وأد البنات لا يظهر من جديد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطـائي 

صاحب أحسن تفســــــــير للقرآن   

وأستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق                        العدد:203 

_____________                      التاريخ: 27/2/2012  

م/ وأد البنات لا يظهر من جديد

 

مع إنشغالي بكتابة وتصحيح الجزء الحادي والتسعين من التفسير والحمد لله، وإلقائي لمحاضرات البحث الخارج في الفقه والأصول والتفسير فقد وقفت عند نشر إحدى كبريات الصحف البريطانية يوم أمس خبرا بأن ثلاث مستشفيات عندهم تزاول إجهاض( ) المرأة إذا كان جنس المولود لا يرغب به الأبوان وهو في الغالب كما تقول الجريدة من جنس الأناث، مع حرمته قانوناً لعدم وجود ضرورة أو سبب عرضي كتشوه الجنين أو لإنقاذ الأم، وهو شرعاً جناية محرمة وتجب معه الدية كاملة لنفخ الروح في الجنين.

 

وكانت العرب تدفن البنات حية خشية لحوق العار بهم بإغارة العدو ووقوعهن في السبي, ومخافة الإملاق في سني الجدب، والمراد من الموؤدة أي البنت المدفونة حية، قال تعالى[وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ *بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ]  وبين القتل والوأد والقتل إزهاق للحياة بالتسبيب فعموم وخصوص مطلق، والوأد قتل بالدفن في الأرض وخاص بالبنات , وذكر أن الحامل إذا إقتربت حفرت حفرة، فإذا جاءها المخاض تجلس عليها، فإذا ولدت بنتاً رمت بها، وإذا ولدت إبناً ضَمّته(أي أن الزوج والزوجة يشتركان في الوأد) وذكر أن الرجل إذا ولدت له بنت ألبسها جبة من صوف أو شعر وتركها ترعى له الإبل والغنم لعدم العناية بها أو العطف عليها , وإذا أراد قتلها تركها إلى أن يبلغ طولها ستة أشبار( ) أو صار عمرها ست سنوات فيذهب بها إلى الصحراء ويلقيها في حفرة، ويهيل عليها التراب ,كما نهى الله عن قتل الأولاد خشية آفة الفقر[وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ] سورة الإسراء 31، ويدخل معه في الحرمة إسقاط الجنين لهذه العلة لوحدة الموضوع في تنقيح المناط.

وكراهية ولادة البنت عليه أكثر الأمم، ولكن هذه الكراهية على مراتب متفاوتة، وجاء الإسلام لمحاربتها بالأصل وليس الوأد فقط , قال تعالى[وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ] سورة النحل 58-59.

ويظهر أيضاً على نحو السالبة الجزئية بعدم إنصاف البنت في الميراث من غير راجح شرعي ، وقيام الآباء بالإحتيال في منعها وحرمانها من التركة بالوقف والحبس على الأولاد الذكور على نحو الخصوص، ومنهم من يلجأ إلى حمل البنات على إسقاط حقهن في الميراث عند وفاة المورث وحال الأسف والأسى على فقده أيام مجلس الفاتحة، والتي لا تهب حقها يهجرونها , وتسمى هذه المسالة في الفقه(هبة بنات القبائل) ويذهب بعضهم إلى حرمتها، ومنهم من يعدها من الإكراه.

وقالوا إن قريشاً لا تأد البنات ولكن ورد في بعض الأخبار ما يدل على وجود هذه الظاهرة عندهم وسئل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن العزل  فقال(ذلك الوأد الخفي)الدر المنثور 7/191، ولكن ورد عن جابر بن عبد الله أنه قال:كنا نعزل والقرآن ينزل)السنن الكبرى للبيهقي 7/228، والمشهور كراهة العزل، وفي المسألة(454) من رسالتي العملية(يجوز على كراهة ان تتعاطى الزوجة حبوب منع الحمل بإذن الزوج وبشرط ان لا تقتل البويضة بعد التلقيح وخلوها من الاضرار المعتد بها والتي لا تحتمل، ومن الكراهة بالعنوان الثانوي في زمان العولمة كما في قلة إنجاب المسلمين بالقياس للأمم الأخرى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(تزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم، وإن السقط ليرى محبنطئا بباب الجنة، فيقال له: ادخل، فيقول: حتى يدخل أبواي)المعجم الأوسط للطبراني 12/485، ويدل الحديث في مفهومه على أن السقط يبعث، وأن الذي يتم إجهاضه بغير حق يشتكي إلى الله وكأنه مقتول ذكراً كان أو أنثى.

ولم تسأل الموؤدة يوم الحشر عن قاتلها بل تُسأل عن الذنب الذي فعلته لتقتل، وفيه زيادة في التخويف والوعيد فتقول ليس لي ذنب، فتقوم الحجة على القاتل، فتتعلق الموؤدة بأبيها فتقول بأي ذنب قتلتني، وكان ذوو الشرف يمتنعون ويمنعون منه.

وقيل أيقتل أحدهم بنته ويغذو كلبه) ، لقد نزل القرآن لتثبيت الصلاح في الأرض، وفيه بيان وتوكيد لعظيم فضل الله على النساء بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وأخرج الطبراني عن صعصعة جد الفرزدق قال قلت يا رسول الله إني عملت أعمالاً في الجاهلية فهل فيها من أجر أحييت ثلثمائة وستين من الموؤدة أشتري كل واحدة منهن بناقتين عشراوين وجمل فهل في ذلك من أجر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” لك أجره إذ منَّ الله تعالى عليك بالإسلام)الدر المنثور 10/206.

وهل تشمل عمومات آية الوأد الإجهاض المتعمد للحمل بسبب كونه أنثى وليس ذكراً، الجواب نعم، إذ أن هذا الإجهاض عملية مستحدثة ومترشحة عن الإكتشافات العلمية والطبية الحديثة، وأصل هذا الإجهاض كراهية ولادة البنت مع إنعدام الغزو والنهب والإسترقاق في هذا الزمان، وفيه تأكيد لإعجاز القرآن وعالميته، وملائمة أحكامه لكل الأزمنة، وإستحضار حرمة وأد البنات وموافقتها للقوانين الوضعية وحقوق الإنسان ومحاربة العنف ضد المرأة والأطفال مصداق لقوله تعالى[وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]سورة الأنبياء 107، وبيان أن آية الوأد لم تأت بخصوص العرب أو زمان التنزيل، بل هي تهذيب للنفوس، وإصلاح للمجتمعات، وحاجز دون التمييز ويتجلى في هذا الزمان تنزه المسلمين والمسلمات عن الوأد وإحترازهم من الإجهاض، ولا عبرة بالقليل النادر منهم الذي يلوم نفسه ويدرك أن إقدامه على الإجهاض معصية وإثم يستلزم الإستغفار , وهذا التنزه زاجر وبرزخ دون تجدد الوأد في أقطار الأرض، وهو من عمومات قوله تعالى[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ]سورة آل عمران 110 .

 ولقد كانت معجزات الأنبياء السابقين حسية، كناقة صالح، وعصا موسى، وإبراء عيسى عليهم السلام الأكمه والأبرص ، أما معجزة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم القرآن فهي عقلية ومنها إنقطاع الوأد وأشكاله المستحدثة وإلى يوم القيامة بآية الوأد التي تتكون من بضع كلمات لتكون برسمها وتلاوتها ومصاديقها المتجددة في كل زمان حجة وبرهاناً حاضراً على صدق نبوته.

 

 

 

      حُرر في النجف الأشرف                صالح الطائي

         5 ربيع الثاني1433

مشاركة

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn