين عالم الإمكان والحاجة .
والله عز وجل هو رب العالمين ،وهو غني غير محتاج ، قال تعالى [وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ]( ).
لبيان أن الذي لا يجاهد النفس الأمارة بالسوء ، ولا يصبر على الأذى في مرضاة الله ، فانه يضر نفسه ، لذا ورد ذكر غنى الله عز وجل في آية أخرى بقوله تعالى [وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ] ( ).
لقد جاهر فرعون بادعاء الربوبية أمام عامة الناس ، كما في قوله تعالى [فَحَشَرَ فَنَادَى *فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالْأُولَى] ( ).
وهل رؤيا فرعون من هذا الأخذ ، الجواب نعم ، وإن كانت الواقعة التي نادى فيها أعلاه بعد دعوة موسى عليه السلام له للإسلام ، بينما كانت الرؤيا قبل ولادة موسى بسنوات عديدة ، إذ المراد من انكار الآخرة والأولى على وجوه :
الأول : الآخرة نار جهنم ، والأولى الغرق .
الثاني : الآخرة قوله تعالى [أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى]والأولى ما ورد حكاية عن فرعون في التنزيل[َ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي] ( ).
الثالث : الآخرة جحود فرعون بمعجزة عصا موسى عليه السلام ، وصيرورتها أفعى لتأكل عصي السحرة ، وتكون سبباً لإسلامهم ، قال تعالى [قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ] ( ).
لتتجلى معاني الزيف والوهم في إدعاء فرعون الربوبية بأمره للسحرة بالقاء عصيهم ، وتحقق له إرهاب الناس لقوله تعالى [وَاسْتَرْهَبُوهُمْ].
وهو من إرهاب الظالمين المستبدين للناس ، وفيه مسألة وهي أن أعداء الأنبياء هم الإرهابيون الطغاة الذين يخيفون الناس ، ويبثون الرعب في صفوفهم ، أما الأنبياء فانهم يقطعون هذا الإرهاب ويمنعون منه بالمعجزة ، لذا فان الله عز وجل هو الذي أمر موسى عليه السلام بالقاء عصاه ، وهو سبحانه الذي أمر النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالتوجه إلى الحديبية .
وقد نزل القرآن بالإخبار عن أكثر من رؤيا للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم منها : التي [وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا] ( ).
لم يعجل النبي (ص) الخروج إلى الحديبية
من خصائص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان لا ينطق ولا يفعل إلا بالوحي ، ولم يعتمد الرؤيا وحدها في دعوة أصحابه للخروج إلى الحديبية ، وإعلانه أداء العمرة إلا بالوحي اللاحق ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَمَا ينطق عن الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى] ( ).
(عن ابن عبّاس قال : هي رؤيا التي رأى أنه يدخل مكة عام الحديبية هو وأصحابه وهو يومئذ بالمدينة فعجّل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السير إلى مكة قبل الأجل فردّه المشركون) ( ).
ولا دليل على أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عجل الخروج والتوجه إلى مكة قبل الأجل وأوان الخروج ، وأن المشركين ردوه ، فمع عدم القطع بصحة السند فان الخبر ضعيف دلالة ، ومعارض بتأويل آخر للآية وأخبار السنة النبوية ، والقوانين المستقرأ من قوله تعالى [وَمَا ينطق عن الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى] ( ) .
فلم يعجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخروج ، ولم يخالف الوحي ، إنما ورد التعجيل والخروج من غير إذن في يونس عليه السلام .
وقال الثعلبي (فقال ناس : قد ردَّ رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقد كان حدثنا إنه سيدخلها فكانت رجعته فتنتهم وقد كان في العام المقبل سار إليها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فدخلها فأنزل الله عزّ وجلّ : {لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ}( ).
وعن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن حذيفة عن سعيد بن المسيب،
من قول الله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ}( ) قال : أرى بني أمية على المنابر فساءه ذلك فقيل له إنها الدنيا يعطونها (فتزوى) عنه إلاّ فتنة للناس قال : بلا للناس)( ).
لقد ابتدأت عمرة وصلح الحديبية برؤيا رآها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ أنه رآى في المنام أنه يدخل مكة فأخبر أصحابه .
ويحتمل أوان نزول قوله تعالى [لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ]( )، وجوهاً :
الأول : نزول الآية قبل خروج النبي إلى صلح الحديبية في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بهذه الرؤيا ودعاهم للخروج للعمرة .
الثاني : في الطريق إلى الحديبية ، وكانت بشارة أداء مناسك العمرة ، قال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى في المنام ، أنه يدخل مكة على هذه الصفة ، فلما صالح قريشاً بالحديبية ، ارتاب المنافقون ، حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم : فَمَا رَأَيْتُ فِي هذَا العَامِ( ).
الثالث : نزول الآية عند موضع الحديبية أثناء حصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه نحو أسبوعين من قبل كفار قريش ، قال مجاهد : أرى ذلك بالحديبية ، فأخبر الناس بهذه (الرؤيا)( ).
وفيه جهات :
الأولى : نزول الآية قبل عقد صلح الحديبية .
الثانية : نزول الآية أوان عقد صلح الحديبية .
الثالثة : نزلت الآية بعد عقد صلح الحديبية .
الرابعة : نزلت آية [لَتَدْخُلُنَّ]( )، على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في طريق العودة من الحديبية .
ولم يرد لفظ (لتدخلن) في القرآن إلا في هذه الآية ، وعن مجمع بن جارية الأنصاري ( قال: شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما انصرفنا عنها إلى كراع الغميم إذا الناس يوجفون الاباعر.
فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس ؟
قالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته عند ” كراع الغميم ” فاجتمع الناس إليه فقرا عليهم (انا فتحنا لك فتحا مبينا) ( ).
فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو هو فتح ، فقال : أي والذي نفسي بيده انه فتح ” .
زاد ابن سعد: فلما نزل بها جبريل قال: ليهنئك يا رسول الله، فلما هنأه جبريل هنأه الناس .
وروى عبد الرزاق والامام أحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والشيخان والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم عن أنس قال: لما رجعنا من ” الحديبية ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنزلت علي ضحى آية هي أحب إلي من الدنيا جميعاً)( ).
(وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رآى في المنام قبل الخروج إلى الحديبية ، أنهم يدخلون المسجد الحرام . فأخبر الناس بذلك ، فاستبشروا . فلما صدّهم المشركون ، قالت المنافقون في ذلك ما قالت ، فنزل [لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ]( )، يعني : يصدق رؤياه بالحق لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ( ).
الخامسة : نزول الآية بعد وصول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الى المدينة فأديت من الحديبية .
السادسة : نزلت الآية في عمرة القضاء بعد الحديبية بسنة ، إذ ورد (عن عطاء قال : خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم معتمراً في ذي القعدة معه المهاجرون والأنصار حتى أتى الحديبية ، فخرجت إليه قريش ، فردوه عن البيت حتى كان بينهم كلام وتنازع حتى كاد يكون بينهم قتال .
فبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه وعدتهم ألف وخمسمائة تحت الشجرة ، وذلك يوم بيعة الرضوان ، فقاضاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت قريش : نقاضيك على أن تنحر الهدي مكانه وتحلق وترجع ، حتى إذا كان العام المقبل نخلي لك مكة ثلاثة أيام ، ففعل .
فخرجوا إلى عكاظ فأقاموا فيها ثلاثة أيام واشترطوا عليه أن لا يدخلها بسلاح إلا بالسيف ، ولا يخرج بأحد من أهل مكة إن خرج معه ، فنحر الهدي مكانه وحلق ورجع حتى إذا كان في قابل من تلك الأيام دخل مكة ، وجاء بالبدن معه ، وجاء الناس معه ، فدخل المسجد الحرام فأنزل الله عليه { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين } وأنزل عليه { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص }( ) ) ( ).
إذ كان دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه المسجد الحرام حينئذ في أمن وأمان .
فقد أتموا أداء المناسك من غير اعتداء وتعد من المشركين ، ورآى المسلمون الذين في مكة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد دخل مكة بسلامة من غزو وكيد ومكر الذين كفروا ، وهو من مصاديق قوله تعالى [لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا] ( ) وبشارات رؤيا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
والمختار الوجه الرابع أعلاه وأن الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طريق عودته من صلح الحديبية وفيه بشارة ومواساة للنبي وأصحابه ، ورد واحتجاج على الذين تساءلوا سؤال استفهام عن عدم تحقق رؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدخول المسجد الحرام .
وهل كل الذين تساءلوا من المنافقين ، الجواب لا ، إذ أن شطراً منهم من أهل بيعة الرضوان ، ومنهم من قاتل دفاعاً في معركة بدر من قبل ، وهل يتباين موضوع السؤال والقصد في المقام ، الجواب نعم ، إذ يسأل المؤمن وثوقاً بصدق رؤيا النبي محمد وشوقاً لزيارة البيت الحرام ، بينما يسأل المنافق بقصد التشكيك وإثارة الريب ، فتفضل الله عز وجل وأنزل آية [لَتَدْخُلُنَّ].
ثم تفضل وتحقق دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه البيت الحرام في عمرة القضاء ، وإذا اعطى الله فانه يعطي بالأتم والأوفى والأحسن فقد تعدد دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة بسلم وأمن .
تعدد أسماء صلح الحديبية
لصلح الحديبية أسماء متعددة بحسب منهجية البحث أو الإختصاص والإستقراء منها :
الأول : قصة الحديبية ( )، وأفرد الطبري في كتابه باباً باسم (قصة الحديبية) ( ).
الثاني : حادثة الحديبية .
الثالث : صلح الحديبية ، وهو المشهور والأنسب .
الرابع: يوم الحديبية , وفي قوله تعالى [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ] ( ) .
(عن ابن زيد في الآية قال : هؤلاء المشركون حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن البيت يوم الحديبية) ( ) .
الخامس : عمرة الحديبية ، لبيان فضل الله في جعل خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه إلى الحديبية عمرة وإن لم يأتوا بمناسكها (عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر أربع عمر : عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء من قابل ، والثالثة من الجعرانة ، والرابعة التي مع حجته ) ( ).
وأفرد ابن الأثير في كتابه باباً باسم (عمرة الحديبية ) ( ) وكذا سماها ابن الجوزي ( ).
السادس : هدنة الحديبية ، وهو اسم لطيف يحكي قصة الصلح والهدنة , ووقف القتال بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين .
وورد هذا الاسم في الكامل في التأريخ ، وفي المنتظم قال (أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط: أسلمت بمكة، وبايعت قبل الهجرة، وهي أول من هاجر من النساء بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إِلى المدينة، هاجرت في هدنة الحديبية) ( ) .
كما تسمى السنة السادسة للهجرة عام الحديبية ، لبيان موضوعية هذا الصلح في تأريخ الإسلام ، وأثره في الوقائع والأحداث .
السابع : عمرة الحصر ( )، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أُحصروا ولم يقدروا على أداء مناسك العمرة .
إذ ان النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر أربع مرات وهي :
الأولى : عمرة الحديبية ، وهي عمرة الحصر .
الثانية : عمرة القضاء من قابل .
الثالث : عمرة الجعرانة .
الرابعة : عمرة التمتع التي مع حجة الوداع ، ولم يعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة بالخروج من مكة إلى التنعيم مثلاً كما يفعله الناس في هذه الأزمنة ، ولم يرد أنه قبل الهجرة كان يخرج من مكة لأداء العمرة .
(عن قتادة قال: قلت لأنس بن مالك : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قال: أربعا: عمرته التي صده عنها المشركون عن البيت من الحديبية من ذي القعدة .
وعمرته – من العام المقبل – حين صالحوه في ذي القعدة .
وعمرته من الجعرانة حين قسمت غنيمة حنين في ذي القعدة، وعمرته مع حجته) ( ).
الثامن : غزوة الحديبية ( )، وتدل هذه التسمية وهي شائعة عل ى مفهوم للغزوة النبوية مغاير للمتبادر من معانيها ، إذ لم يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم القتال ، إنما خرج للعمرة هو وأصحابه ، ومن غير سلاح قتال ، وهو معجزة أخرى للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم بيانه( ) .
التاسع : الحديبية أي من غير مضاف لأنها صارت معرفة ، منها ما ورد (عن ابن مسعود قال لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحديبية عرسنا ليلة فقال من يحرسنا .
فقلت أنا .
فقال انك تنام .
ثم قال من يحرسنا فقلت أنا .
فقال فأنت ، فحرستهم حتى إذا كان وجه الصبح أدركني قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنك تنام فنمت فما استيقظت إلا بالشمس .
فلما استيقظنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله لو شاء ان لا تناموا عنها لم تناموا ولكنه أراد ان يكون ذلك لمن بعدكم ثم قام فصنع كما كان يصنع .
ثم قال هكذا لمن نام من أمتي ثم ذهب القوم في طلب رواحلهم فجاؤوا بهن غير راحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذهب ههنا .
فذهبت حيث وجهني فوجدت زمامها قد التوى بشجرة فجئت بها .
فقلت يا رسول الله وجدت زمامها قد التوى بشجرة ما كانت تحلها إلا يد ) أي أنها لا يمكن أن تبتعد في البيداء .
وأخرج البيهقي عن مجمع بن جارية قال شهدنا الحديبية فلما انصرفنا عنها نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكراع الغميم (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) ( ) فقال رجل يا رسول الله أو فتح هو قال أي والذي نفسي بيده انه لفتح ثم قسمت خيبر على اهل الحديبية) ( ).
لبيان أن الذهن ينصرف إلى صلح الحديبية ووقائعها حالما يرد اسمها .
العاشر : بيعة الرضوان يوم الحديبية ، (عن البراء قال: تعدون الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد
ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا) ( ).
لبيان تجدد بيعة المسلمين للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية قبل الصلح ، ولعل منهم من لم يبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل واكتفى بالشهادتين ، فجاءت هذه البيعة لتتحدي كفار قريش، لما فيها من الإعلان على الإستعداد للتضحية والفداء في سبيل التنزيل والنبوة ، وهذه التضحية ليست للهجوم والغزو والعدوان إنما هي كاسحة للإرهاب ، وفيها استئصال للعنف والتطرف وسفك الدماء بسبب البقاء على الجحود ، وعبادة الأصنام .
ومن الآيات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أقاموا في الحديبية ولم يتجاوزوها إلى داخل الحرم ، ولم يفاجئوا أهل مكة بالدخول إليها مكبرين ومهللين ، وينادوا بصوت عال (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ) وأن يستيقظ أهل مكة ليروا الأصنام التي في البيت الحرام صرعى , مقطعة الأوصال على الأرض .
قانون الفتح سلام
الفتح هو الظفر بالبلد عنوة أوصلحاً بقتال أو بدونه، لأنه ممتنع ومنغلق، ففتح لجند الإسلام ودخلوه ، ولكن القرآن جاء بمعنى أعم للفتح، وهو من إعجازه ، فلا أحد يتوقع أن تكون تسمية الصلح مع المشركين فتحاً ، لبيان قانون وأن ذات التسمية للوقائع في القرآن من إعجازه .
وفي ترتيب أحوال الغضب (أول مراتبها السخط، وهو خلاف الرضا ثم الاخر نطام، وهو الغضب مع تكبر ورفع رأس ثم البرطمة، وهي غضب مع عبوس وانتفاخ، عن الليث .
ثم الغيظ وهو غضب كامن للعاجز عن التشفي. ومنه قوله تعالى: ” وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم “( ) .
ثم الحرد بفتح الراء وتسكينها، وهو أن يغتاظ الإنسان فيتحرش بالذي غاظه ويهم به.
ثم الحنق وهو شدة الاعتياظ مع الحقد.
ثم الاختلاط وهو أشد الغضب قال ابن السكيت: اهمأك الرجل وارمأك واصمأك إذا امتلأ غيظاً) ( ).
ومن إعجاز القرآن إخباره عن إنشغال الكفار بأنفسهم بعضّ الأنامل إذ أنه يدل بالدلالة الإلتزامية عن كف أيديهم وألسنتهم عن المسلمين .
لبيان معجزة حسية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تظهر على المشركين من جهات :
الأولى : كف المشركين ألسنتهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن لإنشغالهم بعض الأنامل .
الثانية : منع المشركين من المكر والكيل عندما يجتمعون لأنهم يعضون الأنامل فلا تكون عندهم فرصة ومناسبة للتدبير والمكر ، وهو من الإعجاز في قوله تعالى [وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ] ( ).
الثالثة : بعث السكينة في نفوس المسلمين من مكر المشركين في خلوتهم ، وفيه دعوة للمسلمين لإجتناب البطش والإنتقام منهم .
الرابعة : شدّ وكف أيدي المشركين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وأنصاره لصيرورة أيديهم وعاءً ومحلاً للعضّ.
الخامسة : إفراغ المشركين غضبهم وسخطهم على أيديهم بنهشها وعضّها.
السادسة : تخلف المشركين عن الدهاء والمكر والإضرار بالنبوة والتنزيل، ليكون عضّ الأنامل المذكور في الآية أعلاه نوع إبتلاء للمشركين .
وكان يوم فتح مكة مناسبة لدخول الناس الإسلام أفواجاً، وهم في فزع مما فعلوا بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وأهل بيته وزحفهم بالجيوش العظيمة للإجهاز على الإسلام إلى أن وقف النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على باب الكعبة وإبتدأ خطبته بالكلمات الخالدات (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب) ( ).
إلى أن قال : يا معشر قريش، ما ترون أنى فاعل فيكم” قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم. قال: ” اذهبوا فأنتم الطلقاء) ( ).
ولما أسلمت قريش، هل بقى موضوع لقوله تعالى[وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ] ( ).
الجواب نعم فإن موضوعها باق إلى يوم القيامة، فهو غير منحصر بأفراد وأمة مخصوصة بل يكون ملازماً للشرك، وسجية لأهل الحسد والعداوة للإسلام، الذين لا يريدون الإبتعاد عن المعاصي وارتكاب السيئات ، ويكرهون رؤية الصلاح وأحكام الشريعة تسود الأسواق.
ويحتمل حال الكفار بعد نزول قوله تعالى[وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ] ( ) وجوهاً :
الأول : هجران الكفار لعضّ الأنامل بعد فضح القرآن لفعلهم هذا، ويحتمل هذا الهجران شعبتين :
الأولى: ترك الفعل الذي يدل على الغيظ والبغض للمسلمين.
الثانية: القيام بفعل آخر يدل على ذات الغيظ كالضرب على الفخذ أو على الرأس أو يكون جريان هذا الغيظ على اللسان.
الثاني: إقامة الكفار على عضّ الأنامل مع كشف القرآن له.
الثالث: إزدياد حال عضّ الأنامل من الغيظ، وظهوره بصيغ أخرى.
والصحيح هو الأخير لأن الإسلام في سمو وإرتقاء، والمسلمون يتعاهدون الثبات في منازل الإيمان، ويؤتون الفرائض بشوق، وتنفر نفوسهم مما نهى الله عنه ويجتنبونه كالربا، وأكل المال بالباطل، ليكون إزدياد حال عضّ الأنامل عند الكفار حسداً وبغضاً للمسلمين شاهداً على إعجاز القرآن.
ويظهر الغيظ على الكفار بما يشبه عضّ الأنامل الذي جاء من باب المثال والفعل الشائع في حال الغيظ عند الكفار، وفيه نوع تفقه للمسلمين وإرتقاء في المعارف، وطرد للغفلة والجهالة عندهم.
وهل آيات السلم في نزولها سبب لحال الغيظ عند كفار قريش ومن والاهم واتبعهم ، الجواب نعم ، لذا فهي محكمة في دلالتها وأثرها ، وهل من أسرار استدامة وجودها في القرآن وتلاوتها المتجددة كل يوم ، لبيان قانون عدم نسخ دلالة كل آية قرآنية .
والأنامل أطراف أصابع اليدين .
وقال الشاعر:
إذا رَأَوْنِي أطالَ اللهُ غَيْظَهُمُ … عَضُّوا مِنَ الغَيْظِ أطرافَ الأباهيِمِ) ( ).
وهل المقصود من عضّ الأنامل الحقيقة أم المجاز، المختار هما معاً ، إذ يقع حقيقة ، كما أنه عنوان لإمتلاء نفوس المشركين بالحنق ، إذ يرى رؤساء الشرك دخول الناس من حولهم الإسلام تباعاً وعلى نحو التوالي ، والذي يدخل الإسلام لا يفارقه ولا يرتد عنه .
ومما يقوله المشركون :
الأول : ألا ترون إتباع الناس لرسول الله .
الثاني : أنظروا كيف يزداد عدد المسلمين والمسلمات .
فقد ازداد سخطهم بدخول الإسلام وربات الحجول الإسلام .
وهل في آية السياق زجر وتخويف للكفار ، الجواب نعم، من وجوه:
الأول: إعجاز الآية القرآنية في الإخبار عن حال الكفار في منتدياتهم، وعندما ينفرد بعضهم مع بعض.
الثاني: فضح الآية لتربص الكفار بالإسلام، وعجزهم عن الكيد بالمسلمين، قال تعالى[قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ]( ).
الثالث: دلالة الآية في مفهومها على عدم ترتب الأثر عند المسلمين لعض الأنامل هذا، سوى التوقي والحذر والحيطة من الكفار، وفي هذه الحيطة نوع تخويف للكفار.
الرابع: بعد إخبار آية السياق عن حال الغيظ التي عليها الكفار، يتجنب المسلمون عامة حب الكفار، ويعرضون عنهم، ويدركون التباين والتضاد بينهم وبين الكفار.
وتلك آية إعجازية بأن يتضمن وسط وخاتمة الآية الهداية والرشاد لما في أولها من التنبيه والتحذير، ويكون عوناً للعمل بالأوامر والنواهي في آيات القرآن الأخرى.
وتخبر الآية عن الغيظ الشديد للكفار على المسلمين، وتدعو المسلمين إلى ترك حب وود الكفار، ليكون هذا الترك عوناً للمسلمين في إجتناب الربا لورود النهي عنه في آية البحث , ولأن الذين يظهرون غيظهم من المسلمين يتعاطونه.
وهل أكل الكفار لمال الربا يزيد من غيظهم للمسلمين.
الجواب نعم لموضوعية الأكل الحرام في سوء السرائر ، ولإدراك الكفار للتباين بينهم وبين المسلمين، وسعي المسلمين الحثيث نحو الفلاح والفوز بالثواب العظيم.
لا أصل لتسمية غزوة الحديبية
يقال (( غَزَوْتُ الْعَدُوَّ ) قَصَدْتُهُ لِلْقِتَالِ غَزْوًا وَهِيَ الْغَزْوَةُ وَالْغَزَاةُ وَالْمَغْزَاةُ وَالْغَزَوَاتُ وَالْمَغَازِي ( وَالْغَازِي ) وَاحِدُ الْغُزَاةِ ( وَبِهِ سُمِّيَ) وَالِدُ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ إلَّا أَنَّ الْيَاءَ لَمْ تَثْبُت كَمَا فِي الْعَاصِ وَالْكَبِير الْمُتَعَالِ ( وَأَغْزَى أَمِيرُ الْجَيْشِ ) إذَا بَعَثَهُ إلَى الْغَزْوِ ( وَأَغْزَتْ الْمَرْأَةُ) إذَا غَزَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُغْزِيَةٌ) ( )( ).
والمختار أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لم يغز أحداً ، وقد صدرت الأجزاء (159-160-161-163-164-164-165-166-167-169-171-172-173-175-176-177-178-182-185-188-192-200-208) من هذا التفسير بذات العنوان ، وستصدر أجزاء أخرى بخصوصه إن شاء الله .
وصلح الحديبية من أبهى وأجلى المصاديق على أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لم يقم بالغزو ، ولم يكن محتاجاً للجوء إلى الغزو والهجوم على المدن أو القرى وإخافة أهلها ، إنما كان يخرج في سرايا إيمان استطلاعية ، وإذا آن وحان وقت الصلاة قريباً من قرية وقف هو وأصحابه في صفوف لأداء الصلاة عند مدخل القرية .
ومن الإعجاز في بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم النداء بصوت عال إيذاناً بدخول الوقت والشهادة بالتوحيد ، والتسليم بالربوبية لله عز وجل ، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول هو الآخر: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، لتوجه التكليف له بالشهادتين ، ويدل عليه قوله تعالى [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا] ( ) .
وقد تمت إقامة الصلاة بكيفيتها وموضعها في أفواه القرى فيما يسمى غزوات للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع رجوعه منها إلى المدينة من غير قتال .
فيقوم بعض الرؤساء بالتحشيد لغزو المدينة ، فيبلغ النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من جهات :
الأولى : الوحي ونزول جبرئيل بالخبر .
الثانية : ما تأتي به العيون التي يبثها النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
الثالثة : الركبان الذين يسيرون في الطرق العامة ، ويسمعون الأخبار .
الرابعة : المسلمون في مكة والقرى المختلفة ، وكان أكثرهم يخفي إيمانه ، ويحترز من إظهار إسلامه ، ونطقه بالشهادتين ، ولكن هذا لم يمنعهم من بعث الأخبار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة عن عزم المشركين الهجوم والإغارة على المدينة .
وقد ورد في كتب السيرة والتأريخ أسماء لخروج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في سرايا وتسمى غزوات مع أنه لم يقع فيها قتال ، ومنها :
الأولى : كتيبة بواط .
الثانية : كتيبة بدر الأولى.
الثالثة : كتيبة ذات العشيرة .
وسيأتي البيان والتفصيل في الجزء اللاحق وهو الخامس عشر بعد المائتين إن شاء الله .
ومنها صلح الحديبية ، وقد وردت تسميته غزوة عن كل من :
الأول : ابن جزي في مواضع من تفسيره التسهيل لعلوم التنزيل منها في تفسيره لقوله تعالى [سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً] ( ) قال (أخبر الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن المخلفين عن غزوة الحديبية يريدون الخروج معه إذا خرجوا إلى غزوة أخرى) ( ) ومنها قوله [فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة الحديبية في ألف وخمسائة وقيل ألف وأربعمائة وغزا غزوة الفتح بعدها بعامين ومعه عشرة آلاف فجعل من دون ذلك فتحا قريبا يعني فتح خيبر وقيل بيعة الرضوان وقيل صلح الحديبية وهذا هو الأصح]( ).
الثاني : الزمخشري في قوله تعالى [كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ] ( ) يريد في غزوة الحديبية أو يسلمون ) ( ).
الثالث : (ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا فصده المشركون) ( ) وقال (وإنّما غفر الله له ذنبه في غزوة الحديبية قبل موته بسنتين وشيء) ( ).
وورد عن بعض الصحابة لفظ (غزوة الحديبية ) كما عن قتادة عن أنس ( قال : لمّا رجعنا من غزوة الحديبية .
قد حيل بيننا وبين نسكنا .
فنحن بين الحزن والكآبة .
فأنزل الله تعالى عليه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}( ) الآية كلّها.
فقال رسول الله : لقد نزلت عليَّ آية هي أحبُّ إليَّ من الدُّنيا جميعاً) ( ).
ولكن ورد عن أنس ذات الحديث بمصادر متعددة من غير أن يذكر لفظ غزوة ، ويحتمل أن لفظ (غزوة ) جاء على لسان رواة الحديث .
(وروى عبد الرزاق والامام أحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والشيخان والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم عن أنس قال: لما رجعنا من ” الحديبية ” قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” أنزلت علي ضحى آية هي أحب الي من الدنيا جميعا)( ).
الرابع : وفي قوله تعالى [سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً] ( ) قال (يقول تعالى مخبرا رسوله صلوات الله وسلامه عليه بما يعتذر به المخلفون من الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم ، وتركوا المسير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاعتذروا بشغلهم بذلك، وسألوا أن يستغفر لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد، بل على وجه التقية والمصانعة؛ ولهذا قال تعالى: { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا }( ).
أي: لا يقدر أحد أن يرد ما أراده فيكم تعالى وتقدس، وهو العليم بسرائركم وضمائركم، وإن صانعتمونا وتابعتمونا ؛ ولهذا قال: { بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } .
ثم قال: { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا }( ) أي: لم يكن تخلفكم تخلف معذور ولا عاص، بل تخلف نفاق، { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا } أي: اعتقدتم أنهم يقتلون وتستأصل شأفتهم وتستباد خضراؤهم، ولا يرجع منهم مخبر، { وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا }( ) أي: هلكى.
قاله ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد. وقال قتادة: فاسدين. وقيل: هي بلغة عمان.
ثم قال: { وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ }( ) أي: من لم يخلص العمل في الظاهر والباطن لله، فإن الله تعالى سيعذبه في السعير، وإن أظهر للناس ما يعتقدون خلاف ما هو عليه في نفس الأمر.
ثم بين تعالى أنه الحاكم المالك المتصرف في أهل السموات والأرض: { يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }( ) أي: لمن تاب إليه وأناب، وخضع لديه.
{ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا }( ).
يقول تعالى مخبرًا عن الأعراب الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة الحديبية، إذ ذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه إلى خيبر) ( ).
الخامس : ابن حزم الأندلسي الظاهري في جوامع السيرة (1/16) إذ يذكر غزوة الحديبية عندما يعد غزوات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، كما أفرد فصلاً بعنوان غزوة الحديبية( ) .
السادس : ابن هشام في السيرة النبوية إذ قال (ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ ، ثُمّ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ) ( ).
السابع : خصص أبو القاسم السهيلي (508-581 ) هجرية باباً في كتابه الروض الأنف بعنوان : غزوة الحديبية (يُقَالُ فِيهَا : الْحُدَيْبِيَةُ بِالتّخْفِيفِ وَهُوَ الْأَعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيّةِ . قَالَ الْخَطّابِيّ : أَهْلُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ الْحُدَيْبِيَةُ بِالتّشْدِيدِ وَالْجِعْرَانَةُ كَذَلِكَ وَأَهْلُ الْعَرَبِيّةِ يَقُولُونَهُمَا : بِالتّخْفِيفِ .
وَقَالَ الْبَكْرِيّ : أَهْلُ الْعِرَاقِ يُشَدّدُونَ الرّاءَ وَالْيَاءَ فِي الْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُخَفّفُونَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النّحّاسُ سَأَلْت كُلّ مَنْ لَقِيته مِمّنْ أَثِقُ بِعِلْمِهِ عَنْ الْحُدَيْبِيَةِ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا عَلَى أَنّهَا بِالتّخْفِيفِ . الْعِرَاقِ يُشَدّدُونَ الرّاءَ وَالْيَاءَ فِي الْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ) ( ).
الثامن : ابن الأثير إذ قال : ثم غزوة الحديبية( ) ، ويسميها أيضاً صلح الحديبية ، وهدنة الحديبية .
التاسع : المسعودي بقوله (ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا فصَده المشركون) ( ).
العاشر : ابن سعد ، إذ روى باسناده عن سلمة بن الأكوع (خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، غزوة الحديبية فنحرنا مائة بدنة ونحن بضع عشرة مائة ومعهم عدة السلاح والرجال والخيل، وكان في بدنه جمل أبي جهل فنزل بالحديبية فصالحته قريش على أن هذا الهدي محله حيث حبسناه)( ).
صلح الحديبية هو الفتح المبين
يدل قوله تعالى [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا]( ) أن الفتح بيّن وظاهر وفيه منافع عظيمة فهو جلي بذاته ومنافعه ودفعه لأضرار كثيرة منها القتال وسفك الدماء .
لقد ورد هذا المعنى والتفسير في الحديث النبوي عند ذات الواقعة والحدث لبعث السكينة في نفوس الصحابة وعامة المؤمنين و(عن قتادة في قوله سبحانه [لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ]( )، قال أنس بن مالك : إنّها نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من الحديبية ، وأصحابه مخالطو الحزن والكآبة ، قد حيل بينهم وبين مناسكهم ونحروا بالحديبية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد أُنزلت عليَّ آية هي أحبُّ إليَّ من الدُّنيا جميعاً فقرأها على أصحابه .
فقالوا : هنيئاً مريئاً يا رسول الله ، قد بيّن الله تعالى ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ، فأنزل الله تعالى لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ( ).
كما ورد عن عبد الله بن مسعود الذي قال ، إنكم تعدون الفتح فتح مكة ، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية ، أي ليس بخصوص الآية محل البحث إنما إرادة الفتح مطلقاً ، وكذا قال البرّاء .
لماذا صلح الحديبية فتح ، فيه وجوه :
الأول : آمن كثير من الناس .
الثاني : إجتماع الأهل والأقارب .
الثالث : زيارة المسلمين للبيت الحرام .
الرابع : تكلم المؤمن مع الكافر .
الخامس : تنشيط التجارات ، قال تعالى [فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]( ).
السادس : العمل النافع .
السابع : تجاهر مسلمي مكة باسلامهم .
الثامن : وقف القتال ، ومنع سفك الدماء .
التاسع : دخول طائفة من الناس في الإسلام (وقال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم فتمكن الاسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير،
وكثر بهم سواد الاسلام) ( ) .
العاشر : تحقق قانون وهو سلامة المسلمين من الإرتداد .
الحادي عشر : إنه مقدمة لفتح مكة .
الثاني عشر : الإجهاز العام بقراءة القرآن وهو نوع طريق لكل من :
الأولى : تدبر الناس في آيات القرآن .
الثانية : تدارس المسلمين لآيات وسور القرآن .
الثالثة : حفظ المسلمين لآيات القرآن .
الرابعة : سلامة القرآن من التحريف والزيادة والنقصان أيام التنزيل وما بعدها ، وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون]( ).
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول للوفود التي تبعثها قريش في الحديبية ، لم نأت لقتال أحد ، إنما جئنا لنطوف بهذا البيت .
(عن ابن عباس قال : انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحديبية إلى المدينة حتى إذا كان بين المدينة ومكة نزلت عليه سورة الفتح فقال [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا]( )، إلى قوله {عزيزاً}
ثم ذكر الله الأعراب ومخالفتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال {سيقول لك المخلفون من الأعراب }( ) إلى قوله {خبيراً } ثم قال للأعراب {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون}( ) إلى قوله {سعيراً} .
ثم ذكر البيعة فقال {لقد رضي الله عن المؤمنين}( ) إلى قوله {وأثابهم فتحاً قريباً} لفتح الحديبية) ( ).( )
كما ورد في صحيحة ابن أبي عمير عن الإمام الصادق عليه السلام إذ قال (كان سبب نزول هذه السورة وهذا الفتح العظيم أن الله عزوجل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم أن يدخل المسجد، الحرام ويطوف ويحلق مع المحلقين، فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج، فخرجوا .
فلما نزل ذا الحليفة أحرموا بالعمرة وساقوا البدن، وساق رسول الله صلى الله عليه وآله ستة وستين بدنة وأشعرها عند إحرامه، وأحرموا من ذي الحليفة ملبين بالعمرة، وقد ساق من ساق منهم الهدي معرات مجللات .
فلما بلغ قريش ذلك بعثوا خالد ابن الوليد في مائتي فارس كمينا ليستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله فكان يعارضه على الجبال، فلما كان في بعض الطريق حضرت صلاة الظهر فأذن بلال وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس، فقال خالد بن الوليد: لو كنا حملنا عليهم في الصلاة لاصبناهم، فإنهم لا يقطعون صلاتهم، ولكن يجيئ لهم الآن صلاة اخرى أحب إليهم من ضياء أبصارهم، فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم .
فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله بصلاة الخوف في قوله [وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاَةَ]( ).
الآية فلما كان في اليوم الثاني نزل رسول الله صلى الله عليه وآله الحديبية وهي على طرف الحرم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يستنفر الاعراب في طريقه معه، فلم يتبعه منهم أحد، ويقولون: أيطمع محمد وأصحابه أن يدخلوا الحرم وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم، إنه لا يرجع محمد وأصحابه إلى المدينة أبدا فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله الحديبية خرجت قريش يحلفون باللات والعزى لا يدعون محمدا يدخل مكة وفيهم عين تطرف، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله أني لم آت لحرب وإنما جئت لاقضي نسكي، وأنحر بدني، واخلي بينكم وبين لحماتها: فبعثوا عروة ابن مسعود الثقفي وكان عاقلا لبيبا وهو الذي أنزل الله فيه [وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ]( ).
فلما أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله عظم ذلك وقال: يا محمد تركت قومك وقد ضربوا الابنية، وأخرجوا العوذ المطافيل يحلفون باللات والعزى لا يدعوك تدخل حرمهم وفيهم عين تطرف، أفتريد أن تبير أهلك وقومك يا محمد .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما جئت لحرب وإنما جئت لاقضي
نسكي فأنحر بدني واخلي بينكم وبين لحماتها، فقال عروة: بالله ما رأيت كاليوم أحدا صد عما صددت ، فرجع إلى قريش وأخبرهم، فقالت قريش: والله لئن دخل محمد مكة وتسامعت به العرب لنذلن ولتجترئن علينا العرب، فبعثوا حفص بن الاحنف وسهيل بن عمرو، فلما نظر إليهما رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” ويح قريش قد نهكتهم الحرب، ألا خلوا بيني وبين العرب .
فإن أك صادقا فإنما أجر الملك إليهم مع النبوة، وإن أك كاذبا كفتهم ذؤبان العرب، لا يسأل اليوم امرأ من قريش خطة ليس لله فيها سخط إلا أجبتهم إليه ” قال: فوافوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا محمد إلى أن ننظر إلى ماذا يصير أمرك وامر العرب على أن ترجع من عامك هذا ، فإن العرب قد تسامعت بمسيرك فإن دخلت بلادنا وحرمنا استذلتنا العرب
واجترأت علينا ونخلي لك البيت في القابل في هذا الشهر ثلاثة أيام حتى تقضي نسكك وتنصرف عنا، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ذلك، وقالوا له: وترد إلينا كل من جاءك من رجالنا، ونرد إليك كل من جاءنا من رجالك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الله عليه وآله: ” من جاءكم من رجالنا فلا حاجة لنا فيه، ولكن على أن المسلمين بمكة
لا يؤذون في إظهارهم الاسلام ولا يكرهون ولا ينكر عليهم شئ يفعلونه من شرائع الاسلام ” فقبلوا ذلك) ( ).
وورد هذا المعنى عن الصحابي مَجَمّعِ بن جارية الأنصاري ، وعن الصحابي المِسوَرِ بن مَخرمة الزهري وقال به عدد من التابعين منهم مجاهد والزهري وقتادة .
قانون رشحات صلح الحديبية
لقد خرج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة ، ومعه ألف وأربعمائة من أصحابه متوجهين إلى مكة لأداء مناسك العمرة .
لقد تطيب وتدّهن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولبس أزاره ورداءه وخرج من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة .
وعن عروة قال (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحديبية في رمضان، وكانت الحديبية في شوال) ( ) وهو خلاف المشهور .
على أنها في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة ، ولكن لا تدل وقائع وأخبار الحديبية على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أحصروا في الحديبية أيام عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، إذ لو كان قد خرج من المدينة في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة ، مع إضافة مدة قطع الطريق بين المدينة ومكة وتقطعها القوافل عادة في عشرة أيام , وبقائه في الحديبية نحو اسبوعين لصادف أيام الحج .
والأرجح أن النبي محمداً خرج في شهر ذي القعدة ، وهو شهر حرام لمنع الفتنة وسفك الدماء ، ولكن مدة الخروج وإلى حين تمام الصلح لم تكن أيام مناسك الحج ، بل قبلها مما تجعل قريشاً تخشى اثارة الناس عليها أيام الحج ، إذ يفدون من جميع القرى والمدن والبوادي ، وفيهم المؤمن والذي آمن ابنه أو أخوه أو قريبه أو أخته أو زوجته .
ومن خصائص السنة النبوية الشريفة ترتب الأثر عليها ، وإتصاف هذا الأثر بأنه مبارك وظاهر وذو نفع عام .
وإبتدأت بركة صلح الحديبية على المسلمين من أول ساعة انعقد فيها ، إذ عادوا إلى المدينة بأمن وسلام ، وحفظ الله عز وجل بالوحي لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين والمسلمات الذين في مكة ، فلا تستطيع قريش سجنهم وتعذيبهم أو منعهم من الهجرة ، وفيه حجة على الناس ، فالذي كان يرى استضعافه ويخشى بطش ورهبة قريش،تهيأت له فرصة الهجرة أو إعلان إسلامه ، وهو في بلدته أو قريته .
كما صار المسلمون يدعون الناس إلى الهدى والإيمان ، لقد سقطت وأزيحت الأصنام عن البيت الحرام بعد صلح الحديبية بنحو سنتين حينما تم فتح مكة ، ولكن بداية هذه الإزاحة من يوم صلح الحديبية .
وفي صلح الحديبية طرد للخلق الذميم والعتو والغرور ، ومنع من استحواذ الشيطان على عالم الأفعال .
لقد سهّل صلح الحديبية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الوصول إلى المطلوب في هداية الناس إلى عبادة الله .
وظنّ عدد من الصحابة أن في صلح الحديبية إجحافاً بالمسلمين ، وتضييعاً لحقهم ، وأحتج بعضهم في حضرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكنه أجابه بما يدل على أن سعيه للصلح ورضاه ببنوده وشروط قريش إنما بالوحي .
ولما جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو مقيداً بالسلاسل لاجئاً إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم باسلامه وبدنه قبل إبرام العقد ، وإمتنع سهيل بن عمرو عن إمضاء العقد حتى يعاد ابنه أبو جندل إلى مكة سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهيلاً أن يهبه له فامتنع ، فرضي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتضحية الشخصية المؤقتة التي تكون حجة على المشركين، ودعا أبا جندل إلى الصبر ، لبيان قانون وهو تحمل الضرر الشخصي العرضي الزائل من أجل النفع العام ، وهو من مصاديق القاعدة الأصولية تقديم الأهم على المهم .
(فقال عمر : والله ما شككت منذ أسلمت إلى يومئذ،
فأتيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : ألست رسول الله؟
قال : بلى.
قلت : ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟
قال : بلى.
قلت : فَلِمَ نعطي الدّنية في ديننا إذاً؟
قال : إنّي رسول الله.
ولستُ أعصيه.
وهو ناصري.
قلت : ألستَ تحدّثنا أنّا سنأتي البيت.
فنطوف به؟
قال : بلى.
قال : هل أخبرتك أنّا نأتيه العام؟
قلت : لا .
قال : فإنّك آتيه ومطوِّف به.
قال : ثمّ أتيت أبا بكر .
وقلت : أليس هذا نبيّ الله حقّاً؟
قال : بلى. قلت : أفلسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟
قلت : فلِمَ يعطي الدّنية في ديننا إذاً؟
قال : أيّها الرجل إنّه رسول الله .
وليس يعصي ربّه .
فاستمسك بغرزه حتّى تموت .
فوالله إنّه لعلى الحقّ. قلت : أوليس كان يحدِّث أنّا سنأتي البيت.
ونطوّف به؟
قال : بلى.
قال : أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟
قلت : لا.
قال : فإنّك آتيه وتطوف به. قال عمر : فما زلت أصوم وأتصدّق .
وأُصلّي .
وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلّمت به.
قالوا : فلمّا فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الكتاب أشهد رجالاً على الصلح من المسلمين .
ورجالاً من المشركين .
أبا بكر .
وعمر .
وعبد الرّحمن بن عوف .
وعبدالله بن سهيل بن عمرو .
وسعد بن أبي وقاص .
ومحمود بن مسلمة أخا بني عبد الأشهل .
ومكرز بن حفص بن الأحنف .
وهو مشرك .
وعلي بن أبي طالب .
وكان هو كاتب الصحيفة.
فلمّا فرغ رسول الله من قصّته سار مع الهدي .
وسار الناس .
فلمّا كان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية .
عرض له المشركون فردوا وجوهه .
فوقف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حيث حبسوه .
وهي الحديبية وقال لأصحابه : قوموا .
فانحروا .
ثمّ احلقوا.
قال : فوالله ما قام منهم رجل. حتّى قال ذلك ثلاث مرّات فلمّا لم يقم منهم أحد.
قام فدخل على أُمّ سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس.
فقالت أُمّ سلمة : يا نبيّ الله اخرج، ثمّ لا تكلِّم أحداً منهم كلمة حتّى تنحر بدنتك وتدعو حلاّقك فيحلقك. فقام فخرج، فلم يكلِّم أحداً منهم كلمة حتى نحر بدنته، ودعا حالقه، فحلقه .
وكان الذي حلقه ذلك اليوم خراش بن أُمية بن الفضل الخزاعي،)( ).
وفي حديث عمر بن الخطاب أنه قال : (فَلَمّا فَرَغَ مِنْ قَضِيّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمّ احْلِقُوا فَوَاَللّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ حَتّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ فَلَمّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمّ سَلَمَة َ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النّاسِ فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُحِبّ ذَلِكَ ؟
اُخْرُجْ ثُمّ لَا تُكَلّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتّى تَنْحَرَ بُدْنَك وَتَدْعُوَ حَالِقَك فَيَحْلِقَكَ فَقَامَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمّا رَأَى النّاسُ ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمّا ثُمّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ } حَتّى بَلَغَ { بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }( ) فَطَلّقَ عُمَرُ يَوْمئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشّرْكِ فَتَزَوّجَ إحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَفِي مَرْجِعِهِ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ { إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَيَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْرًا عَزِيزًا }( )) ( ) .
وفيه معجزة ورشحة من فيوضات الوحي في صلح الحديبية ، إذ يدل الخبر أعلاه على خروج نسوة مؤمنات من مكة إلى الحديبية ،وإعلانهن الإسلام ، وذهابهن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة .
ويدل الخبر بالأولوية على مجئ رجال مؤمنين من مكة وما حولها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية ، ومنهم من أدركهم في طريق العودة ليرى عامة الصحابة بركات صلح الحديبية ، ثم توالي مجئ الرجال أفراداً وجماعات إلى المدينة وهم يعلنون إسلامهم .
لقد كانت الآيات التي نزلت بخصوص صلح الحديبية ومدة خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم له قانوناً سماوياً بالندب إلى السلم والسعي إليه ، والصبر عليه ، وهي آيات محكمة لم يصل إليها النسخ ، وتبين أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رجل السلم بالوحي والتنزيل ، وهو من مصاديق الجمع بين قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ) وقوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ] ( ).
قانون منافع الصلح
لقد إبتدأ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دعوته أيام البعثة الأولى بتبليغ الرسالة ، وتلاوة آيات القرآن ، والوعد والوعيد ، وفضل الله في تجلي عدد من المعجزات الحسية ، فدخل رهط من الناس الإسلام ، وفازوا بالسبق في منازل الإيمان ، قال تعالى [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ]( ).
وحفظت لهم الأجيال هذه المنقبة التي تحمل صبغة الجهاد بالصبر على شدة الأذى الذي لاقوه من رؤساء الكفر من قريش .
ويحتمل حال عامة أهل مكة يومئذ وجوهاً :
الأول : كان عامة أهل مكة على الحياد .
الثاني: لم يلتفت أكثر أهل مكة إلى دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنها كانت في الغالب سرية .
الثالث : لم يكن سكان مكة من الكثرة وكونهم على طوائف وأقسام في تلقي الدعوة
الرابع : ميل عامة أهل مكة إلى رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
والصحيح هو الأخير ، ويدل عليه توالي دخول الناس الإسلام ، ومن التعضيد للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجود البيت الحرام في مكة وإدراك أهلها وعامة الناس لكل من :
الأول : قانون البيت الحرام داعية إلى التوحيد .
الثاني : قانون قدوم الناس إلى البيت الحرام للحج والعمرة حرب على الشرك والضلالة ، وهو من مصاديق تسمية مكة أم القرى ، قال تعالى [وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا] ( ).
الثالث : قانون الناس شرع سواء في البيت الحرام ، قال تعالى [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ] ( ).
الرابع : من معاني حفظ الحجر الاسود لمواثيق الأنبياء شهادة البيت الحرام ، ووفادة الناس له على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به من سنن التوحيد .
ويمكن تقسيم منافع الصلح تقسيمات متعددة منها:
الأول : قانون المنافع العاجلة .
الثاني : قانون المنافع الآجلة .
ومن هذه التقسيمات :
الأول : قانون المنافع الدنيوية .
الثاني : قانون المنافع الآخروية .
ومنها :
الأول : قانون المنافع بخصوص دفع القتال والحرب ، قال تعالى [وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا] ( ).
الثاني : قانون المنافع بخصوص حال السلم وإستدامته ، وهو محبوب ذاتاً للفطرة الإنسانية .
ومنها :
الأول : قانون منافع صلح الحديبية لقريش وأهل مكة عامة .
الثاني : قانون منافع صلح الحديبية للناس كافة ، ومن مفاهيم صلح الحديبية المنع من الإصرار على الخصومة والقتال ، قال تعالى [وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ] ( ).
ومنها :
الأول : قانون منافع صلح الحديبية لشخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنها ذات آية الفتح [لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا] ( ) مع تعدد تأويل هذه الآية .
الثاني : قانون منافع صلح الحديبية على المهاجرين والأنصار الذين رافقوا النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحديبية ، ومنها فوزهم بلقب أهل بيعة الرضوان .
الثالث : قانون منافع صلح الحديبية على كافة المهاجرين والأنصار ، ذكوراً وإناثاً .
ومنها :
الأول : قانون منافع صلح الحديبية بخصوص القرآن وآياته وعلومه ، لقد كان صلح الحديبية فتحاً بالنسبة لآيات وعلوم القرآن ، وإشاعتها بين الناس ، فهو مقدمة لنفاذ آيات القرآن إلى المنتديات والبيوت ، وجعل الناس يتفكرون بالآيات طوعاً وقهراً .
الثاني : قانون منافع صلح الحديبية بخصوص السنة النبوية القولية والفعلية ، ويتناقل الناس أخبار سيرته وأقواله ومعجزاته الحسية والعقلية ، ولم يكن أمام قريش إلا السكوت مع دخول عدد من كبرائهم الإسلام.
الثالث : ليس لحاكم أو أمير مسلم أن يصر على مواصلة القتال مع تهيئ فرصة للصلح والسلم ، فقد رضي النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالصلح مع المشركين على جحودهم وضلالتهم ، قال تعالى [خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ] ( ).
ومنها :
الأول : قانون منافع صلح الحديبية في أداء الصلاة والفرائض العبادية الآخرى ، لقد صار الناس يتوجهون إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالسؤال عن نبوته وأحكام الشريعة، وهل صارت الصلاة تؤدى في المسجد الحرام علانية بعد صلح الحديبية ، المختار نعم ، وهو من مصاديق الفتح المبين في الحديبية ، قال تعالى [الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ] ( ).
الثاني : قانون إزاحة صلح الحديبية لمفاهيم شرك وضلالة .
ومنها :
الأول : قانون منافع صلح الحديبية في تثبيت السلم المجتمعي ، والصلات بين الأفراد والمجتمعات من المسلمين والكفار .
لقد أكد صلح الحديبية لأجيال المسلمين أن الصلح حلو المذاق ، طيب الأثر دائم النفع .
الثاني : قانون منع صلح الحديبية من تجدد القتال في الجزيرة بين المسلمين والمشركين .
ومنها :
الأول : قانون منافع الصلح الحديبية في إجهار مسلمي مكة وغيرهم باسلامهم ، وتلاوتهم وعامة المسلمين القرآن جهرة ، ويهدي القرآن إلى السلم والمحبة والوئام ، وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ]( ).
الثاني : قانون إصابة المشركين بالضعف والوهن في صلح الحديبية .
ومنها :
الأول : سعي النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى صلح الحديبية ، وإعلانه الإستعداد للقبول بشروط قريش حباً للسلام ، وإشاعة للأمن في المدن والقرى والطرق العامة .
ومن الإعجاز في سنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية أنه حينما وصل إليها ، وقبل أن ينزل من ناقته قال (لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إلَى خُطّةٍ يَسْأَلُونَنِي فِيهَا صِلَةَ الرّحَمِ إلّا أَعْطَيْتُهُمْ إيّاهَا ثُمّ قَالَ لِلنّاسِ انْزِلُوا ؛
قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا بِالْوَادِي مَاءٌ نَنْزِلُ عَلَيْهِ فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ .
فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَنَزَلَ بِهِ فِي قَلِيبٍ مِنْ تِلْكَ الْقُلُبِ .
فَغَرّزَهُ فِي جَوْفِهِ فَجَاشَ بِالرّوّاءِ حَتّى ضَرَبَ النّاسُ عَنْهُ بِعَطَنٍ)( ).
الثاني : إبطال إرادة الكفار القتال ، ومهاجمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، وإمتناعهم عن الصلح ، وإصرارهم على رجوع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه إلى المدينة .
الثالث : إستدامة العمل بأحكام الأشهر الحرم ، ومنع المشركين من التجرأ بالغزو والقتال فيها .
وهل انقطعت وجفّت منافع صلح الحديبية ، الجواب لا ، فهي متجددة بذاتها ، كما تستحدث معها منافع عديدة ، ليبقى صلح الحديبية لواء سلام يرفرف على الأرض يدعو المسلمين إلى السلم والأمن ، والتدبر في آيات السلم والعمل بمضمونها ، والتنزه عن الإرهاب والعنف ، ويدعو أهل الملل والنحل إلى إكرام شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتسليم .
لقد أرادت قريش يوم معركة بدر إطفاء نور النبوة ، ومنع الناس من الصلاة والتقوى ، والحيلولة دون إشاعة مكارم الأخلاق ، لقد سعوا جهرة لقتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت آيات القرآن تترى عليه، وليس من نبي بعده ، قال تعالى [يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ]( ).
وهل تدل الآية أعلاه على أن حرب قريش ضد النبوة والتنزيل لا تمس نور الله في الأرض ، الجواب نعم ، ومن خصائص صلح الحديبية أنه يثبت نور الله في الأرض إلى يوم القيامة ، لذا فان منافعه لم ولن تنقطع إلى يوم القيامة .
قانون صلح الحديبية حرز واقية
الصلح لغة : اسم من الصلاح والمصالحة (يذكّر ويؤنّث. وقد اصْطَلَحا وتصالَحا واصَّالحا أيضاً مشدّدة الصاد. والإصلاح: نقيض الإفْساد) ( ) وهو في الإصطلاح عقد ونوع طريق لرفع النزاع وقطع الخصومة والشقاق .
والأصل في الصلح أنه مندوب لقوله تعالى [وَالصُّلْحُ خَيْرٌ] ( ) وتنطبق الأحكام التكليفية الخمس على الصلح فقد يكون واجباً ، وقد يكون مباحاً أو مكروهاً أو محرماً وعن عمرو بن عوف المزني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً) ( ).
ومن الصلح المحرم التصالح على أمر حرام كالربا أو حمل امرأة على أن تقر لشخص بالزوجية ، ويصح صلح الحطيطة ، كما لو أقر المدعى عليه بحق ثم طلب المصالحة على غيره أو شطر منه ، وأختلف في صلح الإنكار ، وللصلح شروط منها أن يكون المتصالح عليه حقاً للمصالح ، وأن يكون في محل الصلح ، وأن يكون معلوماً فان كان مجهولاً للمتصالحين أو لإحدهما لا يصح الصلح لقاعدة نفي الجهالة والغرر .
وللصلح مبطلات منها هلاك أحد المتصالحين أو طلب أحد الطرفين الإقالة وقبولها من الطرف الآخر ، كما لو قال أقلني عن هذا الصلح ، فيرضى الآخر بالإقالة ، فينفسخ الصلح ، ومنه نقض شروط الصلح ، كما في الذي قامت به قريش بخصوص صلح الحديبية .
ويدخل الصلح في أمور الحياة العامة والخاصة ، ويكون فيما بين المسلمين ، قال تعالى [وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ] ( ).
مما يدل على أن أطراف الصلح أعم من أن تنحصر بالمتخاصمين، فتشمل العلماء والحكام والقضاة ، ومن أولويات القاضي الصلح بين المتخاصمين لأنه يتصف بالفقاهة والذكاء والإحاطة بأحكام القانون والثوابت ، وينظر بتفاصيل الخلاف بشرط أن لا يحيف على الضعيف ، ولا يضيّع الحقوق ، ولا يفرط بالدماء ، قال تعالى [وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا]( ).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية هو الإمام والرسول الذي يأتيه الوحي في الدعوة إلى الصلح وقبوله ، وفي تعيين الشروط والرضا بشروط الكفار .
لقد تم صلح الحديبية بعد معارك متتالية بين المسلمين وقريش ، ووقوع حالات أخرى فردية ومناوشات واغتيالات ، وتتصف قريش بالزهو والعتو والإستكبار والسيادة في الجزيرة ، والإصرار على عبادة الأصنام ، إلى جانب الأحقاد والضغائن والثأر بسبب معارك الإسلام الأولى ، ومجئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أطراف مكة يريد الدخول عليهم .
وهل من موضوعية لقوله تعالى [وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى]( )، في مجئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحديبية وسلامته وعقد الصلح , الجواب نعم.
وليس من حصر لمواضيع الصلح ، إذ يقع في الدماء والجروح والأموال والخصومة.
وكان العرب يلجأون إلى الصلح في الخصومات القبلية والفتن ، إبتداءً أو عند وقوع الخسائر وإسالة الدماء .
ولكن الأمر يختلف في الحرب بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين لأنها حرب تضاد وتناقض ، حرب بين الإيمان والكفر ، بين الهدى والضلالة ، حرب تنزيه للبيت الحرام من نصب الأوثان وعبادتها .
وقد صار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما وصل إلى الحديبية على مشارف مكة ، ويدل في مفهومه على مقاربة إزاحة عبادة الأصنام داخل مكة وخارجها فمتى ما أزيحت الأصنام داخل البيت الحرام فانها تسقط وتتهاوى في المدن والبقاع الأخرى ، وهو من مصاديق تسمية مكة أم القرى بقوله تعالى [لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا]( ).
وسيبقى قوله تعالى [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا]( ) ينطق بعدم إنحصار منافع صلح الحديبية من جهات :
الأولى : الموضوع .
الثانية : الحكم .
الثالثة : المكان وعدم اختصاصه بأهل مكة والمدينة .
الرابعة : الزمان ، فهو لا يختص بأوان إمضاء الصلح ، ولا أيام البعثة النبوية وحدها .
وهو من الإعجاز في تلاوة كل مسلم ومسلمة لآيات القرآن سبع عشرة مرة في اليوم .
(عن أبي شريح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أقال أخاه بيعا أقاله الله عثرته يوم القيامة) ( ).
والعثرة : الزلة والسقطة ، ومنه التعجيل في البيع والشراء أو طرو أمر .
(أبو شريح الخزاعي ، اختلف في اسمه، فقيل: كعب بن عمرو، وقيل: عمرو بن خويلد، وقيل: هانئ، والأكثر خويلد.
نزل المدينة وأسلم قبل الفتح، وتوفي بالمدينة سنة ثمان وستين)( ).
ومن منافع صلح الحديبية وعلة تسميته في القرآن [فَتْحًا مُبِينًا] وجوه :
الأول : تسليم قريش بأن المسلمين أمة ودولة ، تعجز قريش عن قهرهم، ليكون صلح الحديبية من مصاديق قوله تعالى [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ] ( ) .
الثاني : هيبة الإسلام في الجزيرة العربية .
الثالث : عودة مهاجري الحبشة بأمان ، إذ كتب لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستقدمهم فعادوا على الفور .
وهل هذه الإستجابة الفورية من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الغيرية بلحاظ أن هؤلاء المهاجرين بقوا على ذات النهج الإيماني وطاعة الله والرسول ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ]( ).
الرابع : دخول الناس في الإسلام ، وذكر أن عدد الذين دخلوا الإسلام بين صلح الحديبية في شهر ذي القعدة في السنة السادسة للهجرة أكثر من الذين دخلوه مدة سني الدعوة السابقة له ، وهي نحو تسع عشرة سنة .
الخامس : دخول عدد من رؤساء قريش وفرسانها في الإسلام ومن الآيات أنهم توافدوا إلى المدينة أفراداً وجماعات ليعلنوا إسلامهم ، ومنهم من كان قائداً في معركة أحد والخندق أو غيرهما ، مثل خالد بن الوليد.
السادس : إبرام عدد من القبائل العهود مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ودخولهم في عهده منهم قبيلة خزاعة .
السابع : استتباب الأمن في الجزيرة والجادة العامة .
الثامن : تلاوة المسلمين القرآن جهرة ،وإقامتهم الصلوات في المدن والمساجد والقرى والطرق العامة .
ومن الإعجاز في الصلاة في المقام قراءة المسلمين القرآن جهراً في أكثر ركعات الصلاة اليومية .
وقد ذكرت في رسالتي العملية الحجة :
(مسألة 380)يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح، والركعتين الأوليتين من المغرب والعشاء، ويجب الإخفات في الظهر والعصر الا في صلاة الجمعة فيستحب مؤكداً الجهر فيها، ويستحب ايضاً الجهر بصلاة الظهر ليوم الجمعة( ) على الاقوى( ).
ومشهور علماء الإسلام استحباب الجهر في الركعتين الأوليتين من المغرب والعشاء ، وفي صلاة الصبح كلها لأنها تتألف من ركعتين ، فهذا الجهر سنة من سنن الصلاة .
بحث أصولي
الواجب لغة هو اللزوم
يقال (وَجَبَ الشَّيْءُ يَجِبُ وجُوْباً. وأوْجَبَه اللّهُ ووَجَّبَه؛ فهو واجِبٌ لازِمٌ. والمُوْجِبَاتُ: الكَبائرُ من الذُّنُوْبِ التي تُوْجِبُ النّارَ. وَوَجَبَتِ الشَّمْسُ وَجْباً: إذا غابَتْ؛ ووُجُوْباً. سَمِعْتُ له وَجْبةً: أي وقْعاً على الأرْضِ.
ووَجَبَ القَلْبُ يَجِبُ وَجِيْباً ووُجُوْباً.
والمُوْجِّبُ من الدَّوابِّ: الذي يَفْزَعُ من كُلِّ شَيْءٍ.
والوَجْبُ: الجَبَانُ. وبه الوَجُْبة : أي حَلَّ به الأمْرُ.
ومَثَلٌ: ” بجَنَبِه فَلْتَكُنِ الوَجْبَةُ ” أي الصَّرْعَةُ.
ووَجَبَ الحائطُ يَجِبُ وَجْبَةً: إذا سَقَطَ.
وقَوْلُه عَزَّ وجَلَّ : وَجَبَتْ جُنُوْبُها ” أي سَقَطَتْ لجُنُوْبِها، ويُقال: بَلْ خَرَجَتْ أنْفُسُها)( ).
والواجب في الإصطلاح هو ما يلزم اتيانه وتنجزه ، ويذم ويعاقب تاركه، ويسمى الواجب على وجوه :
الأول : الواجب .
الثاني : الفرض .
الثالث : اللازم .
الرابع : الحتم .
ومن العلماء من عرّفه بالشطر الأخير أعلاه بعبارات متقاربة مثل : الذي يذم تاركه شرعاً ، ما يعاقب تاركه ، ولكن هذا التعريف بمفهوم المخالفة ، فالأصل أن يعرف ذات الواجب وليس تركه .
وفيه نوع تفاؤل ورجاء باتيانه خاصة وأن الشارع طلب فعله من المكلفين طلباً حتماً ويسقط مع العذر ، ومنه عدم الإستطاعة كما في قوله تعالى [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ]( )، والقضاء كما قوله تعالى بخصوص الصيام [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ]( ).
وهناك تقسيمات متعددة للواجب ومن هذه التقسيمات : التقسيم بلحاظ الكم والمقدار والكيف إلى قسمين : وهذا التقسيم لم يدرس عندنا في الحوزة العلمية فاضفته هنا وذكرته في الجزء الثاني عشر بعد المائتين من تفسيري للقرآن وفي الجزء الثالث من معراج الأصول تقريرات بحثي الخارج في الأصول :
الأول : الواجب المحدد : وهو المحصور بفعل مخصوص حدده وعينه الشارع بالكم والكيفية ، مثل عدد ركعات الصلاة اليومية سبع عشرة ركعة، صلاة الظهر أربعُ ركًعات ، وكذا بالنسبة لأفعال الركعة الواحدة وكذا بالنسبة لصيام أيام شهر رمضان ، والنصاب في الزكاة ، فمثلاً في أربعين شاة شاةً واحدة ثم النصاب الثاني وهو مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان وهكذا .
الثاني : الواجب غير المحدد ، وهو الذي أمر به الشارع والزم باتيانه من غير أن يحدد له مقداراً مخصوصاً أو كيفية معينة كبر الوالدين ، وصلة الأرحام والإحسان إلى الناس .
والتلاوة في الصلاة تتضمن الواجب المحدد بخصوص قراءة سورة الفاتحة، أما غير المحدد فهو السورة الأخرى التي تقرأ معها في الركعتين الأوليتين ، ومن الواجب غير المحدد قوله تعالى [وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ]( )، وكما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكما في التفقه في الدين من جهات :
الأولى : عدد الذين يتخصصون بالفقه إذ ذكرتهم الآية التالية بصفة الطائفة .
الثانية : الجهة والفرقة التي يختص بعض أفرادها بالتفقه في الدين لقوله تعالى [مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ]( ).
الثالثة : مقدار التعلم والكسب العلمي .
الرابعة : الفتوى وموضوعها ، قال تعالى [وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ]( ).
الخامسة : الميثاق والعهد ، قال تعالى [وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا]( ).
السادسة : الأجر والثواب على إتيان الواجب .
السابعة : الذم والوعيد على الترك ، كما في قوله تعالى [وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا]( ).
وألفاظ الوجوب متعددة ، والأصل فيها فعل الأمر : وما يدل عليه من صيغة الأمر ومنها :
الأول : مادة الإيجاب .
الثاني : الفرض : قال تعالى [إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ]( ).
الثالث : حرف الجر (على) بما يفيد الإستعلاء كما في قوله تعالى [وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ]( ).
ويقسم الواجب بلحاظ المخاطَبين إلى قسمين :
الأول : الواجب العيني : وهو الذي يتوجه إلى كل مكلف بعينه وذاته ولا يصح اتيانه من قبل بديل له ، ويمكن تقسيم الواجب العيني تقسيماً مستحدثاً في علم الأصول إلى شعبتين :
الأولى : الواجب العيني الذي لا يقبل البديل كحج بين الله الحرام ، وأداء الزكاة مع النصاب ، وكالركوع في الصلاة .
الثانية : الواجب العيني ذو البديل مثل صيام شهر رمضان ، قال تعالى [أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ]( )، وذات المكلف هو الذي يأتي بصيام يوم آخر من أيام السنة بدل صيام يوم من شهر رمضان .
الثالثة : الواجب الكفائي : وهو الذي يراد إتيان فرد مخصوص من الفعل مع قطع النظر عن الفاعل فاذا أداه أحدهم سقط عن الآخرين ، وإن لم يؤده أحدهم أثم الجميع .
ولو أجريت إحصائية بخصوص أيهما أكثر أداء الواجبات العينية أم الواجبات الكفائية فالمختار أن العينية هي الأكثر ، وهو من موارد التخفيف عن المكلفين بتعيين وضبط ما عليهم أداؤه .
وتتعدد تقسيمات الواجب ، منها ما يكون بخصوص تعيين ذات الواجب أو التخيير فيه ، ومنها بلحاظ وقته وأوان أدائه من المؤقت وغير المؤقت ، والمؤقت ينقسم إلى قسمين:
الأول : المضيق مثل صيام يوم من شهر رمضان.
الثاني : الموسع مثل أداء صلاة الفريضة لأن وقت الأداء أعم وأطول من أداء ذات الصلاة ، وهو من مصاديق قوله تعالى [يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا]( )، وغير المؤقت مثل أداء كفارة اليمين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بعض موارده .
ومن الواجب الكفائي ما ورد في قوله تعالى [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]( )، وقوله تعالى [وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ]( )، ومنه إنقاذ الغريق ، وغسل الميت وتكفينه ودفنه والصلاة عليه ، ويدخل فيه ما يحتاج إليه المسلمون والناس من الحرف والمهن والعلوم ومنه الطب والهندسة ، وهل تدخل فيه العلوم الحديثة والكومبيوتر الجواب نعم .
وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
هذا العنوان عجز بيت شعر من قصيدة لحسان بن ثابت يوم صلح الحديبية ، وهي المرة الأولى التي أجعل فيها عجز بيت شعر عنواناً لفصل من الكتاب لما فيه من الإحتجاج والدلائل , ولأنه شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنهم من ذكر أنه قبل يوم فتح مكة ( ).
ومنهم من قال إنه قبل فتح مكة أي بعد الصلح.
ولا مانع من الجمع بين هذه الوجوه ، وأنها قيلت في مناسبتين يوم الحديبية ويوم الفتح ، إذ كان أبو سفيان يهجو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أن يقال أنه اسلم يوم الفتح فيختص القول ، بيوم الحديبية .
والقصيدة هي :
عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فَالْجِوَاءُ( ) … إلَى عَذْرَاءَ( ) مَنْزِلُهَا خَلَاءُ
دِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ … تُعَفّيهَا الرّوَامِسُ وَالسّمَاءُ( )
وَكَانَتْ لَا يَزَالُ بِهَا أَنِيسٌ … خِلَالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ
فَدَعْ هَذَا ، وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفِ … يُؤَرّقُنِي إذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ
لِشَعْثَاءَ( ) الّتِي قَدْ تَيّمَتْهُ … فَلَيَسَ لِقَلْبِهِ مِنْهَا شِفَاءُ
كَأَنّ خَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ … يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ
إذَا مَا الْأَشْرِبَاتُ ذُكِرْنَ يَوْمًا … فَهُنّ لِطَيّبِ الرّاحِ الْفِدَاءُ
نوَلّيهَا الْمَلَامَةَ إنْ أَلَمْنَا … إذَا مَا كَانَ مَغْثٌ أَوْ لِحَاءُ
وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا … وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللّقَاءُ
عَدِمْنَا خَيْلَنَا إنْ لَمْ تَرَوْهَا … تُثِيرُ النّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءُ
يُنَازِعْنَ الْأَعِنّةَ مُصْغِيَاتٍ … عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظّمَاءُ
تَظَلّ ، جِيَادُنَا مُتَمَطّرَاتٍ … يُلَطّمُهُنّ بِالْخُمُرِ النّسَاءُ
فَإِمّا تُعْرِضُوا عَنّا اعْتَمَرْنَا … وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ … يُعِينُ اللّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَجِبْرِيلُ رَسُولُ اللّهِ فِينَا … وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ
وَقَالَ اللّهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا … يَقُولُ الْحَقّ إنْ نَفَعَ الْبَلَاءُ
شَهِدْتُ بِهِ فَقُومُوا صَدّقُوهُ … فَقُلْتُمْ لَا نَقُومُ وَلَا نَشَاءُ
وَقَالَ اللّهُ قَدْ سَيّرْتُ جُنْدًا … هُمْ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللّقَاءُ
لَنَا فِي كُلّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدّ … سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا … وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدّمَاءُ
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي … مُغَلْغَلَةً فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ
بِأَنّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْدًا … وَعَبْدُ الدّارِ سَادَتُهَا الْإِمَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمّدًا وَأَجَبْتُ … عَنْهُ وَعِنْدَ اللّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ … فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ( )
هَجَوْتَ مُبَارَكًا بَرّا حَنِيفًا … أَمِينَ اللّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللّهِ مِنْكُمْ … وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
فَإِنّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي … لِعِرْضِ مُحَمّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ … وَبَحْرِي لَا تُكَدّرُهُ الدّلَاءُ( ) ( ).
وعندما انتهى حسان الى قوله :
(هَجَوْتَ مُحَمّدًا وَأَجَبْتُ … عَنْهُ وَعِنْدَ اللّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ).
في الرد على أبي سفيان :
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : جزاؤك على الله الجنة يا حسان.
وعن يزيد بن عياض بن جعدبة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة تناولته قريش بالهجاء، فقال لعبد الله بن رواحة: رد عني فذهب في قديمهم وأولهم، ولم يصنع في الهجاء شيئاً، فأمر كعب بن مالك فذكر الحرب فقال :
نصل السيوف إذا قصرن بخطونا … قدماً ونلحقها إذا لم تلحق
ولم يصنع في الهجاء شيئاً، فدعا حسان بن ثابت فقال: اهجهم وائت أبا بكر يخبرك بمعايب القوم، فأخرج حسان لسانه حتى ضرب به على صدره وقال: والله ما أحب أن لي به مقولاً في العرب، فصب على قريش منه شآبيب شر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اهجهم كأنك تنضحهم بالنبل.
وعن عبد الله بن بريدة: أن جبريل أعان حسان بن ثابت على مدحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسبعين بيتاً.
وعن عروة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تسبوا حساناً، فإنه ينافح عن الله وعن رسوله( ) وهذا الحديث مصداق لقوله تعالى [وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَى أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ]( ).
مما يدل على أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يريد الشعر الذي يدعو إلى الهدى والإيمان لا الشعر الذي يحرض على القتال .
و(قال مصعب الزبيري هذه القصيدة قال حسان صدرها في الجاهلية وآخرها في الإسلام.
قال وهجم حسان على فتية من قومه يشربون الخمر فعيرهم في ذلك فقالوا يا أبا الوليد ما أخذنا هذه إلا منك وإنا لنهم بتركها ثم يثبطنا عن ذلك قولك:
ونشربها فتتركنا ملوكاً … وأسداً ما ينهنها اللقاء
فقال هذا شي قلته في الجاهلية والله ما شربتها منذ أسلمت)( ).
وقوله نصفها في الجاهلية بعيد .
والمختار أن الأصل في واو العطف إفادة الترتيب إلا مع القرينة التي تدل على الجمع وحده ، أو على الجامع بين الجمع والترتيب فان قلت كيف يكون هذا الجامع , الجواب بتعدد الموضوع ، واختلاف الحال والقرائن ، كما في قوله تعالى [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَي مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ] ( ) ، فهي لم تخبر عن قضية عين ، وواقعة محددة ، وورد حرف العطف الواو في الآية أعلاه ثلاث مرات .
إنما تتكرر ضروب الإبتلاء والأذى على المسلمين مجتمعين ومتفرقين ، وتارة يتحالف ويجتمع الذين يؤذونهم ، وتارة يفترقون ، وقد يختلفون ، ولكن أذاهم للإسلام غير منقطع .
قال جابر بن عبد اللّه : خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في الحج وذكر الحديث إلى أن قال : فخرج رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الصفا وقال : إبدأوا بما بدأ اللّه به( ).
وهل هو قضية في واقعة تتعلق بقانون عبادي بالسعي بين الصفا والمروة أم أنه قانون عام يدل على الترتيب ، المختار هو الأول .
وكما في قوله تعالى [وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ] ( ).
وإذ قال الرجل مررت بزيد وعمرو ، فانه ينصرف إلى الترتيب إلا أن تدل قرينة حالية أو مقالية مطلقة الجمع .
ومن معاني آية البحث تعدد الإبتلاء حتى في اليوم الواحد ، وتقدير الآية :
الأول : لتبلون في أموالكم .
الثاني : لتبلون في أنفسكم دون الأموال كما في ملاقاة المشركين .
الثالث : لتبلون في أموالكم مرة ومرة في أنفسكم .
الرابع : لتبلون في أموالك ولتسمعن من المشركين أذى كثيراً في ميادين القتال ، فقد يصاحبه الهجاء والذم والسُباب ، والإستهزاء بالنبوة والتنزيل .
الخامس : قد تجتمع أفراد المعطوف والمعطوف عليه الأربعة في آن واحد، فيبتلى المؤمنون في المال والأنفس ويسمعون الأذى الشديد ويتلقونه بالصبر والتقوى ، وهو من أسرار العطف في الآية الكريمة ، بأن يصلحهم الله لأشد وأقسى الأحوال ، ويكون سلاحهم دائماً الصبر والخشية من الله عز وجل .
ومن أسرار مجئ خاتمة الآية بصيغة الجملة الشرطية [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا]ولم تقل (فاصبروا واتقوا الله ) إرادة إتخاذ الصبر والخشية من الله حرزاً وواقية وعلاجاً فهما حاضران عند المؤمن في كل من :
الأول : قبل نزول البلاء .
الثاني : عند نزول البلاء .
الثالث : بعد نزول البلاء .
فيغادر الإبتلاء ويمر بضراوته وأذاه وأثره ، ولكن الصبر والتقوى ملكة وسجية ثابتة عند المسلمين .
قراءة في قوانين هذا السفر
القانون هو سور الموجبة الكلية الذي يشمل جميع أفراده ، وينطبق عليها ، والمقياس والحكم والطريق والقواعد الملزمة والنظام، والضابطة التي تقاس عليها الأفعال ، مثل الصلاة واجبة وهو مستقرأ من آيات عديدة من القرآن منها قوله تعالى [فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا]( )، وفي النحو مثلاً الفاعل مرفوع ، والمبتدأ مرفوع وينقسم الفعل إلى ثلاثة أقسام : الماضي والمضارع والأمر ، وكذا في قوانين الصرف وعلم البديع ، وقوانين الطب وأحوال بدن الإنسان ، بما فيه السلام والشفاء , وقوانين والهندسة والعمارة لضبط البناء ومنع التفريط الذي يترشح عنه الضرر الحال أو اللاحق وهذا لفظ القانون عربي ، المختار أنها كلمة مستعارة من اللغات الأخرى ، واستعملت بمعنى المسطرة أي العصا المستقيمة وقيل أصل كلمة قانون يوناني .
وقال ابن سيده (وقانون كل شيء: طريقه ومقياسه، وأراها دخيلة)( ).
وصار القانون في اصطلاح هذا الزمان بالقواعد والقوانين الوضعية والقواعد العامة التي تنظم السلوك ، وتضبط أفعال البشر والتشريعات العامة التي تخص المجتمع فتشمل حقوق وواجبات الأفراد ، والملكية والتجارة والعقود ، والملكية والمواريث والأحوال الشخصية ، وهي تختلف باختلاف البلدان والأزمنة ، وجاءت أجزاء هذا التفسير بآلاف القوانين في العلوم والأحوال المختلفة لتدل على إعجاز القرآن .
وعدد القوانين في هذا السِفر المبارك بالآلاف مع أنه ليس في القرآن لفظ قانون ، ولكنه المستقرأ من كل آية منه .
والمباني جمع مبنى ، وهو مصدر من البناء والإنشاء , المبنى اصطلاح مستحدث وان كان معناه ظاهر عند القدماء وعامة العلماء، وهو الذي تتقوم به الفتوى ويرتكز عليه الأصل أو القاعدة ، ويبتنى عليه الدليل فلذا سمي المبنى ، والكيفية والمنهجية التي يتخذها الفقيه أو الأصولي في استنباط الحكم .
ومنهم من يجعل المباني هي القواعد أو الضوابط والأصول والأسس التي يرتكز عليها ، ولكن بينهما عموم وخصوص من وجه ويرد اصطلاح المباني في مباحث الدليل اللفظي وهو القرآن الكريم والسنة الشريفة ، وهو الأصل والمبنى الأم الذي ترتكز عليه علوم الشريعة .
والمباني في الأدلة غير اللفظية من الإجماع والدليل العقلي ومنها الأصول العملية , والتعادل والترجيح ، والإجتهاد والتقليد .
الحمد لله الأول قبل الإنشاء والإحياء ، والذي لم يوجد شئ إلا بأمره ومشيئته ، ولا يكون بقاء الأشياء بأحوالها المختلفة إلا بفضله وإرادته ، وفيه بعث للسكينة في نفوس الناس كافة .
الحمد لله حمداً دائماً بعدد ساعات أيام الحياة الدنيا ، إذ تتطلع إلى أن يكتب الله عز وجل لنا حمداً له من قبل أن يخلق آدم ، ليكون هذا الحمد واقية ، ونجاة من الفجور والظلم ، وقد أخبر الله الملائكة على جعل الإنسان خليفة في الأرض [قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ] ( ) لبيان قانون متقدم على هبوط آدم إلى الأرض ، وهو دعوة الملائكة آدم وذريته للإمتناع عن الفساد وعن القتل ، وجرح الغير بدون حق .
سبحان الله الذي [عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ]( )، إذ رزقه العقل وعاءً ووسيلة لإكتساب المعارف وإصلاح الذات ، وترك الخلق الكريم إرثاً يلحّ على الناس بوجوب عبادة الله ، وأنزل الله الكتب السماوية لتكون بذاتها علماً ونبراساً وضياءً ينير دروب السالكين ، ويمنع من الظلمة ويرفع الغشاوة التي تؤدي إلى الضلالة وتنمي الحقد والكراهية ، فنزل القرآن بالسلم العام للمجتمعات ليصاحب الحياة الدنيا بأداء الفرائض العبادية .
والعبادة خير محض للناس جميعاً [فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ] ( ) وهي من اللطف بالعباد ، وصيغ تقريبهم إلى رحمة الله ، وتوالي الفضل الإلهي عليهم .
وهي من إحسان الناس لأنفسهم ، وقد قال تعالى [رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ] ( ).
وكل آية من آيات السلم رحمة بالناس جميعاً لأنها تدعو إلى الإيمان ، وعبادة الله بالحجة والبرهان .
وهل آيات الأحكام شاهد على عموم التكليف ، الجواب نعم ، لقاعدة الإشتغال وعموم التكليف ، فمثلاً ورد نحو أربعة عشر حكماً في أطول آية في القرآن وهي آية الدين ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] ( ).
وجاء هذا الجزء وهو الرابع عشر بعد المائتين في قانون آيات السلم محكمة غير منسوخة لبيان مصاديق من شآبيب الرحمة التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , وتجليات قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]( ).
قانون النواهي سلم وأمن
يتجلى حب الله عز وجل للناس ومصاديق خلافتهم في الأرض في ضوابط الشرائع السماوية ، وما فيها من الأوامر والنواهي التي تبعث على السكينة والسعادة ، فيعيش الإنسان بأمن من غيره لأن هذا الغير منزجر بأحكام الشريعة ، يمتنع عن التعدي في النفوس والأموال والأعراض وسبل المعاش .
وقد نزل القرآن بالأوامر والنواهي لتصفو حياة المسلمين والناس جميعاً، وهو من مصاديق قوله تعالى[ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا] ( ) .
وجاء القرآن بالتوحيد وسننه وآدابه ووجوب ترك الشرك ومفاهيم الضلالة ، وليس من سورة من سور القرآن إلا وتتضمن معاني التوحيد ، وتأديب المسلمين عليه ، وهو أصل محاسن الآداب ، ومكارم الأخلاق ، وسبل الرشاد، لذا كان أول جهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رسالته محاربة عبادة الأصنام ، مع أن رؤساء مكة عاكفون عليها لا يرون فيها باساً، وقد ورثوها عن آبائهم.
ومن خصائص التوحيد أنه سور الموجبة الكلية الذي تلتقي عنده الملل والشرائع السماوية ، لبيان قانون وهو سعي النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للتقارب مع أهل الكتاب من أول أيام البعثة تحت ظلال خيمة التوحيد ، لذا قال تعالى [قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] ( ).
وتدل معرفة علة النواهي الشرعية على الإعجاز في الشريعة ، وهو سبب لزيادة الإيمان ، وبعث الطمأنينة في النفوس .
ولكن هذا لا يعني تقييد العمل بالأوامر والنواهي بمعرفة العلة في تشريعها ، فمنها ما هو تعبدي لا يعلمه إلا الله عز وجل ، قال سبحانه [فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ] ( ) ، قال سبحانه [لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ] ( ) وهو الذي يتجلى للناس يوم القيامة ، قال تعالى [فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ] ( ).
ومن الأحكام ما جاء القرآن أو السنة ببيان علتها ، ومنها ما يتم اكتشاف شطر من علته بالوجدان ، وليس للإنسان إلا العمل بأحكام الشريعة ، قال تعالى [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا]( ).
ومن إعجاز القرآن إخباره عن نهي الفريضة العبادية عن المنكر والفاحشة ، قال تعالى [اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ] ( ) والله عز وجل هو الذي يأمر وينهي ، وليس للصلاة لسان أو جارحة تتولى الأمر والنهي ، ولكن أداء الفريضة العبادية برزخ دون فعل الفاحشة والمنكر ، كما أنه سبب للعفو والمغفرة ومحو الذنوب مما يدل على السماحة في الشريعة ، وأن أبواب الطاعة مفتوحة في كل حين ، وتضيق معها مسالك المعصية ، ويندب القرآن المسلمين والناس جميعاً إلى النهي عن المنكر ، مما يستلزم أموراً :
الأول : التفقه في الدين ومعرفة مصاديق المعروف وأفراد المنكر ، قال تعالى [فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ]( ).
الثاني : التقيد العام بأداء الوظائف العبادية من الصلاة والصوم الزكاة والحج والخمس ، وكل فرد منها عصمة من الفواحش والمعاصي بفضل من الله ، وهم من مصاديق ورشحات قوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]( ).
الثالث : تعاون المسلمين في نشر الإحسان ومفاهيم المودة بين الناس ويدل قوله تعالى [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا]( )، على العموم في القول الحسن سواء من جهة الصدور أو من الجهة التي يتوجه اليها القول الحسن .
وهذا القول من مكارم الأخلاق ، ومحاسن الصفات ، ويصح الإتيان به بقصد القربة رجاء الثواب ، وعن الإمام علي عليه السلام ( الإحسان يقطع اللسان) ( ) .
والمراد من الإحسان أعلاه بالقول والفعل وفيه استعارة إذ أن الهبة والعطية تمنع من الذم والكلام القبيح .
الرابع : اتخاذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهاجاً وسبيل صلاح ، قال تعالى [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]( ).
لقد أنعم الله عز وجل على الناس بأن صاحب وجودهم الأمر والنهي، فأول ما خلق الله من البشر آدم وهو أبوهم جميعاً ، أمره ونهاه .
وقد توجهت الأوامر من الله لآدم وهو في الجنة قبل أن يهبط إلى الأرض ، منها قوله تعالى [قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ] ( ).
ثم بعدها بآيتين قال تعالى [وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ] ( ) إذ تجتمع في هذه الآية أمور :
الأول : الأمر من عند الله لآدم وحواء .
الثاني : الفضل الإلهي المتعدد.
الثالث : النهي والزجر عن الأكل من الشجرة .
الرابع : بيان الضرر من مخالفة النهي .
الخامس : قانون وهو النهي لإستدامة الفضل .
فلا يحتاج الله عز وجل الأمر أو النهي إلى الناس ولا استجابتهم فهو سبحانه [غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ] ( ) إنما يحتاج الناس هذه الأوامر والنواهي والإمتثال لها ، وكل فرد منها دعوة للسلم وترك القتال ، وكأنها تقول يا أيها الناس تعاونوا باتيان ما أمرتم به من الله ، ومنه الفرائض والإحسان ، وإجتنبوا ما نهاكم عنه من المعاصي التي تؤدي إلى التباغض والإقتتال ،قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ]( ).
وجاء التحذير والإنذار من عند الله بلزوم الإمتناع عن الإستماع والإستجابة لإبليس مع مناسبة الموضوع والحكم ، إذ أن إبليس عصى الله في السجود لآدم فاستحق أن لا يطيعه آدم ، إذ قال تعالى [وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى] ( ).
وقال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ] ( ).
وجاءت كل من الشرائع السماوية بالمنع من أكل مال الغير بالباطل لمنع أسباب الفتنة بين الناس .
وحرم الله عز وجل الربا وأخذ الزائد من المال على القرض في آيات متعددة منها قوله تعالى يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال تعالى [يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ] ( ) لأن الزكاةومطلق الصدقة تبعث على الألفة، وتنشر المودة ، وتزيل الضغائن .
وهل من محق الله الربا إدخال صاحبه في فتنة بحيث ينفق مال الربا من غير نفع أو أجر أو ثواب ، المختار لا ، إنما تنعدم البركة فيه ، ويكون سبباً للإثم واللهث وراء زينة الدنيا والمتاع فيها .
وتضمن القرآن الدعوة إلى القناعة وإجتناب الطمع في الباطل ، بما يجعل الإنسان يسعى في الإستيلاء على مال وحق الغير ، قال تعالى [وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ]( ).
قانون اسم الإسلام سلم
ومن الإعجاز في الشريعة التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو اسم الإسلام لشريعته ، هذا الاسم ليس من اختيار البشر إنما هو من عند الله ، قال تعالى [وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ]( ).
ولقد تفضل الله عز وجل واختار لأحد الأنبياء اسم المولود الذي يولد له وهو يحيى ، قال تعالى في خطاب إلى زكريا [يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا]( ).
فتفضل الله عز وجل وسمّى الدين الإسلام لدعوة الناس جميعاً إلى الهدى وإلى السلم ونبذ العنف والإرهاب ، ومن الدلائل في تسمية الإسلام زجر المسلمين عن التعدي على غيرهم ، ومنع الناس من التعدي على المسلمين ، وأول ما نزل على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن قوله تعالى [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ]( ).
لبيان أن الإسلام هو دين العلم والتفقه والمعرفة ، وهناك تضاد بين العلم وبين الإرهاب وسفك الدماء .
وقد لازمت وتلازم الصلاة الإسلام ، وهي عنوان الهدى والإيمان ، وستبقى الصلاة سلام ودعوة إلى السلام وإذا قيل هناك آيات للسلم منسوخة ، فالصلاة والزكاة والحج والصيام والخمس واجبات غير منسوخة، وكل فرد منها دعوة إلى السلم ، لبيان قانون وهو رفع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للواء السلام لا يختص بآيات السلم ، انما يشمل وجوهاً :
الأول : آيات العلم وطلبه ، منها قوله تعالى [يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ]( )، [وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا]( )، [قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ]( )، ويستلزم طلب العلم الجد والإجتهاد وفيه إنصراف عن القتال وملاحاة الرجال ومعاني الخصومة والشقاق .
الثاني : آيات حب الله عز وجل واللجوء إليه وذكره وتسبيحه ، قال تعالى [أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ] ( ) ومن معاني اطمئنان القلوب التحلي بالحكمة والتنزه عن السخط ، والعصمة من استيلاء النفس الغضبية .
الثالث : آيات أداء الفرائض العبادية ، والحرص عليها وتعاهد أوقاتها ، وعدم التهاون أو التفريط فيها أو في مستحباتها ، فمثلاً صلاة الجماعة مناسبة لإجتماع المسلمين في طاعة الله ، والشكر لله على نعمة الإيمان ونبذ الخصومة والخلاف .
الرابع : آيات الأمر بالمعروف والسعي والمسارعة في الخير وأعمال البر ، قال تعالى [أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ]( ).
ومن إعجاز القرآن بعث المسلمين على عمل الخير والإحسان للناس جميعاً ، مما يدل على حملهم لواء السلام .
الخامس : قانون وجوب قيام المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى [الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ] ( ).
وصحيح أن الاسم غير المسمى ، ولكنه يدل عليه ، ويشير إلى معاني خاصة عندما يكون هذا الاسم من عند الله ، وهو من أعظم مصاديق التشريف بأن يتفضل الله عز وجل بالاسم ، وقد تفضل الله عز وجل وسمى النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم [أَحْمَدُ] كما في قوله تعالى [وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ] ( ).
لقد تفضل الله عز وجل على الناس بأن وردت مادة السلم ومشتقاته في القرآن نحو (133) مرة لتحمل الناس على السعي في السلم ، وإتخاذه منهاجاً والإمتناع عن مقدمات القتال والحرب .
والمختار أن دلالات السلم في القرآن آلاف المرات ، وتتجلى بعض معانيه في أجزاء هذا التفسير .
وقد أخبر الله عز وجل المسلمين والناس جميعاً ، بأن من أسمائه الحسنى (السلام) ، قال تعالى [هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ] ( ).
ومن معاني اسمه السلام ،وجوه :
الأول : قانون الكمال والسلامة من النواقص لله عز وجل وحده.
الثاني : تنزه الله عن الظلم والجور من قوانين الإرادة التكوينية واللطف المستديم .
الثالث : أصل لفظ (السلام ) أنه مصدر بمعنى السلامة .
قيل جاء وصفاً للمبالغة ، ولكن المعنى أعم ، فالله عز وجل هو الذي يجعل الخلائق كلها في سلم وسلام ، ولا يقدر عليه إلا هو سبحانه ، قال تعالى [لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ]( ).
وهل ينفع ذات اسم الإسلام المؤمنين يوم القيامة ، أم ينحصر نفعهم بما فعلوه من الصالحات والشفاعة ، الجواب هو الأول .
عن الحسن حدثنا (أبو هريرة، إذ ذاك ونحن بالمدينة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “تَجِيءُ الأعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَجِيءُ الصَّلاةُ فَتَقُولُ : يَا رَبِّ، أَنَا الصَّلاةُ.
فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ .
فَتَجِيءُ الصَّدَقَةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّدَقَةُ.
فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ .
ثُمَّ يَجِيءُ الصِّيَامُ فَيَقُولُ: أَيْ يَا رَبِّ ، أَنَا الصِّيَامُ.
فَيَقُولُ: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ .
ثُمَّ تَجِيءُ الأعْمَالُ، كُل ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تعالى: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، ثُمَّ يَجِيءُ الإسْلامُ فَيَقُولُ: يَا رَب، أَنْتَ السَّلامُ وَأَنَا الإسْلامُ .
فَيَقُولُ اللَّهُ [تعالى]: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِي ، قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ }( ) ) ( ).
قانون موضوعية السلم في الحكم الشرعي
يمكن إنشاء قانون وهو : كل فريضة عبادية سلم دائم ، ومن الشواهد عليه مثلاً الصلاة وهي سلم من جهات :
الأولى : قانون أداء الصلاة موادعة مع الذات والغير .
الثانية : قانون الصلاة إنقطاع إلى الله وزهد بالدنيا ، وأصل الحروب والقتال هو زينة الدنيا وحب المال والجاه والسلطان .
الثالثة : قانون إلتقاء أهل الملل بالصلاة ، فليس من نبي إلا وجاء بالصلاة ، وكل شريعة سماوية تتضمن الأمر بأداء الصلاة التي تعاهدها آدم من أول نزوله إلى الأرض ، وقال تعالى [أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا] ( ).
ومن الآيات أن الأنبياء يصلون في قبورهم (عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لما أسري بي إلى السماء رأيت موسى يصلي في قبره) ( ).
الرابعة : قانون الصلاة حصانة للنفس من الظلم والتعدي .
الخامسة : في الصلاة تنمية لملكة حب الإنسان لله عز وجل ، والإقرار بالعبودية له سبحانه .
السادسة : قانون الصلاة حاجة للإنسان ، ومتى ما أدرك أنه محتاج فانه يمتنع عن الغرور والطغيان ، ومن خصائص الصلاة الوقوف بذل وخشوع بين يدي الله عز وجل ، وتتصف صلاة المسلمين بأنها تتضمن التطامن والسجود على الأرض طاعة لله عز وجل ، ومن الإعجاز في الركعة الواحدة منها أنها تتألف من أجزاء متعددة منها :
الأول : قصد القربة إلى الله .
الثاني : التكبير بقول (الله أكبر) وهو عنوان الإحرام والدخول في الصلاة ، ودليل على الإقرار بالتوحيد ، ولم يرد لفظ (الله أكبر ) في القرآن، ولكن كل آية تدل عليه ، وقد ورد ذات الرسم مع إختلاف المعنى في كل من الآيات :
الأولى : قال تعالى [وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ]( ) .
الثانية : قال تعالى [وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ]( ).
الثالثة : قال تعالى [لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ]( ).
الثالث : القيام .
الرابع: تلاوة القرآن .
الخامس : الركوع مع التسبيح .
السادس : القيام من الركوع .
السابع : سجدتان في كل ركعة مع التسبيح فيهما .
الثامن : التشهد الوسطي والتشهد الأخير ، والتسليم الذي يخرج به العبد من الصلاة( ) .
فمع أن الركوع مرة واحدة فان السجود مرتين في كل ركعة .
بين الحديث المرفوع و الموقوف
الحديث المرفوع هو الذي يرفع إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم سواء كان الرفع من الصحابي ، أو التابعي ، ويشمل كلاً من :
الأول : الحديث النبوي .
الثاني : فعل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثالث : صفة وتقرير النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن حديث التابعي المرفوع ما ورد عن الحسن البصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما أنعم الله على عبد نعمة يحمد الله عليها إلاَّ كان حمد الله أعظم منها ، كائنة ما كانت( ).
إذ ولد الحسن البصري بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باحدى عشرة سنة .
ومنه حديث المطلب (بن حنطب . أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها ، يصرفه الله حيث يشاء)( ).
وهذا الحديث من الإعجاز في السنة النبوية لما فيه من علم الغيب الذي ثبتت صحته وهطول الأمطار المستمر كل يوم هنا أو هناك في هذا الزمان والإتصال ووسائل الأعلام التي تغطي المشرق والمغرب وتقارب بين جميع بلدان الأرض ، ومتابعة الناس لأخبار الأنواء وحالة الطقس ، وتغير المناخ .
وفي خاتمة الحديث دعوة نبوية للإستسقاء ، والتضرع والدعاء بنزول المطر ، و(عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوفد ثقيف حين جاءوه: ” لتسلمن أو لأبعثن عليكم رجلا مني، أو قال مثل نفسي فليضربن أعناقكم، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم.
قال عمر: فوالله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ، فجعلت أنصب صدري رجاء أن يقول هو هذا.
قال: فالتفت إلى علي، وأخذ بيده .
وقال: هو هذا، هو هذا)( ).
وعبد المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي المدني تابعي ، كان جده حنطب بن الحارث من مسلمة فتح مكة ، وقيل لأبيه عبد الله بن حنطب صحبة حدّث عبد المطلب عن جابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمرو ، كما روى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم( ).
وأرسل عن صحابة آخرين ، وأكثر أحاديثه مراسيل (قال ابن سعد : وكان كثير الحديث، وليس يحتج بحديثه لأنه يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، وليس له لقي ، وعامة أصحابه يدلسون.
عن ابن حاتم، قال: سئل أبو زرعة عنه .
فقال : مديني ثقة)( )، كان حياً في سنة عشرين ومائة .
والمراد من الحديث الموقوف هو الحديث الصادر عن الصحابي ، والمضاف إليه ، كما يشمل فعله وصفته والمسند اليه من قبل الرواة دون إنقطاع ، ولكنه لا يتجاوز الصحابي مثل حديث ابن عباس وابن عمر ، ولا يرفعه الى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويجب أن لا يخالف الحديث الموقوف النص القرآني والحديث النبوي ، ومنه عن أبي موسى ([يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ] ( )، قال: الكفلان: ضعفان من الأجر، بلسان الحبشة)( ).
ويمكن تقسيم الحديث الموقوف إلى قسمين :
الأول : قول الصحابي أيام النبوة وبخصوصها كما لو قال كنا نفعل كذا في أيام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أو أمرنا ونهينا فانه يلحق بالمرفوع مثل مارود عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس ، فلما نزلت هذه الآية {فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام}( )، مر رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس ألا إنَّ القبلة قد حوّلت إلى الكعبة مرتين ، فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبة)( ).
أما الحديث المقطوع فهو الذي أضيف إلى التابعي أو تابعي التابعين من قول أو فعل ، سواء اتصل أو انقطع السند .
ومنه ما قاله الحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير من التابعين.
الثاني : قول وتفسير وفتوى الصحابي كما في قول ابن عباس (لما نزلت آية الصدقات نسخت هذه الآية وأمر بأخذها منهم طوعاً وكرهاً {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} أي بالمعروف)( ).
قراءة في الجزء (213)
الحمد لله الذي آنار الدنيا بالتنزيل ، وزخرف أيامها بزعفران التأويل ، لتتلى آيات القرآن كل يوم في الآفاق ، وقد صدر الجزء الثالث عشر بعد المائتين من تفسيرنا للقرآن وهو خاص بالآية (186) من سورة آل عمران .
لقد اختص الجزء السابق بتفسير آية واحدة من القرآن وهي قوله تعالى [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ] ( ) لبيان أن الإسلام إبتلاء وصبر وجهاد ، وهذا الجهاد ليس بالسيف ولا بدفع الأذى وحده إنما بتحمل الأذى .
فمن إعجاز الآية أعلاه أنها لم تأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالرد على الإبتلاء والأذى بمثله ، إنما يكون الرد هو الصبر والخشية من الله ، وفيه دعوة للناس للإيمان .
وذهب عدد من العلماء إلى تفسير [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ] ( ) (بوجوب الحقوق فيها وفي أنفسكم ، بالأمراض والأوجاع والقتل) ( ).
ولكن المعنى أعم ، إذ أن الإبتلاء والإختبار متعدد منه ما يكون عن أذى المشركين لدلالة وحدة الموضوع في تنقيح المناط ، فالمعطوف هو الأذى الكثير، أما المعطوف عليه فهو الإبتلاء لبيان أنه أذى أيضاً، وأيهما أكثر أذى:
الأول : البلاء في الأموال .
الثاني : البلاء في النفوس .
الثالث : سماع المسلمين الأذى من الذين أشركوا .
والمختار هو الثاني ، ثم الإبتلاء في الأموال ، وهو من أسرار تقديم الإبتلاء على سماع الأذى .
وتحتمل صفة [كَثِيرًا] في الآية وجوهاً :
الأول : سماع الأذى الكثير من أهل الكتاب .
الثاني : سماع الأذى الكثير من الذين أشركوا .
الثالث : إنما مجموع الأذى الذي يأتي من أهل الكتاب ، والذين أشركوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة يكون كثيراً .
ولفظ [كَثِيرًا] من الكم المتزلزل الذي يكون على مراتب متفاوتة في المقدار والأثر ، ومن كثرة الأذى تكذيب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والإستهزاء بالتنزيل ، والسخرية من المؤمنين والفرائض ، قال تعالى [وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ]( ).
والنسبة بين النداء إلى الصلاة في الآية أعلاه وقوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ] ( ) هو العموم والخصوص المطلق ، فالصلاة أعم إذ تشمل الأذان والدعوة إلى الصلوات اليومية الخمسة .
وتذكر آية البحث الأذى الكثير وهو أدنى مرتبة من الضرر القليل لقوله تعالى [لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى]( ) بلحاظ أن النسبة بين الأذى والضرر هي العموم والخصوص المطلق ، وأن الأذى أعم ، والضرر أشد .
وهل يمكن تقدير الآية أعلاه وبلحاظ آية البحث (لن يضروكم إلا أذى كثيراً ) الجواب نعم لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً .
مما يدل على أن المشركين يستخفون حتى بصلاة الجمعة ، ويجب أن لا يصدّ هذا الإستخفاف المسلمين عن السعي والمبادرة إلى الصلاة ، وهو من التقوى التي تذكرها آية البحث ، ولابد من مصاحبة الصبر لها لقوله تعالى في آية البحث [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ] ( ).
لقد ابتدأ الجزء السابق بالمقدمة ، وتتألف من (11) صفحة تتجلى فيها معاني ومفاهيم من الحمد والشكر لله عز جل والثناء عليه سبحانه ، وبيان قانون وهو أن جعل الله عز وجل الهداية بيده سبحانه نعمة عظمى على الناس .
لقد جاءت مقدمة الجزء (213) في الثناء على الله عز وجل ، والحمد له سبحانه على عظيم النعم ، ومنها تفضله علينا بصدور هذا الجزء وإختصاصه بآية واحدة من القرآن لبيان مصداق عملي وجلي لقانون : كنوز القرآن من اللامتناهي ، وقانون كل آية من القرآن خزينة لا تنفد من جهة كثرة علومها ، والمسائل والقوانين التي تستنبط منها .
لقد أنعم الله عز وجل على أهل الأرض بالقرآن ، وجعله داعية إليه ، ولواء سماوياً يرفرف على القلوب فيصرف الجوارح عن الحروب والقتال ، ويجذبها إلى العبادة والتقوى ، وليس من نعمة أعظم من الأمن إذ يحتاجها الفرد والجماعة والأثر .
وذكرت آية البحث إبتلاء المسلمين بالأموال والأنفس ليكون الصبر والتقوى طريقاً لتثبيت سنن الأمن في الأرض لهم ولغيرهم من الناس ، قال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ]( )، وقال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]( ).
وبعد المقدمة ذكرت في الصفحة (14) نص الآية الكريمة ومعها فصل الإعراب واللغة .
ثم فصل في سياق الآيات ، ويتعلق بصلة آية البحث بثلاث آيات مجاروة لها ، جاءت قبلها ، وقد تقدم تفسيرها وهي : الآية 185 ،184 ، 181.
فمع تذكير الآية السابقة المسلمين بلحوق الموت بكل إنسان يهون عليهم البلاء ، في الأموال والأنفس ، ويتطلعون للثواب الذي يأتي بسببه ، وهل له موضوعية في قبض ملك الموت لروح المؤمن الذي تحمل البلاء بالصبر واللجوء إلى العبادة والنسك ، الجواب نعم .
وبعدها جاءت صلة آية البحث بالآية قبل السابقة وهو قوله تعالى [فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ]( )، لبيان شاهد ومصداق للبلاء والأذى الذي لحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه بتكذيب شطر من الناس برسالته وإنكار التنزيل.
وكما أن هناك تشابها بين رسالة ومعجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومعجزات الأنبياء السابقين فان القوم الظالمين في الأزمنة المختلفة يلتقون بتكذيب الرسل ، والجحود بالمعجزات والإصرار على الإقامة على الشرك وإرتكاب المعاصي .
وتدل آية السياق وفق وحدة الموضوع في تنقيح المناط على أن النبي محمداً جاء بأمور وهي :
الأول : البينات الباهرات التي تدل على صدق نبوته ، ووجوب الإقرار بالتوحيد ، والتقيد بالفرائض العبادية .
الثاني : مجئ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالزبر والوحي ، وأحكام الحلال والحرام .
الثالث : الكتاب المنير ، وهو القرآن ، وكل آية منه ضياء ينير دروب السالكين ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا] ( ).
وباب (في سياق الآيات) في هذا السِفر سياحة في الزبر وإشراقة من الكتاب المنير الذي تذكره آية السياق .
وبعد السياق جاء باب (إعجاز الآية الذاتي) لما يتجلى من الإعجاز في كلمات وحروف آية البحث ومضامينها القدسية ، وخطابها للمسلمين (لتبلون) لبيان فخر لهم بأنهم لم يدخلوا الإسلام طمعاً وحباً للغنائم ، إنما دخلوه مع إدراكهم بنزول البلاء بهم ، وشمول هذا البلاء للنفوس والأموال ليتلقوه بالرضا والقبول ورجاء الثواب .
وذكرت اسم الآية ، ضمن منهاج في هذا التفسير وهو تسمية كل آية من القرآن باسم مناسب لها ، وقد سميتها (لتبلون) لوجوه :
الأول : ابتداء الآية بهذه الكلمة .
الثاني : عدم ورود هذا اللفظ في القرآن إلا في هذه الآية .
الثالث : قانون الشأن الموضوعي العام لقوله تعالى (لتبلون) .
وبعد إعجاز الآية الذاتي جاء باب (إعجاز الآية الغيري) لبيان منافع الآية وتجليات العلوم والمسائل المستنبطة منها ، وتشمل منافع الآية كلاً من :
الأول : النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثاني : الصحابة من المهاجرين والأنصار .
الثالث : أجيال المسلمين .
الرابع : الناس جميعاً .
وهل يدل معنى السبق في قوله تعالى [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ]( )، على السبق في تلقي البلاء ، في قوله تعالى [لَتُبْلَوُنَّ]( )، الجواب نعم .
وهل يستمر ذات البلاء على التابعين أو يكون أخف وطأة ، المختار هو الثاني ، بل إن البلاء خفّ حتى على الصحابة أنفسهم بعد صلح الحديبية إذ توقف القتال وصارت هدنة بين المسلمين والمشركين ، وهو من مصاديق تسمية هذا الصلح فتحاً لقوله تعالى [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا]( ) .
وقد جاءت فصول من هذا الجزء بهذا الخصوص ، وكيف أنه دعوة غير منسوخة للسلم والوئام .
ثم جاء باب (الآية سلاح) ومن إعجاز الآية القرآنية أنها سلاح للمؤمنين وللناس جميعاً ، سلاح للإنتفاع الذاتي ، والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن أسرار الآية القرآنية نفاذها إلى القلوب ، واستقرارها في النفوس ، وحضورها في الوجود الذهني بمناسبة وقرينة أو من غير مناسبة ، لقانون قلوب العباد بيد الله عز وجل .
وقال أنس بن مالك :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك ، قلنا : يا رسول الله أمنّا بك فهل تخاف علينا، قال : إن قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلّبه كيف شاء إن شاء أقامة وإن شاء أزاغه( ).
وبعده جاء باب (مفهوم الآية) لبيان حقيقة وهي مجئ الإمتحان والإبتلاء مع الإمان ، وأن دخول الإسلام لم يكن معبداً إنما كان شاقاً ، ولكن الغبطة والسعادة تتغشى المؤمن في مواجهته للمشركين ، وهو من أسرار الحاجة إلى التألف والأخوة بين الصحابة لذا قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤاخاة بينهم ، لما فيها من التخفيف من الإبتلاء ، وإزاحة وحشة الغربة عن المهاجرين الى المدينة ، وهذه المؤاخاة تفسير عملي لقوله تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]( ).
وتضمنت آية البحث الحث على الصبر والتقوى لبيان مسألة وهي أن الصبر أمر وجودي وإرادة وعزيمة ، وهل تنمي آية البحث ملكة الصبر عند المسلمين الجواب نعم ، وهو من إعجاز القرآن بأن يأمرهم الله عز وجل بأمر ويهيئ لهم مقدماته ، ويقربه إليهم ، ويدنيهم منه ، وهو من اللطف الإلهي ، وفي التنزيل [إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ]( ).
واختتمت الآية بقوله تعالى [فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ] فلابد من الجهد والإجتهاد في مسالك الإيمان ، وعدم التفريط في الواجبات العبادية والمشركون يهددون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كل يوم ، والمراد من صبر وتقوى المسلمين في آية البحث العزم والثبات على الإيمان ، وفي النبي يحيى قال تعالى [يَايَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا]( ).
لقد كان المشركون يبذلون قصارى الجهد في محاربة الإسلام ويحشدون الجيوش وأفراد القبائل للهجوم والإغارة على المدينة ، وتدبير المكائد لقتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليكون من معاني قوله تعالى [فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ]( )، أخذ الحيطة والحذر من المشركين مع التقيد بضوابط الصبر والتقوى إذ لا تعارض بينها .
وبعده جاء باب (الآية لطف) ومن أسماء الله (اللطيف ) وهو الذي أحاط علماً بالأمور الدقيقة والخفايا والبواطن ، وهو الذي يهدي الناس ، ويقربهم إلى مصالحهم ومنافعهم ، ويدفع عنهم المحن والبلاء بأسباب سهلة ويسيرة من حيث يشعرون أو لا يشعرون .
وهل الرحمة التي تأتي للعبد مما يعلم بها هي الأكثر، أم مصاديق الرحمة ، وهل مصاديق الرحمة التي لا يحس ولا يعلم بها هي الأكثر ، الجواب هو الثاني والله عز وجل هو الرحيم بالعباد ، ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا] ( ) ومن مصاديق لطف الله عز وجل بالناس .
ومن وجوه لطف الله عز وجل في آية البحث معاني الوعد من عند الله باجتياز المؤمنين لضروب البلاء مع فوزهم بالأجر والثواب على البلاء ، ولا يختص هذا الأجر بما ينزل بهم من البلاء ، إنما يشمل ما يمحوه الله عز وجل منه .
ثم جاء باب إفاضات الآية ، لما فيها من رشحات علمية وروحانية تبعث الشوق في النفوس إلى تلاوتها ، وقبول ما فيها من معاني تحمل البلاء ، وتلقي الأذى قربة وطاعة إلى الله عز وجل ، ومن معاني قوله تعالى [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ] ( ) وجوه :
الأول : لتبلون في أموالكم وأنفسكم بما أنتم مؤمنون .
الثاني : لتبلون في أموالكم وأنفسكم فأصبروا بقصد القربة إلى الله .
الثالث : لتبلون في أموالكم وأنفسكم ، والله يحب الذين يبتلون في سبيله.
وذكرت في هذا الباب مفهوم التبعيض في الإبتلاء لمقام حرف الجر (في) لدلالة معناه على الظرفية .
ثم جاء باب الآية بشارة ، ومع أنها في مورد الإنذار ، وبعث المسلمين على الإحتراز والتهيئ لدفع شرور الذين كفروا بالصبر والرضا بتحمل الأذى الشديد فانها تدل في مفهومها على البشارة ، من وجوه :
الأول : قانون بلاء المؤمنين عرض زائل .
الثاني : قانون شمول الإبتلاء للأموال والنفوس .
الثالث : قانون وجوب تلقي الإبتلاء بالصبر والخشية من الله ، وفيه دعوة للسلم ، وزجر عن الإرهاب .
ثم جاء باب : الآية إنذار إذ إبتدأت الآية بالإخبار القطعي بالإبتلاء بالأموال والأنفس لقوله تعالى [لَتُبْلَوُنَّ] ولو اجتهد المسلمون بالدعاء لرفع الإبتلاء عنهم ، فهل يمحى لعمومات قوله تعالى [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ] ( ) وقوله تعالى [ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] ( ) .
الجواب لا تستعصي على الله عز وجل مسألة ، ولابد أن تأتي الإستجابة إن لم يكن في ذات الموضوع ففي غيره .
لقد تضمنت الآية المتعدد من جهتين :
الأولى : الإنذار المتعدد .
الثانية : الأمر المتعدد بالصبر والتقوى .
وهل المراد من الصبر والتقوى في الآية خصوص الإبتلاء الذي تذكره آية البحث ، الجواب لا .
فمن إعجاز الآية أن موضوع الصبر والخشية من الله في آية البحث أعم من أفراد الإبتلاء التي تذكرها الآية ، ليكون الصبر والتقوى بخصوص مضامين آية البحث وغيرها ، وبما ينفع في ذات موضوعها وأمور العبادة ، وتهذيب الألسنة وإصلاح النفوس ، فيأتي الإنذار بخصوص موضوع معين ، ليتعقبه الأمر بما هو أعم في الموضوع والحكم ، ليتجلى قانون وهو : مصاحبة وتعقب شآبيب الرحمة للإبتلاء .
ثم جاء باب الصلة بين أول وآخر الآية وهو علم مستحدث في هذا السِفر والحمد لله إذ أفردت له باباً في تفسير كل آية ، و إبتدأت الآية بحرف الإبتداء والتوكيد اللام [لتبلون] لإرادة تغشي الإبتلاء المسلمين والمسلمات بالذات والعرض من جهات :
الأولى : إنفاق المال في سبيل الله .
الثانية : الأذى والضرر في المكاسب بسبب تضييق الكفار .
الثالثة : تعطيل المؤمنين أعمالهم وزراعاتهم وتجارتهم بسبب الإنشغال بأذى الكفار والمشركين ، وتجهيزهم الجيوش لغزو المدينة المرة تلو الآخرى ، كما في معركة بدر ومعركة أحد ، ومعركة الخندق .
الرابعة : سقوط الشهداء في معارك الإسلام الأولى ، فقد قتل من المسلمين أربعة عشر من الصحابة في معركة بدر ، وسبعون في معركة أحد ، إلى جانب القتلى غدراً كما في استشهاد سبعين من الصحابة في بئر معونة في شهر صفر من السنة الرابعة للهجرة ، وقد تقدم بيانه .
الخامسة : لقد خاض النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه معارك الدفاع ضد المشركين ، وذات التقاء الصفين هو إبتلاء شديد ، لذا ورد قوله تعالى [يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ] ( ) في ثلاث مواضع ، وكلها بخصوص لقاء المسلمين والمشركين .
والنسبة بين أول آية البحث وآخرها في الموضوع هو العموم والخصوص المطلق فيلزم الصبر على الإبتلاء وعلى الأذى وعلى غيرهما ، وتقدير الآية وفق هذه النسبة على وجوه :
الأول : وإن تصبروا على الإبتلاء والإمتحان بالأموال إن ذلك من عزم الأمور .
الثاني : وإن تصبروا على الإمتحان بالنفوس إن ذلك من عزم الأمور .
الثالث : وإن تصبروا على الفرائض والعبادات إن ذلك من عزم الأمور.
الرابع : وإن تصبروا على سقوط الشهداء فان ذلك من عزم الأمور.
ومن الإعجاز إخبار القرآن عن عظيم منزلة الشهداء وأنهم أحياء عند الله عز وجل ، قال تعالى [وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ] ( ) وقد جاءت السنة النبوية بالثناء عليهم ، والمقام الكريم الذي فازوا به .
ويدعو قوله تعالى [وَإِنْ تَصْبِرُوا] المسلمين إلى تحمل الأذى من الذين كفروا .
ومن إعجاز آية البحث مجئ اسم الإشارة (ذلك ) في خاتمتها لبيان شموله لإتخاذ الصبر والتقوى جلباً وحرزاً لمواجهة الإبتلاء والإختيار .
ثم جاء باب (من غايات الآية ) وهو أيضاً علم مستحدث في تفسير آيات القرآن ، والغوص في بحور آلائه ، وهو فرع علم المقاصد الذي خصصت له باباً( ) .
كما وألقيت فيه محاضرة ،وأدخلته في مناهج الحوزة العلمية الشريفة في النجف والحوزات الأخرى مستقبلاً , وفي كل تفسير لآية من القرآن في (معالم الإيمان) هناك باب (من غايات الآية )يسبق الإبتداء بتفسير كلمات ومضامين الآية القرآنية .
ومن اللطف الإلهي في آية البحث مجيؤها بصيغة الخطاب الشامل للمسلمين والمسلمات ، فلابد من نزول الإبتلاء بالفرد والجماعة والطائفة منهم ليكون من إعجاز القرآن الغيري تهيئة أسباب العلاج والتدارك ودفع البلاء .
ويحتمل البلاء في قوله تعالى [لَتُبْلَوُنَّ]وجوهاً :
الأول : الإبتلاء المتحد الذي يصيب الفرد في ماله مرة وأخرى في نفسه .
الثاني : الإبتلاء المتعدد للفرد .
الثالث : الإبتلاء للجماعة ولحوق الأذى للفرد منهم .
الرابع : تعدد الإبتلاء للذات والغير ، فيقتل صحابي من المهاجرين أو الأنصار في المعركة ، فيكون بلاءً له ولأسرته وأصحابه ، وهو مادة للحزن والأسى ، خاصة وأن الذين يقتلونه كفار لا يرضون بذكر الله في الأرض ، وهل قتلهم للمؤمنين من المسارعة في الكفر في قوله تعالى [وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ]( ).
الجواب نعم ، إن تعدي وإرهاب كفار قريش وقيامهم بقتل الصحابة في سوح المعارك وغدراً أشد وأكبر ظلماً وهو من المسارعة في الكفر ، لذا نزلت آية البحث بالندب إلى الصبر والتحلي بالتقوى والخشية من الله .
وهل قول [إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ] ( ) من الصبر أو من التقوى ، الجواب إنه منهما معاً ، قال تعالى [الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ]( ).
ومن إعجاز آية البحث بيان قانون وهو مصاحبة الحاجة إلى الصبر للإيمان .
وعن الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ادخل نفسك في هموم الدنيا واخرج منها بالصبر ، وليردك عن الناس ما تعلم من نفسك( ).
وعن الإمام علي عليه السلام قال : الصبر من الإِيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، إذا قطع الرأس نتن باقي الجسد ، ولا إيمان لمن لا صبر له( ).
إن البعث على الصبر والتقوى سبيل لصرف البلاء ، ودفعه ، وهو من صيغ الهداية التي تفصل بها الله عز وجل على المؤمنين ، وهذه الهداية طريق الصلاح وفيه تثبيت للإيمان في القلوب ، وعندما سمع نفر من الجن تلاوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن [قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ]( ) .
و(ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الجن ولا رآهم، انطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟
فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب.
قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها وانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء.
فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له .
فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، قالوا: يا قومنا، [إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد فآمنا به، ولن نشرك بربنا أحدا] ( ) ، وأنزل الله على نبيه [قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ] ( )، وإنما أوحي إليه قول الجن)( ).
إن مقابلة الإبتلاء بالصبر والتقوى شاهد على تنزه الإسلام عقيدة وأفراداً عن الإرهاب والتطرف والغلو ، وتدل الوقائع على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يبدأ بقتال ، وكان يأمر أصحابه عند الخروج في السرايا بعدم ابتداء القتال ، إنما هي الدعوة إلى كلمة التوحيد بندائه بين الصفين (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)( )، وهل في هذا القول فصل وتمييز بين أهل الكتاب والمشركين ، الجواب نعم .
إذ تتجلى مسألة وهي عدم قتال المسلمين لأهل الكتاب ، فان قلت خرج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك في شهر رجب سنة تسع في طلب الروم وهم من النصارى ، والجواب كان الخروج بسبب قتل سفير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الثامنة للهجرة ، إذ بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحارث بن عمير رسولاً بكتاب إلى ملك بصرى في الشام ، وإلى بني شرحبيل بن عمرو عامل هرقل (فلما نزل مؤتة عرض له عمرو بن شرحبيل الغساني فقتله، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيره) ( ).
ثم كان خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك بعد أن قامت طوائف من العرب بتحريض هرقل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، وأغروه بهم ، وأخبروه بأنه يدّعي النبوة ، وأنه هلك وأصابت السنون أصحابه ، وهلكت أموالهم ، فجهز هرقل جيشاً من أربعين ألفاً ، إذ يخشى بعد معركة مؤتة ثورة القبائل العربية في الشام وأطرافها عليه ، واتباعها للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد كان البيت الحرام سور الموجبة الكلية الجامع للعرب في الحج والعمرة ، حتى صار أهل المدينة يخشون قدوم جيش هرقل ، وكان المنافقون يرجفون في المدينة خاصة عندما يسمعون أصواتاً ودوياً غير معتاد ، قال تعالى [لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً] ( ).
ولم يقع قتال في كتيبة تبوك وإن سمّاها المفسرون والمؤرخون بالغزوة.
وعن ابن سعد (أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وجاء البكاؤون وهم سبعة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال [وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ] ( ) وهم سالم بن عمير وعلبة بن زيد وأبو ليلى المازنى وعمرو بن عنمة وسلمة بن صخر والعرباض بن سارية ، وفى بعض الروايات وعبد الله بن مغفل ومعقل بن يسار)( ).
ومن غايات خاتمة الآية [فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ] شحذ عزائم المسلمين باختيار الصبر والتقوى منهاجاً وسنة ، واستحضار اللجوء إلى الله والرضا بقضائه .
وهل الصبر والتقوى أعم من موضوع [لتبلون ] الجواب نعم ، ومن المواضيع التي يلزم المؤمنين التحلي بها بالصبر وبالخشية من الله :
الأول : الأذى والعذاب من قبل المشركين ، فقد ذكرت آية البحث سماع المسلمين الأذى منهم لبيان أن الإستهزاء بالنبوة والتنزيل يؤذي المسلمين ، فكيف بمن يزاول تعذيبهم والإضرار بهم ، فهو أشد عند الله ، لبيان مسألة وهي الإنذار للذين كفروا ونزول البلاء بهم ، وقرب زوال سلطانهم .
ومن الآيات أن هذا السلطان بدأ بالتضاؤل والإنحسار من بدايات بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتلقيهم لرسالته بالكفر والجحود ، وهل تشمل الآية الأذى الذي لاقاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه في مكة قبل الهجرة ، أم أن القدر المتيقن من الآية ما يأتي في قادم الأيام لصيغة المضارع في البلاء بقوله تعالى [لَتُبْلَوُنَّ]و[لَتَسْمَعُنَّ].
والجواب هو الأول ، لذا ورد الأمر بالصبر بصيغة الجملة الشرطية ولغة الإنشاء ، لبيان إتخاذ الصبر سلاحاً في تحمل الأذى السابق واللاحق .
وتقدير الآية بلحاظ هذا المعنى : وان تصبروا وتتقوا كما صبرتم واتقيتكم في مكة ، فان ذلك من عزم الأمور ، ومن الإعجاز في المقام العموم في اسم الإشارة للبعيد (ذلك) في الآية فيشمل ما تقدم وما يأتي من البلاء .
ولو دعا المسلمون لصرف الإبتلاء فهل ينصرف عنهم الجواب :قال تعالى [ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] ( ) يستجيب الله عز وجل الدعاء ، ويخفف البلاء ، كما تتجلى الإستجابة في موارد وأبواب أخرى .
قانون دلالات اسم السلام السامية
تميل النفوس إلى السلام واسمه بالفطرة ، وتأنس إليه ، وتنفر مما يقطعه ويجعله غائباً وبعيداً ، لذا ترى الناس يحبون الصلحاء والمصلحين لأنهم يرفعون لواء السلام .
والأنبياء هم الرواد والأئمة في رفع لواء السلام ، وتحملوا من أجله الأذى الكثير ، ودافعوا عنه ، ومنه قوله تعالى [وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ] ( ).
وقيل الوصف بالسلام أبلغ في ذلك من وصفه بالسالم ، ولكن المعنى أعم موضوعاً وحكماً ، فالسالم صفة ذاتية أما السلام فمن معانيه أن الله عز وجل ينشر السلام في السموات والأرض .
وهل يتعاهد الله سبحانه السلام بين الملائكة ، الجواب نعم ، فهم أقرب خلق الله إليه ، فجعلهم أسوة في السلام بالإنشغال بالعبادة وطاعة الله ، وما أن عصى إبليس الله عز جل وامتنع عن السجود لآدم حتى أخرجه الله عز وجل من الجنة ، خاصة وأنه ليس من الملائكة ، قال تعالى [وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً] ( ).
ولابد للعلماء من التدبر والدراسة في أسماء الله الحسنى بلحاظ شمول معانيها من وجوه :
الأول : الذات المقدسة .
الثاني : قانون الأسماء الحسنى بخصوص خلق واستدامة السموات .
الثالث : قانون الأسماء الحسنى وموضوعيتها في الأرض .
الرابع : قانون موضوعية كل اسم من أسماء الله الحسنى في خلق وأفعال بني آدم .
الخامس : معاني ودلالات الجمع بين كل اسمين من أسماء الله الحسنى.
السادس : قانون استقراء حب الله عز وجل للناس من الأسماء الحسنى ومعانيها .
السابع : قانون كل اسم من أسماء الله الحسنى دعوة إلى السلم بين الناس .
وفيه بعث للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين والناس جميعاً لنشر لواء السلم ، قال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا] ( ).
وهل يشمل موضوع الإنذار في الآية أعلاه القتال والحرب ، الجواب نعم ، والإنذار من مقدمات القتال وأسباب الإضرار بالغير ، والأذى لأهل الإيمان , وتدل آية الإنذار أعلاه على نهي الناس عن أيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين ، وفيه من باب الأولوية القطعية زجر المشركين عن الإغارة على المدينة المنورة وضواحيها .
وهل نزلت الآية أعلاه قبل واقعة الخندق ، وحصار عشرة آلاف من المشركين للمدينة أم بعدها ، الجواب إنها نزلت قبل معركة الخندق ، وهو ظاهر أسباب نزول الآية الكريمة( ) .
قال عبد الله بن عمر (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائماً على هذا المنبر يعني منبر رسول الله (عليه السلام) وهو يحكي عن ربّه تبارك وتعالى فقال : إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة جمع السماوات والأرضين السبع في قبضته ثم قال هكذا وشد قبضته ثم بسطها ثم يقول : أنا الله،
أنا الرحمن،
أنا الملك،
أنا القدوس،
أنا السلام،
أنا المؤمن،
أنا المهيمن،
أنا العزيز،
أنا الجبار،
أنا المتكبر،
أنا الذي بدأت الدُّنيا ولم يك شيئاً،
أنا الذي اعدتها،
أين الملوك أين الجبابرة) ( ).
لقد كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتضرع إلى الله عز وجل بذكر اسمه (السلام ) رجاء الإستجابة ، ونشر ألوية الألفة والوفاق بين الناس (عن ثوبان قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً ثم قال : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإِكرام) ( ).
(عن ابن عمر قال : السلام اسم من أسماء الله ، فإذا أنت أكثرت منه أكثرت من ذكر الله) ( ).
لبيان فضل الله في الملازمة بين كل من :
الأول : أسماء الله الحسنى .
الثاني : الإكثار من السلام بين المسلمين ، وإشاعة التحية بين الناس .
الثالث : ذكر الله عز وجل .
فالمتبادر من قوله تعالى [وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا] ( ) إفشاء السلام وأسباب المودة بين الناس .
ولكن ورود السلام باسم من أسماء الله عز وجل يدل والحديث أعلاه على أن إفشاء السلام ذكر لله عز وجل .
ولا يختص هذا الذكر بالذي يلقي السلام بل يشمل الذين يتوجه اليهم السلام ، وإن إنحصر الرد بأحدهم بلحاظ أن رد السلام واجب كفائي .
وتشمل الذي يسمع صيغة ولفظ السلام ، وأداء التحية بلفظ السلام الدعوة إلى السلم المجتمعي ونبذ الإقتتال ، وكم من أطراف بينها خصومة جاء السلام والتحية لفك هذه الخصومة ، وبداية سلام وود ، وبعث للإستحياء العام والخاص من الله عز وجل عند استدامة الغضاضة والكدورة .
ويمكن القول أن أحكام الآية أعلاه دعوة للتعاهد اليومي للسلم ، و(عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من لقي أخاه فليسلم عليه، وإن حالت بينهما شجرة أو حائط أو حجر ، ثم لقيه فليسلم عليه)( ).
وعن ابن مسعود قال : كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقول السلام على الله ، السلام على جبريل ، السلام على ميكائيل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله( ).
وذكره ابو داود في سننه( ) موقوفاً .
قانون استئثار الله بالأسماء الحسنى
يبين اختصاص الله عز وجل بالأسماء الحسنى وكثرتها وتعدد معانيها ودلالتها على سعة سلطانه وعظيم قدرته ، ومشيئته المطلقة ، وفي التنزيل [إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] ( ) لبيان أن مراد الله عز وجل حكمة مطلقة ، ونفع للخلائق ، وأنه غير قابل للنسخ أو المنع أو الإبطاء ، ولا يتعلق بطرف آخر ، فيحتمل التسويف والجدال والإحتجاج ، إنما المشيئة وتنجز مصداقها في الخارج خاص بالله عز وجل وحده قال تعالى [بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا] ( ).
لذا فحينما خلق آدم لم يستشر الله عز وجل الملائكة ، ولا يستشير أحداً مطلقاً ، وكل الخلائق منقادون له ، عاجزون عن درك كنه معرفة المقاصد السامية لمشيئته ، إنما أخبر الله عز وجل الملائكة بخصوص خلافة الأرض ، وليس خلق آدم ورؤيته بدليل قوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ).
فلم يقل لهم (إني خالق للأرض خليفة) ، وظاهر آيات القرآن وقوع هذا الإخبار بعد خلق آدم ، فحينما احتجوا على هذه الخلافة بالقول [أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ]( ) .
وتفضل الله عز وجل وعلّم آدم [الأَسْمَاءَ كُلَّهَا] ( ) ثم أمر الملائكة أن يخبروه بها فعجزوا عنها ، وسميت أسماء الله بالحسنى من وجوه :
الأول : دلالتها على الذات المقدسة .
الثاني : استحضار الناس لذكر الله عند النطق بها أو سماعها .
الثالث : قانون البركة والفيض بذكر هذه الأسماء .
الرابع : قانون أسماء الله أشرف وأسنى الأسماء .
الخامس : استئثار الله وحده بالأسماء الحسنى ، وفيه تأديب للناس بالتسليم بالتوحيد وسننه .
السادس : قانون الأسماء الحسنى مدح وثناء لله .
السابع : الأسماء الحسنى دعوة للتفكر بمعانيها ودلالتها وفوائدها مجتمعة ومتفرقة ، ودلالة كل اسم .
الثامن : قانون أسماء الله الحسنى باب للدعاء والمسألة ومقدمة لها لما فيها من المدح والثناء على الله سبحانه .
التاسع : قانون التحدي بالأسماء الحسنى ، فان الله عز وجل يتحدى الخلائق بهذه الأسماء بذاتها ودلالتها .
العاشر : قانون قرب الأسماء الحسنى إلى القلوب ، وميل الناس بالفطرة لها .
الحادي عشر : قانون الأجر والثواب في ذكر واحصاء الأسماء الحسنى كما ورد في الحديث ( ).
الثاني عشر : قانون رجاء فضل الله بذكر الأسماء الحسنى .
الثالث عشر : قانون إتخاذ الأسماء الحسنى بلغة في الدعاء والتوسل إلى الله والفوز بالإستجابة ، وأخرج (عن محمد بن جعفر قال : سألت أبي جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء التسعة والتسعين التي من أحصاها دخل الجنة؟
فقال : هي في القرآن ، ففي الفاتحة خمسة أسماء .
يا الله ، يا رب ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا مالك .
وفي البقرة ثلاثة وثلاثون اسماً : يا محيط ، يا قدير ، يا عليم ، يا حكيم ، يا علي ، يا عظيم ، يا تواب ، يا بصير ، يا ولي ، يا واسع ، يا كافي ، يا رؤوف ، يا بديع ، يا شاكر ، يا واحد ، يا سميع ، يا قابض ، يا باسط ، يا حي ، يا قيوم ، يا غني ، يا حميد ، يا غفور ، يا حليم ، يا إله ، يا قريب ، يا مجيب ، يا عزيز ، يا نصير ، يا قوي ، يا شديد ، يا سريع ، يا خبير .
وفي آل عمران : يا وهَّاب ، يا قائم ، يا صادق ، يا باعث ، يا منعم ، يا متفضل .
وفي النساء : يا رقيب ، يا حسيب ، يا شهيد ، يا مقيت ، يا وكيل ، يا علي ، يا كبير .
وفي الأنعام : يا فاطر ، يا قاهر ، يا لطيف ، يا برهان . وفي الأعراف : يا محيي ، يا مميت .
وفي الأنفال : يا نعم المولى ، يا نعم النصير .
وفي هود : يا حفيظ ، يا مجيد ، يا ودود ، يا فعال لما يريد .
وفي الرعد : يا كبير ، يا متعال .
وفي إبراهيم : يا منَّان ، يا وارث .
وفي الحجر : يا خلاق .
وفي مريم : يا فرد .
وفي طه : يا غفّار .
وفي قد أفلح : يا كريم .
وفي النور : يا حق ، يا مبين .
وفي الفرقان : يا هادي .
وفي سبأ : يا فتَّاح .
وفي الزمر : يا عالم .
وفي غافر : يا غافر ، يا قابل التوبة ، يا ذا الطول ، يا رفيع . وفي الذاريات : يا رزاق ، يا ذا القوة ، يا متين .
وفي الطور : يا برّ . وفي اقتربت : يا مليك ، يا مقتدر . وفي الرحمن : يا ذا الجلال والإِكرام ، يا رب المشرقين ، يا رب المغربين ، يا باقي ، يا مهيمن.
وفي الحديد : يا أول ، يا آخر ، يا ظاهر ، يا باطن ( ).
وفي الحشر : يا ملك ، يا قدوس ، يا سلام ، يا مؤمن ، يا مهيمن ، يا عزيز ، يا جبار ، يا متكبر ، يا خالق ، يا بارىء ، يا مصوّر) ( ).
الرابع عشر : من الأسماء الحسنى ما استأثر الله بها لنفسه وهي من علم الغيب لا يعلمها إلا هو سبحانه .
الخامس عشر : قانون العلم بالأسماء الحسنى تفقه في الدين ، وهو من أشرف المعارف .
السادس عشر : معرفة الأسماء الحسنى سبب لبعث السكينة في النفس ، وهو من عمومات قوله تعالى [أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ]( ).
السابع عشر : قانون التسليم باختصاص الله بالأسماء الحسنى إخلاص في العبودية .
الثامن عشر : قانون الأسماء الحسنى سبيل للهداية والرشاد ، وصرف البلاء ، وفي التنزيل [قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً]( ).
التاسع عشر : من معجزات القرآن ذكر الأسماء الحسنى فيه ، وفيه بعث للتدبر فيها وفي معانيها ومضامينها .
العشرون : قانون استقراء القوانين والمسائل من أسماء الله الحسنى .
ولا تختص هذه القوانين في باب من العلوم ، إنما تشمل أمور الدنيا والآخرة .
الحادي والعشرون : قانون كل اسم من أسماء الله دعوة للسلم والتراحم بين الناس ، ودعوة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين كافة إلى نشر الفضيلة ومفاهيم المودة والرأفة ، وهو من أسرار تعدد أسماء الله عز وجل في القرآن .
لقد أكد الحديث النبوي على إحصاء الأسماء الحسنى وأنه بلغة وطريق للفوز بالجنة (عن ابن عباس وابن عمر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة غير واحد ، من أحصاها دخل الجنة) ( ).
وهل فيه دعوة لإحصاء أسماء الله الحسنى في القرآن ، الجواب نعم .
وأكثر الأسماء وروداً في القرآن هو اسم الجلالة (الله) وابتدأت البسملة به .
وورد مكرراً في أكثر من سورة .
وورد مرة واحدة في سور وهي :
الأول : سورة السجدة .
الثاني : سورة ق .
الثالث : سورة الحاقة.
الرابع : سورة المعارج .
الخامس : سورة النازعات .
السادس : سورة التكوير.
السابع : سورة الإنفطار.
الثامن : سورة الإنشقاق .
التاسع : سورة الأعلى .
العاشر : سورة الغاشية .
الحادي عشر : سورة التين .
الثاني عشر : سورة العلق .
الثالث عشر : سورة الهمزة .
وكل هذه السور في النصف الثاني من القرآن .
وهل يمكن القول أن الأسماء الحسنى هي ومضامينها القدسية محكمة ، الجواب نعم ، ويبعث كل اسم من الأسماء الحسنى على السلم والموادعة ، ويدعو إلى الصلح والوئام ،والأمن العام واستقرار المجتمعات ، ونبذ العنف والقتال .
وتعدد الأسماء الحسنى في القرآن من مصاديق احتجاج الله عز وجل على الملائكة [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] ( ) وكل اسم منها نعمة على المسلمين وأهل الأرض ، ولا يعلم بركة وأثر ونفع هذه الأسماء على الناس كل يوم إلا الله سبحانه .
ومن الإعجاز في المقام ورود اسم الجلالة في كل آية من آيات سورة المجادلة، وقد تكرر خمس مرات في الآية الأخيرة منها [لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ] ( ) ولا يكون الإحصاء إلا لما هو موجود ، ويمكن معرفته والعلم به ، وتتجلى بالأدلة السمعية بالكتاب والسنة ليكون كل اسم لواءً لنشر السلم وتحقيق الأمن .
شهداء بئر معونة دعاة للسلم
لقد نجى عامر بن فهيرة من عذاب قريش بالهجرة إلى المدينة, ومن إرادة سراقة وغيره قتله ببركة صحبته للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ليُقتل في بئر معونة شهيداً مظلوماً وعمرة أربعون سنة ، وعندما وصلوا إلى بئر معونة تقدم حرام بن ملحان (وَاسْمُ مِلْحَانَ مَالِكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ) ( ).
ولم يأتهم حرام بن ملحان بمفرده إنما اصطحب معه اثنين من الصحابة، وعن أنس (فقال لهما خالي حرام بن ملحان : (إذا تقدمتكم( ) فكونا قريبا مني فان أمنتوني حين أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيا، وان قتلوني لحقتما بأصحابكما).
فتقدم فأمنوه فبينما هو يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أومأوا إلى رجل منهم، فأتى من خلفه فطعنه فأنفذه فقال: (الله أكبر فزت ورب الكعبة).
ثم قال (بالدم هكذا) فنضحه على وجهه) ( ).
وفي هذا الخبر بلحاظ قانون هذا الجزء المبارك وهو (آيات السلم محكمة غير منسوخة) مسائل :
الأولى : لم يقصد حرام شخصاً واحداً أو رئيس القوم بمفرده ، إنما ذهب لهم وهم في حال إجتماع لتكون الحجة أبلغ ، ولبيان مسألة وهي عظم شأن كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه يخاطب فيه الجماعة والقبيلة والطائفة .
الثانية : خشية حرام بن ملحان من القتل مع أنه رسول بما جاء به الوحي إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ أوصى صاحبيه أن يكونا قريبين منه فاذا رأوا القوم تلقوا الكتاب بالقبول ، وأنهم لم يعتدوا على حرام لحقا به ، أما إذا رأوا الشر والإعتداء منهم فانهما يلحقان بالصحابة الآخرين لإخبارهم بما أصاب حرام ، فيكونوا على حيطة وحذر .
وهو شاهد على استعداد الصحابي للتضحية والفداء بالنفس من أجل إيصال كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونجاة الآخرين ، ولم تكن هذه التضحية بلمعان السيوف والمبارزة ، إنما هي بالدعوة إلى الله .
وهل إيصال كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى القوم من مصاديق قوله تعالى [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ]( ) .
الجواب نعم ، والآية أعلاه من مصاديق قانون (آيات السلم محكمة غير منسوخة ).
الثالثة : إبتداء حرام بن ملحان بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانت فرصة لهم لسماع أخبار النبوة ، فبدل أن يشدوا الرحال إلى المدينة ، ويطلعوا بأنفسهم على أخبار النبي ومعجزات النبوة ، وينظروا هل يدخلون في الإسلام أم لا ، فان رسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء ليحدثهم عنه ، وهو من الشواهد على سعي الصحابة بالسلم وشعائره بتعليم وإرشاد من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الرابعة : قيام عامر بن الطفيل بالإيماء إلى أحد الحاضرين بقتل الصحابي حرام بن ملحان ، قال تعالى [وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا] ( ) ومع هذا إختار النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء والشكوى إلى الله ، وعندما دخل عامر بن الطفيل المدينة بعدها لم ينتقم ويثأر منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أنه دخل وخرج منها من غير أن يدخل الإسلام .
وقد يقال ما هو موضع الإستشهاد بهذا الحادث بخصوص قانون (آيات السلم محكمة ) مع أنه من السيرة ، والجواب سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرآة للوحي ، وترجمة عملية له ، وشاهد عملي على التأريخ .
ومن خصائصها تناقل وتوارث الناس لها وتدل عليها كتب السيرة للنهل واستنباط الدروس منها .
وعن أنس بن مالك قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة يقال لهم القراء.
فعرض لهم حيان من بني سليم : رعل وذكوان، عند بئر يقال لها بئر معونة ، فقال القوم : والله ما إياكم أردنا وإنما نحن مجتازون في حاجة للنبى صلى الله عليه وسلم.
فقتلوهم.
فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم شهرا في صلاة الغداة، وذاك بدء القنوت وما كنا نقنت.
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بنحوه.
ثم قال البخاري: حدثنا عبدالاعلى بن حماد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو فأمدهم بسبعين من الانصار، كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل، حتى إذا كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقنت شهرا يدعو في الصبح على أحياء من العرب : على رعل وذكوان وعصية وبنى لحيان.
قال أنس : فقرأنا فيهم قرآنا ، ثم إن ذلك رفع ، بلغوا عنا قومنا أنا لقد لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا( ).
وقد استشهد سبعون من الصحابة ظلماً ومن غير أن يهجموا أو يعتدوا في كل من :
الأولى : سبعون شهيداً في معركة أحد (ومن الناس من يجعل السبعين من الانصار خاصة)( ).
الثاني : سبعون في بئر معونة ، وعن ابن اسحاق أن مجموعهم أربعون( ).
ولم يكن المسلمون في كل منهما في حال غزو أو هجوم .
قانون السنة التدوينية سلام متجدد
لقد حبى الله عز وجل النبي محمداً براهين متجددة تدل على صدق نبوته ، وفي القرآن وآياته غنى ورحمة ورأفة للناس جميعاً من آمن برسالته ومن لم يؤمن بها .
ويدل على هذا العموم قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] ( ) ولكن الله عز وجل يعطي الكثير والمتعدد في نوعه وجنسه ، وخصوص فصله الذي يميزه عن أفراد جنسه ، ومن هذه البراهين والحجج السنة التدوينية ، والكتب والعهود التي كتبها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والهبات التي وثقت بالكتابة وشهادة الصحابة ، ورسائله إلى ملوك وأمراء زمانه .
ومن الآيات في كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر الكاتب من الصحابة الذي كتب الكتاب .
والسنة التدوينية مصدر للإلهام واستقراء العلوم واستنباط القوانين .
وكل كتاب منها وثيقة تأريخية ومعلم من معالم الوحي والتنزيل ، وشاهد على العصر ، وبيان لحال المجتمع .
عن محمد بن إسحاق والزهري والشعبي وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي (دخل حديث بعضهم في حديث بعض أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه وافوني بأجمعكم بالغداة .
وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى الفجر حبس في مصلاه قليلا يسبح ويدعو ثم التفت إليهم فبعث عدة إلى عدة وقال لهم انصحوا لله في عباده فإنه من استرعي شيئا من أمور الناس ثم لم ينصح لهم حرم الله عليه الجنة انطلقوا ولا تصنعوا كما صنعت رسل عيسى بن مريم فإنهم أتوا القريب وتركوا البعيد فأصبحوا يعني الرسل وكل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين أرسل إليهم .
فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال هذا أعظم ما كان من حق الله عليهم في أمر عباده.
قال وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل اليمن كتابا يخبرهم فيه بشرائع الإسلام وفرائض الصدقة في المواشي والأموال ويوصيهم بأصحابه ورسله خيرا وكان رسوله إليهم معاذ بن جبل ومالك بن مرارة ويخبرهم بوصول رسولهم إليه وما بلغ عنهم.
وبخصوص سند الحديث روى هذا الحديث بعض التابعين كالزهري ، وسعيد بن المسيب ، وراه مالك في الموطأ ، وأبو داود في المراسيل ، وعن ابن شهاب قال : قرأت في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران ، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم .
وعن سعيد بن المسيب أنه لما وجد الكتاب الذي عند آل عمرو بن حزم الذي ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب لهم وجدوا فيه : وفيها هنالك من الأصابع عشراً عشراً .
وقد روى النسائي والحاكم وغيرهما نسخة هذا الكتاب( ) ، وبعث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عمرو بن حزم ، وقد تقدم ذكر نص هذا الكتاب ، وهو من الأحاديث الطوال ، والسنة التدوينية .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عدة من أهل اليمن اشخاصاً وقبائل منهم :
الأول : الحارث بن عبد كلال .
الثاني : شريح بن عبد كلال .
الثالث : نعيم بن كلال .
الرابع : النعمان قيل ذي رعين( ) .
الخامس : معافر .
السادس : همدان .
السابع : زُرعة ذو يزن .
وكان قد أسلم من أول حمير وأمرهم أن يجمعوا الصدقة والجزية فيدفعوها إلى معاذ بن جبل ومالك بن مرارة وأمرهم بهما خيرا وكان مالك بن مرارة رسول أهل اليمن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامهم وطاعتهم فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أن مالك بن مرارة( )، قد بلغ الخبر وحفظ الغيب.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني معاوية من كندة بمثل ذلك .
ومن خصائص الكتاب والرسالة أنها وثيقة باقية وشاهد جلي ، فكانت كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لواء سلام ودعوة للوئام ، ونبذ للعنف والتطرف ، ونهي عن القتل وسفك الدماء .
لقد كانت رسائل محبة ومودة إلى جانب صبغة الوحي التي تضفي على الذي تصل إليه شرفاً لذا حينما مزق كسرى كتاب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم انقرض ملكه وذهب سلطانه .
الآية السابعة عشرة ( ): قال تعالى [إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً]( ).
بيان سعة أحكام الموادعة والمهادنة بين المسلمين وغيرهم ، إذ تدل هذه الآية على استحباب عقد الهدنة والميثاق بين المسلمين وغيرهم ، ومن الآيات في السنة النبوية عقد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم المواثيق مع اليهود عندما وصل إلى المدينة ، ومع المشركين من حولها عندما يخرج في كتائب وفيه ترغيب للمسلمين بالهدنة والسلم ، ومنع للصحابة من طلب القتال أو نسخ وقطع الهدنة .
وصار صلح الحديبية دليلاً على ترجيح النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الصلح في كل الأحوال ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَالصُّلْحُ خَيْرٌ]( ).
ومن إعجاز الآية محل البحث جواز اتخاذ الأولياء والأنصار من الذين يجمع بينهم وبين القوم الذي لهم ميثاق مع المسلمين ، ولم يأت قانون من القوانين الوضعية بهذه السماحة ، فالقدر المتيقن فيها إختصاص النصرة والإمتناع عن التعدي بخصوص المتعاقدين والذين يربط بينهم ميثاق ، أما هذه الآية فتدعو إلى أمور :
الأول : قانون جواز طلب المسلمين الولاية والنصرة من الذي لهم ميثاق معهم .
الثاني : جواز النصرة والألفة والولاية مع الذين لم يقاتلوا المسلمين وهذا الجواز برزخ الإقتتال وسلامة من الإحتراز والإحتياط من إحتمال عدوانهم على المسلمين .
و(عَنْ الزّهْرِيّ : أَنّ الْأَنْصَارَ يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا نَسْتَعِينُ بِحُلَفَائِنَا مِنْ يَهُودَ ، فَقَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ)( ).
ويدل الخبر على جواز الإستعانة بأهل الكتاب الذين يربطهم ميثاق مع المسلمين ضد المشركين ، والقدر المتيقن من إمتناع النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو خصوص معركة أحد.
الثالث : قانون ترجيح جانب السلم عند التزاحم بينه وبين أسباب القتال .
الرابع : تأديب المسلمين على حب السلام ، ودفع أسباب القتال مع الناس .
الخامس : قانون عصمة المسلمين من قتال الذين لم يقاتلوهم .
السادس : قانون ترغيب الناس بالإسلام لأنه دين السلام .
وهذه الآية من آيات السلم والسلام بين الناس الخالي من التشديد وجعل الشرط فيه .
إذ تخاطب الآية المسلمين بنشر الأمن وحسن الصلات والمعاملة مع الناس ، فلا يشترط أن تبتنى وتنحصر هذه الصلات على المواثيق والعهود ، إنما هي عامة تشمل كلاً من :
الأول : حسن صلات ومعاملة المسلمين مع الذين تربطهم صلات مع الذين عقدوا الصلح والمعاهدة أو الموادعة مع المسلمين، فمثلاً إذا كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد عقد صلحاً مع قبيلة من العرب وهم عندهم حلف مع بني قريظة من يهود المدينة مثلاً ، فتصح النصرة وحسن العشرة والمعاملة مع أهل الكتاب الذين لا يحاربون النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين .
الثاني : لقد كان صلح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع يهود بني عوف بعد هجرته إلى المدينة وثيقة في السلم بين المسلمين ،وأهل الكتاب إلى يوم القيامة ومنها (وَإِنّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ( ) صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ وَإِنّهُ لَا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا .
وَإِنّ بَيْنَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ ، وَإِذَا دُعُوا إلَى صُلْحٍ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ فَإِنّهُمْ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ وَإِنّهُمْ إذَا دُعُوا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إلّا مَنْ حَارَبَ فِي الدّينِ عَلَى كُلّ أُنَاسٍ حِصّتُهُمْ مِنْ جَانِبِهِمْ الّذِي قِبَلَهُمْ وَإِنّ يَهُودَ الْأَوْسِ ، مَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ .
مَعَ الْبِرّ الْمَحْضِ ، مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ) ( ).
لقد تضمنت هذه الوثيقة الإقرار بأن النبي محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصار هو الإمام وبيده الحكم والحل والعقد ، لتصبح المدينة بقدومه واحة سلام ، ومن فيوضات النبوة أنها دار سلام إلى يوم القيامة .
الثالث : لأن قريشاً تريد الفتنة وإستدامة إشاعة الفساد ، ولا تريد السلم وتدرك أن الأمن في المدينة بداية لإنتشاره في ربوع الجزيرة ، فجهزوا الجيوش لمعركة بدر فنزلت بهم الهزيمة ولحقهم الخزي والذل ، فقاموا بالكتابة إلى بعض رؤساء الأوس والخزرج بالتهديد والوعيد ، فكتبوا إلى عبد الله بن أبي بن أبي سلول وعدد من المشركين .
ومن رسائلهم ووعيدهم (إنكم قد آويتم صاحبنا، وإنكم أكثر أهل المدينة عددا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه، أو لتخرجنه، أو لنستعدين عليكم العرب، ثم لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم، وأبناءكم )( ).
و(عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : السلام اسم من أسماء الله وضعه الله في الأرض : فافشوه بينكم ، وإذا مر رجل بالقوم فسلم عليهم فردوا كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكّرهم السلام ، وإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأفضل) ( ).
لبيان قانون وهو أن التحية بالسلام تذكير بالله ، ودعوة إلى السلم والرأفة بين الناس .
لقد أراد الله عز وجل للإنسان بالسلام مناسبة لشآبيب حسنة عند ملاقاته للناس ، وملائمة الفطرة الانسانية السليمة ، وعدم الخروج عنها ، والتضاد معها ، قال تعالى [يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ]( )، والسلام من مصاديق نيل الإنسان منزلة الخلافة في الأرض ، قال تعالى [وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ]( ) .
وفي السلام سلم للذات ومعها ، وطرد للغضاضة والحنق والسخط ، ويبين تفاؤل الإنسان ، ورضاه وغبطته بما عنده ، والسلام تصالح وصلاح ونشر للفضيلة .
وفي الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر)( ).
ومن إعجاز الآية ذكرها للطرف الثاني في الصلح مع المسلمين بأنهم قوم بقوله تعالى [يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ]( )، لبيان جواز عموم صلح المسلمين مع طوائف أهل الكتاب وغيرهم من عامة الناس.
وهل يشمل الإذن والجواز المشركين الجواب نعم بدليل صلح الحديبية الذي عقده النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع مشركي قريش إلا أن يقال بوجود فرق بين الصلح والميثاق ، وهو شبه معدوم في المقام ، فيمتنع المسلمون عن قتال قبيلة من المشركين لها حلف مع قبيلة أخرى من المشركين بينها وبين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين عهد وميثاق ، وفيه شاهد على أن الإسلام دين السلم وأن القرآن داعية سماوية إلى السلم، وناه عن مقدمات وأسباب القتال ، قال تعالى [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ]( ).
وهل الآية أعلاه من آيات السلم المحكمة الجواب نعم ، لذا قال تعالى [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ]( )، فالصبر وضبط أحسن من الرد على السيف والغدر ومكر قريش بالقتال .
الرابع : الذين عقد معهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون عهداً وميثاقاً بالإمتناع عن القتال والغزو والهجوم ، ومن دلائل ومصاديق صبغة السلم في بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان عندما يخرج في كتائب حول المدينة ويعقد مع القبائل ورؤسائها ميثاقاً وصلحاً مع أنهم قوم مشركون ، إذ لو كانوا مسلمين لما عقد معهم صلحاً ، إنما هو ميثاق الولاء والإتباع للتنزيل والنبوة .
وفيه شاهد على إكرام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للذين يدخلون الإسلام بأن يكتب لبعضهم كتاباً وعهداً ، ومن منافع هذا العهد سلامتهم في النشأتين ، وإذا مرت على القرية سرية للمسلمين أخرجوا لهم العهد فاطمئنوا لهم ، وفرحوا بهم وامتنعوا عن الإضرار بهم .
وصاروا يقيمون جماعة الصلاة ، وينشغلون بانباء التنزيل ، وأخبار النبوة ، وغالباً ما يكون في السرية مهاجرون صاحبوا أيام النبوة الأولى ، فيسردون لأهل القرية أو القبيلة ومن حضر معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة قبل الهجرة ، وما لاقوه من الأذى من مشركي قريش ، ومخاطر طريق الهجرة ، وهذا الإخبار وتلقي عامة المسلمين له من مصاديق قوله تعالى [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ] ( ).
وأول كتيبة خرج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة هي كتيبة الأبواء ويقال لها : ودان ، في شهر صفر على بعد اثني عشر شهراً من هجرته إلى المدينة ، والذين مع كلهم من المهاجرين ، وحمل لواء حمزة بن عبد المطلب ، وخلف على المدينة سعد بن عبادة الأنصاري .
وفي هذه الكتيبة وادع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فخشي على عمرو الضمّري سيد بني ضمرة في زمانه .
ونسخة هذه الموادعة هي :
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ (هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ لِبَنِي ضَمْرَةَ فَإِنّهُمْ آمِنُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَنّ لَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ رَامَهُمْ إلّا أَنْ يُحَارِبُوا فِي دِينِ اللّهِ مَا بَلّ بَحْرٌ صُوفَةً وَإِنّ النّبِيّ إذَا دَعَاهُمْ لِنَصْرِهِ أَجَابُوهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ وَلَهُمْ النّصْرُ عَلَى مَنْ بَرّ مِنْهُمْ وَاتّقَى) ( ).
والمعاهدة من الصبر والتقوى ، وفيها تخفيف عن المسلمين في الإبتلاء في الأموال والأنفس .
ثم عقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شهر جمادى الأولى مثل هذه المعاهدة مع بني مدلج .
ثم عقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم موادعة مع جهينة والتي تسكن منطقة العيص على ساحل البحر الأحمر .
وهل في آية البحث دعوة للناس لإجتناب محاربة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، الجواب نعم ، لأن هذا الإجتناب سلم وأمن للطرفين ، وهو زجر للمشركين في قتال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والمراد من [فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ] ( ) وجوه :
الأول : الذين لم يقاتلوا المسلمين من الأصل ، سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو قرى أو قبائل .
الثاني : الذين قاتلوا المسلمين ثم كفوا أيديهم ، واختاروا الإعتزال ، كما لو خرج قوم مع قريش في معركة أحد ، وأحاطوا بالمدينة ، ولكن عندما ندبتهم قريش مرة أخرى لحرب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أبوا عليهم .
الثالث : الذين اختاروا قتال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقاموا بشن الغارات على المدينة المنورة ، ثم كفوا أيديهم واختاروا الإعتزال .
الرابع : الذين قاموا بالغدر بالمسلمين ، ونهب أموالهم ، وقتل بعضهم غيلة كما في تعرض سرية القراء في بئر معونة للقتل ، والتي استشهد فيها سبعون من الصحابة في شهر(صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة)( ).
وكانوا وهم في المدينة يخرجون عند المساء إلى ناحية منها ليتدارسوا القرآن ويصلوا الى الصباح ثم يقومون بالإحتطاب وجمع الحطب وجلبه إلى المدينة ، ويأتون به إلى أزواج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو يقومون ببيعه وشراء الطعام به لأهل الصفّة من فقراء المهاجرين .
فهم لا يدعونهم للخروج معهم للكسب والإحتطاب ، إنما يتركونهم بجوار المسجد ليصلوا مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ويتفقهوا في الدين ، ويكونوا كالجند الإحتياطي ، وقد يشترون بما يبيعون من الحطب شاة ، ويصلحوها ويعلقوها عند حجر أزواج النبي أو أهل الصفّة أو بالشطر بينهم.
فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاة إلى الله ، ولتبليغ آيات القرآن ، فلما كانوا في بئر معونة حطوا رحالهم ، وسرحوا الإبل التي كانوا يركبون مع عمرو بن أمية الضمري ، والحارث بن الصمة .
ولم تكن عليهم أية علامة تدل على أنهم يريدون قتالاً أو قصد الإغارة ونحوها ، إذ كانت علامات الزهد والتقوى والإنقطاع عن الناس ظاهرة عليهم ، وفيه شاهد واقعي من جهة السرايا على أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يغز أحداً.
كما وفيه دليل على قانون (آيات السلم محكمة غير منسوخة ) الذي جاء به هذا الجزء من التفسير بتقريب وهو أن أفراد السرايا لم يبدلوا نهجهم السلمي عند المرور على القرى والمواشي ، أو عندما يجدون فرصة للإغارة على الغير ، إنما هم رسل سلام وأمن مما يدل على أن آيات القرآن تدعوهم إلى نشر لواء الأمن وشآبيب اللطف في الأرض .
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي ، وعندما يسمعهم الناس يتلون آيات القرآن في الصلاة وخارجها لم يصبهم الخوف أو الفزع ، مما يدل على أن هذه الآيات لا تدعو إلى القتال ، ومنها آية البحث وقوله تعالى [فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً] ( ) أي أن الله عز وجل ينهاكم عن قتلهم .
فيدرك الناس قانوناً وهو أن هؤلاء المسلمين لم يجتهدوا خلاف التنزيل ، ولم يعملوا بأمر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا بما يوحيه له الله عز وجل ومنه الحصانة العامة لجميع أهل الأرض باستثناء الذين يصرون على مواصلة الإبتداء على المسلمين وبلدتهم وهي المدينة المنورة ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينو إرسالهم ، ولكن أبا براء ملاعب الأسنة واسمه عامر بن مالك حين قدم المدينة وعرض عليهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الإسلام مال إليه ، ولم يدخل الإسلام ، واقترح على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبعث أصحابه للتبليغ في نجد.
وكأنه إختار التريث في دخول الإسلام ، وأدرك أن قومه لو علموا بمبادئه لدخلوا فيه ، وصاروا كالرواد لقومهم في دخوله .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إني أخشى عليهم أهل نجد .
قال أنا لهم جار فابعثهم .
فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
الأول : المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة المعنق ليموت في أربعين رجلا من أصحابه منهم .
الثاني : الحارث بن الصمة .
الثالث : حرام بن ملحان .
الرابع : عروة بن أسماء بن الصلت السلمي.
الخامس : نافع بن بديل بن ورقاء .
السادس : عامر بن فهيرة في رجال مسلمين من خيار المسلمين
فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم كلا البلدين منها قريب وهي إلى حرة بني سليم أقرب) ( ).
وحينما نزلوا بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عامر بن الطفيل الذي لم يفتح الكتاب ولم ينظر به ، ولم يكرم الرسول على عادة العرب وعموم الدول والأمارات في الأرض حتى الذين بينهم قتال ، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس له قتال مع عامر بن الطفيل .
وهل بعثهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم استجابة لطلب عامر بن مالك أم بالوحي ، الجواب هو الثاني ، ولا يعلم ما في هذا البعث من المنافع والفوائد إلا الله عز وجل ، أما الشهداء فقد فازوا بالدرجات العلا ، قال تعالى [وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ] ( ).
ومن هذه المنافع الدلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يغز أحداً ، وأن سراياه كانت سرايا سلام ، ودعوة إلى التوحيد ، ونبذ عبادة الأصنام .
ومنها مثلاً أن عدداً من أصحاب عامر بن الطفيل دخلوا الإسلام لما رأوا من تقوى وصبر الصحابة الذين قتلوا في بئر معونة ، فمثلاً (جابر بن سلمى فيمن حضرها يومئذ يعني بئر معونة مع عامر بن الطفيل ثم أسلم بعد ذلك فكان يقول ما دعاني إلى الإسلام إلا أني طعنت رجلا منهم فسمعته يقول فزت والله قال فقلت في نفسي ما فاز أليس قد قتلته حتى سألت بعد ذلك عن قوله فقالوا الشهادة فقلت فاز لعمر الله)( ).
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال ( لما قدم عامر بن الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له : من الرجل الذي لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء دونه ثم وضع فقال له : هو عامر بن فهيرة) ( ) .
وكان عامر بن فهرة قد عُذّب في الله قبل الهجرة ، وهاجر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخدمته في طريق الهجرة (وشهد بدراً وأحداً، وقتل يوم بئر معونة، وهو ابن أربعين سنة قتله عامر بن الطفيل. وهو من مولدي الأزد. أسود اللون) ( ).
وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر أي أنه ليس عبداً له إنما اعتقه بعد شدة تعذيب قريش له ، وكان يرعى غنمه في النهار ، ثم يأتي بالمساء إلى غار ثور لنقل ما يقوله الناس عن خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهجرته ، وليمحو آثار المشي إلى الغار .
وكانوا في طريق الهجرة أربعة :
الأول :النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثاني : أبو بكر ، إذ أقاما في الغار ثلاثة أيام وهي الجمعة والسبت والأحد ، وركبا يوم الاثنين ، فلم يكن معهما عامر بن فهيرة ، ولا الدليل في الغار ، وهما لا يحتاجان الدليل عند خروجهما إلى غار ثور لأنه من أطراف مكة ، ولا يبعد عن المسجد الحرام إلا أربعة كيلو مترات ، إنما جاءهم الدليل بعد أن انقطع الطلب واصابة المشركين بالياس بمعجزة من عند الله في بناء العنكبوت على باب الغار ، ومحو الغنم لآثار المشي.
فلجأوا إلى جعل مقدار دية كل منهما لمن جاء بهما ، لقد واعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدليل أن يأتي بعد ثلاث ليال ، وهو على مذهب المشركين ، ولكن ائتمنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم (فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم على طريق السواحل) ( ).
وعندما سمع سراقة بن مالك بن جشعم بالجعل بمقدار ديتين أي مائتي ناقة لمن يأتي بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر أسيرين أو قتيلين خرج في طلبهما عندما رآى سوادهما في الطريق ، وهما يخرجان من غار ثور ، مما يدل على عدم بعده عن مكة ، وهو معلم ظاهر ويزار هذه الأيام .
قال ابن شهاب : أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي : أنه سمع سُراقة يقول : جَاءَنا رُسُل كفّار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي بكر دِيَة كل واحد منهما لمن قتله أو أسره .
فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي ، أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس .
فقال : يا سراقة ، إني قد رأيْت آنِفاً أسْوِدة بالساحل ، أراها محمداً وأصحابه.
قال سراقة : فعرفت أنهم هم .
فقلت : إنهم لَيْسوا بهم، ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً ، انطلقوا بأعيننا.
ثم لبثت في المجلس ساعة ، ثم قمت، فدخلت بيتي .
فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة ، فتحبسها علي ، فأخذت رمحي وخرجت به من ظهر البيت ، فَخَطَطْتُ بزُجهِ الأرض ، وخفضت عالية الرمح ، حتى أتيت فرسي فركبتها، فدفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي فخررت عنها ، فأهويت يدي إلى كنانتي.
فاستخرجت منها ، الأزلام ، فاستقسمت بها أضرهم أم لا ، فخرج الذي أكره ألا أضرهم، فركبت فرسي وعصيت الأزلام، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يلتفت( ).
لقد أدرك سراقة أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم معصوم من القتل والأسر يومئذ ، وأن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيظهر، وتنقطع أيام الوثنية ،.
قال سراقة (فناديتهم بالامان، فوقفوا فركبت فرسى حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآنى ولم يسألانى إلا أن قالا : أخف عنا.
فسألته أن يكتب لى كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب لى رقعة من أدم.
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ( ) .
الثالث : عامر بن فهيرة والذي قتل في بئر معونة وعمره أربعون سنة .
الرابع : الدليل عبد الله بن أريقط الذي كان (ماهراً خريتاً، فسلك بهما أسفل مكة ثم مضى بهما إلى ساحل من عسفان .
ثم سلك بهما على أسفل أمج ، ثم نزل على قديد حيث خيام أم معبد) ( ).
وكان سراقة وحده ، ومع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة ، ومع هذا حينما أعطاهم الأمان وقفوا له مما يدل على أنهم لا يريدون قتال أحد ، وليس عندهم من السلاح ما يواجهون به فارساً واحداً الذي يقدر على القيام برميهم بالنبال والسهام عن بعد , من غير أن يجتمعوا عليه ، فيصيبهم , وليس من شجر أو بناء يلجأون إليه.
واحتفظ سراقة بالرقعة التي كتبها له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت أعظم من الجعل والديتين اللتين جعلتهما قريش لمن يقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه ، وقد لا يفون له بهذا الجعل ، وأخفى سراقة تلك الرقعة عن أهل مكة ، ولم يخبرهم بما وقع له مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وتمر الأيام وفي السنة الثامنة للهجرة عندما تم فتح مكة دخل سراقة الإسلام , ولما رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الطائف تقدم إليه سراقة وأخرج تلك الرقعة (حَتّى إذَا كَانَ فَتْحُ مَكّةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ وَفَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ وَالطّائِفِ ، خَرَجْت وَمَعِي الْكِتَابَ لَأَلْقَاهُ فَلَقِيته بِالْجِعْرَانَةِ .
قَالَ فَدَخَلْت فِي كَتِيبَةٍ مِنْ خَيْلِ الْأَنْصَارِ .
قَالَ فَجَعَلُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرّمَاحِ وَيَقُولُونَ إلَيْك ( إلَيْك ) ، مَاذَا تُرِيدُ .
قَالَ فَدَنَوْت مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ كَأَنّهَا جُمّارَةٌ .
قَالَ فَرَفَعْت يَدِي بِالْكِتَابِ ثُمّ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا كِتَابُك ( لِي ) ، أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرّ ادْنُهْ .
قَالَ فَدَنَوْت مِنْهُ فَأَسْلَمْت .
ثُمّ تَذَكّرْت شَيْئًا أَسْأَلُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ عَنْهُ فَمَا أَذْكُرُهُ إلّا أَنّي قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ الضّالّةُ مِنْ الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي ، وَقَدْ مَلَأْتهَا لِإِبِلِي ، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي أَنْ أَسْقِيَهَا .
قَالَ نَعَمْ فِي كُلّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرّى أَجْرٌ قَالَ ثُمّ رَجَعْت إلَى قَوْمِي ، فَسُقْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ صَدَقَتِي) ( ).
قانون تسمية الأنصار سلام
من فضل الله عز وجل ثناؤه على الأنبياء وطائفة من الأولياء ، وأهل الإيمان والتقوى ، ومن ضروب الثناء التسمية الكريمة ، سواء كانت تسمية شخصية كما في يحيى عليه السلام ، إذ أن الله عز وجل هو الذي اختار له هذا الاسم ، كما في قوله تعالى [يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا] ( ) كما ورد في آية أخرى ، قال تعالى [فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ] ( ) لبيان قانون وهو أن الله يعطي بالأتم والأكمل ، فلم تكن البشارة بيحيى خاصة بالاسم المنفرد ، إنما بذات المسمى وإرتقائه إلى مرتبة النبوة .
وهو من التسمية بالصفة في الأنبياء والرسل ، قال تعالى [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا] ( ).
إذ تضمنت الآية أعلاه الشهادة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة من عند الله عز وجل وبالثناء على أصحابه .
ثم جاء تقسيم الصحابة إلى المهاجرين والأنصار مع وصفهم بالسبق في الإسلام ، كما في قوله تعالى [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ]( ).
وتضمنت الآية الثناء والرضا على التابعين أيضاً مع البشارة لهم وللصحابة بالخلود في النعيم ، والأنصار هم الصحابة من أهل المدينة المنورة الذين استقبلوا النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم والمهاجرين ، وجاهدوا تحت لوائه وسعوا في نصرته بأنفسهم وأموالهم وبلدتهم ليبشرهم الله تعالى بأمور منها :
الأول : توالي النعم في حياتهم .
الثاني: الذكر الحسن بين الناس إلى يوم القيامة.
الثالث : الخلود في النعيم في الآخرة .
وقد استغفر وترحم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على الأنصار وأبنائهم ليبقى هذا الترحم والدعاء ثروة وكنزاً تنهل منه أجيالهم ، وعن (أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأزواج الأنصار ولذراري الأنصار الأنصار كرشي وعيبتي، ولو أن الناس أخذوا شعباً وأخذت الأنصار شعباً لأخذت شعب الأنصار ، ولولا الهجرة كنت امرأ من الأنصار) ( ).
وعن (سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . أنه قال اللهم صل على الأنصار ، وعلى ذرية الأنصار ، وعلى ذرية ذرية الأنصار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو سلك الناس وادياً وشعباً وسلكتم وادياً وشعباً لسلكت واديكم وشعبكم ، أنتم شعار ، والناس دثار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار .
ثم رفع يديه حتى اني لأرى بياض ابطيه فقال : اللهمَّ اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار) ( ).
لقد بعث الله عز وجل النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لنشر لواء السلم ، والمنع من الظلم وإشاعة القتل .
ولما أخبر الله عز وجل الملائكة بأمره وقوله وحكمه [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) احتجوا بعلة وموضوع وهو حدوث الفساد في الأرض والقتل وسفك الدماء بسبب خلافة الإنسان هذه ، فقال الله عز وجل [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ]( ) فأدركوا أن هذه الخلافة من بديع صنع الله وأن الفساد منحسر ، وسفك الدماء لا يستمر ، فبعث الله عز وجل الأنبياء، وأنزل الكتب السماوية لنشر مفاهيم الصلاح .
كتب ورسائل النبي (ص)
لما أمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصلح الحديبية شرور قريش ، وغدرها أرسل إلى ملوك عصره يدعوهم إلى الإيمان والهدى ، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتباً ورسائل إلى كل من :
الأول : هرقل قيصر الروم ، أرسل الكتاب بيد دِحية بن خليفة الكلبي .
الثاني : كسرى ملك فارس ، أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكتاب بيد عبد الله بن حذافة السهمي .
الثالث : المقوقس عظيم القبط ، والرسول إليه حاطب بن أبي بلتعة .
الرابع : الحارث بن شمر الغساني ملك الغساسنة بالشام ، وكان رسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه شجاع بن ذهب الأسدي .
الخامس : هوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة ، أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه سليط بن عمرو العامري القرشي .
السادس : المنذر بن ساوى العبدي في البحرين ، وكان الرسول إليه هو العلاء بن الحضرمي الذي أصبح فيما بعد والياً على البحرين.
(توفي العلاء بن الحضرمي سنة إحدى وعشرين والياً على البحرين) ( ).
ولم تنحصر رسائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالملوك ورؤساء القبائل بما بعد صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة بل استمرت حتى مغادرته إلى الرفيق الأعلى ، وكان يدعوهم فيها إلى الإيمان ، منها كتابه إلى النجاشي ملك الحبشة بواسطة جعفر بن أبي طالب .
وكتابه إلى صاحب بصرى في الشام( )، أرسله بيد الحارث بن عمير الأزدي (فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فأوثقه رباطاً ثم قدم فضربت عنقه صبراً لم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسول غيره .
فلما اتصل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبره بعث البعث الذي بعثه إلى مؤتة وأمر عليهم زيد بن حارثة في نحو ثلاثة آلاف فلقيتهم الروم في نحو مائة ألف) ( ) .
وبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنة تسع للهجرة كتاباً إلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك اليمن بيد المهاجر بن أمية القرشي المخزومي .
وكان اسمه الوليد فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المهاجر ، وكان المهاجر قد تخلف عن رسل الله صلى الله عليه وآله وسلم في تبوك .
(فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عاتب عليه، فشفعت فيه أخته أم سلمة فقبل شفاعتها، فأحضرته فاعتذر إلى النبي، فرضي عنه. واستعمله رسول الله على صدقات كندة والصدف، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يسر إليها، فبعثه أبو بكر إلى قتال من باليمن من المرتدين، فلما فرغ سار إلى عمله، فسار إلى ما ذكره له أبو بكر.
وهو الذي فتح حصن النجير بحضرموت مع زياد بن لبيد الأنصاري، وسير الأشعث ابن قيس إلى أبي بكر أسيراً، وله في قتال الردة باليمن أثر كبير) ( ).
وبعث إلى ذي الكلاع (اسمه أيفع بن ناكور من اليمن أظنه من حمير يقال إنه ابن عم كعب الأحبار يكنى أبا شرحبيل
ويقال أبو شراحيل كان رئيسا في قومه ، مطاعا متبوعا ، أسلم فكتب إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التعاون على الأسوَد ومسيلمة وطليحة وكان الرسول إليه جرير بن عبد الله البجلي فأسلم وخرج مع جرير إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم) ( ).
وهل من موضوعية لصلح الحديبية في رسائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي بعثها في السنة الثامنة والتاسعة والعاشرة للهجرة، أم أن موضوعيته تنحصر في الرسائل التي بعثها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السنة السادسة للهجرة بعد صلح الحديبية مباشرة ، الجواب هو الأول .
وهل امتناع الجاحدين والمنافقين عن الإنفاق في سبيل الله سبب في زيادة أعباء الإنفاق على المؤمنين ، الجواب لا دليل عليه ، إذ أن الواجب من الزكاة وفق الأنصبة والمقادير ، أما الصدقة المستحبة فهي مندوبة في كل الأحوال سواء أعطى الآخرون أو امتنعوا عن الإعطاء ، [ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ] ( ).
وفي قوله تعالى [لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ] ( )حضّ للمؤمنين للإجهار بالدعوة إلى الخير ، وفيه شاهد على استحباب الصدقة العلنية من غير أن يتعارض مع إستحباب إخفائها ، قال تعالى [إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] ( ).
لقد فتح الله عز وجل للناس باب الإنفاق في سبيله مما رزقهم من المال والنعم وحبّب إليهم هذا الإنفاق بأن جعله قرضاً له سبحانه .
قانون كتب النبي محمد (ص) ترجمة لآيات السلم
لقد اجتهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ الرسالة بحسب الحال والمقال ، فبعد أن كان وهو في مكة قبل الهجرة يطوف على القبائل في أسواق مكة ، وفي أماكنهم في منى صار يخرج بالكتائب ويبعث السرايا بعد الهجرة .
وقام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد صلح الحديبية بارسال المبعوثين ومعهم الكتب إلى الملوك والأمراء والذوات في زمانه ينذرهم من الشرك ومفاهيم الكفر، ويدعوهم إلى الإسلام والإنقياد إلى أوامر الله عز وجل ، وفي التنزيل [تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا]( ).
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني عمرو من حمير يدعوهم إلى الإسلام وفي الكتاب وكتب خالد بن سعيد بن العاص .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واهدى له هدية ولم يزل مسلما حتى كان في زمان عمر بن الخطاب فبينما هو في سوق دمشق إذ وطيء رجلا من مزينة فوثب المزني فلطمه .
فأخذ وانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح فقالوا هذا لطم جبلة قال فليلطمه .
قالوا وما يقتل قال لا .
قالوا فما تقطع يده قال لا إنما أمر الله تبارك وتعالى بالقود .
قال جبلة أو ترون أني جاعل وجهي ندا لوجه جدي جاء من عمق بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانيا وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم .
فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان بن ثابت أبا الوليد أما علمت أن صديقك جبلة بن الأيهم أرتد نصرانيا قال إنا لله وإنا إليه راجعون ولم قال لطمه رجل من مزينة قال وحق له فقام إليه عمر بالدرة فضربه بها.
قالوا وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع بن ناكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع وإلى ذي عمرو يدعوهما إلى الإسلام فأسلما وأسلمت ضريبة بنت أبرهة بن الصباح امرأة ذي الكلاع وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجرير عندهم فأخبره ذو عمرو بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم فخرج جرير إلى المدينة( ) .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعدي كرب بن أبرهة أن له ما أسلم عليه من أرض خولان .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم وجوار الله ورسوله لا يغير أسقف عن أسقفيته ولا راهب عن رهبانيته ولا كاهن عن كهانته ولا يغير حق من حقوقهم ، ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين وكتب المغيرة.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لربيعة بن ذي مرحب الحضرمي وإخوته وأعمامه أن لهم أموالهم ونحلهم ورقيقهم وآبارهم وشجرهم ومياههم وسواقيهم ونبتهم وشراجعهم( ) بحضرموت( ) .
وكل مال لآل ذي مرحب وأن كل رهن بأرضهم يحسب ثمره وسدره وقضبه من رهنه الذي هو فيه وأن كل ما كان في ثمارهم من خير فإنه لا يسأله أحد عنه وأن الله ورسوله براء منه( ) .
وأن نصر آل ذي مرحب على جماعة المسلمين( ) وأن أرضهم بريئة من الجور( ) وأن أموالهم وأنفسهم وزافر حائط الملك الذي كان يسيل إلى آل قيس وأن الله ورسوله جار على ذلك وكتب معاوية .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن أسلم من حدس من لخم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى حظ الله وحظ رسوله وفارق المشركين
فإنه آمن بذمة الله وذمة رسوله محمد ومن رجع عن دينه فإن ذمة الله وذمة محمد رسوله منه بريئة ومن شهد له مسلم بإسلامه فإنه آمن بذمة محمد وإنه من المسلمين( ). وكتب عبد الله بن زيد.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخالد بن ضماد الأزدي( ) أن له ما أسلم عليه من أرضه على أن يؤمن بالله لا يشرك به شيئا ويشهد أن محمدا عبده ورسوله .
وعلى أن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم شهر رمضان ويحج البيت ولا يأوي محدثا ولا يرتاب وعلى أن ينصح لله ولرسوله .
وعلى أن يحب أحباء الله ويبغض أعداء الله وعلى محمد النبي أن يمنعه مما يمنع منه نفسه وماله وأهله .
وأن لخالد الأزدي ذمة الله وذمة محمد النبي إن وفى بهذا وكتب أبي .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنعيم بن أوس أخي تميم الداري أن له حبري وعينون بالشام قريتها كلها سهلها وجبلها وماءها وحرثها وأنباطها وبقرها ولعقبه من بعده لا يحاقه فيها أحد ولا يلجه عليهم بظلم ومن ظلمهم وأخذ منهم شيئا فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وكتب علي( ) .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحصين بن أوس الأسلمي أنه أعطاه الفرغين وذات أعشاش لا يحاقه فيها أحد وكتب علي قالوا .
وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني قرة بن عبد الله بن أبي نجيح النبهانيين أنه أعطاهم المظلة كلها أرضها وماءها وسهلها وجبلها حمى يرعون فيه مواشيهم وكتب معاوية .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني الضباب من بني الحارث بن كعب أن لهم سارية ورافعها لا يحاقهم فيها أحد ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وفارقوا المشركين وكتب المغيرة .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليزيد بن الطفيل الحارثي أن له المضة كلها لا يحاقه فيها أحد ما أقام الصلاة وآتى الزكاة وحارب المشركين وكتب جهيم بن الصلت
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني قنان بن ثعلبة من بني الحارث أن لهم محبساً( ) وأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم وكتب المغيرة .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعبديغوث بن وعلة الحارثي أن له ما أسلم عليه من أرضها وأشيائها يعني نخلها ما أقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى خمس المغانم في الغزو ولا عشر ولا حشر ومن تبعه من قومه وكتب الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني زياد بن الحارث الحارثيين أن لهم جماء وأذنبة وانهم آمنون ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحاربوا المشركين وكتب علي .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليزيد بن المحجل الحارثي أن لهم نمرة ومساقيها ووادي الرحمن من بين غابتها وأنه على قومه من بني مالك وعقبة لا يغزون ولا يحشرون وكتب المغيرة بن شعبة.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقيس بن الحصين ذي الغصة أمانة لبني أبيه بني الحارث ولبني نهد أن لهم ذمة الله وذمة رسوله لا يحشرون ولا يعشرون ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وفارقوا المشركين وأشهدوا على إسلامهم ، وأن في أموالهم حقا للمسلمين قال وكان بنو نهد خلفاء بني الحارث .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني قنان بن يزيد الحارثيين أن لهم مذودا وسواقيه ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وفارقوا المشركين وأمنوا السبيل وأشهدوا على إسلامهم .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم لعاصم بن الحارث الحارثي أن له نجمة من راكس لا يحاقه فيها أحد وكتب الأرقم .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني معاوية بن جرول الطائيين لمن أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله ، وأعطى من المغانم خمس الله وسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفارق المشركين وأشهد على إسلامه أنه آمن بأمان الله ورسوله وأن لهم ما أسلموا عليه والغنم مبيتة وكتب الزبير بن العوام .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعامر بن الأسود بن عامر بن جوين الطائي أن له ولقومه طيء ما أسلموا عليه من بلادهم ومياههم ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وفارقوا المشركين( ) وكتب المغيرة .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني جوين الطائيين لمن آمن منهم بالله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وفارق المشركين وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغانم خمس الله وسهم النبي وأشهد على إسلامه فإن له أمان الله ومحمد بن عبد الله وأن لهم أرضهم ومياههم وما أسلموا عليه وغدوة الغنم من ورائها مبيتة وكتب المغيرة قال يعني بغدوة الغنم قال تغدو الغنم بالغداة فتمشي إلى الليل فما خلفت من الأرض وراءها فهو لهم وقوله مبيتة يقول حيث باتت .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني معن الطائي أن لهم ما أسلموا عليه من بلادهم ومياههم وغدوة الغنم من ورائها مبيتة ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وفارقوا المشركين وأشهدوا على إسلامهم وأمنوا السبيل( ) وكتب العلاء وشهد .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى بني أسد سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فلا تقربن مياه طيء وأرضهم فإنه لا تحل لكم مياههم ولا يلجن أرضهم إلا من أولجوا وذمة محمد بريئة ممن عصاه وليقم قضاعي بن عمرو وكتب خالد بن سعيد قال وقضاعي بن عمرو من بني عذرة وكان عاملا عليهم .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابا لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفارقوا المشركين فإن لهم ذمة الله وذمة محمد بن عبد الله وكتب أبي .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سعد هذيم من قضاعة وإلى جذام كتابا واحدا يعلمهم فيه فرائض الصدقة وأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أبي وعنبسة أو من أرسلاه قال ولم ينسبا لنا .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم لبني زرعة وبني الربعة من جهينة أنهم آمنون على أنفسهم وأموالهم وأن لهم النصر على من ظلمهم أو حاربهم إلا في الدين والأهل ولأهل باديتهم من بر منهم واتقى ما لحاضرتهم والله المستعان .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني جعيل من بلي أنهم رهط من قريش ثم من بني عبد مناف لهم مثل الذي لهم وعليهم مثل الذي عليهم وأنهم لا يحشرون ولا يعشرون وأن لهم ما أسلموا عليه من أموالهم وأن لهم سعاية نصر وسعد بن بكر وثمالة وهذيل .
وبايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك عاصم بن أبي صيفي وعمرو بن أبي صيفي والأعجم بن سفيان وعلي بن سعد وشهد على ذلك العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وأبو سفيان بن حرب .
قال وإنما جعل الشهود من بني عبد مناف لهذا الحديث لأنهم حلفاء بني عبد مناف ويعني لا يحشرون من ماء إلى ماء في الصدقة ولايعشرون يقول في السنة إلا مرة وقوله إن لهم سعاية يعني الصدقة.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأسلم من خزاعة لمن آمن منهم وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وناصح في دين الله أن لهم النصر على من دهمهم بظلم وعليهم نصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعاهم ولأهل باديتهم ما لأهل حاضرتهم وانهم مهاجرون حيث كانوا وكتب العلاء بن الحضرمي وشهد ( ).
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعوسجة بن حرملة الجهني بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى الرسول عوسجة بن حرملة الجهني من ذي المروة أعطاه ما بين بلكشة إلى المصنعة إلى الجفلات إلى الجد جبل القبلة لا يحاقه أحد ومن حاقه فلا حق له وحقه حق وكتب عقبة وشهد.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني شنخ من جهينة بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد النبي بني شنخ من جهينة أعطاهم ما خطوا من صفينة وما حرثوا ومن حاقهم فلا حق له وحقهم حق كتب العلاء بن عقبة وشهد.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم لبني الجرمز بن ربيعة وهم من جهينة أنهم آمنون ببلادهم ولهم ما أسلموا عليه وكتب المغيرة .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن معبد الجهني وبني الحرقة من جهينة وبني الجرمز من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من الغنائم الخمس وسهم النبي الصفي ومن أشهد على إسلامه وفارق المشركين فإنه آمن بأمان الله وأمان محمد وما كان من الدين مدونة لأحد من المسلمين قضي عليه برأس المال وبطل الربا في الرهن وأن الصدقة( ) في الثمار العشر ومن لحق بهم فإن له مثل ما لهم .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبلال بن الحارث المزني أن له النخل وجزعة شطره ذا المزارع والنخل وأن له ما أصلح به الزرع من قدس وأن له المضة والجزع والغيلة إن كان صادقا .
وكتب معاوية فأما قوله جزعة فإنه يعني قرية وأما شطره فإنه يعني تجاهه وهو في كتاب الله عز و جل [فول وجهك شطر المسجد الحرام] ( ) يعني تجاه المسجد الحرام ، وأما قوله من قدس فالقدس الخرج وما أشبهه من آلة السفر وأما المضة فاسم الأرض .
المطيبون والأحلاف
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بديل وبسر وسروات بني عمرو أما بعد فإني لم آثم مالكم ولم أضع في جنبكم وان أكرم أهل تهامة علي وأقربهم رحما مني أنتم ومن تبعكم من المطيبين .
أما بعد فإني قد أخذت لمن هاجر منكم مثل ما أخذت لنفسي ولو هاجر بأرضه إلا ساكن مكة إلا معتمرا أو حاجا فإني لم أضع فيكم منذ سالمت وأنكم غير خائفين من قبلي ولا محصرين أما بعد فإنه قد اسلم علقمة بن علاثة وابنا هوذة وهاجرا وبايعا على من تبعهم من عكرمة( ) .
وأن بعضنا من بعض في الحلال والحرام وأني والله ما كذبتكم وليحبنكم ربكم .
قال ولم يكتب فيها السلام لأنه كتب بها إليهم قبل أن ينزل عليه السلام.
وأما علقمة بن علاثة فهو علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب وابنا هوذة العداء وعمرو ابنا خالد بن هوذة من بني عمرو بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ومن تبعهم من عكرمة فإنه عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ومن تبعكم من المطيبين فهم بنو هاشم وبنو زهرة وبنو الحارث بن فهر وتيم بن مرة وأسد بن عبد العزى .
والمطيبون حلف بين كل من :
الأول : بنو عبد مناف .
الثاني : بنو أسد من قريش .
الثالث : بنو زهرة .
الرابع : بنو تيم( ) بن مرة .
الخامس : بنو الحارث بن فهر .
وكان موضوع تحالفهم نوع تعاهد على أن لا يسلموا الكعبة ما أقام جبل حراء وجبل ثبير ، وما بل بحر صوفة ، أي ما دام البحر يبل بالماء قطعة الصوف الصغيرة ، إذا وضعت فيه فان هذا التحالف باق .
وسمّي بتحالف المطيبين لأن عاتكة بنت عبد المطلب صنعت لهم (طيباً فغمسوا أيديهم فيه. وقيل أن الطيب كان لأم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب، وهي توأم عبد الله أبي رسول الله) ( ) وقالت أم حكيم بنت عبد المطلب : من تطيب من هذه الجفنة والطيب فهو منا فتطيبوا بها .
وترشح عنه حلف الفضول لتعظيم حق مكة ، ونصرة المظلوم فيها ، وأثر وقائع فردية من الظلم والتعدي في الحرم واستهجانهم لها ، تداعت بيوتات وقبائل من قريش إلى حلف الفضول .
أما بالنسبة للأحلاف (فلما سمعت بحلف المطيبين بنو سهم نحروا جزوراً وقالوا: مَنْ أدخل يده في دمها، فهو منها. فأدخلتَ أيديها:
الأول : بنو عبد الدار.
الثاني : وبنو سهم.
الثالث : وجمح .
الرابع : عدي .
الخامس : مخزوم .
فلما فعلوا ذلك وقع الشر، وسمُوا أحلافاَ.
وكان عمر بن الخطاب من الأحلاف، فلما قتل صاحب الصابحة، واشتد الاختلاف فقال ابن عباس: ويحك والمختلف عليهم) ( ).
سبب تسمية حلف الفضول
في تسمية حلف الفضول وجوه :
الأول : لأن الدعاة لهذا الحلف ثلاثة من أشراف قريش كل واحد اسمه الفضل وهم :
أولاً : الفضل بن فضالة .
ثانياً : الفضل بن وداعة .
ثالثاً : الفضل بن الحارث .
كما عن ابن قتيبة( ).
الثاني : عن السهيلي هم (الفضل بن شراعة، والفضل بن بضاعة، والفضل بن قضاعة)( ).
الثالث : انما الأسماء الثلاثة (الفضل) بخصوص حلف سابق لحلف قريش ، إذ تم في جرهم في الزمن الأول وكان حلف قريش يشبه حلف هؤلاء فسمي حلف الفضول لأنه مشابه له .
فالأسماء الثلاثة الفضل سواء في الوجه الأول أو الثاني أعلاه هم من جرهم وليس من قريش بعد ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإذ كان حلف الفضول بعد المبعث بعشرين سنة ، ويدل عليه أن أول من دعا الى حلف الفضول الزبير بن عبد المطلب أُول واقعة مخصوصة غبن فيها رجل من زبيد قدم مكة ببضاعة له .
الرابع : ما ورد في السنة النبوية في موضوع الحلف بأن ترد الفضول إلى أهلها .
(فتحالفوا وتعاقدوا أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف الفضول .
وشهده رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فقال حين أرسله الله تعالى: لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت.
قال : وقال محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان منازعة في مال كان بينهما، والوليد يومئذ أمير على المدينة لعمه معاوية، فتحامل الوليد لسلطانة.
فقال له الحسين: أقسم بالله لتنصفني أو لآخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لأدعون بحلف الفضول. فقال عبد الله بن الزبير، وكان حاضراً: وأنا أحلف بالله لو دعا به لأجبته حتى ينصف من حقه أو نموت.
وبلغ المسور بن مخرمة الزهري فقال مثل ذلك، وبلغ عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي فقال مثل ذلك.
فلما بلغ الوليد ذلك أنصف الحسين من نفسه حتى رضي) ( ).
لتكون هذه الإحلاف وبنودها مقدمة لسلامة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما يصدع بدعوته ، ويقوم بتبليغ رسالته .
كتاب رسول الله (ص) الى مسيلمة الكذاب وغيره
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعداء بن خالد بن هوذة ومن تبعه من عامر بن عكرمة أنه أعطاهم ما بين المصباعة إلى الزح ولوابة يعني لوابة الخرار وكتب خالد بن سعيد .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مسيلمة الكذاب لعنه الله يدعوه إلى الإسلام وبعث به مع عمرو بن أمية الضمري فكتب إليه مسيلمة جواب كتابه ويذكر فيه أنه نبي مثله ويسأله أن يقاسمه الأرض ويذكر أن قريشا قوم لا يعدلون .
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال العنوه لعنه الله وكتب إليه بلغني كتابك الكذب والافتراء على الله [وان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين]( ) ، والسلام على من أتبع الهدى .
قال وبعث به مع السائب بن العوام أخي الزبير بن العوام .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسلمة بن مالك بن أبي عامر السلمي من بني حارثة أنه أعطاه مدفوا لا يحاقه فيه أحد ومن حاقه فلا حق له وحقه حق .
كتب وهبات لبعض الصحابة وغيرهم
لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجتهد في التبليغ وإقامة شعائر الله ، وفي تثبيت الأمن والإستقرار وتنشيط الزراعة ، وعمارة الأسواق فقام بتوزيع الأراضي والهبات على الذوات وأوصاهم بتقوى الله .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس بن مرداس السلمي أنه أعطاه مدفوا فمن حاقه فلا حق له وكتب العلاء بن عقبة وشهد.
والعباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن حيي بن الحارث بن بهثة بن سليم السلمي يكنى أبا الفضل وقيل أبا الهيثم أسلم قبل فتح مكة بيسير وكان مرداس أبوه شريكاً ومصافياً لحرب بن أمية وقتلتهما جميعاً الجن وخبرهما معروف عند أهل الأخبار( ).
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم لهوذة بن نبيشة السلمي ثم من بني عصية أنه أعطاه ما حوى الجفر كله .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم للأجب رجل من بني سليم أنه أعطاه فالسا وكتب الأرقم .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لراشد بن عبد السلمي أنه أعطاه غلوتين بسهم وغلوة بحجر برهاط لا يحاقه فيها أحد ومن حاقه فلا حق له وحقه حق وكتب خالد بن سعيد .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم لحرام بن عبد عوف من بني سليم أنه أعطاه إذاماً وما كان له من شواق لا يحل لأحد أن يظلمهم ولا يظلمون أحدا وكتب خالد بن سعيد.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما حالف عليه نعيم بن مسعود بن رخيلة الأشجعي حالفه على النصر والنصيحة ما كان أحد مكانه ما بلّ بحر صوفة وكتب علي .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله للزبير بن العوام أني أعطيته شواق أعلاه وأسفله لا يحاقه فيه أحد وكتب علي .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجميل بن رزام العدوي أنه أعطاه الرمداء لا يحاقه فيها أحد وكتب علي .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحصين بن نضلة الأسدي أن له أراما وكسة لا يحاقه فيها أحد وكتب المغيرة بن شعبة.
كتب وعهد النبي (ص) لقبائل وأمراء
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني غفار أنهم من المسلمين لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وأن النبي عقد لهم ذمة الله ذمة رسوله على أموالهم وأنفسهم ولهم النصر على من بدأهم بالظلم وأن النبي إذا دعاهم لينصروه أجابوه وعليهم نصره إلا من حارب في الدين ما بل بحر صوفة وأن هذا الكتاب لا يحول دون إثم .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة أنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم وأن لهم النصر على من دهمهم بظلم وعليهم نصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما بل بحر صوفة إلا أن يحاربوا في دين الله وأن النبي إذا دعاهم أجابوه عليهم بذلك ذمة الله ورسوله ولهم النصر على من بر منهم واتقى .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى صاحب البحرين أسلم أنت فإني احمد إليك الله الذي لا إله إلا هو لا شريك له وأدعوك إلى الله وحده تؤمن بالله وتطيع وتدخل في الجماعة فإنه خير لك (والسلام على من اتبع الهدى) ( ) .
وقد أسلم المنذر بن ساوى التميمي صاحب البحرين , ووقع بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكاتبات يستفتيه , كما أسلم ملكي عُمان وأسلم معهما خلق كثير .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أسيبخت بن عبد الله صاحب هجرانه قد جاءني الأقرع بكتابك وشفاعتك لقومك واني قد شفعتك وصدقت رسولك الأقرع في قومك فأبشر فيما سألتني وطلبتني بالذي تحب ولكني نظرت أن أعلمه وتلقاني فإن تجئنا أكرمك وإن تقعد أكرمك .
أما بعد فإني لا أستهدي أحدا وان تهد إلي أقبل هديتك وقد حمد عمالي مكانك وأوصيك بأحسن الذي أنت عليه من الصلاة والزكاة وقرابة المؤمنين وإني قد سميت قومك بني عبد الله فمرهم بالصلاة وبأحسن العمل وأبشر , والسلام عليك وعلى قومك المؤمنين .
كتاب النبي (ص) إلى أهل هجر
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل هجر( )، أما بعد فإني أوصيكم بالله وبأنفسكم ألا تضلوا بعد أن هديتم ولا تغووا بعد أن رشدتم أما بعد فإنه قد جاؤني وفدكم فلم آت إليهم إلا ما سرهم ولو أني اجتهدت فيكم جهدي كله أخرجتكم من هجر فشفعت غائبكم وأفضلت على شاهدكم فاذكروا نعمة الله عليكم.
أما بعد فإنه قد أتاني الذي صنعتم وانه من يحسن منكم لا أحمل عليه ذنب المسيء فإذا جاءكم أمرائي فأطيعوهم وانصروهم على أمر الله وفي سبيله وانه من يعمل منكم صالحة فلن تضل عند الله ولا عندي .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المنذر بن ساوى أما بعد فإن رسلي قد حمدوك وانك مهما تصلح أصلح إليك وأثبك على عملك وتنصح لله ولرسوله والسلام عليك وبعث بها مع العلاء بن الحضرمي .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المنذر بن ساوى كتابا آخر أما بعد فإني قد بعثت إليك قدامة وأبا هريرة فادفع إليهما ما اجتمع عندك من جزية أرضك والسلام وكتب أُبي ، أي كتب الصحابي أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى العلاء بن الحضرمي أما بعد فإني قد بعثت إلى المنذر بن ساوى من يقبض منه ما اجتمع عنده من الجزية فعجله بها وابعث معها ما اجتمع عندك من الصدقة والعثور والسلام وكتب أبي .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ضغاطر الأسقف سلام على من آمن أما على أثر ذلك فإن عيسى بن مريم روح الله [وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ] ( ) الزكية وإني أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي [النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ] ( ) [والسلام على من اتبع الهدى]( ).
قال وبعث به مع دحية بن خليفة الكلبي .
وذكر أن ضغاطر قال لدحية (صاحبك والله نبي مرسل نعرفه بصفته ونجده في كتابنا)( ).
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني جنبة وهم يهود بمقنا ( )وإلى أهل مقنى ومقنا قريب من أيلة أما بعد فقد نزل علي أيتكم راجعين إلى قريتكم فإذا جاءكم كتابي هذا فإنكم آمنون لكم ذمة الله وذمة رسوله وان رسول الله غافر لكم سيئاتكم وكل ذنوبكم وان لكم ذمة الله وذمة رسوله لا ظلم عليكم ولا عدى وان رسول الله جاركم مما منع منه نفسه فإن لرسول الله بزكم وكل رقيق فيكم والكراع والحلقة إلا ما عفا عنه رسول الله أو رسول رسول الله وان عليكم بعد ذلك ربع ما أخرجت نخلكم وربع ما صادت عروككم ، وربع ما اغتزل نساؤكم ، وانكم برئتم بعد من كل جزية أو سخرة فإن سمعتم وأطعتم فإن على رسول الله أن يكرم كريمكم ويعفو عن مسيئكم .
أما بعد فإلى المؤمنين والمسلمين من أطلع أهل مقنا بخير فهو خير له ومن أطلعهم بشر فهو شر له وأن ليس عليكم أمير إلا من أنفسكم أو من أهل رسول الله والسلام أما قوله أيتكم يعني رسلهم ولرسول الله بزكم يعني بزهم الذي يصالحون عليه في صلحهم ورقيقهم والحلقة ما جمعت الدار من سلاح أو مال وأما عروككم فالعروك خشب تلقى في البحر يركبون عليها فيلقون شباكهم يصيدون السمك .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يحنة بن روبة وسروات أهل أيلة سلم أنتم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو فإني لم أكن لأقاتلكم حتى أكتب إليكم فأسلم أو أعط الجزية وأطع الله ورسوله ورسل رسوله وأكرمهم وأكسهم كسوة حسنة غير كسوة الغزاء واكس زيدا كسوة حسنة فمهما رضيت رسلي فإني قد رضيت وقد علم الجزية فإن أردتم أن يأمن البر والبحر فأطع الله ورسوله ويمنع عنكم كل حق كان للعرب والعجم إلا حق الله وحق رسوله وإنك ان رددتهم ولم ترضهم لا آخذ منكم شيئا حتى أقاتلكم فأسبي الصغير وأقتل الكبير .
فإني رسول الله بالحق أومن بالله وكتبه ورسله وبالمسيح بن مريم أنه كلمة الله واني أومن به أنه رسول الله وأت قبل أن يمسكم الشر.
فإني قد أوصيت رسلي بكم وأعط حرملة ثلاثة أوسق شعيرا وان حرملة شفع لكم واني لولا الله وذلك لم أراسلكم شيئا حتى ترى الجيش وانكم إن أطعتم رسلي فإن الله لكم جار ومحمد ومن يكون منه وان رسلي شرحبيل وأبي وحرملة وحريث بن زيد الطائي فإنهم مهما قاضوك عليه فقد رضيته .
وان لكم ذمة الله وذمة محمد رسول الله والسلام عليكم إن أطعتم وجهزوا أهل مقنا إلى أرضهم .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل جربا وأذرح( ) هذا كتاب من محمد النبي لأهل جربا وأذرح أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة والله كفيل عليهم .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل مقنا أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد وأن عليهم ربع غزولهم وربع ثمارهم .
قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا بن أبي ذئب قال أخبرنا صالح مولى التؤمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صالح أهل مقنا على أخذ ربع ثمارهم وربع غزولهم قال محمد بن عمر وأهل مقنا يهود على ساحل البحر وأهل جربا وأذرح يهود أيضا ( )وقوله طيبة يعني من الخلاص أي ذهب خالص وقوله خروجه يعني إذا أراد الخروج
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجماع كانوا في جبل تهامة قد غصبوا المارة من كنانة ومزينة والحكم والقارة ومن اتبعهم من العبيد فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفد منهم وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لعباد الله العتقاء انهم إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فعبدهم حر ومولاهم محمد ومن كان منهم من قبيلة لم يرد إليها وما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه فهو لهم وما كان لهم من دين في الناس رد إليهم ولا ظلم عليهم ولا عدوان وان لهم على ذلك ذمة الله وذمة محمد والسلام عليكم وكتب أبي بن كعب .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لبني غاديا أن لهم الذمة وعليهم الجزية ولا عداء ولا جلاء الليل مد والنهار شد وكتب خالد بن سعيد .
قالوا وهم قوم من يهود وقوله مد يقول يمده الليل ويشده النهار لا ينقضه شيء .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لبني عريض طعمة من رسول الله عشرة أوسق قمحا وعشرة أوسق شعيرا في كل حصاد وخمسين وسقا تمرا يوفون في كل عام لحينه لا يظلمون شيئا وكتب خالد بن سعيد قال وبني عريض قوم من يهود .
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي بن علية عن الجريري عن أبي العلاء قال كنت مع مطرف في سوق الإبل فجاء أعرابي بقطعة أديم أو جراب فقال من يقرأ أو قال أفيكم من يقرأ فقلت نعم أنا أقرأ فقال دونك هذا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتبه لي فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي لبني زهير بن أقيش حي من عكل أنهم إن شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وفارقوا المشركين وأقروا بالخمس في غنائمهم وسهم النبي وصفيه فإنهم آمنون بأمان الله ورسوله فقال له القوم أو بعضهم أسمعت من رسول الله شيئا تحدثناه .
قال نعم قالوا فحدثنا رحمك الله قال سمعته يقول من سره أن يذهب كثير من وحر الصدر فليصم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر فقال له القوم أو بعضهم أسمعت هذا من رسول الله قال أراكم تخافون أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله لا أحدثكم حديثا اليوم .
قال أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي أخبرنا لوط بن
يحيى الأزدي قال كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي ظبيان الأزدي من غامد يدعوه ويدعو قومه إلى الإسلام فأجابه في نفر من قومه بمكة منهم مخنف وعبد الله وزهير بنو سليم وعبد شمس بن عفيف بن زهير هؤلاء بمكة وقدم عليه بالمدينة الجحن بن المرقع وجندب بن زهير وجندب بن كعب ثم قدم بعد مع الأربعين الحكم من مغفل فأتاه بمكة أربعون رجلا وكتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ظبيان كتابا وكانت له صحبة وأدرك عمر بن الخطاب .
أخبرنا هشام بن محمد بن السائب قال حدثني جميل بن مرثد قال وفد رجل من الأجئيين يقال له حبيب بن عمرو على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكتب له كتابا هذا كتاب من محمد رسول الله لحبيب بن عمرو أخي بني أجإ ولمن أسلم من قومه وأقام الصلاة وآتى الزكاة أن له ماله وماءه ما عليه حاضره وباديه على ذلك عهد الله وذمة رسوله .
قال أخبرنا هشام بن محمد قال حدثني رجل من بني بحتر من طيء قال وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوليد بن جابر بن ظالم بن حارثة بن عتاب بن أبي حارثة بن جدي بن تدول بن بحتر فأسلم وكتب له كتابا هو عند أهله بالجبلين .
قال أخبرنا علي بن محمد القرشي عن أبي معشر عن يزيد بن رومان ومحمد بن كعب وعن يزيد بن عياض بن جعدبة الليثي عن الزهري وعن غيرهم قالوا كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سمعان بن عمرو بن قريط بن عبيد بن بي بكر بن كلاب مع عبد الله بن عوسجة العرني فرقع بكتابه دلوه فقيل لهم بنو الراقع ثم أسلم سمعان وقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال …
أقلني كما أمنت وردا ولم أكن … بأسوأ ذنبا إذ أتيتك من ورد
قال أخبرنا علي بن محمد عن حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطأة عن أبي إسحاق الهمداني أن العرني أتاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرقع به دلوه فقالت له ابنته ما أراك إلا ستصيبك قارعة أتاك كتاب سيد العرب فرقعت به دلوك فمر به جيش لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستباحوا كل شيء له فأسلم وأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أصبت من مال قبل أن يقسمه المسلمون فأنت أحق به .
قال أخبرنا علي بن محمد عن عمرو بن عبد الرحمن الزهري عن زامل بن عمرو الجذامي .
قال كان فروة بن عمرو الجذامي عاملا للروم على عمان من أرض البلقاء أو على معان فأسلم وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامه وبعث به مع رجل من قومه يقال له مسعود بن سعد وبعث إليه ببغلة بيضاء وفرس وحمار وأثواب لين وقباء سندس مخوص بالذهب .
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من محمد رسول الله إلى فروة بن عمرو أما بعد فقد قدم علينا رسولك وبلغ ما أرسلت به وخبر عما قبلكم وأتانا بإسلامك وأن الله هداك بهداه إن أصلحت وأطعت الله ورسوله وأقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمر بلالا فأعطى رسوله مسعود بن سعد أثنتي عشرة أوقية ونشأ قال وبلغ ملك الروم إسلام فروة فدعاه فقال له أرجع عن دينك نملكك قال لا أفارق دين محمد وانك تعلم أن عيسى قد بشر به ولكنك تضن بملكك فحبسه ثم أخرجه فقتله وصلبه.
قال أخبرنا علي بن محمد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن رجل من بني سدوس .
قال كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بكر بن وائل أما بعد فأسلموا تسلموا.
قال قتادة فما وجدوا رجلا يقرؤه حتى جاءهم رجل من بني ضبيعة بن ربيعة فقرأه فهم يسمون بني الكاتب
وكان الذي أتاهم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظبيان بن مرئد السدوسي .
قال أخبرنا علي بن محمد عن معتمر عن رجل من أصحابه يقال له عطاء عن عبد الله بن يحيى بن سلمان قال أراني بن لسعير بن عداء كتابا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من محمد رسول الله إلى السعير بن عداء أني قد أخفرتك الرحيح وجعلت لك فضل بني السبيل .
كتاب النبي (ص) إلى بني عبد كلال
عن الزهري قال كتب رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم إلى الحارث ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير سلم أنتم ما آمنتم بالله ورسوله وأن الله وحده لا شريك له بعث موسى بآياته وخلق عيسى بكلماته قالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى الله ثالث ثلاثة عيسى بن الله قال وبعث بالكتاب مع عياش بن أبي ربيعة المخزومي .
وقال إذا جئت أرضهم فلا تدخلن ليلا حتى تصبح ثم تطهر فأحسن طهورك وصل ركعتين وسل الله النجاح والقبول واستعذ بالله وخذ كتابي بيمينك وأدفعه بيمينك في أيمانهم فإنهم قابلون .
واقرأ عليهم [لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين] ( ) فإذا فرغت منها فقل آمن محمد وأنا أول المؤمنين .
فلن تأتيك حجة إلا دحضت ولا كتاب زخرف إلا ذهب نوره وهم قارئون عليك فإذا رطنوا فقل ترجموا و[قل حسبي الله ] ( ) [آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير ] ( ) .
فإذا أسلموا فسلهم قضبهم الثلاثة التي إذا حضروا بها سجدوا وهي من الأثل قضيب ملمع ببياض وصفرة , وقضيب ذو عجر كأنه خيزران , والأسود البهيم كأنه من ساسم( ) ثم أخرجها فحرقها بسوقهم .
قال عياش فخرجت أفعل ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا دخلت إذا الناس قد لبسوا زينتهم قال فمررت لأنظر إليهم حتى انتهيت إلى ستور عظام على أبواب دور ثلاثة فكشفت الستر ودخلت الباب الأوسط فانتهيت إلى قوم في قاعة الدار فقلت أنا رسول رسول الله وفعلت ما أمرني فقبلوا وكان كما قال صلى الله عليه وآله وسلم .
كتاب النبي (ص) إلى البحرين
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عبد القيس من محمد رسول الله إلى الأكبر بن عبد القيس أنهم آمنون بأمان الله وأمان رسوله على ما أحدثوا في الجاهلية من القحم( ) وعليهم الوفاء بما عاهدوا ولهم أن لا يحبسوا عن طريق الميرة ولا يمنعوا صوب القطر ولا يحرموا حريم الثمار عند بلوغه .
والعلاء بن الحضرمي أمين رسول الله على برها وبحرها وحاضرها وسراياها وما خرج منها .
وأهل البحرين خفراؤه من الضيم وأعوانه على الظالم وأنصاره في الملاحم عليهم بذلك عهد الله وميثاقه لا يبدلوا قولا ولا يريدوا فرقة ولهم على جند المسلمين الشركة في الفيء ، والعدل في الحكم ، والقصد في السيرة حكم لا تبديل له في الفريقين كليهما والله ورسوله يشهد عليهم .
كتاب النبي (ص) إلى حضرموت
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أقيال( ) حضرموت وعظمائه كتب إلى زرعة وقهد والبسي والبحيري وعبد كلال وربيعة وحجر وقد مدح الشاعر بعض أقيالهم فقال …
ألا ان خير الناس كلهم قهد … وعبد كلال خير سائرهم بعد
وقال آخر يمدح زرعة …
ألا ان خير الناس بعد محمد … لزرعة ان كان البحيري أسلما
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى نفاثة بن فروة الدئلي ملك السماوة .
قالوا وكتب إلى عذرة في عسيب( ) وبعث به مع رجل من بني عذرة فعدا عليه ورد بن مرداس أحد بني سعد هذيم فكسر العسيب وأسلم واستشهد مع زيد بن حارثة في غزوة وادي القرى أو غزوة القردة .
كتاب النبي (ص) إلى باهلة
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمطرف بن الكاهن الباهلي هذا كتاب من محمد رسول الله لمطرف بن الكاهن ولمن سكن بيشة من باهلة أن من أحيا أرضا مواتا بيضاء فيها مناخ الأنعام ومراح فهي له وعليهم في كل ثلاثين من البقر فارض وفي كل أربعين من الغنم عتود وفي كل خمسين من الإبل ثاغية مسنة وليس للمصدق أن يصدقها إلا في مراعيها وهم آمنون بأمان الله .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنهشل بن مالك الوائلي من باهلة باسمك اللهم هذا كتاب من محمد رسول الله لنهشل بن مالك ومن معه من بني وائل لمن أسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغنم خمس الله وسهم النبي وأشهد على إسلامه وفارق المشركين فإنه آمن بأمان الله وبريء إليه محمد من الظلم كله وأن لهم أن لا يحشروا ولا يعشروا وعاملهم من أنفسهم وكتب عثمان بن عفان .
كتاب النبي (ص)إلى ثقيف
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لثقيف كتابا أن لهم ذمة الله وذمة محمد بن عبد الله على ما كتب لهم وكتب خالد بن سعيد وشهد الحسن والحسين ( ).
ودفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكتاب إلى نمير بن خرشة.
وفيه شاهد على أهلية الحسن والحسين عليهما السلام للشهادة على كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومواثيقه للوفود مع صغر سنهما ، ولم يكن هناك اعتراض من أحد مما يدل على رفعة منزلتهما عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين.
وكان عمر الحسن عليه السلام يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع سنوات ، وعمر الحسين ست سنوات ، وقد تمت الشهادة قبلها بسنة أو أكثر .
قالوا وسأل وفد ثقيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحرم لهم وجا فكتب لهم هذا كتاب من محمد رسول الله إلى المؤمنين ان عضاه وج وصيده لا يعضد فمن وجد يفعل ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ النبي وهذا أمر النبي محمد بن عبد الله رسول الله وكتب خالد بن سعيد بأمر النبي محمد بن عبد الله فلا يتعدينه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسعيد بن سفيان الرعلي هذا ما أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد بن سفيان الرعلي أعطاه نخل السوارقية وقصرها لا يحاقه فيها أحد ومن حاقه فلا حق له وحقه حق وكتب خالد بن سعيد .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعتبة بن فرقد هذا ما أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عتبة بن فرقد أعطاه موضع دار بمكة يبنيها مما يلي المروة فلا يحاقه فيها أحد ومن حاقه فإنه لا حق له وحقه حق وكتب معاوية .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني جناب من كلب هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لبني جناب وأحلافهم ومن ظاهرهم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والتمسك بالإيمان والوفاء بالعهد وعليهم في الهاملة( ) الراعية في كل خمس شاة غير ذات عوار والحمولة المائرة( ) لهم لاغية والسقي الرواء والعذيمن الأرض يقيمه الأمين وظيفة لا يزاد عليهم شهد سعد بن عبادة وعبد الله بن أنيس ودحية بن خليفة الكلبي .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا كتاب من محمد رسول الله لمهري بن الأبيض على من آمن من مهرة أنهم لا يؤكلون ولا يغار عليهم ولا يعركون( ) .
وعليهم إقامة شرائع الإسلام فمن بدل فقد حارب الله ومن آمن به فله ذمة الله وذمة رسوله اللقطة مؤداة والسارحة منداة والتفث السيئة والرفث الفسوق وكتب محمد بن مسلمة الأنصاري.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخثعم هذا كتاب من محمد رسول الله لخثعم من حاضر ببيشة وباديتها أن كل دم أصبتموه في الجاهلية فهو عنكم موضوع ومن أسلم منكم طوعا أو كرها في يده حرث من خبار ( )أو عزاز ( )تسقيه السماء أو يرويه اللثى فزكا عمارة في غير أزمة ولا حطمة فله نشره وأكله وعليهم في كل سيح العشر .
وفي كل غرب ( )نصف العشر شهد جرير بن عبد الله ومن حضر.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوفد ثمالة والحدان هذا كتاب من محمد رسول الله لبادية الأسياف ونازلة الأجواف مما حازت صحار ليس عليهم في النخل خراص ولا مكيال مطبق حتى يوضع في الفداء وعليهم في كل عشرة أوساق وسق .
والوسق بالأصل هو حمل بعير (العدلان معاً ) وقيل هو العدل وفق المتعارف ، يقال أوسقت البعير إذا أوقرته ، وأختلف في الوسق ومقداره ، والمشهور أنه 220 كيلو غرام ، ومن الفقهاء من جعله 195كيلو ، والوسق وزن خمسمائة رطل( ) وهو ستون صاعاً بصاع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي رسالتي العملية الحجة (ويشترط في وجوب الزكاة في الغلات أمران:
الأول : بلوغ النصاب وهو خمسة اوسق، والوسق ستون صاعاً فيكون ثلاثمائة صاع، وكل صاع يكون 614 مثقالاً صيرفياً، والمثقال 4,88 غرام، فيكون النصاب ثمانمائة وسبعة واربعين كيلو تقريباً.
الثاني : التملك بالزراعة فيما يزرع، او انتقال الزرع الى ملكه قبل وقت تعلق الزكاة، وكذا في الثمرة كون الشجر ملكاً له الى وقت التعلق، او انتقلت الى ملكه منفردة او مع الشجر قبل وقته( ).
وكاتب الصحيفة ثابت بن قيس بن شماس شهد سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة .
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبارق من الأزد هذا كتاب من محمد رسول الله لبارق أن لا تجد ثمارهم وأن لا ترعى بلادهم في مربع ولا مصيف إلا بمسألة من بارق
ومن مر بهم من المسلمين في عرك أو جدب فله ضيافة ثلاثة أيام فإذا أينعت ثمارهم فلابن السبيل اللقاط يوسع بطنه من غير أن يقتثم شهد أبو عبيدة بن الجراح وحذيفة بن اليمان وكتب أبي بن كعب الجدب أن لا يكون مرعى والعرك أن تخلي إبلك في الحمض خاصة فتأكل منه حاجتها ويقتثم يحمل معه .
كتاب النبي (ص) إلى بارق
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوائل بن حجر لما أراد الشخوص إلى بلاده قال يا رسول الله أكتب لي إلى قومي كتابا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكتب له يا معاوية إلى الأقيال العباهلة ليقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة والصدقة على التيعة السائمة لصاحبها التيمة لا خلاط ولا وراط ولا شغار ولا جلب ولا جنب ولا شناق وعليهم العون لسرايا المسلمين وعلى كل عشرة ما تحمل العراب من أجبأ فقد أربى .
وقال وائل يا رسول الله أكتب لي بأرضي التي كانت في الجاهلية وشهد له أقيال حمير وأقيال حضرموت فكتب له هذا كتاب من محمد النبي لوائل بن حجر قيل حضرموت وذلك أنك أسلمت وجعلت لك ما في يديك من الأرضين والحصون وأنه يؤخذ منك من كل عشرة واحد ينظر في ذلك ذوا عدل وجعلت لك أن لا تظلم فيها ما قام الدين والنبي والمؤمنون عليه أنصار.
قالوا وكان الأشعث وغيره من كندة نازعوا وائل بن حجر في واد حضرموت فادعوه عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكتب به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوائل بن حجر.
قالوا وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل نجران هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لأهل نجران أنه كان له عليهم حكمه في كل ثمرة صفراء أو بيضاء أو سوداء أو رقيق فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة حلل الأواقي في كل رجب ألف حلة وفي كل صفر ألف حلة كل حلة أوقية فما زادت حلل الخراج أو نقصت على الأواقي فبالحساب .
وما قبضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم فبالحساب وعلى نجران مثواة رسلي عشرين يوما فدون ذلك ولا تحبس رسلي فوق شهر وعليهم عارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا إذا كان باليمن كيد وما هلك مما أعاروا رسلي من دروع أو خيل أو ركاب فهو ضمان على رسلي حتى يؤدوه إليهم .
ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبيعهم وصلواتهم لا يغيروا أسقفا عن أسقفيته ولا راهبا عن رهبانيته ولا واقفا عن وقفانيته وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير وليس ربا ولا دم جاهلية .
ومن سأل منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين .
لنجران ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة ولا يؤاخذ أحد منهم بظلم آخر .
وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة النبي أبدا حتى يأتي الله بأمره إن نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم شهد أبو سفيان بن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف النصري والأقرع بن حابس والمستورد بن عمرو أخو بلي والمغيرة بن شعبة وعامر مولى أبي بكر .
ونجران مدينة ضاربة في القدم ، وسميت باسم أول من نزلها وعمّرها ، ويدعى نجران بن زيدان بن سبأ بن يعرب بن قحطان، بعد أن رآى رؤيا هالته وأفزعته ، فخرج رائداً يبحث عن موضع مناسب فانتهى إلى وادي نجران ، ورآى خصوبة الأرض والماء والعشب فنزل فيها .
(عن ابن عباس: أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم .
منهم السيد وهو الكبير ، والعاقب وهو الذي يكون بعده ، وصاحب رأيهم ، فقال رسول الله لهما : أسلما قالا : أسلمنا .
قال : ما أسلمتما .
قالا : بلى . قد أسلمنا قبلك .
قال : كذبتما يمنعكم من الإسلام ثلاث فيكما .
عبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير ، وزعمكما أن لله ولداً .
ونزل { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب . . } ( )الآية.
فلما قرأها عليهم قالوا : ما نعرف ما تقول .
ونزل { فمن حاجَّك فيه من بعد ما جاءك من العلم }( ) يقول : من جادلك في أمر عيسى من بعد ما جاءك من العلم من القرآن { فقل تعالوا } إلى قوله { ثم نبتهل } يقول : نجتهد في الدعاء أن الذي جاء به محمد هو الحق، وإن الذي يقولون هو الباطل فقال لهم : إن الله قد أمرني إن لم تقبلوا هذا أن أباهلكم فقالوا : يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك . فخلا بعضهم ببعض وتصادقوا فيما بينهم قال السيد للعاقب : قد والله علمتم أن الرجل نبي مرسل ، ولئن لاعنتموه إنه ليستأصلكم ، وما لاعن قوم قط نبياً فبقي كبيرهم ، ولا نبت صغيرهم .
فإن أنتم لم تتعوه وأبيتم إلا إلف دينكم فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج ومعه علي ، والحسن ، والحسين ، وفاطمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن أنا دعوت فأمنوا أنتم . فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية) ( ).
قال أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال حدثني شيخ من أهل دومة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب لأكيدر هذا الكتاب جاءني بالكتاب فقرأته وأخذت منه نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها أن له الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور وبعد الخمس لا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتككم ولا يحظر عليكم النبات ولا يؤخذ منكم إلا عشر الثبات تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها عليكم بذاك العهد والميثاق ولكم بذلك الصدق والوفاء شهد الله ومن حضر من المسلمين.
المراد دومة الجندل لبنائها بالجندل وهو الحجارة الصغيرة، وهي قرى وحصن منيع (وهو حصن أكيدر الملك بن عبد الملك بن عبد الحي بن أعيا بن الحارث بن معاوية بن خلاَوة بن أبامة بن سَلَمَة بن شكامة بن شبيب بن السكون بن أشرَس بن ثور بن عفير وهو كندة السكني الكندي وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجه إليه خالد بن الوليد من تبوك وقال له ستلقاه يصيد الوحش وجاءت بقرة وحشية فحككَت قرونها بحصنه فنزل إليها ليلاً ليصيدها فهَجَمَ عليه خالد فأسره وقتل أخاه حسان بن عبد الملك وافتتحها خالد عنوةً وذلك في سنة تسع للهجرة ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالح أكيدر على دومة وآمنه وقرَر عليه وعلى أهله الجزية وكان نصرانياً فأسلم أخوه حُريث فأقرَه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأجلاه عمر من دومة فيمن أجلى من مخالفي دين الإسلام إلى الحيرة فنزل في موضع منها قرب عين التمر وبنى به منازل وسماها دومة وقيل دوماء باسم حصنه بوادي القرى فهو قائم يعرف إلا أنه خراب) ( ) وللتفرقة بينها وبين دومة الحيرة .
قال محمد بن عمر الضحل الماء القليل والمعامي الأعلام من الأرض ما لا حد له والضامنة ما حمل من النخل وقوله لا تعدل سارحتكم يقول لا تنحى عن الرعي والفاردة ما لاتجب فيه الصدقة والأغفال ما لا يقال على حده من الأرض والمعين الماء الجاري والثبات النخل القديم الذي قد ضرب عروقه في الأرض وثبت .
قال وكانت دومة وأيلة وتيماء قد خافوا النبي لما رأوا العرب قد أسلمت قال وقدم يحنة بن روبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان ملك أيلة وأشفق أن يبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما بعث إلى أكيدر وأقبل ومعه أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر ومن جربا وأذرح فأتوه فصالحهم وقطع عليهم جزية معلومة .
وكتب لهم كتابا بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله( ) ليحنة بن روبة وأهل أيلة لسفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله وذمة محمد رسول الله ولمن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر ومن أحدث حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه وأنه طيبة لمن أخذه من الناس وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يريدونه من بر وبحر هذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله.
أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني يعقوب بن محمد الظفري عن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال رأيت على يحنة بن روبة يوم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صليبا من ذهب وهو معقود الناصية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفر وأومأ برأسه فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ارفع رأسك وصالحه يومئذ وكساه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برد يمنية وأمر بإنزاله عند بلال قال ورأيت أكيدر حين قدم به خالد وعليه صليب من ذهب وعليه الديباج ظاهرا.
قال ثم رجع الحديث إلى الأول .
قال محمد بن عمر ونسخت كتاب أهل أذرح فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي لأهل أذرح أنهم آمنون بأمان الله ومحمد وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان للمسلمين ومن لجأ إليهم من المسلمين من المخافة والتعزيز إذا خشوا على المسلمين وهم آمنون حتى يحدث إليهم محمد قبل خروجه يعني إذا أراد الخروج .
قال ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجزية على أهل أيلة ثلاثمائة دينار كل سنة وكانوا ثلاثمائة رجل( ) ) ( ).
ومع أن الحديث مرسل في الجملة ، ووجود رواة ضعفاء في طريقه ، عن طريق يحيى بن حمزة عن سليمان ، عن الزهري ، ويرجح أنه سليمان بن أرقم ، راو ضعيف ، قال الإمام أحمد : لا يسوى حديثه شيئاً، وقال ابن معين ، ليس بشي ، ليس يسوي فلساً وهو كلام ووصف قاس .
وقال البخاري : تركوه .
وحتى على فرض أنه سليمان بن داود فانه ضعيف أيضاً .
والمختار تلقي أكثر فصول هذا الحديث والكتاب بالقبول للشهرة ، ولقاعدة تعاضد السند في الخبر الضعيف والمرسل ، إذا ورد عن طرق متعددة ، فقد تكون مجتمعة أظهر من الحديث الواحد المتصل .
وترتقي الرواية الضعيفة في سندها إلى مرتبة تقرب من الصحيحة من جهات :
الأولى : نيل الشهرة بين العلماء .
الثانية : تلقي العلماء لها بالقبول والعمل .
الثالثة : موافقة الكتاب والسنة .
الرابعة : وجود الرواية في كتب الأصول والكتب المعتبرة .
لقد كان كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رؤساء أهل اليمن ، وإلى عامة الناس هناك مستفيضاً .
وفيه بيان لأحكام الشريعة والديات والسنن ، وسبل نيل الأجر الثواب ومنع الخصومة والخلاف ، كما كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض وجهاء وأمراء اليمن كتباً خاصة ، ومنها تثبيت ملكيتهم لبعض الحقوق والأراضي ، لبيان أن الإسلام دين العدل والإنصاف وللحيلولة دون استيلاء بعض المسلمين أو غيرهم على تلك الحقوق .
وتأسيس لدولة العدل والإنصاف ، والمنع من الظلم والجور ، وأكل مال الغير من دون مسوغ شرعي أو عقلي ، ودليل على أن دولة النبوة تعمل بضبط وشمول في الميادين المتعددة ،وبما يحقق العدالة ويحول دون الفتنة ومقدماتها .
قانون الأسماء الحسنى في القرآن
ورد ذكر الأسماء الحسنى في آيات كثيرة من القرآن منها :
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ : ( تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ( ) الْمَلِك الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ : ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( )، الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ : ( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) ( )، الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ الْبَاطِنُ : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( )، السَّمِيعُ الْبَصِيرُ : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ( )، الْمَوْلَى النَّصِيرُ : ( فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) ( )، العفو الْقَدِيرُُ : ( فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً ) ( )، اللطيف الْخَبِير : ( وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) ( )،الْكَبِيرُ الْمُتَعَالَ : ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ) ( )الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ : ( وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) ( )الْحَقُّ الْمُبِينُ : ( وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) ( )الْقُوَّيُِّ الْمَتِينُ : ( وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) ( ) ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) ( )، الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ : ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) ( وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) ( )، الشَّكُورُ الحليم : ( وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ) ( )، الْوَاسِعُ العليم : ( إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ( )، التواب الحكيم : ( وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ) ( )الْغَنِيُّ الكريم : ( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) ( )الأَحَدُ الصَّمَدُ : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ) ( )القريب المجيب : ( إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ) ( )، الْغَفُورُ الودود : ( وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) ( )، الولي الحميد : (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) ( )الحفيظ : ( وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ) ( )المجيد ( ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ) ( )، الفتاح : ( وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ) ( )، الشهيد : ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) ( )،الْمَلِيكُ الْمُقْتَدِرْ : ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) ( )،القابض ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ) ( )، ( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) ( ) ( فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ) ( )الْخَلاقُ : ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ)( )، [مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ]( ) .
ولم يرد في القرآن لفظ (المالك) بالتعريف بالألف واللام في القرآن .
الرَّزَّاقُ : ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) ( )الوكيل : ( وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ( )، الرقيب : ( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ) ( )، ومن أسماء الله الحسنى المحسن ، ولكنه لم يرد في القرآن إلا صفة حسن وثناء للعباد، قال تعالى [وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً] ( ) .
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إن الله محسن يحب الإحسان) ، الحسيب : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ) ( )، المُقيت : ( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً ) ( )،أي مقتدرا .
الأكرم : ( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) ( ) البر : ( إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ) ( )الْغَفَّارِ : ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ) ( )، الرءوف : ( وَأَنَّ اللهَ رَءوفٌ رَحِيم ٌ) ( )، الوهاب : ( أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ) ( )، الجواد حديث: (إِنَّ اللَّهَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ) ، الْوَارِثِ : ( وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ) ( ) ، رب غفور : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ) ( )الأعلى : ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ) ( )، الإله : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) ( ) .
قانون كل اسم من الأسماء الحسنى دعوة دائمة للسلم
لقد جعل الله عز وجل الأسماء أوتاداً في الأرض سواء بذاتها أو شأنها أو نطق العباد بها ، فلا يختص هذا النطق بالمسلمين ولا أهل الكتاب إنما هو عام يشمل الناس كلهم .
ومن الأدلة عليه ذكر القرآن للأسماء الحسنى من وجوه :
الأول : اسم الجلالة [الله] وهو أكثر الأسماء الحسنى ذكراً في القرآن ، ومن الإعجاز أن البسملة تبدأ بهذا الاسم المبارك [بسم الله الرحمن الرحيم] واسم الجلالة أعظم الأسماء الحسنى ، وبالنطق به يستحضر ذكره تعالى في الوجود الذهني ، ويميل العبد بالفطرة إلى اللجوء إليه ، والإستجارة به ، وتمتلئ نفسه بالرضا والغبطة ، ويحدوه الأمل ، وتنفر نفسه من العنف وسفك الدماء ، وهو من مصاديق احتجاج الله عز وجل على الملائكة عندما خلق آدم وأخبرهم بجعله [فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) إذ [قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] ( ) .
لقد انفرد الله باسم الجلالة وموضوعه ودلالته .
الثاني : الرب وهو من أمهات الأسماء الحسنى ، ونزلت أول آية من القرآن بهذا الاسم ، قال تعالى [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ] ( ) كما جاءت الآية الثانية من سورة الفاتحة وبعد البسملة مباشرة بالإطلاق في ربوبية الله عز وجل المقرون بالثناء عليه سبحانه ، قال تعالى [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] ( ) ويدل عموم ربوبية الله للخلائق على قانون الأخوة والرابطة المباركة بين الناس بلحاظ عبوديتهم وإنقيادهم لله عز وجل ، مما يملي عليهم الإنصياع للأوامر الإلهية الواردة في التنزيل وعلى لسان الأنبياء .
ومن الإعجاز التأكيد المتكرر لصبغة الحق في الأوامر والنواهي الإلهية ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا]( ).
لقد أخبر الله عز وجل المسلمين والناس جميعاً بأنه الرحمن بالخلائق كلها ، وفيه بعث للسكينة في النفوس ، ومنع من استيلاء الخوف على الناس، ومتى ما أدرك الإنسان أن الله عز وجل يتغشاه والخلائق برحمته فانه يطمئن ، وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ] ( ) .
ليكون من معاني الآية القرآنية : يا أيها الذين آمنوا إن الله هو الرحمن الرحيم فلا تخافوا ولا تحزنوا ، وليس من نبي إلا وجاء بالإخبار بأن الله هو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة .
ولا تقدر الخلائق عن منع رحمته عن الناس ، وهل يحجب الإنسان بالمعاصي الرحمة عن نفسه ، الجواب لا ، وهو من فضل الله عز وجل وحجته على الناس ، قال تعالى [فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ] ( ) .
ومن معاني اسم الرحمن شمول رحمة الله لجميع الخلائق من غير استثناء (عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن عيسى ابن مريم عليه السلام قال : يا معشر الحواريين الصلاة جامعة ، فخرج الحواريون في هيئة العبادة قد تضمرت البطون ، وغارت العيون ، واصفرت الألوان ،
فسار بهم عيسى عليه السلام إلى فلاة من الأرض .
فقام على رأس جرثومة( )، فحمد الله وأثنى عليه ثم أنشأ يتلو عليهم آيات الله وحكمته فقال : يا معشر الحواريين اسمعوا ما أقول لكم .
اني لأجد في كتاب الله المنزل الذي أنزل الله في الإِنجيل أشياء معلومة فاعملوا بها ، قالوا : يا روح الله وما هي؟
قال : خلق الليل لثلاث خصال ، وخلق النهار لسبع خصال ، فمن مضى عليه الليل والنهار ، وهو في غير هذه الخصال خاصمه الليل والنهار يوم القيامة فخصماه .
خلق الليل لتسكن فيه العروق الفاترة التي أتعبتها في نهارك ، وتستغفر لذنبك الذي كسبته في النهار ثم لا تعود فيه ، وتقنت فيه قنوت الصابرين .
فثلث تنام ، وثلث تقوم ، وثلث تتضرع إلى ربك.
فهذا ما خلق له الليل ، وخلق النهار لتؤدي فيه الصلاة المفروضة التي عنها تسأل وبها تُحاسَبْ وبر والديك ، وأن تضرب في الأرض تبتغي المعيشة معيشة يومك ، وأن تعود فيه ولياً لله تعالى كيما يتعهدكم الله برحمته، وأن تشيعوا فيه جنازة كيما تنقلبوا مغفوراً لكم ، وأن تأمروا بمعروف وتنهوا عن منكر فهو ذروة الإِيمان وقوام الدين ، وأن تجاهد في سبيل الله تراحموا إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام في قبته .
ومن مضى عليه الليل والنهار وهو في غير هذه الخصال خاصمه الله والنهار يوم القيامة وهو عند مليك مقتدر) ( ).
وعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (لكل شئ قوام ،وقوام الدين الفقه ) ( )وفي رواية قوام الدين الصلاة , ولا تعارض بينهما .
وهل من معاني قوله تعالى [عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ *عَلَّمَهُ الْبَيَانَ] ( ) أن آيات السلم محكمة غير منسوخة ، وهو القانون الذي اختص به هذا الجزء ، الجواب نعم ، وتقدير الآية على وجوه:
الأول : قانون القرآن رحمة من عند الله عز وجل .
الثاني : قانون نزول القرآن من رحمة الله .
الثالث : قانون تجلي فضل الله عز وجل في نزول القرآن ، وفي تعليمه للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والناس .
وهناك تباين بين نزول القرآن وبين تعليمه ، وهل يختص هذا التعليم بالتلاوة ونص كلمات القرآن ، الجواب لا، فمن الإعجاز في هذه الآية أن تفسير وتأويل القرآن من عند الله فيما يخص التأويل الحق والصادق والمستقرأ من آيات القرآن .
فكما أن الله عز وجل حفظ القرآن من الضياع ومن الزيادة والنقيصة ، قال تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون] ( ) فانه سبحانه تعاهد علم التفسير والتأويل، ولا عبرة بالقليل النادر الذي يشذ عن هذا القانون ، ومن الآيات أن التفسير المخالف للحق وسنخية التنزيل لا يعتني به الناس ، ويلحق أهله الخزي .
وهل يدل قوله تعالى [الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ] ( ) على قانون آيات السلم محكمة غير منسوخة ، الجواب نعم .
ومن علوم القرآن التي تفضل الله عز وجل بها المحكم والمتشابه ، والمطلق والمقيد ، والعموم والخصوص ، والناسخ والمنسوخ ، وأحكام الفرائض وأجزاؤها ، وقواعد التلاوة وتعاهدها .
وعن (أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مَن تعلّم القرآن وعلّمه وعلّق مصحفاً لم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلّقاً به يقول : يا ربّ العالمين عبدك هذا اتخذني مهجوراً اقض بيني وبينه) ( ).
قانون تحدي الوحي أعم من آيات التنزيل
لقد أنعم الله عز وجل على الأنبياء والناس بنزول الآيات من عنده ، لتكون مناراً وضياءً ومنهاج عمل ، لذا تفضل الله عز وجل وجعل كل مسلم ومسلمة يتلوان سبع عشرة مرة في اليوم ، قوله تعالى [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] ( ).
ومنه التوسل للعمل بأحكام التنزيل ، واتباع سنة سيد المرسلين ، والعصمة من الإرهاب والتطرف .
ولا تختص مصاديق الصراط المستقيم بآيات التنزيل ، إذ يشمل الوحي إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو أعم من آيات التنزيل ، والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق .
ولم تنحصر الصلة بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجبرئيل بنزول آيات القرآن ، فقد كان جبرئيل حاضراً ولم يغادر بعد أن طلب منه أن يقرأ [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ] ( ).
وفي المرسل (عن ابن إسحاق عن وهب بن كيسان : قال عبيد : قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (فَقَرَأْتهَا ثُمّ انْتَهَى فَانْصَرَفَ عَنّي وَهَبَبْتُ( ) مِنْ نَوْمِي ، فَكَأَنّمَا كَتَبْتُ فِي قَلْبِي كِتَابًا .
قَالَ فَخَرَجْتُ حَتّى إذَا كُنْتُ فِي وَسَطٍ مِنْ الْجَبَلِ سَمِعْت صَوْتًا مِنْ السّمَاءِ يَقُولُ يَا مُحَمّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ .
قَالَ فَرَفَعْت رَأْسِي إلَى السّمَاءِ أَنْظُرُ فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السّمَاءِ يَقُولُ يَا مُحَمّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ .
قَالَ فَوَقَفْت أَنْظُرُ إلَيْهِ فَمَا أَتَقَدّمُ وَمَا أَتَأَخّرُ وَجَعَلْت أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السّمَاءِ قَالَ فَلَا أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا إلّا رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا مَا أَتَقَدّمُ أَمَامِي وَمَا أَرْجِعُ وَرَائِي حَتّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي ، فَبَلَغُوا أَعْلَى مَكّةَ وَرَجَعُوا إلَيْهَا وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ ثُمّ انْصَرَفَ عَنّي) ( ).
وكان جبرئيل عليه السلام حاضراً في معركة بدر ، وشارك وعدد من الملائكة في زجر وطرد جيش المشركين ، وبعث الخوف والرعب في قلوبهم ، قال تعالى [إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ]( ).
لقد جعل الله عز وجل الوحي إماماً وقائداً ، وفيه هداية إلى الرشد والتقوى والصلاح ، وقد انقطع الوحي بمغادرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ، ولكن مضامينه ومنافعه باقية من جهات :
الأولى : آيات القرآن الكريم .
الثانية : تفسير وتأويل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لآيات القرآن .
الثالثة : السنة النبوية القولية والفعلية لعمومات قوله تعالى [وَمَا ينطق عن الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى] ( ).
الرابعة : الوقائع والأحداث أيام النبوة ، ومنها صلح الحديبية الذي يدل على أن النبي محمداً رائد السلام ، وأن الله عز وجل بعثه لنشر الأمن المقرون بالعدل والإنصاف .
لقد انحسرت بنبوته العادات المذمومة من الغزو والقتل العشوائي والنهب والسلب في الطرقات العامة .
ولو تصفحت تأريخ العرب أيام الجاهلية لتجلت لك أمور :
الأول : وقوع معارك كبرى تستمر عشرات السنين مثل معركة البسوس وداحس والغبراء .
الثاني : عدم وجود سبب يستحق سفك الدم أو لمعان سيوف ،ومع هذا تحدث المعارك الكبيرة ، فمثلاً كان سبب معركة البسوس التي استمرت أربعين سنة على قول المكثرين ناقة رمُيت بسهم رماها كليب ، ونشبت بين قبيلة تغلب بن وائل وحلفائها ، ضد بني شيبان ، وحلفائها ، والطرفان ابناء عمومه .
الثالث : شدة المعارك بين العرب مقدمة لضعفهم وفنائهم ، فتفضل الله عز وجل عليهم بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجعل لغة القرآن العربية ، قال تعالى [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ] ( ) وفيه دعوة للعرب لتعاهد أنسابهم ولغتهم ، والإمتناع عن الإقتتال فيما بينهم ، وحضّ لهم وللناس جميعاً للرجوع إلى التنزيل في حلّ الخلافات التي بينهم .
بحث أصولي
من الإعجاز في الشريعة الإسلامية مصاحبة وجوب الصلاة للمسلم والمسلمة إلى حين مغادرة الحياة الدنيا ، فليس من قيد أو شرط يتعلق به أداء الصلاة والصلاة واجب تكليفي يتصف بوجوه :
الأول : الصلاة واجب يومي .
الثاني : الصلاة واجب عيني على كل مسلم ومسلمة ، فلا تصح فيها الوكالة أو النيابة ، أو الإجارة عن الحي ، قال تعالى [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى]( ) .
الثالث : تعدد أفراد الصلاة اليومية ، قال تعالى [وَأَقِمْ الصَّلاَةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ]( ).
الرابع : الصلاة واجب منجز وليس معلقاً فحينما يدخل وقت الصلاة كطلوع الفجر بالنسبة لصلاة الصبح يتحقق الوجوب ، ويلزم المبادرة إلى الصلاة الأقرب فالأقرب بالنسبة لأوان الصلاة وهو ما بين الطلوعين .
الخامس : لزوم إتيان الصلاة بمقدمة وهي الطهارة مع تعدد أقسام الطهارة والأصل فيها الوضوء ولا ينتقل إلى غسل الجنابة إلا مع السبب ، ولا الى التيمم إلا مع فقد أو تعذر ماء الوضوء ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]( ).
وهل يمكن القول أن الصلاة واجب مشروط بالطهارة , الجواب نعم ولكن ليس كاشتراط أداء الحج بالإستطاعة لأن الطهارة شرط حاضر ومتيسر إذ ذكرت الآية أعلاه وجوب القيام إلى الصلاة مع الطهارة ، وهي أمر يقدر عليه الإنسان ، ومنه التيمم بالتراب عند الإضطرار .
السادس : الصلاة واجب مؤقت ، يؤدى كل فرض منها بوقت مخصوص ، وفق علامات كونية ثابتة في مشارق ومغارب الأرض . وإرتباط الصلاة بطلوع الفجر وزوال الشمس ، وغروبها ودخول وقت صلاة العشاء بغياب الشفق الأحمر من جهة المغرب .
السابع : الصلاة واجب معين ، أمر الله عز وجل المكلفين باتيانه ، ومن الإعجاز تكرر الأمر باقامة الصلاة ، والذكر في قوله تعالى [فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا] ( ) .
الثامن : الصلاة واجب مصاحب للإنسان من أول عمارة آدم للأرض إلى يوم القيامة ، ليكون من معاني قوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]( )، وما خلقت الناس إلا ليعبدني كل واحد منهم بالصلاة يومياً.
التاسع : الصلاة واجب مطلق غير مقيد بشروط يتعلق أداؤها على تلك الشروط ، إنما تجب الصلاة على كل حال .
والواجب المطلق هو غير المرتبط بوقت مثل الكفارات والنذور ، ويقابله الواجب المؤقت بوقت معلوم مثل أداء الصلاة، والصوم .
وكان المشركون يرون المسلمين يصلون عن قيام خمس مرات في اليوم ، ولم يعلموا أن الصلاة تجب حتى على المريض الذي يتعذر عليه القيام لأنها لا تترك بحال ، وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا]( ).
العاشر : الصلاة واجب موسع مؤقت أي أن الوقت الذي تؤدى فيه الفريضة أعم من ذات مدة الأداء ، فمثلاً يستغرق إتيان صلاة الصبح نحو خمس دقائق ولكن وقت الأداء ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وهو يصل أحياناً إلى تسعين دقيقة ، فيمكن أداء صلاة أخرى في ذات الوقت كالتطوع والقضاء ، ويقابله الواجب المضيق الذي لا يتسع وقته لأكثر من الواجب المخصوص به كصيام شهر رمضان ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]( )، ومن الأصوليين من ذكر اصطلاحاً هو الواجب ذو الشبهين أي أنه لا يتسع معه لغيره من جنسه وإن كان الواجب فيه لا يستغرق كل الوقت ، واستدل عليه بالحج إذ أنه يشمل أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة ، قال تعالى [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَاأُوْلِي الأَلْبَابِ]( ).
فان أفعال الحج لا تأخذ من المكلف إلا وقتاً يسيراً من هذه المدة فهو يشبه الواجب الموسع ولا يحق له أداء حج آخر فيها ، وبه يشبه الواجب المضيق ، والمختار أنه ليس قسيماً للواجب الموسع المؤقت إنما هو أحد مصاديقه
التفسير الموضوعي
هو جمع الآيات القرآنية التي تتعلق بموضوع مخصوص ثم تناولها بالدراسة والتأويل ، وإن تنوعت ألفاظها ، وتعددت أسباب النزول مثل موضوع الصلاة ، فتذكر وتجمع الآيات الخاصة بالصلاة لتقتبس منها المسائل مثل [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَة الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ] ( ) و[وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] ( ).
أو موضوع التضاد بين القرآن والإرهاب ، وهو مستحدث في تفسيرنا ، وصدرت منه تسعة أجزاء آخرها الجزء الحادي عشر بعد المائة( ) أو موضوع الصلة الترابط بين الصلاة والزكاة مثل [وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ] ( ).
[الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ] ( ).
أو موضوع (صلاة الأنبياء ) .
أو قانون مصاحبة الصلاة لوجود الإنسان في الأرض أو مكارم الأخلاق في القرآن أو حرمة الربا في القرآن أو موضوع (لم يغز النبي ص أحداً) .
أما الإعجاز الموضوعي للقرآن فهو يتناول النص القرآني ، والتحقق في قضايا الإعجاز فيها ، ويقسم إلى أقسام ، وهي :
الأول : الإعجاز البياني والبلاغي .
الثاني : الأعجاز الغيبي ، سواء بالنسبة للأحقاب الماضية أو الحوادث الحاضرة أو المستقبل أو أحوال وأهوال الآخرة وهو أهمها ، لذا كثر سؤال المسلمين والناس واليهود والكفار للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عنها ، قال تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا] ( ).
قال تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ] ( ) أي أحسن القصص في ذاتها وسردها وبيانها وبلاغتها في الأزمنة السابقة وإلى يوم القيامة ، فهذا الآية تتحدى الأدباء والشعراء ورجال التأريخ إلى يوم القيامة فهي الأحسن في كل زمان ، وتدعوهم للنهل من القرآن وعلومه .
الثالث : الإعجاز التشريعي .
الرابع : الإعجاز العلمي ومنه الآيات الكونية .
أما العلم الجديد والمستحدث الذي نؤسسه هنا هو دلالة الموضوع أو الحكم على إعجاز القرآن والسنة.
فنأخذ موضوعاً معيناً ونبين دلالته على إعجاز القرآن أو الإعجاز في السنة النبوية أو فيهما معاً وكذا بالنسبة للحكم .
مثل موضوع الصلاة وأحكام الصلاة ، ويتقوم قانون دلالة الموضوع على إعجاز القرآن والسنة في المقام بعناوين إعجازية مستقلة منها :
الأول : أداء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة شاهد على الإعجاز في نبوته .
الثاني : كيف تدل تلاوة القرآن في الصلاة جهراً وإخفاتاً على الإعجاز في القرآن والسنة .
الثالث : الإعجاز في الصلوات اليومية الخمس ، وأوقاتها .
الرابع : أداء صلاة الجماعة من إعجاز القرآن والسنة .
الخامس : أجزاء الصلاة وترتيبها وأحكامها من إعجاز القرآن والسنة .
السادس : أحكام السهو والنسيان والقضاء في الصلاة .
وهذا العلم المستحدث من البرهان الإني بالإستدلال من الأثر على المؤثر ، ومن المعلول على العلة .
إذ تدل أفعال المؤمنين العبادية ومكارم الأخلاق على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
أو نذكر معركة بدر وكيف أنها تدل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم والإعجاز فيها من جهات :
الأول : مقدمات المعركة .
الثانية : وقائع المعركة ، وأن المشركين هم الذين أصروا على القتال ، إنما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينادي بين الصفين قولوا لا إله إلا الله ، لبيان حجة للتأريخ وهي أن هذا القول لا يستلزم القتال والحرب فأخزى الله عز وجل رؤساء قريش لأنهم جمعوا بين الكفر والعدوان .
الثالثة : الآيات القرآنية التي وردت بخصوص معركة بدر ، قال تعالى [وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] ( ).
الرابعة : الإعجاز بخصوص نتائج معركة بدر ، وليس من حصر للمنافع العامة والخاصة لمعركة بدر خاصة بنسبة النصر فيها إلى الله عز وجل .
الخامسة : إخبار النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن مواضع مصارع رؤساء المشركين قبل نشوب المعركة .
مقارنة بين رؤيا ابراهيم ورؤيا النبي محمد (ص)
لقد جعل الله عز وجل القرآن [تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]( )، ونزلت آيات بخصوص الرؤيا منها رؤيا الأنبياء إبراهيم ويوسف عليهما السلام ، ورؤيا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورؤيا الملك فرعون يوسف ، بقوله تعالى [وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ]( )، كما وردت الرؤيا في الحديث النبوي .
إن قوله تعالى [لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا]( )، كانت أمراً وليس إخباراً ، وهي مثل رؤيا إبراهيم عليه السلام [قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ]( )، مع التباين في الموضوع الذي يدل على علو منزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعظيم فضل الله عز وجل عليه فلم تكن رؤيا اختبار ونداء بذبح الابن إنما بشارة عظمى بالفتح ، وكما أظهر إسماعيل الصبر في تنجز رؤيا والده الرسول كما في التنزيل [قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ]( )، فقد أظهر الصحابة الطاعة لله ورسوله وتوجهوا الى مكة مع أن خطر واحتمال الذبح وهجوم المشركين قائم ومحتمل .
(عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال : صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الفجر ذات يوم بغلس وكان يغلس ويسفر ويقول : ما بين هذين وقت لكيلا يختلف المؤمنون فصلّى بنا ذات يوم بغلس فلما قضى الصلاة التفت إلينا كأن وجهه ورقة مصحف، فقال : أفيكم من رأى الليلة شيئاً .
قلنا : لا يا رسول الله .
قال : لكني رأيت ملكين أتياني الليلة فأخذا بضبعي فانطلقا بي إلى السماء الدنيا فمررت بملك وأمامه آدمي وبيده صخرة فيضرب بهامة الآدمي فيقع دماغه جانباً وتقع الصخرة جانباً .
قلت : ما هذا .
قالا لي : أمضه .
فمضيت فإذا أنا بملك وأمامه آدمي وبيد الملك كلوب من حديد فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه حتى ينتهي إلى أذنه ثم يأخذ في الأيسر فيلتئم الأيمن قلت : ما هذا؟
قالا : أمضه .
فمضيت فإذا أنا بنهر من دم يمور كمور المرجل على فيه قوم عراة على حافة النهر ملائكة بأيديهم مدرتان كلما طلع طالع قذفوه بمدرة فيقع في فيه ويسيل إلى أسفل ذلك النهر ، قلت : ما هذا؟
قالا : أمضه .
فمضيت فإذا أنا ببيت أسفله أضيق من أعلاه فيه قوم عراة توقد من تحتهم النار أمسكت على أنفي من نتن ما أجد من ريحهم ، قلت : من هؤلاء.
قالا : أمضه .
فمضيت فإذا أنا بتل أسود عليه قوم مخبلون تنفخ النار في أدبارهم فتخرج من أفواههم ومناخرهم وآذانهم وأعينهم قلت : ما هذا؟
قالا : أمضه .
فمضيت فإذا أنا بنار مطبقة موكل بها ملك لا يخرج منها شيء إلا أتبعه حتى يعيده فيها ، قلت : ما هذا .
قالا لي : أمضه .
فمضيت فإذا أنا بروضة وإذا فيها شيخ جميل لا أجمل منه وإذا حوله الولدان وإذا شجرة ورقها كآذان الفيلة فصعدت ما شاء الله من تلك الشجرة وإذا أنا بمنازل لا أحسن منها من زمردة جوفاء وزبرجدة خضراء وياقوته حمراء .
قلت : ما هذا .
قالا : أمضه .
فمضيت ، فإذا أنا بنهر عليه جسران من ذهب وفضة على حافتي النهر منازل لا منازل أحسن منها من درة جوفاء وياقوته حمراء وفيه قدحان وأباريق تطرد قلت : ما هذا .
قالا لي : أنزل فنزلت فضربت بيدي إلى إناء منها فغرفت ثم شربت فإذا أحلى من عسل ، وأشد بياضاً من اللبن وألين من الزبد.
فقالا لي : أما صاحب الصخرة التي رأيت يضرب بها هامته فيقع دماغه جانباً وتقع الصخرة جانباً ، فأولئك الذين كانوا ينامون عن صلاة العشاء الآخرة ويصلون الصلاة لغير مواقيتها يضربون بها حتى يصيروا إلى النار .
وأما صاحب الكلوب الذي رأيت ملكاً موكلاً بيده كلوب من حديد يشق شدقه الأيمن حتى ينتهي إلى أذنه ثم يأخذ في الأيسر فيلتئم الأيمن فأولئك الذين كانوا يمشون بين المؤمنين بالنميمة فيفسدون بينهم فهم يعذبون بها حتى يصيروا إلى النار .
وأما ملائكة بأيديهم مدرتان من النار كلما طلع طالع قذفوه بمدرة فتقع في فيه فينفتل إلى أسفل ذلك النهر فأولئك أكلة الربا يعذبون حتى يصيروا إلى النار .
وأما البيت الذي رأيت أسفله أضيق من أعلاه فيه قوم عراة تتوقد من تحتهم النار أمسكت على أنفك من نتن ما وجدت من ريحهم ، فأولئك الزناة وذلك نتن فروجهم يعذبون حتى يصيروا إلى النار .
وأما التل الأسود الذي رأيت عليه قوماً مخبلين تنفخ النار في أدبارهم فتخرج من أفواههم ومناخرهم وأعينهم وآذانهم فأولئك الذين يعملون عمل قوم لوط الفاعل والمفعول به ، فهم يعذبون حتى يصيروا إلى النار.
وأما النار المطبقة التي رأيت ملكاً موكلاً بها كلما خرج منها شيء أتبعه حتى يعيده فيها ، فتلك جهنم تفرق بين أهل الجنة وأهل النار .
وأما الروضة التي رأيت فتلك جنة المأوى .
وأما الشيخ الذي رأيت ومن حوله من الولدان فهو إبراهيم وهم بنوه .
وأما الشجرة التي رأيت فطلعت إليها فيها منازل لا منازل أحسن منها من زمردة جوفاء وزبرجدة خضراء وياقوته حمراء فتلك منازل أهل عليين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً .
وأما النهر فهو نهرك الذي أعطاك الله [الْكَوْثَرَ] ( ) ، وهذه منازلك وأهل بيتك .
قال : فنوديت من فوقي يا محمد سل تُعْطه ، فارتعدت فرائصي ورجف فؤادي واضطرب كل عضو مني ولم أستطع أن أجيب شيئاً فأخذ أحد الملكين بيده اليمنى ، فوضعها في يدي والآخر يده اليمنى فوضعها بين كتفي فسكن ذلك مني ثم نوديت من فوقي : يا محمد سل تعط .
قال : قلت : اللهم إني أسألك أن تثبت شفاعتي وأن تلحق بي أهل بيتي وأن ألقاك ولا ذنب لي قال : ثم ولي بي ونزلت عليه هذه الآية { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً }( ) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فكما أعطيت هذه كذلك أعطانيها إن شاء الله تعالى) ( ).
(عن زيد بن أسلم، عن أبيه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطّاب ح يسير معه ليلاً .
فسأله عمر عن شيء فلم يجبه.
ثمّ سأله فلم يجبه.
قال عمر : فحرّكت بعيري حتّى تقدّمت أمام الناس.
وخشيت أن يكون نزل فيَّ قرآن.
فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : لقد أُنزلت عليَّ الليلة سورة لهي أحبُّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس، ثمّ قرأ {إِنَّا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر}( ))( ).
قانون القرآن سفير دائم
هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمفرده يقوم بتبليغ الرسالة ، وتلاوة آيات القرآن على الناس قبل الهجرة النبوية ، أم كان أهل البيت والصحابة الأوائل يبذلون الجهد في المقام .
المختار هو الثاني ، ولكن دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تختلف من جهة الكم والكيف والدلالة والموضوع والحكم والأثر ، ويصاحب دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حضور المعجزة الحسية إلى جانب العقلية في آية لم يشهد لها تأريخ الإنسانية مثيلاً ، فقد فاز أهل زمانه بدعوته لهم شخصياً ، ووجهاً لوجه ، ليلقى الذي يتخلف عن الإيمان اللوم والتوبيخ والعذاب في الدنيا والآخرة ، قال تعالى [فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ * بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ] ( ).
ومن إعجاز القرآن بقاء آياته وسوره في بلد التنزيل ، وهو مكة مع كونه سفيراً إلى مدينة يثرب والطائف والقرى والقبائل ، ويتلوه الركبان من المسلمين وغيرهم .
وهو من الكنوز المترشحة عن كلام الله عز وجل ، ونزوله من السماء ليبقى في الأرض إلى يوم القيامة .
وتتصف سفارة القرآن بأمور :
الأول : إنه سفير من عند الله إلى الناس جميعاً .
الثاني : القرآن رسول من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم للناس لدعوتهم إلى الإسلام ، قال تعالى [يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ]( ).
الثالث : ذهاب القرآن إلى الأماكن والبلدان المتعددة في ذات الوقف فاذا كان السفير إنساناً تكون وجهته محدودة كما بالنسبة لمصعب بن عمير أول صحابي يبعثه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم سفيراً ، وكانت وجهته يثرب (المدينة ) بعد بيعة العقبة الأولى .
ولقد قام بالإتصال بأهلها ودعاهم إلى الإسلام ، وأقام صلاة الجماعة، وكان مصعب بن عمير يعيش حياة رغيدة ، وتنفق عليه أمه الأموال في مأكله وملبسه لأنها كانت امرأة غنية ، ليهاجر بنفسه ، قال خباب (هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبتغي وجه الله تعالى فوجب أجرنا على الله فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد شيئا نكفنه فيه إلا نمرة كنا إذا غطينا رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا بها رجليه خرج رأسه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نغطي بها رأسه ونجعل على رجليه إذخرا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهد بها) ( ) ( ).
ولا تنحصر مسألة قلة الكفن يوم معركة أحد بمصعب بن عمير ، بل شملت عدداً من الشهداء منهم حمزة بن عبد المطلب عم النبي ، ومع شدة المصيبة فان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يواسي المسلمين بالبشارة بفتح خزائن الأرض لهم على صبرهم وتقواهم ، (قال خباب: كفن حمزة في بردة، إذا غطي رأسه خرجت رجلاه وإذا غطيت رجلاه خرج رأسه، فغطي رأسه وجعل على رجليه إذخر.
قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، قال أخبرنا محمد بن صالح عن يزيد بن زيد، عن أبي أسيد الساعدي، قال: أنا مع رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، على قبر حمزة، فجعلوا يجرون النمرة فتنكشف قدماه ويجرونها على قدميه فينكشف وجهه.
فقال: رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، اجعلوها على وجهه واجعلوا على قدميه من هذا الشجر، قال فرفع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رأسه فإذا أصحابه يبكون، فقال: ما يبكيكم؟
قيل: يا رسول الله لا نجد لعمك اليوم ثوبا واحدا يسعه.
فقال: إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف فيصيبون فيها مطعما وملبسا ومركبا، أو قال: مراكب، فيكتبون إلى أهلهم: هلموا إلينا فإنكم بأرض جردية، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كانت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة)( ).
وعمره أربعين سنة أو يزيد سنة أو يزيد قليلاً ، ويستشهد في معركة أحد، فوقف عليه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يرثيه (فقال: لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة ولا أحسن لمة منك، ثم أنت شعث الرأس في بردة.
ثم أمر به يقبر فنزل في قبره أخوه أبو الروم بن عمير وعامر بن ربيعة وسويبط بن سعد بن حرملة)( ).
ويدل نزول ثلاثة في قبر أحد شهداء أحد على عناية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة يومئذ بكل شهيد وتكفينه ودفنه .
ويدعو القرآن الناس في مكة والمدينة وغيرهما كل يوم إلى الإسلام والسلم وسبل الهدى .
الرابع : سفارة القرآن سابقة لدخول الأنصار الستة الأوائل الإسلام في العقبة في السنة الحادية عشرة .
الخامس : لقد اشتد أذى قريش على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، ولم يعلموا بعجزهم عن تنقل وانتقال القرآن بين القلوب والأمصار .
السادس : قانون القرآن علم سار به الركبان ، ولا يستطيع فرد أو جماعة أو سلطان وقف الخير المحض إذا انتشر في البلدان .
السابع : القرآن ليس خبراً في انتشاره إنما هو سفير وداعية سماوية إلى الله عز وجل تنفذ آياته إلى شغاف القلوب ، إذ يرى الناس تجلي واقع الحياة الدنيا وسبل الصلاح والفلاح بآيات القرآن .
الثامن : قانون عموم سفارة القرآن ، فليس من بلد تنحصر به سفارة البحرين ، ومن إعجاز القرآن الغيري سبق هذا السفير سنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأمصار .
التاسع : قانون نقل المؤمن والكافر آيات القرآن إلى عامة الناس ، وليس من كتاب يقوم عدوه بنقله مثل القرآن .
العاشر : قانون القرآن سفير عطاء لا ينضب ، ومن خصائص السفير أنه ينقل الكلام ، ويسمع ويتحاور ، ويأخذ ويعطي ، أما القرآن فهو كلام الله [لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ] ( ).
الحادي عشر : كل آية من القرآن حجة وبرهان ودليل .
الثاني عشر : قانون سفارة القرآن حاجة للناس .
الثالث عشر : يؤدي السفير وظيفته المأمور بها ، ويغادر المكان والبلد طوعاً أو قهراً وانطباقاً ، فليس من سفير يستديم وجوده في بلد إلا القرآن يتعاقب الناس في أيام الحياة الدنيا ، وهو يستقبلهم ويودعهم .
والقرآن شاهد عليهم ، وليس من سفير يكون شاهداً على الناس إلا التنزيل والنبوة ، وشهادته نطق بالحق والصدق يشهد للذي قام بتلاوته ، والذي عمل بأحكامه ، ويشهد على الذي جحد واستهزء به .
وقد وردت أحاديث في شهادة وشفاعة القرآن يوم القيامة منها ما ورد عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (إن هذا القرآن شافع مشفع وما حل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار) ( ).
وعن (أبي مالك الاشعري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: اسباغ الوضوء شطر الايمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، والتسبيح والتكبير تملأ السماوات والارض ، والصلاة نور ، والزكاة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك) ( ).
وفي خبر ضعيف السند (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال يمثل القرآن يوم القيامة رجلا فيؤتى بالرجل قد حمله فخالف أمره فيتمثل خصما له فيقول يا رب حملته إياي فشر حامل : تعدى حدودي ، وضيع فرائضي ، وركب معصيتي ، وترك طاعتي فما يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال فشأنك به فيأخذ بيده فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار.
ويؤتى برجل صالح قد كان حمله وحفظ أمره فيتمثل خصما له دونه فيقول يا رب حملته إياي فخير حامل حفظ حدودي وعمل بفرائضي واجتنب معصيتي واتبع طاعتي .
فما يزال يقذف له بالحجج حتى يقال شأنك به فيأخذ بيده فما يرسله حتى يلبسه حلة الاستبرق ويعقد عليه تاج الملك ويسقيه كأس الخمر ) ( ).
(عن الشعبي عن ابن مسعود قال يجيء القرآن يوم القيامة فيشفع لصاحبه فيكون قائدا إلى الجنة ويشهد عليه فيكون سائقا له إلى النار ) ( ).
والخبر مرسل لأن الشعبي لم يسمع من ابن مسعود .
والقرآن باق سفيراً وإماماً ويفوز من تلقي آياته بالقبول والرضا .
الرابع عشر : قانون النفع العظيم للقرآن على أهل البلد أو القرية التي يحل بها .
وحيث أن موضوع هذا الجزء هو (قانون آيات السلم محكمة غير منسوخة ) فان آيات القرآن تبقى في البلد الذي تصل إليه ولا تغادره ، لا تُنسخ ولا تبدل ولا يطرأ عليها تغيير أو زيادة أو نقيصة ، ليكون من وجوه تقدير موضوع قانون (القرآن سفير دائم ) بلحاظ عنوان هذا الجزء من التفسير بقاء ذات سنخية السلم ، وإعجاز آيات السفارة ، ونفاذها إلى القلوب ووضوح الحكم والرؤى في دعوة القرآن للسلم .
وعن الإمام الباقر عليه السلام (إن القرآن حي لا يموت، والآية حية لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الاقوام ماتوا ماتت الآية، لمات
القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين) ( ).
الخامس عشر : قانون القرآن إمام بصفة السفارة فهو يحارب الكفر والجحود ، ويمنع من الضلالة والفسوق ، وليس من سفير يكون إماماً إلا التنزيل ، إذ أبى الله عز وجل إلا أن يكون كلامه جامعاً للإمامة والسفارة الدائمة ، لأن فيه مصلحة عامة الناس ، ومنع من سيادة مفاهيم الضلالة والكذب ، وفي التنزيل ، قال تعالى [وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً] ( ).
ويحكي القرآن في سفارته عن نفسه بأن آيات السلم محكمة تدعو الناس في حال الرضا والشدة والألفة والخصومة إلى نبذ العنف وترك لمعان السيوف ولغة القتال .
السادس عشر : من رسالة القرآن في سفارته الزجر عن الإرهاب ، والمنع من إراقة الدماء ومن العنف .
وسفارة التنزيل شاهد على حب الله عز وجل لأهل البلد الذين يصل إليهم كلامه ، فيجب ألا يفرطوا بهذا الفضل واللطف الإلهي ،وقد يشمل ضرر التفريط الذرية والأبناء ، ولكن على نحو السالبة الجزئية ، لأن سفارة القرآن لا تغادر المكان ، ولا يضر بها جحود طائفة من الناس ، وكم من ولد وبنت دخلا الإسلام في حياة أبيهما الكافر ، ثم تعقبهما بدخوله كما في سهيل بن عمرو خطيب قريش وغيره .
والسفير في العرف السياسي هو الموظف الدبلوماسي الأول الذي يمثل بلاده في بلد آخر أو في منظمة دولية .
وليس من تأريخ معلوم لبداية نظام السفارة بين الدول إذ أنه ضارب في القدم ، وظهرت الدبلوماسية الحديثة في عصر النهضة في أيطاليا نحو سنة 1300 م وقد يكون هناك سفير غير مقيم بأن يمثل بلاده في بلدان متجاورة ، مع إقامته في أحدها وأهمها بالنسبة لدولته ، وقد يتم استدعاء أو سحب السفير المعتمد ، ولكن القرآن سفير مقيم في كل بلد ، ولا يستطيع أحد سحبه أو أخراجه .
ذم القرآن لأبي لهب
لقد نزلت سورة كاملة من القرآن في ذم أبي لهب ، وأولها قوله تعالى [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ] ( ) لبيان سخط الله عز وجل على أبي لهب وقيام الحجة عليه رؤيته معجزات النبوة عن قرب لإصراره على الكفر ، وقد يجعل كثيراً من الناس يحاكونه ، فقطعت سورة اللهب هذه المحاكاة ، ومنعت منها وإلا فان أبا لهب لم يشهد معركة بدر ، إنما بعث بديلاً عنه ، ولم يعش بعدها إذ مات بعد بضعة شهور من معركة بدر بوباء العدسة ، وهو قرحة أشبه بالطاعون .
(وعن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قرأ ” تبت ” أرجو أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة عن جعفر بن محمد عن أبيه الباقر عليهما السلام : قال مرت درة ابنة ابي لهب برجل فقال هذه ابنة عدو الله أبي لهب .
فأقبلت عليه فقالت ذكر الله أبي لنباهته وشرفه وترك أباك لجهالته ثم ذكرت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مالا سمعت فخطب الناس فقال ” لا يؤذين مسلم بكافر) ( ).
ولما عزمت قريش على الخروج إلى بدر بذريعة إنقاذ قافلة أبي سفيان مشى وجهائهم إلى أبي لهب فامتنع عن الخروج معهم ، وأبى أن (يبعث أحداً ) ( ) ولكن المشهور والمختار أنه بعث بديلاً عنه إذ (بَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ قَدْ لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ أَفْلَسَ بِهَا، فَاسْتَأْجَرَهُ بِهَا عَلَى أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ بَعَثَهُ فَخَرَجَ عَنْهُ وَتَخَلّفَ أَبُو لَهَبٍ) ( ).
ومن الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم دخول أولاد أبي لهب عتبة ومعتب ودرة في الإسلام ، وحضر عتبة ومعتب معركة حنين والطائف ، وثبت معتب في معركة حنين ، ولم ينهزم ، وفقئت عينه ،ولم يغادر مكة ، ولهما عقب .
فلكل من عتبة ومعتب ودرة صحبة أما أخوهم عتيبة فقد (قتله الاسد بالزرفا كافرا) ( ).
واسم أبي لهب بن عبد المطلب (عبد العزى، فقد كناه أبوه بذلك لحسنه وإشراق وجهه، وله من الأولاد ثلاثة ذكور وأنثيان: عتبة، وعتيبة، ومعتب، ودرة، وسبيعة – إن كانت غير درة – وإلا فالأربعة، أسلم الأول والثالث من الذكور – وهما من أم جميل حمالة الحطب ابنة حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب – أسلما يوم الفتح، وكانا قد هربا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولما قدم مكة عليه الصلاة والسلام قال: يا عباس، أين ابنا أخيك عتبة ومعتب لا أراهما؟
قال العباس: فقلت: يا رسول الله، تنحيا فيمن تنحى من مشيخة قريش.
فقال: اذهب إليهما فائتني بهما.
قال العباس: فركبت إليهما بعرفة فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوكما.
فركبا معي فقدما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدعاهما إلى الإسلام، فأسلما وبايعهما، وسر بإسلامهما) ( ).
وأختلف في سبيعة هل هي درة نفسها أم أنها أخرى (وأما درة بنت أبي لهب فأسلمت، تزوجها نوفل بن الحارث بن عبد المطلب( ).
فولدت له أبا سلمة والوليد وعقبة، وروت عن أبي هريرة أن أختها سبيعة بنت أبي لهب شكت إليه عليه الصلاة والسلام أذى الناس لها بقولهم لها بنت حطب النار: وقيل: إن سبيعة لقب لدرة فهي عينها لا غيرها) ( ).
ولقد هاجرت درة إلى المدينة ، ونزلت دار رافع بن المُعلى الزرقي ، فجلست معها نسوة من بني زُريق وقلن لها أنتِ بنت أبي لهب الذي قال الله فيه [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ] ( ) وقيل أنهن قلن لها (ما يغني عنك مهاجرك) وهو بعيد إنما ذكروا أبا لهب وذم الله عز وجل له في القرآن .
لقد كان إجهار أبي لهب في محاربة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم واتصاله مع الذين يدخلون مكة للحج والعمرة ليقول لهم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كذّاب , وهو عمه ليكون إفتراء أبي لهب هذا سبباً للتساؤل والشك وإثارة الريب في نبوته لأن أقرب الناس له ينفي ويكّذب هذه النبوة ، ولكن سلطان المعجزة قاهر للقلوب ، وصدق إيمان الإمام علي وحمزة وعدد من ذوي القربى، ورجالات قريش منع من إفتتان الناس بجحود أبي لهب ، وكان لسورة اللهب أثر عظيم في فضحه ، وبعث النفرة في نفوس الناس منه ، لبيان قانون فضل الله في صرف ضرر تكذيب الكفار بالأنبياء .
وكان الإمام علي عليه السلام فارس الإسلام في معارك الإسلام بدر، أحد ، الخندق ، حنين ، مما جعل الناس يشهدون بالوجدان أن ذوي قربى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتفانون في طاعة الله.
وأستشهد حمزة بن عبد المطلب في معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة ، وجعفر بن أبي طالب في معركة مؤتة في شهر جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة (اغسطس 629) م إذ استغلتها قريش فرصة لتنقض عهدها في صلح الحديبية فجاء بعدها فتح مكة .
بين المرأة والزوجة والصاحبة
من بدائع اللغة العربية وجود ألفاظ ذات جذور لغوية متقاربة تفيد معاني مختلفة ، ومن إعجاز القرآن أن هذا الإختلاف لم يتجل إلا في آياته ودلالاتها عند التدبر فيها .
وألفاظ المرأة والزوجة والصاحبة قريبة من المترادف ، ويمكن القول أنها مما إذا اجتمع افترق وإذا افترق إجتمع ( وهذا التعريف الإجمالي نؤسسه هنا .
ومن مصاديق إكرام الله عز وجل للمرأة أنه سمّى حواء زوجاً ، إذ لم يرد اسمها في القرآن ، بينما ورد ذكرها بصفة الزوج في آيات متعددة .
وبيّن القرآن علة خلق المرأة ، وهو صفة الزوجة بقوله تعالى [هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ] ( ) وإكرامها باقامتها مع آدم في الجنة آناً ما بأمر من عند الله ، إذ قال تعالى [وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ] ( ) .
وهل إكرام حواء باللبث المؤقت في الجنة خاص بها أم أنه شامل للنساء كافة ، المختار هو الثاني مما يملي على كل امرأة الشكر لله على هذه النعمة والتحلي بالتقوى .
وهذا السكن في الجنة وقبل الهبوط إلى الأرض نعمة ، لأن الله عز وجل خلق آدم ليكون [فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] ( ) .
وهل سكن آدم وحواء الجنة ومخالطتهما للملائكة بشارة اللبث الدائم في الجنة للمؤمنين والمؤمنات الذين يعملون الصالحات ، وبعيداً عن فتنة ابليس ومباهج الدنيا ، الجواب نعم .
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال ( قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: من سلم من أمتي من أربع خصال فله الجنة: من الدخول في الدنيا، واتباع الهوى، وشهوة البطن، وشهوة الفرج .
ومن سلم من نساء أمتي من أربع خصال فلها الجنة: إذا حفظت ما بين رجليها، وأطاعت زوجها، وصلّت خمسها( )، وصامت شهرها) ( ).
ونطرح هنا مسألة مستحدثة وهي تفضل الله عز وجل بأن جعل حواء سكناً لآدم لتكون برزخاً دون إنصات آدم لإبليس ، وليتعاونا في الإحتراز من الإفتتان بقوله وترغيبه بالأكل من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها ، الجواب نعم.
فان قلت قد أكلا منها ، والجواب إرادة التخفيف عن الناس بأن التعاون للإمتناع عن المعصية أفضل وأحسن حتى مع الوقوع في الزلل والخطأ ، لذا جعل الله عز وجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً ، وأمر سبحانه بالتعاون في الخيرات ، قال تعالى [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..] ( ).
ويجمع لفظ [النَّاس] الرجال والنساء ، وقد ورد النداء العام عشرين مرة في القرآن , منها قوله تعالى [يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] ( ) .
وفيه دعوة للتآلف بين الناس ، وإكرام المرأة كأم لعموم بني آدم .
وبين الناس وبني آدم عموم وخصوص مطلق ، إذ أن الناس أعم لأن آدم وحواء من الناس ،وليس من بني آدم ، ليكون من الإعجاز في الفرائض العبادية توجهها إلى الناس جميعاً ، كما في قوله تعالى [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً]( ) وقد وردت النصوص بقيام آدم بحج البيت الحرام .
و(عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كان البيت قبل هبوط آدم ياقوتة من يواقيت الجنة ، وكان له بابان من زمرد أخضر ، باب شرقي وباب غربي ، وفيه قناديل من الجنة ، والبيت المعمور الذي في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة حذاء( ) الكعبة الحرام .
وأن الله عز وجل لما أهبط آدم إلى موضع الكعبة وهو مثل الفلك من شدة رعدته ، وأنزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ كأنه بيضاء فأخذه آدم فضمه إليه استئناساً .
ثم أخذ الله من بني آدم ميثاقهم فجعله في الحجر الأسود ، ثم أنزل على آدم العصا ، ثم قال : يا آدم تخط .
فتخطى فإذا هو بأرض الهند ، فمكث هناك ما شاء الله ثم استوحش إلى البيت ، فقيل له : احجج يا آدم .
فأقبل يتخطى ، فصار كل موضع قدم قرية وما بين ذلك مفازة حتى قدم مكة ، فلقيته الملائكة فقالوا : بر حجك يا آدم ، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام .
قال : فما كنتم تقولون حوله؟
قالوا : كنا نقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وكان آدم إذا طاف بالبيت قال هؤلاء الكلمات ، وكان آدم يطوف سبعة أسابيع بالنهار) ( ).
وسُمي جبل المروة لأن المرأة وهي حواء هبطت عليه .
ولأن الملاك هو التقوى والخشية من الله عز وجل ، والمرأة مؤنث المرء ، وليس لها جمع ، إنما الجمع هو النساء ،وجمع القلة النسوة ، كما في قوله تعالى [وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ] ( ) .
وورد اللفظ [قَالَ نِسْوَةٌ] بصيغة التذكير لبيان الرفعة في إنكار الفاحشة ، واستهجان النسوة لمراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام.
ومن أسباب تسمية النساء هو النسئ والتأخير أي أن خلق المرأة جاء بعد خلق الرجل وهو آدم كما يدل عليه قوله تعالى [وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ..] ( ) ومنها أن حواء خلقت أُنساً لآدم .
ترى لماذا لم تقل الآية وخلق منها المرأة أو الأنثى أو الصاحبة ، الجواب لبيان وظيفة المرأة وهي الزواج وحسن التبعل ، وإرادة عمارة الأرض بكثرة النسل ، وطاعة الله .
ومن المعنى الإصطلاحي للفظ المرأة في القرآن الصلة الزوجية التي يفصل فيها التباين في الإعتقاد والسنخية .
ومن إعجاز القرآن أنه جاء من جهة الذم والمدح ، ففي ذم امرأتي نوح ولوط ورد قوله تعالى [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا] ( ) وهذه الآية هي الوحيدة التي تكرر فيها لفظ [اِمْرَأَةَ] مرتين لوحدة الموضوع في تنقيح المناط ، للزجر عن ظلم النساء ، وعن استصغارهن .
فمن النساء من تختار الإيمان وتثبت عليه ، وتعزف عن زينة الدنيا ، وما عند الكفار من المباهج .
وقال تعالى في الثناء على المرأة المؤمنة التقية [وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] ( ).
(عن سلمان قال : كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس ، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وكانت ترى بيتها في الجنة .
و(عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أرْبَع، مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بَنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم) ( ).
وقد ورد ذم امرأتين في القرآن ، وكل منهما زوجة نبي .
وكذا ذم القرآن امرأة عزيز مصر .
بينما ورد الثناء على (امرأة فرعون ) وهل فيه شاهد أو أمارة على ذم أكثر النساء ، الجواب لا ، إذ ورد الإكرام لمريم عليها السلام ، وذكرها الله باسمها في القرآن , وورد لفظ امرأة بخصوص أم مريم عليه السلام ، قال تعالى [ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] ( ) ووصفت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنهن أمهات المؤمنين ، وبالمدح والثناء على أهل البيت ، قال تعالى [رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ]( ).
وورد قوله [ذُرِّيَّةً] أعلاه لتنزيه والدي مريم ، والأئمة من أهل البيت عليهم السلام .
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قصّ الله علينا من خبرهما في القرآن { قالت رب ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة}( )( ).
وأفضل : اسم تفضيل يدل على الكثرة ووجود الفاضل والمفضول من النساء وكل على خير .
وليس من فصل دقيق بين الألفاظ الثلاثة ، المرأة والزوجة والصاحبة , وقد ورد الثناء بقوله تعالى [النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ] ( )، كما جاء بخصوص زوجة زكريا [قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ] ( ). وجاء الذم بلفظ [وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ] ( ) بخصوص امرأة أبي لهب .
نعم لفظ المرأة عنوان مستقل ، بينما الزوجة والصاحبة يتضمن معنى الإضافة ، ويمكن القول بين هذه الألفاظ عموم وخصوص من وجه ، وقد تلتقي أحياناً .
قانون تكليف الكفار بالفروع
لقد جعل الله عز وجل الحياة الدنيا دار امتحان وإختبار ووعاء ومناسبة لعبادته ، إذ يجب أن يعمر الناس الأرض بالصلاة وذكر الله ، واتيان الأوامر التي أمرهم بها ، وإجتناب ما نهاهم عنه .
ومن الآيات التي تدل عليه قوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ] ( ) ومنها الأمر الإلهي العام بوجوب أداء الصلاة واتيان الزكاة، والتذكير بأداء الأمم السابقة للفرائض العبادية ، ومنه قوله تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] ( ) ومنه قوله تعالى [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ] ( ).
فلم تقل الآية (ولله على المسلمين ) ولا على اتباع الأنبياء ، إنما وردت الآية بصيغة العموم ، مما يدل على شمول آدم بوجوب حج البيت الحرام ، إذ أنها لم تقل : ولله على بني آدم .
والإجماع على تكليف الكفار بأصول الدين ، والتسليم بالربوبية المطلقة لله عز وجل ، والإقرار بالنبوة والتنزيل والإستعداد لليوم الآخر كما أن الناس سواء في الجنايات والإتلاف ، ومتعلق الضمان إنما وقع الخلاف في أداء الفرائض العبادية كالصلاة والصيام والزكاة إذ يشترط قصد القربة في أدائها وفيه وجوه :
الأول : الكفار مخاطبون بالفروع وأداء الفرائض ، والأوامر والنواهي ، وهو المشهور والمختار .
الثاني : لم يكلف الكفار بالفروع .
الثالث : تكليف الكفار بالنواهي دون الأوامر .
الرابع : الكفار مكلفون بالأوامر دون النواهي .
الخامس : عدم تكليف الكافر الحربي دون غيره .
ومن الأدلة على الوجه الأول أعلاه نزول الأوامر من عند الله إلى الناس جميعاً بعبادته قال تعالى [يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]( ) .
ولقد صاحب الأمر من الله الناس من يوم خلق الله عز وجل آدم واهبطه إلى الأرض ، وفي التنزيل [قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى]( )، وفي نوح ورد قوله تعالى [لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ]( )، ومنه قوله تعالى [فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا]( ) .
والقائلون بعدم تكليف الكفار على وجوه في أدلتهم فمنهم من قال ترك تكليف الكفار عقلاً ، ومنهم من ناقش الأدلة السمعية على التكليف وأنها لا تشمل الكفار .
لقد جاءت آيات السلم في القرآن لدعوة الناس جميعاً لعبادة الله ، لذا يفرق القرآن بين أهل الكتاب والمشركين ، وأن الله عز وجل لا يرضى من المشركين إلا الإسلام ، لتكون أحكام الصلاة والزكاة والفرائض العبادية شاملة للناس جميعاً ، وهو موافق لعلة خلق الناس وهي عبادتهم لله عز وجل ، إذ قال سبحانه [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]( )، وتتجلى العبادة بالإيمان وأداء الفرائض والتكاليف .
جائزة أحسن القصص وجائزة أحسن الحديث السنوية
نحن نقص عليك أيها الرسول ، قال تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ] ( ) ومن خلفك الأمة أحسن القصص عن الغافلين عن هذه القصص والأخبار لا تعلم عنها شيئاً لبيان أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لم يأخذ آيات وعلوم القرآن من أحد .
وقصص القرآن هي الأحسن بصدقها ومتانة عبارتها ورونق صياغتها ، وهي نعمة من عند الله.
جعل الله عز وجل القرآن نوراً يهدي به من يشاء من عباده ، وأصل لفظ القصص أي اتباع الخبر بعضه بعضاً ، تذكر مفردات القصة شيئاً فشيئاً ، ويقال تلا القرآن أي قرأه آية آية .
أحسن القصص أي أفضل وأكمل ضروب البيان واتخاذها بلغة ، وأوفواها بالغرض ، وهل قصص القرآن من مصاديق قوله تعالى [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا] ( ) الجواب نعم .
ونقترح أن تكون هناك جائزتان :
الأولى : جائزة أحسن القصص.
الثانية : جائزة أحسن الحديث .
وقال الثعلبي ({أَحْسَنَ الْقَصَصِ} يعني قصة يوسف) ( ).
(قال سعد بن أبي وقاص : أُنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتلاه عليهم زماناً،
وكأنهم ملّوا فقالوا : لو قصصت علينا،
فأنزل الله تعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} الآية،
فقالوا : يا رسول الله لو ذكرتنا وحدثتنا فأنزل الله تعالى {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} الآية،
فقال الله تعالى على هذه الآية : أحسن القصص.
واختلف الحكماء فيها لم سميت أحسن القصص من بين الأقاصيص؟
فقيل : سماها أحسن القصص لأنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العبر والحكم والنكت ما تتضمن هذه القصة .
وقيل : سمّاها أحسن لامتداد الأوقات فيما بين مبتداها إلى منتهاها،
قال ابن عباس : كان بين رؤيا يوسف ومصير أبيه وأخوته إليه أربعون سنة .
وعليه أكثر المفسرين .
وقال الحسن البصري : كان بينهما ثمانون سنة.
وقيل : سماها أحسن القصص لحسن مجاورة يوسف إخوته،
وصبره على أذاهم .
وإغضائه عند الإلتقاء بهم عن ذكر ما تعاطوه .
وكرمه في العفو عنهم وقيل : لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين والأنس والجن والأنعام والطير .
وسير الملوك والمماليك .
والتجار والعلماء والجهال .
والرجال والنساء .
وحيلهن ومكرهن .
وفيها أيضاً ذكر التوحيد والعفة والسير وتعبير الرؤيا والسياسة وتدبير المعاش .
وجعلت أحسن القصص لما فيها من المعاني الجزيلة والفوائد الجليلة التي تصلح للدين والدنيا .
وقيل : لأن فيها ذكر الحبيب والمحبوب. وقيل : أحسن القصص هاهنا بمعنى أعجب) ( ).
والمختار أن المراد من أحسن القصص قصص القرآن كلها ،وليس قصة يوسف عليه السلام .
وفي اسم يوسف قولان :
الأول : إنه اسم عبري وهم يلفظونه (يَوْسِيف) .
الثاني : إنه اسم عربي من الأسى والحزن (الأسيفُ الغضبانَ)( ).
ومن الآيات أن الآية الثالثة بعد البسملة من سورة يوسف هي [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ] ( )ويوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم .
وتحتمل النسبة بين قوله تعالى [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ]( ) وبين [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ]( ) وجوهاً :
الأول : نسبة التساوي وهي أن أحسن الحديث هو أحسن القصص .
الثاني : نسبة العموم والخصوص من وجه ، وأن هناك مادة للإلتقاء وأخرى للإفتراق بينهما .
الثالث : نسبة العموم والخصوص المطلق ، وهو على شعبتين :
الأولى : أحسن الحديث أعم من أحسن القصص .
الثانية : أحسن القصص أعم من أحسن الحديث .
الرابع : نسبة التباين الموضوعي .
والمختار هو الشعبة الثانية من الوجه الثالث أعلاه ، فأحسن القصص من أحسن الحديث ، وكل آية من القرآن هي من أحسن الحديث ، وليس كل آية من أحسن القصص .
(عن الزهري : أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف ، فجعلت تقرأه عليه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يتلون وجهه فقال : والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم .
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن الضريس والحاكم في الكنى والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبد الله بن ثابت بن الحرث الأنصاري .
قال : دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكتاب فيه مواضع من التوراة .
فقال : هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب أعرضها عليك .
فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تغيراً شديداً لم أر مثله قط ، فقال عبد الله بن الحارث لعمر : أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
فقال عمر: رضينا بالله رباً ، وبالإِسلام ديناً ، وبمحمد نبياً .
فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ولو نزل موسى فأتبعتموه وتركتموني لضللتم ، انا حظكم من النبيين ، وأنتم حظي من الأمم) ( ).
قد جاء الجزء العاشر بعد المائتين خاصاً بقانون (التضاد بين القرآن والإرهاب ) وورد فيه مادة الإرهاب أكثر من (550) مرة في تحقيق علمي ، وبرهان قرآني على القبح الذاتي للإرهاب مع تعدد القوانين التي وردت في هذا الجزء وهي على قسمين :
الأول : القوانين التي ذكرت بالاسم فقط لتكون منهاجاً للعلماء في التخفيف والإستقراء ، وعددها هو (132) ( ).
الثاني : القوانين التي تضمنت البيان والتفصيل في الجزء (210) وهي :
الأول : قانون النداء القرآني زاجر عن الإرهاب من ص 30-38 .
الثاني : قانون الصلح ضد للإرهاب من ص43 -48 .
الثالث : قانون الإصطلاحات الشرعية حرب على الإرهاب من ص 48-58 .
الرابع : قانون التضاد بين الحكم التكليفي والإرهاب من ص 58-61 .
الخامس : قانون الإرهاب مناف للفطرة من ص 61-63 .
السادس : قانون إمتناع النبي عن معاقبة الكفار صبر على الإرهاب والأذى من ص 63-67 ، قال تعالى [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَي مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ] ( ).
السابع : قانون الصبر حصانة للنفس من الإرهاب من ص 67-69 .
الثامن : قانون حديث النبي (ص) من جوامع الكلم من ص 69-76 .
التاسع : قانون السور المكية إعلان للحرب على الإرهاب من ص 76-84 .
العاشر : قانون إخبار الكهنة عن البعثة النبوية من ص 88-94 .
الحادي عشر : قانون الصبر الوجودي من ص94-97 .
الثاني عشر : قانون صبر آدم دعوة للسلم من ص 97-100 .
الثالث عشر : قانون طريق الهجرة إعراض عن الإرهاب من ص 100-104 .
الرابع عشر : قانون تسمية الأنصار ضد الإرهاب من ص104-108 .
الخامس عشر : قانون مقدمات الحديبية دعوة متجددة للسلم من ص 112 -124 .
السادس عشر : قانون الصبر عند البلاء إزدراء للإرهاب من ص 128-132 .
السابع عشر : قانون البشارة النبوية عزوف عن الإرهاب من ص 134-140 .
الثامن عشر : قانون آية الرباط دفع للإرهاب من ص 143- 175 .
التاسع عشر : قانون وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرز من الإرهاب من ص 175-177 .
العشرون : قانون النهي عن الإرهاب قبل خلق آدم من ص 177-188.
الحادي والعشرون: قانون الدعاء ملاذ من الإرهاب من ص 188-193.
الثاني والعشرون : قوانين الجزء الخامس بعد المائتين ص 193 .
الثالث والعشرون : قانون (تُرْهِبُونَ بِهِ) ( ) زاجر عن الإرهاب من ص 262 -268 .
الرابع والعشرون : قانون (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ( ) حصانة من الإرهاب من ص 268-274 .
الخامس والعشرون : قانون المرابطة نقيض الإرهاب من ص 274 -284.
السادس والعشرون : قانون [ُُتُرْهِبُونَ بِهِ] دعوة للسلام من ص 284-294.
السابع والعشرون: قانون بعثة الأنبياء حصن من الإرهاب من ص 294-299 .
الثامن والعشرون : قانون إتصال بشارة وإنذار الأنبياء من ص 299-301.
وأختصس هذا الجزء المبارك بأحصاء القوانين الواردة في شطر من أجزاء هذا السِفر .
(عن عطاء عن جابر قال : (لما نزلت {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}( ) هرب الغيم إلى المشرق .
وسكنت الرياح .
وهاج البحر .
وأصغت البهائم بآذانها .
ورجمت الشياطين من السماء .
وحلف الله بعزته أن لا يسمّى اسمه على شيء إلاّ شفاه ولا يسمّى اسمه على شيء إلاّ بارك عليه،
ومن قرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}دخل الجنة) ( ).