وحدة فتوى رؤية الهلال

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الى / الاخوة المسلمين والمسلمات ومؤسساتهم الدينية في امريكا واوربا
م / وحدة فتوى رؤية الهلال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي ملأ الآفاق بآيات كونية تدل على بديع صنعه وتهدي الى الإيمان ومنها القمر الذي ابتلاه الله عز وجل بالزيادة والنقصان، والظهور والأفول، لإثبات حاجة القمر، والإحتياج ملازم لعالم الإمكان، ولتوكيد عدم اهليته لإفاضة الوجود او العدم لذاته  او لغيره، فيخبر بنفسه عن انقياده القهري لمقام الربوبية ومشيئة الباري سواء على منهج الطبيعيين بلحاظ النظر الى طبيعة الحركة ولزوم وجود مؤثر يحركه، او قواعد المتكلمين باعتبار ان حدوث عالم الماديات وما فيه من الأجسام والأفلاك والعناصر وقانون التغير المتصل الذي يتغشاها  امور تستلزم الصانع الفاعل المختار.
وفي فترات انقطاع النبوة وقف الإنسان متحيراً ازاء ما تحمله من عناصر الطبيعة من العظمة، فجعل البابليون القمر أحد آلهتهم واسمه عندهم (سن)، وقدسه الهنود القدامى وسموه رب الليل وورد بهذا الإسم في اشعارهم، ونظر اليه العرب في الجاهلية باجلال وهيبة وكان يسمى عندهم (ود)، وجاء الاسلام ليحارب الوثنية في كل الميادين ويبين وظائف القمر، اذ تفضل سبحانه وجعل الأهلة وسيلة لتنظيم المعاملات والآجال كالديون، والعبادات كالصيام والحج وتهيئة مقدماته وليكون آية وسبباً للإعتبار والتفكر والإتعاظ.
وراود حدث جارية عن نفسها، فقالت: الا تستحي؟ فقال: ممن؟ وما يرانا الا الكواكب فقالت: واين مكوكبها.
واحكام الهلال عنوان متجدد لوحدة المسلمين والتقائهم في أداء المناسك والعبادات من تحديد اوان الصوم واطلالة العيد والإفطار بنص قرآني ووثيقة سماوية جامعة مانعة تتصف بالحكمة والدقة وتساهم في منع الإختلاف والإجتهاد وتعدد التأويل باول الصوم أو مدته، واعتماد الهلال شاهد على انتفاع المسلمين من الآيات الكونية وعنوان شكر لتفضله تعالى بتسخير الآيات وما في السماوات والأرض لبني آدم.
ولقد آلمني ما أصاب المسلمين في الغرب من الإرباك قبل عامين بسبب تعدد الأقوال في تحديد اوان الإفطار والإحتفال بعيد الفطر نتيجة لإختلاف فتاوى الهلال يومئذ عند المرجعيات الإسلامية، وهذا الإختلاف صغروي راجع الى المبنى والإجتهاد فكل على صواب، ولكنه اصبح بالعنوان الثانوي يمثل عبئاً ثقيلاً من خلال ما افرزته العولمة والتداخل الحضاري ووسائل الإتصال السريعة واحتمال إستغلاله كظاهرة متجددة للفرقة بين المسلمين وما قد يترتب عليه من اثر واقعي ضار.
ولقاعدة تقديم الأهم على المهم وقاعدة لا ضرر ولا ضرار وقاعدة نفي الحرج في الدين واحكام الشريعة المبنية على الإمتنان ولموافقة الرغبة النوعية العامة في جعل العيد مناسبة للوحدة الإسلامية خصوصاً وانه متعلق بحقائق كونية ثابتة ولقواعد الإستهلال واحكام الشريعة الخالية من اسباب التعارض ولموضوعية ولزوم التصدي لبذور الفتنة والفرقة الطائفية، ولأولوية رفعة الإسلام ووحدة المسلمين، وللإحتراز والوقاية من تفخيم الإختلاف في الصيام والإفطار…… والظاهر ان اتحاد أوان بدء الصيام والإفطار في الغرب ذو خصوصية عقائدية واجتماعية واخلاقية…أرجو من المرجعيات الإسلامية في النجف الأشرف وقم المقدسة والرياض والأزهر الشريف والزيتونة وغيرها عدم الزام المسلمين في الغرب بالرجوع اليها في ثبوت الرؤية اذا كان هذا الإلزام من التشديد والمرجوح……وأدعو جميع العلماء ورجال الدين والمؤسسات الإسلامية والمسلمين كافة في بلدان الغرب للإتفاق على رؤية هلال شهر رمضان وشوال في كل سنة سواء تم الإتفاق بالتنسيق والتشاور عبر الوسائط المناسبة او بمؤتمر خاص لتحديد قواعد وكيفية ثبوت الهلال من غير غبن او تجاهل لرأي جماعة او فئة منهم، ولا بأس بحضور ممثلين للمرجعيات الإسلامية فيه وصياغة قواعد كلية ثابتة مستنبطة من عمومات قوله تعالى [فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَهْرَ فَلْيَصُمْهُ] والنصوص المستفيضة في السنة الشريفة وقد بينا شطراً منها في الجزء الرابع عشر من تفسيرنا الذي لم يتضمن الا تفسير آيات الصيام الخمس من سورة البقرة.
ومن تلك القواعد على سبيل المثال وليس الحصر:أ  -الإتفاق على اعتماد صيغة معينة في الرؤية من الوجوه الآتية:        

ب-رؤية كل من اوربا وأمريكا على نحو الانفراد.
ج-على نحو الاجتماع.            د-الإطلاق المكاني أي اذا ثبت في أحد بلدان العالم يثبت في أوربا وأمريكا.
هـ-تحديد عدة مرجعيات والإكتفاء باحداها او بعدد مخصوص منها. ج- أية صيغة اخرى يحصل الإتفاق عليها.
1-حث المسلمين على الإستهلال مع تزويدهم عبر الإنترنت ووسائل الإتصال الأخرى بمعلومات عن الهلال والترغيب بالإستهلال وتحديد اماكن واوقات ثابتة لتلقي الشهادات.
2-اعتماد شاهدين عدلين لثبوت الهلال، كحكم ظاهري عند تعذر الحكم الواقعي المجعول للأشياء كرؤية الشخص نفسه للهلال التي لا يحتاج معها للبينة او حكم الحاكم.
3-الإتفاق على صفة الشهود ومفهوم العدالة على نحو اجمالي فهي صفة نفسية وملكة مباركة تبدو آثارها واضحة على سلوك الشخص وافعاله بالسمت الصالح والإستقامة في الطريقة وحسن السمعة والظاهر ومن اهم مصاديق العدالة الإلتزام باتيان الواجبات العبادية وحضور الجماعات واجتناب المحرمات بوعي.
4-عدم اعتبار التظني في الهلال، فالظن لا يجزي في المقام وعدم حجية قول الإرصاد الفلكي وان اتصف في هذا الزمان بالدقة العرفية لأن مدار التكليف على الرؤية البصرية، نعم يمكن الإستئناس باخبار الرصد الفلكي في تحديد موقع الهلال ومعرفة ولادته وارتفاعه في الأفق والقسم المضيء منه ومدة بقائه بعد غروب الشمس او عدمها واتخاذها مقدمة وعوناً لرؤيته بالعين غير المسلحة.
5-ان التطويق لا يثبت ان الهلال لليلتين وكذا بقاء الهلال الى ما بعد الشفق، ولا يثبت الهلال بالجدول وهو حساب مستقرأ من سير القمر، اما اذا انقضت ثلاثون يوماً على الهلال فان اليوم التالي من الشهر الآخر، لأن الشهر القمري لا يقل عن تسعة وعشرين ولا يزيد على ثلاثين يوماً.
6-قد يخرج عن القواعد والضوابط التي يتفق عليها في رؤية الهلال جماعة او مؤسسة فتعتبر اليوم التالي اكمالاً للعدة او عيداً خلافاً للغالبية هناك رغم اجتماع الشرائط ووجود المقتضي وفقد المانع، فيجب عليها عدم اظهار الخلاف، كما لا يجوز التشهير بافرادها او عزلهم في السنوات التالية.
7-لقد اختلف علماء كل فرقة من فرق المسلمين فيما بينهم في مسألة ثبوت الهلال لبلد غير بلد الرؤية مما يدل على ان المسألة اجتهادية، والهلال نوع طريقية لإثبات الحكم الشرعي، فمنهم من قال اذا رؤي الهلال في بلد فانه يثبت في بلد آخر ولو اختلف أفقهما وانه لا عبرة باختلاف المطالع ومنهم من اعتبر اتحاد الأفق بين البلدين، ومنهم من اشترط القرب بين البلدين دون المتباعدين، ومنهم من قال: اذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم.
وصحيح ان الفتاوى آنذاك تتعلق ببلاد المسلمين ما بين خراسان والأندلس الا انها جاءت بصيغة الإطلاق.
وفي الجزء الثاني من رسالتنا العملية (الحجة) حررنا مسألة وهي: الأقوى ان ثبوت رؤية الهلال في بلد يكفي لثبوته في غيره من البلدان الا ان يكونا متباعدين بحيث لا يجمعهما ليل واحد.
ان هذا التعدد في الاقوال يخفف عن علماء المسلمين في الغرب مسألة الإتفاق على قواعد ثابتة ولو لبضع سنين وينظر فيما بعد بصلاحيتها وما يواجهها من المشاق، ومن الضروري الرجوع الى قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فان غم عليكم فاتموا العدة”، ومراجعة المرجعيات الإسلامية قبل الإتفاق على صيغة وقواعد ثابتة للزوم الصدور عنها في الفتوى، والله ولي التوفيق.

حرر في الأول من شعبان 1424                                                                              صالح الطائي
           النجف الأشرف

 

مشاركة

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn