الحمد لله الذي أنعم علينا بصدور الجزء (263) من كتابي(معالم الإيمان في تفسير القرآن) في آية علمية لم يشهد لها التأريخ مثيلاً ، وأقوم بالتأليف والمراجعة والتصحيح بمفردي بمدد من عند الله عز وجل ، ونطبع أجزاءه المتتابعة على نفقتنا الخاصة والحمد لله ، مع أنه من أفضل موارد الخمس والحقوق الشرعية , وعنوان هذا الجزء هو (التضاد بين القرآن والإرهاب) فهل يلحق حرق المضائف عمداً بالإرهاب , خاصة مع ما فيه من الضرر والكدورة والنفرة والإستهجان العام .
وذكرت في هذا الجزء إنشاء المسلمين لملايين المنابر في المساجد ودور العبادة والمضائف , وحتى في البيوت ففيه تعظيم شعائر الله .
وعدد المساجد في العالم نحو ثلاثة ملايين وستمائة ألف مسجد ، وفي اندنوسيا وحدها تسعمائة ألف مسجد.
وفي كل مسجد وحسينية منبر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد لا تجد أحداً في العالم يجرأ على حرق منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أولئك الذين يحرقون المضائف عندنا ظلماً وتعدياً ، وأعلنت بعض وسائل الإعلام اليوم عن حرق ثلاثة مضائف وأشجار نخيل في إحدى نواحي مدينة الناصرية العزيزة , في نزاع بين طائفتين من عشيرة واحدة ، لذا يحرم حرق المضائف عند النزاع , خاصة وأن أسبابه في الجملة شخصية .
ومن أيام العرب في الجاهلية حرب البسوس التي استمرت نحو أربعين سنة , وأقل قول في مدتها سبع سنوات (577-571) قبل الميلاد بسبب قتل ناقة.
وجرت بين قبيلتين تغلب وبني مرة ، وفي أعداد القتلى فيها نوع مبالغة فقيل أن عددهم في أيامها مائة ألف ، ولكنها كانت أيام قتال متفرقة .
ويوم داحس والغبراء لإرادة المعارك التي وقعت بين قبيلة عبس وذيبان ، وكل منهما فرع من قبيلة غطفان.
وداحس فرس لقيس بن زهير ، والغبراء فرس لحذيفة بن بدر ، وقعت الحرب بسبب سباق بينهما واستمرت هذه الحرب نحو عشرين سنة , وحرب بعاث ، لبيان فضل الله عز وجل على العرب والمسلمين برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وانقطاع هذه الحروب ، قال تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ].
ويتصف أهل العراق بالكرم والجود فشيدوا عبر التأريخ المضائف طلباً لمرضاة الله عز وجل وإكرام الضيف ، ومرآة لكرم أهل البيت ، وفي النبي إبراهيم عليه السلام وهو من أهل العراق (ولد في أور الناصرية) نزل قوله تعالى [فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ] وفي آية أخرى [بِعِجْلٍ حَنِيذٍ] أي نضيج مشوي بالحجارة وسخونة الحصى ، إذ دخل عليه أربعة من الملائكة , وكان يظن أنهم من البشر ولكنه استغرب فلم تكن عليهم مظاهر السفر وعنائه ، وقام بخدمتهم بنفسه وزوجته سارة معه ، وكذا خدمة الضيوف في مضائف أهل العراق إلى يومنا هذا .
وتجلت هذه الخصلة الحميدة بأبهى صورها في فتح المضائف لزوار الحسين عليه السلام ، ويتجلى قانون المضائف مرآة لكرم أهل البيت , وقانون المضائف تعاهد للخلق الحميد ، ورجاء للثواب والأجر .
والمضيف محل لأداء الصلاة جماعة وفرادا ، ومناسبة لإجتماع الناس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحلّ الخصومات .
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه الله من ثلاث جنان.
وفي حديث للإمام الصادق عليه السلام أنه إذا دخل الضيف (منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك) أي تمحى هذه الذنوب ، وفي التنزيل [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ].
ومن عادة أهل العراق أنه في كل مضيف منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للخطابة والوعظ وإحياء مصيبة كربلاء .
ولا تختص المضائف في العراق بالقرى ، فلها أولوية في تخطيط وبناء المساكن في المدن مع العناية الخاصة المتصلة بها , وإن صارت في الغالب جزء من بناء الدار إلا أنها في مقدمته بينما المضائف في القرى مستقلة شامخة , وتبنى من القصب أو الطابوق .
وقد كان للمرحوم والدي مضيف في محاذاة شارع الحبوبي في الناصرية ومجاور لجامع الشيخ حسن الخويبراوي ، يرن فيه هاون القهوة عصراً أمارة على استقبال الضيوف .
ويبيت فيه بعض خطباء المنبر الحسيني القادمين من النجف الأشرف للتوجه إلى الأطراف والقرى.
ويجب أن تكون المضائف بمعزل عن الخصومات ، وأجنبية عنها لحرمتها الخاصة .
كما أدعو الخطباء والعشائر العراقية ووسائل الإعلام للتنبيه على حرمة حرق المضائف .
وهل تحضر المضائف يوم القيامة للشهادة ، الجواب نعم , فانها تشهد لمن صلى وتلا القرآن ومن عظّم شعائر الله فيها , واحيى واقعة الطف للموعظة والصلاح فيها ، وهل تشهد المضائف يومئذ على الذي قام بحرقها ، وحرق المنابر وشواهد الضيافة والذكر ، المختار نعم ، وبالمناسبة صدر لي هذا اليوم والحمد لله الجزء الأول من (قوانين البرزخ) لبيان جانب من أهوال الآخرة ، قال تعالى [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ].
العدد : 279/24 في 5/10/2024 marjaiaa يرجى النشر