معالم الإيمان في تفسير القرآن – الجزء- 264

المقدمــــــة
الحمد لله الذي كان ولم يكن شئ معه و[هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ]( ) الذي يجيب دعوة المضطرين .
الحمد لله الذي كان عرشه على الماء ثم خلق السماء والأرض ، وقال تعالى [وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ]( ).
الحمد لله على آلائه ونعمه ، وتفضل وأمرنا بأن نحمده ونشكره ، ليكون هذا الأمر وامتثالنا له من أعظم النعم على الناس ، وأنزل سورة الفاتحة من بين أوائل السور التي أنزلت على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة ، ولتكون قراءتها سبع عشرة مرة في اليوم والليلة واجبة على كل مسلم ومسلمة وجوباً عينياً ، وهو من مصاديق إكرام المسلمين ، والأجر العظيم بتوالي نزول فضل الله عز وجل عليهم .
فصحيح أن ذات نزول القرآن نعمة عظمى ، وفضل من الله إلا أنه سبحانه ينزل معه فضلاً عظيماً ورزقاً كريماً ، وهو الذي يتجلى بشواهد عديدة من الفيض والبركة فتتغشى المسلمين في كل زمان ، فلله الحمد على كل نعمة ظاهرة أو مستترة .
وأيهما أكثر النعم الظاهرة أم المستترة ، المختار هو الثاني لقوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا]( ) ويعجز الناس ولو اجتمعوا عن الإحاطة بالنعم على العباد وعن إحصائها من باب الأولوية .
وآيات القرآن كلام الله وهي نعمة ظاهرة ، وهل تصاحبها نعم مستترة ، الجواب نعم .
ونسأل الله عز وجل استدامة وزيادة النعم مع إقرارنا بتزاحمها وأنها جاءت ابتداءً وفضلاً من عند الله ، ليس عن إستحقاق منا .
وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانٍِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ سَمِعْتُ مُتَكَلِّمًا يَقُولُ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ إِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ عَلَانِيَتُهُ وَسِرُّهُ فَأَهْلٌ أَنْ تُحْمَدَ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جَمِيعَ مَا مَضَى مِنْ ذَنْبِي وَاعْصِمْنِي فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِي وَارْزُقْنِي عَمَلًا زَاكِيًا تَرْضَى بِهِ عَنِّي .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ذَاكَ مَلَكٌ أَتَاكَ يُعَلِّمُكَ تَحْمِيدَ رَبِّكَ)( ).
وفيه مسائل :
الأولى : قانون بركة الصلاة ، وتلاوة القرآن فيها .
الثانية : اشتراك الملائكة مع الصحابة الأوائل في دعائهم وصلاتهم .
الثالثة : تلقين الملائكة للمؤمنين وجوهاً من الدعاء ، وصيغ الإستغفار.
الرابعة : بيان قانون حاجة المسلمين والمسلمات للدعاء والإستغفار.
الخامسة : قانون إنتفاع المسلمين من الملائكة في الدنيا والآخرة ، والذي ابتدأ من اختلاط آدم عليه السلام وحواء مع الملائكة في الجنة ، ثم صيرورة الملائكة وسائط الوحي إلى الأنبياء ، قال تعالى [وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ]( ).
السادسة : ترك الملائكة هذا الدعاء وثيقة سماوية عند أجيال المسلمين المتعاقبة .
السابعة : قانون النعم المصاحبة لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثامنة : بعث المسلمين للعمل الصالح الذي يرضي الله عز وجل، وفي التنزيل أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
الحمد لله الذي أفاض علينا بالنعم ، وتجلت الآيات الكونية الباهرة لتدعونا إلى الإيمان ، وعن ابن عمر قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله)( ).
وقال ابن عباس (إن قوما تفكروا في الله عز و جل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفكروا في خلق الله ، ولا تفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره .
وخرج رسول الله ذات يوم على قوم يتفكرون فقال ما لكم تتكلمون فقالوا نتفكر في خلق الله عز وجل ، فقال وكذلك فافعلوا تفكروا في خلقه ولا تتفكروا فيه)( ).
الحمد لله على نعمة الحياة الطيبة ،واستدامتها لأداء الفرائض العبادية ، ومن أظهرها الصلاة خمس مرات في اليوم ، لتكون كل أجزاء وأركان كل صلاة شكراً متصلاً لله عز وجل ، وحمداً على نعمة العافية والحياة ، وذات أداء الصلاة عن قيام أو جلوس أو اضطجاع عند تعذر القيام نعمة عظمى ، وهي حمد فعلي لله ، لذا ورد الثناء على المؤمنين بقوله تعالى [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( ).
الحمد لله الذي جعل الحياة الدنيا دار امتحان واختبار وابتلاء ، وله الحمد على الأذى في سبيله الذي تذكره آية البحث [وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي] لما فيه من الصبر في مقامات الهدى والأجر والثواب .
الحمد لله عدد ذرات الرمال ، وعدد الحركات والسكون في عالم الأكوان ، وعدد ترليونات الأفلاك والنجوم .
الحمد لله الذي جعل الحمد له إشراقة تزيح الكدورة عن النفوس ، وتبعث على الأمل والسعي في مسالك الحياة ، واتخاذ الإستقامة منهاجاً ، ليكون الحمد لله من مصاديق الصراط في قوله تعالى [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ]( ) .
الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ، وجعلنا ملوكاً في بيوتنا ، ومنحنا العز بفضل منه تعالى ، وفي التنزيل [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ]( ).
الحمد لله الذي جعل أكثر أيام الدنيا أمناً وسلامة لكل إنسان ، وجعل الخير قريباً من الناس ، وحجب الشر والضرر بحواجز عن الناس ، مع أن كلاً من الخير والضرر مناسبة لذكر الله عز وجل ، والثناء عليه والدعاء.
الحمد لله الذي جعل قانون الإستجابة يتغشى أهل الأرض ، وهو موضوع الآية التي يتضمن بيانها هذا الجزء وهو الرابع والستون بعد المائتين من كتابي المبارك (معالم الإيمان في تفسير القرآن).
إذ يختص هذا الجزء بتفسير الآية القرآنية [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ]( ) .
الحمد لله الذي أفاض علينا النعم ، وليس من نعمة عند الخلائق إلا منه تعالى .
الحمد لله الذي جعل الحمد له سبحانه من أعذب الألفاظ .
و(عن أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر به وهو يحرك شفتيه فقال ماذا تقول يا أبا أمامة قال أذكر ربي قال ألا أخبرك بأفضل أو أكثر من ذكرك مع النهار والنهار مع الليل أن تقول .
سبحان الله عدد ما خلق ، سبحان الله ملء ما خلق ، سبحان الله عدد ما في الارض والسماء سبحان الله ملء ما في السماء والارض سبحان الله ملئ ما خلق .
سبحان الله عدد ما أحصى كتابه وسبحان الله ملئ كل شئ.
وتقول الحمد لله مثل ذلك)( ).
وتدل خاتمة الحديث على إعادة كل فقرة من الدعاء باستبدال سبحان الله بالحمد لله ، فيقول الحمد لله عدد ما خلق ، الحمد لله ملئ ما خلق … وهكذا.
لبيان حاجة الإنسان لقانون ملازمة التسبيح والحمد لله للإنسان لقانون النجاة في النشأتين بذكر الله والثناء عليه وتلاوة آيات القرآن وأداء الفرائض العبادية.
سبحان الله على نزول كل آية من القرآن لأنها نعمة عظمى ، وكذا صلة الآية القرآنية بالآيات الأخرى نعمة متجددة ، وباب لإستقراء الدروس والمسائل والقوانين منها إلى يوم القيامة .
ويتضمن هذا الجزء المبارك (150) قانوناً مستحدثاً ، ومستقرأة من مضامين آية البحث ، قال تعالى [فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ]( ).
حرر في السابع والعشرين من شهر جمادى الأولى 1446هـ
30/11/2024

قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ] الآية 195.
الإعراب واللغة
(الجمهورُ : أُضيع من أضاع, وقرىء بالتشديد والتضعيف، والهمزةُ فيه للنقل كقوله :
كمُرْضِعَة أولادَ أُخرى وضَيَّعَتْ…بني بَطْنِها هذا الظلالُ عن القصدِ)( ).
و(قرأ حمزة والكسائي وخلف وقتلوا وقاتلوا بتقديم الفعل المبني للمفعول به على الفعل المبني للفاعل والتخفيف وقرأ الباقون بتقديم قاتلوا على قتلوا وشدد التاء من قتلوا ابن كثير وابن عامر)( ).
والمدار على المرسوم في المصاحف بتقديم القتال على القتل .
فاستجاب : الفاء استئنافية .
استجاب : فعل ماض مبني على الفتح .
لهم : اللام حرف جر ، و(هم) ضمير في محل جر ، متعلق بفعل استجاب.
ربهم : ربّ : فاعل مرفوع بالضمة ، وهو مضاف ، والضمير (هم) مضاف إليه .
أني : أن حرف مشبه بالفعل ، الياء ، ضمير في محل نصب اسم أن ، يعود لله عز وجل .
لا أضيع : لا نافية ، أضيع : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره ، والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنا) يعود لله عز وجل .
عمل عامل : عمل : مفعول به منصوب بالفتحة ، وهو مضاف ، عامل : مضاف إليه مجرور بالكسرة .
منكم : من : حرف جر ، (كم) ضمير في محل جر متعلق بمحذوف صفة لعامل .
من ذكر : (من) حرف جر ، ذكر اسم مجرور بالكسرة.
أو أنثى : أو : حرف عطف ، أنثى : اسم معطوف على ذكر مجرور مثله ، وعلامة الجر الكسرة المقدرة على الألف .
بعضكم : بعض : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره ، و(كم) ضمير مضاف إليه .
من بعض : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ .
فالذين : الفاء استئنافية ، الذين : اسم موصول مبني في محل رفع مبتدأ.
هاجروا : فعل ماض مبني على الضم ، واو الجماعة : فاعل .
واخرجوا : الواو حرف عطف واستئناف ، أخرجوا : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم ، واو الجماعة : نائب فاعل .
من ديارهم : من : حرف جر ، ديار : اسم مجرور بالكسرة متعلق باخرجوا ، و(هم) ضمير مضاف إليه .
وأوذوا : الواو حرف عطف واستئناف ، أما العطف فلاجتماع الهجرة مع تلقي الأذى ، واجتماع الهجرة والإخراج من الديار وإيذاء المشركين لهم ، وأما الإستئناف فتلقي طائفة من الصحابة الأذى من غير هجرة وإخراج من الديار ، كما في الأنصار ، وتحملهم المشاق لإيواء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمهاجرين في المدينة ثم دخولهم الحرب والقتال مع المشركين .
أوذوا مثل أخرجوا من جهة الإعراب .
في سبيلي : في : حرف جر ، سبيل : اسم مجرور بالكسرة ، وهو مضاف ، و(الياء) ضمير مضاف إليه .
وقاتلوا : الواو حرف عطف ، وهو حرف استئناف ، أما العطف فلأن رهطاً من الصحابة تلقوا الأذى وقاتلوا في سبيل الله ، أما الإستئناف فيتعلق بطائفة من الصحابة لم يهاجروا ولم يتعرضوا للأذى ، ولكنهم قاتلوا في سبيل الله .
قاتلوا : فعل ماض مبني على الضم ، الواو : فاعل .
وقتلوا : الواو حرف عطف لأن طائفة من المسلمين قاتلوا وقتلوا اثناء القتال أو بعده ، وهو حرف استئناف لتعرض طائفة من الصحابة للقتل مع أنهم لم يقاتلوا ، كما في سمية بنت خِباط أم عمار بن ياسر ، وكما في سرية الرجيع ، إذ قدم وفد من عضَل وقارَة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الرابعة للهجرة وطلبوا منه أن يبعث معهم من يعلمهم أحكام الدين ، ويقرئهم القرآن ، فبعث عشرة من أصحابه برئاسة عاصم بن ثابت الأنصاري .
(فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا: هذا تمر يثرب.
فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم.
فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد ، وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلا.
فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا رسولك ، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل.
وبقى خبيب بن الدثنة وزيد( ) ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها .
فقال الرجل الثالث الذى معهما: هذا أول الغدر ، فأبى أن يصحبهم ، فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل، فقتلوه ، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة)( ).
ثم صلبت قريش خبيباً وزيداً ، صبراً من غير قتال .
ومن الشواهد على تعرض بعض المسلمين للقتل من دون قتال ما ورد (عن جرير بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما برزنا من المدينة إذا راكب يوضع نحونا ، فانتهى إلينا فسلم ، فقال له النبي صلى الله وعليه وآله وسلم من أين أقبلت؟
فقال : من أهلي وولدي وعشيرتي أريد رسول الله .
قال : أصبته . قال : علمني ما الإِيمان؟
قال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت .
قال : قد أقررت . ثم إن بعيره دخلت يده في شبكة جردان فهوى ووقع الرجل على هامته فمات .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هذا من الذين عملوا قليلاً وأجروا كثيرً ، هذا من الذين قال الله [الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ]( ) إني رأيت حور العين يدخلن في فيه من ثمار الجنة ، فعلمت أن الرجل مات جائعا)( ).
وقتلوا : الواو : حرف عطف واستئناف ، قتلوا : فعل ماض مبني على الضم ، واو الجماعة : نائب فاعل .
لأكفرن : اللام : لام الوعد والعهد ، وقيل لام القسم لقسم مقدر ، أكفرن : فعل مضارع مبني على الفتح في محل رفع ، والنون : نون التوكيد الثقيلة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره (أنا) يعود إلى الله عز وجل .
عنهم : جار ومجرور متعلق بـ(أكفر).
سيئاتهم : سيئات : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة ، وهو مضاف (هم) ضمير مضاف إليه .
ولأدخلنهم : الواو : حرف عطف ، اللام : لام الوعد من عند الله ، وقيل هي لام القسم لقسم مقدر .
ادخلن : فعل مضارع مبني على الفتح في محل رفع ، والنون : نون التوكيد الثقيلة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا يعود إلى الله عز وجل ، (هم) مفعول به أول .
جنات : مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الكسرة .
تجري : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء.
من تحتها : من : حرف جر ، تحت : اسم مجرور متعلق بمحذوف حال وهو مضاف ، و(ها) ضمير مضاف إليه .
والمختار حمله على الحقيقة والمجاز ، أما الحقيقة فهي جريان ذات الأنهار كأوعية للماء ، وأما المجاز ففيه حذف مضاف أي يجري الماء من تحت أشجارها ، وفي ذم فرعون لغروره واستكباره ورد قول الله [وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ]( ).
الأنهار : فاعل مرفوع بالضمة لأنه جمع تكسير .
ثواباً : مفعول مطلق ناب عن المصدر .
من عند : جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لـ(ثواباً).
الله : اسم الجلالة مضاف إليه .
والله : الواو : للإستئناف ، الله : اسم الجلالة مبتدأ مرفوع بالضمة .
عنده : عند : ظرف مكان منصوب ، متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وهو مضاف : الهاء : ضمير مضاف إليه .
حسن الثواب : حسن : مبتدأ متأخر مرفوع بالضمة ، وهو مضاف : الثواب : مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة .
وجملة عنده حسن الثواب : في محل خبر للمبتدأ اسم الجلالة .
إجتماع العطف والإستئناف في الحرف الواحد
يأتي الحرف الواو الذي يسبق الكلمة فعلاً كانت أو اسماً على وجوه :
الأول : الواو حرف عطف ، والتي تفيد الجمع واشتراك ما بعدها بحكم ما قبلها في الإعراب والعطف .
الثاني : الواو حرف استئناف وتسمى أيضاً حرف الابتداء وتكون في بداية جملة منقطعة عن التي قبلها ، سواء كانت الجملة فعلية أو اسمية ، وتكون الجملة التالية مستقلة في إعرابها .
الثالث : واو الإشباع : وهي الواقعة بعد ضمير الرفع (تم) أو بعد ضمير النصب (كم) أو بعد ضمير النصب (هم) وسميت واو الإشباع لأنها تأتي اشباعاً للضمة مثل [أَنُلْزِمُكُمُوهَا].
الرابع : واو القسم : وهي التي تجر الاسم الظاهر دون الضمير مثل [وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا]( )، بخلاف الباء التي تجر الاسم والضمير .
الخامس : واو الحال : مثل قوله تعالى [خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ]( ).
وتأتي الفاء أيضاً للعطف، وتفيد الإشتراك في الحكم مع الترتيب والتعقيب ، فما بعدها متعقب لما قبلها من غير فترة ومثل [فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ]( ).
والمختار أن الواو في عطف النسق قد تأتي للعطف والإستئناف معاً ، فتقسيمها إلى واو عطف واستئناف تقسيم استقرائي في الصناعة النحوية ومعنى اللفظ القرآني أعم وأوسع في دلالته وشموله ، كما في آية البحث في قوله تعالى [فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا]( ).
وتنقسم الواو إلى قسمين :
الأول : عطف بيان مثل [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ]( )، فاسم آزر عطف بيان لأبيه .
الثاني : عطف نسق كما في آية البحث .
واخرجوا : الواو : حرف عطف واستئناف أما العطف فلاجتماع صفة الهجرة والإخراج في طائفة من الصحابة ، وأما الاستئناف فلتحقق إخراج طائفة أخرى من الصحابة من ديارهم وأملاكهم قهراً من غير أن يبادروا إلى الهجرة إلى المدينة كالمستضعفين .
ولأن من الصحابة من هاجر طوعاً من غير أن يخرجه المشركون ، لذا لم تقل الآية فالذين هاجروا والذين أخرجوا .
فمع الإعجاز في مجئ الواو فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم جمعها للذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم قهراً والذين هاجروا طواعية .
وفي لوط ورد قوله تعالى [إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ]( )، ولأن مضامين الآية القرآنية متعددة ومستمرة إلى يوم القيامة .
في سياق الآيات
وفيه وجوه :
الوجه الأول : صلة آية البحث بالآية السابقة [رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ]( ) وفيها مسائل :
الأولى : من عظيم قدرة الله وسلطانه أنه ليس ثمة فترة بين سؤال المؤمنين الله عز وجل وبين تفضله بالإستجابة ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ]( ).
وقد ذكرت هذه الآية في الجزء الثالث من كتابي الموسوم (قوانين البرزخ) الآية أعلاه وإن جاءت بخصوص المحتضر ساعة الوفاة إلا أن موضوعها أعم ، ويدل على صيغة العموم قوله تعالى في ذات الموضوع [وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ]( )، ويدل عليه قوله تعالى [وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ]( ) أي أن الله شاهد ورقيب عليكم يحصي أعمالكم تصاحبكم رحمته ورأفته ، يذب ويدفع عنكم .
الثانية : بيان قانون لا يقدر على استجابة الدعاء إلا الله عز وجل ، وهو من مصاديق الربوبية المطلقة له سبحانه ، وقانون المشيئة الإلهية فوق الأسباب ، وأعم من قانون العلة والمعلول .
و(روى أبو سعيد الخدري وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا استجاب له فهو من دعوته على احدى ثلاث : إما أن يعجل له في الدنيا ، وإما أن تدخر (يؤخر) في الآخرة ، وإما أن يدفع عنه من البلاء مثلها) .
ويتوجه الناس بالدعاء من مشارق ومغارب الأرض في دقيقة واحدة فيستجيب الله عز وجل لأدعيتهم ومسائلهم من غير أن يرد بعضها ، ويكتب الإنسان عند الله دعّاء .
الثالثة : لقد تضمنت آية السياق ثلاثة أوجه من الدعاء :
الأول : سؤال تنجز الوعود الإلهية التي جاءت على ألسنة الرسل وفي الكتب السماوية ، ويدل بالدلالة التضمنية على التصديق بالرسالات والكتب السماوية السابقة ، قال تعالى [وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ]( ) لبيان أن ذات الإيمان عمل صالح وفيه الأجر والثواب ، وهو من العمل الذي تذكره آية البحث بقوله تعالى [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ).
الثاني :الدعاء بالنجاة من الخزي يوم القيامة الذي يلحق الكافرين ، لبيان قانون عدم إنحصار الخزي يوم القيامة بالكافرين ، إنما يشمل الظالمين والفاسقين إلا أن يعفو الله عز وجل وفي التنزيل [إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا]( ).
ومن وجوه الدعاء [وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ] قانون مغادرة الدنيا على الإيمان والسلامة من الكفر والإرتداد ، ومن تلاعب الشيطان بالإنسان ساعة الإحتضار .
ومن كلام للإمام علي عليه السلام (فمن الايمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب ، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم)( ).
وقد يسلب الشيطان الإيمان المستودع ساعة الموت .
الثالث : الثناء على الله عز وجل بأن وعده حق ، وهو لا يخلف الميعاد ، وخزائنه لا تنفد ، وهي في إزدياد وتدعو الناس جميعاً للنهل منها بالدعاء والتقوى والصلاح ، لقانون الفوز برحمة الله أعم من الدعاء .
و(أخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان ، والطبراني والصابوني في المائتين ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وكل بالمؤمن ثلثمائة وستون ملكاً ، يدفعون عنه ما لم يقدر عليه من ذلك.
للبصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل من الذباب في اليوم الصائف ، وما لو بدا لكم لرأيتموه على كل سهل وجبل .
كلهم باسط يديه فاغر فاه ، وما لو وكل العبد فيه إلى نفسه طرفة عين ، لاختطفته الشياطين)( ).
الرابعة : لقد تقدم في الجزء الثاني والستين بعد المائتين تسمية آية السياق بآية [رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا]( ).
ولم يرد هذا اللفظ في القرآن إلا في آية السياق ،ومن معانيه الإبتداء بالثناء على الله عز وجل ، والإقرار بربوبيته المطلقة قبل البدء بالسؤال ، وتقدير الآية بالوقوف بعد قول [رَبَّنَا] ثم السؤال [وَآتِنَا] وهذه الآية هي الوحيدة في القرآن التي ورد فيها الحرف الواو بين ربنا وبين آتنا في [رَبَّنَا وَآتِنَا].
(وفي الصناعة النحوية قُسمت الواو إلى قسمين :
الأول : واو العطف .
الثاني : واو الإستئناف , وهو تقسي استقرائي , ولغة القرآن أعم منه
وقد ذكرتُ في باب الإعراب واللغة أن الواو تفيد العطف والإستئناف معاً ، ومن الإستئناف هنا الإنتقال من الثناء على الله عز وجل إلى المسألة)( ).
دلالة صيغة الجمع [عَلَى رُسُلِكَ]
قال تعالى [رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ]
ترى لماذا لم تقل الآية : وآتنا على رسولك )وإرادة ما جاء به النبي محمد من الوعود والبشارات من الله عز وجل سواء التي وردت في القرآن أو السنة النبوية ، وقد قال سبحانه [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا]( ).
والجواب من وجوه :
الأول : المقصود من الضمير (هم) في قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ]، المسلمون من أيام آدم عليه السلام وإلى يوم القيامة .
لذا تضمنت الآيات السابقة ذكر أولي الألباب [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( ).
الثاني : قانون الدعاء بالمعنى الأعم والأوسع ، فكما يستحب تكرار الدعاء فيستحب تعدد مسائل الدعاء ، وعدم حصره وتقييده ، نعم يشترط في هذا التعدد أن يكون في أمور يرتضيها الله ، وليس من الحرام أو قطع الرحم .
الثالث : بيان قانون ما جاء به الرسل من الوعد الإلهي محكم وغير منسوخ ، فصحيح أن الشرائع ينسخ بعضها بعضا في موارد لكن هناك موارد لا يطرأ عليها النسخ ، وليست من المتشابه منها سنن التوحيد والتقوى ، والوعد الإلهي الذي جرى على ألسنة الأنبياء .
الرابع : تعدد مضامين الوعد الإلهي على ألسنة الأنبياء لبيان تعدد البشارات والإنذار في قوله تعالى [وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ]( )، فلا يعني أن كل نبي يأتي بذات البشارات إنما تكون البشارات النبوية على أقسام :
الأول : البشارات الثابتة التي جاء بها كل نبي ومنها دخول المؤمنين الذين يعملون الصالحات الجنة .
الثاني : البشارات الخاصة التي جاء بها بعض الرسل .
الثالث : البشارات الجامعة التي وردت في القرآن كونه [تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]( ).
الرابع : ذكر الرسل في الآية لأن الرسول صاحب شريعة مبتدأة ، ويتبعه النبي الذي يأتي بعده .
الخامس : إرادة العموم فلو دار الأمر بين العام والخاص ، فالأولى في المقام هو العام ، وسؤال الفوز بكل البشارات التي جاء بها الرسل.
الحاجة إلى الدعاء
جاء الدعاء في آية السياق بصيغة الجمع [رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا] إذ تكرر ضمير الجمع (نا) ثلاث مرات في هذا الشطر من الآية الكريمة ، وفيه وجوه :
الأول : قانون حاجة المسلمين مجتمعين ومتفرقين إلى الدعاء وسؤال ما وعدهم الله وفي التنزيل [قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ]( ).
الثاني : قانون دعاء المسلم للمسلمين والمسلمات وهم غير حاضرين معه.
الثالث : قانون تفقه المسلمين في مصاديق وأفراد الدعاء .
(عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : دعوتان ليس بينهما وبين الله حجاب : دعوة المظلوم ، ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب)( ).
وعن (أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ كان يقول : دَعْوَةُ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مَوَكَّلٌ ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ : آمِينَ ، وَلَكَ مِثْلُهُ)( ).
ويتلو المسلمون في أجيالهم المتعاقبة الدعاء الوارد في آية السياق والآيات الثلاثة التي قبلها ، فهل يشمل الدعاء الأموات والذين لم يولدوا من المسلمين ، وإذا كان يشملهم فكيف تكون الإستجابة لهم .
المختار أن الدعاء يشملهم لأصالة العموم ، ولأن من مضامين الدعاء في هذه الآيات ما يتعلق بعالم الآخرة وبشاراتها ، ورجاء النجاة من الخزي العام يوم القيامة ، والخاص بدخول النار.
ولتجلي المصداق الخارجي في نطق المسلمين الذين لجوا بهذا الدعاء في حياتهم ، وسيتلوه المسلمون من الأجيال اللاحقة .
ترى كيف تكون الإستجابة لهم ، الجواب أما النسبة للأموات من المؤمنين فتتجلى بالمغفرة وتوسعة القبر ، وزيادة الحسنات ، ومحو السيئات ، وحضور الأجر والثواب لهم يوم القيامة من عمل لم يقوموا به ، ولكن قام به ابناؤهم وذراريهم.
وعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)( ).
أما بالنسبة للذين لم يولدوا بعد فتكون بالهداية إلى سبل الإيمان وصرفهم عن السيئات .
فمن لطف الله قانون سبق الدعاء للمؤمنين قبل أن يولدوا ، ليكون من عمومات قوله تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]( )، أي المؤمنون من الأولين والآخرين ، ومنه قانون الجزاء اللاحق لمن فارق من المؤمنين ، إذ يأتيه الثواب بعد موته بعمل الذراري وعامة المؤمنين الصالحات .
فصحيح أن عمل الإنسان ينقطع بمغادرته الدنيا ولكن المؤمن يمتاز بمجئ الأجر والثواب له من عمل إخوته المؤمنين الصالحين [وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا]( ).
قانون الانتفاع من بعثة الرسل
بين بعثة عيسى عليه السلام وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم نحو ستمائة سنة ، وأضعاف هذه المدة بين بعثة آدم عليه السلام وكثير من الرسل وبين بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومع هذا يقول المسلمون إن الله وعدهم على ألسنة هؤلاء الرسل مجتمعين ومتفرقين ، وهو من الشواهد على وجوه :
الأول : قانون النفع الأمثل للمسلمين من بعثة الرسل .
الثاني : قانون كثرة عدد الرسل نعمة على المسلمين .
الثالث : كون النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم [خَاتَمَ النَّبِيِّينَ]( ) نعمة عظمى على المسلمين بالإنتفاع من نبوة الرسل السابقين ، وليس من حصر لهذا النفع ووجوهه المتعددة منها :
الأول : الكتب السماوية المنزلة وأحكام الشرائع السابقة ، ومنها قصص الأنبياء ، قال تعالى [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ]( ).
الثاني : وردت بعض قصص الأنبياء الأخرى على لسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي شعبة من الوحي .
الثالث : الدعاء الوارد في آية السياق .
الرابع : استجابة الله عز وجل للمسلمين في تنجز ما وعدهم على لسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وبين الأنبياء والرسل عموم وخصوص مطلق ، فكل رسول هو نبي ، وليس العكس ، وعدد الأنبياء هو مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ، وعدد الرسل هو ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وفي قوله تعالى [مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ]( )، من جهة الشمول وجوه :
الأول : اختصاص الآية بالرسل الخمسة والعشرين الذين ورد ذكرهم في القرآن .
الثاني : إرادة مجموع الرسل .
الثالث : شمول الآية لجميع الأنبياء .
والمختار هو الأخير لقانون كل نبي يقوم بالبشارة والإنذار .
الصلة بين أول الآيتين
يتجلى في الجمع بين بداية كل من الآيتين [رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ]( ) [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]( ) قانون في كل يوم من أيام الحياة الدنيا هناك دعاء ، وهناك استجابة لذات الدعاء وغيره.
ويدل ورود الفاء في [فَاسْتَجَابَ] على إفادة التعقيب والفورية .
ومن وجوه تقدير الجمع بين الآيتين بخصوص آدم وحواء (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك فاستجاب لهما ربهما) فصحيح أن آدم عليه السلام نبي رسول إلا أنه ينتفع مما وعده وحواء اللهُ عز وجل .
وينتفع من الوعود التي جاء بها الرسل من ذريته ، لبيان أن قول الأصوليين بعدم صحة الإستصحاب القهقري ،مختلف عن مصاديق فضل الله وسعة رحمته لقانون إنتفاع السابق من عمل المؤمن اللاحق .
الأذى في تحويل القبلة
أول ما نسخ من أحكام الشريعة للمسلمين قبلة الصلاة بأن نزل القرآن بتحويلها إلى البيت الحرام بعد أن كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه يتوجهون في صلاتهم نحو بيت المقدس ، فقال الله تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ]( ).
إذ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينتظر نزول جبرئيل بتحويل القبلة لبيان مسألة وهي قانون سبق الوحي في موضوع خصوص نزول الآية القرآنية بخصوصه .
وقد لاقى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الأذى بسبب تحويل القبلة مع أنه أمر نازل من الله عز وجل لا يقبل التردد أو التسويف.
وفي الصلة بين آية البحث وآية [سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ]( ) وفي المقام مسائل:
الأولى : النسبة بين موضوع آية تحويل القبلة والآية السابقة لها [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ]( ) عموم وخصوص مطلق تتعلق الآية السابقة بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة الشريفة.
الثانية : بيان الأذى الذي لحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وأهل بيته من :
الأول : مشركو قريش .
الثاني : اليهود .
الثالث : المنافقون .
الثالثة : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم تواقاً لتحويل القبلة لأنه موعود بهذا التحول إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم ، وتحويل القبلة فرع الحنيفية قال تعالى [قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ]( ).
و(عن معاذ بن جبل قال : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال؛ فأما أحوال الصلاة فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة، وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس، ثم إن الله عز وجل أنزل عليه [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا]( ) فوجهَهُ اللهُ إلى مكة. هذا حول.
قال : وكانوا يجتمعون للصلاة ويُؤْذِنُ بها بعضهم بعضا حتى نَقَسُوا أو كادوا يَنْقُسُون. ثم إنّ رجلا من الأنصار، يقال له: عبد الله بن زيد، أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، إني رأيت فيما يرى النائم -ولو قلتُ: إني لم أكن نائمًا لصدقتُ -أني بينا أنا بين النائم واليقظان إذْ رأيت شخصًا عليه ثوبان أخضران، فاستقبل القبلة .
فقال : الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله -مثنى حتى فرغ من الأذان ، ثم أمهل ساعة .
ثم قال مثل الذي قال، غير أنه يزيد في ذلك : قد قامت الصلاة –مرتين.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : علمها بلالا فَلْيؤذن بها.
فكان بلال أول من أذن بها. قال: وجاء عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله إنه قد طاف بي مثل الذي طاف به، غير أنه سبقني، فهذان حالان.
قال: وكانوا يأتون الصلاة -قد سبقهم النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ببعضها، فكان الرجل يشير إلى الرجل إذًا كم صلى، فيقول: واحدة أو اثنتين، فيصليهما، ثم يدخل مع القوم في صلاتهم.
فجاء معاذ فقال : لا أجده على حال أبدًا إلا كنتُ عليها، ثم قضيتُ ما سبقني.
قال: فجاء وقد سَبَقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببعضها، قال: فثَبَتَ معه ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فقضى .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنه قَد سن لكم مُعَاذ، فهكذا فاصنعوا ، فهذه ثلاثة أحوال .
وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة، فجعل يصومُ من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، ثم إن الله فرض عليه الصيام ، وأنزل الله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ]( ) إلى قوله تعالى [وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ]( ) فكان مَنْ شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينًا، فأجزأ ذلك عنه.
ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ]( ) إلى قوله [فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ]( ) فأثبت اللهُ صيامَه على المقيم الصحيح ورخَّصَ فيه للمريض والمسافر، وثبت الإطعامُ للكبير الذي لا يستطيع الصيام، فهذان حالان .
قال : وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له: صرمة، كان يعمل صائمًا حتى أمسى، فجاء إلى أهله فصلى العشاء، ثم نام فلم يأكل ولم يشرب، حتى أصبح فأصبح صائما، فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد جهد جهدًا شديدًا، فقال: ما لي أراك قد جَهِدْت جهدًا شديدا؟ قال: يا رسول الله، إني عملت أمس فجئتُ حين جئتُ فألقيتُ نفسي فنمت فأصبحت حين أصبحت صائمًا.
قال : وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله عز وجل [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ]( ) إلى قوله ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ( ).
الرابعة : ترى ما هي الصلة بين الأمة الوسط وتحويل القبلة ، الجواب العموم والخصوص المطلق ، فمن خصائص الأمة الوسط التوجه إلى البيت الحرام في الصلاة .
الخامسة : المراد من السفهاء ضعيفو العقل ، الذين اظهروا السخرية بتحول النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين إلى الكعبة فجاء القرآن بالجواب والرد على السفهاء [قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ]( ) ويهدي من يشاء إلى القبلة .
والنسبة المنطقية بين الصراط المستقيم وبين تحويل القبلة عموم وخصوص مطلق ، والصراط المستقيم على قسمين :
الأول : الصراط المستقيم في الدنيا ، وهو أداء الفرائض والعبادات وفعل الخيرات .
الثاني : الصراط المستقيم في الآخرة .
والمختار أن المراد من الصراط المستقيم في الآية أعلاه من سورة البقرة هو المعنى الأعم ، وتقدير الآية يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم في الدنيا وفي الآخرة ،بدليل الدنيا مزرعة الآخرة .
وهل التحول إلى القبلة من الصراط الذي هدى الله عز وجل له المسلمين والمسلمات ، ومن فضل الله عز وجل على المسلمين قول كل واحد منهم سبع عشرة مرة وعلى نحو الوجوب العيني [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ]( ).
السادسة : هل قوله تعالى [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا]( )حجة ودعوة للإيمان ، الجواب نعم ، وفيها دعوة سماوية للصبر وتحمل الأذى الذي ذكرته آية البحث .
وعن عبد الله بن مسعود (قال : خط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطاً بيده ، ثم قال : هذا سبيل الله مستقيماً ، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله ، ثم قال : وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ( ).
لبيان أن الإيمان واحد لا يقبل التعدد الذي يتضمن التباين.
السابعة : بيان إكرام المسلمين بالشهادة على الناس ، المراد الشهادة في الدنيا والآخرة ، وفي الدنيا الفصل والتمييز بين العقائد الحقة والعقائد الباطلة ، وبلحاظ الصلة بين آية تحويل القبلة والآية السابقة : لتكونوا شهداء على الناس :
الأول : شهداء على الذين استخفوا بتحويل القبلة .
الثاني : شهداء على السفهاء الذين أنكروا هذا التحول .
الثالث : شهداء على الذين حاربوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل القبلة .
الرابع : تزكية المسلمين بعضهم لبعض بخصوص التوجه إلى البيت الحرام في القبلة .
الوجه الثاني : صلة آية البحث بالآية قبل السابقة [رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ]( )، وفيه مسائل :
الأولى : لقد ابتدأت آية السياق بالنداء (ربنا) كما ابتدأت به الآية السابقة والآية اللاحقة لها ، في استجارة ودعاء وتضرع إلى الله عز وجل بصيغة الجمع الصادر من المسلمين والمسلمات .
فينزل النداء العام من عند الله عز وجل [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] تسعاً وثمانين مرة ، وعدد النداء [رَبَّنَا] في القرآن (106) وقد ذكر النداء (ربنا) في سورة آل عمران إحدى عشر مرة منها ما يتعلق بالأمم السابقة منها قوله تعالى [وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ]( ).
ومنها في أيام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما في قول النصارى ومنهم القسيسين والرهبان عندما يسمعون آيات القرآن ، قال تعالى [َإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ]( ).
ومنها خطابات نداءات من أهل الجنة وأخرى من أهل النار ، ومجموع النداءات من المسلمين في الدنيا ثمانية عشر نداء منها خمس مرات في الآيات الأربعة التي سبقت آية البحث وهي الآيات (191-194) من سورة آل عمران.
الثانية : الصلة بين آية السياق وآية البحث صدور الدعاء المتعدد من أجيال المسلمين المتعاقبة ، واستجابة الله عز وجل لهم في مضامين الدعاء التي تذكرها هذه الآيات ، ليتجلى مصداق متجدد في كل يوم لقوله تعالى [ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ]( ).
و(عن أبي موسى الأشعري قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزاة ، فجعلنا لا نصعد شرفاً ولا نهبط وادياً إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير ، فدنا منا .
فقال : يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، إنما تدعون سميعاً بصيراً ، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)( ).
وهل تتضمن آية البحث الترغيب بالدعاء في ذات موضوع آية السياق وغيره ، الجواب نعم ، أما موضوع الآية فيأتي بتلاوة المسلمين لآية السياق في الصلاة وإن كان بقصد القرآنية ، وتلاوتها خارج الصلاة.
وأما غيرها فلتفضل الله عز وجل بفتح باب الدعاء والوعد منه بالإستجابة .
وإثبات شئ لشئ لا يدل على نفيه عن غيره ، فان ثبت موضوع للدعاء في القرآن فانه لا يمنع من اتخاذ الدعاء وسيلة للنجوى وبياناً للحاجات والرغائب [وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( ).
و(عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : دعوتان ليس بينهما وبين الله حجاب : دعوة المظلوم ، ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب)( ).
النداء النبوي
ويمكن تقسيم النداء النبوي إلى شعبتين :
الأولى : نداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة قبل الهجرة النبوية ، وهو على وجوه :
الأول : في البيت الحرام ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رآى زائراً للبيت قادماً من خارج مكة جلس بجواره ، ودعاه إلى الإسلام .
الثاني : في أسواق مكة (قال طارق بن عبد الله المحاربي : إني بسوق ذي المجاز إذ أنا بإنسان يقول ( يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) وإذا رجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول : يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدقوه فقلت : من هذا .
فقالوا : محمد زعم أنه نبي وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب)( ).
الثالث : في موسم الحج ، وزيارة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لوفود القبائل في مضاربهم ، وكان يعرض نفسه عليهم ، ويطلب إيوائه وحمايته من أذى قيش ليبلغ الرسالة .
(عن ابن عباس قال حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام قال لما أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ان يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب فيهم مفروق بن عمر وهانئ بن قبيصة .
فقال مفروق إلى ما تدعو .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدعوكم إلى شهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإلى أن تؤووني وتنصروني فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق والله غني حميد .
فقال مفروق والله ما سمعت كلاما أحسن من هذا فتلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ]( ) الآيات.
فقال مفروق والله ما هذا من كلام أهل الأرض ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ]( )الآية .
فقال مفروق دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرض كسرى وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم تسبحون الله وتقدسونه.
وأخرج أبو نعيم من طريق خالد بن سعيد عن أبيه عن جده قال قدمت بكر بن وائل مكة في الحج فقال رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم} لأبي بكر ائتهم فأعرضني عليهم فأتاهم فعرض عليهم قالوا حتى يجيء شيخنا حارثة فلما جاء .
قال إن بيننا وبين الفرس حربا فإذا أفرغنا مما بيننا وبينهم عدنا فنظرنا فيما تقول .
فلما التقوا بذي قار هم والفرس قال لهم شيخهم ما اسم الرجل الذي دعاكم إلى ما دعاكم إليه قالوا محمد قال فهو شعاركم فنصروا على الفرس فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بي نصروا)( ).
الرابع : تلاوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم آيات وسور القرآن في البيت الحرام أثناء الصلاة وخارجها ، واتخاذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها مادة في الإحتجاج على الذين كفروا ، وهو من أسرار قصر هذه السور وآياتها ، وتضمنها الإنذار والوعيد .
ويمكن القول بقانون كل تلاوة لآية في القرآن نداء للإيمان ، ومن مصاديق [رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا..]( ) ولا يحصي عدد الذين آمنوا بتلاوة القرآن وسماع آياته إلا الله عز وجل .
الثانية : نداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية ، ومنه وجوه :
الأول : نداء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بناء المسجد النبوي وسط المدينة (يثرب) وإقامة الصلاة اليومية فيه ، وما فيها من قراءة القرآن الواجبة.
وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أول قدومه إلى المدينة يصلي حيث أدركته الصلاة ودخول وقتها ، ولو في مرابض الغنم .
(ثم إنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملا بنى النجار فجاءوا فقال: يا بنى النجار ثامنونى بحائطكم هذا.
فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عزوجل.
قال: فكان فيه ما أقول لكم: كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خرب ، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع.
قال: فصفوا النحل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه حجارة، قال: فجعلوا ينقلون ذلك الصخر وثم يرتجزون، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معهم يقول: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الانصار والمهاجرة)( ).
الثاني : ارتقاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم المنبر والقاؤه الخطب لقانون كل خطبة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم نداء للإيمان .
الثالث : قيام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بزيارة بيوتات الأوس والخزرج في المدينة ، ودعوتهم للإيمان ، وتلاوة القرآن عليهم .
الرابع : تفسير النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لآيات القرآن وإجابته على الأسئلة بخصوصه .
الخامس : استدلال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بآيات القرآن ، وإتخاذها منهاجاً ، ومن معاني الصراط المستقيم أنه كتاب الله ، إذ ورد عن (عن ابن مسعود قال : إن هذا الصراط محتضر تحضره الشياطين . ياعباد الله هذا الصراط فاتبعوه { والصراط المستقيم } كتاب الله فتمسكوا به)( ).
السادس : نداء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسط الميدان في معارك الإسلام قولوا (لا إله إلا الله تفلحوا ) .
السابع : صدق دخول الإسلام على من ينطق بالشهادتين ، وقال النبي (الإسلام يجّب ما قبله )( )، وفيه بيان لقوله تعالى [فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
وقد ورد لفظ [فَإِنِ انْتَهَوْا] ثلاث مرات في القرآن أحداها الآية أعلاه ، والثانية الآية التي بعدها [لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ]( ) والثالثة [فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]( ) .
الثامن : إحتجاج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بآيات القرآن على أهل الكتاب من يهود المدينة ونصارى نجران وعلى المشركين.
علم الإحصاء القرآني
قال تعالى [وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ]( ).وقال تعالى [وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا]( )وقال تعالى [وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( ).
واستحدث تفسير لهذه الآية أن الأعمال تتحول إلى أرقام وأعداد سواء عمل الصالحات أو السيئات ، ولا يعلم أطوالها والكيفية التي تكتب بها بالرموز أو الكتابة أو الجذور المتسلسلة لوحدتها.
وهو لا يتعارض مع إحتساب الأعمال بهيئة الجرم والنقل في الميزان يوم القيامة ، قال تعالى [فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ] ( )والهاوية النار .
وعن ثوبان عن النبي أنه قال (عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- أَنَّهُ قَالَ : لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا .
قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ.
قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا)( ).
قانون المناجاة إقرار بالربوبية
تضمنت آية السياق المناجاة والدعاء والإقرار لله عز وجل بربوبيته المطلقة وأن المسلمين والمسلمات سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينادي للإيمان بالله إلهاً ورباً وخالقاً ومالكاً فآمنوا وصدقوا برسالته.
ومن الآيات نزول القرآن بالأسماء الحسنى لله عز وجل والثناء عليه سبحانه والبشارة بلقائه بعد الموت .
وفيه ترغيب بالمناجاة ، وبعث على الدعاء وهو من مصاديق قوله تعالى [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ]( ).
وذكرت مادة اللقاء اثنتين وعشرين مرة في القرآن ، وأكثرها في ذم الذين ينكرون المعاد ولقاء الله عز وجل ، قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ]( ).
ومن مصاديق استجابة الله عز وجل لدعاء المسلمين في آية البحث إظهارهم الإيمان برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتلقيهم دعوته للتوحيد ، لبيان أمور :
الأول : قانون الإيمان بالتوحيد باب لإستجابة الدعاء .

الثاني : تبليغ النبي محمد الرسالة ، واجتهاده في الدعوة إلى الله ، قال تعالى [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ]( ).
الثالث : تجدد نداء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للإيمان مع كل تلاوة مسلم لآية السياق ، وهو من منافع الجهر بالقراءة في أكثر الصلاة اليومية .
ومن بين خمس صلوات في كل يوم يكون الجهر في ثلاثة منها وهي :
 صلاة الصبح ركعتان .
 صلاة المغرب ثلاث ركعات .
 صلاة العشاء أربع ركعات .
ويكون الجهر في الركعتين الأوليين من الصلوات أعلاه ، ولا يصح الجهر في موضع الإسرار إلا عن سهو أو نسيان أو جهل .
وقال الجمهور بعدم بطلان الصلاة حتى في حال الجهر في موضع الإسرار لأنه من سنن الصلاة ، ولكنه فعل مكروه ، وفي قول عند المالكية أن العمد يبطل الصلاة .
ويتجلى قانون كل فرض من الصلاة مناجاة متعددة لما فيها من تكبيرة الإحرام وتلاوة القرآن ، والتسبيح في الركوع والسجود ، ومصاديق الخشوع والتطامن في الصلاة .

دلالة مفهوم سؤال النجاة من الخزي
يدل قوله تعالى [رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ]( )، في مفهومه على أمور :
الأول : سؤال المسلمين الله عز وجل نجاتهم من النار ، ومن الخزي يوم القيامة .
الثاني : إدراك المسلمين شدة عذاب النار .
الثالث : حال الإستحياء والخضوع والمسكنة التي يتصف بها المسلمون بالتوجه إلى الله عز وجل لإنقاذهم من الخزي بين الخلائق يوم القيامة .
الرابع : إقرار المسلمين باليوم الآخر ، وهو من أصول الدين .
الخامس : قانون لا ينجي الإنسان من الخزي يوم القيامة إلا الله عز وجل .
السادس : قانون الحاجة إلى الدعاء للنجاة من الخزي في الدنيا والآخرة ، ومنه فضل الله بهداية الإنسان لعمل الصالحات .
وأخبرت آية البحث عن قانون عدم إضاعة الله لأي عمل صالح للمسلمين والمسلمات ، وفيه بشارة قانون النجاة من الخزي في عالم البرزخ ، ويوم القيامة ، وبيان لنعمة الله عز وجل في ادخار ما يعمله المسلمون من الصالحات ، وقانون حضور الصالحات يوم الحساب .
وفي الآية إشارة إلى حرمان أهل النار أنفسهم من الإيمان وعمل الصالحات ، للتضاد بينه وبين دخول النار ، لقانون حرمان المشركين أنفسهم من الأسباب التي تمنع الخزي أمام الخلائق يوم النشور .
ومن معاني الجمع بين الآيتين قانون امتناع الكفار عن الدعاء ورجاء استجابة الله عز وجل لهم ، لما في آية البحث من الترغيب بالدعاء بقيد الإيمان والبشارة بالإستجابة لهم لقوله تعالى في ذم الكافرين [فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ]( ).
نداء (ربنا) دعاءً
هل من موضوع للإستجابة في قوله تعالى [رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ]( )، الجواب نعم ، فذات النداء (ربنا) لجوء واستجارة بالله في أمور في الدنيا والآخرة ، أما التي في الدنيا فرجاء المنع إرتكاب المعاصي وما يؤدي إلى دخول النار ، وأما في الآخرة فمن جهات :
الأولى : فتنة القبر ، وعذاب البرزخ ، الذي يترشح عن الكفر ، وعمل السيئات في الدنيا .
الثانية : خوف ورعب الكفار والظالمين واقترانه بالجوع والعطش في مواطن يوم القيامة ، ومقداره خمسون ألف سنة ، إذ قال تعالى [وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا]( ).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (إنَّ اللّهَ لَيُهَوِّنُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى المُؤْمِنِ ، حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِ أَخَفَّ مِنْ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ صَلاَّهَا فِي الدُّنْيَا)( ).
الثالثة : لا يستمر الحساب إلى آخر يوم القيامة فلا يأتي وسط النهار إلا وقد فرغ من الحساب ، قال تعالى [َوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا]( ).
هل يكفي الدعاء للإستجابة
لقد تضمنت آية السياق [رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ]( )، مسائل :
الأولى : صدور النداء والاستجارة بلفظ (ربنا) والذي يتكرر مئات آلاف المرات مع الإطراد كل يوم على ألسنة المسلمين والمسلمات في الصلاة اليومية وخارجها.
الثانية : بيان موضوع المناجاة والدعاء ، وهو سؤال النجاة من النار ببيان حال الخزي الذي يلحق أهلها والداخلين إليها .
فوردت آية السياق بصيغة الجملة الخبرية لتدل في مفهومها على سؤال المسلمين والمسلمات النجاة من النار وما يصاحب الدخول فيها من الخزي والعذاب والألم الشديد .
الثالثة : بيان قانون انعدام الناصر للظالمين مجتمعين ومتفرقين يوم القيامة ، وهل هذا الشطر من الآية [وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ] من قول المسلمين في دعائهم أم أنه قول لله عز وجل ، المختار أنه من قول المسلمين لنظم آية البحث ، وسياق الآيات ، إذ جاءت الآيتان اللتان بعد آية البحث بذات صيغة الدعاء .
وقد تقدم في الجزء الخمسين بعد المائتين من هذا السِفر وفي تفسير آية السياق باب الإعراب واللغة (الواو : للعطف والاستئناف , أما العطف فلاتحاد موضوع الآية وصيغة الدعاء فيها وفي الآيتين التاليتين , وأما الاستئناف فلإفادة معنى مجئ جملة بعدها لا صلة موضوعية لها جلية بما قبلها , وقيل الواو حالية)( ).
ويدل هذا التعدد في معاني الحرف القرآني على أن علوم القرآن ومعاني كلماته أعم من أن تحيط بها قواعد النحو ، خاصة وأن هذه القواعد جاءت متأخرة عن أيام التنزيل الذي أبهر العرب وهم أساطين البلاغة .
وتعقبتها آية البحث بتحقق الاستجابة من الله عز وجل ، فلم تقل الآية : سوف يستجيب لهم ربهم ، ولا : سيستجيب لهم ربهم ، إنما ذكرت الآية تنجز الاستجابة حال الدعاء المتعدد.
ترى هل يكفي الدعاء للنجاة من النار والخزي والعذاب يوم القيامة ، أم لابد من أداء الواجبات العبادية والعمل الصالح ، واجتناب فعل السيئات ، الجواب هو الثاني .
وهو من الإعجاز في نظم هذه الآيات فقد تقدم نعت أهل هذه الآيات وأصحاب الدعاء فيها بأولي الألباب واجتهادهم في طاعة الله بقوله تعالى [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( ).
فلم يأت الدعاء إلا من مقامات الهدى والإيمان وأداء الفرائض العبادية ، لبيان خشية المؤمنين من الله ، واحترازهم من مساءلة منكر ونكير في عالم البرزخ ، والاستعداد لما في الآخرة من الأهوال بالعمل الصالح والدعاء الذي يدل على الفقاهة في الدين ، وسلامة العقيدة ، وصدق السريرة ، وفي التنزيل [وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ]( ).
وتضمنت الآية قبل السابقة إعلان المسلمين والمسلمات إيمانهم عند سماع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يدعو للإيمان ، وتتجلى مصاديق وأفراد هذا الإيمان بآيات القرآن والسنة النبوية ليكون من وجوه :
الأول : الإيمان بالله الهاً وخالقاً ورباً .
الثاني : التصديق بالأنبياء والرسل جميعاً .
الثالث : الإيمان بالملائكة .
الرابع : الإقرار بالكتب السماوية التي نزلت من عند الله ، وعدم الوقوف عند نزول القرآن وحده .
الخامس : الإيمان باليوم الآخر .
السادس : الإيمان بوجوب أداء الصلاة والزكاة والصيام والحج .
وتجمع هذه الوجوه الستة آية واحدة وهو قوله تعالى [آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ]( ).
قانون النفرة من الخزي
يبعث الجمع بين الآيتين الناس على استحضار عالم الآخرة في الوجود الذهني ، مما ينعكس إيجابياً على الجوارح والأركان بفعل الصالحات ، واجتناب أسباب الخزي يوم القيامة لقانون نفرة النفوس من الخزي ، وقانون حرص الإنسان على إجتناب الخزي ، ومنه قانون بغض الناس للذي يتجاهر بفعل المعاصي ، وجواز غيبته بخصوص المعصية التي يتجاهر فيها ، ليكون عبرة للغير ، والحذر من صحبته وإغوائه مع الإجتهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وعن (حسان بن سليمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه.
وعن عبد الله بن عمر عن درة بنت أبي لهب قالت : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر فقال : يا رسول الله من خير الناس .
قال : أَأْمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأتقاهم لله تعالى ، وأوصلهم لأرحامه .
عن ابن عباس قال : قلنا : يا رسول الله ما نعمل نأتمر بالمعروف حتى لا يبقى من المعروف شيء إلاّ ائتمرنا به ، وننتهي عن المنكر حتى لا يبقى من المنكر شيء إلاّ انتهينا عنه ، ولم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر ، فقال : مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به ، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كله)( ).
صيغة الجمع في الدعاء دعوة للتعاون
ابتدأت آية السياق بصيغة الجمع (ربنا) وبذات الصيغة ابتدأت الآية السابقة ، وفيه دعوة للمسلمين للتعاون والتآزر في سبل الصلاح التي تنقذهم من دخول النار ، ومن الخزي في عالم البرزخ ويوم القيامة وهو من مصاديق قوله تعالى [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ]( ).
(وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسَّهر)( ).
وفي هذا التعاون صلاح للمجتمعات ، واستحضار لعالم الآخرة ، وإدراك قربه إذ يبدأ من حين دخول الإنسان القبر .
وقال الزمخشري (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من مات فقد قامت قيامته أو جعل مجيء الساعة بعد الموت لسرعته كالواقع بغير فترة)( ).
ولكن المراد من الحديث ابتداء عالم الحساب بلا عمل من حيث دخول الميت القبر ، ومجئ الملكين منكر ونكير لمساءلته على نحو الإبتداء والمقدمة لحساب الآخرة ، وما يصيب الكافر من عذاب القبر مدة عالم البرزخ ، قال تعالى [وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ]( ).
ومن الآيات التباين الكبير في مدة دخول البرزخ بآلاف السنين بين الأجيال الأولى للناس ابتداء من أيام آدم عليه السلام والأجيال الأخيرة التي تسبق النفخ في الصور النفخة الأولى ، قال تعالى [فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ* وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً]( ).
قانون التضاد بين المؤمن والكافر يوم القيامة
من معاني الجمع بين آية البحث والسياق البشارة بالتضاد يوم القيامة بين غبطة وسعادة المؤمنين الذين يؤدون الفرائض العبادية وبين الخزي لأن الله عز وجل قد حفظ لهم عباداتهم وعملهم الصالحات .
و(عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : العار والتخزية يبلغ من ابن آدم يوم القيامة في المقام بين يدي الله ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار)( ).
وبينما ذكرت آية السياق النار ومصاحبة الخزي للكافرين قبل وبعد دخولهم لها .
فقد ذكرت آية البحث الجنة ، وبشارة المؤمنين ومنهم المهاجرون الذين أخرجوا قهراً من مكة وما حولها وشدة إيذائهم من قبل المشركين بعد ثبوت ثباتهم على دينهم .
وأخبرت آية البحث عن فضل الله عز وجل بادخال المؤمنين الجنات التي ذكرت في الآية بصيغة الجمع لبيان كثرة أعداد المؤمنين وسعة رحمة الله بهم ، وعظيم قدرة الله عز وجل وهو من الشواهد على عصمتهم من الخزي لترشح الخزي عن دخول النار التي أبعدهم الله عز وجل عنها ، لبيان النفع العظيم للإيمان وعمل الصالحات.
وتضمنت آية البحث الوعد الإلهي بعدم تضييع عمل أي مسلم أو مسلمة في العبادات والمعاملات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله تعالى [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ).
وفيه دعوة للمسلمين والمسلمات للإجتهاد في طاعة الله ، واكتناز الحسنات ، لدلالة الآية الكريمة على حضورها يوم القيامة وصيرورتها واقية من الخزي يومئذ .
وهل تحضر تلاوة المسلم للقرآن في عالم البرزخ وسؤال منكر ونكير ، الجواب نعم ، لبيان سعة وكثرة الجزاء والثواب على العمل العبادي ، لتكون مصاديق قوله تعالى [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا]( )، على وجوه محتملة :
الأول : عشر أمثال الحسنة في الدنيا .
الثاني : عشر أمثال الحسنة في الآخرة .
الثالث : مجموع الجزاء في الدنيا والآخرة عشر أمثال الحسنة .
والمختار هو الأول أعلاه ، أما في الآخرة فلا يعلم عظيم الجزاء على الحسنة إلا الله عز وجل .
و(عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تبارك وتعالى يقبل الصدقة ولا يقبل منها إلا الطيب ، ويربيها لصاحبها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله حتى أن اللقمة تصير مثل أحد ، وتصديق ذلك في كتاب الله يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ( ).
وتبين آيات القرآن علة الخزي يوم القيامة ، وأسباب دخول النار ، وهي الكفر والفسوق والظلم.
المنافع التي في آية البحث
لقد أخبرت آية البحث عن أمور:
الأول : استجابة دعاء المؤمنين .
الثاني : الوعد الكريم بانتفاعهم من عملهم الصالحات ، وهل يختص هذا النفع بعالم الآخرة لأنه موضوع آية البحث ، الجواب لا ، نعم هي في الآخرة أعظم ، ويكون الإنسان في حاجة شديدة إلى كل معروف قد فعله في الدنيا ، ومن آداب الصلاة على الميت الدعاء له بالقول : اللهم انك قبضت روحه إليك وقد احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه .
الثالث : العفو عن ذنوب المؤمنين ، ومحو سيئاتهم ، وهو مانع للخزي وأسبابه في الآخرة .
الرابع : إدخال المؤمنين والمؤمنات الجنة ، وفيه نجاة مؤبدة من الخزي ، وفي الثناء على المتقين وجزاء الله عز وجل لهم قول الله تعالى لهم يوم القيامة [يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ]( ).
والنسبة بين الخوف والذل عموم وخصوص مطلق ، فالخوف أعم ليدل إخبار الله عز وجل عن صرف الحزن والخوف عن المؤمنين يوم القيامة .
ومن معاني الجمع بين آية البحث وآية السياق قانون الإمتناع عن الدعاء ظلم للنفس والغير ، فقد قال الله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]( ).
و(عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن الدعاء هو العبادة ، وقرأ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ( ).
وليس من نفع أعظم من منافع الدعاء ، ليكون من وجوه تقدير قوله تعالى [وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ]( )، أي وما للذين يتركون الدعاء والصلاة من أنصار .
بشارات آية [فَاسْتَجَابَ]
يدل قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ] على عصمة المؤمنين من صفة الظلم والظالمين يوم القيامة ، لتكون آية البحث على وجوه :
الأول : البشارة بحسن السمت .
الثاني : الأمن .
الثالث : الآية أمارة على قبول عمل المسلمين في طاعة الله .
الرابع : الآية دعوة للإجتهاد بالدعاء واستجابة الله عز وجل لدعاء المؤمنين شاهد على حبه لهم .
والنسبة بين حب الله واستجابة الدعاء عموم وخصوص مطلق ، فموضوع وأحكام ومنافع الحب من الله أعظم ، وفي التنزيل [وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ]( ).
فذكر آية البحث لإستجابة الله لأدعية المؤمنين المتعددة شاهد على حبه لهم وذات النسبة بين حب المؤمنين لله عز وجل ودعائهم ، فالحب أعم وأعظم ، قال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]( ).
ترى ما هي النسبة بين قوله تعالى [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( )، في آية البحث وبين دخول النار الذي تذكره آية السياق ، الجواب هو التباين والتنافي ، إذ تدل آية البحث على الأجر والثواب على عمل الصالحات ما كثر منه وما قلّ ، ومنه الوقاية من النار.
وتتضمن آية البحث البشارة بالجنة للمهاجرين في سبيل الله ، والذين تلقوا الأذى بسبب إيمانهم وطاعتهم لله عز وجل ، والذين قاتلوا واستشهدوا لبيان أن الجنة ملك لله عز وجل وحده ، وأن الدخول والخلود فيها بأمر من الله عز وجل ، وثواب من عنده تعالى .
لذا تضمنت آية السياق التضرع إلى الله عز وجل بالنجاة من النار والذي يدل بالدلالة الإلتزامية على سؤال المسلمين الله عز وجل دخول الجنة ، لقانون انتفاء البرزخ بين الجنة والنار يوم القيامة.
فالإنسان إما إلى الجنة والخلود فيها والذي أخبرت عنه آية البحث أو إلى النار بسبب الظلم والتعدي والجحود ، قال تعالى [وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ]( ).
وهل آية البحث من الإنذار أم أنها خاصة بالبشارة للمؤمنين الذين اخلصوا الإيمان واجتهدوا في الدعاء ، الجواب هو الأول فهي بشارة للمؤمنين في منطوقها ، وإنذار للكافرين في مفهومها .
الوجه الثالث : الصلة بين آية البحث وقوله تعالى [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( ).
وفيها مسائل :
الأولى : تكرر ضمير الجمع الغائب (هم) في قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ] في أول آية البحث مرتين ، ومن أسراره تعدد مصاديق هذا الضمير شموله الأجيال المتعاقبة للذين يدعون الله عز وجل.
الثانية : هذه الآية شاهد على فوز المؤمنين الذي اجتهدوا في طاعة الله من أيام أبينا آدم عليه السلام وهي وعد للذين يدعون ويطيعون الله من أيام التنزيل وإلى يوم القيامة لبيان قانون تنجز الوعود الإلهية في القرآن ، وهو ومن أسرار سلامته من التحريف والزيادة والنقصان .
الثالثة : لقد أخبرت آية السياق عن ذكر المؤمنين الذين سخّروا عقولهم للهداية إلى منازل الإيمان لله عز وجل والإستجابة لقوله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا]( ).
وهل تختص الإستجابة الواردة في آية البحث [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]بالدعاء وموضوع المسائل التي يتوجه بها المسلمون إلى الله عز وجل ، أم تشمل الذكر ، وإذا كانت تشمله فكيف يكون هذا الشمول ، الجواب تشمل الإستجابة ذكر المؤمنين لله عز وجل ، فيقضي الله عز وجل لهم الحاجات ، ويقربهم إلى مصاديق الرغائب ، ويصرف عنهم الأذى والبلاء بمواظبتهم على الذكر .
ومن خصائص كل إنسان كثرة الأماني وفق الميسور ، وما يفوق الميسور والمقدور ، ثم ينسى الإنسان هذه الأماني ، ولكن الله عز وجل لا ينساها إنما تكون حاضرة عنده في الدارين وإن لم يأت بها صاحبها وترفع بصيغة الدعاء ما داموا مجتهدين بالذكر وإقامة الصلاة ، ويدل عليه ما ورد في آية البحث التي هي آية الإستجابة بقوله تعالى [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ).
ليكون من الأجر والثواب وعدم تضييع عمل المسلمين والمسلمات انشراح النفوس ، وحال الطمأنينة وتنجز الرغائب بفضل من الله ، قال تعالى [أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ]( ).
مسائل في آية السياق
لقد تضمنت آية السياق أموراً :
الأول : ذكر أولي الألباب لله عز وجل بلحاظ عطف أول الآية على خاتمة الآية السابقة لها [لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ]( )، وبيان منافع الآيات الكونية الباهرة في هداية الناس .
الثاني : ذكر المؤمنين أولي الألباب لله عز وجل في كل حال وهيئة هم عليها ، وفي الليل والنهار ، والحل والترحال ، وعند الإستلقاء.
الثالث : اقتران ذكر المؤمنين لله عز وجل بتفكرهم في ماهية الخلق ، وعظمة المخلوقات ، والتسليم بقانون لا يقدر على خلق الأكوان إلا الله عز وجل .
وذكرت آية السياق خلق السموات والأرض ، ويشمل موضوع التفكر استدامة نصب ووجود السماء والأرض ، وعدم وقوع السماء على الأرض ، وفي التنزيل [وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ]( ).
و(عن عبد الله بن سلام قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه وهم يتفكرون فقال : لا تفكروا في الله ولكن تفكروا فيما خلق)( ).
الرابع : المبادرة إلى الإقرار بربوبية الله المطلقة ، ومناجاته والإستجارة به عز وجل [رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا]( ).
الخامس : تنزيه مقام الربوبية والثناء على الله بالقول [سُبْحَانَكَ].
السادس : لم ينحصر تفكر أولي الألباب بخلق السموات بل يشمل بدائع خلق الأرض مما يدل على الأسرار والكنوز التي في الأرض ظاهرها وباطنها ، وفي التنزيل [بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ]( ).
لقد أنشأ الله السموات والأرض ابتداءً منه تعالى من غير مثال ولا تفكر ، وأحكمها وفرغ منها لتكون آيات لأرباب العقول .
السابع : تنزيه مقام الربوبية ، والتسليم بحكمة الله المتناهية في كل ما يفعل.
الثامن : اختتام الآية بالدعاء للنجاة من النار التي أعدها الله للذين حرموا أنفسهم من مضامين هذه الآية الكريمة ، فلا يعبدون الله ، ويعرضون عن الآيات الكونية ، ولم يتدبروا في أسرار خلق الإنسان ووجوب عبادتهم لله عز وجل ، قال تعالى [وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ]( ).
لقد تضمنت آية البحث إلى جانب استجابة الدعاء الوعد الكريم من عند الله بأنه لا يضيع أي عمل صالح من المؤمنين والمؤمنات، صغيراً كان أو كبيراً هذا العمل ، لبيان أمور :
الأول : قانون الملازمة بين إعمال العقل وبين عبادة الله .
الثاني : ييان قانون عمل الصالحات لا يذهب سدىً .
الثالث : قانون الترغيب بعمل الصالحات ، إذ تبعث آية البحث الناس على الإجتهاد في طاعة الله .
الرابع : قانون الدعاء حاجة لكل إنسان في النشأتين .
الخامس : قانون التفكر في خلق السموات والأرض مع الإقرار بأن الله عز وجل هو الخالق لها وللناس وفيه أجر وثواب .
السادس : قانون التفكر في بديع صنع الله ثناء على الله عز وجل .
السابع : ثناء الله عز وجل على الذين يقرون بأنه وحده خالق الأكوان.
وتدل آية السياق على اقتران التفكر بعظمة الخلائق بالتسليم بأنها من بديع صنع الله ، بالبرهان اللمي وهو الانتقال من العلم بالعلة إلى العلم بالمعلول ، ومن المؤثر إلى الأثر .
أما البرهان الإني فهو الإنتقال من العلم بالمعلول إلى العلم بالعلة ، ومن الأثر إلى المؤثر ، وكل منهما فطري .
و(عن أنس بن مالك قال : قدم وفد إياد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما فعل قس بن ساعدة الإيادي .
قالوا : هلك . قال : أما إني سمعت منه كلاما ما أرى أني أحفظه .
فقال بعض القوم : نحن نحفظه يا رسول الله ، فقال : هاتوا . قال : فقال قائلهم : إنه وقف بسوق عكاظ ، فقال : يا أيها الناس ، استمعوا واسمعوا وعوا كل من عاش مات ، وكل من مات فات .
وكل ما هو آت آت . ليل داج ، وسماء ذات أبراج ، ونجوم تزهر ، وبحار تزخر ، وجبال مرساة ، وأنهار مجراة . إن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا.
أرى الناس يمرون ولا يرجعون ، أرضوا بالإقامة فأقاموا ؟ أم تركوا فناموا ؟ ثم أنشأ يقول : يقسم قس قسما بالله لا إثم فيه : إن لله تعالى دينا هو أرضى مما أنتم عليه .
ثم أنشأ يقول : في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها يمضي الأكابر والأصاغر أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر)( ).
سئل الإمام علي عليه السلام (بم عرفت ربك ، قال: بما عرفني نفسه، لا يشبهه صورة، ولا يقاس بالناس، قريب في بعده، بعيد في قربه، فوق كل شئ ولا يقال شئ تحته، وتحت كل شئ ولايقال شئ فوقه، أمام كل شئ ولا يقال شئ خلفه، وخلف كل( ) ولا يقال شئ أمامه، داخل في الاشياء لا كشئ في شئ، سبحان من هو هكذا لا هكذا غيره)( ).
و(قيل لطبيب : بم عرفت ربك ، قال باهليلج مجفف أطلق( )، ولعاب ملين أمسك وقال آخر : عرفته بنحلة بأحد طرفيها تعسل ، والآخر تلسع والعسل مقلوب اللسع)( ).
وقيل لبعض الأعراب : ما الدليل على أنَّ للعالم صانعاً .
فقال : إنَّ البعرة تدلُ على البعير ،وآثار القدم تدلُ على المسير ، وهيكل علَّوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة؛ أما يدلاَّن على الصانع الخبير)( ).
لبيان حجية الفطرة ، وأن الأعراب ليس كلهم [أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا]( )، وقد اثنى الله عز وجل على طائفة منهم فقال [وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).

بخصوص [أُولِي الْأَلْبَابِ]
ذكر خصوص أولي الألباب في قوله تعالى [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ]( )، ولم تقل الآية (ان في ذلك لآيات للمسلمين) أو (آيات للمؤمنين).
والألباب : جمع لب ، والمراد أهل البصائر والعقول الذي يأخذون اللباب ويتركون القشور ، فيتدبرون بماهية الأمور وعواقبها.
والنسبة بين أولي الألباب وبين المؤمنين عموم وخصوص مطلق ، وفيه وجوه :
الأول : إفادة الآية بأن الآيات الكونية طريق للتوبة والإنابة .
الثاني : بدائع خلق السموات والأرض سبب لصلاح المجتمعات .
الثالث : بيان قانون التفكر في خلق السموات والأرض من سبل الهداية.
الرابع : خشية أولي العقول الراجحة من النار وشدة العذاب فيها فيدركون بعقولهم سبل النجاة منها .
وقوله تعالى [وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ]( )، حجة على الناس إذ رزق كل واحد منهم العقل ، وجعله ألة التمييز بين الحق والباطل ، وإدراك وجوب الإيمان والإنزجار عن المعصية .
ومن خصائص التفكر في الخلائق طرد الغفلة والنسيان ، وهل التفكر في بديع صنع الله للأكوان من مصاديق قوله تعالى [وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ]( )، الجواب نعم .
فالتفكر في الأكوان بما أنها مخلوقة لله عز وجل من الذكر ، وفيه الأجر والثواب ، وهو واقية من إرتكاب المعصية في الخلوات .
و(عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل ثم قال له : فأدبر قال : وعزتي ما خلقت أعجب إلي منك بك أعطي وبك الثواب وعليك العقاب)( ).
لبيان أن العقل نعمة عظمى ، وحجة على الناس ووسيلة التواصل النافع بينهم بما يؤدي إلى الغبطة في الدنيا والفرح والسلامة من الخوف في الآخرة .
وتبين هذه الآيات كيف يؤدي تسخير الإنسان العقل للدعاء الذي يدل بالدلالة التضمنية على الإقرار بالتوحيد والحاجة إلى فضل الله.
ونزل في ذم الذين كفروا الذين لم يتدبروا بحقائق التنزيل وأسرار عالم التكوين [فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا]( ).
كلمة [سُبْحَانَكَ] دعاء
لقد تكررت كلمة [سُبْحَانَكَ] في القرآن تسع مرات ، وابتدأها الملائكة بعد أن تساءلوا عن جعل [فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]( )، وعجزوا عن معرفة الأسماء التي أمرهم الله عز وجل بالإخبار عنها [قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ]( ).
مما يدل على مواظبتهم عليها ، ولجوئهم إليها ككلمة تنزيه لمقام الربوبية فخص الله عز وجل بها المسلمين للزوم تعاهدها ووراثة الأرض بسنن التقوى.
وجرت هذه الكلمة على ألسنة الأنبياء منهم : ذو النون ، وموسى ، وورد في عيسى عليه السلام [وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ]( ).
ليتوارثها المسلمون وهو من الشواهد على وراثتهم للأنبياء ، وهي دعاء أهل الجنة يوم القيامة ، قال تعالى [دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]( ).
ليكون من ثمار الجنة في الدنيا تعلم المسلمين من الملائكة سابقاً ، ومن أهل الجنة لاحقاً بأن قول (سبحانك) هو من أسمى مراتب الدعاء والرجاء.
و(عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا قالوا سبحانك اللهم أتاهم ما اشتهوا من الجنة من ربهم)( ).
ووردت مادة (سبح) ومشتقاتها في القرآن اثنتين وتسعين مرة ، كما تعدد في الأحاديث النبوية ومعنى سبحانك أي تنزيه الله عز وجل مما لا ينبغي أن يوصف به ، وتقديره : سبحت تسبيحاً لله .
الدلالة النفسية غير اللفظية
اصطلاح مستحدث في علم المنطق
يكون تقدير الضمير (هم) المكرر في أول آية البحث [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ] بخصوص آية السياق على وجوه :
الأول : الذين يذكرون الله قياماً استجاب لهم ربهم .
الثاني : الذين يذكرون الله قعوداً استجاب لهم ربهم .
الثالث : الذين يذكرون الله على جنوبهم استجاب لهم ربهم .
الرابع : الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض استجاب لهم ربهم.
لايتاء هذا التفكر على الإقرار بأن الله عز وجل هو خالق عالم الأكوان ، فمع التفكر وهو كيفية نفسانية يأتي قولهم [رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا]( )، لتجتمع الدلالة اللفظية بهذا القول ، مع الدلالة النفسية غير اللفظية وهي التفكر.
وهذا الاصطلاح (الدلالة النفسية غير اللفظية) مستحدث في تأريخ علم المنطق نذكره هنا ، وهي غير الدلالة.
إذ تتعلق مواضيع علم المنطق بالأفكار والتدبر لذا عُرف المنطق بوجوه :
الأول : علم قوانين الفكر .
الثاني : العلم الذي يدرس صورة الفكر لا مادته .
الثالث : آلة تعصم الذهن من الخطأ .
والدلالة هي ما يتوصل بها إلى معرفة الشئ ، كدلالة الألفاظ على المعاني .
واللفظ الدال على معنى يلزم منه العلم بشيء آخر، وهو المدلول , ويحتاج علم الأصول تعريفات علم المنطق فيما يخص الألفاظ والدلالة وغيرها.
وتنقسم الدلالة الى قسمين :
الأول : الدلالة اللفظية : كدلالة اسم البقرة على الحيوان المعروف ، في قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً]( ).
الثاني : الدلالة غير اللفظية : كما في قوله تعالى[مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ]( ) ومنه إشارات المرور .
وبين الدلالة غير اللفظية والدلالة النفسية عموم وخصوص مطلق ، فالدلالة النفسية أخص ، وهي في ذات الإنسان ولذاته ، وقد تترجل إلى الخارج كما في آية السياق فبعد التفكر في خلق السموات والأرض صدر كل من الإقرار والإعلان والنداء مجتمعات بالقول [رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( ).
لبيان فائدة التفكر في الخلق من مقامات الإيمان ، وليس التفكر للجحود والعبث والعناد.
وتدل الآية على التفكر من مقامات الإيمان لمجئ التفكر في الخلائق بعد ذكر الله بقوله تعالى [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( ) ولبيان التشابه بين التنزيل وعالم التكوين ، وصيرورة القرآن مرآة لعالم الخلق ، لتكون آيات القرآن دليلاً وبرهاناً على بديع صنع الله ، وفي التنزيل [وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ]( ).
وتمتاز الدلالة النفسية المستحدثة هنا عن الدلالة الطبعية التي تقتضيها طباع الناس ، بأن النفسية أثر وانعكاس للمؤثر من غير أن يتخلف عنه ومنها التفكر واستقراء المسائل بواسطته .
إذ يقود التفكر بعظمة الخلق إلى الإقرار بالربوبية المطلقة لله عز وجل ، وأنه الذي يتعاهد الأكوان والخلائق كلها ، لذا اتجه المسلمون حال التفكر بالخلائق إلى الدعاء وسؤال الله سبحانه النجاة من النار .
ترى ما هي الصلة بين التفكر في عظمة الأكوان والتسليم بإنفراد الله عز وجل بالقدرة على خلقها ومثلها وبين سؤال النجاة من النار التي هي من النشأة الأخرى؟
يظهر الجواب في ذات الآية بلجوء أولي الألباب إلى الله [رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ]( )، للدلالة على إقرار المسلمين بأن الله لم يخلق الناس والخلائق عبثاً أو لعباً ، ولابد من منافع وفوائد ومواعظ وأسرار في الخلق.
إنما هناك عالم الحساب والجزاء الذي وعد به والقرآن يفسر بعضه بعضاً ، فهذه الدلالة النفسية حجة على الكفار ودعوة لهم للتوبة من سوء ظنهم في خلق السموات والأرض كما ورد في التنزيل [وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ]( ).
إعجاز الآية الذاتي
ابتدأت آية البحث بحرف الفاء لبيان الفورية وسرعة استجابة الله عز وجل للمؤمنين مع تعدد وكثرة دعائهم ومسائلهم ، ومن لطف الله عز وجل أن سرعة استجابته من مصاديق قوله تعالى [إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ]( )، وفيه بشارة بأن الفورية والسرعة في أمر الله لمنفعة الناس عامة ، والمؤمنين خاصة وهي من الجزاء الحاضر على أداء الفرائض على الدعاء والإلحاح فيه .
ومن إعجاز الآية ترغيب الناس بكثرة الدعاء ، وتعدد مسائله ، لذا وردت الاستجابة مطلقة [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ] من غير تقييد أو حضر بموضوع من أدعية الآيات الأربعة السابقة مع أنها تتضمن النجاة في النشأتين .
والنسبة المنطقية بين قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ] وبين الكلمات التي بعدها [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ]( )، هي العموم والخصوص المطلق ، فعدم تضييع الأعمال أعم وأوسع .
لأن النسبة بين العمل الذي تذكره آية البحث وبين الأدعية في الآيات الأربعة السابقة عموم وخصوص مطلق ، فالعمل أعم ويشمل التقيد بكل فرد من الأحكام التكليفية الخمسة .
ومن إعجاز آية البحث إكرام المرأة ، وبعث النساء لأداء الواجبات العبادية ، وتعاهد سنن التقوى وإدراك علم الله عز وجل بكل ما يفعل الناس ، وأن الله عز وجل يثيب على عمل الصالحات ، صغيرة كانت أو كبيرة .
و(عن زيد بن أسلم : أن رجلاً قال : يا رسول الله ليس أحد يعمل مثقال ذرة خيراً إلا رآه ولم يعمل مثقال ذرة شراً إلا رآه ، قال : نعم ، فانطلق الرجل وهو يقول : واسوأتاه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : آمن الرجل)( ).
لبيان الخشية والخوف من تبعة وآثار فعل السيئة وأن الله عز وجل لا يتركها ، ليس فقط في عالم الحساب في الآخرة ، بل في الدنيا ايضاً بالإبتلاء ومن عالم البرزخ ، لذا هدى الله عز وجل الناس إلى الدعاء كما في هذه الآيات التي تتضمن سؤال العفو ومغفرة الذنوب ، كما في قوله تعالى رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ.
لقد صدرت الأدعية في الآيات السابقة من أولي الألباب المؤمنين فأخبر الله عز وجل في آية البحث عن تفضله بالإستجابة ، لتفيد هذه الإستجابة أموراً :
الأول : قانون الإستجابة الفورية .
الثاني : تجلي مصاديق الإستجابة في الواقع اليومي للمؤمنين .
الثالث : منافع استجابة الله عز وجل للمؤمنين في الآخرة .
الرابع : فضل الله أعم من استجابة الأدعية .
لقد أمر الله عز وجل الناس بدعائه ، وضمن لهم الإستجابة بقوله تعالى [ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ]( )، وهو سبحانه يرزق ويهب غير الإستجابة.
وبعد إخبار الآية عن استجابة الله للدعاء تضمنت الثناء والوعد الكريم والمغفرة والبشارة العظمى لفريق من المسلمين وهم :
الأول : الذين هاجروا في سبيل الله .
الثاني : الذين أخرجوا من مكة وهاجروا إلى الحبشة وإلى المدينة (يثرب).
الثالث : الذين تلقوا الأذى في سبيل الله ، وهل يختص هذا الأذى بما يأتي من المشركين ، الجواب لا ، إذ يشمل الأذى والضيق في المكاسب وتعطل المعاشات ، ومخاطر السفر وطريق الهجرة .
الرابع : الذين قاتلوا في سبيل الله لإرادة قصد القربة في الدفاع عن بيضة الإسلام بحذف تقديره : وقاتلوا في سبيلي .
الخامس : الذين سقطوا شهداء في معركة بدر وأحد وغيرهما .
إعجاز الآية الغيري
تبين الآية قانون إحاطة الله بكل شئ علماً وإحصاءً ورحمةً ، وفي التنزيل [وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا]( )، وأنه سبحانه يسمع أدعية المؤمنين ويعلم بما يفكرون به لقوله تعالى [وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ]( )، وفيه تنبيه للناس باجتناب التفكير والرغائب والهمّ بما هو حرام ومنهي عنه ، وفي التنزيل [يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى]( ).
فما يحُدث الإنسان نفسه به يعلمه الله عز وجل ، وقد يبتليه بحضور مقدماته لذا تجد المؤمنين حالما يفكرون في ماهية الخلائق يبادرون إلى الإقرار بأن الله عز وجل هو الذي خلق الأكوان وأنه خلقها لحكمة ومنافع للناس ولامتحانهم كما ورد قبل أربع آيات [رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ]( ).
وتضمنت آية البحث البشارة والوعد الكريم من الله عز وجل للمسلمين والمسلمات بأن الله عز وجل يحصي ما يقومون به من العبادات وأعمال البر والصلاح ، ويثيبهم عليها ، ليكون من معاني قوله تعالى [وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( )، ترتب الثواب على إحصاء الصالحات وثبات هذا الإحصاء وحضوره يوم القيامة .
ويمكن تسمية آية البحث آية [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ] ولم يرد هذا اللفظ في القرآن إلا في آية البحث .
مفهوم الآية
لما تفضل الله عز وجل وجعل الإنسان [فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]( )، فانه هداه إلى الدعاء واللجوء إلى الله في السراء والضراء ، وحاجات الدنيا والآخرة ، وتفضل وأخبر في آية البحث عن استجابته للدعاء ، وتنجز المسائل التي سألها المسلمون ليكون من مفاهيم الآية ذم وتبكيت الذين كفروا لحرمانهم أنفسهم من نعمة الدعاء والإستجابة .
وأيهما أعظم الهداية إلى نعمة الدعاء ، أم الفوز بالإستجابة من الله ، الجواب هو الثاني [وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ]( ). لذا فان قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]( )، فتح مبين.
ولم تقل الآية (فاستجاب لهم الله) لدلالة صفة الربوبية وإضافتها للمسلمين الدعاة رحمة بهم ، وشاهد على حب الله عز وجل لهم.
وتبين آية البحث وحدة المسلمين بلحاظ أن الدعاء سور جامع لهم ، بقوله تعالى [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ]( ).
ومن مفاهيمه مفهوم بعضكم من بعض وجوه :
الأول : دعوة الآية المسلمين والمسلمين للتآلف والتآخي ، قال تعالى [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ]( ) ( ).
الثاني : تحريض المسلمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى التعاون والتكافل بينهم .
الثالث : بعث الخوف في قلوب المشركين من المسلمين في وحدتهم وتآزرهم ، فيكفوا عن غزو مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن المكر والكيد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، قال تعالى [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]( ).
الرابع : بيان قانون إكرام القرآن للمرأة .
الخامس : دعوة المرأة للإجتهاد في طاعة الله .
السادس : الأخذ بمشورة المرأة ، وعدم الإستخفاف برأيها ، وقد أخذ النبي شعيب بمشورة ابنته كما ورد في التنزيل [قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ]( ).
فمن مكر الله عز وجل استجابته دعاء المسلمين وإعانتهم للتآخي فيما بينهم ، ورمي المشركين بالإرباك والوهن والضعف والرعب ، قال تعالى [سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ]( ).
قانون تعاهد الدعاء
من مفاهيم آية البحث عدم ضياع دعاء المسلمين ، فقد أمر الله عز وجل بالدعاء ووعد عليه بالإستجابة ، قال تعالى [ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ]( ).
وجاءت آية البحث مصداقاً للإستجابة مع فضل وزيادة من عند الله عز وجل بأنه لا يضيع عمل أحد من المسلمين ذكراً أو أنثى ، فقد يغفل الإنسان عن الدعاء مع تقيده بأداء الفرائض العبادية .
وتبين الآية قانون أذى المؤمنين سواء من المشركين أو من واقع الحال الذي يصاحب الإيمان ، ويقاتل المسلمون في سبيل الله ، وفيه أذى شديد وأجر عظيم .
ولقد لاقى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه الأوائل الأذى قبل الهجرة ، ولاقوا مع الأنصار الأذى وواجهوا المشركين في سوح القتال بعد الهجرة وسقوط قتلى كما في كل من معركة بدر ، وأحد والخندق ، وحنين وغيرها .
ومن مصاديق عدم تضييع الله لعمل المسلمين والعفو والمغفرة للمجاهدين والشهداء قوله تعالى [وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ]( ).
وتدل خاتمة آية البحث على أن عالم الحساب والجزاء حق ، وكذا فوز المؤمنين بدخول الجنة ، والنجاة من النار وسيأتي بعد ثلاث آيات قوله تعالى [لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ]( ).
والقرآن يفسر بعضه بعضاً ، ولبيان تضمن آية البحث مصاديق متعددة من أبهى مصاديق التقوى التي تقود إلى الجنة ، قال تعالى [وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ]( ).
الآية سلاح
لقد بينت الآيات الأربعة السابقة اجتهاد المسلمين بالدعاء وذكر الله ، وهو من الشواهد على صدق الإيمان والإنقطاع إلى الله عز وجل ، وحبهم لله عز وجل ، والإقرار بأن مقاليد الأمور بيده ، وله المشيئة المطلقة ، وفيه دلالة على إقرارهم بأن الدعاء سلاح نافع ، وهو من وراثتهم للأنبياء إذ اتخذ الأنبياء الدعاء سلاحاً في هداية الناس وفي النجاة من المكر والكيد ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]( ).
والنسبة بين مكر الله وبين استجابة الدعاء عموم وخصوص مطلق .
وآية البحث تأمين وحرز في الدنيا والآخرة .
وهل مضامينها جزاء من عند الله على الدعاء والعمل الصالح ، أم أنه هبة ولطف من عند الله تعالى ، الجواب لا مانع من الجمع بين الأمرين لذا وردت بصيغة الإستجابة.
ومع الإستجابة تذكر آية البحث الثواب العظيم على عمل الصالحات ، ولم تقل الآية (لا اضيع عامل منكم) بل ذكرت العمل ، لبيان ترتب الثواب العظيم على ما قلّ وما كثر من الصالحات .
وفيه شاهد على توثيق وحفظ الله للأعمال إلى يوم القيامة .
ومن معاني السلاح في آية البحث بعثها الصبر والتحمل في نفوس المسلمين والمسلمات ، فاذا لاقاهم الأذى استحضروا الثواب العظيم من الله ، فتخف عنهم وطأة الأذى ليكون من معاني [وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي]( )، الوعد الكريم من الله عز وجل ، وتهيئة المسلمين لما يلاقونه من الأذى من المشركين .
وقد نزلت آية البحث في أيام شدة وبلاء من مشركي قريش وحلفائهم.
إفاضات الآية
تدل الآية على حب الله عز وجل للمسلمين ، وهدايتهم إلى دعائه ، والنسبة بين حب الله واستجابة الدعاء عموم وخصوص مطلق ، فحب الله أعظم .
وتدل الآية على حسن ظن المسلمين بالله عز وجل ، وخوفهم من الذنوب والتقصير في أيام حياتهم ولجوئهم إلى الله عز وجل وحده .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال (حسن الظن بالله أن لا ترجو إلا الله ولا تخاف إلا ذنبك)( ).
ومن حسن الظن بالله الرضا بفضل الله ، وإدراك أنه تعالى لطيف غفور رحيم ، يصرف البلاء ، ويدفع الغم وأسبابه ، ويشفي الإنسان من الأمراض والدرن ، وورد حكاية عن إبراهيم عليه السلام في التنزيل [وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ]( ).
لقد ختم الله عز وجل النبوة بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجعله الله نبياً رسولاً ، ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين وشاهداً على الأمم ، وجعل الكتاب الذي أنزله عليه وهو القرآن جامعاً لأحكام الشريعة ، وحفظه الله من الزيادة والنقصان والتحريف إلى يوم القيامة ، قال تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]( ).
و(عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل ابتنى داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة ، فكان من دخلها فنظر إليها قال : ما أحسنها إلا موضع اللبنة ، فأنا موضع اللبنة فختم بي الأنبياء)( ).
ومع هذا الختم وعد الله عز وجل المسلمين باستجابة ادعيتهم ، ولا تنحصر هذه الإستجابة بخصوص الآيات الأربعة السابقة بل تتضمن الآية فضل الله باستجابة أدعية المؤمنين والمؤمنات واقتران هذه الإستجابة بالوعد من الله الثواب العظيم على كل فعل عبادي وعمل صالح يقوم به المسلم والمسلمة.
ويحتمل الدعاء وجوهاً :
الأول : إنه عبادة .
الثاني : إنه عمل صالح .
الثالث : إنه عنوان مستقل بذاته .
ولا تعارض بين هذه الوجوه ، وكلها تصدق على الدعاء ، ولابد من إحصاء آيات الدعاء ، والإستجابة في القرآن بتتبع آياته آية آية ابتداءً من سورة الفاتحة وإلى آخر سورة الناس وقوله تعالى (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)( ) .
ومن الإعجاز في باب الدعاء في القرآن أن آيات آخر سورتين من القرآن كلها دعاء ، وهما سورة الفلق ، وسورة الناس ، وتسبقهما سورة الإخلاص التي هي ثناء على الله واقرار بالتوحيد .
وهل يشمل قوله تعالى في أول آية البحث [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ] الدعاء والإستعاذة في سورة الفلق وسورة الناس أم أن القدر المتيقن من الآية هو مضامين الآيات الأربعة السابقة ، الجواب هو الثاني ، لأصالة الإطلاق في الإستجابة ، ولقوله تعالى في آية البحث [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ).
الآية لطف
من أسماء الله اللطيف ، ويتجلى لطف الله عز وجل في كل دقيقة من حياة الفرد والجماعة ، ولولا لطف الله عز وجل لأحاطت بالناس المخاطر ، ولاقوا الويلات وامتلأت النفوس بالكدورة ، وتمنى الناس الموت .
ومن لطف الله عز وجل نزول آيات القرآن ، وكل آية لطف بذاتها وبصلتها مع غيرها من الآيات ، قال تعالى [أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ]( ).
والنسبة بين ذكر الله والآية القرآنية عموم وخصوص مطلق ، فالذكر أعم ، وآية البحث من اللطف الإلهي من وجوه :
الأول : ابتداء الآية بالإخبار عن استجابة الله عز وجل للمسلمين في دعائهم ، وتنجز هذه الإستجابة إذ وردت بصيغة الفعل الماضي (فاستجاب).
الثاني : الفورية في استجابة الله عز وجل لأدعية المسلمين ، بدلالة الفاء في (فاستجاب) وترتب الأثر على هذه الإستجابة ، بلحاظ مضامين الآيات الأربعة السابقة من جهات :
الأولى : الوعد بنجاة المؤمنين من النار ، لما تقدم في الدعاء [سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( ).
الثانية : الأمن والسلامة من الخزي يوم القيامة ، فمن مفاهيم الدعاء [رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ]( )، أمور :
أولاً : إقرار المسلمين والمسلمات باليوم الآخر ، وخلق الجنة والنار .
ثانياً : سؤال النجاة من الخزي يوم القيامة .
وهل ينحصر الخزي يوم القيامة بدخول النار ، المختار لا ، لتعدد مواطن يوم القيامة ، لذا ورد في الآية السابقة [وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ] بعد النفخ في الصور وانقطاع الحياة الدنيا بسرعة يكون البعث من القبور بعد نزول المطر وثبات الأجساد كالزرع ، ثم ينفخ في الصور النفخة الثانية .
(وقال عبد الله بن عمرو قال رسول الله يخرج الدجال فيبعث الله عز وجل عيسى بن مريم عليه السلام كأنه عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه ثم يلبث الناس بعده تسع سنين ليس بين اثنين عداوة .
ثم يرسل الله عزوجل ريحا باردة من قبل الشام فلا تبقي أحدا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم كان في كبد جبل دخلت عليهم قال سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ويبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيأمرهم بالاوثان فيعبدونها وهم في ذلك دارة أرزاقهم حسنة عيشتهم ثم ينفخ في الصور فلا يبقى أحد إلا صعق ثم يرسل الله أو ينزل الله مطرا فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون)( ).
والبعث لغة هو الإرسال ، وفي الاصطلاح هو إحياء الله تعالى للناس بعد موتهم ، واخراجهم من قبورهم ، قال تعالى [وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ]( ).
ثم يأتي النشور والتفرق في الأرض بفزع من هول المطلع ، ويحشر الناس في أرض المحشر يوماً واحداً ذكر أن مقداره خمسون ألف سنة ، ليأتي الحساب والميزان والحوص والعبور على الصراط والشفاعة ليبكي الإنسان على ظلمه لنفسه ، بعد أن يرى ما اقترفه في حياته مدون في صحيفته التي في يده .
ثالثاً : التبرأ من الظلم للذات والغير وهو من معاني الآية [وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ]( )، وقد يجد أعواناً في الدنيا ، ولكنهم يكونون عوناً وشهوداً عليه يوم القيامة ، ويحصل التبرأ بينهم .
رابعاً : سؤال العصمة من نصرة الظالم إذ يسأل المؤمنون الله عز وجل ألا يكونوا ظالمين ، ولا ينصروا الظالم .
الثالثة : إعلان المسلمين الإيمان بالله ، وصيرورة هذا الإعلان دعاءً وشهادة لهم ، ومن دلالات صيغة الجمع في (فآمنا) شهادة كل مسلم لغيره من المسلمين بالإيمان .
الرابعة : توجه المسلمين إلى الله بسؤال العفو والمغفرة والتجاوز عن السيئات والخطايا ، ليدخلوا عالم البرزخ وقد تغشاهم الله عز وجل بالمغفرة ومحو الذنوب ، فلا يجد منكر ونكير عند المسلم من الذنوب ما يحاسبانه عليه الحساب الإبتدائي .
الخامسة : تفقه المسلمين في الدين ، ومعرفتهم بوجود أمة من الأبرار في كل زمان ، وسؤال الله عز وجل للإرتقاء إلى مرتبتهم التي تتجلى بالإيمان وأداء الفرائض العبادية وعمل الصالحات ولإرادة الفوز بثواب الإبرار ، قال تعالى [إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ]( ).
السادسة : الثناء على الله عز وجل لوعده المؤمنين على ألسنة الأنبياء والرسل باللبث الدائم في النعيم الأخروي ، والله عز وجل إذا وعد وفى ، وفي التنزيل [أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( )، وقد ذكر الخزي والإستعاذة منه في الآيات الأربعة المتقدمة مرتين :
الأولى : الخزي الذي يلحق أهل النار .
الثانية : الخزي يوم القيامة ، كما ورد في الآية السابقة [وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ].
والنسبة بين الخزي في الحالتين عموم وخصوص مطلق ، فالخزي يوم القيامة أعم ويدل سؤال المسلمين الله عز وجل لنجاتهم من الخزي العام والخاص .
وهل يختص قوله تعالى [إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ]( )، بمضامين الآية السابقة وحدها ، الجواب لا ، إنما يشمل الدعاء في الآيات السابقة ، ولبيان قانون من الإرادة التكوينية وهو تنجز وعد الله ، وفي التنزيل [وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا]( ).
الثالث : من مصاديق اللطف الإلهي في آية البحث الإطلاق والموجبة الكلية في استجابة الله عز وجل لأدعية المؤمنين ، بقوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]( ).
الرابع : إلى جانب استجابة الله عز وجل لدعاء المؤمنين فانه تعالى يثيبهم على كل عمل صالح عملوه مجتمعين ومتفرقين .
الخامس : التخفيف السماوي عن الصحابة وعامة المؤمنين من الأذى الذي لاقوه في سبل الهداية ، وقصد القربة في أعمالهم .
السادس : من أبهى مصاديق اللطف الإلهي الوعد بالجنة للمؤمنين الذين أوذوا في سبيل الله ، والتقييد بالإيمان للزوم صدور الفعل العبادي بقصد القربة إلى الله ، وإرادة وجهه تعالى في الصالحات لما ورد في آية البحث [وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي]( ).
قانون اللطف الشخصي والخاص والعام
قال تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ]( ).
من خصائص الآية القرآنية بعث الإنسان لمنازل الإمتثال لأوامر الله ، والإبتعاد عما نهى عنه ، ومن أبهى مصاديق اللطف قوله تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]( ).
والنسبة بين الرحمة واللطف عموم وخصوص مطلق ، فالرحمة أعم ، وليس من حصر لكل من الرحمة واللطف الإلهي .
ومن الآيات أن كل إنسان من أيام آدم وإلى يوم ينفخ في الصور لله عز وجل عليه لطف يمتاز به عن غيره من الناس يمكن أن أسميه قانون اللطف الشخصي.
وهو من قانون الخلافة في الأرض ، قال تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]( )، ويمكن تقسيم اللطف الإلهي تقسيماً استقرائياً إلى :
الأول : اللطف الشخصي الذي يصيب كل إنسان على نحو خاص ومستقل ، وهو مثل بصمة اليد ، وبصمة العين ، فلا تجد اثنين من أيام آدم وإلى يوم ينفخ في الصور يلتقيان بذات الخصوصية ومثله بصمة الأذن التي اكتشف حاسوب خاص لها .
ومن بديع خلق الإنسان أن بصمة الأذن اليمنى تختلف عن بصمة الأذن اليسرى عند الشخص الواحد ، وكذا يختص كل إنسان بمصاديق وأفراد من اللطف الإلهي لا تكون عند غيره من الناس.
وهل تعلم الملائكة خاصة الحفظة بهذا اللطف ، قال تعالى [لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ]( ).
الأقرب أنها تعلم به إجمالاً وليس على نحو التفصيل والتمام الذي لا يحيط به إلا الله عز وجل ، وهو من مصاديق [سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا]( ).
ومن اللطف الخاص الرزق وصحة البدن ، والهداية إلى الصلاح وتيسير سبل التوبة ، وموارد يختص بها الإنسان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أسرته ومحيطه ، وهو من مصاديق [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا]( ).
فكل شخص تهيئ له كيفية في الأمر والإعانة على الصبر ، ويصيب اللطف الخاص البرّ والفاجر ، والذكر والأنثى .
وقد أكرم الله المؤمنين بذكر هذا القسم من اللطف بقوله في آية البحث [لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ).
ومن اللطف الشخصي السعة والغنى ومنه [الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا]( )، وقد يجتمع المال وأداء الوظائف العبادية المالية ، كأداة الزكاة وحج بيت الله الحرام ، لذا فان الإستطاعة نعمة عظمى وكذ تهيئة المقدمات العقلية للحج ، قال تعالى [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا]( ).
ومن هذا اللطف التحلي بالصبر والأخلاق الحميدة ، قال تعالى [وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ]( ) ومنه الرزق الكريم ، وصرف البلاء والدرن .
وهل يحضر اللطف الشخصي مع صاحبه يوم القيامة ، الجواب نعم ، ليكون حجة عليه ، قال تعالى [فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ]( ).
الثاني : اللطف الخاص : وهو الذي يأتي للأسرة والجماعة والطائفة والفرقة أو أهل بلد في مناسبات مخصوصة أو مطلقاً ، ومنه السعة في الرزق ، والسعادة والألفة والسكن تحت سقف واحد مستقل ، والتكافل والأخلاق الحميدة ، ويأتي اللطف على نحو دفعي أو تدريجي ، وترى شواهد عديدة في اتصاف طائفة من الناس بنعم وخصائص غير موجودة عند اقرانهم .
ومن اللطف الخاص في آية البحث العناء والأذى الخاص الذي ابتلي به كل مؤمن في طريق الهجرة إلى الله ، وشدة الأذى الذي لاقاه سواء الأذى من المشركين ، أو المشاق التي واجهها في الهجرة ومسالك الطاعة ، وفي التنزيل [لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى]( ).
ومن الخاص نزول المطر ، وخصوبة الأرض ، وكثرة الثمار وكنوز الأرض ، والوقاية من الحروب .
الثالث : اللطف العام : وهو الذي يصيب الناس جميعاً نعمة من عند الله عز وجل على عباده وحجة عليهم ، وهو من مصاديق رحمة الله ، لذا تبدأ كل سورة من القرآن بقوله تعالى [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ].
وباللطف الإلهي تستديم الحياة في الأرض ، ويتكاثر الناس ، ويتنعمون بالطيبات ، وتزداد أرزاقهم ، والله يعلم السرائر وخفايا الأمور ، وبواطن الأشياء ، ودقائق الخفايا ، وما تختلجه النفوس فيقرب الله الناس بلطفه إلى الطاعات ، ويجعل وبرفق حجباً دون ارتكابهم المعاصي ، وفي التنزيل [إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ]( ).
وورد اسم (اللطيف) سبع مرات في القرآن كلها لله عز وجل لبيان قانون لا يقدر على الإطراد في اللطف واستمراره وعمومه إلا الله عز وجل ، وورد هذا الاسم المبارك بصيغة العموم والإطلاق من غير تقييد ، ومنه قوله تعالى [اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ]( ).
وتتضمن آية البحث اللطف الشخصي واللطف الخاص والعام ، بقوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]( )، لبيان تعدد أدعية المسلمين وانفراد كل مؤمن بأدعية مخصوصة ، كما أن الإستجابة تأتي على نحو القضية الشخصية ومسألة عين ، وتأتي للطائفة والأمة مجتمعة ومتفرقة ، وينتفع الناس عامة من استجابة الله عز وجل لأدعية الصالحين .
وعن الإمام علي عليه السلام :
دواؤك فيك وما تبصر … وداؤك منك وما تشعر
وتزعم أنك جرم صغير … وفيك انطوى العالم الأكبر.
وأيها أكثر اللطف الشخصي أم الخاص أم العام ، الجواب اللطف العام هو الأكثر الذي ينتفع منه الناس جميعاً ، ومنه بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودين الإسلام ، قال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]( ).
مراتب اللطف
ويمكن تقسيم اللطف الإلهي تقسيماً آخر إلى أقسام :
الأول : اللطف الظاهر للحواس ، من السمع والبصر والشم والذوق واللمس .
الثاني : اللطف الذي تدركه العقول .
الثالث : اللطف في بعثة الأنبياء ونزول الكتب السماوية ومنها القرآن ، ومن إعجاز كل آية منه لطف من الله في مضامينها وأحكامها ودلالتها ، وهو من الشواهد على سلامته من التحريف ومن الزيادة والنقصان .
الرابع : اللطف الخفي الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل ، قال تعالى [فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ]( ).
وأيها أكثر من هذه الأقسام ، المختار هو الأخير ، وهو من مصاديق قوله تعالى [َوإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
وذهب المعتزلة إلى وجوب اللطف على الله في كبرى قياس :
الكبرى : اللطف واجب على الله .
الصغرى : بعث الأنبياء لطف .
النتيجة : بعث الأنبياء واجب على الله .
وقالوا لو لم يبعث الله الأنبياء لكان قبيحاً ، والقبيح ممتنع على الله ، أما امتناع القبيح على الله فهو صحيح ولا أصل لهذا الوجوب ، فمن مصاديق تنزيه مقام الربوبية الإمتناع عن القول هذا الأمر واجب على الله ، فلا يجب عليه سبحانه شئ .
ولكن طرق ووسائل التبليغ والهداية لا يعلم كثرتها إلا الله تعالى ، ولو لم يبعث الله الأنبياء لأوجد أكثر من ألف طريق ، كل واحد منها يؤدي ذات وظيفة الأنبياء في البشارة والإنذار وهداية الناس إلى الإيمان ، ولا تستعصي على الله مسألة ، ويفضل فيها الأنبياء وأهل البيت والمهاجرين والأنصار ، وقد جعل الله العقل عند الإنسان رسولاً باطنياً .
وحينما علّم الله عز وجل آدم الأسماء بقوله تعالى [وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا]( )، لم يعلّمه مثل هذا القول بالوجوب على الله إنما علّمه التكاليف وأن الإنسان يتلقى الأحكام التكليفية الخمسة ، نعم بعثه الأنبياء رحمة من عند الله ومصداق من مصاديق لطفه تعالى التي يعجز الناس عن إحصائها ، قال تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]( ).
لتدل الآية في مفهومها على الزجر عن القول هذا يجب على الله سواء وفق قاعدة التحسين والتقبيح العقليين أو لا .
وهل يختص اللطف الخاص بالمؤمنين والمؤمنات ، الجواب لا ، إنما هو عام يتغشى كل أسرة وجماعة أو طائفة أو فرقة أو أمة ، نعم هو على مراتب متفاوتة قوة وضعفاً ، ويفوز المؤمنون بالنصيب الأوفر من مصاديق اللطف ، ومنها آية البحث .
الآية بشارة
لقد جعل الله عز وجل القرآن الكتاب السماوي النازل بالبشارات ، ومن أسرار بقاء القرآن يتلى كل يوم إلى يوم ينفخ في الصور كثرة البشارات فيه ، سواء البشارات للدنيا والأمن والرزق الكريم فيها ، أو بشارات الآخرة ، وهي أعظم البشارات ، وأعلاها اللبث الدائم في النعيم .
ومن مصاديق البشارة في آية البحث وجوه :
الأول : اخبار آية البحث عن إستجابة دعاء المسلمين مع تعدد مسائل الدعاء في الآيات الأربعة المتقدمة ، ولا تختص الإستجابة بها ، بل تشمل أدعية المسلمين والمسلمات التي وردت في القرآن، والتي ترد في السنة النبوية من الأدعية المأثورة ، والأدعية الخاصة لأصالة الإطلاق ، ولأن الله عز وجل يعطي بالأوفى والأتم ، وفيه شاهد على عموم البشارة موضوعاً ومحمولاً .
الثاني : البشارة بأن الله عز وجل لا يضيع عمل أي مسلم أو مسلمة ، وجاءت الآية بصيغة السالبة وشرط لا (لا أضيع) لأن المنافع والأجر العظيم على الأعمال الصالحة للمؤمنين والمؤمنات الصالحة ، ولا يحيط بها ولا يحصيها إلا الله عز وجل .
الثالث : شمول الإستجابة من الله للمسلمات مثلما يستجيب الله عز وجل للرجال ، ترى لماذا ذكر الله عز وجل الأنثى في الآية ، الجواب من جهات :
الأولى : إكرام المرأة .
الثانية : ترغيب البشارة بالدعاء .
الثالثة : إخبار النساء بأن الله عز وجل يراهن ويسمع كلامهن ، وفي التنزيل [قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ]( ).
الرابعة : دعوة المسلمين لتهيئة مقدمات عبادة وطاعة المسلمين لله عز وجل .
الخامسة : بعث المسلمين والمسلمات للتعاون في مرضاة الله ، وهو من مصاديق قوله تعالى [بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ]( ) وحضهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال تعالى [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ]( ).
الرابع : البشارة بالأجر والثواب للمؤمنين والمؤمنات على الأذى الذي لاقوه في طريق الهجرة ، وفيه مواساة وتخفيف عنهم ، ودعوة لهم للصبر والثبات في مقامات الإيمان .
الخامس : البشارة بالجنة على الإيمان والعمل الصالح ،وهل تذكر الآية الثواب الآخروي الذي يأتي للإنسان في حياته وبعد موته بسبب إيمان وصلاح الذرية .
الجواب نعم ، وهو من فضل الله عز وجل على الإنسان ، وفيه دعوة إلى توارث الإيمان ، قال تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ.
ويكون من معاني قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]( ) أي في دعائهم لأنفسهم ولآبائهم وذراريهم لتشمل الإستجابة المتحدة للموجود والمعدوم .
قانون تعدد البشارة في الآية الواحدة
من إعجاز آية البحث تعدد البشارة للمؤمنين الذين ذكرتهم من جهات:
الأولى : نعمة الإستجابة ومعاني الوعد فيها .
الثانية : ترغيب المسلمين بالدعاء ، وبيان أنه من أعظم الأعمال نفعاً في الدنيا والآخرة ، وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الإمام في الدعاء والإجتهاد فيه ، عن (ابن عمرو قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر الدعاء يقول : اللهم إني أسألك الصحة ، والعفة ، والأمانة ، وحسن الخلق ، والرضا بالقدر)( ).
الثالثة : المغفرة ومحو السيئات .
الرابعة : دخول الجنات ، مع بيان صفة من صفاتها وهي جريان الماء فيها.
الخامسة : الخلود في النعيم ثواب من عند الله .
ولم يطلب المؤمنون في هذه الآية عدم تضييع عملهم ، ولكنه من اللطف الإلهي ، والفضل والثواب على الدعاء ، وبيان قانون من الإرادة التكوينية وهو أن الله عز وجل يستجيب للدعاء ، ويزيد عليه بأضعافه من المنن والعطايا .
وعن مجاهد عن أم سلمة قالت (آخر آية أنزلت هذه الآية: { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} إلى آخرها)( ).
والإستجابة في آية البحث مترتبة على ما في حيزها من الأدعية وغيرها ، فاستجاب تعدى باللام في (لهم) ، أي أجاب الله طلبتهم ودعاءهم
وتدل هذه الآيات على تفقه المسلمين في المعارف الإلهية ، فقد استجاروا بالله عز وجل من الخزي الذي يصاحب دخول النار ، كما في قوله تعالى [رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ]( ).
الآية إنذار
الإنذار هو الإخطار والإشعار بوقوع أذى يترتب على فعل يلزم الإمتناع عنه وتركه ، ويقترن هذا الإشعار بالتخويف لبيان عدم إختلاف المعنى في الاصطلاح للإنذار عن معناه اللغوي .
ومن إعجاز القرآن مجئ الإنذار فيه بصيغة النص ، والبيان الصريح مثل [وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ]( ) .
وما يترتب على عدم الإنتفاع من الإنذار ، والإقامة على الفعل المنهي عنه ، ومنه قوله تعالى في قوم لوطاً [وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ]( )،إذ نجّا الله عز وجل لوط ومن معه من المؤمنين .
ثم أنزل الله على الذين أصروا على إرتكاب الفاحشة وإكتفاء الرجال بالرجال [حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ]( ) أي من طين متحجر ، لبيان لزوم تلقي الإنذار الإلهي بالقبول والإحتراز من إرتكاب الفعل المنهي عنه .
ويستقرأ الإنذار تارة في القرآن من مفهوم البشارة ، لذم الذي يحرم نفسه من الفوز بالبشارة القرآنية .
وفي إبتداء آية البحث بقوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]( ) ثناء على المؤمنين ، وشكر من الله عز وجل لهم على دعائهم وإخبار للناس جميعاً بأن دعاء المؤمنين لم يذهب سدىً ، ويدل في مفهومه على ذم الذين كفروا لإعراضهم عن نعمة الدعاء [فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ]( ) ، وإنذار لهم باستجابة الله عز وجل لدعاء المؤمنين في الغلبة والنصر على الذين كفروا ، وإنعدام الناصر لهم في النشأتين .
مما يدل على أن المعنى الإتحاد والإخوة وصلة الإسلام الذي هو سور الموجبة الكلية الذي يجمعهم ولبيان وجوب طاعة الله على كل مسلم ومسلمة وفوزهم بالثواب واستجابة الدعاء .
وقد ورد في ذم المنافقين ، قال تعالى [الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ]( ).
ومن خصائص آية البحث بيان المنافع العظيمة في صلاح النساء ، وبعثهن للزوم تربية الأولاد ذكوراً وإناثاً وإصلاحهم لفعل الخيرات .
ومن الآيات في خلق المرأة جعل غشاء البكارة أمانة لتنزيه النساء من الزنا والسفاح ، ليكون من معاني قوله تعالى [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] صحة ولادة المؤمنين ثم أشارت الآية للزوم استثمار أيام الحياة الدنيا بعمل الصالحات ، والاكتناز لعمل الآخرة ، والسعي المقرون بالأمل للنهل من [حُسْنُ الثَّوَابِ]( ).
تباين لون الكتب يوم القيامة
ومن خصائص يوم القيامة تطاير الكتب ، ليؤتى المؤمنون أهل اليمين كتبهم في أيمانهم ، ويؤتى أهل الشمال الذين ماتوا على الكفر والظلم والنفاق كتبهم بشمالهم ومن وراء ظهورهم .
و(عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدالٌ ومعاذيرُ، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله)( ).
وأستحدث هنا مسألة وهي هل تكون كل الكتب يومئذ بلون واحد أم أن لون كتب أهل اليمين بلون ، وكتب أهل الشمال بلون آخر ، المختار هو الثاني بحيق تعلم الخلائق بسنخية الكتاب وأعمال الفرد حالما ينظرون إلى لون كتابه من غير أن يسألوه .
وهل تتعارض هذه المسألة مع قوله تعالى [فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ]( )، وقوله تعالى [وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ]( )، الجواب لا .
ليكون من مواطن يوم القيامة موطن يتفاخر به المؤمنون بأعمالهم ومظهر الجزاء عليها ، ويعلن المشركون والذين رجحت سيئاتهم على حسناتهم الندامة ، قال تعالى [كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ]( ).
فقد نادوا واستغاثوا حين نزل العذاب بهم في الدنيا كعذاب قوم صالح ، وقوم لوط والحال أنه لا مهرب ولا منجي وليس الوقت وقت قبول التوبة ، ولا وقت فرار وخلاص ، والنوص ، التأخر ، والبوص : التقدم .
قال تعالى [وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا]( ).
الصلة بين أول وآخر الآية
ابتدأت الآية بحرف الفاء لإفادة العطف والإستئناف ، والدلالة على اتصال هذه الآية بالآيات السابقة لها لقوله تعالى [فَاسْتَجَابَ] لما سبق آية البحث من الأدعية التي حفظها الله للمسلمين ، ووثقها في القرآن الكتاب لخالد إلى يوم القيامة والسالم من الزيادة والنقصان .
لقد تكرر النداء (ربنا) خمس مرات في الآيات الأربعة السابقة ومع كل نداء مسألة أو مسائل متعددة من الدعاء فمثلاً قوله تعالى [رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ]( )، وردت ثلاثة مسائل وأدعية .
لتتجلى قدرة الله على كل شئ ، وسعة كرمه بأن أخبر عن استجابته لهذه الأدعية بكلمة واحدة وهي [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]( ).
ولا تختص الإستجابة في هذه الآية بالأدعية الواردة في الآيات الأربعة السابقة ، بل هي أعم ، ومن أسماء الله الحسنى (المجيب) .
ومن وجوه تقدير أول آية البحث : [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]فيما سألوه في الآيات السابقة وغيرها .
ترى لماذا لم تقل الآية (فاستجاب لكم ربكم) بصيغة الخطاب والمماثلة مع الدعاء ، الجواب من جهات :
الأولى : بيان أن الله عز وجل ربّ الناس جميعاً ، وفي التنزيل [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]( ).
الثانية : قانون ترغيب الناس بالدعاء .
الثالثة : بيان قانون الإستجابة العامة من الله للسائلين .
الرابعة : مجئ صيغة الخطاب بعد الإستجابة .
الخامسة : توجه الإخبار عن استجابة دعاء المؤمنين للناس جميعاً ، للشهادة والدعوة للإيمان ، وخزائن الله عز وجل لا تنفد ، وعنده المزيد.
ولم تأت الإستجابة بصيغة الوعد إنما نزلت بلغة التحقق والتنجز لبيان أن أهل الجنة يفوزون بمقاعدهم فيها ، وهم في الحياة الدنيا لإختتام الآية بالوعد الإلهي [وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ]( ).
وبعد ابتداء آية البحث بالإخبار المبارك عن استجابة الله عز وجل للمؤمنين انتقلت الآية إلى صيغة الخطاب وهو الذي يسمى في البلاغة (الإلتفات) فقال تعالى [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ]( ) أي أعمال المؤمنين أولي الألباب .
لقد سألوا الله عز وجل مسائل مخصوصة في الآيات السابقة ، فأخبرت آية البحث عن الإستجابة لهم في ذات المسائل وغيرها مع الوعد الكريم بأن الله عز وجل يثيبهم على كل عمل صالح عملوه ، وفيه وجوه :
الأول : يتجلى في هذا الإخبار والوعد قانون أعظم بشارة يتلقاها الناس في الحياة الدنيا .
الثاني : قانون إختصاص المؤمنين بكثرة البشارات في الحياة الدنيا .
الثالث : قانون حضور البشارة في الدنيا يوم القيامة ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ]( ).
ترى ما هي النسبة بين [عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ] وبين الإحسان الذي تشير إليه الآية أعلاه ، الجواب هو العموم والخصوص المطلق ، فالعمل الذي تذكره الآية أعلاه أعم وان كان الأصل كل فرد منه إحساناً للذات بما فيه الذكر والتسبيح ، إذ لا يضيعه الله عز وجل وإن كان إخفاتاً .
ثم ذكرت آية البحث عامة المؤمنين من الرجال والنساء لمنع الإستخفاف بعمل المؤمنات ، ولترغيبهن بالعمل الصالح ، وفيه إكرام لهن .
وهل تربية الأولاد تربية إيمانية وصالحة من العمل الذي يؤجرهن الله عز وجل عليه ، الجواب نعم .
وقيل في معنى [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] أي أنكم من أصل واحد ، ولكن الآية أعم ، فقد ورد هذا اللفظ مرتين في القرآن ، احداهما في هذه الآية ، والأخرى خطاب للمسلمين أيضاً بقوله تعالى [وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
لإفادة الأخوة بين المسلمين والمسلمات بصبغة الإيمان واتحاد ملة التوحيد والتصديق بالرسل والكتب السماوية المنزلة ورجاء فضل الله في النشأتين.
(وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسَّهر.
وقال : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه)( ).
وتبعث الآية المسلمين على التراحم بينهم ، وإشاعة الألفة والمودة والمحبة بين الأزواج ، لتكون الآية من مصاديق قوله تعالى [وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ]( ).
ومن إعجاز آية البحث الإلتفات إذ ابتدأت آية البحث بصيغة الغائب [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ] ثم انتقلت إلى صيغة الخطاب ، ولا يختص الأمر بالبلاغة بل له دلالات منها قانون الترغيب بالدعاء ، وأن الإستجابة لعموم المسلمين من الأجيال المتعاقبة من آدم وإلى يوم القيامة .
أما لغة الخطاب فهي خاصة بالمهاجرين والأنصار وأجيال المسلمين .
ثم عادت الآية إلى لغة الغائب [فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] لذكر خصوص الأذى الذي لاقاه المهاجرون والأنصار ، ومن تعرض لمثله من أتباع الرسل وعموم المسلمين والمسلمات .
وهل يختص دخول الجنة بهم ، الجواب لا ، إنما يشمل كل الذين ذكرتهم آية البحث والآيات المشابهة لها بشرط الإيمان والعمل الصالح ، قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا]( ).
لقد ابتدأت آية البحث بالإخبار بصيغة القطع عن استجابة الله عز وجل ، واختتمت الآية بأن دخول المؤمنين الجنة بفضل وثواب وجزاء من عند الله ، وأن هذا الثواب لا يقدر عليه إلا هو سبحانه .
وورد في آخر الآية قانون عام يتغشى الملائكة والإنس والجن بأن الله عز وجل عنده حسن الثواب .
قانون توارث الإيمان
تدل آية البحث على أن الله عز وجل يسمع الدعاء ، ويجزي عليه بالفضل والثواب العظيم ، لتبعث الآية المسلمين على الإجتهاد في الدعاء بخصوص مضامين هذه الآية ، وما هو أعم .
وتبين الآية أن ما يحدث للمؤمنين وذويهم لا يختص بقانون العلة والمعلول ، والسبب والمسبَب وحده ، بدليل الإستجابة المطلقة من الله عز وجل لدعائهم ، وقضاء حوائجهم .
وتبين الآية الأخوة والإتحاد بين المسلمين والمسلمات بقوله تعالى [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] وفي الحرف الجر (من) إشارة لتوارث الإيمان ، وتبادل المعارف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين المؤمنين والمؤمنات وكيف أنهم أمة واحدة يجمعهم التوحيد والتصديق بالنبوة وأداء الصلاة خمس مرات في اليوم ، وصيام شهر رمضان إذ يتلقون إطلالة الصيام مثلاً بالغبطة والإستبشار مع ما فيه من التكليف والإمتناع عن الأكل والشرب طيلة أيامه ، واتيان الفرائض العبادية الأخرى .
ليكون هذا التلقي إعجازاً وشاهداً على امتلاك الله عز وجل للنفوس في خلجاتها من عمومات قوله تعالى [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ]( ).
ومن معاني الآية أعلاه رؤية وإدراك المسلمين لمصاديق استجابة أدعيتهم في الحياة الدنيا ، التي تدل عليها (الفاء) في فاستجاب لإفادتها الفورية في استجابة الله عز وجل للمؤمنين ، وفيه تأديب للمسلمين بالمبادرة إلى الدعاء ، وبالتعجيل في فعل الخيرات لإرادة الثواب ، قال تعالى [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ]( ).
ومن الإعجاز الغيري للآية التأكيد على اليوم الآخر وأنه حق ، ومن الآيات أن ذكر الآخرة ورد في الآية بذكر النعيم ، والجنات بصيغة الجمع وكيف أن الأنهار تجري من تحتها مع بيان اختصاص المؤمنين بها ، ومنهم الذين هاجروا وصبروا وجاهدوا في سبيل الله .
ومن خصائص الجنة خلوها من المنغصات والرزايا ومن وسوسة إبليس وأسباب ومقدمات الفتنة والإفتتان ، ولا يلحق أهلها تعب أو كدورة.
واختتمت الآية بترغيب الناس جميعاً بالثواب العظيم بقوله تعالى [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ]( )، الذي عند الله وحده ، ولا يقدر عليه غيره .
ولبيان قانون باب الله لا يغلق ، فيلجأ الإنسان إلى الله عز وجل في حال الرخاء والشدة ، أما حال الرخاء فلاستدامته وزيادته لقوله تعالى [لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ]( )، وأما حال الشدة والضراء فلدفعها ومحوها .
وفي سبب نزول آية البحث ورد (عن سلمة بن عمرو بن أبي سلمة، رجل من ولد أم سلمة قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء ، فأنزل الله تعالى فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى( ).
وموضوع الآية أعم من الهجرة وأسباب النزول ، والمدار على عموم معنى ودلالة كلمات الآية ومن أسرار الآية القرآنية بقاؤها غضة طرية تتجلى مصاديقها والشواهد عليها في كل زمان .
من غايات الآية
وفيها مسائل :
الأولى : بيان قانون من الإرادة التكوينية ، وهو الدنيا دار الإستجابة من عند الله عز وجل لأدعية المؤمنين ، وفي التنزيل [قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ]( ).
الثانية : ترغيب الناس بالدعاء .
الثالثة : قانون سرعة الاستجابة من الله عز وجل بدليل أمرين :
الأول : مجئ الإخبار عن إستجابة الله لأدعية المؤمنين حالما نطقوا بها ، فليس ثمة مسافة وفترة وتراخ بين قوس صعود الدعاء ، وقوس نزول الإستجابة .
الثاني : إبتداء الآية بحرف العطف الفاء الذي يفيد الفورية والتعقيب من غير فترة ، كما لو قلت : أذّن الأذان فصلينا الظهر .
الرابعة : وجوب التوجه بالدعاء إلى الله عز وجل والإستعانة به سبحانه ، وفيه حرب على الشرك ومفاهيم الضلالة ، وفي التنزيل [وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ]( ).
الخامسة : بيان منافع الدعاء الدنيوية والآخروية ، فليس من عمل يجلب الخير والبركة على الإنسان مثل الدعاء ، وأداء الواجبات العبادية .
السادسة : ثناء الله عز وجل على الذين يدعونه ، فهذا الدعاء عنوان رجحان العقل والإيمان ، لذا قال تعالى [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ]( ).
السابعة : تدعو آية البحث الناس للرجوع إلى الآيات السابقة ومضامين الدعاء فيها ، وهو شاهد على الترابط والتداخل بين آيات القرآن ، لبيان السعة في مدرسة الاستجابة ، وأن الله عز وجل يهيئ الكثير جزاء على القليل ، قال تعالى [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا]( ).
الثامنة : بيان أن الدنيا دار امتحان وابتلاء ، ومع أن السموات والأرض وما بينهما ملك لله عز وجل فان طريق الإيمان ليس معبداً ، إذ يلاقي المؤمنون الأذى من المشركين ، والعناء في إزاحة المعوقات دون أدائهم الفرائض العبادية ويتجلى أذى المؤمنين في الآية من وجوه :
الأول : الهجرة ومفارقة الأهل والأحبة ، ومرابض الصبا إلى جانب مخاطر وآفات الطريق ، والإقامة في دار الغربة ، وصعوبة الكسب والمعيشة.
الثاني : قيام المشركين بتعذيب المسلمين لحملهم على ترك دينهم كما في بلال ، وعمار بن ياسر ووالديه ، وخباب بن الأرت وغيرهم في مكة .
الثالث : هجوم المشركين على المدينة بعد الهجرة لإرادة قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، كما في معركة بدر وأحد والخندق .
الرابع : ويدل قوله تعالى في آية البحث [وَقَاتَلُوا] بصيغة الخبر على الدفاع ، وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يبدأ قتالاً ، إنما يقف بين الصفين منادياً بالإيمان بقوله بأعلى صوته (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) وهو من عمومات قوله تعالى [رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ]( ) والمنادي في الآية أعلاه هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
التفسير
تفسير [فَاسْتَجَابَ]
ابتدأت آية البحث بحرف الفاء الذي يفيد التعقيب والترتيب ذا صبغة الفورية ، فليس بين قيام المؤمنين بالدعاء وبين استجابة الله عز وجل لهم فترة أو مدة ولصدور الأدعية الواردة في الآيات السابقة من المسلمين كل يوم وفي أجيالهم المتعاقبة فان إستجابة الله عز وجل لهم متجددة على نحو يومي لبيان قانون لا يحصي استجابة الله لأدعية المسلمين والمسلمات إلا الله عز وجل .
وورد لفظ [فَاسْتَجَابَ] ثلاث مرات ، والآيتان الأخريان هما :
الأولى : قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ]( ).
الثانية : قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ]( ).
في دعاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه عشية وصبيحة يوم معركة بدر في اليوم السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة.
ويدل هذا التعدد على فضل الله عز وجل على المؤمنين في سرعة استجابته وفيه حث للمسلمين للتوجه إلى سلاح الدعاء ، ورجاء المسألة وقضاء الحاجات من الله عز وجل ، قال تعالى [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ]( ).
ومن الإعجاز في الآية أعلاه ورودها بلفظ (عبادي) وهو سور الموجبة الكلية الشامل للناس جميعاً.
وفي ذات الآية أعلاه وموضوع الدعاء فيها دعوة للناس للإيمان والإستجابة لأوامر الله عز وجل .
وهل يشترط الإيمان بالله عز وجل إلهاً ورباً لقبول الدعاء والإستجابة له ، الجواب نعم ، وهو الذي تدل عليه آية البحث بتعقب الإستجابة لإلحاح المسلمين بالدعاء ، وتقديم النداء بالربوبية المطلقة لله عز وجل (ربنا) ودلالتها على التسليم بأن مقاليد الأمور كلها بيد الله عز وجل.
وفي رد دعاء الكافرين عند شدة حاجتهم له وهم في نار جهنم ، قال تعالى [قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ]( ).
وخاتمة الآية أعلاه من قول الملائكة خزنة النار وهو الظاهر ، و(عن ابن عباس قال : ما دعاء الكافرين ربهم إلاّ في ضلال؛ لأن أصواتهم تحجب عن الله تعالى)( ).
وهل يمكن القول إنحصار حجب دعاؤهم في الآخرة لعدم إيمانهم بها ، أم أن حجب دعائهم مطلق يشمل الحياة الدنيا والآخرة .
المختار هو الثاني لوحدة الموضوع في تنقيح المناط لإقامتهم على الكفر ، ولقانون الملازمة بين الإيمان واستجابة الدعاء .
ومن فضل الله عز وجل نزول الإستجابة حال صدور الدعاء بدلالة الفاء في [فَاسْتَجَابَ] والتي تفيد التعقيب الفوري وليس ثمة فترة بين دعاء المسلمين والإستجابة من الله ، ولم يؤخر الله عز وجل الإستجابة لحين الإلحاح بالأدعية ، ترى أيهما أكثر مواضيع الدعاء أم الإستجابة ، الجواب هو الثاني .
لبيان قانون النسبة بين الدعاء والإستجابة عموم وخصوص مطلق ، فالإستجابة أعم وأكثر .
وفي الآية بشارة لكل مسلم ومسلمة يتلوان هذه الآيات بأن تأتيهم الإستجابة والوعد من الله عز وجل ، وفي التنزيل [لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ]( ).
وهل تختص استجابة الله عز وجل للمسلمين بمضامين الآيات الأربعة المتقدمة ، الجواب لا ، إذ تبين آية البحث قانون سرعة الإستجابة في الحاجات الخاصة والعامة ، ولأمور الدين والدنيا .
وفي آية البحث دعوة للناس جميعاً للدعاء من وجوه :
الأول : الأدعية الواردة في القرآن .
الثاني : الأدعية المأثورة عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام والصحابة .
الثالث : مطلق الدعاء ، ومن مصاديق اسم الله (السميع) أنه يسمع كل دعاء وبأي لغة ولهجة .
التفسير بالتقدير
يكون تقدير الآية على وجوه :
الأول : فاستجاب لهم ربهم) الله عز وجل .
الثاني : فاستجاب لهم ربهم ) ولا يستطيع الإستجابة في مسائل الدعاء المتقدمة في هذه الآيات إلا الله عز وجل .
الثالث : فاستجاب لهم ربهم) بفضل ولطف منه تعالى .
الرابع : فاستجاب لهم ربهم حالما سألوه حاجاتهم .
الخامس : فاستجاب لهم ربهم) لأمور الدنيا والآخرة .
السادس : فاستجاب لهم ربهم) سؤالهم [فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( ).
السابع : فاستجاب لهم ربهم) بالنجاة من دخول النار والخزي الذي يصاحبه .
الثامن : فاستجاب لهم ربهم) وغفر لهم ذنوبهم .
التاسع : فاستجاب لهم ربهم) وكفّر عنهم سيئاتهم .
العاشر : فاستجاب لهم ربهم) وتوفاهم مع الأبرار .
الحادي عشر : فاستجاب لهم ربهم) وآتاهم ما وعدهم على ألسنة رسله ، ولم يرد قوله تعالى [عَلَى رُسُلِكَ]( ) إلا في الآية السابقة لبيان موضوعية دعاء المؤمنين واستجابة الله عز وجل لهم .
الثاني عشر : فاستجاب لهم ربهم) فلا يخزيهم يوم القيامة ، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “العار والتخزية تبلغ من ابن آدم في القيامة في المقام بين يدي الله، عز وجل، ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار)( ).
الثالث عشر : فاستجاب لهم ربهم الله الذي لا يخلف الميعاد .
الرابع عشر : فاستجاب لهم ربهم) وللذين آمنوا إلى يوم القيامة .
الخامس عشر : فاستجاب لهم ربهم) يا أيها الذين آمنوا اجتهدوا بالدعاء ليستجيب الله لكم .
السادس عشر : فاستجاب لهم ربهم) وهو الذي يستجيب لكم أيها المسلمون .
السابع عشر : فاستجاب لهم ربهم) في أمور الدنيا والآخرة [فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى]( ).
الثامن عشر : فاستجاب لهم ربهم) الذي جعل الدنيا دار الدعاء .
التاسع عشر : فاستجاب لهم ربهم) الذي يحب من عباده الدعاء ، وفي التنزيل [قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ]( ).
العشرون : فاستجاب لهم ربهم) الذي جعل الدنيا دار الإستجابة لأمور الدنيا والآخرة .
الواحد والعشرون : فاستجاب ربهم الله الذي يسمع الدعاء [إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ]( ).
الثاني والعشرون : فاستجاب لهم ربهم) لصدق إيمانهم ، وفي التنزيل [رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ]( ) .
الثالث والعشرون : فاستجاب لهم ربهم) حالما توجهوا إليه بالسؤال بدلالة الفاء في [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ].
الرابع والعشرون : فاستجاب لهم ربهم) ليتجلى قانون دلالة الإستجابة على حب الله للداعي من المؤمنين ، وهل يلحق به تالي هذه الآيات من القرآن ، الجواب نعم .
الخامس والعشرون : فاستجاب لهم ربهم) وهو أرحم الراحمين ، وفي التنزيل [رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ]( ).
السادس والعشرون : فاستجاب لهم ربهم) شكراً لهم لإفتتاح الدعاء بالثناء على الله ، والإقرار بعظيم قدرته وسلطانه ، لقوله تعالى [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( ).
السابع والعشرون : فاستجاب لهم ربهم) وزاد عليهم من فضله بقوله [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ) لبيان قانون اجتماع الإستجابة مع فضل من الله عز وجل ، وهل الدعاء من العمل المذكور أعلاه ، الجواب نعم .
الثامن والعشرون : فاستجاب لهم ربهم) لبيان المائز بين المؤمنين والكفار ، إذ يختص المؤمنون بالفوز باستجابة الله لدعائهم ، وفي التنزيل [وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ]( ).
التاسع والعشرون : فاستجاب لهم ربهم) ليبدأوا أدعية جديدة أخرى فان الله عز وجل يحب الإلحاح بالدعاء .
الثلاثون : فاستجاب لهم ربهم) واستجاب ويستجيب لغيرهم ، وخزائن الله في إزدياد في كل ساعة من ساعات الدنيا والآخرة ، وفي التنزيل [وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ]( ).
الواحد والثلاثون : فاستجاب لهم ربهم) لأنه لا يرد الدعاء والمسألة .
الثاني والثلاثون : فاستجاب لهم ربهم) جزاء على إلحاحهم بالدعاء ، وتكرار النداء (ربنا) إذ يدل هذا التكرار على الإنقطاع إلى الله عز وجل ، إذ ورد النداء (ربنا) خمس مرات في الآيات الأربعة السابقة.
الثالث والثلاثون : فاستجاب لهم ربهم) الذي لا يخيب المؤمنين في آمالهم ورغائبهم.
الرابع والثلاثون : فاستجاب لهم ربهم) لأنه لا يخيب الظن به .
الخامس والثلاثون : فاستجاب لهم ربهم) ليزدادوا إيماناً .
السادس والثلاثون : فاستجاب لهم ربهم) لما في حيز هذه الآية من الأدعية التي تقدمت ، وزاد عليهم من فضله بقوله تعالى [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ ]( ).
السابع والثلاثون : فاستجاب لهم ربهم) بالنجاة من الخزي يوم القيامة ، والنسبة بين الخزي يوم القيامة وبين الخزي بدخول النار عموم وخصوص مطلق ، فالخزي يوم القيامة أعم .
لتتضمن هذه الآية الإستجابة للخاص والعام ، إذ نزلت بالبشارة بمغفرة ذنوب المؤمنين ، ولبثهم الدائم في جنات النعيم .
الثامن والثلاثون : فاستجاب لهم ربهم) يا أيها الناس امتنعوا عن محاربة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام .
بحث نحوي
تأتي الفاء وفق الصناعة النحوية على وجوه :
الأول : فاء العطف سواء بعطف اسم على اسم ، أو جملة على جملة فعلية أو اسمية مثل [إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ *وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ]( ).
الثاني : فاء الاستئناف ، وهي التي لا يصح عطف ما بعدها على ما قبلها ، كما في الفاء في قوله تعالى [وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ]( ) والمختار قد تكون (الواو) أو (الفاء) للعطف والاستئناف معاً .
الثالث : رابطة لجواب الشرط مثل [وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ]( ).
الرابع : الفاء السببية مثل قوله تعالى [أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ]( ).
الخامس : فاء التعليل ، ويكون ما بعدها سبباً وعلة لما قبلها وهو حرف بمعنى لأجل مثل الفاء في قوله تعالى [إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ]( ).
السادس : الفاء المتصلة بفعل الأمر ، قال تعالى [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا]( ).
السابع : للتوكيد مثل [وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ *وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ]( ) .
الثامن : فاء زائدة لتحسين اللفظ والتي تدخل على حسب ، قط ، صاعداً ، فنقول فحسب ، فقط فصاعداً .
وتفيد الفاء العاطفة على وجوهاً :
الأول : التعقيب كما في قوله تعالى [ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا]( ) .
الثاني : الترتيب ، قال تعالى [فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ]( ) .
الثالث : وحدة الحكم في المعطوف والمعطوف عليه ، وقد يتعدد المعطوف ، ولكن المعطوف عليه يبقى واحداً ، قال تعالى [وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ]( ) فالمعطوف عليه هو داود .
ويسمى الاسم الذي قبل حرف العطف (المتبوع) ويسمى الذي بعده التابع وهو المعطوف .
وليس من برزخ وحاجز طولي للإنتفاع من لغة العطف في التنزيل ، قال تعالى [وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ]( ).
قانون تعدد معاني (الفاء) في الكلمة الواحدة
تأتي الفاء للتمني في قوله تعالى [يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا]( )، والترجي كما في قوله تعالى [وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى]( )، أو التحضيض كما في قوله تعالى [لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ]( )، والنفي كما في قوله تعالى [وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ]( ) .
وتعدد معاني الحرف الواحد في اللغة العربية من أهليتها لتكون الوعاء اللساني لآيات القرآن ، نعم التقسيم أعلاه استقرائي من علماء النحو ، وقد يأتي الحرف الواحد في آية واحدة ويتضمن أكثر من معنى ، فيشمل معنى العطف والإستئناف وأيضاً السببية والتوكيد أو الحال وغيرها من غير تعارض بينها ، إنما لتعدد معنى الحرف القرآني بحسب تعدد الموضوع والحكم .
هل للدعاء شروط
من فضل الله عز وجل في الدعاء والإستجابة له الفوز بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن (أبا الدرداء يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمع النداء قال : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، صل على محمد عبدك ورسولك ، واجعلنا في شفاعته يوم القيامة)( )، لبيان وجوه :
الأول : قانون ملائمة كل الأوقات للدعاء .
الثاني : قانون الترغيب بالدعاء في أوقات مخصوصة منها عند الأذان ودبر الصلوات المكتوبة لصلاة الفجر وصلاة الظهر .
الثالث : قانون استجابة الله للدعاء لطف منه تعالى .
وقيل لابد من شروط الدعاء ، وانتفاء موانع الاستجابة ، وجاءت الآيات مطلقة ، قال تعالى [فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ]( ).
وورد تخصيص للدعاء في القرآن قال تعالى في ذم الذين كفروا ، ورد دعائهم [وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ]( )، وفي رد الملائكة على أهل النار [قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ]( )، ومنهم من أكثر من شروط الدعاء ، وأكثرها من المستحبات وكمال الدعاء منها :
الأول : الإبتداء بالحمد لله والثناء عليه .
الثانية : الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الثالث : اليقين في الإستجابة .
وقال الإمام علي عليه السلام (من أعطي أربعا لم يحرم أربعا : من أعطي الدعاء لم يحرم الاجابة ، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول ، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة وتصديق ذلك كتاب الله تعالى قال الله عزوجل في الدعاء ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ( ).
الرابع : الإلحاح في الدعاء ، وهو أمر حسن ، وشاهد على الإنقطاع إلى الله .
الخامس : الدعاء في الرخاء والشدة ، وعدم الإنقطاع عن الدعاء في حال السعة والرفاه .
السادس : حضور القلب في الدعاء .
نعم لابد من إجتناب الدعاء على الأهل والمال والولد (عن أبي سعيد . أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها اثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال ، إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . قالوا : إذاً نكثر قال الله أكثر)( ).
ويجب التنزه عن الرياء ، ليكون الدعاء والسؤال لله عز وجل وحده ، ولابد من العمل في مرضاة الله عز وجل ومنه الدعاء ، لأن الإستجابة تقدمت العمل ، فمن إعجاز آية البحث ابتداؤها بالإستجابة [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ].
قانون الوعد العام
أخبرت آية البحث عن وعد كريم من عند الله عز وجل بقوله تعالى [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ) وهل هو مما وعد الله عز وجل المسلمين على ألسنة الرسل .
الجواب نعم ، لبيان الأجر والثواب في الهجرة ، وتحمل مشاق ومخاطر الطريق ، والمستقبل المجهول في الجملة عند العزم على الهجرة وعناء الغربة لبيان قانون الثواب العظيم على الهجرة في طاعة الله .
وقانون لزوم تعاهد سلامة الدين في طاعة الله بالهجرة ، وعدم إنحصار هذا الثواب بالهجرة إنما يأتي بأداء الفرائض العبادية من الصلاة والزكاة والصيام والحج ، لبيان قانون الهجرة في سبيل الله أمان من الخزي يوم القيامة ، ولاستدامة العمل بأحكام الآية القرآنية بسنن العبادة والصلاح.
لقد تضمنت آية البحث البشارة بدخول الجنة للذين هاجروا في سبيل الله ، والذين أخرجهم الذين كفروا من ديارهم ، والبشارة للذين أوذوا في سبيل الله واستشهدوا بالمغفرة ودخول الجنة ، ليدل بالدلالة التضمنية على نجاتهم من الخزي يوم القيامة ، هذا الخزي الذي استعاذ منه كل مسلم ومسلمة كما في آية السياق .
لبيان فضل الله عز وجل على المسلمين بهدايتهم إلى الإستعاذة من الخزي يوم القيامة ، وما تدل عليه من الإقرار بالمعاد ، وهو من شرائط الإيمان وأصول الدين ، وواقية من الخوف والحزن يوم القيامة يوم يخاطب الله المتقين [يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ]( ).
وتشمل البشارة بالأمن من دخول النار جميع المؤمنين الذين يتلون آية السياق والتي تتضمن سؤال السلامة من الخزي والعار والفضيحة يوم القيامة لابتداء آية البحث بقوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ].
وقد تقدم في الجزء الثاني والستين بعد المائتين والذي اختص بتفسير آية السياق بأن النسبة بين الخزي يوم القيامة وبين دخول النار عموم وخصوص مطلق ، فقد يلحق الإنسان الخزي في بعض مواطن يوم القيامة ، كأن يعرف بعلامة في وجهه أو بدنه ، ويعلم أهل المحشر أن كل علامة يومئذ تدل على أمر وفعل أما حسن أو سيء .
وعن (عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله [سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ]( ) قال : النور يوم القيامة)( ).
وفي ذم الكفار قال تعالى [وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا]( ).
و(حديث أنس أن رجلا قال : يا رسول الله الذين يحشرون على وجوههم أيحشر الكافر على وجهه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أليس الذي أمشاه على الرجلين قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة)( ).
قانون الدعاء نعمة عظمى
لقد ذكرت في الجزء الثاني من كتابي الموسوم (قوانين البرزخ) (وهل قوله تعالى [ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] من العام أم الخاص ، الجواب إنه من العام من جهات)( )، ومن هذه الجهات :
الأولى : قال تعالى [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ]( )، والنسبة بين رحمة الله واستجابته للدعاء عموم وخصوص مطلق ، فالرحمة أعم .
الثانية : لو دار الأمر بين الإطلاق والتقييد ، فالأصل هو الإطلاق.
الثالثة : تمام الآية أعلاه هو [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ]( ).
وورد التقييد بحجب دعاء الذين كفروا لظلمهم لأنفسهم .
ولم يرد لفظ (ادعوني) (استجب) (سيدخلون) في القرآن إلا في الآية أعلاه ، كما ورد قوله تعالى [دَاخِرِينَ] مرتين في القرآن والثانية في قوله تعالى [وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ]( ).
ومعنى داخرين أي صاغرين أذلاء ، لبيان أن النسبة بين عامة الناس والكافرين يوم القيامة في هذه الباب هي العموم والخصوص المطلق ، فكل الناس يبعثون داخرين خاشعين لله عز وجل ، وينفرد الكفار الذين يمتنعون عن عبادة الله عز وجل بملازمة الصغار والذل لهم ويدخلون النار في ذات الصغار والذل .
وهل تتعارض حال داخرين مع قوله تعالى [لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]( )، بالنسبة للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ، الجواب لا ، فالخضوع والخشوع مصاحب للناس جميعاً يوم القيامة ، ولكن الصغار والذل لا يصاحب المؤمنين عند دخولهم الجنة .
الرابعة : تقدير الأمر العام (ادعوني) هو يا أيها الناس ادعوني .
الخامسة : بيان قانون الملازمة بين العبادة والدعاء .
و(عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الدعاء تلو العبادة ، ثم قرأ [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي]( ) قال : عن دعائي [سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ]( ) هل تدرون ما عبادة الله؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : هو اخلاص الله مما سواه)( ).
السادسة : الإطلاق في موضوع استجابة الله عز وجل للدعاء ويكون تقدير [أَسْتَجِبْ لَكُمْ] على وجوه منها :
الأول : استجب لكم في ذات موضوع الدعاء .
الثاني : استجب لكم تمام الإستجابة أي على نحو الموجبة الكلية .
الثالث : استجب لكم في غير موضوع الدعاء ، وفي التنزيل [وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ].
الرابع : قانون لا يقدر على استجابة الدعاء إلا الله عز وجل .
الخامس : قانون دلالة الدعاء على التباين بين المؤمن والكافر ، إذ يسارع المؤمن للالتجاء إلى الله عز وجل بحاجاته الدنيوية والأخروية ، أما الكافر فينظر إلى ما هو أمامه مجرداً ، ويأخذه العناد والإستكبار فيحرم نفسه من أمور :
الأول : الدعاء .
الثاني : العبادة .
الثالث : استجابة الله للدعاء .
الرابع : الأجر والثواب بالدعاء واستجابته .
السابعة : هل تختص استجابة الدعاء بأوانه ، الجواب لا ، وهو من مصاديق الإطلاق في قوله تعالى [أَسْتَجِبْ لَكُمْ] وتقدير الآية : استجب لكم اليوم وغداً ، في موضوع الدعاء وغيره .
الثامنة : قانون الدعاء نعمة عظمى على الفرد والجماعة .
فلا يختص صاحب الدعاء بالانتفاع منه ، بل يشمل ذريته وذويه ، لقانون الدعاء كنز وثروة وتركة كريمة .
وهل يحضر الدعاء مع صاحبه في القبر عند مساءلة منكر ونكير ، الجواب نعم ، بفضل ولطف من عند الله عز وجل.
وعن الإمام الصادق عليه السلام (قال : إذا دخل المؤمن في قبره، كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبر مظل عليه ويتنحى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبر : دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فأنا دونه)( ).
ولا يعني هذا أن الصبر أعلى مرتبة وأكثر نفعاً من الصلاة والزكاة ، فالصلاة والزكاة أعم لأنهما مصداق العبادة وعلة خلق الإنسان ، قال تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]( )، ولكن المراد من الخبر أعلاه أن الصبر يتم منافع الصلاة والزكاة خاصة ، ومن معاني الصبر الصيام ، قال تعالى [وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ]( ).
وهل المراد من الصبر في الحديث أعلاه هو الصيام ، الجواب إنه أعم ، ومنه الإقامة على الدعاء وعدم مغادرة مقاماته من الصبر .
و(عن جابر بن عبد الله قال : قيل يا رسول الله أي الإِيمان أفضل ، قال: الصبر والسماحة ، قيل : فأي المؤمنين أكمل إيماناً ، قال : أحسنهم خلقاً)( ).
النسبة بين الذكر والدعاء
النسبة بين ذكر الله وبين الدعاء عموم وخصوص مطلق ، فالذكر أعم ، وذات الدعاء ذكر لله فجاءت آية السياق بذكر المؤمنين لله عز وجل على كل حال من القيام والقعود والإستلقاء ، لا يوقفهم عن الذكر إلا النوم الذي يستقبلونه بالذكر والتسبيح ، وحالما يفارقهم النوم يلجأون إلى الذكر والدعاء ليجدوا الإستجابة والأجر والثواب من عند الله عز وجل .
لقد ذكرت آية البحث عمل المسلم والمسلمة الذي لا يضيعه الله عز وجل ، ومنه الذكر في قوله تعالى [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( )، الجواب نعم .
وقال رجل (يا رسول الله، ذهب أهل الدثور( ) بالأجور ، فقال : أرأيت لو عمد إلى متاع الدنيا، فركب بعضها على بعض أكان يبلغ السماء ، أفلا أخبرك بعمل أصله في الأرض وفرعه في السماء .
قال : ما هو يا رسول الله ، قال : تقول : لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله ، عشر مرات في دبر كل صلاة، فذاك أصله في الأرض وفرعه في السماء)( ).
ومن لطف الله عز وجل بالناس أنه أمرهم بذكره ووعدهم بالإحسان والثواب على هذا االذكر ويحمل الذكر في قوله تعالى [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ]( )، على الوجوب لترغيب الناس بذكر الله ، ونزول الرزق الكريم والثواب عليهم .
ومن خصائص ذكر الله أنه باعث على العمل في طاعة الله ، وحصانة من ارتكاب المعاصي ، وفي التنزيل [وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ]( ).
و(عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ]( ) يقول : اذكروني يا معاشر العباد بطاعتي أذكركم بمغفرتي)( ).
لبيان أن الذكر في الآية أعلاه أعم من الذكر باللسان والقول ، إنما يشمل اتيان الفرائض والواجبات العبادية ، وهي أعم من الدعاء ومقدمة لإستجابة الدعاء ، وباب لنزول الفضل الإلهي ، وواقية في عالم البرزخ ويوم القيامة.
قانون الفوز بالإستجابة
تدل آية البحث على أمور :
الأول : فوز المسلمين بمضامين الأدعية والمسائل الواردة في هذه الآيات بتلاوتهم لها في الصلاة وخارجها .
الثاني : الأجر والثواب للمسلمين لقراءتهم هذه الآيات بصيغة القرآنية ، وفيه بعث لتلاوة القرآن .
الثالث : فوز المسلمين والمسلمات بالأدعية الأخرى الواردة في القرآن، ومنها أدعية الأنبياء مثل دعاء إبراهيم عليه السلام في التنزيل [رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ*وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ *وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ]( ).
ومثل دعاء موسى عليه السلام في التنزيل [قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي]( ).
الرابع : محاكاة المسلمين للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أدعيته المأثورة ، وهو من مصاديق قوله تعالى [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ]( ).
الخامس : الأدعية للحاجات الخاصة لكل مسلم ومسلمة مما يهمه من أمور الدين والدنيا .
السادس : من معاني صيغة الجمع في الآية استحباب دعاء المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب أو بحضوره .
السابع : التأمين على الدعاء بقول (آمين) بعد الدعاء وهو مستحب ، ولا يشرع التأمين على الدعاء الوارد في المسجل والتلفاز ، ولكنه جائز أيضاً.
وفي قوله تعالى [قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا]( )، كان موسى عليه السلام يدعو وهارون يَؤمن له دعائه بقوله (آمين) ليشترك معه في الدعاء وأجره .
وبخصوص الأدعية الواردة في هذه الآيات ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام (أنه قال من دعا بهذه الدعوات فإنه يستجاب له ، لأنه قال تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ])( ).
ابتدأت الآية بحرف الفاء وهي للعطف والإستئناف ومعناها التعقيب ، وتفيد الترغيب بلا مهلة ، فليس ثمة فترة بين دعاء المؤمنين وبين استجابة الله، وفيه ترغيب بالدعاء ، واللجوء إليه في حال السراء والضراء ، والبشارة بسرعة استجابة الله ، وإنعدام المانع الذاتي والغيري لها ، فقد يظن الإنسان أن تقصيره يمنع استجابة الدعاء ، أو وجود موانع خارجية تحول دونها ، فنزلت آية البحث لتفيد بالدلالة التضمنية القطع بسرعة استجابة الله عز وجل وفيه حجة على الذين كفروا لحرمانهم أنفسهم من نعمة الإستجابة، ودعوة سماوية لهم للتوبة والإنابة .
وهو شاهد على قانون حفظ آيات القرآن نعمة ورحمة للناس جميعاً ، لينهلوا منه ، ويصدروا عنه .
تفسير [لَهُمْ رَبُّهُمْ]
ابتدأت آية البحث بحرف العطف (الفاء) لبيان صلة آية البحث بالآيات السابقة لها ، صلة القبول والإستجابة لما ورد في الآيات السابقة من الدعاء والمسألة ، والله وحده هو القادر على الإستجابة للأدعية الواردة في الآيات السابقة ، لذا كان دعاؤهم باسم الربوبية المطلقة (ربنا) وفيه شاهد على إقرار المسلمين بالتوحيد ، وأنهم يرجون النعم العظيمة من الله عز وجل ، وأعظمها نعمة دخول الجنة يوم القيامة ، والخلود فيها.
لقد تضمنت الآيات الأربعة السابقة سؤال المسلمين والمسلمات من الله عز وجل إدخالهم الجنة والنجاة من النار .
فهل يختص قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]، بمضامين ذات الآيات أعلاه، أم أنه أعم ، الجواب هو الثاني ، وسيأتي في باب تفسير الآية بالتقدير .
لقد وردت الآية بصيغة الغائب فلم تقل فاستجبنا ، لبيان تنجز الإستجابة ، وشهادة الملائكة عليها ، ولأن المؤمنين قدموا الإقرار بالربوبية في أدعيتهم (ربنا).
وقد ورد لفظ [فَاسْتَجَبْنَا] أربع مرات في الإستجابة للأنبياء ، ففي نوح عليه السلام ورد قوله تعالى [وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ]( )، وفي أيوب عليه السلام ورد قوله تعالى [وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ]( ).
لبيان أن الإستجابة من الله أعم من مضامين الدعاء في ذات الآية والآية التي قبلها ، وفيه شاهد بأن الإستجابة في قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]، في آية البحث أعم من موضوع الآيات السابقة .
وفي يونس ورد قوله تعالى [فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ]( )، وفي زكريا ورد قوله تعالى [فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ]( ) .
وتتصف هذه المرات الأربعة للإستجابة الفردية بأمور :
الأول : كلها من سورة واحدة هي سورة الأنبياء .
الثاني : اختصاص الاستجابة الفردية فيها لخصوص الأنبياء ، لبيان المنزلة الرفيعة للأنبياء .
الثالث : هل تختص الاستجابة بهؤلاء الأنبياء ، الجواب لا ، إنما جاءت الآيات من باب المثال ، وأن الاستجابة تخترق قاعدة العلة والمعلول ، والسبب والمسُبب .
وهل تختص الاستجابة بالأنبياء ، الجواب لا ، بدليل آية البحث التي تفيد الإستجابة العامة للمؤمنين والمؤمنات .
وجاءت آية البحث بصيغة الفعل الماضي (فاستجاب ) ، وتحتمل وجوهاً:
الأول : الاستجابة للمؤمنين الذين قبلنا .
الثاني : النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أيام التنزيل .
الثالث : شمول الآية لأدعية المؤمنين في كل زمان أيضاً .
الرابع : مجئ آيات أخرى تدل على قبول أدعية المؤمنين بعد التنزيل ، ومنها قوله تعالى [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ]( ) .
والمختار الثالث والرابع أعلاه ، فصحيح أن الآية جاءت بصيغة الفعل الماضي ، ولكنها تدل على استدامة موضوع الإستجابة بفضل من الله عز وجل ، وهو سبحانه اذا اعطى فانه يعطي بالأتم والأكمل .
وقد تأتي صيغة الماضي والمراد منها أفراد الزمان الطولية كلها ، وما هو أعم منها ، كما في قوله تعالى [وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا]( ) .
ومن الإعجاز في آية البحث إخبار كلمة واحدة [فَاسْتَجَابَ]لإرادة جميع أدعية المؤمنين في الآيات السابقة ، وفي التنزيل [أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( ) .
مسائل في آية البحث
الأولى : لقد تضمنت آية السياق الدعاء بتنجز ما وعد الله عز وجل به على ألسنة الرسل ، وما نزلت به الكتب ، وسؤال الوقاية والبراءة والسلامة من الخزي يوم القيامة ، ويدل هذا السؤال بالدلالة التضمنية على أمور :
الأول : قانون صدق سعي المسلمين في طاعة الله .
الثاني : قانون وقوف الناس للحساب يوم القيامة ، ليكون ذات السؤال [وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ] باباً للأجر والثواب .
الثالث :إظهار المسلمين الخوف والخشية من يوم[الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ]( ) فابتدأت آية البحث بالإخبار عن إستجابة الله عز وجل للمسلمين بالنجاة من الخزي يوم القيامة مع البشارة بالجنة ، لبيان انتفاء البرزخ بين الجنة والنار .
الثانية : تقدير الصلة بين أول آية السياق وخاتمة آية البحث (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك والله عنده حسن الثواب ) لبيان أن الرسل جاءوا بالبشارة بحسن الثواب في الآخرة ، وتدل عليه خاتمة آية البحث لقوله تعالى [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]( ).
ومن معاني حسن الثواب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من النعيم الدائم في جنات الخلد .
وهل يمكن القول بأن كل رسول جاء بالبشارة للمؤمنين بحسن الثواب ، المختار نعم ، وهو من بركات الرسالة السماوية وتوالي بعثة الأنبياء ، واختتام النبوة برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونزول القرآن ، وفيه قانون توثيق استجابة الله عز وجل لأدعية المؤمنين .
الثالثة : لقد تضمنت آية البحث استجابة الله عز وجل لأدعية المؤمنين ، ومجئ هذه الإستجابة بصيغة الفعل الماضي [فَاسْتَجَابَ]ومن الإعجاز في نظم هذه الآيات مجئ الآيات الأربعة السابقة بصيغة الدعاء والمسألة .
وتكرر فيها نداء الربوبية المطلقة [رَبَّنَا] أربع مرات لبيان تغشي الإستجابة لمضامين الدعاء في هذه الآيات مع النافلة والزيادة من فضل الله بتضمن آية البحث الوعد الكريم للمهاجرين والمجاهدين والمرابطين بالمغفرة وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.
التعدد في [غُلَامٍ حَلِيمٍ] و[غُلَامٍ عَلِيمٍ]
وردت صفة حليم في القرآن خمس عشرة مرة ، أكثرها لله عز وجل ومنها [أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ]( )[ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ]( )[ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ]( ).
باستثناء شعيب في قوله تعالى [إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ]( )، وفي إبراهيم عليه السلام [إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ]( )، [إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ]( ).
وفيه تقييد بأن إبراهيم أواه أي دعاء للدلالة على حاجته لرحمة الله عز وجل.
وواحدة في إبراهيم وابنه [فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ]( ).
لتدل الآية على إرادة ابنه الصلبي ، مما يدل على أن (الغلام الحليم) من صلب إبراهيم واختلف فيه هل هو إسحاق وهو المشهور ، أم إسماعيل ، وهو المختار .
وقد ورد في صحيحة ابن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام قال (سألناه عن صاحب الذبح ، فقال : إسماعيل عليه السلام وروي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال : أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل وعبد الله بن عبد المطلب)( ).
ووردت صفة (عليم) مائة وواحدة وستين مرة في القرآن ، أغلبها من الأسماء الحسنى لله عز وجل ، منها [وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]( )، [وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ]( )، [وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ]( )، وتدل على إحاطة الله علماً بكل شئ.
الابن العليم يوسف (ع)
ورد خطاب الملائكة لإبراهيم عليه السلام [قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ]( )، [إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ]( )، وقال تعالى [إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ]( )، [وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ]( )، [يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ]( ).
ويمكن أن نؤسس قاعدة في القرآن وهي إذا تكررت صفة للإنسان ودار الأمر هل المراد بها ذات الشخص أم غيره .
المختار الأصل هو التعدد إلا مع القرينة لإرادة ذات الشخص وحسب قانون تفسير القرآن بالقرآن .
والمختار أن المراد من [قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ]( )، هو يوسف عليه السلام وهو الذي ذكرته في تفسير لسورة يوسف المسجل بدار الكتب والوثائق في بغداد برقم 272 لسنة 1991.
والقرآن يفسر بعضه بعضاً إذ وصف يوسف نفسه بحضرة ملك مصر الأعظم بأنه [حَفِيظٌ عَلِيمٌ]( ).
وفي صحيحة أبي بصير عن الإمام جعفر الصادق (قال: إن الله أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا سويا مباركا يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى بإذن الله وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل، فحدث عمران امرأته حنة بذلك وهي أم مريم .
فلما حملت كان حملها بها عند نفسها غلام فلما وضعتها قالت : رب إني وضعتها انثى [وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى]( ) أي لا تكون البنت رسولا يقول الله عزوجل [وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ]( )، فلما وهب الله لمريم عيسى كان هو الذي بشر به عمران)( ).
لبيان أن البشارة قد تأتي بالواسطة وبعد مرحلة وليس مباشرة .
وورد اسم (حفيظ) احدى عشرة مرة في القرآن أربعة إرادة اسم من أسماء الله (الحفيظ)كما في قوله تعالى [إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ]( ).
وفي خطاب للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم [وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ]( ).
[وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ]( ).
[وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا]( ).
[لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ]( ) والأواب الذي رجع إلى الله تائباً مستغفراً.
وفي خطاب للنبي محمد صل [فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا]( ).
وقوله تعالى [إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ]( ) إرادة يوسف حفيظاً لخصوص الغلات والأموال ، فالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرفع درجة ومع هذا أخبر الله بأنه ليس حفيظاً على الناس ، وكذا يوسف عليه السلام لذا عمل معهم يوسف مع كفرهم انقاذاً للبشرية ، أما النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فجاهد ودافع وقاتل إلى أن دخل الناس في الإسلام وهو من موارد تفضيل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
[وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ]( ) في شعيب .
واختلف المفسرون في (العليم) في [وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ]( ) على قولين :
الأول : إنه إسحاق بن إبراهيم ، وهو المشهور .
الثاني : إنه إسماعيل بن إبراهيم .
أي أن ينطبق عليه صفة الحليم والعليم ، ويكون تقدير الآية : وبشروه بغلام حليم عليم .
والقرآن يفسر بعضه بعضاً إذ وصف يوسف نفسه بحضرة ملك مصر الأعظم بأنه [حَفِيظٌ عَلِيمٌ].
وجمع الصفات المتعددة في القرآن خاص بالله عز وجل مثل [وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ]( )، [وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ]( )، [وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا]( ).
لبيان قانون وهو الجمع بين الصفات الحسنى في القرآن خاص بالله عز وجل ومنه [اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] [إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ] فان قلت قد جمعا للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإكرامه في قوله تعالى [بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] في قوله تعالى [لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ]( ).
والجواب في الآية تقييد وهو أن رحمة ورأفة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة بالمؤمنين ، بفضل ولطف ووحي من الله لقوله تعالى [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ]( )، والله عز وجل رؤوف بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين والناس جميعاً والخلائق كلها .
تفسير [أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ]
تبين الآية فضل الله عز وجل على المسلمين والمسلمات بإحصاء الله لكل عمل يعمله المسلم أو المسلمة ، وفيه شاهد على أمور :
الأول : علم الله عز وجل بكل فعل يقوم به الإنسان .
الثاني : تثبيت أعمال الناس ، وحضورها عند الله عز وجل .
الثالث : الأجر والثواب على العمل الصالح .
الرابع : بعث المسلمين على تعاهد الفرائض العبادية واتيان الصالحات .
ولم يسأل المسلمون في الآيات الأربعة السابقة عدم تضييع أعمالهم ، ولكنه فيض من اللطف الإلهي ، وقانون مصاحبة الفضل الإلهي للإستجابة ، فمن كرم ولطف الله عز وجل أنه لا يكتفي باستجابة الدعاء ، إنما يعطي معه من ذخائر الدنيا والآخرة .
وفي الحديث القدسي (يا ابن آدم أنا غني لا أفتقر، أطعني فيما أمرتك أجعلك غنيا لا تفتقر، يا ابن آدم أنا حي لا أموت، أطعني فيما أمرتك أجعلك حيا لا تموت ، يا ابن آدم أنا أقول للشئ كن فيكون، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشئ كن فيكون)( ).
وجاءت الآية بصيغة العموم والإطلاق ، لتشمل كل المسلمين والمسلمات ، وقبل كل عمل صالح منهم مجتمعين ومتفرقين ، وما قلّ وما كثر ، وهل تدل على العموم تلاوة المسلمين والمسلمات لآية البحث وآيات الدعاء السابقة لها والتي في حيزها .
الجواب نعم ، إذ يتفضل الله عز وجل ويجعل تلاوتهم هذه دعاء بذات مضامين الآيات ، لبيان اللطف الإلهي في وجوب تلاوة القرآن في الصلاة وجوباً عينياً على كل مسلم ومسلمة .
ترى لماذا لم تقل الآية (ولا أضيع عامل منكم ) الجواب من وجوه :
الأول : المدار على سنخية الأعمال .
الثاني : بين ذكر الآية للعمل ، وقول [لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ] عموم وخصوص مطلق ، فالعمل أعم ، وفيه حفظ للعامل ، وتقدير الآية أيضاً لا أضيع عامل منكم لذكر اللازم وهو العمل ، وحفظ الملزوم وهو العامل مصدر العمل ، وهو الذي تدل عليه خاتمة الآية [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ]لإفادة المعنى الأعم للثواب ، وإرادة الثواب في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
الثالث : تضمن الآية البشارة بسلامة المؤمن الذي يعمل الصالحات لأن ذكر العمل يدل على وجود العامل وأنه حي يرزق ، ويتصف بالتقوى.
البشارة بالمغفرة
البشارة بالمغفرة للمؤمنين الذين هاجروا قال تعالى [لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ]( )، كما في المهاجرين والمهاجرات الأوائل إلى الحبشة ، والذين هاجروا إلى المدينة المنورة ، وهي دار الهجرة ، والذين أوذوا في سبيل الله ، ومنهم الصحابة الأوائل وأهل البيت ، والثواب العظيم للذين قاتلوا في سبيل لله ودفاعاً عن بيضة الإسلام والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله سواء في ساحة المعارك كشهداء معركة بدر ، ومعركة أحد والخندق وحنين ، أو الذين قتلوا تحت التعذيب ، كما في استشهاد سمية أم عمار بن ياسر .
وتعرض بلال الحبشي للعذاب في مكة ، فكان إذا حميت الشمس ألقاه أمية بن خلف الجمحي على الأرض .
(يطرحه على ظهره ببطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد، فيقول وهو في ذلك البلاء: أحد أحد)( ).
وبلال أبوه رباح من سبي الحبشة ، اشتراه واعتقه أبو بكر ، وشهد مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم واقعة بدر .
ورأى بلال رأس الكفر أمية بن خلف ، وكان أسيراً بيد عبد الرحمن بن عوف ، فصاح بلال :نجوت إن نجا .
قال عبد الرحمن (ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا أَنْصَارَ اللّهِ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا . قَالَ فَأَحَاطُوا بِنَا حَتّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ الْمُسْكَةِ وَأَنَا أَذُبّ عَنْهُ . فَأَخْلَفَ رَجُلٌ السّيْفَ فَضَرَبَ رِجْلَ ابْنِهِ فَوَقَعَ وَصَاحَ أُمَيّةُ صَيْحَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطّ ، فَقُلْت : اُنْجُ بِنَفْسِك ، وَلَا نُجَاءَ بِك فَوَاَللّهِ مَا أُغْنِي عَنْك شَيْئًا . قَالَ فَهَبِرُوهُمَا بِأَسْيَافِهِمْ حَتّى فَرَغُوا مِنْهُمَا)( ).
وغاية ما يطمع به الإنسان هو الفوز بمغفرة الذنوب ، ولا يقدر عليها ويهدي إليها إلا الله عز وجل .
آية البحث من ولاية الله للمؤمنين
يتجلى قانون تعقب الثواب لثناء الله عز وجل على طائفة من الناس في قوله تعالى [إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ]( )، فمع ابتداء الآية بالكشف عن حال من الخوف أصاب طائفتين من الصحابة يوم معركة أحد ، والحاجة إلى الصبر والدفاع يومئذ ، وسرعان ما جاء قوله تعالى [وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا].
وفيه وجوه :
الأول : إنه لطف وثناء من عند الله .
الثاني : عهد كريم .
الثالث : وعد من عند الله بالحفظ والكفاية والنصرة للطائفتين وغيرهم من المؤمنين .
الرابع : فيه زجر عن توبيخ وتبكيت وتعيير الذين هموا بالفشل والجبن وهو من مصاديق قوله تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]( ).
الخامس : قانون طرد اليأس من نفوس المؤمنين .
وهل آية البحث من ولاية الله عز وجل للذين هموا بالجبن يوم معركة أحد ، الجواب نعم ، لما فيها من استجابة الدعاء ، وقبول الله عز وجل للصالحات ، ووعده الكريم على الهجرة والدفاع عن بيضة الإسلام ، وتحمل الأذى في جنب الله عز وجل .
و(عن جابر بن عبد الله قال : فينا نزلت في بني حارثة ، وبني سلمة [إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا]( ) وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله [وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا])( ).
وتدل آية البحث على ولاية الله للؤمنين ، وتفضله بحفظهم والذب عنهم ، وإحراز الأجر والثواب لهم لما لاقوه ويلاقونه من الأذى في طاعة الله ، والصبر على أداء الفرائض والعبادات .
وعدمم اختصاص الثواب بعالم الآخرة ، بل يشمل الحياة الدنيا .
وفي خاتمة آية البحث [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ]( )، ترغيب بالإيمان وبعث على الهجرة في سبيل الله ، والرضا بما قسم الله سبحانه ، والوعد الكريم بالعوض والأجر ، العظيم وقانون الترغيب بالإيمان والعمل الصالح.
وسيرد بعد خمس آيات قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]( ) وهي آخر آية من سورة آل عمران .
أقسام الصحابة يوم أحد
لقد كان جيش المسلمين الذي خرج من المدينة لمعركة أحد على قسمين :
الأول : طائفة رجعت من الشوط وسط الطريق إلى معركة أحد بتحريض من رأس النفاق عبد الله بن أبي بن أبي سلول ، إذ قال لهم (أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي ، مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُل أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيّهَا النّاسُ فَرَجَعَ بِمَنْ اتّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ وَالرّيْبِ)( ).
إذ اتخذ من أخذ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمشورة وإلحاح طائفة من الصحابة بالخروج إلى المشركين عند جبل أحد ذريعة للإنسحاب لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأخذ بقوله بالبقاء في المدينة وقتال المشركين في أزقتها ، وما كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ بمشورة إلا بالوحي ، قال تعالى وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.
وكانوا ثلث جيش المسلمين ثلاثمائة رجل مع حاجة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتنزيل للرجل الواحد يومئذ ، خاصة وأن عدد المشركين هو ثلاثة آلاف رجل مجهزين بالأسلحة ومعهم مائة فرس لم تركب ظهورها في الطريق من مكة إلى المدينة لتكون جاهزة لدخول المعركة بقوة ونشاط .
وبادر عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبد الله الأنصاري مع كبر سنه إلى اللحاق بهم وحثهم على ترك الرجوع إلى المدينة والصدود ، وخذلان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكنهم اعتذروا بكلام هو ضد السبب الذي أعلنوه ذريعة للإنسحاب .
إذ قال لهم (يَا قَوْمِ أُذَكّرُكُمْ اللّهَ أَلّا تَخْذُلُوا قَوْمَكُمْ وَنَبِيّكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوّهِمْ فَقَالُوا : لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ وَلَكِنّا لَا نَرَى أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ . قَالَ فَلَمّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إلّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ قَالَ أَبْعَدَكُمْ اللّهُ أَعْدَاءَ اللّهِ فَسَيُغْنِي اللّهُ عَنْكُمْ نَبِيّهُ)( ).
والذين رجعوا من وسط الطريق كلهم من الأنصار ، إذ كان عبد الله بن أبي بن أبي سلول رئيس الخزرج ، وهم أكثر من الأوس وله قول مسموع عندهم .
وهل يصدق على هؤلاء أنهم منافقون أو يختص عنوان النفاق بالرؤساء منهم ، المختار هو الأول ، بالإضافة إلى توليهم يوم الزحف والدفاع .
نعم باب التوبة والتدارك مفتوح ، وتدل السيرة النبوية على انتفاعهم منه.
الثاني : الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين حضروا معركة أحد ، وعددهم سبعمائة وهم على أقسام :
الأول : الذين بقوا يقاتلون في الميدان إلى حين انسحاب جيش المشركين.
الثاني : الذين سقطوا قتلى في الميدان ، وعددهم سبعون .
وعن الضحاك قال (كان المسلمون يسألون ربهم أن يريهم يوماً كيوم بدر يبلون فيه خيراً ، ويرزقون فيه الشهادة ، ويرزقون الجنة والحياة والرزق . فلقوا يوم أحد ، فاتخذ الله منهم شهداء ، وهم الذين ذكرهم الله تعالى فقال وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ( ).
و(عن عكرمة قال : لما أبطأ على النساء الخبر خرجن يستخبرن فإذا رجلان مقتولان على دابة أو على بعير فقالت امرأة من الأنصار : من هذان؟ قالوا : فلان وفلان ، أخوها وزوجها ، أو زوجها وابنها .
فقالت : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قالوا : حي .
قالت : فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء ، ونزل القرآن على ما قالت وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ( ).
الثالث : الذين هموا بالإنسحاب لشدة القتال ، ولكنهم لم ينسحبوا إنما ثبتهم الله عز وجل بمواضعهم ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا].
الرابع : الذين فروا وانسحبوا من ميدان المعركة ، وذكرهم الله بقوله [إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ]( )، لبيان عفو ومغفرة الله لهم.
ولو تاب الذين نكصوا وانخزلوا من وسط الطريق استجابة لدعوة رئيس النفاق عبد الله بن أبي بن أبي سلول فهل تقبل توبتهم ، الجواب نعم.
والمختار أنهم ندموا وتابوا ، ولم يذكر التأريخ بقاء مئات المنافقين في المدينة ، وإنما كان النفاق في نقصان وضعف خاصة وأن آيات القرآن تترى في نزولها في الثناء على المؤمنين وذم وتبكيت المنافقين ، وبيان قبح النفاق وسوء عاقبته ، قال تعالى [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا]( ).

أصحاب الصّفة
لقد أنشأ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دار الصفة ، والصُّفّة – بالضم – السقيفة – من جريد النخل ، وهي بجوار المسجد النبوي محلاً لإيواء فقراء المهاجرين الغرباء ، والعزاب الذين ليس لهم مأوى أو مسكن ، ويتعلمون فيها القرآن ، ويحضرون الصلاة اليومية مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم , ويخرجون في السرايا ويذبون عن النبوة والتنزيل.
ويزيد عددهم أو ينقص ، وقد يصلون إلى (300) شخص أحياناً وليس لهم مهنة أو عمل يناسبهم ، وكانوا يتوزعون على الصحابة عند الغذاء ، ويتولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطعام بعضهم ونزل بعض الأنصار الصفة مواساة لهم .
وعن أبي هريرة الذي هو من أهل الصُفة قال (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجلٌ عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته)( ).
والرداء هو الذي يستر القسم العلوي من البدن ، والإزار هو الذي يستر النصف الأسفل من البدن .
والكساء قطعة قماش واحدة يلتف بها الإنسان ، ويجمعه أي يمسك الرجل طرفي الرداء أو الكساء لئلا يفترقا فتنكشف العورة حال صلاته .
والصفة من مصاديق الهجرة والإخراج من الديار والأذى الذي ذكرته آية البحث ومن أهل الصفة عبد الله بن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وبلال بن رباح ، وسلمان الفارسي ، وصهيب بن سنان ، وزيد بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب ، وخباب بن الأرت ، وصهيب بن سنان وأبو لبابة بن عبد المنذر ، والمقداد بن الأسود ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وأبو الدرداء عويمر بن عامر ، وغيرهم .
وأصحاب الصُفة معجزة غيرية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكذا تَحَسن حياتهم فيما بعد وصيرورة أكثرهم ولاة وأمراء ورواة لحديث النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ينصت للواحد منهم المئات من الصحابة والتابعين ليورث عدد من أهل الصفة أموالاً طائلة فمثلاً كانت تركة الزبير بن العوام نحو (35) مليون درهم عدا الأراضي الزراعية كما أنه اتجه إلى شراء العقارات في المدينة والكوفة والبصرة والفُسطاط وغيرها .
والفسطاط –بضم الفاء- البيت من الشَعر ، ويراد منه اسم أول عاصمة اسلامية في مصر جنوب القاهرة التي انشئت في السنة الحادية والعشرين للهجرة النبوية.
وقدرت تركة طلحة بن عبيد الله بـ(600) ألف دينار ذهباً ، ونحو مليوني درهم فضة أي ألفي ألف عدا الدور والأراضي الزراعية , وكانت له ضيعة في العراق يقدر دخلها بنحو (400) ألف درهم سنوياً.
وهل كانت كثرة أموالهما الطائلة سبباً لخروجهما في معركة الجمل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الإمام المفترض الطاعة عند جميع المسلمين).
ومن الآيات أصحاب الصُّفة وهي عريش بناه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بجوار مسجده لإستقبال وإضافة المهاجرين القراب الذي عندهم مأوى ومسكن في المدينة ، يبقون فيها إلى أن يجدو عملاً ومأوى ، وقد يصل عددهم أحياناً إلى ثلاثمائة .
وكانوا كالحرس في الليل والنهار للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمسجد النبوي ، وبيوِت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي غرف أزواجه ، كما كانوا يحضرون الصلاة اليومية ويستمعون لخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يرتقي المنبر ، وأجوبته على الأسئلة التي توجه إليه ، ويتدارسون آيات القرآن ومقدمات الفقاهة .

قانون إخوة المسلمين للنبي (ص)
ورد (عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ليتني قد لقيت إخواني .
فقال له رجل من أصحابه : أو لسنا إخوانك .
قال : بلى أنتم أصحابي ، وإخواني قوم يأتون من بعدي ، يؤمنون بي ولم يروني ، ثم قرأ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ( ) وفيه إكرام الوحي النبوي للمسلمين والمسلمات من التابعين وإلى يوم القيامة ، ونيلهم مرتبة أخوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والذي لم يكن له أخ من أمه وأبيه مع كثرة أعمامه وعماته ، فأولاد عبد المطلب بن هاشم عشرة نفر وست نسوة وهم :
(الأول : الْعَبّاسَ .
الثاني : حَمْزَةَ .
الثالث : َعَبْدَ اللّهِ .
الرابع : َأَبَو طَالِبٍ – وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ .
الخامس : َالزّبَيْرَ .
السادس : َالْحَارِثَ .
السابع : َحَجْلًا .
الثامن : َالْمُقَوّمَ .
التاسع :َضِرَارًا .
العاشر : َأَبَو لَهَبٍ – وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزّى)( ).
وأسلم منهم حمزة قبل الهجرة ، والعباس أيام الفتح وقيل قبله ، وكان أسيراً عند المسلمين يوم معركة بدر ، وكان أبو لهب من أشد الناس عداوة وإيذاءَ للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
أما النسوة فهن :
الأولى : صَفِيّةَ .
الثانية : َأُمّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءَ .
الثالثة :َعَاتِكَةَ .
الرابعة : َأُمَيْمَةَ .
الخامسة :َأَرَوَى .
السادسة : بَرّةَ)( ).
وأسلمت منهن صفية ، وكذا على الظاهر عاتكة وأروى ، وتدل قلة عدد الذين أسلموا من أعمام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتجاهر أبي لهب بتكذيبه على صدق إيمان الصحابة ، وعدم وقوفهم عند تكذيبه له.
تفسير [مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]
في الآية بيان للإعجاز في خلق آدم وحواء في الجنة ، فلم يهبط آدم وحده ، إنما أكرم الله المرأة بأن خلقها في الجنة ، وعاشت حواء مع الملائكة وتكلمت معهم واشتركت مع آدم في الأكل من الشجرة التي نهاهما الله عز وجل عنها ، ثم توجهت مع آدم إلى الله عز وجل بالدعاء والمسألة .
وورد في التنزيل حكاية عنهما [قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ]( ).
ولم يرد لفظ (ظلمنا) في القرآن إلا في الآية أعلاه ، مع جواز مجيئه بصيغة الجمع وليس المثنى وحدها ، مما يدل على شدة الظلم الذي أقدم عليه آدم وحواء بمعصية الله بعد تلقي الأمر منه مباشرة .
ولبيان فضل الله عز وجل على المؤمنين بطاعة الله ، مع أنهم تلقوا الأحكام من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبالواسطة باستثناء الصحابة الذين تلقوا الأوامر من النبي مباشرة .
وتبين الآية تساوي الرجل والمرأة في أمور :
الأول : التكاليف العبادية إلا ما خرج بالدليل كسقوط الصلاة عن المرأة أيام الحيض .
الثاني : الحقوق ، قال تعالى [وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ]( ) .
الثالث : الدنيا دار عمل الصالحات والتسابق منها للذكر والأنثى ، قال تعالى [وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا]( ).
الرابع : قانون تفضيل الرجال بالقوامة ، قال تعالى [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا]( ).
من غير أن يتعارض هذا القانون مع قانون تعلق الإكرام بين الرجال والنساء بالتقوى لقوله تعالى [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ]( ).
تغليب المذكر
آية البحث من مصاديق قوله تعالى [وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ]( )، لبيان سنخية العمل الحسنة التي يقبلها الله عز وجل في آية البحث ، وللتنبيه بأن النساء مكلفات بالأصول والفروع كتكليف الرجال إلا ماخرج بالدليل مثل الجهاد إذ أنه يسقط عن النساء ، وكما في سقوط الصلاة عن الحائض أيام الحيض ، بينما تقضي ما فاتها من الصيام أيام الحيض.
وورد عدد من التكاليف في القرآن بصيغة التذكير [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]( )، مع وجوبه على النساء أيضاً.
وتأتي صيغة التذكير في المتنافي بلحاظ أمور :
الأول : الأغلب ، مثل القمران ، للشمس والقمر .
الثاني : الأقوى ، فيقال للوالدين : الأبوين ، والمراد الأب والأم .
الثالث : الأخف نطقاً ، مثل العمران .
الرابع : الأظهر مثل العشائين ، ويراد صلاة المغرب والعشاء.
المجمل والمفصل في آية البحث
من خصائص القرآن ورود المجمل الذي هو عام في معناه ، وعرفوه في علم الأصول والتفسير بأنه الذي تتضح دلالته ، وهذا التعريف لا يناسب ما في القرآن من البيان والكشف والإيضاح ، فحتى المجمل في القرآن واضح في معناه ودلالته ، ويأتي التفصيل في آية أخرى وفي السنة النبوية زيادة في الإيضاح ، فقوله تعالى [وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ]( )ظاهر في وجوب الصلاة ، ويأتي التفصيل في بيان أوقات الصلاة وعدد وكيفية الركعات ، وكما في قوله تعالى [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]( ).
وبينت السنة النبوية القولية أن القطع في ربع دينار ذهبي فصاعداً ، وأن القطع من أطراف الأصابع ، وقول مشهور أنه من الرسغ .
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه القطع ومن سرق دون فعليه غرامة مثلية والعقوبة)( ).ولا تعني العقوبة القطع بل هي أدنى منه .
ليكون الجمع بين تغليب المذكر في آيات التكاليف وذكر الذكر والأنثى في آية البحث والوعد من الله عز وجل بالأجر والثواب لكل منهما من مصاديق المجمل والمفصل في الآية الواحدة ، ومن منافعه وجوه :
الأول : بعث المسلمين والمسلمات على العمل الصالح .
الثاني : بيان الحكم الواقعي .
الثالث : إنه مصاديق قوله تعالى [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]( ).
الرابع : إحاطة الله علماً بالعباد وأفعالهم ، وفي التنزيل [وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( ).
ودلالة صيغة المفرد في قوله تعالى [فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ]( )، لبيان استقلال كل مكلف بعمله وحسابه ، نعم يتجلى حديث الرفع سواء للذكر أو الأنثى بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)( ).
علم المناسبة [ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]
ورد هذا اللفظ أربع مرات في القرآن ، وكلها في الثناء على المؤمنين وعملهم الصالحات وبشارة حسن الثواب لهم في الآخرة وهي :
الأولى : في آية البحث .
الثانية : [وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا]( )، وجاءت هذه الآية بصيغة الإطلاق ، وبصيغة الجملة الشرطية ، لبيان فتح باب التوبة وعمل الصالحات للناس جميعاً .
فمن مصاديق قوله تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]( )، إنعدام الواسطة بين الله عز وجل وبين كل شخص من الناس ، فحالما يدعو الإنسان يسمعه الله عز وجل ، كما ورد في التنزيل [قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ]( ).
وتدل الآية على إرادة قصد القربة في عمل الصالحات وإرادة رضا الله عز وجل ، بقوله تعالى [وَهُوَ مُؤْمِنٌ]( )، فلو تصدق شخصان على مسكين ، أحدهما مؤمن والآخر كافر ، ترتب الثواب العاجل والآجل على عمل المؤمن دون الكافر .
لإختصاص المؤمنين والمؤمنات بالبشارة لموضوعية الإيمان وقصد القربة.
الثالثة : [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]( ).
لبيان تغشي رحمة الله في الدنيا للمؤمنين الذين يعملون الصالحات بقصد القربة إلى الله عز وجل ، ليكونوا في غبطة وسعادة وهناء ، لقوله تعالى [فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً]( ) .
ومن أسرار مجئ قوله تعالى [مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى] في آية البحث شمول السعادة للأسرة المسلمة ، والسعة في الرزق وقضاء الحاجات وليصرف الله عز وجل عنهم الفتن والأمراض المعدية .
ومن خصائص الآية أعلاه الإطلاق في الوعد الإلهي ليشمل أحوال المؤمنين في الدنيا والآخرة وبشارة العفو والمغفرة في الآخرة ، ليفوزوا بالثواب العظيم في الآخرة .
وهل الأذى الذي لاقاه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمهاجرون والأنصار من الكفار من [أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا]( )، الذي تذكره الآية أعلاه ، الجواب نعم لبيان أن قوله تعالى [وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]( )، أي الجزاء باللبث الدائم في الجنة التي تجري من تحتها الأنهار في جمال بهيج .
الرابعة : قوله تعالى [مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ]( )، جمعت هذه الآية بين المتضادين في الفعل والجزاء ، مع مناسبة الجزاء لذات الفعل إذ تترتب العقوبة على ارتكاب السيئة ، ويأتي الثواب العظيم على عمل الصالحات .
ومن الإعجاز في الآية مسائل :
الأولى : ابتداء الآية بلغة الإنذار والوعيد على فعل السيئة .
الثانية : صبغة العموم في فعل السيئة من غير تقييدها بالذين كفروا .
الثالثة : السيئة عنوان عام تقع تحته صغائر وكبائر الذنوب .
الرابعة : الرحمة والتخفيف من الله عز وجل بأن عقوبة السيئة بمثلها ، بينما أخبرت آيات القرآن عن مضاعفة ثواب الحسنة أضعافاً ، قال تعالى [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ]( ).
الخامسة : تقييد قبول العمل الصالح وترتب الثواب عليه بالإيمان وليكون من معاني [وَهُوَ مُؤْمِنٌ] أي وهو مؤمن بالله ورسله وملائكته واليوم الآخر ، فذكرت الآية أعلاه صدور العمل الصالح من المؤمن والمؤمنة.
وجاءت آية البحث بذكر أفراد من العمل الصالح ذات شأن في تأريخ الإسلام ، وتثبيت أحكام الشريعة في الأرض إلى يوم القيامة .
تفسير [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ]
يدل هذا الشطر من الآية على توجه الخطاب فيه للمسلمين والمسلمات من أيام التنزيل وإلى يوم القيامة ، فلم تقل الآية (بعضهم من بعض) باتصال صيغة الغائب ، بل انتقلت إلى لغة الخطاب وهو المسمى في الاصطلاح البلاغي (الإلتفات) وهو من إعجاز القرآن وأسرار تعدد صيغة الخطاب ودلالاته وشمول الخطاب للغائب ثم للحاضر .
وليكون تقدير ما بعد هذا الشطر من الآية [فَالَّذِينَ هَاجَرُوا] أي فالذين هاجروا منكم سواء الذكور أو الإناث.
[وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] أي والذين أخرجوا من ديارهم منكم ، لإرادة المهاجرين من مكة إلى الحبشة وإلى المدينة ، واستمرار موضوع وحكم الآية حال تجدد ذات الأسباب .
وهذا المعنى لا يمنع من إرادة المهاجرين من ملة التوحيد السابقة لوحدة الموضوع في تنقيح المناط.
وقيل المراد من قوله تعالى [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] أن الذكر من الأنثى ، والأنثى من الذكر ، وأنهما من أصل واحد .
ولكن مضمون الآية أعم ، والأظهر من معانيه هو قانون الإيمان الجامع المشترك بين المسلمين والمسلمات ، وأن أسباب الهداية متداخلة وكذا الأُخُوة بينهم .
وهل هو من مصاديق قوله تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]( )، الجواب نعم ، فمن معاني الأخوة التعاون والتكافل بين المسلمين والمسلمات ، وقيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرادة اتحاد الشأن ، ويفسر القرآن بعضه بعضاً .
ولم ترد هذه الجملة [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] إلا مرتين في القرآن احداهما في آية البحث والأخرى في قوله تعالى [وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ]( )، للترغيب في نكاح الإماء ، وبيان أن المدار في اختيار الزوجة على الإيمان .
وقد ورد (عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له : إن المرأة تنكح على دينها ، ومالها ، وجمالها ، فعليك بذات الدين تربت يداك.
وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تنكح المرأة على إحدى خصال : لجمالها ، ومالها ، ودينها ، فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك)( ).
وهذا الحديث من المتواتر إذ ورد بصيغ متشابهة عن أبي سعيد وأنس ، وأبي هريرة .
وعن الإمام الباقر عليه السلام (قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم يرفيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله اليه، فعليكم بذات الدين)( ).
و(أخرج ابن جرير عن أبي جعفر محمد بن علي (الباقر) قال : النكاح بوليّ في كتاب الله ، ثم قرأ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا( ) أي لتوجه الخطاب [لَا تُنْكِحُوا] إلى الأولياء .
ويقال : هو مني وأنا منه .
وقد ذم الله عز وجل الذين يخفون الكفر والجحود مع إظهارهم الإيمان ، وفضح قبح سلوكهم ، قال تعالى [الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ]( ).
ولم يرد لفظ (بالمنكر) في القرآن إلا في الآية أعلاه .
ومن معاني الجمع بين الآية أعلاه وآية البحث التباين الموضوعي بين المؤمنين الذين يستجيب الله لدعائهم ، وبين المنافقين الذين أخبرت الآية أعلاه بالقول [بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ] وبصيغة الغائب في سياق الذم بينما خاطبت آية البحث [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ]( )، في سياق المدح والوعد الكريم لإرادة الحيطة والحذر من المنافقين والمنافقات ، قال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ]( ).
وقال الشاعر :
(فإنّي لست منك ولست مني … إذا ما طار من مالي الثمين)( ).
وفي قوله تعالى [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] دعوة للمسلمين والمسلمات كافة إلى التآزر والتراحم ، والسعي في طاعة الله ورسوله ، والتكافل فيما بينهم ، وأنه إذا أصاب بعضهم أذى وضرر فانه قد يلحق الآخرين .
وأن المسلمين وإن تباعدت أمصارهم هم إخوة.
وهل في الآية دعوة إلى نبذ الفرقة والشقاق بين المسلمين ، الجواب نعم ، وحرمة القتال بين الناطقين بالشهادتين .
ترى ما هو دور المرأة في المقام وذكر الآية للذكر والأنثى خاصة مع سقوط القتال عن النساء ، الجواب هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعن التباغض والتحاسد ، والقتال ومقدماته .
ومن معاني [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] إخراج الزكاة والحقوق الشرعية ووجوبها على الرجال والنساء ، وإيصالها إلى مستحقيها الذين يقبلونها من غير حرج أو استنكاف ، فلو أعطت المرأة زوجها أو أخاها أو مؤمناً من ذوي الأرحام أو أجنبياً مالاً ، وقدمت له العون ويد المساعدة فيلزم قبوله مع الشكر والدعاء لصاحبة المال .
وتبين الآية أن الإسلام ليس مجتمعاً ذكورياً ، إنما يستنهض النساء لخدمة الشريعة ويشملهن قوله تعالى [وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ]( ).
ومن معاني [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] انتفاع المسلمين من العمل الصالح الذي يقوم به بعضهم ومنه الواجبات والمستحبات الكفائية التي تسقط باتيان الفرد منهم كرد السلام ، كتجهيز الميت والصلاة عليه وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بعض الحالات ، قال تعالى [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ]( ).
التفسير بالتقدير [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ]
وفيه وجوه :
الأول : [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] في مقامات الإيمان .
الثاني : [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] فتعاونوا [عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ]( ).
الثالث : [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] فيأتي الأجر والثواب للجميع بعمل أحدكم.
الرابع : [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] فتآلفوا وتآزروا .
الخامس : [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] فانبذوا الكراهية والحسد بينكم.
السادس : [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] فاكرموا بعضكم بعضاً فعلى الرجال إكرام النساء وبالعكس .
السابع : [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] فليكرم بعضكم بعضاً.
الثامن : [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] فتراحموا .
التاسع : [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] وقد ورد (عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه)( ).
العاشر : [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] و(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ)( ).
الحادي عشر : [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] لبيان الحزن الذي يلحق المسلمين عند قتل أفراد منهم كما في قوله تعالى [قَاتَلُوا وَقُتِلُوا]( )، والأجر والثواب على هذا الحزن لأنه فرع أخوة الإيمان .
الثاني عشر : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] بفضل من الله عز وجل فزتم بمرتبة [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ].
الثالث عشر : قوله تعالى [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] بشارة شفاعة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين ، والشفاعة العامة فيما بينهم .
و(عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلا قول الله [وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى]( ) فقال : إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)( ).
تفسير [فَالَّذِينَ هَاجَرُوا]
لبيان قانون جهاد المسلمين في مرضاة الله وصبرهم على الأذى الشديد في التفريع عن قوله تعالى [لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ]( )، وتوثيق العناء الذي لاقاه المسلمون الذين هجروا دار الشرك وما فيها من الأذى ، وفارقوا ملاعب الصبا ، وذوي القربى والعشائر وما في هذه المفارقة من الكآبة والحزن الذي يخفف عنهم لأن الهجرة في ذات الله ، ولا يقدر على هذا التخفيف إلا الله عز وجل سواء التخفيف الشخصي ، بانشراح الصدر ، وإنتظار الفرج ، قال تعالى [أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ]( ).
أو التخفيف العام توالي نزول آيات التخفيف ، ومصاديق مؤاخاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار .
والآية أعلاه ليست من مختصات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل هي عامة تشمل المسلمين فان قلت إن سورة الإنشراح مكية نزلت قبل الهجرة ، والجواب تبين الآية حضور فضل الله على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه حتى قبل الهجرة النبوية لتكون مضامينها مصاحبة لهم بعد الهجرة أيضاً .
ومن مصاديق تفسير السنة النبوية للقرآن في المقام ما ورد (عن ابن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن أول ثلة الجنة الفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره . إذا أُمِروا سمعوا وأطاعوا ، وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره.
وأن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول : أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي ، وقُتِلوا وأوذوا في سبيلي ، وجاهدوا في سبيلي .
أدخلوا الجنة فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب .
ويأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ونقدس لك ، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا .
فيقول : هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي ، وأوذوا في سبيلي . فتدخل الملائكة عليهم من كل باب سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ( ).
ترى ما هي النسبة بين [عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ] وبين [فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ]( ).
الجواب هو العموم والخصوص المطلق ، فعمل العامل أكثر وأعم ، لبيان قانون الأجر والثواب للمؤمنين على كل عمل صالح يعملونه صغيراً كان أو كبيراً ، ثم ذكرت الآية الأعمال الجهادية الشاقة ، وفيه تذكير للمسلمين بأن الهجرة في سبيل الله من أشق الأعمال في الحفاظ على سلامة الدين ، والدعوة إلى الله .
هجرة النسوة إلى الحبشة
بلحاظ قوله تعالى [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ) يكون تقدير هذا الشطر من الآية فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم ، واللائي أخرجن من ديارهن).
وتارة تهاجر المرأة مع زوجها كما في هجرة النسوة مع أزواجهن إلى الحبشة (مملكة أكسوم) والتي ابتدأت في شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة النبوية وكانت أول جماعة منهم اثني عشر رجلاً وأربع نسوة ( ).
خرجوا متسللين سراً من مكة بين راكب وماش ، وعندما علمت قريش بخروجهم خرجوا في طلبهم ، وكانت قريش تسعى بسرعة وعلى الخيل في آثارهم .
ومن فضل الله أن المهاجرين حالما وصلوا إلى الشعيبة وهي الميناء آنذاك قبل ميناء جدة وجدوا سفينتين تريدان الإبحار إلى الحبشة فركبوا فيهما ، كل فرد بنصف دينار فلم يدركوهم ، وهو من المعجزات الغيرية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ثم جاءت هجرة الآخرين من الصحابة حتى صار عدد المهاجرين إلى الحبشة ثلاثة وثمانين رجلاً وتسع عشرة امرأة .
(وَكَانَ أَهْلُ هَذِهِ الْهِجْرَةِ الْأُولَى اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ عُثْمَانُ وَامْرَأَتُه وَأَبُو حُذَيْفَةَ وَامْرَأَتُهُ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ وَأَبُو سَلَمَةَ وَامْرَأَتُهُ أُمّ سَلَمَةَ هِنْدُ بِنْت أَبِي أُمّيّةَ وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَامْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمٍ وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرٍو وَسُهَيْلُ بْنُ وَهْبٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ)( ).
وتوالت هجرة النساء مع أزواجهن إلى الحبشة ثم الهجرة الكبرى إلى المدينة ، ومنها هجرة الفواطم الأربعة ، فبعد أن أمر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الإمام علي عليه السلام أن يبيت في فراشه وأوصاه بوصايا منها أن يؤدي الأمانات التي عنده ، ومنها أمره أن يلتحق به ومعه الفواطم الأربعة وهن فاطمة الزهراء عليها السلام ، وفاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت حمزة ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب ، وتمت هجرتهم بسلام .

هجرة المرأة منفردة
من المسلمات من هاجرت بمفردها إلى المدينة ، منهن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط التي تعذر عليها الخروج إلى المدينة وكانت أسلمت قديماً وإخوتها مشركون ، وكان أبوها قتل في معركة بدر كافراً.
ولما تم صلح الحديبية في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة هاجرت بمفردها خلسة من أهلها ، ماشية على قدميها ، فحملها على ناقته رجل كافر من خزاعة حتى أوصلها المدينة .
لبيان مسألة وهي اختيار الهجرة حتى من قبل المؤمنة إذ كانت مخاطر الطريق أقل من الخوف على الدين بالإقامة بين مشركي قريش .
وظن أهلها أنها خرجت إلى الطائف لبساتين لهم فيها ، وعندما علموا بأنها هاجرت إلى المدينة خرج في أثرها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة وسألا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إعادتها لهم للشرط باعادة من يأتي من قريش للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وقالت أم كلثوم (يا رسول الله حال النساء إلى الضعف ، كما قد علمت ، فتردني إلى الكفار يفتنوني عن ديني ولا صبر لي)( ).
ونزل قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ]( ).
وفيه وجوه محتملة :
الأول : اختصاص شرط الإعادة بالرجال ، وأراد المشركون تعميمه .
الثاني : نسخت الآية أعلاه الشرط بخصوص النساء ، إذ نهى الله عز وجل على اعادة النساء بعد امتحانهن وثبوت أن مجيئهن ليس من أجل مال أو زواج أو نشوز بل بسبب الإيمان .
الثالث : تخصيص السنة النبوية للقرآن ، وهذا التخصيص قليل .
والمختار هو الأول ، ومن امتحان المهاجرات سؤالهن عن الشهادتين والنطق بهما ، ويقال : استحلفوهن ما خرجن إلا حرصاً على الإسلام ولا خرجن لزوج أو مال أو نشوزاً من زوج .
والمختار أن هذا الامتحان يختلف بحسب حال المهاجرة .
وأم كلثوم أخت عثمان بن عفان لأمه أروى ، وتزوجت بعد الهجرة زيد بن حارثة ، فقتل يوم مؤته ، فتزوجها الزبير بن العوام ، فولدت له بنت بعد أن طلقها وولدت في نفس يوم الطلاق ، وتزوجها عبد الرحمن بن عوف ، فولدت له إبراهيم وحميد ، ومات منها وتزوجها عمرو بن العاص ، فمكثت عنده شهراً وماتت .
قانون هجرة النسوة جهاد
لقد كانت وراء هجرة كل مسلمة قصة جهادية خاصة ، سواء اللاتي هارجن مع أزواجهن أو مع ابنائهن أو مع آبائهن ، أو هاجرن بأنفسهن ليس لهن رفيق في طريق الهجرة إلا رحمة الله ، وفي التنزيل [وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ]( ).
لقد تحدت المؤمنات مواطن الضعف ، ومخاوف الطريق ، وربما حدثت فتنة بسبب هجرة النسوة ومحاولة لتثبيتها عن الهجرة ، كما في أم سلمة ، إذ تروي بأنه لما أجمع أبو سلمة الهجرة وهي معه ، أهدى لها بعيراً برحله ، وأركبها وابنه مسلمة ، ثم خرج يقوده .
فلما رآه رجال من بني المغيرة وهم عمومتها (قَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُك غَلَبْتنَا عَلَيْهَا ، أَرَأَيْت صَاحِبَتَك هَذِهِ ؟ عَلَامَ نَتْرُكُك تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ ؟ قَالَتْ فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذُونِي مِنْهُ . قَالَتْ وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالُوا : لَا وَاَللّهِ لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا .
قَالَتْ فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ حَتّى خَلَعُوا يَدَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ .
قَالَتْ فَفَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي . قَالَتْ فَكُنْت أَخْرُجُ كُلّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ فَمَا أَزَالُ أَبْكِي ، حَتّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتّى مَرّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمّي ، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي.
فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ فَرّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا قَالَتْ فَقَالُوا لِي : الْحَقِي بِزَوْجِك إنْ شِئْت . قَالَتْ وَرَدّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي .
قَالَتْ فَارْتَحَلْت بَعِيرِي ثُمّ أَخَذْت ابْنِي فَوَضَعْته فِي حِجْرِي ، ثُمّ خَرَجْت أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ . قَالَتْ وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللّهِ .
فَقُلْت : أَتَبَلّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتّى أَقْدَمَ عَلَيّ زَوْجِي ، حَتّى إذَا كُنْت بِالتّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ فَقَالَ لِي : إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ.
فَقُلْت : أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ . قَالَ أَوَمَا مَعَك أَحَدٌ .
فَقُلْت : لَا وَاَللّهِ إلّا اللّهُ وَبُنَيّ هَذَا . قَالَ وَاَللّهِ مَا لَك مِنْ مَتْرَكٍ فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقَ مَعِي يَهْوِي بِي.
فَوَاَللّهِ مَا صَحِبْت رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطّ ، أَرَى أَنّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي ، ثُمّ اسْتَأْخَرَ عَنّي ، حَتّى إذَا نَزَلْت اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي ، فَحَطّ عَنْهُ ثُمّ قَيّدَهُ فِي الشّجَرَةِ ، ثُمّ تَنَحّى وَقَالَ ارْكَبِي .
فَإِذَا رَكِبْت وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ فَقَادَهُ حَتّى يَنْزِلَ بِي.
فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ ، فَلَمّا نَظَرَ إلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ قَالَ زَوْجُك فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ – وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا – فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكّةَ .
فَكَانَتْ تَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ ، وَمَا رَأَيْت صَاحِبًا قَطّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَة)( ).
وأبو سلمة هو عبد لله بن عبد الأسد المخزومي ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخوه من الرضاعة ، وهاجر وزوجه إلى الحبشة ثم إلى المدينة ، وجرح في معركة أحد وداوى جرحه شهراً وظن أنه برئ ، ولكن الجرح دمل على بغي لا يعرفه ، وخرج أميراً في سرية إلى قطن ، واحتضر بعدها ، وأحست أم سلمة بالغربة في المدينة عند فراقه ، فقال (إلى من تكلني ؟ قال إلى الله اللهم أبدل ام سلمة بخير من ابى سلمة)( ).
فلما انقضت عدتها خطبها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتزوجها لتفوز بالمرتبة السامية وتكون من أمهات المؤمنين ، قال تعالى [النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ]( ).
وعن أسماء بنت أبي بكر (لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب ابى بكر فخرجت إليهم فقالوا اين ابوك يا بنت ابى بكر قالت قلت والله لا ادرى اين ابى قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدي لطمة خرم منها قرطي قالت ثم انصرفوا)( ).
وفي دعاء السفر الوارد عن عبد الله بن عمر (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثاً ، ثم قال[سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ]( ).
ثم يقول : اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهم، هون علينا السفر واطو لنا البعيد. اللهم، أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم، اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا.
وكان إذا رجع إلى أهله قال : آيبون تائبون إن شاء الله، عابدون، لربنا حامدون)( ).
قانون الهجرة سلام
لقد ورد لفظ [فَالَّذِينَ هَاجَرُوا]( )، بصيغة التذكير لتغليب المذكر ، وللأمر الواقعي بأن أكثر المهاجرين من الرجال ، وهل تحتسب النساء كالزوجات تابعات للرجال في الهجرة ، الجواب لا .
صحيح أن الزوجة تهاجر مع زوجها ، إلا أنها مهاجرة على نحو مستقل ، وتتحمل الأذى والوعثاء ، لذا قال تعالى [وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي]( ).
وهل هناك شواهد بأن المرأة المسلمة هي الرائدة في هجرة العائلة ، الجواب نعم .
يبين قوله تعالى [فَالَّذِينَ هَاجَرُوا] مرتبة الهجرة في الجهاد مع أنها سلم محض ، وعزوفِ عن القتال ومقدماته .
ولما توفى أبو طالب عم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وزوجه خديجة في السة العاشرة للبعثة النبوية اشتد أذى قريش عليه ، فتوجه إلى الطائف لدعوة ثقيف للإسلام ، ورجاء الإصغاء له ، وإيواءه ، ولكنهم قابلوه بالصدود خشية أذى قريش ، وأغروا صبيانهم فصاروا يرمونه بالحجارة ليسيل الدم من قدميه.
فالتجأ إلى بستان من بساتين الطائف وتوجه إلى الله بالدعاء الذي هو سلاح الأنبياء ، وشاهد على قانون الهجرة سلام محض إذ قال (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، اللهم يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ! ولكن عافيتك هي أوسع .
إني أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل بي سخطك)( ).
قانون الهجرة صبر
في قوله تعالى [فَالَّذِينَ هَاجَرُوا] مسائل :
الأولى : ترغيب المسلمين والمسلمات بالهجرة من دار الشرك وما فيها من السلامة من أذى كفار قريش .
الثانية : بيان قانون الهجرة جهاد في سبيل الله .
الثالثة : قانون الهجرة في مرضاة الله عمل صالح ، وفيها الآجر والثواب.
الرابعة : الوعد من عند الله عز وجل بفوز المهاجرين في سبيل الله بفضل الله عز وجل ، والمدار على خواتيم الأمور .
الخامسة : من الإعجاز في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم تحقق الإيواء للمهاجرين ، وعدم ضياعهم .
السادسة : هل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرين ، الجواب نعم فهو إمام المهاجرين ، وكان يفتخر بالهجرة ، ويحتج بها .
و(عن عبدالله بن زيد بن عاصم، قال: لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الانصار شيئا ، فكأنهم وجدوا في أنفسهم إذ لم يصبهم ما أصاب الناس .
فخطبهم فقال : يا معشر الانصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بى ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي .
كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن .
قال : لو شئتم قلتم : جئتنا كذا وكذا ، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم ؟ لولا الهجرة لكنت إمرءا من الانصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادى الانصار وشعبها، الانصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدى أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)( ).
السابعة : قانون لحوق الضرر في الآخرة بسبب التخلف عن الهجرة مع إمكانها لمن يخاف على دينه عند الإقامة بين ظهراني المشركين ، قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا]( ).
الثامنة : الهجرة تفريق بين فريقين بينهما تضاد في العقيدة والمبدأ ، فهي سلام ومنع للإحتكاك والإمتثال .
التاسعة : قانون الهجرة قوة للمؤمنين لما فيها من سلامة الدين ، والإجتماع خارج مكة التي تسود فيها مفاهيم الشرك .

أول سفارة إسلامية أخطر سفارة في التأريخ
المشهور أن أول سفير في الإسلام هو الصحابي مصعب بن عمير القرشي من بني عبد الدار ، ولد في مكة نحو سنة 38 قبل الهجرة النبوية (586)م ، وكان فتى مدللاً .
فقد كانت أمه ثرية وتقذف عليه بالمال واحسن الثياب والعطور والغذاء واسمها خُناس بنت مالك ، ولكنه بادر لدخول الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في دار الأرقم بن الأرقم الذي يقع على أطراف جبل الصفا المجاور لمكة والمذكور في القرآن بقوله تعالى [إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ]( ).
وكان يكتم إيمانه ورأه عثمان بن طلحة يصلي فوشى به إلى أمه وقومه ، فأوثقوه وعذبوه لصده عن الإسلام ولكنه صبر على البلاء والأذى الشديد.
ولما بايع اثنا عشر من الأوس والخزرج النبي محمداً بيعة العقبة الأولى بعث معهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مصعب بن عمير ليقرئهم القرآن ويصلي بهم ويدعو الناس للإسلام ، لذا قيل أنه أول سفير في الإسلام ، واستشهد مصعب بن عمير في معركة أحد في النصف من شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة ، بعد أن قاتل دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كانت حجارة المشركين يومئذ تصل إليه.
فقتل ابن قمئة مصعب بن عمير وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونادى في الجمع : قتلت محمداً .
ولما استشهد مصعب مع تسعة وستين من المهاجرين والأنصار يوم معركة أحد ، لم يكف ثوبه لتكفينه فاذا غطي رأسه بدت رجلاه ، وإذا غطيت رجلاه بدا رأسه فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يغطى باقي جسده بالأذخر وهو نبات ورقي .
والمختار أن أول سفارة في الإسلام هي سفارة جماعية تتألف من (ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا إنْ كَانَ فِيهِمْ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَإِنّهُ يُشَكّ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَمِنْ النّسَاءِ تِسْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً)( ).
وهي أيضاً أخطر سفارة في التأريخ هاجروا إلى الحبشة وكانوا دعاة إلى الإسلام قولاً وفعلاً ، هربوا بدينهم بتوصية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الخامسة للبعثة النبوية .
ولما بعثت قريش (عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ)( ) إلى النجاشي ملك الحبشة للطعن في الإسلام لتشويه سمعة المهاجرين ، والتحريض على إعادتهم إلى قريش دخل وفد منهم على النجاشي ، وتكلم جعفر الطيار في حضرة النجاشي بحضور الأساقفة ورجال الحاشية ، وتلا آيات من القرآن تنزه عيسى عليه السلام ومريم بنت عمران ، فأبى النجاشي تسليمهم إلى كفار قريش .
ولم تذكر الكتب الإسلام الأولى معنى أول سفير ولكنه تردد في هذا الزمان والصلات بين الدول ، ويمتاز المهاجرون إلى الحبشة بدخولهم بلاط الملك والإخبار عن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين الملأ والرؤساء وتعاهدهم الصلاة في بلاد بعيدة تدين بدين سماوي ليكون ثباتهم على الإسلام وحسن جوار ملك الحبشة لهم ، وعدم إكراههم لترك الإسلام أو لتسليمهم لوفد كفار قريش معجزة غيرية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
لقد كان طاقم أول سفارة إلى الحبشة يتألف من مائة وواحد من الرجال والنساء ، والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه يتلقون حينئذ الأذى الشديد من قريش .
مخاطر أول سفارة في الإسلام
قال تعالى [وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ]( ).
أول سفارة في الإسلام هي هجرة الحبشة ، وهي أخطر سفارة في التأريخ والقول الشائع أن مصعب بن عمير هو أول سفير في الإسلام والذي بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الحادية عشرة للبعثة النبوية مع الذين بايعوه من الأوس والخزرج في بيعة العقبة الأولى وعددها اثنا عشر .
ولكن أول سفارة في الإسلام بدأت في السنة الخامسة للبعثة النبوية وعددهم ثلاثة وثمانون رجلاً وتسع عشرة امرأة ودخلوا بلاط الملك وتلوا فيه آيات القرآن واحتجوا بالسنة النبوية وهو أظهر من تقديم السفراء أوراق الإعتماد في هذا الزمان .
لقد ورد في الحديث المشهور عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت)( ).
والأذى الذي لحق ويلحق النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على وجوه :
الأول : الأذى لشخصه الكريم بالإستهزاء والسخرية منه وبادماء أهل الطائف لقدميه لأنه خرج إليهم طالباً كف أذى قريش عنه .
الثاني : الأذى الذي لحق بني هاشم ومن أشهره الحصار الإجتماعي والإقتصادي الذي فرضته عليهم قريش لمدة ثلاث سنين من السنة السابعة للبعثة النبوية .
الثالث : الأذى الذي لحق الصحابة الأوائل من قبل أهليهم وعامة قريش وعبيدهم .
الرابع : تجهيز قريش الجيوش لقتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في معركة بدر ، وأحد ، والخندق .
وفي شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة النبوية خرجت أول دفعة من مهاجري الحبشة وعددهم أحد عشر رجلاً وأربع نسوة.
توجهوا إلى ميناء الشعيبة وهو قريب من ميناء جدة الحالي الذي انشئ أيام عثمان بن عفان مع مخاطر الطريق الذي بين مكة وجدة .
فعلمت قريش بمسيرهم ، فسعوا في اللحاق بهم ، ولكن كانت سفينتان للتجار تريدان التوجه إلى الحبشة فركبوا فيها كل فرد بنصف دينار .
وجاء رجال قريش مسرعين على الخيل ، فوجدوا السفينتين قد غادرتا ، واجتمع المهاجرون في الحبشة ولم يكن عندهم مورد رزق ولا رواتب تدفع للاجئين السياسيين ، كما أن قريشاً لا تعرف العمل بالزراعة والصناعة ، إنما هم أهل تجارة ، قال تعالى [لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ]( ) ، ثم ازداد عددهم فصاروا ثلاثة وثمانين رجلاً وتسع عشرة امرأة.
ليتصف مهاجرو الحبشة بلحاظ آية البحث بخصال حميدة منها :
الأول : الإجتهاد بالدعاء .
الثاني : قانون الهجرة في سبيل الله عمل صالح.
الثالث : يتألف مهاجرو الحبشة من الرجال والنساء وهو من مصاديق قوله تعالى في آية البحث[أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( )، ونزلت آية البحث في المدينة بعد هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للبشارة بالثواب على الهجرة .
الرابع : صلة القرابة واللحمة والزوجية بين المهاجرين والمهاجرات ، وهو من مصاديق قوله تعالى [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ].
الخامس : تلقي مهاجري الحبشة الأذى الشديد من المشركين قبل الهجرة وبعدها .
السادس : عودة مهاجري الحبشة إلى المدينة ، واشتراكهم في الدفاع عن النبوة والتنزيل ، فمثلا هاجر أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ومعه زوجته أم سلمة إلى الحبشة .
وأبو سلمة ابن عمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم برة بنت عبد المطلب وهو أخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب .
وولدت له أم سلمة في الحبشة سلّمة وهو ذكر وعمر ودرة وزينب .
عن أم سلمة قالت (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِذَا حَضَرْتُمْ الْمَيِّتَ أَوْ الْمَرِيضَ فَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ فَقَالَ قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً قَالَتْ فَقُلْتُ فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ)( ).
ملاحقة المسلمين إلى الحبشة
لم تندم قريش على إيذائها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه ، ولم تترك المهاجرين الذين ذهبوا إلى الحبشة وشأنهم ، إنما سعت لإعادتهم صاغرين إذ أرسلت وفداً خلفهم إلى النجاشي مكراً وخبثاً ، قال تعالى [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]( ).
قالت أم سلمة (فلما رأت قريش أن قد أصبنا داراً وأمناً أجمعوا على أن يبعثوا إليه فينا ليخرجنا من بلاده وليردنا عليهم، فبعثوا عمرو بن العاصي، وعبد الله بن أبي ربيعة، فجمعوا له هدايا ولبطارقته، فلم يدعوا منهم رجلاً إلا هيأوا له هدية على ذي حده.
وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا فيهم، ثم ادفعوا إليه هداياه، وإن استطعتم أن يردهم عليكما قبل أن يكلمهم فافعلا.
فقدما عليه، فلم يبق بطريق من بطارقته إلا قدموا له هديته وكلموه وقالوا له: إنا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا فارقوا أقوامهم في دينهم ولم يدخلوا في دينكم، فبعثنا قومهم فيهم ليردهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل .
فقالوا : نفعل، ثم قدما إلى النجاشي هداياه، وكان أحب ما يهدى إليه من مكة الأدم، فلما أدخلوا عليه هداياه .
قالوا له: أيها الملك إن فتية منا سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجأوا إلى بلادك ، فبعنا إليك فيهم عشائرهم: آباؤهم، وأعمامهم، وقومهم لتردهم عليهم ، فهم أعلى بهم عيناً، فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك لو رددتهم عليهم كانوا هم أعلى بهم عيناً، فإنهم لم يدخلوا في دينك فتمنعهم بذلك .
فغضب ثم قال: لا لعمر الله لا أردهم عليهم حتى أدعوهم وأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لجأوا إلى بلادي واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما يقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم ولم أخل بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عيناً.
فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم( ) ولم يكن شيء أبغض إلى عمرو بن العاصي وعبد الله بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم، فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم .
فقالوا: ماذا تقولون ، فقالوا: وماذا نقول، نقول والله ما نعرف، وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاء به نبينا كائن في ذلك ما كان .
فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب .
فقال له النجاشي: ما هذا الدين الذي أنتم عليه، فارقتم دين قومكم، ولا تدخلوا في يهودية ولا نصرانية، فما هذا الدين .
فقال جعفر: أيها الملك كنا قوماً على الشرك: نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نحل شيئاً ولا نحرمه .
فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلي ونصوم ، ولا نعبد غيره .
فقال : هل معك شيء مما جاء به – وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله .
فقال جعفر: نعم، قال: هلم فاتل علي ما جاء به، فقرأ عليه صدراً من [كهيعص]( ) فبكا والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم .
ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة الذي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين، لا والله لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عيناً، فخرجا من عنده، وكان أتقى الرجلين فينا عبد الله بن أبي ربيعة، فقال له عمرو بن العاصي: والله لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم، لأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد – عيسى بن مريم – عبد، فقال له عبد الله بن ربيعة: لا تفعل فإنهم وإن كانوا خالفونا فإن لهم رحماً ولهم حقاً، فقال: والله لأفعلن
فلما كان الغد دخل عليه فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فسلهم عنه، فبعث إليهم، ولم ينزل بنا مثلها، فقال بعضنا لبعض: ماذا تقولون له في عيسى إن هو سألكم عنه؟ فقالوا: نقول والله الذي قاله فيه، والذي أمرنا نبينا أن نقوله فيه، فدخلوا عليه، وعنده بطارقته .
فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فدلى النجاشي يده إلى الأرض فأخذ عويداً بين أصبعيه فقال: ما عدا عيسى ابن مريم مما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته، فقال: وإن تناحرتم والله، إذهبوا فأنتم شيوم بأرضي، والشيوم: الآمنون .
ومن سبكم غرم، ومن سبكم غرم، ومن سبكم غرم، ثلاثاً، ما أحب أن لي دبيراً، وأني آذيت رجلاً منكم، والدبير بلسانهم الذهب .
فو الله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه .
ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها، واخرجا من بلادي، فخرجا مقبوحين مردود عليهما ما جاءا به.
فأقمنا مع خير جار في خير دار .
فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فو الله ما علمنا حزناً قط كان أشد منه، فرقاً أن يظهر ذلك الملك عليه فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرف، فجعلنا ندعوا الله ونستنصره للنجاشي، فخرج إليه سائراً، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم لبعض: من رجل يخرج فيحضر الوقعة حتى ينظر على من تكون .
فقال الزبير – وكان من أحدثهم سناً – : أنا، فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره ثم خرج يسبح عليها في النيل حتى خرج من شقه الآخر إلى حيث التقى الناس، فحضر الوقعة، فهزم الله ذلك الملك وقتله، وظهر النجاشي عليه، فجاءنا الزبير فجعل يليح إلينا بردائه ويقول: ألا أبشروا فقد أظهر الله النجاشي، فو الله ما علمنا فرحنا بشئ قط فرحنا بظهور النجاشي، ثم أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا راجعاً إلى مكة، وأقام من أقام)( ).
ليكون من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قانون تحول الأذى العام إلى أمن وعز ونصر للمؤمنين .
تفسير [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ]
هل الذين أخرجوا من ديارهم هم أنفسهم الذين هاجروا ليكون من عطف البيان ، المختار أن النسبة بينهم هي العموم والخصوص المطلق ، وأن الذين هاجروا أعم ، فمنهم من هاجر طوعاً ولكن الآية الحقتهم بالذين أخرجوا من ديارهم .
لما فيه الهجرة من مفارقة الأوطان ، وتحمل مشاق ومخاطر السفر في طريق الهجرة ، والخشية من المجهول في دار الهجرة لولا فضل الله عز وجل بايواء الأنصار للمهاجرين ، ومؤاخاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بينهم ولأن من علة الخروج من الديار تلقي الأذى من المشركين واحتمال ازدياده .
ولبيان أن ذات الهجرة وترك الأوطان أذى يثيب الله عز وجل عليه الأجر العظيم في الدنيا والآخرة .
ومن الأجر في الدنيا المنعة وأداء الصلاة اليومية في المسجد النبوي ، ومساجد المدينة الأخرى من غير خوف أو حزن ، وفي الهجرة أمن وعز ، وهي من مصاديق قوله تعالى [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ]( ).
والنسبة بين (ديارهم) وبين مكة عموم وخصوص مطلق ، لبيان عدم انحصار المهاجرين بأهل مكة ، ولكن الأغلبية من مكة ، ليكون من المقاصد السامية لآية البحث الترغيب العام بالهجرة أيام التنزيل ، وعدم بخس عمل عامة المؤمنين من أهل القرى واليمن وأفراد القبائل الذين هاجروا إلى المدينة بعد أن أوذوا في ديارهم .
وفي بداية نزول جبرئيل بالوحي على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم نزوله بسورة العلق [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ]( )، وبعد أن بلغ الجهد من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دخل على زوجته خديجة بنت خويلد وقال زملوني زملوني ، فدثروه (حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي ، فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق .
فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى – ابن عم خديجة – وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإِنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمي .
فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك . فقال له روقة : يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبر ما رأى.
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى ، يا ليتني أكون فيها جذعاً ، يا ليتني أكون فيها حياً إذ يخرجك قومك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أو مخرجي هم؟ قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي)( ).
ليكون قول ورقة (إذ يخرجك قومك) من مقدمات الإستعداد للهجرة وأن النبي محمداً من الذين (اخرجوا من ديارهم) والإمام والرائد لهم.

التفسير بالتقدير
وفيه وجوه :
الأول : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] من قبل المشركين .
الثاني : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] ليستحوذ عليها المشركون ويبيعونها.
وفي يوم فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة ورد (عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، أتنزل غدًا في دارك بمكة ، فقال : وهل ترك لنا عَقيل من رباع)( ).
الثالث : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] كما أُخرج من قبلهم إبراهيم الخليل وطائفة من المؤمنين .
الرابع : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] وفقدوا دورهم وأموالهم وأمتعتهم ، والقرآن يفسر بعضه بعضاً ، قال تعالى [لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا]( ).
وموضوع الآية أعلاه وبلحاظ نظم الآيات وإرادة توزيع الفيء والغنائم بعد معركة بدر هم المهاجرون من أصحاب واتباع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على نحو الخصوص ، وليس المؤمنين المهاجرين منهم ومن أتباع الأنبياء السابقين .
الخامس : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] فصاروا فقراء بالعرض فهم في الأصل ليسوا فقراء ، ولم يتأخر تعويضهم بالفيء الذي بدأ عند وقوع معركة بدر ، وانتصار النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيها مع غنائم وإبل كثيرة ، وسبعين أسيراً من المشركين وكانت فدية وعوض أكثر الأسرى أربعة آلاف درهم فضة .
ومن الآيات أن مصعب بن عمير كان يوم بدر مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأخوه أبو عزيز مع المشركين فوقع في الأسر و(قَالَ أَخُوهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لِأَبِي الْيَسَرِ وَهُوَ الّذِي أَسَرَهُ مَا قَالَ قَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ يَا أَخِي ، هَذِهِ وَصَاتُك بِي ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ إنّهُ أَخِي دُونَك .
فَسَأَلَتْ أُمّهُ عَنْ أَغْلَى مَا فُدِيَ بِهِ قُرَشِيّ ، فَقِيلَ لَهَا : أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَبَعَثَتْ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَفَدَتْهُ بِهَا)( ).
ومن الآيات أن النبي محمداً لم يأخذ من بدل الأسرى شيئاً إنما تركه للذين أسروهم وفوّض إليهم التسامح أو إطلاق الأسير والعوض بالآجل .
وهل كان هذا الترك سبباً في إندفاع شباب المسلمين للنيل من جيش المشركين في قدومهم للقتال وإطلالتهم على المدينة يوم أحد ، المختار نعم.
السادس : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] وتحملوا وعثاء السفر ، ومشاق الغربة ووراء هجرة كل فرد منهم قصة وامتحان وأذى يختلف عن غيره .
السابع : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] ولاقوا البأساء والضراء في سبيل الله.
الثامن : يبين قوله تعالى [الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ]( ) علة إخراج المؤمنين وهي الإيمان .
التاسع : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] لأنهم قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
العاشر : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] مكرهين من غير رغبة منهم فانعم الله عليهم بدار الهجرة ، وإقامة الصلاة اليومية فيها بامامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
الحادي عشر : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] ليكون هذا الإخراج مقدمة للرياسة والأمرة ونيل شرف رواية حديث النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ صار التابعون من المسلمين يقصدون الصحابي لسماع أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم منه مع إكرامه والإنصات له .
الثاني عشر : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] لينالوا الثناء من الله عز وجل بهذه الخصلة الحميدة دون الناس إلى يوم القيامة .
الثالث عشر : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] ليفوزوا بالثواب العظيم في الآخرة بدخول الجنة .
الرابع عشر : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] لبيان أن هذا الإخراج إبتلاء وامتحان فازوا به ، ولتكون حالهم وآية البحث حجة على الذين كفروا.
الخامس عشر : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] ليكون إقتداء المؤمنين بهم ، واختيار الإسلام مع العلم بتحقيق الإخراج من الديار لهذا الاختيار والنطق بالشهادتين .
السادس عشر : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] ليحبهم الله ، ويسيحوا في الأرض التي هي ملك طلق لله وحده وقد تقدم قبل خمس آيات قوله تعالى وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
السابع عشر : [وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] لسوء عِشرة المشركين وإقامتهم على الشرك بعد تجلي معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولمنعهم أداء الصلاة .
فحتى لو خرج المهاجر باختياره فانه إلزام وذم للكفار وحجة عليهم ، إذ جعل الله عز وجل بقاع الأرض كلها محلاً لعبادته .
قانون حب الله باعث على العمل الصالح
يتضمن قوله تعالى [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( )، الثناء على المؤمنين ، والشهادة لهم بأدائهم الصلاة اليومية ، وتعاهدهم لذكر الله ، وما في هذا التعاهد من أسباب الإحتراز من فعل السيئات( ).
فاذا كانوا يذكرون الله على كل حال فلا يرتكبون المعاصي والسيئات ، لتخبر آية البحث عن قانون عدم تضييع الله عز وجل عمل الصالحات ، ومنه ذكر الله عز وجل عن قيام وقعود وفي حال الإضطجاع عند المرض ومطلقاً.
فلا يختص ذكر الله عند الإضطلاع بأداء الصلاة عن مرض وداء بل يشمل ذكر المسلم والمسلمة لله عز وجل حال الإستلقاء ، وعند ايوائه للفراش ، وعند استيقاظه من النوم .
خاصة وأن النسبة بين ذكر الله الواردة في الآية أعلاه وبين الصلاة عموم وخصوص مطلقاً ، فالذكر أعم .
لبيان قانون الثناء من الله طريق إلى الجنة ، فاذا جاء ثناء من الله عز وجل لنبي أو طائفة فانه بشارة السلامة من الخزي يوم القيامة ، وقد يأتي هذا الثناء على نحو القاعدة الكلية مثل قوله تعالى [وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]( ).
[إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ]( )، و[إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ]( ) و[إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ]( ).
لبيان قانون حب الله باعث على العمل الصالح ، ومانع من ارتكاب السيئات ، فليس من إنسان إلا وهو يرغب بالفوز بحب الله ، ومن يحبه الله عز وجل يستجيب لدعائه .
وهل تختص الإستجابة من الله عز وجل بالذين يحبهم ، يؤدون الوظائف العبادية ويتوجهون إليه تعالى بالدعاء .
ليتجلى قانون الجمع بين أداء العبادات والدعاء سعي للفوز بحب الله عز وجل للعبد ، وإثبات شئ لشئ لا يدل على نفيه عن غيره ، فالإستجابة من الله عز وجل أعم وأوسع ، وهي من مصاديق قوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]( ).
بلحاظ أن الدعاء عبادة ، وعن عبد الله بن مسعود قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أعطى أربعاً أعطي أربعاً ، وتفسير ذلك في كتاب الله من أعطي الذكر ذكره الله لأن الله يقول [اذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ]( )، ومن أعطي الدعاء أعطي الإِجابة لأن الله يقول [ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ]( )، ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة لأن الله يقول [لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ]( )، ومن أعطي الاستغفار أعطي المغفرة لأن الله يقول اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا( ).
وهل يصير الدعاء سبباً لحب الله للعبد ، الجواب نعم ، وهو من اللطف الإلهي إذ تدل آية البحث وتكرار قول (ربنا) خمس مرات في الآيات الأربعة السابقة على بعث المسلمين على الدعاء وأنه باب للفوز بحب الله ، وهو الذي يؤكده قوله تعالى في آية البحث [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ).
و(عن كعب قال : قال موسى : أي رب : أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك ، قال : يا موسى أنا جليس من ذكرني ، قال : يا رب فإنا نكون من الحال على حال نعظمك أو نجلك أن نذكرك عليها؟ قال : وما هي؟ قال : الجنابة والغائط ، قال : يا موسى اذكرني على كل حال)( ).
الإحتجاج بالهجرة والإيواء يوم حنين
لقد ذكر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم واقعة هجرته في احتجاجه مع الأنصار يوم معركة حنين إذ وهب النبي محمد عطايا كثيرة من الغنائم للمؤلفة قلوبهم من كبار رجالات قريش الذين اسلموا يوم الفتح مثل أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام ، وعيينة بن بدر ، والأقرع بن حابس.
أعطى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كل واحد منهم مائة ناقة ، وأعطى كلاً من حويطب بن عبد العزى ، وعبد الرحمن بن يربوع خمسين ناقة يتآلفهم على الإسلام بالعطية ليؤمنوا فتكلم الأنصار .
وقالوا : فعلنا وفعلنا في سبيل الله ، فقال ابن عباس (فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتاهم في مجالسهم. فقال : يامعشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي.
قالوا : بلى يارسول الله. قال : ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي .
قالوا : بلى يارسول الله. قال : أفلا تجيبوني .
قالوا : ما نقول يارسول الله .
فقال : ألا تقولون ، ألم يخرجك قومك فآويناك ، أو لم يكذّبوك فصدقناك ، أو لم يخذلوك فنصرناك .
قال : فما زال يقول حتّى جثوا على الركب .
وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله تعالى ولرسوله ، قال : فنزلت قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى( ).
و(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ[قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى]( ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ قَرَابَتُكَ هَؤْلاءِ الَّذِينَ وَجَبَتْ مَوَدَّتُهُمْ؟ قَالَ: عَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَوَلَدَاهَا)( ).
والقرآن يفسر بعضه بعضاً ، قال تعالى [لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ]( ).
ويدل ذكر الأموال في الآية أعلاه على أن المهاجرين لم يكونوا فقراء ، ولكنهم صدقوا في إيمانهم ، وتضحيتهم في سبيل الله ، وأن هذا الفقر الطارئ عز لهم ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ]( ).
ولم تمر الأيام حتى توالت الغنائم على المدينة ، وتبدلت حالة فقر المهاجرين إلى السعة والغنى ، وهذا التبدل من الجزاء العاجل من الله عز وجل للمهاجرين الذين تحملوا المشاق في سبيل الله ، وللأنصار الذين استقبلوا النبي محمداً ودافعوا عنه ، وقاتلوا بين يديه لإقرارهم بصدق نبوته ، ومن مصاديق ثناء الله عز وجل عليهم بصدق إيمانهم وإخبار القرآن بأن غايتهم هي مرضاة الله ، قال تعالى [وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ]( ).
وقد ذكرت الآية أعلاه ثلاث خصال للمهاجرين وهي :
الأولى : الإيمان .
الثانية : الهجرة .
الثالثة : الجهاد في سبيل الله .
وذكرت خصلتين للأنصار وهما :
الأولى : إيواء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من المهاجرين.
الثانية : نصرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وذكرت الإيمان سوراً جامعاً لهم ، وهل قوله تعالى [وَالَّذِينَ آمَنُوا] في وصف المهاجرين مرتبة وتفضيل خاص لهم ، الجواب نعم لإرادة أنهم [السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ]( )، مع ذكر الآية للإيمان كسور جامع لهم وللأنصار بقوله تعالى [أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا].
وهل يدل هذا التفصيل على أن خلافة الرسول تكون في أهل البيت والمهاجرين الأوائل ، الجواب نعم ، ومن معانيه وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأنصار .
وعن أنس في آخر مرة صعد فيها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم المنبر (ولم يصعد بعد ذلك فحمد الله وأثنى عليه وقال أوصيكم بالأنصار فانهم عيبتي وكرشي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي عليكم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم)( ).
ولم ترد الآية بصيغة الطرد فلم تقل (وطردوا من ديارهم) لتنزيه المؤمنين عن لغة الطرد ، وما فيها من الذم ، كما تدل عليه قوله تعالى [وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ]( ).
قانون التلاوة دعاء
من إعجاز القرآن أنه مدرسة أدعية الأنبياء ابتداء من آدم عليه السلام ، فما أن علّمه الله عز وجل الأسماء كلها حتى اتخذها وسيلة للتقرب إليه تعالى وسؤال العفو والمغفرة إذ ورد على لسانه ولسان حواء في التنزيل [قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ]( ).
فمن البهاء في عمارة الإنسان للأرض أن تبدأ بالدعاء والإستغفار ليقتدي بهما أبناء آدم وذريته وأجيال المسلمين ، ثم جاءت أدعية نوح في القرآن وهي متعددة منها [رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا]( ) وسميت سورة من القرآن باسم سورة نوح .
ومع قلة آياتها وهي (28) آية ففيها اثنا عشر دعاءً وشكوى إلى الله مع إقامة نوح الحجة على قومه في الدعوة والتبليغ ، وقيامه بالإعداد لتكون خارطة طريق للمؤمنين في الأجيال المتعاقبة في الدعوة إلى الله عز وجل .
وتضمن القرآن أدعية إبراهيم عليه السلام وهي أدعية كثيرة ، ويستقرأ منها قرب بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنها ما هو مقدمة وتهيئة لهذه البعثة ، والأمن للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، والحرب على عبادة الأصنام ، ومنها قوله تعالى [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ]( )، و[رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ]( ).
وأدعية يوسف في القرآن ، منها [تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ]( )وكثرة أدعية موسى عليه السلام منها [رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ]( ).
وأدعية يونس وأيوب وسليمان ، وزكريا ، وعيسى عليه السلام ، وأدعية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بتلقين من عند الله عز وجل [وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا]( ).
مكارم الأخلاق في السجن
كان يوسف عليه السلام يعود المريض من السجناء ويعزي حزينهم، ويحسن في تعبيره لبعضهم رؤياه ، ويخشى الله ويتقه فجاءت سيرته درساً وموعظة لأصحاب السجن.
وعن الصادق عليه السلام: كان يوسع في المجلس ويقرض المحتاج.
ويبين قوله تعالى [يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ]( ) موضوعية وشأن تأويل الرؤيا، فقد جعله الله عز وجل سلاحاً بيد يوسف يوظفه للدعوة الى الله وللنجاة من السجن وإنقاذ أهل مصر ومن حولها من المجاعة بتوليه الوزارة ، وهي وجه من وجوه الدعوة الى الله ، ومناسبة لبثها في عالم أوسع ، وجعلها رحمة ينتفع منها الناس ، وتكون حجة للمؤمن وحجة على الكافر.
لقد أجابهم يوسف عليه السلام بالوعظ والدعوة إلى توحيد الله وعبادته وإخلاص الطاعة عبر البينة وصيغ الإقناع في أسلوب جاء دعوة للاقتداء به في الفتيا ولينهل منه من يتوجه لـه الناس في أمور دينهم وأسرارهم الروحية تعظيماً لشــعائر الله .
ثم جعـل يوسف عليه السلام ذلك سبباً رزقه الله من خلاله القدرة على تأويل الرؤيا [ ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ]( ).
لبيان أن تعبير الرؤيا منحصر بأهل الإيمان والتوحيد ويكون عند غيرهم ولكن بالواســطة والمحاكــاة والتعلم والاتفاق والصدفة في درك التأويل والغاية لسعة رحمة الله ، وانتفاع الناس جميعاً من الرؤيا .
وهذه الآية وفق مضامين تفسير القرآن بالقرآن بيان لعجز الملأ من الوجهاء عن تأويل رؤيا الملك وتعبيرها، وهي السبب وراء اطمئنان وثقة من نجا من السجن وعمل عند الملك وشهادة لحسن تأويل يوسف عليه السلام لهما.
وفيه شاهد بأن مكارم الأخلاق ملكة حميدة وإرث كريم يتوارثه المؤمنون ، ويظهر في سجاياهم وأقوالهم وأفعالهم الحسنة مع الناس جميعاً ، من غير إيذاء أو إضرار بأحد .
تفسير [وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي]
تبين الآية لحوق الأذى للمؤمنين سواء بالقول أو الفعل ، بالنفس أو العيال أو المال ، ومن الإعجاز في الآية ذكر الأذى على نحو الخصوص وليس العذر ، لأن الضرر أشد وطأة ، والنسبة بينه وبين الأذى عموم وخصوص مطلق ، قال تعالى لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى.
نعم من المؤمنين من يتلقى الأذى الشخصي ، فلا يتعارض مع إنتفاء الضرر العام في الآية أعلاه ، ومن هذا الإنتفاء سلامة المسلمين من الهزيمة في أي معركة من معارك الإسلام الأولى .
وتضمنت آية البحث الإخبار عن قتال المسلمين للمشركين ، وسقوط عدد من المسلمين قتلى إذ سقط أربعة عشر شهيداً في معركة أحد ، والقتل أشد الضرر ، لتدل الآية أعلاه [لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى]( ) على إنتفاء الضرر العام للمسلمين ، خاصة وأن القتلى منهم شهداء أحياء عند الله عز وجل .
والدنيا دار ابتلاء وامتحان يلاقي الإنسان فيها فرائد السعادة ، ويواجه أسباب الأذى ، وكل فرد منها من الكلي المشكك الذي يكون على مراتب متفاوتة قوة وضعفاً .
وأخبرت آية البحث عن قانون الأذى في سبيل الله ، وأن المؤمن قد يصاب بالأذى الشديد لدخوله الإسلام وطاعته لله ورسوله استجابة لأمر الله الذي يحمل على الوجوب في قوله تعالى وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
وقد يأتي الأذى بالعرض في طاعة الله ، وهذه الآية تقييد للأذى الذي يترتب عليه الأجر والثواب بأنه خاص بالأذى الذي في سبيل الله ، وهو من مصاديق ما ورد في آية البحث [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ) .

تفسير [وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا]
وردت آية البحث بصيغة الماضي للإخبار عن حدوث اقتتال بين المسلمين والذين كفروا ، وسقوط قتلى شهداء من المسلمين في المعارك.
وجاء هذا الإخبار بعد ذكر الهجرة ولكن موضوعه أعم لوقوع قتلى من الأنصار ، وأكثر قتلى المسلمين الأوائل من الأنصار .
فقد كان عدد قتلى المسلمين يوم بدر أربعة عشر رجلاً ، ستة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار .
ومع إشتراط عتبة بن ربيعة أن يبارزهم رجال من قريش إلا أن الله أخزاه وأخاه شيبة وابنه الوليد بن عتبة إذ سقطوا قتلى يومئذ .
أما في معركة أحد التي وقعت في النصف من شوال من السنة الثالثة للهجرة ، فكان عدد قتلى المسلمين سبعين شهيداً ، أربعة من المهاجرين والباقي من الأنصار .
(وعن ابن إسحاق : قتل من الانصار – لعله من المسلمين – يوم أحد خمسة وستون، أربعة من المهاجرين: حمزة و عبدالله بن جحش ومصعب بن عمير وشماس بن عثمان والباقون من الانصار ، وسرد أسماءهم على قبائلهم.
وقد استدرك عليه ابن هشام زيادة على ذلك خمسة آخرين، فصاروا سبعين على قول ابن هشام.
وسرد ابن إسحاق أسماء الذين قتلوا من المشركين، وهم اثنان وعشرون رجلا)( ).
ولم يرد لفظ [وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا] في القرآن إلا في آية البحث لبيان أنه موضوع مستقل .
ولم تذكر الآية المسلمين والمسلمات الذين قتلوا صبراً من دون قتال ، الجواب تدل هذه الآية على ذكرهم بالدلالة التضمنية كما جاءت آيات قرآنية أخرى بشمولهم ، منها قوله تعالى [وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ]( ).
ومنه الإنفاق فقد ترد آية بالأمر بالإنفاق مطلقاً من غير تقييد القصد والغاية ، كما في قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ]( ).
ثم تأتي آيات تقيد الإنفاق بأنه في سبيل الله كما في قوله تعالى [وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ]( )، بالإضافة إلى آيات الإنفاق التي وردت بصيغة الجملة الخبرية منها قوله تعالى [وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ]( )، وقال تعالى [وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ]( ).
وهل يدل هذا التقييد على أن كل إنفاق لابد أن يكون في سبيل الله ، وبقصد القربة إلى الله ، الجواب نعم ، لإرادة الأجر والثواب ، حتى إذا كان الإنفاق على الكافر فهو من الإحسان لقانون الرفق والتراحم العام ، وموضوعية نية المسلم في الإنفاق وأنه لهداية الناس عامة ، و(عن عمر بن الخطاب قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)( )، قال تعالى [وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]( ).
وقد تقدم في باب الإعراب واللغة تعدد معاني حرف العطف في [وَقَاتَلُوا] و[ وَقُتِلُوا] وأن كلاً منهما تفيد العطف والإستئناف معاً مع بيان دليل هذا الجمع والتفصيل فهناك طائفة من الصحابة هاجروا واوذوا في سبيل الله ، وقاتلوا ، فتكون الواو في [وَقَاتَلُوا] للعطف .
وهناك رهط من الصحابة لم يهاجروا كالأنصار ، والذين لم يؤذوا في سبيل الله كالذي اسلم حديثاً ولكنهم قاتلوا حال إسلامهم لتفيد الواو في [وَقَاتَلُوا] الإستئناف كما في عمرو بن ثابت بن وقش الأنصاري الذي تأخر إسلامه لأن له مالاً ربوياً وخشي ضياعه .
فلما زحف كفار قريش وحلفاؤهم على المدينة لمعركة أحد أسلم وخرج للقتال مع النبي وأصحابه ، ورأه بعض المسلمين ، فقالوا له : إليك عنا ، فقال : إني آمنت ، ثم قاتل حتى اثبتته جراحه ، فحملوه إلى قومه بني عبد الأشهل ، فسألوا عن سبب خروجه للقتال هل هو حمية لقومه أم طمعاً في الغنائم ، أم غضب لله ورسوله .
إذ جاءه (سعد بن معاذ فقال لأخيه سلمة: حمية لقومه أو غضبا لله ولرسوله فقال: بل غضب لله ورسوله فمات فدخل الجنة وما صلى لله صلاة)( ).
(فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انه لمن أهل الجنة)( ).
والقرآن يفسر بعضه بعضاً فاذ ذكرت آية البحث قتال المسلمين للذين كفروا من قريش فان آيات أخرى قيدت القتال بأنه في سبيل الله ، ومنه قوله تعالى [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ]( ).
إذ قيدت الآية أعلاه من سورة البقرة القتال من جهتين :
الأول : كون القتال في سبيل الله ، وليس حمية أوثأراً أو طمعاً في غنائم أو رياء وشهرة .
الثاني : لا يقاتل المسلمون إلا الذين يقاتلونهم من المشركين بمعنى أن المشركين هم الذين يبدأون القتال كما في معركة بدر أو هم الذين يزحفون نحو المدينة للقتال كما في معركة أحد إذ قطع المشركون أربعمائة وخمسين كيلو متراً من مكة إلى أطراف المدينة بعد أن كانوا يتوعدون ويهددون بالقتال مدة سنة كاملة من حين خسارتهم المدوية في معركة بدر .
أو تأتي جيوش قريش وحلفائها ليطوق عشرة آلاف منهم المدينة في معركة الخندق والتي سمّاها الله عز وجل الأحزاب بقوله تعالى [وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا]( ).
بحث أصولي
المطلق لغة ما سُرح وأخلي ، والطالق من النساء التي انقطع عقد زواجها بالتخلية والإرسال ، والطالق من الإبل التي أطلقت في المرعى ولا قيد لها .
وفي اللغة يأتي الألف واللام لبيان الجمع والإشتراك ، والكتاب الإنسان.
وقد يأتي الألف واللام ولا يدل على العموم والجمع من جهتين :
الأولى : إفادة العهد مثل [فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ]( )، إرادة فرد مخصوص مثل لفظ [الْغَار] [إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]( ) والمقصود غار حراء عند هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وملاحقة كفار قريش له، مثل اسم الشجرة [لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا]( )، [إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا]( ) أي الشجرة التي كانت في الحديبية ، وعن قتادة ({ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم }.
قال : الوقار والصبر وهم الذين بايعوا زمان الحديبية وكانت الشجرة فيما ذكر لنا سمرة , بايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه تحتها ، وكانوا يومئذ خمس عشرة مائة فبايعوه على أن لا يفروا ، ولم يبايعوه على الموت)( ).
الثانية : امتناع اللفظ عن الجمع والإشتراك كما في لفظ الإله لاستحالة وجود إله غير الله , قال تعالى [ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ]( ).
وقد يأتي القيد بمعنى الضبط والمنعة .
والمطلق في الاصطلاح هو مادلّ على شائع في جنسه والنكرة في سياق الإثبات [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ]( ).
والمطلق والمقيد من مباحث الأصول .
ومن تقسيمات الواجب ، أنه يقسم إلى قسمين :
الأول : الواجب المطلق ، ومنه الصلاة لا تترك بحال ، قال تعالى [إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا]( ).
الثاني : الواجب المشروط أو المقيد مثل حج بيت الله الحرام فانه مقيد بالإستطاعة ، والصيام مقيد بالصحة والحضر [أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ]( ).
ذكر فرد معين وهو المعرفة ، قوله تعالى [فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ] مطلق وحده ما دلّ على الماهية بالذات والوصف الخاص ، أما المقيد فهو الذي يدل على معين بوصف زائد مثل [فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ].
ويبين المطلق بالأمثلة التي تدل على ضده ، والحسن يظهر حسنه الضد ، وبالضد تتميز الأشياء ، ويمكن ان نستحدث علماً خاصاً في المقام وهو تقسيم التقييد إلى أقسام :
الأول : التقييد المتحد ، كما في قوله تعالى [فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ]( ) ، ثم جاء قيد الإيمان في قوله تعالى [فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ] ( ) .
الثاني : التقييد المتعاقب ، كما في القول : صلِ فهو مطلق .
وصل العيد ، مقيد ويكون مطلقاً للقول : صلِ العيد في المسجد ،
وهذا المقيد الأخير يكون مطلقاً بالنسبة للقول : صلِ العيد في المسجد جماعة .
وقد لا يدل التقييد على الحصر , إنما يفيد البيان والتعدد كما في[حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ]( ), وجاء لفظ الدم مطلقاَ , بينما ورد مقيداَ بقوله تعالى [إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا]( ).
الثالث : التقييد المتنوع كما في تقييد السنة لحكم السرقة .
ويكون هذا التنوع من جهات كما في قوله تعالى [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاًمِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] ( ) فان التقييد من جهتين :
الأولى : الكيف ، إذ ورد في السنة القطع من مفصل الكف ، وقد ورد القطع من رؤوس الأصابع عن الإمام الجواد عليه السلام ، ولكن لو دار الأمر بين القطع من أصول الأصابع ومفصل الكف ، فيكون من أصول الأصابع لوجوه :
الأول : عمومات قوله تعالى [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ]( ).
الثاني : الإكتفاء بالأقل .
الثالث : التخفيف عن الحكم والمحكوم وعامة الناس .
الرابع : عمومات درء الحدود بالشبهات .
الخامس : صدق اسم اليد على الأصابع بقوله تعالى [لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ]( ) .
السادس: قوله تعالى [وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ]( ). والكفان من المساجد السبعة في الصلاة .
الثانية : الحكم إذ قيدت السنة النبوية مقدار السرقة التي يكون فيها القطع إذ ورد عن (عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً )( ).
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال إن أول حد أقيم في الإسلام لرجل أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرق فشهدوا عليه .
فأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقطع.
فلما حف الرجل نظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كأنما سفى فيه الرماد ، فقالوا : يا رسول الله ، كأنه اشتد عليك قطع هذا! .
قال : وما يمنعني وأنتم أعون للشيطان على أخيكم! قالوا : فأرسله . قال : فهلا قبل أن تأتوني به ، إن الإمام إذا أتى بحد لم يسغ له أن يعطله) ( ).
ومن إعجاز آية البحث جمعها بين المطلق والمقيد أما المقيد فهو الإستجابة للأدعية الواردة في الآيات الأربعة السابقة بدلالة (الفاء) في [فَاسْتَجَابَ] التي تفيد العطف والإستئناف ، وورد التقييد في خصال المؤمنين الحميدة التي ذكرتها آية البحث وهي :
الأول : قيد الهجرة .
الثاني : قيد الإخراج من الديار .
الثالث : قيد تلقي الأذى ، وهذا القيد مطلق بالنسبة لقيد [فِي سَبِيلِ اللَّهِ] و[وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي].
الرابع : التقييد في عدد الجنات ، وهو سبعة .
وأما المطلق في الآية فمن وجوه :
الأول : قبول وتوثيق وإحصاء الله عز وجل لكل عمل عمله المؤمنون بقوله تعالى [لَا أُضِيعُ عَمَلَ] وهذا العمل مقيد بصفة محذوفة وتقديره : لا أضيع عمل صالح .
الثاني : الإطلاق في الجنس الذكر والمؤنث ، وقبول العمل من المؤمنين والمؤمنات .
الثالث : الإطلاق في التداخل بين المؤمنين والمؤمنات بقوله تعالى [بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ].
الرابع: الإطلاق في محو السيئات من جملتين :
الأولى : جميع السيئات .
الثانية : محو سيئات كل مؤمن ومؤمنة .
الخامس : دخول المؤمنين الذين عملوا الصالحات التي ذكرتها آية البحث الجنة .
وروي عن ابن عباس (أنها سبع جنات)( ).
وقول أنها ثمان جنان منها دار السلام ، جنة الخلد ، دار المقامة , جنة المأوى ، جنة عدن ، الفردوس .
فلفظ (جنات) في الآية نكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق ، وقيدت بالآيات القرآنية والسنة النبوية ، منها قوله تعالى [وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ]( ).
السادس : الإطلاق في حسن الثواب من الله عز وجل ، فكل ثواب من الله هو حسن ، ولا يجزي بالثواب الحسن إلا الله تعالى ، ويؤتيه عبادة المؤمنين في الدنيا والآخرة .
علم المناسبة
لقد جمعت آية البحث بين القتال والقتل وعلى نحو العطف بكلمتين ، فلم يرد قوله تعالى [وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا]، في القرآن إلا في آية البحث ، وتحتمل وجوهاً:
الأول : قاتلوا في سبيل الله وقتلوا كما في شهداء معركة أحد السبعين ، فتكون الواو في [وَقَاتَلُوا] واو العطف .
الثاني : وقاتلوا ولم يقتلوا ، فتكون الواو واو استئناف .
الثالث : المؤمنون والمؤمنات الذين قتلوا صبراً في طاعة الله من غير أن يقتلوا ، لقد ورد لفظ [قُتِلُوا] خمس مرات في القرآن ، وهي على ثلاث وجوه :
الأول : وردت أربع آيات في الثناء على شهداء الإسلام والإيمان منها قوله تعالى [وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ]( )
وماتوا لبيان عدم إنحصار الأجر والثواب بالقتال والقتل في سبيل الله ، بل يشمل المؤمن الذي عمل الصالحات ومات على الفراش ، وذكرت الهجرة في الآية أعلاه كمثال جهادي في طاعة الله وليس للحصر .
الثاني : وردت آية في ذم الذين كفروا ، وتحذير المسلمين عن سيرتهم ، قال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]( ).
الثالث : وردت آية في إنذار ووعيد الذين وأدوا البنات وقتلوا أولادهم خشية الإملاق ، قال تعالى [قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ]( ).
ومن إعجاز الآية أعلاه صيغة الماضي في [قَتَلُوا] للبشارة للمسلمين وخاصة النساء بانقطاع الوأد وذبح النساء .
من أشعار يوم بدر
لقد جاء شعر حسان بن ثابت لتبكيت الذين كفروا بلغة الشعر التي كانت سائدة عند العرب ، وفيه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنصر يوم بدر ، وإنذار المشركين من العودة لميدان القتال ، إذ قال :
(عَرَفْتُ دِيَارَ زَيْنَبَ بِالْكَثِيبِ … كَخَطّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ
تَدَاوَلُهَا الرّيَاحُ وَكُلّ جَوْنٍ … مِنْ الْوَسْمِيّ مُنْهَمِرٍ سَكُوبِ
فَأَمْسَى رَسْمُهَا خَلَقًا وَأَمْسَتْ … يَبَابًا بَعْدَ سَاكِنِهَا الْحَبِيبِ
فَدَعْ عَنْك التّذَكّرَ كُلّ يَوْمٍ … وَرُدّ حَرَارَةَ الصّدْرِ الْكَئِيبِ
وَخَبّرَ بِاَلّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ … بِصِدْقِ غَيْرِ إخْبَارِ الْكَذُوبِ
بِمَا صَنَعَ الْمَلِيكُ غَدَاةَ بَدْرٍ … لَنَا فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ النّصِيبِ
غَدَاةَ كَأَنّ جَمْعَهُمْ حِرَاءٌ … بَدَتْ أَرْكَانُهُ جُنْحَ الْغُرُوبِ
فَلَاقَيْنَاهُمْ مِنّا بِجَمْعٍ … كَأُسْدِ الْغَابِ مُرْدَانٍ وَشِيبِ
أَمَامَ مُحَمّدٍ قَدْ وَازَرُوه … عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي لَفْحِ الْحُرُوبِ
بِأَيْدِيهِمْ صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ … وَكُلّ مُجَرّبٍ خَاظِي الْكُعُوبِ
بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفُ وَازَرَتْهَا … بَنُو النّجّارِ فِي الدّينِ الصّلِيبِ
فَغَادَرْنَا أَبَا جَهْلٍ صَرِيعًا … وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ
وَشَيْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا فِي رِجَالٍ … ذَوِي حَسَبٍ إذَا نُسِبُوا حَسِيبِ
يُنَادِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ لَمّا … قَذَفْنَاهُمْ كَبَاكِبَ فِي الْقَلِيبِ
أَلَمْ تَجِدُوا كَلَامِي كَانَ حَقّا … وَأَمْرُ اللّهِ يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ
فَمَا نَطَقُوا ، وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا … صَدَقْتَ وَكُنْتَ ذَا رَأْيٍ مُصِيبِ)( ).
وهذا الشعر من الإستثناء الوارد في تنزه أهل الإيمان من الذم الذي يلحق شعراء أهل الكفر والضلالة الذين قال الله عز وجل فيهم [وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ]( )، والإستثناء هو [إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا]( ).
و(عن كعب بن مالك أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله قد أنزل في الشعراء ما أنزل فكيف ترى فيه؟ فقال : إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه – والذي نفسي بيده – لكأنما بوجههم مثل نضج النبل)( ).
وعلى الجانب الآخر رثت بعض نساء قريش أهل القليب إذ قالت صفية بنت مسافر (
يَا مَنْ لِعَيْنٍ قَذَاهَا عَائِرُ الرّمَدِ … حَدّ النّهَارِ وَقَرْنُ الشّمْسِ لَمْ يَقِدْ
أُخْبِرْتُ أَنّ سَرَاةَ الْأَكْرَمِينَ مَعًا … قَدْ أَحْرَزَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ إلَى أَمَدِ
وَفَرّ بِالْقَوْمِ أَصْحَابُ الرّكَابِ وَلَمْ … تَعْطِفْ غَدَاتَئِذٍ أُمّ عَلَى وَلَدِ
قَوْمِي صَفِيّ وَلَا تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ … وَإِنْ بَكَيْتِ فَمَا تَبْكِينَ مِنْ بُعُدِ
كَانُوا سُقُوبَ سَمَاءِ الْبَيْتِ فَانْقَصَفَتْ…فَأَصْبَحَ السّمْكُ مِنْهَا غَيْرَ ذِي عَمَدِ)( ).
وفي رثاء النساء لهم شاهد على النقص في رجالهم ، والإرباك والكبت الذي أصابهم .
مخاطبة النبي (ص) القتلى المشركين
لقد وقعت معركة بدر في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة ، إذ ابتدأ مشركو قريش القتال فيها ، ولم تستمر إلا يوماً واحداً ويسقط عندها سبعون قتيلاً من رجالات قريش ، فيسحبون إلى القليب ، ويخاطبهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (بعد ثلاث ليال : وقف عليهم وقد ركب راحلته وأمر بالرحيل من آخر الليل .
فقال : يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ، فإني قد وجدت ما وعدني ربى حقا.
وقال لهم فيما قال : بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ، كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس ، فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم .
فقال له عمر : يا رسول الله تخاطب أقواماً قد جيفوا ، فقال : والذى نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يجيبون)( ).
(قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ . عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ سَمِعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ ، يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَيَا أُمَيّةُ بْنَ خَلَفٍ ، وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ.
فَعَدّدَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الْقَلِيبِ : هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّا ، فَإِنّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا .
فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيّفُوا ؟ قَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أنُ يُجِيبُونِي . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ.
يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ بِئْسَ عَشِيرَةُ النّبِيّ كُنْتُمْ لِنَبِيّكُمْ ، كَذّبْتُمُونِي وَصَدّقَنِي النّاسُ وَأَخْرَجْتُمُونِي وَآوَانِي النّاسُ وَقَاتَلْتُمُونِي وَنَصَرَنِي النّاسُ ثُمّ قَالَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا ؟ لِلْمَقَالَةِ الّتِي قَال)( ).
قانون الإقرار بالنسخ
قال تعالى [وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ]( ).
من علوم القرآن الناسخ والمنسوخ .
النسخ لغة الإزالة والتغيير والإبطال ، ومنه [فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]( ).
ومنه الحديث بصوم رمضان نسخ كل صوم .
واستنسخه : أي اكتتبه عن كتاب حرفاً بحرف .
والنسخ في الاصطلاح تبديل ورفع حكم كلي شرعاً بآخر يأتي بعده ، مع انتفاء الملاك في الأول .
ومنه نسخ القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ، إذ نزل قوله تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ]( ) في اليوم السابع عشر من شهر رجب من السنة الثانية للهجرة .
(وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : أنه دخل يوما مسجد الجامع بالكوفة، فرأى فيه رجلا يعرف بعبد الرحمن بن داب، وكان صاحبا لأبي موسى الأشعري( ) وقد تحلق عليه الناس يسألونه، وهو يخلط الأمر بالنهي، والإباحة بالحظر، فقال له علي عليه السلام : أتعرف الناسخ من المنسوخ.
قال: لا، قال: هلكت وأهلكت، أبو من أنت؟
فقال: أبو يحيى، فقال له علي عليه السلام : أنت أبو اعرفوني.
وأخذ أذنه ففتلها، فقال: لا تقصن في مسجدنا بعد.
وروي في معنى هذا الحديث عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس أنهما قالا لرجل آخر مثل قول أمير المؤمنين علي عليه السلام ، أو قريبا منه.
وقال حذيفة بن اليمان: لا يقصن على الناس إلا ثلاثة: أمير، أو: مأمور، ورجل عرف الناسخ والمنسوخ. والرابع: متكلف أحمق)( ).
والإجماع على وقوع النسخ في القرآن ويدل عليه ظاهر الكتاب والشواهد والوقائع ، وعليه الإجماع ولا عبرة بالقليل النادر .
نعم اختلف فيما وقع من النسخ كثرة وقلة فمثلاً قالت طائفة بأن آية السيف نسخت مائة وأربعاً وعشرين آية.
كما عن ابن عربي إذ قال (كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية السيف، وهي [فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( )، الآية، نسخت مائة وأربعاً وعشرين آية ثم نسخ آخرها أولها)( )، وهو بعيد.
وقد صدر لي أحد عشر جزءً من (معالم الإيمان) بخصوص (آيات السلم محكمة غير منسوخة) وهي الأجزاء 206-207-208-214-215-240-241-242-248-260.
الصلة المنطقية بين كل آيتين
نذكر هنا علماً مستحدثاً وهو النسبة المنطقية بين موضوع كل آيتين من القرآن إن وجدت .
قال تعالى [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]( ) وقال تعالى [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا]( ).
والنسبة بين موضوع الآيتين أعلاه هو العبادة العموم والخصوص المطلق فالعبادة أعم ، وحج البيت فرع منها .
وردت الآية بصيغة العموم الإستغراقي ، والجملة الخبرية ، وقيل أنها أقوى من الجملة الإنشائية أي أقوى من الأمر بوجوب الحج ، ولم يثبت هذا القول .
ويفيد الألف واللام في (الناس) العموم الإستغراقي فلم تقل الآية (ولله على المسلمين) ولا على بني آدم .
ليشمل وجوب حج بيت الله الحرام آدم وحواء ، وقد حج آدم سبعين حجة.
ففي (حديث مسائل الشامي أنه سأل عليا عليه السلام : كم حج آدم من حجة ؟ فقال : سبعين حجة ، ماشيا على قدميه ، وأول حجة حجها كان معه الصرد ، يدله على موضع الماء وخرج معه من الجنة ، وقد نهي عن أكل الصرد والخطاف)( ).
ويجزي في الحج الواجب مرة واحدة ، واستدللت بهذه الآية على تكليف الكفار بالفروع كتكليفهم بالأصول لورود لفظ (الناس) في التكليف.
ولو حج المشرك هل يقبل منه ، الجواب لا ، لقوله تعالى [إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا]( )، ولان الإمتناع بالإختيار لا ينافي الإختيار.
شمول المنافقين بنداء الإيمان والتكاليف
لقد جاء نداء الإيمان [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] في القرآن عاماً ليشمل كل الذين آمنوا ظاهراً بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليشمل المنافقون ، وترغيبهم في الإيمان ، وزجرهم عن التكاسل في أداء الفرائض العبادية ، وعن إثارة أسباب الخوف والهلع في النفوس من جيوش مشركي قريش ، قال تعالى [لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا]( ).
وتتضمن آيات من سورة آل عمران ذم المنافقين ، وقبح عملهم خاصة في معركة أحد ، وخذلانهم للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وابتغاءهم الفتنة ، وفضحهم ، قال تعالى [قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ]( ).
كما حذرت هذه السورة من اتخاذ بطانة ووليجة وخاصة في الإستشارة من المنافقين ونحوهم من الضلال ، قال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ* هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ]( ).
وتضمنت توبيخهم في جزعهم ، قال تعالى [الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ]( ).
وتدل آية البحث على حرمان المنافقين من الجنة لتخلفهم عن العمل في سبيل الله والصبر في طاعته ، وتحمل الأذى في سبيله ، قال تعالى [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ]( ).
(عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ] و[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ]( ) قال : فقال هذه كلها يجمع الظلال والمنافقين وكل من أقر بالدعوة الظاهرة)( ).
وقوله عليه السلام هذه كلها أي نداء [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] ، وعن الإمام الصادق عليه السلام إنه سئل عن [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] (وعن قوله سبحانه [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ] فقال هذه كلها يجمع الضلال والمنافقين وكل من أقر بالدعوة)( ).
وفي الصحيح (عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن جميل قال: كان الطيار يقول لي: إبليس ليس من الملائكة وإنما أمرت الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام فقال إبليس: لااسجد، فما لابليس يعصي حين لم يسجد وليس هو من الملائكة .
قال : فدخلت أنا وهو على أبي عبد الله عليه السلام قال: فأحسن والله في المسألة .
فقال : جعلت فداك أرأيت ما ندب الله عزوجل إليه المؤمنين من قوله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] أدخل في ذلك المنافقون معهم؟ قال: نعم والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة وكان إبليس ممن أقر بالدعوة الظاهرة معهم)( ).
ويجب على المنافقين أداء التكاليف لنطقهم بالشهادتين ولكنهم يخرجون بالتخصيص من الأجر والثواب لاختيارهم الضلالة وإخفاء الكفر مع إعلانهم الإيمان ، والإمتناع بالإختيار لا ينافي الإختيار لذا قال تعالى [إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ]( )، [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ]( )، [يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ]( ).
قانون تثبيت الآية القرآنية التوحيد في الأرض
من إعجاز القرآن النفع العظيم للآية القرآنية في الدنيا والآخرة ، ومنه تهذيب النفوس ، وإصلاح المجتمعات فالآية القرآنية واسطة الفيض الإلهي ، والسلاح السماوي في الجهاد ضد مفاهيم الكفر ، والمعاصي ، ولا يحصي عدد الذين اجتنبوا السيئات بسبب الزجر الوارد في القرآن إلا الله عز وجل ، خاصة وأن هذا الإجتناب أحياناً كيفية نفسانية وعزوف وانصراف عن إرتكاب السيئة والفاحشة ، وفي يوسف عليه السلام قال تعالى [كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ]( ).
وقال الخليفة العباسي المأمون للإمام الرضا عليه السلام (فأخبرني عن قول الله عزوجل [وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ]( ) فقال الرضا عليه السلام: لقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت، لكنه كان معصوما ، والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه)( ).
لبيان تقدم جواب لولا كأداة للشرط عليها كما لو قلت (لولا السلطان لأكرمتك) والمعنى إمتناع الإكرام لضوابط وقوانين وضعها الحاكم.
ولقد امتنع همّ يوسف عليه السلام بالفاحشة بفضل الله عز وجل عليه بالبرهان ، وقد تقدمت الإشارة إليه في كتابي الموسوم (تفسير سورة يوسف) والمسجل بدار الكتب والوثائق في بغداد برقم272 لسنة 1991 والحمد لله.
ولقد كانت الآية القرآنية مدداً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حربه على الشرك ومفاهيم الضلالة ، ومنه السور المكية التي اتصفت بلغة الإنذار والوعيد بالعذاب الأليم في النار على الكفر وعبادة الأوثان ، ومنها سورة يوسف وآيات سورة الهمزة الثمانية ، وآيات سورة الكافرين ، وآيات سورة القارعة ومنها [وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ]( ).
ولا تنحصر محاربة الآية القرآنية للكفر ومفاهيم الشرك والضلالة بأيام التنزيل بل هي متجددة في كل يوم إلى يوم القيامة ، وهو من رشحات وجوب قراءة كل مسلم ومسلمة القرآن خمس مرات يومياً ، وعلى نحو الوجوب العيني .
ومع التداخل بين الشعوب والتقارب بينها بوسائط النقل ، وشبكات التواصل الإجتماعي تتجلى وظائف قدسية متجددة للآية القرآنية ، ومنها آية البحث التي تخبر عن استجابة الله عز وجل لأدعية المسلمين المتعددة ، وتعلق موضوع الإستجابة بأمور الدنيا والآخرة إذ يشمل قوله تعالى [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( )، الرزق الكريم وقضاء الحاجات وصرف البلاء في الدنيا .
وتفضل الله عز وجل بالأجر والثواب في الآخرة ، وفيه وجوه :
الأول : قانون تثبيت المسلمين في مقامات الإيمان، قال تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ]( ).
الثاني : قانون ترغيب للناس كافة إلى سبل الهداية والصلاح.
الثالث : قانون اتخاذ الدعاء مسلكاً وطريقاً مباركاً ، وفي التنزيل [قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ]( ).
الرؤيا الصادقة باعث على الصبر
لقد أكرم الله عز وجل يوسف عليه السلام من صغره ومنه رؤياه بسجود أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ، كما في الآية أعلاه من سورة يوسف .
لقد جعل الله عز وجل القرآن [تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]( )، ومنها قصص الأنبياء ، وموضوعية الرؤيا في حياة الأنبياء وعنايتهم بها ، وقيامهم بتأويلها وتأويل رؤيا أصحابهم ، ويوسف هو ابن يعقوب النبي.
ويدل قيام يوسف عليه السلام بتأويل رؤيا السجينين على جواز قيام العالم لتأويل رؤيا غير المسلم من أهل الكتاب وغيرهم .
لتكون رؤيا يوسف على وجوه :
الأول : البشارة بعلو منزلة يوسف عليه السلام .
الثاني : دعوة النبي يوسف للصبر والتحمل وانتظار الفرج فيما يلاقيه من الأذى.
الثالث : مواساة يعقوب عليه السلام ، وبعث السكينة في نفسه حال غياب يعقوب عنه عشرين سنة بانتظار تنجز مصداق الرؤيا ، لذا قال لولده [يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ]( ).
الرابع : طرد اليأس والقنوط من بيوت الأنبياء ببقاء الأمل بسلامة يوسف كمقدمة لتحقق رؤياه ، قال تعالى [لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ]( ).
لقد رآى يوسف وعمره اثنتي عشرة سنة كأن أحد عشر كوكباً خرت من السماء وسجدت له ، كما رآى الشمس والقمر قد سجدا له مع هذه الكواكب فبادر بقصها على أبيه .
لقد علم يعقوب النبي عليه السلام تأويل رؤيا يوسف وأن الأحد عشر كوكباً هم إخوته ، إذ كانوا أحد عشر رجلاً ، والشمس والقمر أبوه وأمه .
وهل كان تأويل يعقوب هذا بالوحي ومنزلة النبوة ، أم أنه بالإجتهاد ، وظهور الرؤيا.
المختار هو الأول ، وإلا كيف يكون سجود الأب والأم للابن ، خاصة وأن الأب نبي ابن نبي ابن نبي رسول من الرسل الخمسة أولي العزم ، فهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام .

الجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل
قال تعالى [وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ]( ).
من إعجاز القرآن جمع هذه الآية بين أمور :
الأول : بعث الرسل من عند الله عز وجل .
الثاني : مخاطبة الرسل لقومهم ، ودعوتهم للإيمان .
الثالث : إعلان عيسى عليه السلام رسالته من عند الله عز وجل ليكون بلاغه وبشاراته حجة على الناس .
الرابع : إخبار عيسى عليه السلام بأنه مصدق للتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام.
ومعنى [مُصَدِّقًا] أي مؤمناً وشاهداً رسالياً على صدق نزول التوراة على موسى من عند الله ، وفيه دعوة لبني إسرائيل لتجديد الإيمان برسالة موسى عليه السلام ، واقترنت هذه الدعوة بالمعجزات التي جرت على يد عيسى عليه السلام ومنها إبراء الأكمه والأبرص واحياء الموتى ، وقول عيسى كما ورد في التنزيل [قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ]( ).
وفي هذه الآيات والمعجزات التي جرت على يد عيسى عليه السلام دعوة لبني إسرائيل وغيرهم للتصديق برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه بشرهم برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الخامس : مجئ الرسل بالبشارات لأمور الدنيا والآخرة وهو الذي تدل عليه مضامين الآية السابقة لآية البحث [رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ]( ).
وهل تحتص بشارات الآخرة بدخول الجنة ، الجواب لا ، فهي أعم إذ تبدأ بدخول الميت القبر ، والأمن من ضغطة القبر ، والتوسعة في قبره واللطف في سؤال منكر ونكير له ، وحسن النشور من القبور ، والنجاة من العطش يوم القيامة والأمن من الخوف والحزن في مواطن الآخرة .
وقد بشر الأنبياء من آدم عليه السلام برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
السادس : البشارة العظمى التي جاء بها عيسى عليه السلام إلى الأجيال المتعاقبة من بني إسرائيل برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ترى لماذا قال عيسى عليه السلام [وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ]( ) ولم يقل (محمد) ، الجواب من جهات :
الأولى : تعدد أسماء النبي محمد ، و(عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لي خمسة أسماء : أنا محمد وأنا أحمد ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا العاقب ، والعاقب الذي ليس بعده نبي)( ).
الثانية : النبي محمد هو أحمد الحامدين لله عز وجل ، بحمده وحمد أمته لله عز وجل ، ومن الآيات في المقام تلاوة كل مسلم ومسلمة قوله تعالى [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]( )، سبع عشرة مرة في اليوم وإلى يوم القيامة ، وليس من دقيقة في هذا الزمان إلا وهناك أذان يرفع ومسلم يقول [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] سواء في الصلوات الخمسة لاختلاف أوقات الصلاة في أقطار الأرض أو خارجها في الرؤيا .
الثالثة : التورية على المشركين ، وعدم قتل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مهده ، فلو قال (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه محمد) لتعرض النبي محمد للأذى في مهده وفي صباه.
حتى إذا بعث النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهاجر إلى المدينة نزلت سورة الصف وهي مدنية . مع إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة قبل الهجرة ، وفي المدينة بعدها بأن من أسمائه أحمد ، ما رواه أبي بن كعب أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم قال (أعطيت ما لم يعط أحد من أنبياء الله ، قلنا يا رسول الله ما هو .
قال : نصرت بالرعب ، وأعطيت مفاتيح الأرض ، وسميت أحمد ، وجعل لي تراب الأرض طهوراً ، وجعلت أمتي خير الأمم)( ).
الرابعة : النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو حامل لواء الحمد يوم القيامة لسبقه زماناً على شريعة عيسى عليه السلام .
والماضي في الآية أعلاه من سورة الممتحنة هو رسالة موسى عليه السلام ونزول التوراة المتقدم زماناً على رسالة عيسى عليه السلام.
والحاضر هو بعثة عيسى عليه السلام ومجيؤها بالبينات ونزول الإنجيل عليه .
أما المستقبل فهو البشارة برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
لبيان قانون بشارات الأنبياء حق صدق ، وأن الذي بشر به عيسى عليه السلام حق ، فلابد من سلامة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مهده وصباه إلى حين بعثته بالرسالة ويدعو هذا القانون العلماء إلى إحصاء بشارات الأنبياء وبيان تنجز مصاديقها في الدنيا وقانون حتمية تحقق مصاديق بشاراتهم الأخروية .
شهادة هرقل على عصمة المسلمين من الإرتداد
من وجوه الثناء على المسلمين في آية البحث أن إحتمال الإنقلاب والإرتداد لايحصل عند وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مما يدل بالدلالة التضمنية على سلامة المسلمين من الإرتداد في أيام حياة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولما بلغ هرقل نبأ خروج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وانتصاراته ودعوته الناس للإسلام واستجابة الجماعات والقبائل له، وتناقل الركبان لآيات التنزيل ووصول كتابه إلى هرقل بيد دحية الكلبي.
أراد هرقل أن يعلم خبره فارسل إلى أمير العرب التابع له في الشام، وأمره أن يبعث برجال من العرب يسألهم عن بعثته وأخباره، وكان أبو سفيان بن حرب في الشام في تجارة، تلك النعمة على قريش بفضل جوارهم للبيت وانتمائهم لإبراهيم الخليل وبركات التجارة في قوله تعالى[لِإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ]( )، ولكنهم جحدوا بها وإتخذوا المنافع والأرباح التي تدرها عليهم مادة وسلاحاً لمحاربة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وهو من أسباب لحوق الضرر والخزي بهم.
وجاءوا بأبي سفيان ومعه ثلاثون نفر من العرب وأدخلوا على هرقل (فدخلوا عليه في كنيسة إيلياء التى في جوفها، فقال هرقل: أرسلت إليكم لتخبروني عن هذا الذى بمكة ما أمره ؟ قالوا: ساحر كذاب وليس بنبي.
قال: فأخبروني من أعلمكم به وأقربكم منه رحما ؟ قالوا: هذا أبو سفيان ابن عمه وقد قاتله.
فلما أخبروه ذلك أمر بهم فأفرجوا عنه، ثم أجلس أبا سفيان فاستخبره، قال: أخبرني يا أبا سفيان ؟ فقال: هو ساحر كذاب.
فقال هرقل: إنى لا أريد شتمه ولكن كيف نسبه فيكم ؟ قال: هو والله من بيت قريش.
قال: كيف عقله ورأيه ؟ قال: لم نعب له رأيا قط.
قال هرقل: هل كان حلافا كذابا مخادعا في أمره ؟ قال: لا والله ما كان كذلك.
قال: لعله يطلب ملكا أو شرفا كان لاحد من أهل بيته قبله ؟ قال أبو سفيان: لا.
ثم قال: من يتبعه منكم .
(وأخرج البزار عن دحية الكلبي لما أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام ، أن قيصر بحضرة دحية رسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحامل رسالته سأل أبا سفيان من أتباعه ، قال : الشباب والسفلة ، قال قيصر هذه آية النبوة)( ).
هل يرجع إليكم منهم أحد ؟ قال: لا.
قال هرقل: هل يغدر إذا عاهد ؟ قال: لا ، إلا أن يغدر مدته هذه.
فقال هرقل: وما تخاف من مدته هذه ؟ قال: إن قومي أمدوا حلفاءهم على حلفائه وهو بالمدينة.
قال هرقل: إن كنتم أنتم بدأتم فأنتم أغدر( ).
وفي الخبر أعلاه مسائل :
الأولى : شهادة الأعداء بعصمة المؤمنين من الإرتداد مع حداثة عهدهم بالإسلام ليكون من باب الأولوية ثباتهم في منازله عند مغادرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الحياة الدنيا، لذا جاءت الآية السابقة توطئة ومقدمة لهذا الثبات.
الثانية : في الخبر آية تتجلى ببعث الفزع والخوف في قلب هرقل من غزو بلاد المسلمين.
الثالثة : بعث اليأس في نفس هرقل وكسرى وغيرهما من سلاطين الدول والممالك آنذاك من إيجاد رجال وجيش من العرب لمحاربة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والخشية من تزويدهم بالمال والسلاح والرواحل لرجحان وصولها إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجيش المهاجرين والأنصار .
الرابعة : خشية هؤلاء الملوك من إرسال جيوش إلى الجزيرة لقتال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للخوف من قطع القبائل والمسلمين خاصة الطريق عليهم، لتموت جيوشهم عطشاً في الصحراء أو يدخلون الإسلام أو يقعون في الأسر .
ليكون من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أن أعداءه ينقلون ما يبعث الخوف والرعب في قلوب أطراف أكثر قوة وسلاحاً ، وما يبعث عن عزوفهم عن محاربته والإعانة عليها .
وعن الإمام الباقر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نُصِرْت بِالرّعْبِ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، وَأُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَأُحِلّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تُحْلَلْ لِنَبِيّ كَانَ قَبْلِي ، وَأُعْطِيت الشّفَاعَةَ خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنّ نَبِيّ قَبْلِي( ).
الخامسة : من معاني الرعب الذي ينتصر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخويف الأعداء بعضهم لبعض من النبي صلى الله عله وآله وسلم وجند الإسلام.
السادسة : الهيبة العامة من النبوة والتنزيل .
السابعة : امتلاء قلب أبي سفيان بالخوف .
الثامنة : من مصاديق الرعب الذي جعله الله سلاحاً ومدداً للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين، إخافة مشركي قريش بعضهم لبعض من النبي محمد ومحاربته، إذ يبينون في مجالسهم الخاصه وعلناً،بذل المؤمنين أنفسهم في الجهاد والتضحية في سبيل الله .
ومنه الثناء على المسلمين الوارد في الآية [وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ]( )، إذ يقوم الكفار بالحديث عن تمني المؤمنين الشهادة ويستحضرون الآيات التي تدل على الثواب العظيم الوارد في آية البحث الذي أعدّه الله لمن يقتل في سبيله، وليس عند الكفار من ثواب أو أجر.
التاسعة : تجلي معنى من معاني الولاية المبغوضة في قوله تعالى[وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ]( )، فمن ولايتهم هذه تخويف بعضهم لبعض ، والتحذير من إرادة محاربة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قانون الدعاء عند المصيبة
وعن أم سلمة قالت حدثنا أبو سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال اذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم عندك احتسب مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني بها خيرا منها)( ).
وقد أصيبت أم سلمة بمصيبة وفاة أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي وهو أخو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برة بنت عبد المطلب ،وأصيب أبو سلمة بجرح في معركة أحد التي وقعت في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة ، وأقام شهراً يداويه.
فلما هلّ المحرم دعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال أخرج في هذه السرية ، وعقد له لواء ومعه خمسون ومائة من المهاجرين والأنصار إلى قطن إلى المدينة .
ولم يلقوا قتالاً ، وبعد عودته إلى المدينة انتفض عليه جرحه ، فمات لثلاث بقين من جمادى الآخرة من السنة الرابعة ، ولما انقضت عدة أم سلمة خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتزوجها ، ليكون من مصاديق الدعاء أعلاه ، وإستجابة الله عز وجل له صيرورة أم سلمة من أمهات المسلمين ، قال تعالى [النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ]( ).
وعن (أم سلمة فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثا أحب إلي من كذا وكذا سمعته يقول : لا يصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند الله ثم يقول: اللهم عندك احتسبت مصيبتي هذه اللهم اخلفني فيها إلا أعطاه الله.
قالت أم سلمة: فلما أصيب أبو سلمة قلت ولم تطب نفسي أن أقول: اللهم أخلفني منها ثم قلت: من خير من أبي سلمة أليس أليس ثم قلت ذلك فلما إنقضت عدتها أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتزوجته)( ).
لتجتمع خصال متعددة في مهاجري الحبشة إذ أخرجوا من ديارهم وأذوا في سبيل الله وهاجروا الهجرتين ، وقاتلوا ، ومنهم من قتل في ميدان المعركة ، كما في جعفر بن أبي طالب ، وزيد بن حارثة ، ومن المهاجرين إلى المدينة حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي استشهد في معركة أحد ، وقبره وقبور شهداء أحد معلم شاخص ، ومزار إلى يومنا هذا.
و(عن الضحاك في الآية قال : كان المسلمون يسألون ربهم أن يريهم يوماً كيوم بدر ، يبلون فيه خيراً ، ويرزقون فيه الشهادة ، ويرزقون الجنة والحياة والرزق . فلقوا يوم أحد ، فاتخذ الله منهم شهداء ، وهم الذين ذكرهم الله تعالى فقال {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتاً}( ))( ).
و(عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت: لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منعة من قومه وعمه لا يصل إليه شئ مما يكره مما ينال أصحابه.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه .
فخرجنا إليها أرسالاً حتى اجتمعنا بها فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمناً على ديننا، ولم نخش منه ظلماً) ( ).

شواهد إنذار الكفار في آية البحث
وتضمنت آية البحث الإنذار للذين كفروا من قريش ونحوهم من جهات:
الأولى : الإنذار من حمل المسلمين الأوائل على الهجرة ، وترك الأوطان لقوله تعالى في آية البحث [وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي]( ) وقد آذت قريش النبي ، وضربوا الحصار الإقتصادي والإجتماعي على أهل البيت لثلاث سنوات ، من السنة السابعة للبعثة النبوية ، وحصروهم في شعب أبي طالب خلف جبل الصفا ، وامتنعوا عن مبايعتهم ، والزواج منهم أو تزويجهم ، ولما أشتد أذى قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أمر طائفة منهم بالهجرة إلى الحبشة .
وهو سبب نزول قوله تعالى [وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى]( )، وقال النبي لطائفة من أصحابه (لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ حَتّى يَجْعَلَ اللّهُ لَكُمْ فَرَجًا)( ).
وفي هذه الهجرة أذى للمهاجرين الذين ركبوا البحر وللنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم تكف قريش عن هؤلاء المهاجرين وعددهم ثلاثة وثمانون من الرجال سوى النساء والصبيان بل بعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى النجاشي ليردهم إليهم .
و (كان عمرو وعمارة متعاديين فقالت قريش: كيف نبعث رجلين متعاديين ؟ فبرئت بنو مخزوم من جناية عمارة ، وبرئت بنو سهم من جناية عمرو بن العاص .
فخرج عمارة وكان حسن الوجه شابا مترفا، فأخرج عمرو بن العاص أهله معه، فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر، فقال عمارة لعمرو بن العاص: قل لاهلك تقبلني، فقال عمرو: أيجوز سبحان الله ؟ فسكت عمارة، فلما انتشى عمرو، وكان على صدر السفينة فدفعه عمارة وألقاه في البحر، فتشبث عمرو بصدر السفينة وأدركوه وأخرجوه)( ).
للإنذار للكفار إذ يلقى الله عز وجل بأسهم بينهم في زجر لهم عن الإصرار على السعي في سبل الظلم والغي والجحود .
الثانية : يدل قوله تعالى [وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي]( ) على مجئ الأذى للمؤمنين ومنه الأذى في سبل الهداية ، والأذى الذي يأتي من الكفار ، وكل فرد منها يلزم معه الصبر .
وتدل آية البحث على أن الإخراج من الديار أذى للمؤمنين ، وأن إيذاءهم أعم ويشمل غير إخراجهم ، لبيان شمول الآية للعناد والأذى الذي لاقاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعامة أصحابه ، ومنهم :
الأول : الذين هاجروا إلى الحبشة .
الثاني : الذين هاجروا إلى المدينة المنورة .
الثالث : الذين بقوا في مكة من المستضعفين بخلاف الذين يستطيعون الهجرة وأقاموا وسط كفار قريش الذين نزل القرآن بعدم ولايتهم ، ومع هذا إذا سألوا النصرة فيجب على المسلمين نصرتهم ، ليكون هذا الوجوب مقدمة لفتح مكة ، وإنقاذ المسلمين والمسلمات الذين فيها والذين تضاعف عددهم أضعافاً بعد صلح الحديبية ، قال تعالى [وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]( ) لبيان قانون الملازمة بين إسلام أهل مكة ،ولحوقهم بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في هجرته إلى المدينة إلا مع العذر ، لقوله تعالى [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ]( ) ولقاعدة نفي الحرج في الدين ، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام .
الثالثة : إنذار الذين كفروا وزجرهم عن غزوهم المدينة وقتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، وهذا الإنذار متجدد ، فنزل زجر الكفار عن محاربة الإسلام والمسلمين قبل الهجرة ثم قبل معركة بدر وبعدها ، ونزل بعد معركة أحد قوله تعالى [لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ]( )، واقترن هذا الإنذار بالدعوة العامة للتوبة والإنابة والإيمان .
كما كانت السنة النبوية القولية والفعلية تدعو إلى نبذ القتال ، وتضمنت آية البحث مع إنذار الكفار بيان الأجر والثواب للمؤمنين على صبرهم في قتال المشركين وارتقاء الشهداء إلى أسمى المراتب في الآخرة ، قال تعالى وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.
الرابعة : إنذار الكفار في مفهوم آية البحث بالأجر والثواب للذين آمنوا وجاهدوا وقاتلوا في سبيل الله ، إذ يحرم الكفار أنفسهم من الثواب في الآخرة وبالخسارة في النشأتين ، قال تعالى [فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ]( ).
الخامسة : من خصائص القرآن إنذار الذين كفروا في النشأتين لتدل آية البحث على حرمان الذين كفروا من شم رائحة الجنة ، وليس من برزخ بين الجنة والنار ، وقد أخبر القرآن على أن مصير الذين كفروا هو الخلود في النار ، وفي التنزيل [وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ]( ).
علم الإحصاء القرآني غير متناه
من بديع قدرة الله إحصاء كل شئ في عالم الأكوان والمخلوقات ، ودقائق تفصيلاتها ، وخلقها وأعمارها وأوان فنائها ، والوقائع والأحداث .
ومن أسماء الله (العليم) و(المحصي) والنسبة بين صفة العلم والإحصاء عموم وخصوص مطلق ، فالعلم أعم وأوسع ، ومن إعجاز القرآن أن أول آية نزلت منه هي (اقرأ) لبيان وجوب التعلم على كل مسلم ومسلمة ، والنسبة بين المراد من القراءة والتحصيل وبين الإحصاء عموم وخصوص مطلق ، فعلم الإحصاء والحساب في الدنيا جزء من كلمة واحدة في القرآن ورد بصيغة فعل الأمر أمراً متحداً لجميع لأجيال المسلمين المتعاقبة وتقديرها (اقرأوا) بالحاق الأمة بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الخطابات العامة مع تقييدها بما فيه النفع العام لقوله تعالى [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ]( ).
وعلم الإحصاء والحساب من العلوم التي صاحبت الإنسان من أول خلق آدم عليه السلام ، وهو حاجة في أمور الدين والدنيا .
وصدرت لي الأجزاء الخامس والأربعون بعد المائتين ، والجزء السابع والأربعون بعد المائتين ، والجزء الثامن والخمسون بعد المائتين من هذا السِفر بخصوص علم الإحصاء القرآني .
المقولات العشرة
لكل علم موضوع ، وهو المشهور ، ولا يعني هذا إرادة الدقة العقلية إذ تتداخل العلوم في موضوعاتها ، وذات المصداق الواحد يصدق أن يكون موضوعاً لعلوم متعددة بحسب اللحاظ كما في الكلمة إذ تكون مادة للفقيه في الصحة والفساد ، والأمر والنهي ، والنحوي في موضعها من الإعراب ، وعالم الصرف في ابنية الكلمة وأحوالها غير الإعراب ، والبلاغة في البيان وغيرها.
مع أن الوجوب والحرمة وباقي الأحكام التكليفية هي محمولات مسائل الفقه تعرض على المكلفين بالعرض وبواسطة الأفعال العبادية كالصلاة والصوم والزكاة .
بينما موضوع علم الفقه هو فعل المكلف وموضوع علم المعقول هو الوجود أو الموجود ، وينقسم الى :
الأول : واجب الوجود : وينفرد بهذه الصفة الله عز وجل وهو خالق كل شئ و[هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ]( ).
الثاني : الممكن : وينقسم الى الجوهر والمقولات التسعة العرضية ، وكلمة مقولة مترجمة من كلمة يونانية هي (category) ومعناها العلامة ، وقيل ان ارسطو (384-322) ق.م هو الذي استعرض مظاهر العلم في زمانه ، وقال بأن الفكر المستقيم يتقوم بها ، واتخذها العلماء من أهل كل ملة قاعدة ، وتعرضوا لها بالشرح والبيان ، وجعلوها أصلاً في علم المنطق ، وجمعت المقولات العشرة في بيت شعر يتضمن ذكر مثال عن كل واحد منها وهو :
قمر غزير الحسن ألطف مصره … لو قام يكشف غمتي لما انثنى
الأول : القمر : الجوهر .
الثاني : الغزير : الكم .
الثالث : الحسن : الكيف .
الرابع : ألطف : الإضافة .
الخامس : مصره : الاين .
السادس : قام : الوضع .
السابع : يكشف : الفعل .
الثامن : غمتي : الملك .
التاسع : لما : المتى .
العاشر : انثنى : الإنفعال .
تفسير [لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ]
تفيد اللام في لأكفرن التوكيد ، وقيل هي لام القسم ، وجاء التوكيد مرة أخرى في ذات الكلمة أعلاه بنون التوكيد الثقيلة ، وهي أشد من النون الخفيفة في مراتب التوكيد .
وفي الآية بشارة محو السيئات عن المؤمنين الذين يتصفون بالخصال الحميدة التي تضمنتها آية البحث .
وهل يشترط اجتماعها لتنجز مغفرة الذنوب ، الجواب لا ، فكل خصلة منها باب للفوز بالمغفرة ومحو الذنوب ، ليكون تقدير آية البحث على وجوه:
الأول : المسلمون الذين هاجروا [لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ].
الثاني : المسلمون الذين أخرجوا من ديارهم [لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ].
الثالث : المسلمون الذين أوذوا في سبيلي [لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ] .
الرابع : الذين قاتلوا في سبيلي [لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ] .
الخامس : الذين قتلوا في سبيل الله [لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ].
وقد تجتمع الخصال الخمسة أعلاه في شخص واحد من المؤمنين أو تجتمع أربعة أو ثلاثة أو إثنتان منها في بعض المؤمنين .
ومن الآيات تقدم القيد [فِي سَبِيلِي] على [قَاتَلُوا وَقُتِلُوا] ليكون تقدير الآية على وجوه :
الأول : وقاتلوا في سبيلي .
الثاني : وقاتلوا مع الأذى الذي لاقوه في الهجرة من الديار والأوطان .
الثالث : وقاتلوا دفاعاً عن النبوة والتنزيل .
الرابع : وقاتلوا [فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا]( ).
الخامس : وقاتلوا في سبيل الله وقتلهم الذين كفروا ظلماً وعدواناً كما في شهداء الإسلام في معركة بدر ، ومعركة أحد ، ومعركة الخندق .
آية البحث حرب على الوأد
كانوا في الجاهلية إذا ولد لأحدهم بنتاً امتلأ غيظاً وتغيب عن أصحابه ، قال تعالى [وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ]( ).
ويبقى الأب حزيناً لولادة البنت ، وساخطاً على امرأته لأنها ولدت بنتاً ، وهو يحتاج الولد للقتال ويكره البنت التي قد تتعرض للسبي من قبيلة أخرى ، فتكون عاراً عليه .
وقيل أول من وأد ابنته قيس بن عاصم المنقري التميمي ، وكان حليماً يتصف بالكرم إذ أغار عليه أعداؤه ، فأسروا ابنته ، ثم تم بينهم الصلح ، وخيرت ابنته ، فاختارت زوجها فآلى عاصم على نفسه بدفن أي ابنة تولد له حية .
وهذا بعيد خاصة وأن الوأد عادة بين العرب قبل زمان النبوة ، بينما وفد عاصم على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، نعم هو ممن وأد بناته ، وقد تقدم كيفية وزمان الوأد بالنسبة للمولودة.
وقدم قيس بن عاصم (في وفد بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في سنة تسع، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: هذا سيد أهل الوبر.
وكان عاقلاً حليماً مشهوراً بالحلم. قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري، رأيته يوماً قاعداً بفناء داره محتبياً بحمائل سيفه يحدث قومه إذ أتي برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك .
قال : فوالله ما حل حبوته ولا قطع كلامه فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه، فقال: يا بن أخي بئس ما فعلت أثمت بربك وقطعت رحمك وقتلت ابن عمك ورميت نفسك بسهمك ثم قال لابن له آخر: قم يا بني فوار أخاك وحل كتاف ابن عمك وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة)( ).
ولم تكن مسألة السبي والعار وحدها العلة التامة للوأد فقد كان العرب يقتلون بعض أبنائهم خشية الإنفاق عليهم ، أو للفقر وقلة ما في اليد ، قال تعالى [وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا]( ).
لبيان فضل الله عز وجل على النساء والمسلمين عامة بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بانقطاع الوأد برسالته ، ونزول آيات القرآن في إكرام المرأة والأولاد مطلقاً ذكوراً وإناثاً ومنه آية البحث في قبول عمل المسلمات وفوزهن بالأجر عليه لذكرها عمل الأنثى على نحو التعيين .
وقد تنجز وعد الله عز وجل للمسلمين في الآية أعلاه [نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ]( )، بسعة الرزق وكثرة أموال المسلمين ، وصيرورة الابن والبنت سبباً للرزق والمكاسب ، وجاء بعد الآية أعلاه بآيتين [وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ]( ).
والوأد مما حرم الله عز وجل .
ومن إعجاز القرآن الغيري نزول آيتين من بضع كلمات لتغير النظام الإجتماعي نحو الأحسن والأصلح ، وتقضي على العادة القبيحة والخبث في المعاملة ، إذ نزل قوله تعالى [وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ]( )، ليمتنع العرب عن وأد البنت للإشعار بنزول الظلم بها ، وأنها قُتلت من غير ذنب ، وهذا لا يمنع من توجيه السؤال أيضاً إلى اللأب القاتل بأي ذنب قتلتها .
وهذا الإخبار عن عالم الآخرة ، من مصاديق الهدى وعلوم الغيب التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم [وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى]( ).
ومن إعجاز آية الوأد مجيؤها بصيغة المفرد (الموءودة) ولم تقل الموءودات سئلت) لبيان مسائل :
الأولى : قلة الوأد عند العرب .
الثانية : قانون الجناية العظيمة بقتل الموءودة الواحدة .
الثالثة : الدعوة السماوية لإكرام كل مولود ذكراً كان أو أنثى ، وهو الذي تدل عليه آية البحث [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ).
الرابعة : إخبار القرآن بأن التباين في النفع من الأولاد من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، قال تعالى [آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا]( ).
أي النفع في الدنيا والآخرة ، وقد تكون البنت أكثر نفعاً للأب والأم ، وفيه شواهد يومية في المجتمعات المختلفة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إِذَا مَاتَ الإِنسانُ انقطع عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاِتٍ : إِلاَّ مِنْ صَدَقَةَ جَارِيَةٍ ، أَوْ علْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)( ).
ومن الإعجاز في الحديث النبوي أعلاه العموم الإستغراقي بلفظ (الإنسان) وفي رواية أخرى (ابن آدم) فدعاء الولد يصل الأب والأم في قبرهما وكذا عمله الصالحات .
(وروي عنه عليه السلام أنه قال : لكون الميِّتُ في قَبْرِهِ كالغَرِيقِ يَنْتَظرُ دَعْوَةً تَلْحَقُهُ من ابْنِهِ أَو أَخِيهِ أو صَدِيقِهِ ، فَإِذَا لَحِقَتْهُ ، كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدَّنْيا وَمَا فِيهَا)( ).
وفي هذه الأحاديث زجر عن وأد البنات وأنه ظلم محض ، وتضييع لنفع الأب من ابنته ، هذا النفع الذي تذكره آية البحث .
وورد عن ابن عباس (أنها هي السائلة لقاتلها لم قتلت ، فلا يكون له عذر ، قاله ابن عباس وكان يقرأ : وإذا الموءودة سألت)( ).
بصيغة الفعل المبني للمعلوم والذي يئد ابنته هل يُسأل في القبر من قبل منكر ونكير عن هذا الوأد ، المختار نعم ، لبيان قانون نجاة المؤمنين من المساءلة المتعددة في القبر .
ومن إعجاز القرآن تعضيد آياته بعضها لبعض ، قال تعالى [وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ]( ).
فاذا أُخبر أحدهم بأن زوجته ولدت بنتاً ظهرت الكراهة والإكتئاب على وجهه ، وامتلأ حنقاً وغيظاً ويتغيب عن قومه ومنتدياتهم ، وكأن البشارة بالبنت عار وخزي ، ويتفكر هل يبقي ابنته مع اذلال وهوان لها ، أم يدفنها في التراب وهي حية .
وكان أشخاص وجماعات من أهل الجاهلية يقتلون بناتهم عند الولادة ويغذون ويطعمون كلابهم .
وبدل تفكر الإنسان بما يفعل ببنته المولودة حديثاً والإضرار بها ، تدعو هذه الآيات إلى التفكر في بديع صنع الله المقترن بطاعته في أداء الفرائض العبادية مع الدعاء رجاء العفو والرحمة من الله والنجاة في النشأتين ، كما ورد في التنزيل [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]( ).
وفيه دعوة للمسلمين لإصلاح النفوس واستقامة السيرة ، وتنزه المجتمعات من العادات المكروهة وإرتكاب الحرام وسفك الدماء بغير حق.
ومن خصائص القرآن البعث على صلة الرحم في آيات متعددة ، وبه جاءت السنة النبوية .
والإمتناع عن وأد البنات من مصاديق قوله تعالى [وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ]( ).
معاني تكفير السيئات
يكون تكفير السيئات على وجوه :
الأول : محو السيئات .
الثاني : ستر الذنوب والخطايا .
الثالث : صيرورة السيئات حسنات ، قال تعالى [إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا]( ).
الرابع : التأهيل للثواب بدخول الجنة ، لذا جاء ذكر دخول الجنات بعد قوله تعالى [لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ]( )، لبيان قانون المغفرة طريق إلى الجنة .
ولا يعلم ثقل وضرر السيئات يوم القيامة إلا الله عز وجل ، كما أنها لا تختص بما يرتكبه الشخص من الذنوب ، بل تشمل من اقتبس منه واتبعه في فعلها .
وفي مرسلة الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (أيما داع دعا إلى هدى فاتبع عليه وعمل به فله مثل أجور الذين اتبعوه ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً .
وأيما داع دعا إلى ضلالة فأتبع عليها وعمل بها فعليه مثل أوزار الذين اتبعوه ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً ، قال عون : وكان الحسن مما يقرأ عليها وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ…الآية( ).
ومحو السيئات مقدمة لدخول الجنة ليتجلى قانون من فضل الله وهو الثواب يؤدي إلى ثواب أعظم منه ، وهذا المعنى لا يتعارض مع اجتماع محو السيئات ودخول الجنة في الثواب من الله عز وجل على الإيمان والهجرة وتحمل الأذى في سبيل الله .
لقد تقدم قبل آيتين دعاء المسلمين [فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا]( )، لتدل واو العطف في الآية أعلاه على التعدد بين الذنوب والسيئات .
وقيل الذنوب : الكبائر ، والسيئات : الصغائر .
والمراد من المغفرة الستر والعفو ، ومن تكفير السيئات إزالتها ومحوها وصيرورتها حسنات .
وقيل (السيئات : الشرك)( ) .
وقيل (ذنوبنا يعني ما عملوا في حال الجاهلية ، وكفر عنا سيئاتنا ، يعني : ما عملوا في حال الإسلام)( ).
ولكن مضامين الآية شاملة لأجيال المسلمين المتعاقبة ، وأكثرهم ممن ولد لأبوين مسلمين .
والذنوب والسيئات مما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ، وورد تعددهم في الدعاء تضرعاً وتوسلاً إلى الله عز وجل ، وإلحاحاً بالدعاء ، وإحاطة بعالم الأفعال ، ورجاء فضل الله بالستر والعفو والمغفرة وخلو صحائف الأعمال من الذنوب .
قانون لا يُدخل الإنسان في النار إلا الله عز وجل
ليس للملائكة أو الأنبياء ادخال إنسان في النار إنما هو جزاء وحكم يختص به الله عز وجل ، وهو من مصاديق قوله تعالى [لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ]( )، وإنفراد الله عز وجل بادخال الإنسان النار رحمة بالعباد .
ونزول العفو عن كثير ممن يستحق دخولها من الظالمين والفاسقين والفاسدين ، ومنها فتح الله عز وجل لباب الشفاعة للأنبياء والصديقين لمنع دخول فريق ممن استحق دخول النار ، كما ويشفعون لإخراج فريق آخر ممن دخلها ، وفي التنزيل [مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ]( ).
ويتفضل الله عز وجل ويخرج أناساً كثيرين من النار برحمة منه ومن غير شفاعة أحد .
وانكر المعتزلة الشفاعة لمن استحق النار ، وكذا انكروا الشفاعة لمن دخل النار ، لصبغة الخلود فيها ولكن الأحاديث المتواترة تبطل قولهم ، ومنه حديث الشفاعة الطويل.
عن (أبي سعيد الخدري : ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم قيل : يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : دحض مزلة فيها خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخذوش مرسل ومكدوس في نار جهنم .
حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار .
يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون .
فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه .
ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول عز وجل ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ثم يقول ارجوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار( ) من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا.
ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ثم يقول ارجوا( ) فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا .
وكان أبو سعيد يقول : إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم [إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا]( ) فيقول الله تعالى : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمماً)( ).
تجليات التخفيف
ويدل واقع الحال أيام النبوة على اللطف الإلهي والتخفيف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار ، من جهات :
الأولى : في معركة بدر التي وقعت في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة كان عدد الصحابة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الميدان ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وعدد جيش مشركي قريش تسعمائة وخمسين .
الثانية : في معركة أحد التي وقعت في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة كان عدد المسلمين الفاً وانخزل منهم ثلاثمائة وسط الطريق إلى الميدان بأمر من رأس النفاق عبد الله بن أبي سلول الذي نادى ( ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس)( ).
ولما لحقهم عبد الله بن عمرو بن حزام والد جابر الأنصاري ، وحثهم على عدم خذلان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه قالوا :لو نعلم انكم تقاتلون لما اسلمناكم ، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال ( )وهم يرون جيوش المشركين والذين كانوا يعدون للمعركة منذ سنة ومن حين يوم بدر هزيمتهم.
الثالثة : معركة الأحزاب التي وقعت في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة حيث زحف عشرة آلاف من المشركين ، وكان عدد المسلمين يومئذ ثلاثة آلاف ، وتأتي ساعات على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم خلف الخندق وليس معه سوى ثلاثمائة من الصحابة .
الرابعة : عقد صلح الحديبية في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة ، إذ سار النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحو مكة لأداء العمرة ، ومعه ألف وأربعمائة من الصحابة واضطرت قريش لعقد الصلح لعجزها عن القتال ، وتناقص عدد الرجال ، وتعطلت تجارتهم [رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ]( ) رحلة الشتاء إلى اليمن لأنه بلد حامي ، ورحلة الصيف إلى الشام لأنه بارد ، ونزل قوله تعالى [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا]( ) .
الخامسة : في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة سار النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومعه عشرة آلاف من أصحابه نحو مكة ودخلها فاتحاً سلماً من غير قتال يعتد به وليس من طرف آخر لعقد صلح كما أن موضوع الصلح منتف بعد نقض قريش لبنود صلح الحديبية وتناقص عددهم ، وتم تنجز البشارة في قوله تعالى [لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا]( ).
وهل إزدياد عدد المسلمين من التخفيف الذي تذكره الآية [الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ]( ) الجواب نعم ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا]( ) .
تفسير [وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ]
بشارة ووعد كريم من عند الله عز وجل للمؤمنين بدخول الجنة ، وهو أعظم وعد يتلقاه الإنسان في الحياة الدنيا تفضل الله عز وجل به على المؤمنين الذين اجتهدوا بالدعاء ، وصبروا في طاعة الله ، والله عز وجل يعطى بالأوفى ويهب الكثير ، ومع هذا الوعد العظيم فان الله عز وجل أنعم على المهاجرين والأنصار بالغبطة والسعة في الرزق والفتح في الدنيا ، قال تعالى [لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ]( ).
والجنات جمع جنة ، وهي لغة البستان الذي تكثر فيه الأشجار والثمار ، سمي به لأن الأشجار الكثيرة المتقاربة مجتمعة الملتفة بعضها على بعض تجُنّ وتستر من بداخل البستان ، قال تعالى في بساتين الدنيا [وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا]( ).
وجنات الآخرة أعظم مما في التصور الذهني للأشجار .
وقال القائل :
ألَم تَرَ أنّ السيف ينقُصُ قَدْرُه…
إذا قِيل إنّ السيف أمضَى مِن العَصَا)( ).
وجنات الآخرة أعظم وأبهج مما في التصور الذهني ، وعالم الخيال ، قال تعالى [فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ]( ).
وفي الحديث القدسي عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال (قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر)( ).
وذكرت آية البحث جريان الأنهار من تحت أهل النعيم ، ورغد العيش الخالد في الجنان ، قال تعالى [مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى]( ).
ووردت الآية بصيغة الإطلاق في دخول المؤمنين الجنة ، فلم تذكر خلودهم وإقامتهم الأبدية فيها ، والتي لا تحول ولا تزول ولكن آيات عديدة تذكر هذا الخلود ، قال تعالى [وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ]( ).
ويتعدد العمل الصالح في آية البحث منها الهجرة ، والإخراج من الديار والأوطان والأموال ، وتحمل المشاق في سبيل الله ، والدفاع عن النبوة والتنزيل ، وتحمل وطأة لمعان السيوف .
ومن خصائص الجنة أنها لا تفنى ولا يفنى أهلها ، ولا تنقص النعم التي فيها ، بل هي في ازدياد .
وقد وردت خصائص متعددة ونعم عظيمة على أهل الجنة في سورة الواقعة ، قال تعالى [ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ *مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ*لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ *وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ* كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ* جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا]( ) ثم تذكر هذه السورة ما يرزق الله عز وجل أصحاب اليمين من النعم .
والظاهر أن وصف الجنة بأن الأنهار تجري من تحتها هو أكثر وصف للجنان في القرآن ، إذ ورد فيه أربعاً وثلاثين مرة ، ومن إعجاز القرآن تعدد معاني [تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ]بحسب سياق الآيات ومضامينها وماهية العمل الصالح الذي جعل الله هذه الجنات ثواباً له.
وذكر لفظ (فاكهة) في القرآن احدى عشرة مرة ، عشرة منها في فاكهة الجنة ، وواحدة في الدنيا بقوله تعالى [فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ]( ).
وعن (عبد الله بن قيس، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهلٌ ما يَرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمنون)( ).
وعبد الله بن قيس هو أبو موسى الأشعري ، وعنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : جنان الفردوس أربع : جنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن)( ).
الجنة لغة واصطلاحاً
الجنة لغة هي الأرض ذات الشجر والنخل يستتر ما بداخلها مشتقة من مادة : جنن وهي بمعنى الستر ، ومنه سمي الجن لاستتارهم واختفائهم عن الأنظار ، والجن خلق خلاف الإنس .
وسمي الجنين لاستتاره في بطن أمه ، ومنه جِنّ الليل اختلاط ظلامه .
و(قال الشاعر – هو المتنخل :
حتى يجيءَ وجنُّ الليل يُوغِلُهُ … والشوكُ في وَضَح الرجلين مركوزُ
ويقال : جُنون الليل، وجَنانُ الليل.
قال الشاعر دريد بن الصمَّة الجُشَميّ :
فلولا جُنونُ الليل أدرك رَكْضُنا…بذي الرِّمث والأرْطى عِياضَ بنَ ناشبِ
ويقال : جنَّه الليل وأجنه وجنَّ عليه، إذا سَتَرَه وغطّاه، في معنى واحد. وكل شيء استتر عنك فقد جنّ عنك. ويقال: جَنان الرجل، وبه سُمّيت الجِن. وكان أهل الجاهلية يسمّون الملائكة: جِنَّةً لاستتارهم عن العيون. والجِنُ والجِنَّة واحد)( ).
وسمي القبر جنناً لأنه يستر جسد الميت .
(والجَنين : المدفون ، قال الشاعر في جَنين القبر هو عمرو ابن كلثوم التغلبي :
ولا شَمْطاءَ لم يَتْرُك شَقاها … لها من تسعةٍ إلاّ جَنينا)( ).
والجنة في الاصطلاح الشرعي هي دار الخلود في النعيم والكرامة الأبدية التي يتفضل بها الله عز وجل على عباده المؤمنين الذين عملوا الصالحات في حياتهم الدنيا ، جزاء وثواباً وإحساناً من الله عز وجل .
كما ورد في آية البحث [وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ]( ).
وجاءت الآية بصيغة الجمع (جنات) لبيان التعدد والكثرة وسعة رحمة الله عز وجل بالمؤمنين في الآخرة ، ومراتبهم في الآخرة حسب درجة اليقين وعملهم الصالح , وما ذكرته آية البحث من الهجرة وتلقيهم الأذى والصبر في سبيل الله عز وجل .
وتتضمن آية البحث إدخالهم إلى الجنة ، ووردت آيات قرآنية بلبثهم الدائم فيها وأنها دار الخلد ، قال تعالى [ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ]( ).
ولم يرد لفظ (الخلود) في القرآن إلا في الآية أعلاه وورد لفظ (الخلد) في القرآن ست مرات ، منها مرة واحدة لخصوص الجنة بقوله تعالى [قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا]( ).

قانون انقطاع التجوال في الأرض دفعة
قال تعالى [وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ]( ).
النفخ الأول في الصور انقطاع للحياة على الأرض لتبدأ حياةُ جديدة ، حياة الخلد التي يتباين ويتضاد سكن الناس فيها فلا يسكن الكافر بجوار المؤمن ، فالإنسان إما إلى الجنة وإما إلى النار بحسب الأعمال في الدنيا ، التي ترد على الناس يوم القيامة على نحو الجزاء .
وفي الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم.
يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم.
يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم.
يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا .
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.
يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)( ).
وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما ، فلا يتبايعانه ، ولا يطويانه . ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه ، فلا يسقي فيه . ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته ، فلا يطعمه . ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فمه فلا يطعمها)( ).
لذا ذكر أن الساعة تقوم على شرار الناس ، فليس من فرصة للتوبة والإستغفار .
والمراد من الصور هو قَرن عظيم كهيئة البوق .
والذي ينفخ فيه الملك إسرافيل .
وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال (ما الصور ، قال : قَرنُ ينفخ فيه).
والنفخ هو إخراج الهواء من الفم .
وكيفية النفخ في الصور بحيث يسمعها ويفزع منها أهل الأرض لا يعلمها إلا الله عز وجل ، وهل ذكرها في القرآن من باب تشبيه المعقول بالمحسوس كما قيل ، الجواب لا ، إنما هو النفخ حقيقة لأن الأصل حمل الكلام العربي على الحقيقة إلا مع القرينة التي تصرفه إلى المجاز ، ليكون النفخ على مرحلتين متباعدتين :
الأولى : نفخة الإماتة ، وهو نهاية الحياة الدنيا ، وانقطاع سكن الناس في الأرض ، ومقدمة ليوم القيامة ، والصعق والفزع كناية عن الموت .
وعن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (يأكل الترابُ كلَّ شيء من الإنسان إلا عَجْبُ ذَنَبه ، قيل : وما هو يا رسول الله ، قال : مثل حبة خردل منه ينشئون) وعجب الذنب هو العصعص .
الثانية : نفخة الإحياء وجمع الناس في المحشر بقوله تعالى [ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى] وقال تعالى [وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا]( )، لقوله تعالى [وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ]( ) أي يأتون أذلاء صاغرين .
وهل يدل قوله تعالى [فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ] ( ) على انتقال الإنسان للسكن في الأفلاك السماوية أم أن القدر المتيقن من الآية هو سكان السموات من الملائكة ، المختار المعنى الأعم ليكون في الآية إشارة إلى انتقال شطر من الناس إلى السكن في الأفلاك السماوية .
والمختار موت الإنس والجن قبل موت الملائكة .
ويدل مجئ (ثم) في [ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى] على طول المدة بين النفختين ، لإفادة ثم التراخي.
ولا يعلم المدة بين النفختين إلا الله عز وجل .
وهل هذه المدة من عالم البرزخ أم من يوم القيامة ، المختار هو الأول ، لعمومات إماتة الناس بانتظار نفخة الإحياء والنشور.
وهل يتلقى الناس النفخ في الصور بهيئة واحدة ومتشابهة من الفزع أم أن المؤمنين الذين ذكرتهم آية البحث في أمن من الفزع حينئذ ، المختار هو الثاني .
وتأتي النفخة في الصور في القرآن بلفظ :الصيحة ، والصاخة ، والزجرة ، والنقر ، والراجفة ، والرادفة .
لتدل آيات القرآن على موت الناس جميعاً ، قال تعالى [إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ]( ).
مواطن يوم القيامة
تتعدد مواطن يوم القيامة منها :
الأول : العرض (عرض الأعمال).
الثاني : تطاير الصحف واستلام شطر من الناس كتبهم بايمانهم ، وهم المؤمنون اللذين عملوا في الدنيا الصالحات ، واستلام الذين كفروا كتبهم في شمائلهم .
الثالث : الحوض .
الرابع : الميزان الذي توزن فيه الأعمال .
الخامس : الصراط والمرور عليه ، قنطرة المظالم .
ويمكن أن نخبر عن موطن خاص يسمى موطن العدد لقوله تعالى [وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا]( ).
فكل عمل للإنسان يكون بصيغة العدد والرقم وكلما كان العمل أكبر كان عدده أكبر ، ولا يعلم ولا يحصي أعداد أعمال بني آدم وأطوالها اللامتناهية إلا الله عز وجل برموز ظاهرة للناس يعرفونها أقرب وأوضح من الرموز الحسابية وفق المقياس القصير فمثلاً رقم المليار (109) (عشرة إلى الأس التاسع) أو التريليون (1012) (أي عشرة إلى الأس الثاني عشر).
وهو لا يتعارض مع حساب الأعمال بالثقل ورجحان كفة الميزان لقوله تعالى [وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ]( ).
لبيان تعدد مواطن الحساب والإستحقاق للثواب أو العقاب لاقامة الحجة على الناس وقطعها للجدال ولمصاديق قوله تعالى [يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ]( ).
النسخ رحمة وتخفيف وامتحان
من إعجاز القرآن النسخ ورفع حكم بحكم ثابت ، لولاه لبقي ذات الحكم ، ومنه نسخ قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى المسجد الحرام ، قال تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ…]( ). ووردت مادة نسخ أربع مرات في القرآن ليس فيها بخصوص النسخ إلا قوله تعالى [مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]( )، وهو لغة بمعنى المحو والإزالة ، والنسخ رحمة وتخفيف ، وشاهد على أمور :
الأول : شدة الأذى الذي لاقاه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المشركين ، ونعتهم له بالساحر لنزول آية ناسخة إذ قالوا لو كان من عند الله لما بدله وما نسخه ، والله أعلم بالمصلحة وأسباب التخفيف.
الثاني : إرتقاء المسلمين في سلم المعارف الإلهية بالعمل بالناسخ حال نزوله ، وفي تسمية مسجد القبلتين لأن المصلين فيه استداروا إلى البيت الحرام حالما ناداهم شخص بنزول آية تحويل القبلة أو ان النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم والمصلين معه من المهاجرين والأنصار تحولوا عند نزول الآية إلى البيت الحرام ، كما لو صلى صلاة العصر التالية لنزول آية النسخ ، وكان هذا المسجد يسمى مسجد بني سلمة ، وهل تدل هذه الواقعة على حجية خبر الواحد إذ صدقو الشخص استداروا ، الجواب نعم.
الثالث : تلاوة المسلمين للآية المنسوخة والآية الناسخة إلى يوم القيامة ، مع عملهم بالثانية فقط .
والإجماع على وقوع النسخ في القرآن ، ولا عبرة بالقليل النادر الذي أنكره ، ومن النسخ قوله تعالى [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ..]( ) ، وانشغل العمل في وقوع النسخ في هاتين الآيتين ، والرد على الذي نفاه ، والمختار وقوع النسخ بينهما ، وهو ظاهر وجلي ، ولكن الآية تبين ازدياد عدد المسلمين وقلة عدد المشركين ، فينما ذكرت الآية المنسوخة عشرين صابرين من المسلمين ابتدأت الآية الناسخة بذكر مائة من المسلمين ثم ذكرت ألفاً منهم .
وتمحيص من جهتين :
الأولى : امتحان للمسلمين بالعمل بالمنسوخ ثم تلقي الناسخ بالقبول والرضا ، ولما نزل تحويل القبلة في شهر رجب من السنة الثانية للهجرة بقوله تعالى [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ…]( ) توجه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في صلاتهم إلى البيت الحرام ، وتوجه معه أصحابه .
وعن مجاهد وغيره (نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد بني سلمة، وقد صلّى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر فتحوّل في الصلاة واستقبل الميزاب، وحوّل الرّجال مكان النساء ، والنساء مكان الرجال فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين)( ).
ويشكل على هذا القول بأنه لم يرد نزول آيات القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي بالمسلمين جماعة ، كما أن نزول الآية القرآنية أمر عظيم يتصبب معه النبي محمد عرقاً في اليوم البارد ، ويكون بحال انقطاع عن الناس ، قال تعالى [لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ]( ).
و(أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أوحي اليه وهو على ناقته وضعت جرانها – يعني صدرها – على الأرض فما تستطيع ان تتحرك حتى يسرى عنه .
وفي الموطأ وغيره : انه عليه السلام سئل : كيف يأتيك الوحي ، فقال : احيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو اشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال واحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول ) قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه لتفصد عرقا)( ).
وورد خبر يفيد أن الآية أعلاه نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل صلاة الظهر ، وأنه وأصحابه صلوا الظهر مستقبلين البيت الحرام من أولها .
إذ ورد عن أبي سعيد بن المعلى قال ، كنا (عن أبي سعيد بن المعلى قال : كنا نغدو إلى المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فنمر على المسجد فنصلي فيه ، فمررنا يوماً ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد على المنبر ، فقلت : لقد حدث أمر فجلست.
فقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ]( ) حتى فرغ من الآية ، فقلت لصاحبي : تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فنكون أول من صلى فتوارينا فصلينا ، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى للناس الظهر يومئذ إلى الكعبة)( ).
ورواية أبي سعيد بن المعلى أعلاه أرجح من قول التابعي مجاهد ، فقد كانت لأبي سعيد بن المعلى صحبة واسمه رافع وشهد معركة أحد ، و(عن عكرمة في قوله [إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ]( ) قال : نزلت في رافع بن المعلى وغيره من الأنصار ، وأبي حذيفة بن عتبة ، ورجل آخر)( ).
و(عن البراء : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوَّلَ ما قَدم المدينة، نزلَ على أجداده -أو أخواله- من الأنصار، وأنه صَلَّى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبَلَ البيت، وأنه صلى صلاة العصر ومعه قومٌ. فخرج رجل ممن صلى معه، فمرّ على أهل المسجد وهم رُكوع فقال: أشهدُ لقد صلَّيت مع رسول الله قبلَ مكة. فداروا كما همْ قِبَل البيت)( ).
الثانية : الإمتحان والنهي لغير المسلمين بعدم التعدي على التنزيل والنبوة بسبب النسخ ، لذا نزل قوله تعالى [سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ]( )، وفيه إعجاز للإخبار عن صدور التشكيك بأمر نسخ القبلة من طائفة من غير المسلمين ، ويدل على التبعيض والغيرية أنه سيصدر القول من خفيفي العقل من الناس غير المسلمين ، ليكون قوله تعالى [سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ] من علوم الغيب.
الرؤيا في بيت النبوة
لقد صدر لي (فلسفة الرؤيا في الإسلام) بجزئين ، ومن آخر ما كتبت في هذا السِفر :
الأول : قانون الرؤيا الصادقة شعبة من الخلافة في الأرض .
الثاني : قانون الرؤيا الصادقة من نفخ الروح في آدم .
وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الإمام في تأويل الرؤيا ، ومن منافعه دعوة المسلمين للعناية بالرؤيا ، وعدم التفريط بدلالتها .
قالت (أم الفضل بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت : رأيت رؤيا أعظمها أن أذكرها لك ، أي أن الرؤيا هالتها وأفزعتها وخشيت من روايتها للنبي كيلا تحزنه .
فقال : اذكريها ، لبيان عدم إخفاء الرؤيا ذات الإعتبار والإتعاظ ، وللدلالة على دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى عدم التفريط بالرؤيا سواء كانت رؤيا بشارة أو إنذار ، وإن كان ظاهر كلام أم الفضل أنها رؤيا إنذار .
فقالت رأيت كأن بضعة منك قطعت فوضعت في حِجري.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن فاطمة حبلى تلد غلاماً أسميه حسيناً وتضعيه في حجرك ، وكأنه من التأويل بالضد.
ليكون تحديده لجنس المولود من الوحي ، وهذه النعمة الخاصة ببيت النبوة صارت عامة للناس في هذا الزمان بالإرتقاء الطبي ، وكشف المختبر والسونار في هذا الزمان ، لأن الله عز وجل إذا أنعم على أهل الأرض بنعمة فانه أكرم من أن يرفعها .
ولبيان البون الشاسع بين خشيتها من الرؤيا وبين تأويل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها ليشرق على الأرض نور ولادة الحسين في الثالث من شهر شعبان من السنة الرابعة للهجرة ، وشاء الله أن يشع بريق صبره وجهاده ما بين المشرق والمغرب .
قالت أم الفضل : فولدت فاطمة حسيناً فكان في حجري أربيه .
وهكذا ساهم تأويل الرؤيا في ترسيخ الإيمان وتوكيد صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجمعه وحيازته للعلوم والمعارف والكمالات بقسميها الكسبي والهبة فضلاً من الله ورحمة وحجة ودعوة للايمان.
وقالت أم الفضل (فدخلت به يوما على النبي فوضعته في حجر رسول الله صلى الله عليه واله ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول الله تهرقان بالدموع ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لك ، قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي تقتل ابني هذا وأتاني بتربة حمراء من تربته)( ).
وقالت أم الفضل (فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي يوماً وحسين معي فأخذه يلاعبه ساعة ثم ذرفت عيناه فقلت ما يبكيك قال هذا جبريل يخبرني أن أمتي تقتل ابني هذا)( ).
عن أم سلمة قالت: بينا رسول الله ذات يوم جالسا والحسين جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع، فقلت [له] يا رسول الله ما لي أراك تبكي جعلت فداك ؟
قال: جاءني جبرئيل فعزاني بابني الحسين وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله، لا أنالها الله شفاعتي.

قانون ملازمة الإحسان للنبوة مع تباين الحال
من إعجاز القرآن ورود جملة [إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ]( ) مرتين في القرآن ، كل منهما خطاب متوجه إلى يوسف عليه السلام ، الأولى [وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ]( )، والثانية في إخوته [قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ]( ).
لبيان اتصاف يوسف عليه السلام بذات مكارم الأخلاق وهو في السجن.
وكذا عندما أصبح عزيز مصر ومجئ الوفود له من أطراف مصر والشام ، وقد أصابت أهليهم المجاعة .
لبيان قانون الملازمة بين النبوة والأخلاق الحميدة ، وقال تعالى في الثناء على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم [وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ]( ) وقول الغلامين [إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ]( ) معنا ومع غيرنا من السجناء.
وهل في كلامهما هذا إنكار واستهجان لدخوله السجن ، الجواب نعم .
وفيه دعوة لكل مسلم بالتحلي بالإحسان والرفق بالآخرين ، والإمتناع عن البطش والإرهاب الذي هو ضد الإحسان .
ويدل حسن عاقبة يوسف عليه السلام وتوليه الوزارة في مصر على الحسن الذاتي للإحسان ، وترشح المنافع عنه .
وفيه شاهد على الأجر والثواب على الإحسان والرأفة ، ولم تذكر آية البحث إحسان المؤمنين لغيرهم ، الجواب ذات الإيمان إحسان للذات والغير ، وكذا العمل بأحكامه والصبر على الأذى في مرضاة الله الذي تدل عليه آية البحث ، قال تعالى [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]( ).
ويدل وصف يوسف عليه السلام بالإحسان وتكرار صيغة الجمع (المحسنين) في القرآن على أن الأنبياء أئمة الإحسان ، والهداية إليه ، ويمكن تأليف مجلد خاص بمصاديق إحسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن والسنة ، قال تعالى [بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ]( )، وقال تعالى [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ]( ).
وذكرت الآية أعلاه من سورة يوسف الخبز وأنه غذاء للناس من قديم الزمان يلتقي في أكله على نحو يومي الغني والفقير ، فلا يستغني عنه الملوك ، ويصل إلى الفقراء بفضل من الله، وتيسير للغلامين ، لتكون الرؤيا مدرسة الأجيال .
لقد ذكر القرآن رؤيا الغلامين على نحو البيان الذي يفقهه كل إنسان بأي لغة يتكلم ، وذكر أن الساقي قال (أيّها العالم إنّي رأيتُ كأنّي غرستُ حبّة من عنب عليها ثلاث عناقيد من عنب فحبستها،
وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه.
وقال الخبّاز : إنّي رأيتُ كأنّ فوق رأسي ثلاث سِلال فيها الخبز وألوان الأطعمة فإذا سباع الطير تنهش منه)( ).
وهل اختصر تفسير يوسف للرؤيا في السجن برؤيا الغلامين ، المختار لا ، إذ أن يوسف حينما دخل السجن قال أني أعبر الرؤيا ، ومن خصائص السجن السكون ، وعدم إنشغال السجين بأمور الدنيا ، والعمل اليومي ، ويتطلع إلى الفرج فيرى في المنام الرؤيا الصادقة بفضل ورأفة من عند الله ، وهو من مصاديق صيغة العموم في رحمة الله ورأفته بالمستضعفين وعامة الناس.
والسجن سور جامع يضم المُستضعف والظالم والمجرم والمظلوم ويتغشى الله عز وجل الجميع برجمته ، وهو مناسبة للتوبة والإنابة والإجتهاد بالدعاء والهداية إلى مقامات الإيمان .
وترّغب آية البحث الناس جميعاً بالدعاء إذ تبدأ بقوله تعالى [فَاسْتَجَابَ] وتبين الحاجة إلى الصبر وما يؤدي إليه من سبل الفرج .
تفسير [ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ]
لم يرد هذا الشطر من الآية في القرآن إلا في آية البحث ، وورد لفظ [ثَوَابًا] بالنصب في القرآن أربع مرات لبيان قانون وهو لا يقدر على الثواب والجزاء بجنات النعيم إلا الله عز وجل .
وفيه دعوة للناس للتوحيد ونبذ الشرك ، وفي التنزيل [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]( ) ومن موارد استعانة المسلمين بالله عز وجل الصبر على الأذى الذي لاقوه من المشركين .
ومن معاني الثواب الجزاء على الطاعة ، ولله عز وجل ملك السموات والأرض ، وهو سبحانه إله في الدنيا وإله في الآخرة ومن جوده وكرمه أنه يجازي على عمل الصالحات .
وفي الذين جاهدوا وقاتلوا في سبيل الله من أصحاب الأنبياء ودعائهم بالمغفرة والثبات في مقامات الإيمان ، قال تعالى [فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]( ).
وتضمنت آية البحث ثواب الآخرة بالمغفرة ودخول الجنة ، واثبات شئ لشئ لا يدل على نفيه عن غيره ، وتدل الآية أعلاه على مجئ ثواب الدنيا للمسلمين الذين هاجروا وأوذوا في سبيل الله وقاتلوا ، لوحدة الموضوع في تنقيح المناط .
وتبين آية البحث قانون الحياة الدنيا مزرعة للثواب الأخروي .
وقيدت آية البحث الثواب بأنه من عند الله عز وجل ، لبيان وجوه :
الأول : قانون لا يقدر على الثواب الأخروي إلا الله عز وجل .
الثاني : قانون مضاعفة الحسنات أضعافاً كثيرة ، وفي الإنفاق في سبيل الله ، قال تعالى [مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]( ).
الثالث : قانون الثواب العظيم في الآخرة فضل من عند الله عز وجل .
الرابع : ليس من ثواب يوم القيامة إلا من عند الله ، قال تعالى [لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ]( ).
وتتضمن آية البحث بالدلالة التضمنية البشارة بالأجر والثواب ونمائه في الدنيا والآخرة ، وتتضمن ترغيب الناس جميعاً لما عند الله من الأجر والثواب على الإيمان وفعل الصالحات .
وتقدير الآية على وجوه :
الأول : ثواباً من عند الله [فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ]( ).
الثاني : ثواباً من الله [وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ]( ).
الثالث : ثواباً من عند الله [وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ]( ).
الرابع : والله عنده حسن الثواب للذين آمنوا وعملوا الصالحات .
طاعة الأب في مسالك الإيمان
قال تعالى [فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ]( ).
يتعلق موضوع الآية في إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل .
لقد تفضل الله عز وجل وجعل الملائكة تبشر إبراهيم بغلام حليم بعد تقدمه في العمر ، فلما ولد غمرته السعادة ، واعتنى به حتى إذا صار يسعى معه في قضاء حوائجه رآى في المنام أنه يذبحه.
وقيل كان عمره ثلاث عشرة سنة ، واختلف في الغلام هل هو إسحاق أم إسماعيل والمشهور أنه إسحاق.
وروي عن ابن عباس في المقام قولان ، فمرة أنه إسحاق ، وأخرى إسماعيل .
والمختار أنه إسماعيل .
إذ ورد قوله تعالى [وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا]( )، وفيه دلالة على عدم أمره بذبح إسحاق ، وكذا قوله تعالى [فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ]( )، فلابد أن يتزوج إسحاق ويولد له يعقوب .
وتدل الأخبار بأن الأمر بالذبح كان في مكة ، وأن قرن الكبش كان معلقاً بالكعبة.
وعن (ابن عباس : فوالذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه من ميزاب الكعبة وقد يبس)( ).
وقيل أن الذبح في الشام ولكن الرأس نُقل إلى مكة ولكنه خلاف أصالة الظاهر والمتبادر.
ويدل هذا الإختلاف على اتحاد مشكاة النبوة ، وأن أبناء إبراهيم طائعون لله وللرسول ، وأن الخلاف والفرقة دبّت فيما بعد بين أبناء يعقوب بالمكر بيوسف من قبل إخوته ، لمحبة أبيه له ولأخيه من أمه وأبيه .
لقد رأى إبراهيم في المنام بأنه يذبح ابنه , وأدرك أن هذه الرؤيا من الوحي وهي كاليقظة ، وقال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا)( ).
وقوله [فَانظُرْ مَاذَا تَرَى] نوع مشورة ، وطلب الإذن من ابنه هل يرضى بالذبح أم لا .
ولو لم يرض إسماعيل بالذبح فهل يقوم به إبراهيم قهراً لأنه وحي ، أو يصبر ويعاود عليه السؤال قبل إرغامه ، المختار لا يهّم بذبحه ولكن إسماعيل تلقى رؤيا أبيه بالقبول والرضا بقضاء الله وقدره ، فقال [افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ] أي أن إسماعيل يعلم بأن هذه الرؤيا أمر من عند الله عز وجل .
وتحتمل هذه الرؤيا وجهين :
الأول : إنها خاصة بابراهيم عليه السلام .
الثاني : تشمل الأنبياء ، فقد يرد أمر لهم بذبح ابنائهم .
المختار هو الأول ، ولا تشمل الأنبياء الآخرين ، ولا المؤمنين وعامة الناس ومن الأنبياء من لم يكن عنده ولد مثل يحيى وعيسى.
فاذا رأى شخص مثل هذه الرؤيا فهي أضغاث أحلام ، مؤمناً كان أو غير مؤمن ، وهو من لطف الله عز وجل بالناس ، أما بالنسبة لإبراهيم فهذه الرؤيا وحي ، لينزل الوحي بعدها بالفداء ، قال تعالى [وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ]( ) وغير النبي لا ينزل عليه الوحي لرفع ذبح الابن.
تفسير [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ]
لم يرد لفظ [حُسْنُ الثَّوَابِ] في القرآن إلا في آية البحث لبيان فضل الله عز وجل على المؤمنين ، وبعثهم للصبر في طاعة الله ، والسعي في العمل الصالح ، قال تعالى [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ]( ).
لبيان قانون من الإرادة التكوينية قبل أن يخلق الله عز وجل آدم ، في سعة رحمة الله وأنها تتغشى الملائكة والخلائق ، نعم النسبة بين الرحمة والثواب عموم وخصوص مطلق ، فالرحمة أعم ، والثواب فرع الرحمة .
وقال الحسن البصري في آية البحث (أمرهم الله أن يدعوا بتكفير ما مضى من الذنوب والسيئات والعصمة فيما بقي ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك أي على ألسنة رسلك وعد الله المؤمنين على ألسنة رسله أن يدخلهم الجنة إذا أطاعوه فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض أشرك الله بين الذكر والأنثى فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم إلى قوله حسن الثواب هذا للرجال دون النساء فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل على النساء جهاد قال نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)( ).
ولكن موضوع وأحكام آية البحث أعم وتشمل الرجال والنساء لعمومات التكليف ، ووحدة الموضوع في تنقيح المناط ، وتغليب صيغة التذكير .
(ومن كلام الصاحب بن عباد تهنئةٌ ببنت: أهلاً وسهلاً بعقيلة النساء، وأم الأبناء، وجالبة الأصهار، وأولاد الأطهار، والمبشرة بإخوةٍ يتنافسون، ونجباء يتلاحقون.
فلو كان النساء كمثل هذي … لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ … ولا التذكير فخرٌ للهلال)( ).
ونسب هذا الشعر للمتنبي في تهنئته لكافور الإخشيدي لولادة بنت له .
ومن إعجاز الآية منعها اللبس والأختلاف ذكرها للنساء على نحو التعيين بقوله تعالى [لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( )ومن الصحابيات من هاجرن مع أزواجهن أو آبائهن أو هاجرن بمفردهن كما في هجرة أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط .
ومع سقوط القتال عن النساء ، فمن الصحابيات من قاتلت في سبيل الله ، منهن (نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمّ عُمَارَةَ ، وَهِيَ امْرَأَةُ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو ، وَشَهِدَتْ أُحُدًاهِيَ وَزَوْجُهَا وَابْنَاهَا ; وَخَرَجَتْ مَعَهَا شَنّ لَهَا فِي أَوّلِ النّهَارِ تُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَ الْجَرْحَى ، فَقَاتَلَتْ يَوْمَئِذٍ وَأَبْلَتْ بَلَاءً حَسَنًا ، فَجُرِحَتْ اثْنَيْ عَشَرَ جُرْحًا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ أَوْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ .
فَكَانَتْ أُمّ سَعْدٍ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ رَبِيع ٍ تَقُولُ دَخَلْت عَلَيْهَا فَقُلْت لَهَا : يَا خَالَةِ حَدّثِينِي خَبَرَك . فَقَالَتْ خَرَجْت أَوّلَ النّهَارِ إلَى أُحُدٍ، وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ فَانْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صلّى الله عليه وآله وسلم وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ وَالدّولَةُ وَالرّبْحُ لِلْمُسْلِمِينَ .
فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَجَعَلْت أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَأَذُبّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِالسّيْفِ وَأَرْمِي بِالْقَوْسِ حَتّى خَلَصَتْ إلَيّ الْجِرَاحُ . فَرَأَيْت عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا لَهُ غَوْرٌ أَجْوَفُ .
فَقُلْت : يَا أُمّ عُمَارَةَ مَنْ أَصَابَك بِهَذَا ؟ قَالَتْ أَقْبَلَ ابْنُ قَمِيئَةَ وَقَدْ وَلّى النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَصِيحُ دُلّونِي عَلَى مُحَمّدٍ ، فَلَا نَجَوْت إنْ نَجَا فَاعْتَرَضَ لَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأُنَاسٌ مَعَهُ فَكُنْت فِيهِمْ فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضّرْبَةَ وَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَاتٍ وَلَكِنّ عَدُوّ اللّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ)( ).
وشهدت أم عمارة نسيبة بيعة العقبة ثم شهدت مع ابنها عبد الله معركة اليمامة (فقاتلت حتى أصيبت يدها وجرحت يومئذ اثني عشر جرحاً من بين طعنة وضربة. روت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الصائم إذا أكل عنده صلت عليه الملائكة)( ).

التفسير بالتقدير
ومن وجوه تقدير تفسير الآية
الأول : [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ]( ) على العمل الصالح .
الثاني : [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ] في الدنيا والآخرة .
الثالث : [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ] باللبث الدائم في الجنة
الرابع : [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ] للمؤمنين والمؤمنات .
الخامس : [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ] للذين هاجروا وأوذوا في سبيل الله
السادس : [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ]لمن [كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ]( ).
السابع : [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ] ومنه جنات تجري من تحتها الأنهار .
الثامن : الله وحده القادر على حسن الثواب ، وللأولين والآخرين من المؤمنين .
التاسع : [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ] وهو وعد كريم من الله وبشارة متجددة كل يوم تبعث على التوبة والإنابة والثبات على الإيمان والصلاح .
العاشر : [وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ] للجن والإنس ، قال تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]( ).

بحث بلاغي
البلاغة هي تأدية المعنى بما يلائمه من اللفظ بايجاز غير مخل وإطالة من غير ملل .

ولما أنزل الله عز وجل على النبي [ {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم}( ) إلى قوله : {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} قرأها النبي (عليه السلام) في المسجد الحرام والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته .
فلما فطن النبي (عليه السلام) لإستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية،
فانطلق الوليد حذاء مجلس قومه بني مخزوم فقال : والله لقد سمعت من محمد كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق وإنّه يعلو وما يُعلى.]( ).
وسمع أعرابي رجلاً يقرأ [فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا]( ) فقال أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام .
(وسمع أعرابي رجلاً يتلوها فسجد وقال: سجدت لفصاحته، ذكره أبو عبيد )( ) ( ).
وقال السكاكي (توفي سنة 621 هجرية) بتقسيم علم البلاغة إلى ثلاثة :
الأول : علم البيان
الثاني : علم المعاني .
الثالث : علم البديع .
ومن إعجاز القرآن عجز العقول عن الإحاطة بضروب البلاغة فيه ، وفصاحة مفرداته باسمى مراتب الفصاحة، وتفرع المسائل عن إيجازه المهيب ، وتعدد دلالات الكلمة الواحدة منه ، وإحكام نظمه وبراهينه ، وبعثه الشوق في النفوس لتلاوته ، وبديع بيان قصص القرآن وما يترشح عنها من الوعظ الخاص والعام .
والنسبة بين إعجاز القرآن وبين بلاغته العموم والخصوص ، فاعجاز القرآن أعم ، وفيه حجة على الناس العربي وغير العربي مع أنه نزل [بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ]( ) .
موضوع الإستجابة
هل الإستجابة في آية البحث عامة أم خاصة بالأدعية الواردة في الآيات الأربعة المتقدمة ، الجواب إنها عامة وخاصة ، فقوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ]خاص بالأدعية التي في حيز هذه الآية ثم جاء بعده العام بقوله تعالى [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى] ( )، والنسبة بين العمل والدعاء عموم وخصوص مطلق ، فالدعاء شعبة من العمل الصالح ، وكذا تلاوة القرآن.
والقرآن يفسر بعضه بعضاً فقد وردت كلمة [فَاسْتَجَابَ] في القرآن ثلاث مرات بخصوص قضية خاصة ، والآيتان الأخريان هما :
الأولى : قوله تعالى [إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ]( )، فالآية خاصة بمعركة بدر وإجتهاد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالدعاء .
وعن (ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وهو في قبة يوم بدر : اللهم أني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لاتعبد بعد اليوم ، فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله، لقد ألححت على ربك)( ).
وجاءت الآية أعلاه بصيغة الجمع ، والمراد دعاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأدعية أصحابه .
وهل يشمل عامة أدعيتهم أم خصوص أدعيتهم يوم بدر لقوله تعالى [إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ] ( ).
المختار هو المعنى الأعم لأصالة الإطلاق ، ولقوله تعالى في آية البحث [أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى]( ).
الثانية : قوله تعالى [فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ]( )، ونجاة يوسف من مراودة امرأة العزيز ، وكيد وفتنة النسوة صويحباتها .
لو آمنت قريش أول البعثة
الأصل تلقي قريش رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالتصديق ، خاصة مع توارث البشارات ببعثته ، وتسمية أهل مكة له (الصادق الأمين) قبل البعثة ، وجريان المعجزات تترى على يديه ، والإعجاز الجلي لآيات القرآن.
وتتضمن السور المكية الإنذار والوعيد الذي يأتي أحياناً بالتذكير بفضل الله عز وجل على قريش ، ولزوم مبادرتهم للإيمان ، كما في قوله تعالى [لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ]( ).
لبيان وجوب توارثهم لحنيفية إبراهيم ، والتنزه عن مفاهيم وأفعال الشرك , وانتهاك الحرمات.
وتتجلى عبادة الله في الآية أعلاه عند بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالتصديق برسالته واتباعه ، ولكنهم آذوه وأهل بيته وأصحابه ، فسُحب إلى القليب يوم بدر سبعون كافراً من رجالاتهم .
وليصدق ويؤيد وينصر أهل المدينة (يثرب) النبي محمداً في رسالته ودعوته إلى الله عز وجل .
ومن معاني مكة في القرآن بأنها أم القرى في قوله تعالى [لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا]( )، وفود الناس إلى مكة لأداء الحج في الموسم والعمرة وللتجارة على مدار أيام السنة ، وإنصاتهم واتباعهم لأهلها ، فلو آمن أهل مكة بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في السنين الأولى لبعثته لتسارع الناس في دخول الإسلام مع رؤية المعجزات الحسية والعقلية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ترى لماذا لم يهد الله قلوبهم للإيمان وإجتناب وقوع معركة بدر ، ومعركة أحد والخندق .
الجواب لقد جعل الله عز وجل الدنيا دار اختبار وامتحان وملأها بالآيات الكونية والحجج الساطعة ثم بعثة الأنبياء بالمعجزات ليهتدي بنبوتهم شطر من الناس ، فظلم أهل مكة أنفسهم بالجحود برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى [يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ]( ).
ولقد هدى الله عز وجل المهاجرين والأنصار للتصديق برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والدفاع عنها بالنفوس والمال .
ليكون هذا الدفاع دعوة لأجيال المسلمين لتعاهد الإيمان ، وتكون معارك الإسلام الأولى الدفاعية حجة وبرهاناً على صدق نبوته ، وزاجراً عن الإقتداء بكفار قريش خاصة مع سوء عاقبتهم .
قوانين الجزء 264
وفيه القوانين التالية :
الأول : قانون بركة الصلاة ، وتلاوة القرآن فيها .
الثاني : قانون حاجة المسلمين والمسلمات للدعاء والإستغفار.
الثالث : قانون إنتفاع المسلمين من الملائكة في الدنيا والآخرة ، والذي ابتدأ من اختلاط آدم عليه السلام وحواء مع الملائكة في الجنة ، ثم صيرورة الملائكة وسائط الوحي إلى الأنبياء.
الرابع : قانون النعم المصاحبة لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
الخامس : بيان حاجة الإنسان لقانون ملازمة التسبيح والحمد لله للإنسان .
السادس : قانون النجاة في النشأتين بذكر الله والثناء عليه وتلاوة آيات القرآن وأداء الفرائض العبادية.
السابع : بيان قانون لا يقدر على استجابة الدعاء إلا الله عز وجل ، وهو من مصاديق الربوبية المطلقة له سبحانه.
الثامن : قانون المشيئة الإلهية فوق الأسباب ، وأعم من قانون العلة والمعلول .
التاسع : قانون عدم إنحصار الخزي يوم القيامة بالكافرين ، إنما يشمل الظالمين والفاسقين إلا أن يعفو الله عز وجل.
العاشر : من وجوه الدعاء [وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ] قانون مغادرة الدنيا على الإيمان والسلامة من الكفر والإرتداد ، ومن تلاعب الشيطان بالإنسان ساعة الإحتضار .
الحادي عشر : قانون الفوز برحمة الله أعم من الدعاء.
الثاني عشر : قانون الدعاء بالمعنى الأعم والأوسع ، فكما يستحب تكرار الدعاء فيستحب تعدد مسائل الدعاء ، وعدم حصره وتقييده ، نعم يشترط في هذا التعدد أن يكون في أمور يرتضيها الله ، وليس من الحرام أو قطع الرحم .
الثالث عشر: قانون ما جاء به الرسل من الوعد الإلهي محكم وغير منسوخ ، فصحيح أن الشرائع ينسخ بعضها بعضا في موارد لكن هناك موارد لا يطرأ عليها النسخ.
الرابع عشر : قانون حاجة المسلمين مجتمعين ومتفرقين إلى الدعاء وسؤال ما وعدهم الله وفي التنزيل [قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ]( ).
الخامس عشر : قانون دعاء المسلم للمسلمين والمسلمات وهم غير حاضرين معه.
السادس عشر : قانون تفقه المسلمين في مصاديق وأفراد الدعاء .
السابع عشر : من لطف الله قانون سبق الدعاء للمؤمنين قبل أن يولدوا ، ليكون من عمومات قوله تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]( )، أي المؤمنون من الأولين والآخرين.
الثامن عشر : قانون الجزاء اللاحق لمن فارق من المؤمنين ، إذ يأتيه الثواب بعد موته بعمل الذراري وعامة المؤمنين الصالحات .
التاسع عشر : قانون الانتفاع من بعثة الرسل .
العشرون : قانون النفع الأمثل للمسلمين من بعثة الرسل .
الواحد والعشرون : قانون كثرة عدد الرسل نعمة على المسلمين .
الثاني والعشرون : قانون كل نبي يقوم بالبشارة والإنذار .
الثالث والعشرون : قانون في كل يوم من أيام الحياة الدنيا هناك دعاء ، وهناك استجابة لذات الدعاء وغيره.
الرابع والعشرون : قانون إنتفاع السابق من عمل المؤمن اللاحق .
الخامس والعشرون : إذ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينتظر نزول جبرئيل بتحويل القبلة لبيان مسألة وهي قانون سبق الوحي في موضوع خصوص نزول الآية القرآنية بخصوصه .
السادس والعشرون : قانون كل تلاوة لآية في القرآن نداء للإيمان ، ومن مصاديق [رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا..]( ) ولا يحصي عدد الذين آمنوا بتلاوة القرآن وسماع آياته إلا الله عز وجل .
السابع والعشرون : قانون كل خطبة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم نداء للإيمان.
الثامن والعشرون : قانون المناجاة إقرار بالربوبية .
التاسع والعشرون : قانون الإيمان بالتوحيد باب لإستجابة الدعاء .
الثلاثون : قانون كل فرض من الصلاة مناجاة متعددة لما فيها من تكبيرة الإحرام وتلاوة القرآن ، والتسبيح في الركوع والسجود ، ومصاديق الخشوع والتطامن في الصلاة .
الواحد والثلاثون : قانون لا ينجي الإنسان من الخزي يوم القيامة إلا الله عز وجل .
الثاني والثلاثون : قانون الحاجة إلى الدعاء للنجاة من الخزي في الدنيا والآخرة ، ومنه فضل الله بهداية الإنسان لعمل الصالحات .
الثالث والثلاثون : قانون عدم إضاعة الله لأي عمل صالح للمسلمين والمسلمات .
الرابع والثلاثون : قانون بشارة النجاة من الخزي في عالم البرزخ ، ويوم القيامة ، وبيان لنعمة الله عز وجل في ادخار ما يعمله المسلمون من الصالحات.
الخامس والثلاثون : قانون حضور الصالحات يوم الحساب .
السادس والثلاثون : قانون حرمان المشركين أنفسهم من الأسباب التي تمنع الخزي أمام الخلائق يوم النشور .
السابع والثلاثون : قانون امتناع الكفار عن الدعاء ورجاء استجابة الله عز وجل لهم .
الثامن والثلاثون : قانون انعدام الناصر للظالمين مجتمعين ومتفرقين يوم القيامة .
التاسع والثلاثون : قانون النفرة من الخزي .
الأربعون : اجتناب أسباب الخزي يوم القيامة لقانون نفرة النفوس من الخزي.
الواحد والأربعون : قانون حرص الإنسان على إجتناب الخزي.
الثاني والأربعون : قانون بغض الناس للذي يتجاهر بفعل المعاصي ، وجواز غيبته بخصوص المعصية التي يتجاهر فيها.
الثالث والأربعون : قانون التضاد بين المؤمن والكافر يوم القيامة.
الرابع والأربعون : قانون الإمتناع عن الدعاء ظلم للنفس والغير ، فقد قال الله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]( ).
الخامس والأربعون : قانون انتفاء البرزخ بين الجنة والنار يوم القيامة.
السادس والأربعون : قانون تنجز الوعود الإلهية في القرآن ، وهو ومن أسرار سلامته من التحريف والزيادة والنقصان.
السابع والأربعون : قانون لا يقدر على خلق الأكوان إلا الله عز وجل .
الثامن والأربعون : قانون الملازمة بين إعمال العقل وبين عبادة الله .
التاسع والأربعون : ييان قانون عمل الصالحات لا يذهب سدىً .
الخمسون : قانون الترغيب بعمل الصالحات ، إذ تبعث آية البحث الناس على الإجتهاد في طاعة الله.
الواحد والخمسون : قانون الدعاء حاجة لكل إنسان في النشأتين .
الثاني والخمسون : قانون التفكر في خلق السموات والأرض مع الإقرار بأن الله عز وجل هو الخالق لها وللناس وفيه أجر وثواب .
الثالث والخمسون : قانون التفكر في بديع صنع الله ثناء على الله عز وجل .
الرابع والخمسون : قانون إحاطة الله بكل شئ علماً وإحصاءً ورحمةً ، وفي التنزيل [وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا]( ).
الخامس والخمسون : بيان قانون إكرام القرآن للمرأة .
السادس والخمسون : بيان قانون من الإرادة التكوينية وهو تنجز وعد الله ، وفي التنزيل [وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا]( ).
السابع والخمسون : قانون اللطف الشخصي والخاص والعام .
الثامن والخمسون : قانون اللطف الشخصي.
التاسع والخمسون : قانون الخلافة في الأرض ، قال تعالى [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]( )،
الستون : ورد اسم (اللطيف) سبع مرات في القرآن كلها لله عز وجل لبيان قانون لا يقدر على الإطراد في اللطف واستمراره وعمومه إلا الله عز وجل.
الواحد والستون : قانون تعدد البشارة في الآية الواحدة .
الثاني والستون : قانون من الإرادة التكوينية وهو أن الله عز وجل يستجيب للدعاء ، ويزيد عليه بأضعافه من المنن والعطايا .
الثالث والستون : قانون ترغيب الناس بالدعاء .
الرابع والستون : بيان قانون الإستجابة العامة من الله للسائلين .
الخامس والستون : قانون أعظم بشارة يتلقاها الناس في الحياة الدنيا .
السادس والستون : قانون إختصاص المؤمنين بكثرة البشارات في الحياة الدنيا هي استجابة الله الدعاء.
السابع والستون : قانون حضور البشارة في الدنيا يوم القيامة ، وهو من مصاديق قوله تعالى [وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ]( ).
الثامن والستون : قانون الترغيب بالدعاء ، وأن الإستجابة لعموم المسلمين من الأجيال المتعاقبة من آدم وإلى يوم القيامة .
التاسع والستون : تبين الآية أن ما يحدث للمؤمنين وذويهم لا يختص بقانون العلة والمعلول ، والسبب والمسبَب وحده ، بدليل الإستجابة المطلقة من الله عز وجل لدعائهم ، وقضاء حوائجهم .
السبعون :
الواحد والسبعون : بيان قانون باب الله لا يغلق ، فيلجأ الإنسان إلى الله عز وجل في حال الرخاء والشدة ، أما حال الرخاء فلاستدامته وزيادته لقوله تعالى [لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ]( )، وأما حال الشدة والضراء فلدفعها ومحوها .
الثاني والسبعون : بيان قانون من الإرادة التكوينية ، وهو الدنيا دار الإستجابة من عند الله عز وجل لأدعية المؤمنين ، وفي التنزيل [قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ]( ).
الثالث السبعون : قانون سرعة الاستجابة من الله عز وجل .
الرابع والسبعون : بيان قانون لا يحصي استجابة الله لأدعية المسلمين والمسلمات إلا الله عز وجل .
الخامس والسبعون : قانون الملازمة بين الإيمان واستجابة الدعاء .
السادس والسبعون : قانون النسبة بين الدعاء والإستجابة عموم وخصوص مطلق ، فالإستجابة أعم وأكثر .
السابع والسبعون : قانون سرعة الاستجابة في الحاجات الخاصة والعامة ، ولأمور الدين والدنيا .
الثامن والسبعون : يتجلى قانون دلالة الإستجابة على حب الله للداعي من المؤمنين.
التاسع والسبعون : قانون اجتماع الإستجابة مع فضل من الله عز وجل.
الثمانون : قانون تعدد معاني (الفاء) في الكلمة الواحدة.
الواحد والثمانون : قانون استجابة الله للدعاء لطف منه تعالى .
الثاني والثمانون : قانون الترغيب بالدعاء في أوقات مخصوصة منها عند الأذان ، ودبر الصلوات المكتوبة لصلاة الفجر وصلاة الظهر .
الثالث والثمانون : قانون ملائمة كل الأوقات للدعاء .
الرابع والثمانون : قانون الوعد العام.
الخامس والثمانون : بيان قانون الثواب العظيم على الهجرة في طاعة الله.
السادس والثمانون : قانون لزوم تعاهد سلامة الدين في طاعة الله بالهجرة .
السابع والثمانون : قانون الهجرة في سبيل الله أمان من الخزي يوم القيامة.
الثامن والثمانون : قانون استدامة العمل بأحكام الآية القرآنية بسنن العبادة والصلاح.
التاسع والثمانون : قانون الدعاء نعمة عظمى.
التسعون : بيان قانون الملازمة بين العبادة والدعاء .
الواحد والتسعون : قانون لا يقدر على استجابة الدعاء إلا الله عز وجل .
الثاني والتسعون : قانون دلالة الدعاء على التباين بين المؤمن والكافر ، إذ يسارع المؤمن للالتجاء إلى الله عز وجل بحاجاته الدنيوية والأخروية ، أما الكافر فينظر إلى ما هو أمامه مجرداً ، ويأخذه العناد والإستكبار ، وفي الآية التالية قال تعالى [لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ]( ).
الثالث والتسعون : قانون الدعاء نعمة عظمى على الفرد والجماعة .
الرابع والتسعون : قانون الدعاء كنز وثروة وتركة كريمة .
الخامس والتسعون : قانون الفوز بالإستجابة.
السادس والتسعون : قانون حفظ آيات القرآن نعمة ورحمة للناس جميعاً ، لينهلوا منه ، ويصدروا عنه .
السابع والتسعون : قانون صدق سعي المسلمين في طاعة الله .
الثامن والتسعون : قانون وقوف الناس للحساب يوم القيامة ، ليكون ذات السؤال [وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ] باباً للأجر والثواب .
التاسع والتسعون : قانون توثيق استجابة الله عز وجل لأدعية المؤمنين .
المائة : قانون تفسير القرآن بالقرآن .
الواحد بعد المائة : بيان قانون وهو الجمع بين الصفات الحسنى في القرآن خاص بالله عز وجل ومنه [اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] [إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ] فان قلت قد جمعا للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإكرامه في قوله تعالى [بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] في قوله تعالى [لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ]( ).
الثاني بعد المائة : يتجلى قانون تعقب الثواب لثناء الله عز وجل على طائفة من الناس في قوله تعالى [إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ]( ).
الثالث بعد المائة : قانون طرد اليأس من نفوس المؤمنين .
الرابع بعد المائة : قانون الترغيب بالإيمان والعمل الصالح.
الخامس بعد المائة : قانون إخوة المسلمين للنبي (ص).
السادس بعد المائة : قانون تفضيل الرجال بالقوامة ، قال تعالى [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا]( ).
من غير أن يتعارض هذا القانون مع قانون تعلق الإكرام بين الرجال والنساء بالتقوى لقوله تعالى [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ]( ).
السابع بعد المائة : قانون الإيمان الجامع المشترك بين المسلمين والمسلمات ، وأن أسباب الهداية متداخلة وكذا الأُخُوة بينهم .
الثامن بعد المائة : بيان قانون جهاد المسلمين في مرضاة الله وصبرهم على الأذى الشديد في التفريع عن قوله تعالى [لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ]( ).
التاسع بعد المائة : قانون هجرة النسوة جهاد
العاشر بعد المائة : قانون الهجرة سلام.
الحادي عشر بعد المائة : قانون الهجرة سلام محض.
الثاني عشر بعد المائة : قانون الهجرة صبر.
الثالث عشر بعد المائة : بيان قانون الهجرة جهاد في سبيل الله .
الرابع عشر بعد المائة : قانون الهجرة في مرضاة الله عمل صالح ، وفيها الآجر والثواب.
الخامس عشر بعد المائة : قانون لحوق الضرر في الآخرة بسبب التخلف عن الهجرة مع إمكانها لمن يخاف على دينه عند الإقامة بين ظهراني المشركين .
السادس عشر بعد المائة : قانون الهجرة قوة للمؤمنين لما فيها من سلامة الدين ، والإجتماع خارج مكة التي تسود فيها مفاهيم الشرك .
السابع عشر بعد المائة : قانون الهجرة في سبيل الله عمل صالح.
الثامن عشر بعد المائة : قانون تحول الأذى العام إلى أمن وعز ونصر للمؤمنين بفضل من الله عز وجل.
التاسع عشر بعد المائة : قانون حب الله باعث على العمل الصالح.
العشرون بعد المائة : قانون عدم تضييع الله عز وجل عمل الصالحات ، ومنه ذكر الله عز وجل عن قيام وقعود وفي حال الإضطجاع عند المرض ومطلقاً.
الواحد والعشرون بعد المائة : بيان قانون الثناء من الله طريق إلى الجنة.
الثاني والعشرون بعد المائة : بيان قانون حب الله باعث على العمل الصالح ، ومانع من ارتكاب السيئات.
الثالث والعشرون بعد المائة : قانون الجمع بين أداء العبادات والدعاء سعي للفوز بحب الله عز وجل للعبد.
الرابع والعشرون بعد المائة : قانون التلاوة دعاء
الخامس والعشرون بعد المائة : قانون الأذى في سبيل الله ، وأن المؤمن قد يصاب بالأذى الشديد لدخوله الإسلام وطاعته لله ورسوله وفيه الأجر والثواب.
السادس والعشرون بعد المائة : قانون الرفق والتراحم العام.
السابع والعشرون بعد المائة : قانون وموضوعية نية المسلم في الإنفاق وأنه لهداية الناس عامة.
الثامن والعشرون بعد المائة : قانون الإقرار بالنسخ.
التاسع والعشرون بعد المائة : قانون تثبيت الآية القرآنية التوحيد في الأرض.
الثلاثون بعد المائة : قانون تثبيت المسلمين في مقامات الإيمان، قال تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ]( ).
الواحد والثلاثون بعد المائة : قانون ترغيب للناس كافة إلى سبل الهداية والصلاح.
الثاني والثلاثون بعد المائة : قانون اتخاذ الدعاء مسلكاً وطريقاً مباركاً ، وفي التنزيل [قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ]( ).
الثالث والثلاثون بعد المائة : بيان قانون بشارات الأنبياء حق صدق.
الرابع والثلاثون بعد المائة : قانون الدعاء عند المصيبة.
الخامس والثلاثون بعد المائة : بيان قانون الملازمة بين إسلام أهل مكة ،ولحوقهم بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في هجرته إلى المدينة إلا مع العذر.
السادس والثلاثون بعد المائة : قانون نجاة المؤمنين من المساءلة المتعددة في القبر .
السابع والثلاثون بعد المائة : قانون المغفرة طريق إلى الجنة .
الثامن والثلاثون بعد المائة : قانون من فضل الله وهو الثواب يؤدي إلى ثواب أعظم منه.
التاسع والثلاثون بعد المائة : قانون لا يُدخل الإنسان في النار إلا الله عز وجل.
الأربعون بعد المائة : قانون انقطاع التجوال في الأرض دفعة.
الواحد والأربعون بعد المائة : قانون ملازمة الإحسان للنبوة مع تباين الحال.
الثاني والأربعون بعد المائة : بيان قانون الملازمة بين النبوة والأخلاق الحميدة.
الثالث والأربعون بعد المائة : قانون وهو لا يقدر على الثواب والجزاء بجنات النعيم إلا الله عز وجل .
الرابع والأربعون بعد المائة : قانون الحياة الدنيا مزرعة للثواب الأخروي .
الخامس والأربعون بعد المائة : قانون لا يقدر على الثواب الأخروي إلا الله عز وجل .
السادس والأربعون بعد المائة : قانون مضاعفة الحسنات أضعافاً كثيرة ، وفي الإنفاق في سبيل الله ، قال تعالى [مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ]( ).
السابع والأربعون بعد المائة : قانون الثواب العظيم في الآخرة فضل من عند الله عز وجل .
الثامن والأربعون بعد المائة : بيان قانون من الإرادة التكوينية قبل أن يخلق الله عز وجل آدم ، في سعة رحمة الله وأنها تتغشى الملائكة والخلائق ، نعم النسبة بين الرحمة والثواب عموم وخصوص مطلق ، فالرحمة أعم ، والثواب فرع الرحمة .


يوميات علمية للمرجعية الإسلامية
المرجع الصالح الطائي
إسباغ الوضوء
إسباغ الوضوء مستحب وهو إبلاغه مواضعه وإتمامه وإكماله وإعطاء كل عضو حقه، ويستحب ان يكون ماء الوضوء بمقدار مدّ، أي بمقدار ملئ الكفين معاً ، ويكره الإسراف في ماء الوضوء، وفي الصحيح عن أبي عبدالله عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أسبغ وضوءه ، وأحسن صلاته وأدى زكاة ماله، وكف غضبه وسجن لسانه، وإستغفر لذنبه، وأدى النصيحة لأهل بيت نبيه فقد استكمل حقيقة الإيمان.
العدد : 248/24 في 4/9/2024

الحمد لله الذي جعل الإنسان [فِـي الْأَرْضِ خَلِيفَةً] لتكون من معاني الخلافة إشاعة الإحسان والرفق والإخلاق الحميدة ، والإرهاب ضد لها مجتمعة ومتفرقة.
وقد تم بفضل من الله عز وجل تأليف الجزء (263) من معالم الإيمان بعنوان (التضاد بين القرآن والإرهاب) .
ونطبعه على نفقتنا الخاصة , وهو من أفضل موارد الخمس والحقوق الشرعية .
العدد : 249/24 في 5/9/2024

أفعال الوضوء
الأول : النية : وهي مركبة من الإرادة وقصد القربة ولا يشترط التلفظ بها .
الثاني : غسل الوجه: وحده من قصاص الشـعر إلى الذقن طولاً وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضاً.
الثالث : غسل اليدين: من المرفقــين إلى أطــراف الأصابع وتقديم اليد اليمنى على اليسرى وعليه الإجماع .
الرابع : مسح الرأس: يمسح الرأس بما بقي من بلة الوضوء في اليد، والأحوط ان يكون على الربع المقدم من الرأس وعلى الناصية وهي قصاص الشعر فوق الجبهة.
الخامس : مسح الرجلين: من رؤوس الأصابع إلى الكعبين وهما قبتا القدمين ، ومشهور المسلمين غسل الرجلين (وأخرج عن ابن عباس قال : الوضوء غسلتان ومسحتان)( ).
العدد : 250/24 في 6/9/2024

يتضمن الجزء (263) من معالم الإيمان الذي تم تأليفه هذه الأيام أكثر من (200) قانون وهي على قسمين :
الأول : القوانين التي ذكرت بالاسم فقط .
الثاني : القوانين التي ذكرت مع بيان وتفصيل وشواهد لها من الكتاب والسنة ، ومنها :
الأول : الإرهاب ضد لقانون الخلافة في الأرض.
الثاني : السلم الأهلي في السنة النبوية .
الثالث : قانون وجوب النهي عن الإرهاب .
الرابع : قانون الملازمة بين الاسلام والسلام .
الخامس : قانون منافاة الإرهاب لقواعد الهجرة .
السادس : قانون الرفق العام .
السابع : قانون الإرهاب ضرر خاص وعام .
الثامن : قاعدة لا ضرر ولا ضرار .
العدد : 251/24 في 7/9/2024

لقد ارتقت علوم التكنولوجيا ووسائط الإتصال الإجتماعي في هذا الزمان ارتقاءً خارقاً للتصور الذهني ، وبسرعة فائقة ، وتتوج بالذكاء الإصطناعي ، وهو من مصاديق فضل الله عز وجل باكتساب الناس للعلوم، وجعلها قريبة من الجميع ، قال تعالى [عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ].
مما يلزم الشكر لله عز وجل على هذه النعمة بتسخيرها في طاعة الله والوئام والنفع العام للناس جميعاً.
العدد : 252/24 في 8/9/2024

تبديل تسمية آية السيف طرد للإرهاب
وآية السيف هي [فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]( ).
ولم يرد لفظ السيف في القرآن ، ويتعلق موضوع الآية أعلاه بمشركي مكة وما حولها أيام التنزيل ، إذ توالى بعدها نزول آيات الأمر بالجدال والإحتجاج والعفو والصفح والإحسان للناس.
وقد انتقل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير أخذه لأهله ، وفيه شاهد على وجود أهل الكتاب في المدينة بعد نزول آية السيف وإحسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ويدل على انتفاء الأصل لتسمية آية السيف ولم تكن هذه التسمية معهودة أيام النبوة أو زمان الصحابة وأئمة أهل البيت عليهم السلام مع عنايتهم بالتفسير ، ولابد من تغيير هذه التسمية ، وتسميتها مثلاً آية (فَإِذَا انْسَلَخَ) بلحاظ تسمية الآية بأول كلماتها ، خاصة وأنه لم يرد اللفظ أعلاه في القرآن إلا في هذه الآية .
وفي هذا التغيير والتبديل إعانة في سبل الصلاح ، ونبذ للعنف ، وطرد للإرهاب ، وفيه دعوة للتسامح والتآلف بين أهل الملل ، وتغليب للغة الحوار.
العدد : 253/24 في 9/9/2024

هل يدل قوله تعالى [وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ] على أن هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأمر الله عز وجل وليس بفعل المشركين الذين أرادوا قتله في ليلة الهجرة ، الجواب نعم ، والقرآن يفسر بعضه بعضاً ، قال تعالى [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ]( ).
لقد عزموا على إخراج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مكة والحرم إلى جهة مجهولة يكون فيها قتله ، وضياع دمه ، فاختار الله عز وجل له الهجرة إلى المدينة تلك الهجرة التي غيرت تأريخ الإنسانية نحو الصلاح والإصلاح ، واستئصال الظلم والإرهاب ، ولا عبرة بالقليل النادر في زمن مخصوص.
العدد : 254/24 في 10/9/2024

إهداء الجزء (263) من معالم الإيمان
الحمد لله الذي جعل الإنسان [فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً] ومن معاني هذه الخلافة إشاعة الإحسان والرفق والسنن والأخلاق الحميدة .
وقد جعل الله عز وجل الدنيا دار الأمن والسلام ، ليكون الخوف والفزع والقتال أمراً طارئاً سرعان ما يزول , ويبقى صفحة قاتمة من صفحات التأريخ تبعث على الندامة والأسى .
وهذا الجزء من معالم الإيمان هو الجزء (263) ويختص بقانون (التضاد بين القرآن والإرهاب) والذي صدرت بخصوصه الأجزاء (184-185-188-195-198-199-203-210-211-219-235-236-238-243-244-246-252) من هذا السِفر.
ويقوم المرجع الوالد بتأليف كتبه في التفسير والفقه والأصول وتصحيحها ومراجعتها بمفرده , بفيض ومدد ولطف من عند الله عز وجل.
العدد : 255/24 في 11/9/2024

ولد الإمام الحسن العسكري عليه السلام في شهر ربيع الثاني سنة 232 هجرية .
وقد أثنى عليه أبوه الإمام علي الهادي (ع) إذ كتب إلى أبي بكر الفهفكي (أبو محمد ابني أصح آل محمد غريزة، وأوثقهم حجة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه ينتهي عرى الإمامة وأحكامها، فما كنت سائلي منه فاسأله عنه، وعنده ما تحتاج إليه) البحار 50/245.
وكانت أخلاق الإمام الحسن العسكري كأخلاق رسول الله (ص) نبيلاً فاضلاً كريماً ، وهو أعلم أهل زمانه .
وكان طويل السجدة ، وعندما سجن في سجن صالح بن وصيف قال الموكلون عليه أنه يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ولا يتكلم ، ولا يتشاغل بغير العبادة .
استشهد الإمام العسكري في اليوم الثامن من شهر ربيع الأول سنة 260 وعمره ثـماني وعشرون سنة .
العدد : 256/24 في 12/9/2024

بيانان في موضوع متحد بينهما (22) سنة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، ويُرتقى في سلم العلم والتحصيل.
ويشرع البحث الخارج لفضلاء الحوزة العلمية في الفقه ، والأصول ، والتفسير غداً السبت العاشر من ربيع الأول 1446هـ .
وأدناه نشر الصحف المحلية لبياننا ابتداء الدروس الحوزوية بعد سقوط النظام السابق ، سنة 2003ميلادية.
العدد : 257/24 في 13/9/2024

لمناسبة المولد النبوي الشريف
لقد نسبت كتب السيرة النبوية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ستاً وعشرين غزوة , وفي خبر ثـماني وعشرين غزوة ، والمختار أنه لم يغز أحداً ، إنما كان المشركون هم المعتدون الغزاة والذين يبدأون القتال ، كما في معركة بدر ، وأحد ، والخندق ، وحنين .
وقد صدرت لي والحمد لله ثـمانية وعشرون جزءً من تفسيري (معالم الإيمان) بخصوص براءة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الغزو وإن كان حاجة للصلاح ولكن معجزاته العقلية والحسية أقوى من السيف وهي الأجزاء : (164-165-166-168-169-170-171-172-174-176-177-178-180-181-182-183-187-193-194-196-204-212-216-221-229-239-256-261)
وكتبي في التفسير والفقه والأصول والكلام معروضة على موقعنا (www.marjaiaa.com).
العدد : 258/24 في 14/9/2024

لا بأس بادخال الثقافة القانونية في المناهج الدراسية لترغيب الشباب في الإطلاع على القوانين ، ومعرفة موضوعيتها وحضورها في الواقع اليومي طوعاً وقهراً وانطباقاً , والحاجة إلى قانون عدم الغفلة عن الأحكام والقوانين ، وقانون عموم التفقه والإحاطة الإجمالية بالقوانين ، وبحسب البلد والحال وبما يكفل عصمة الشباب من الميل إلى الظلم والتعدي والإرهاب .
ولابد من الوعي والفقاهة بالحاجة إلى التعايش السلمي في المجتمعات في زمان العولمة ، وإشاعة ثقافة الحوار والتفاهم بلباس الإيمان ، ونشر التعليم ومراحله ، وفتح أبواب المعرفة لعامة الناس , ومن إعجاز القرآن في المقام أن أول آية نزلت منه هي [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ].
العدد : 259/24 في 15/9/2024

من كتابنا (قَوانينُ البرزخِ) تحت التأليف
دأب المسلمون على قراءة القرآن على القبور , وتلاوة سور مخصوصة منه، لورود دليل على منفعة الميت من قراءتها وفيه أخبار عديدة .
ومن تلك السور سورة يس ،والواقعة ، وسورة الملك .
وروي عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن سورة الملك [تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] هي الواقية من عذاب القبر) ، أي تنجي وتحفظ الذي يقرأها في حياته من عذاب القبر وتنفع الميت حين تتلى على قبره .
وعن الإمام الرضا عليه السلام : إن أهل المقبرة يدعون الله أن يمر بهم المؤمن فيقرأ سورة الفاتحة فيتقاسمون ثوابها دون أن ينقص من ثواب كل واحد منهم شيء.
العدد : 260/24 في 16/9/2024

الإحسان لغة مصدر أحسن أي قام بفعل حسن وممدوح ، وضد الإساءة ، وجمعتهما كضدين آية [لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى].
وقد يكون الفعل أحسن لازماً , لقولك أحسنتُ كذا .
أو متعدياً بحرف الجر : أحسنت إلى كذا ، ويمكن تقسيم الإحسان تقسيماً مستحدثاً هنا إلى أقسام :
الأول : الإحسان إلى الذات , ومنه أداء الفرائض العبادية ، قال تعالى [وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا].
الثاني : الإحسان إلى الغير ، قال تعالى [وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ] ( ).
الثالث : الإحسان للذات والغير في الفعل المتحد ، ومنه الصبر والتحمل والقول الحسن ، قال تعالى [وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا]( ).
وكثيرة هي الآيات التي أمرت بالإحسان ، ورغّبت فيه ، وقد كانت السنة النبوية القولية والفعلية إحساناً محضاً .
(عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الخلق عيال الله ، فأحب الناس إلى الله من أحسن إلى عياله).
العدد : 261/24 في 17/9/2024

من العلوم التي استحدثتها والحمد لله في علوم القرآن باب إعجاز الآية عند تفسيرها ، ثم قسمت هذا الإعجاز إلى قسمين :
الأول : إعجاز الآية الذاتي .
الثاني : إعجاز الآية الغيري.
وكذا قسمت معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى قسمين:
الأول : المعجزات الذاتية .
الثاني : المعجزات الغيرية .
وكل من إعجاز الآية الغيري ، ومعجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الغيرية تتجدد فصول منها كل يوم .
وقد يجتمعان في مصداق واحد ، كما في هجرة طائفة من الصحابة إلى الحبشة عندما اشتد أذى كفار قريش على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم في مكة.
ومن الإعجاز في المقام أيضاً ثباتهم على الإيمان في بلاد الهجرة مع بُعدها وأهوال الطريق والبحر ، ومشاق الغربة وعددهم ثلاثة وثـمانون رجلاً وتسع عشرة امرأة ، ولم يرتد منهم إلا فرد واحد هو عبيد الله بن جحش ، ومات في الحبشة على الخمر وتزوج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعده زوجته أم حبيبة لتنال مرتبة أم المؤمنين .
العدد : 262/24 في 18/9/2024

اختلف في الخضر هل هو ملك أم بشر ، والمختار هو الثاني ، وهو حي , وهل كان نبياً أو ليس بنبي ، المختار هو الثاني , وقيل إنه نبي , وقيل مات قبل بعثة النبي محمد ص , ويقدس الخضر عند ملل أخرى أيضاً مثل النصرانية واليهودية .
وتسمية الخضر لأنه إذا صلى في مكان اخضّر ما حوله ، وقد قيل لموسى عليه السلام إنك تلقى الخضر في موضع تنسى فيه متاعك ، إذ قال يوشع لموسى [قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا]( ).
(قال ابن عباس لما اقتفى موسى أثر الحوت انتهى إلى رجل راقد وقد سجي عليه ثوبه ، فسلم عليه موسى ، فكشف ثوبه عن وجهه وردّ عليه السلام وقال : من أنت.
قال : موسى . قال صاحب بني إسرائيل ، قال : نعم .
قال : وما لك في بني إسرائيل شغل ، قال : أمرت أن آتيك وأصحبك).
العدد : 263/24 في 19/9/2024

الحمد لله الذي جعل القرآن بياناً و[تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] ومنه وجوب عبادة الله ، والتحلي بالصبر ، والإحتجاج بالقرآن والموعظة الحسنة ، والإستعداد لليوم الآخر بمصاديق التقوى.
ومع قلة كلمات الآية الكريمة [هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ]( ) فقد صدرت الأجزاء (105-106-107-108-109) من تفسيري للقرآن خاصة بكشف ذخائرها وتفسيرها.
وكل جزء منها أكثر من ثلاثـمائة صفحة والحمد لله.
العدد : 264/24 في 20/9/2024

قضاء العبادات عن الميت
يجب على الوارث متحداً أو متعدداً قضاء ما فات الميت من الصلاة والصيام وحج البيت الحرام والزكاة والخمس ، وهو من البر بالوالدين والأرحام.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فحق الله أحق بالقضاء.
وفي صحيحة حفص بن البختري عن الإمام الصادق عليه السلام (يقضي عنه أولى الناس بميراثه ، قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة ؟ فقال : لا ، إلا الرجال).
وعنه عليه السلام (يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء، ويكتب أجره للذي يفعله وللميت).
(وفي الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه).
العدد : 265/24 في 21/9/2024

(أنا ابن الذبيحين)
هذا قول للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو من ولد إسماعيل (ع) الذي أراد أبوه الرسول إبراهيم (ع) ذبحه بناء على رؤيا هي شعبة من الوحي قال تعالى [فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ].
أما الذبيح الآخر فهو أبوه عبد الله إذ نذر عبد المطلب لئن ولد له عشرة أولاد ، وبلغوا معه وصاروا يمنعونه ويذبون عنه لينحرن أحدهم ، فلما تكامل عددهم عشرة جمعهم وأخبرهم بنذره ودعاهم للوفاء به ، وأخذهم وأجرى القرعة بينهم في جوف الكعبة بالأزلام وهي أقداح كل واحد منهم له قدح عليه اسمه ، فخرجت القرعة على عبد الله , وهو أصغر ولده وأحبهم إليه .
فأخذه عبد المطلب بيده ومعه الشفرة ليذبحه ، فمنعته بنو مخزوم وأخوه أبو طالب وولده ، وقالوا لئن فعلت هذا تكون سنة .
فذهب عبد المطلب وجماعة من قريش إلى المدينة (يثرب) وفيها عرافّة اسمها سجاح لها تابع (من الجن) فقالت كم الدية عندكم قالوا عشرة من الإبل ، فقالت اقرعوا بينه وبين عشرة من الإبل ، وكلما خرجت عليه زيدوا عشرة إلى أن تخرج على الإبل فتنحر وينجو صاحبكم ، فلما بلغت مائة خرجت القرعة على الإبل فنحرت , لا يصدّ أو يمنع عنها إنسان .
ومن فضل الله عز وجل برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بطلان مثل هذا النذر ، وكذا نذر المعصية .
العدد : 266/24 في 22/9/2024

(لا تجوز تسمية الشيعة بالرافضة)
الرفض لغة هو الترك بنية وقصد ، والرافضة في الاصطلاح يطلق على الشيعة أو خصوص الإمامية منهم ، ولا أصل له عقائدياً وفقهياً وتأريخياً.
وأول ما ظهر لفظ الرافضة في ثورة زيد بن علي بن الحسين (ع) سنة 122 للهجرة ضد حكم هشام بن عبد الملك من بني أمية , إذ قال له أبو الخطاب وأصحابه : ما تقول في أبي بكر وعمر ، وكان زيد يحتاج التأييد والنصرة من الجميع فقال : لا أقول فيهما إلا خيراً ، فقالوا رفضنا صاحبنا، وقد لعن الإمام الصادق (ع) أبا الخطاب هذا وتبرء منه.
والذين قالوا هذا القول ليسوا من أصحاب الإمام جعفر الصادق (ع) الذي أوصى أصحابه عندما ثار زيد (كونوا أحلاس بيوتكم)( )، أي الزموها فلا تخرجوا على السلطان .
أما ما روي (عن أبي الجارود قال: أصم الله أذنيه كما أعمى عينيه إن لم يكن سمع أبا جعفر عليه السلام ورجل يقول: إن فلانا سمانا باسم، قال: وما ذاك الاسم ؟ قال: سمانا الرافضة، فقال أبو جعفر عليه السلام بيده إلى صدره: وأنا من الرافضة وهو مني قالها ثلاثا) فالخبر ضعيف سنداً ودلالة .
وقد تبرأ الإمام الباقر ثم الإمام الصادق عليهما السلام من أبي الجارود وما يعتقده ، وهو من الموالي , وأسس فرقة الجارودية , ومال إلى زيد بن علي ، لذا ترى الكتب الأربعة الكافي ، الإستبصار ، من لا يحضره الفقيه ، تهذيب الأحكام ، لم تذكر هذا الحديث ونحوه.
وقد نهى الإمام محمد الباقر (ع) أخاه زيد بن علي عن الخروج عندما عرض عليه زيد كتب أهل الكوفة يدعونه إليهم ، فغضب زيد وقال (ليس الامام منا من جلس في بيته، و أرخى ستره، وثبط عن الجهاد، ولكن الامام منا من منع حوزته، وجاهد في سبيل الله حق جهاده… الحديث)( ).
وقد جادل وجوه الشيعة زيداً في خروجه بأن الإمام علي عليه السلام (أكان إماماً وهو مرخ عليه ستره)( )، أي أيام خلافة أبي بكر وعمر وعثمان.
وكان الصادق عليه السلام يذيع نهي أبيه الباقر لزيد عن الخروج.
وابتدأ النهي من أيام الإمام زين العابدين (ع) عندما كان زيد صبياً فوقع على عتبة الباب فانشج وجرى الدم منه ، فقال الإمام : يا بُني اعيذك بالله أن تكون المصلوب في الكناسة ، فقال أبو حمزة الثمالي : أي كناسة : قال : كناسة الكوفة …) الحديث.
لذا فان وجوه الشيعة في الكوفة لم يخرجوا مع زيد ومن بداية ثورته ، فلا صلة لهم بتسمية الرافضة وهم جماعة أيدوه ثم انسحبوا وتخلوا عن نصرته مع تعدد أسباب هذا الإنسحاب والتخلي ، منها إنكشاف ضعف الحركة وانحصارها بمدينة الكوفة مع سعة سلطان بني أمية وتبعية الأمصار لهم ، وإغراء وتخويف السلطان للثوار.
فليس من صلة بين الشيعة وتسمية الرافضة ، وما يقال بأن هذه التسمية مدح لهم مستحدث ، ولا أصل له ، وقد ذكرت في كتابي (فلسفة الإمامة في الصحيفة السجادية) والمطبوع قبل أكثر من ثلاثين سنة (أن المراد من هذه التسمية حضّ الشيعة على الخروج على السلطان ليكون سبباً لقتلهم والتأليب عليهم).
وتبعث تسمية الرافضة الحكام على الإضرار والبطش بالشيعة ، إذ يقول أهل الكيد والمكر للحاكم : لما رفضت الشيعة حكم أبي بكر وعمر فمن باب الأولوية رفضهم لحكمك ، في دعوة للسلطان لعدم تقريب الشيعة وتوليهم المناصب , وللتضييق عليهم ونعتهم بألقاب غير مناسبة ، لذا لا يجوز إطلاق لفظ الرافضة على الشيعة والإمامية خاصة ، وقد صدر لي والحمد لله الجزء الثالث والستون بعد المائتين من تفسيري للقرآن ( معالم الإيمان )ولازلت في سورة آل عمران .
العدد : 267/24 في 23/9/2024

قصيدة العلامة الجليل السيد عبد الستار الحسني “رحمه الله”
عند قدوم المرجع الطائي من سفره سنة 2000 أي قبل (24) سنة

إلى سماحة شيخنا آية الله العظمى صاحب المؤلفات القيمة والبحوث النفيسة الفقيه المفسر الشيخ صالح الطائي دام ظله الوارف
أقدم هذه المقطوعة المتواضعة
بمناسبة عودته إلى النجف من سفره الميمون 1420 هجرية
وافى البشَـيرُ باَبـهَـجِ الأنْـبَـاءِ مُذ آب لِلنَّجف الفـقيهُ الطّائي
عَلَمُ اْلهدَاَيةِ والفَضيلَةِ وَالتّقى فخـْرُ الشّرِيعَةِ “صَاِلح” العُلَمَاِء
فَتجَلَبْبَتْ حُلَـلَ الْهَناءِ رُبوُعنا بـقدُومِ حُـجّـةِ ديـنـِنا الْـغَرّاءِ
و”معَاَلم اٌلاِيمْان” يعَـبْقُ نَشرُها بَيـْنَ الأنامِ باَعـطَـرِ الأشــذَاءِ
ذاكَ اَّلـذي وَفّى الفَقاهَة حَقَّها دَرْساً وتَحــقيقـاً بـغـَيرِ مَِـراءِ
وَجَـلاِئـلُ الآثــاِر شـاهَـدة لَهُ كالشّمسِ قَد لاحَت لَعين الراّئي
كَمْ خَطّ سِفراً باْلحَقاِئق ناطِقاً تعُلـَوّ رُتْـبَــتِـهِ عَـلى الـجـَوْزاءَ
بَهَرَت بَنِي اْلعَليا مَنَاقَـبهُ فُمَا اَغْنـاهُ عَن مَدحي وَعَن اِطرَائي
العدد : 268/24 في 24/9/2024

في حديث للإمام موسى بن جعفر (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (اختار الله من البلدان أربعة فقال عز وجل [وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ]( ) فالتين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سينين الكوفة ، وهذا البلد الامين مكة.
واختار من النساء أربعا : مريم وآسية وخديجة وفاطمة .
واختار من الأيام أربعة : يوم الجمعة ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، ويوم النحر. أنظر الخصال 1/233
العدد : 269/24 في 25/9/2024

أقوال الحكماء عند موت الإسكندر
لقد أولت الشرائع السماوية الموت واستحضاره في الذهن عناية خاصة كمدخل للصلاح والهداية ، وأولى الحكماء عناية خاصة بموضوع الموت مادة لبيان زيف زخارف الدنيا ومتاعها ضمن موازين العقل ودواعي الحكمة , إلا أنها كانت قاصرة في إعطاء المفاهيم الروحية للموت وما بعده فمثلاً عند موت الإسكندر اجتمع عند تابوته الحكماء ، وكما يفعل أطباء الابدان في هذا الزمان بالاجتماع عند جثة الميت للبحث عن سبب الوفاة ونحوه.
استثمر الحكماء تلك المناسبة وتكلموا فقال أحدهم: حركنا بسكونه.
وقال الآخر : قد كان سيفك لا يجف وكانت مراقيك لا ترام وكانت نقماتك لاتؤمن وكانت عطاياك يفرح بها، وكان ضياؤك لا ينكشف فاصبح ضوؤك قد خمد واصبحت نقماتك لاتخشى وعطاياك لاترجى ومراقيك لا تمنع وسيفك لا يقطع.
وقال آخر انظروا إلى حلم المنام كيف انـجلى وإلى ظل الغمام كيف انسلى.
وقال آخر : ما كان أحوجه إلى هذا الحلم وإلى هذا الصبر والسكون أيام حياته. وقال آخر: القدرة العظيمة التي ملأت الدنيا العريضة الطويلة طويت في ذراعين , أي في الكفن.
وقال آخر : آسر الاُسَراء أسيراً ، وقاهر الملوك مقهوراً كان بالامس مالكاً فصار اليوم هالكاً.
وولد الإسكندر المقدوني سنة 356 ق.م في مدينة بيلا المقدونية (اليونان) ومات سنة 323 ق.م وعمره 33 سنة ، في مدينة بابل في العراق تولى الحكم بعد مقتل أبيه على يد حارسه .
والإسكندر من أعظم القادة العسكريين وكان يعتمد الهجوم المفاجئ ، وخطة الحمامة ، وهو تلميذ ارسطو ، وفتح مصر والعراق والهند وفارس التي غزاها تحقيقاً لحلم والده ، ولم يهزم في معركة.
وأختلف في سبب موته وسرعان ما تفككت الممالك التي استولى عليها ، قال تعالى [وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ]( ).
وقال الإمام علي عليه السلام (غداً ترون أيامي ويكشف لكم عن سرائري ، وتعرفونني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي).
ولم يترك الإمام علي عليه السلام للحكماء وغيرهم أن يتحدثوا عند جنازته بل كفاهم هذا الحديث وهو سيد البلغاء ، عندما اصيب تكلم قبل موته بخطبة بليغة مملوءة موعظة وعبرة وتقوى ومما جاء فيها، انا بالإمس صاحبكم، وأنا اليوم عبرة لكم وغداً مفارقكم، غفر الله لي ولكم .
إلى أن قال : وانما كنت جاراً جاوركم بدني أياماً وستعقبون مني جُثَةً خلاءً ساكنة بعد حراك. وصامتة بعد نطوق ليعظكم هدوّي وصفوت اطلاقي وسكون أطرافي. فانه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع.
العدد : 270/24 في 26/9/2024

لقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (من مات فقد قامت قيامته).
لبيان بقاء باب العمل والأجر مفتوحاً واتمام مستلزمات الحساب ووضوح مقام الإنسان في الآخرة ، وفيه دلالة على بدء مراحل الحساب بالموت وانتقال الإنسان إلى العالم الآخر .
ومن فضل الله عز وجل على الناس عدم إنقطاع الرجاء والصلة مع الدنيا بعد الموت ، فقد يأتي الثواب العظيم من الأولاد والأصدقاء والأخيار بالإستغفار والدعاء له ، وإهداء الصالحات في ثوابه , وهذا يوم الجمعة فاذكروا موتاكم ليأتيكم الأجر والثواب .
العدد : 271/24 في 27/9/2024

البكاء على الميت
يقال بكى يبكي بكى وبكاء بالقصر والمد، قيل القصر مع خروج الدمع ، وقد جمع حسان بن ثابت بينه وبين النياحة فقال :
بَكَتْ عَيَني وحُقَّ لها بُكاها … وما يُغْنِي البُكاءُ ولا العَوِيلُ.
والبكاء مظهر نفساني وهو مرآة لحال الحزن الشديد عند الانسان واطلاقه العنان للتعبير عما يلم بالنفس من الجزع والاسى ، وقد ثبت في تجارب الطب القديم ودراسات الطب الحديث وجود منافع للإنسان في البكاء عند المصيبة لما فيه من التخفيف من وطأتها على النفس.
(وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِدَارِ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَظَفَرٍ – أي يوم معركة أحد – فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَبَكَى ، ثُمّ قَالَ لَكِنّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ فَلَمّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يَتَحَزّمْنَ ثُمّ يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمّ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم).
لقد بكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على شهداء أحد ، ثم ذكر مصيبته باستشهاد حمزة بن عبد المطلب لبيان أنه أيضاً فقد عمه شهيداً.
وفي مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي توفى فيه كانت فاطمة عليها السلام عنده وهي تقول (واكرباه لكربك يا أبتاه ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة ، إن النبي لا يشق عليه الجيب ، ولا يخمش عليه الوجه، ولا يدعى عليه بالويل ، ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم : تدمع العينان وقد يوجع القلب ، ولا نقول: ما يسخط الرب ، وإنا بك يا ابراهيم لمحزونون، ولو عاش إبراهيم لكان نبياً.
العدد : 272/24 في 28/9/2024

يُنظر في علم التفسير إلى قوله تعالى [إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا] بأن الصلاة أمر مفروض ، وفي أوقات محددة ، ولكن للآية دلالات ومفاهيم أخرى منها :
الأول : منافع أداء الصلاة في يومها كغفران الذنوب , وفي أيام الدنيا والآخرة .
الثاني:قانون الأجر العظيم في تعاهد أوقات الصلاة.
الثالث : المصالح المترشحة عن أداء الصلاة ومنها تهذيب النفوس وإصلاح المجتمعات ودفع المفاسد ، قال تعالى [إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ]( ).
الرابع : قانون أداء الصلاة من أبهى مصاديق طاعة الله ، والإقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
الخامس : حضور الصلاة عوناً عند الموت , وشفيعاً في عالم البرزخ ، ومواطن متعددة يوم القيامة .
و(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن لله تعالى ملكاً ينادي عند كل صلاة يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على أنفسكم فاطفئوها).
العدد : 273/24 في 29/9/2024

يحتمل قوله تعالى [إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ]( ) من جهة البشارة وجوهاً :
الأول : إنه بشارة متحدة .
الثاني : إنه بشارة بخصوص عالم الآخرة حسب نظم الآية ، ومجئ خاتمتها بعد سؤال السلامة من الخزي يوم القيامة .
الثالث : إنه بشارة في أمور الدنيا والآخرة .
والصحيح هو الأخير ، فمصاديق خاتمة الآية حاضرة في كل يوم من أيام الدنيا بما فيه النفع العظيم للناس ، ويكون حضورها أظهر في جميع مواطن الآخرة ، لذا ورد قوله تعالى بخصوص أهل الجنة [وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]( ).
ومنه الشكر لله عز وجل على تنجز وعده للمؤمنين ، وهل قولهم [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] خاص بنعم الآخرة ، أم يشمل النعم وفضل الله عز وجل في الدنيا ، الجواب هو الثاني .
خاصة وأن الدنيا مزرعة للآخرة ، والعمل الصالح فيها بتوفيق من عند الله ليكون نوع طريق إلى الخلود في النعيم ، ومنه تلاوة آية البحث في الصلاة وخارجها [وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ]( ) في الدنيا والآخرة .
ليتجلى قانون مصاحبة الوعد الإلهي وتنجزه للناس في الدنيا والآخرة.
العدد : 274/24 في 30/9/2024

بحث كلامي
من وظائف الإنسان الايمان والتصديق بالملائكة
وإيمان الناس بالملائكة على وجوه :
الأول : أنهم خلق لله مسكنهم السماء .
الثاني : خلق الله الملائكة من نور ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (خُلقت الملائكة من نور ، وخلق الجن من مارج من نار ، وخلق آدم كما وصف لكم).
الثالث : الملائكة عباد مكرمون لله عز وجل ، فهم ليسوا أولاداً أو بناتاً لله ، أو شركاء له في السماء.
الرابع : الملائكة سفراء بين الله والأنبياء ، وهو من أسباب تسميتهم ملائكة والتصديق بهم من قانون اللازم والملزوم.
الخامس :الإيمان بالملائكة مقدمة للتصديق بالوحي ونزول الكتب ، وقد رزق الله عز وجل الإنسان الخلافة في الأرض ، ولم يمنح هذه المرتبة إلى الملائكة.
وهل يدل هذا المائز على أن الأنبياء أفضل من الملائكة ، الجواب لابد من الجمع بين أوجه التفضيل للطرفين كتاباً وسنة .
السادس : خلق الملائكة سابق لخلق الإنسان لقوله تعالى [إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ].
السابع :من بديع صنع الله أن الملائكة يفعلون ما يأمرهم الله ، قال تعالى [لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] وهل فيه إقامة للحجة على الناس بأن بامكانهم التشبه بالملائكة في عمل الفرائض العبادية ومطلق الصالحات ، الجواب نعم.
الثامن : كثرة أعداد الملائكة ، ولا يحصي كثرتهم إلا الله عز وجل منتشرين في السموات ، وآفاق الكون ، ويمكن استقراء هذه الكثرة من نصوص عديدة بلحاظ الوقائع منها ما ورد (عن أبي قلابة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من خرج من بيته يطلب علما شيعه سبعون ألف ملك يستغفرون له).
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال (إن سعداً لما مات شيعه سبعون ألف ملك، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قبره فقال: ومثل سعد يضم.
فقالت أمه : هنيئا لك يا سعد وكرامة، فقال لها رسول الله: يا أم سعد لا تحتمي على الله، فقالت: يا رسول الله قد سمعناك وما تقول في سعد، فقال: إن سعدا كان في لسانه غلظ على أهله).
كما تتجلى كثرة الملائكة يوم القيامة حينما يكشف عن الأبصار ، قال تعالى [فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ].
التاسع : لا يفتر أو يتكاسل الملائكة عن التسبيح وعبادة الله.
العدد : 275/24 في 1/10/2024

قانون الملازمة بين التقوى والطمأنينة
الطمأنينة في الدنيا هي إمتلاء نفس الإنسان باليقين في التوحيد والنبوة والمعاد ، وعصمتها من الشك والريب , فتجده يتنزه عن الإقتراب من الشبهات، ويمنع نفسه من الوقوع في الفواحش والسيئات ، وإن زلت قدمه يبادر إلى ذكر الله والإستغفار , النفس تسكن لذكر الله والوعد عليه بالجنة الواسعة.
وأما الطمأنينة في الآخرة فهي الإمتناع بفضل الله عن الخوف عند الموت ، وعند سؤال منكر ونكير في القبر ، ويوم البعث والحساب وهو موضوع نزول قوله تعالى[يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً].
ولو دار الأمر في معنى الآية أعلاه بين إرادة إطمئنان النفس في الآخرة أم في الدنيا والآخرة , الجواب هو الثاني من وجوه:
الأول : أصالة الإطلاق.
الثاني : دلالة لفظ الآية أعلاه على العموم.
الثالث : سعة رحمة الله عز وجل في الدارين , والله يعطي بالأوفى والأتم.
الرابع : قانون الدنيا مزرعة للآخرة ، فالإيمان والعمل الصالح سبب للطمأنينة في النشأتين .
الخامس : في قوله تعالى (إرجعي) إشارة إلى إستدامة الإيمان قبل مغادرة الدنيا، وإستصحابه عند الرجوع إلى الله والإنتقال إلى عالم الآخرة.
و(عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل : قل اللهم إني أسألك نفساً مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك).
ويدل الحديث على نعمة النفس المطمئنة واليقين في الدنيا ، للأمن من فتنة وعذاب القبر ، وفيه دعوة لإصلاح النفس ، والتنزه عن الشك والريب والرياء والنفاق.
وكل من التقوى والطمأنينة نعمة عظمى ، وحاجة للإنسان في الدنيا ، وفي عالم القبر ، ويوم القيامة ويترشح الملازمة بينهما الصبر واليقين ، وهو أعلى مراتب الإيمان ، وهذه الملازمة من مصاديق قوله تعالى [أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ].
العدد : 276/24 في 2/10/2024

وجوب معرفة التوحيد
يجب على كل إنسان ذكراً أو أنثى الإيمان بالله عز وجل ومعرفة صفاته الثبوتية المطلقة كالقدرة والعلم والحياة والإرادة والكلام، وأنه تعالى قديم أزلي باق أبدي.
ولو معرفة إجمالية تتضمن التسليم والإقرار وتجب على المكلفين عبادة الله وحده .
ومعرفة الصفات السلبية أي ما ينفى عن الله تعالى فهو سبحانه ليس بمركب ولا جسم ولا عرض، وليس في جهة أو مكان، ولا تصح عليه اللذة والألم ، وهو سبحانه منزه عن أين ومتى وكيف ، وأنه واحد أحد لا شريك له ، وهذا الوجوب عليه إجماع علماء الإسلام.
وعن الإمام الصادق عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عيله وآله قال: إن الله تبارك وتعالى يأتي يوم القيامة بكل شئ يعبد من دونه من شمس أو قمر أو غير ذلك ، ثم يسأل كل إنسان عما كان يعبد، فيقول كل من عبد غيره: ربنا إنا كنا نعبدها لتقربنا إليك زلفى.
فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة: اذهبوا بهم وبما كانوا يعبدون إلى النار ما خلا من استثنيت).
العدد : 277/24 في 3/10/2024


[كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ]
الموت هو مغادرة الروح للجسد ، وزوال القوة الحسية ، وانعدام الحركة ، والموت ضد الحياة ، وهو أمر وجودي وليس عدمياً ، ومقدمة لدخول عالم البرزخ وأهواله وكل ما هو آت قريب.
وقد صدر والحمد لله الجزء الأول من (قوانين البرزخ) في (320) صفحة ، ويليه إن شاء الله في أسبوعين الجزء الثاني .
العدد : 278/24 في 4/10/2024

فتوى حرمة حرق المضائف
الحمد لله الذي أنعم علينا بصدور الجزء (263) من كتابي(معالم الإيمان في تفسير القرآن) في آية علمية لم يشهد لها التأريخ مثيلاً ، وأقوم بالتأليف والمراجعة والتصحيح بمفردي بمدد من عند الله عز وجل ، ونطبع أجزاءه المتتابعة على نفقتنا الخاصة والحمد لله ، مع أنه من أفضل موارد الخمس والحقوق الشرعية , وعنوان هذا الجزء هو (التضاد بين القرآن والإرهاب) فهل يلحق حرق المضائف عمداً بالإرهاب , خاصة مع ما فيه من الضرر والكدورة والنفرة والإستهجان العام .
وذكرت في هذا الجزء إنشاء المسلمين لملايين المنابر في المساجد ودور العبادة والمضائف , وحتى في البيوت ففيه تعظيم شعائر الله .
وعدد المساجد في العالم نحو ثلاثة ملايين وستمائة ألف مسجد ، وفي اندنوسيا وحدها تسعمائة ألف مسجد.
وفي كل مسجد وحسينية منبر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد لا تجد أحداً في العالم يجرأ على حرق منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أولئك الذين يحرقون المضائف عندنا ظلماً وتعدياً ، وأعلنت بعض وسائل الإعلام اليوم عن حرق ثلاثة مضائف وأشجار نخيل في إحدى نواحي مدينة الناصرية العزيزة , في نزاع بين طائفتين من عشيرة واحدة ، لذا يحرم حرق المضائف عند النزاع , خاصة وأن أسبابه في الجملة شخصية ، وفي حرق المضيف ، والإضرار به الضمان .
ومن أيام العرب في الجاهلية حرب البسوس التي استمرت نحو أربعين سنة , وأقل قول في مدتها سبع سنوات (577-571) قبل الميلاد بسبب قتل ناقة.
وجرت بين قبيلتين تغلب وبني مرة ، وفي أعداد القتلى فيها نوع مبالغة فقيل أن عددهم في أيامها مائة ألف ، ولكنها كانت أيام قتال متفرقة .
ويوم داحس والغبراء لإرادة المعارك التي وقعت بين قبيلة عبس وذيبان ، وكل منهما فرع من قبيلة غطفان.
وداحس فرس لقيس بن زهير ، والغبراء فرس لحذيفة بن بدر ، وقعت الحرب بسبب سباق بينهما واستمرت هذه الحرب نحو عشرين سنة , وحرب بعاث ، لبيان فضل الله عز وجل على العرب والمسلمين برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وانقطاع هذه الحروب ، قال تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ].
ويتصف أهل العراق بالكرم والجود فشيدوا عبر التأريخ المضائف طلباً لمرضاة الله عز وجل وإكرام الضيف ، ومرآة لكرم أهل البيت ، وفي النبي إبراهيم عليه السلام وهو من أهل العراق (ولد في أور الناصرية) نزل قوله تعالى [فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ] وفي آية أخرى [بِعِجْلٍ حَنِيذٍ] أي نضيج مشوي بالحجارة وسخونة الحصى ، إذ دخل عليه أربعة من الملائكة , وكان يظن أنهم من البشر ولكنه استغرب فلم تكن عليهم مظاهر السفر وعنائه ، وقام بخدمتهم بنفسه وزوجته سارة معه ، وكذا خدمة الضيوف في مضائف أهل العراق إلى يومنا هذا .
وتجلت هذه الخصلة الحميدة بأبهى صورها في فتح المضائف لزوار الحسين عليه السلام ، ويتجلى قانون المضائف مرآة لكرم أهل البيت , وقانون المضائف تعاهد للخلق الحميد ، ورجاء للثواب والأجر .
والمضيف محل لأداء الصلاة جماعة وفرادا ، ومناسبة لإجتماع الناس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحلّ الخصومات .
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه الله من ثلاث جنان.
وفي حديث للإمام الصادق عليه السلام أنه إذا دخل الضيف (منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك) أي تمحى هذه الذنوب ، وفي التنزيل [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ].
ومن عادة أهل العراق أنه في كل مضيف منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للخطابة والوعظ وإحياء مصيبة كربلاء .
ولا تختص المضائف في العراق بالقرى ، فلها أولوية في تخطيط وبناء المساكن في المدن مع العناية الخاصة المتصلة بها , وإن صارت في الغالب جزء من بناء الدار إلا أنها في مقدمته بينما المضائف في القرى مستقلة شامخة , وتبنى من القصب أو الطابوق .
وقد كان للمرحوم والدي مضيف في محاذاة شارع الحبوبي في الناصرية ومجاور لجامع الشيخ حسن الخويبراوي ، يرن فيه هاون القهوة عصراً أمارة على استقبال الضيوف .
ويبيت فيه بعض خطباء المنبر الحسيني القادمين من النجف الأشرف للتوجه إلى الأطراف والقرى.
ويجب أن تكون المضائف بمعزل عن الخصومات ، وأجنبية عنها لحرمتها الخاصة .
كما أدعو الخطباء والعشائر العراقية ووسائل الإعلام للتنبيه على حرمة حرق المضائف .
وهل تحضر المضائف يوم القيامة للشهادة ، الجواب نعم , فانها تشهد لمن صلى وتلا القرآن ومن عظّم شعائر الله فيها , واحيى واقعة الطف للموعظة والصلاح فيها ، وهل تشهد المضائف يومئذ على الذي قام بحرقها ، وحرق المنابر وشواهد الضيافة والذكر ، المختار نعم ، وبالمناسبة صدر لي هذا اليوم والحمد لله الجزء الأول من (قوانين البرزخ) لبيان جانب من أهوال الآخرة ، قال تعالى [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ].
العدد : 279/24 في 5/10/2024

كتاب الوقف
الوقف هو تحبيس العين وتسبيل المنفعة أي عدم جواز نقل ملكيته مــع اباحــة المنفــعـة على نحو الدوام للجهة الموقوف عليها كما لو كانت داراً فتبقى وقفاً ولكن منفعتها سكناً وايجاراً تكون للموقوف عليهم.
وعن النبي محمد( ص): إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله الا من ثلاثة الا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ، والوقف أحد أهم مصاديق الصدقة الجارية.
يشترط في الوقف أمور منها :
الأول: الصيغة وهي كل ما دل على انشاء المعنى المذكور مثل (وقّفت) الذي لا يحتاج الى قرينة، أو حبست وسبلت بل وتصدقت اذا اقرن به بعض ما يدل على ارادة المعنى المقصود كقوله صدقة مؤبدة لا تباع ولا توهب ونحوه قوله: جعلت أرضي أو داري أو بستاني موقوفة او محبسة او مسبلة على كذا، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الوقف : حبس الأصل وسبل الثمرة”.
(مسألة 1) العربية او صيغة الماضي ليست شرطاً في الوقف وتكفي فيه الجملة الإسمية كقوله هذا وقف أو هذه أرضي موقوفة أو محبسة او مسبلة ونحوها مما يفيد الوقف ويدل عليه.
(مسألة 2) لابد في وقف المسجد من قصد عنوان المسجدية، نعم يكفي القصد الإجمالي الإرتكازي ولو لم يكن تفصيلياً فلو خصص مكاناً لصلاة المصلين لا يصبح بذلك مسجداً وان تعارف عند الناس حالته، كما لو وقف موضعاً في محل استقبال الضيوف لصلاتهم وتنسكهم، وفي وقف المسجد الظاهر كفاية قوله جعلته مسجداً وان لم يذكر لفظ الوقف صريحاً في صيغته نعم الأحوط اجراء الصيغة بانه يقول: وقفت هذا المكان او البناء مسجداً او على ان يكون مسجداً.
(مسألة 3) الوقف عقد لازم ولا يجوز الرجوع فيه ويجب فيه التنجيز وترتيب أثره عليه حال وقوعه، نعم لا يشترط في الانتفاع بالعين الموقوفة ان يكون في الحال، بل تكفي القوة والمتوقع كالأرض التي يشيد عليها البناء تدريجياً، وكالحيوان الصغير.
(مسألة 4) الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد والحسينيات والدور الخيرية والمقابر والشوارع والقناطر والأشجار المغروسة لإنتفاع المارة بظلها او ثـمرها، وكذا الفــرشة والقناديل واجهزة التبريد والتدفئة ونحوها للمساجد والمشاهد والحسينيات وبالجملة ما كان محبساً على مصــلحة عامة .
(مسألة 5) يجوز التوكيل في الوقف كباقي العقود والإيقاعات، وهل تجري فيه الفضولية فيه قولان الظاهر جريانها، فلو وقع الوقف فضولاً يكتفي بالإجازة من المالك والأحوط تجدد الصيغة.
لا يشترط قصد القربة في الوقف ولكنه الأحوط خصوصاً وان الثواب يتوقف عليه، وفي الغنية والسرائر أدعي الإجماع على اشتراط القربة، ولم يثبت بل نسب الى الأكثر عدم الاشتراط.
(مسألة 11) يكفي في وقف المسجد ايقاعه والصلاة فيه كمصداق خارجــي للوقف وقيــل يتحقق القبض بقبض المتولي او الحاكم الشرعي.
العدد : 280/24 في 6/10/2024

ترجمة مختصرة لرجال كل حديث
ينقسم علم الحديث إلى قسمين :
الأول : علم الحديث رواية : وهو الذي يتعلق بمتن الحديث الذي أضيف وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام ، وضبط الحديث وتحرير ألفاظه .
الثاني : علم الحديث دراية : وهو العلم بالقواعد الخاصة بأحوال وشروط ووثاقة رجال السند ، وحقيقة الرواية ، وهل هي من الصحيح أم الحسن أم الموثق أم الضعيف ، ومرتبة الحديث بأضعف رجاله .
وعدد الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتب المسلمين أكثر من ثلاثين ألف حديث بعد حذف المكرر .
وأدعو إلى التحقيق دراية في رجال سند كل حديث على نحو الإختصار كما في الأحاديث الواردة في وسائل الشيعة.
فيكون التعريف بالهامش بكل واحد منهم هل هو ثقة ثقة ، أم ثقة ، أم حسن ممدوح ، أم ضعيف ، أم أن الحديث مرسل أو موقوف حسب كتب الرجال ، وكذا التعريف برجال صحيح مسلم وصحيح البخاري , كل حسب مذهبه , ومن غير جرح وتعريض .
العدد : 281/24 في 7/10/2024

من مصاديق الصراط
وفي معنى الصراط ذكرت وجوه ومصاديق :
الأول : أنه كتاب الله، وهو المروي عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعن الإمام علي عليه السلام وعبد الله بن مسعود، وبالإسناد عن الحارث الأعور عن الأمام علي بن ابي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الصراط المستقيم كتاب الله.
الثاني : الإسلام، وهو المروي عن جابر وابن عباس.
الثالث : دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره، وهو المروي عن محمد بن الإمام علي.
الرابع : سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومنهاجه واهل بيته على جادة الحق والشريعة ، وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام في الآية انه قال: صراط محمد واهل بيته”.
الخامس : حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومودة اهل بيته التي وردت بنص القرآن الكريم فهي سبيل هداية وطريق فلاح وتمسكاً بعرى الإيمان، لذا ورد عن ابن عباس في الآية قوله : قولوا معاشر العباد ارشدنا الى حب محمد واهل بيته.
السادس : نهج الأنبياء والمرسلين الذين حملوا راية التوحيــد وتغشاهم الله عز وجل بنعمة الهداية والإيمان.
السابع : ورد عن الإمام علي عليه السلام في تفسير قوله تعالى [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] أدم لنا توفيقك الذي به اطعناك في ما مضى من أيامنا حتى نطيعك ايضاً في مستقبل اعمارنا لتكون العبادة متصلة وتستوعب الحياة الدنيا.
الثامن : في العيون ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في تفسير الآية وما فيها من مضامين الدعاء قال: “يعني ارشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك والمبلغ إلى جنتك والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب أو أن نأخذ بآرائنا ونهلك”.
التاسع : إنه الطريق الحق.
العاشر : عن الإمام الصادق عليه السلام : إنه الطريق إلى معرفة الله عز وجل.
الحادي عشر : جسر ممدود على جهنم يعبر المؤمنون عليه بسرعة وأمان وعن عبد الله بن مسعود قال: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: آخر من يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط مرة، ويكبو أخرى ، ويمشي مرة ويحبو أخرى، وتصفعه النار مرة فإذا جاوزها التفت إليها فقال: الحمد لله الذي نـجاني منك لقد أعطاني شيئا لم يعطه أحد من الأولين، ولن يعطيه أحدا من الآخرين) وعن عبد الله بن مسعود قال: الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطائفة الأولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود الإبل والبهائم، ثم يمرون والملائكة تقول: رب سلم سلم).
الثاني عشر : وعنه أيضاً : أن الصراط المستقيم في الدنيا ما قصر عن الغلو وأرتفع عن التقصير واستقام، وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنة.
العدد : 282/24 في 8/10/2024

ينشر في شبكات التواصل الإجتماعي قول ينسب إلى الإمام علي عليه السلام وهو (إذا استمر الظالم في ظلمه فاعلم أن نهايته محتومة ، وإذا استمر المظلوم في مقاومته فاعلم أن نصره محسوم بإذن الله )
ولا أصل أو إسناد لهذا القول في كتب المسلمين كافة .
كما أنه يتخلف بمراتب عن لغة وبلاغة الإمام علي عليه السلام وأهل البيت الذين هم ترجمان القرآن .
نعم هو من المعاني المستقرأة من الكتاب والسنة وشواهد التأريخ .
قال تعالى [لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ] وقال تعالى [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ]
العدد : 283/24 في 9/10/2024

فقد النبي (ص) المصيبة العظمى
قال تعالى[وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ] .
يكثر القرآن من التذكير بالموت , لدعوة الناس للإستعداد له , ومن ضروب التهيء للموت التقوى وإجتناب التعدي .
لقد ورد قوله تعالى أعلاه منعا للغلو بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومواساة متقدمة للمسلمين على وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليكون أول من نعاه ورثاه هو الله عز وجل ، وفيها دعوة لمنع الإرتداد عند فقده , إذ تفضل الله وأخبر المسلمين بموته قبل أن يغادر الدنيا.
لتفتقد برحيله إلى الرفيق الأعلى فيوضات منها :
الأول : التنزيل ، إذ ينقطع نزول آيات القرآن إلى يوم القيامة ، وليس من كتاب آخر غير القرآن ينزل بعده فهو خاتم الكتب السماوية .
الثاني : إنقطاع الوحي ، فلا ينزل الملك بقصد وحي النبوة ، وبين الوحي والقرآن عموم وخصوص مطلق , فكل قرآن هو وحي وليس العكس .
لقد كانت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبباَ للحزن المركب والأسى .
الثالث : فقد شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , والحرمان من طلعته البهية , وارتقائه المنبر , وإمامته للجماعة ومن سؤاله .
الرابع : فوات نعمة إستغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم للناس , قال تعالى [وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ].
الخامس : انقطاع الحديث النبوي , والسنة النبوية القولية والفعلية , والتي هي المصدر الثاني للتشريع , ومن الوحي , قال تعالى [وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى]
العدد : 284/24 في 10/10/2024


ردود كريمة على بعض الأجزاء الأخيرة من هذا السِفر المبارك
1- خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز/ ملك المملكة العربية السعودية “حفظه الله”
2- صاحب السمو رئيس وزراء دولة الكويت.
3- صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض
4- صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة .
5- صاحب السمو الشيخ وزير خارجية مملكة البحرين.
6- الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي.
7- الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي.
8- سماحة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.
9- سماحة العلامة الشيخ أ.د مفتي جمهورية مصر العربية.
10- سيادة مستشار الأمن القومي .
11- سماحة العلامة المفتي العام لسلطنة عمان .
12- المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة/ إيسيكو
13- الأمين العام لإتحاد المؤرخين العرب.
14- سعادة أ.د. مدير جامعة الملك فيصل/ المملكة العربية السعودية
15- سعادة أ.د. مدير جامعة كردفان/ الجمهورية السودانية.
16- سعادة أ.د. مدير الجامعة الاسلامية/ المدينة المنورة .
17- سعادة أ.د. رئيس الجامعة العراقية /العراق .
18- سعادة أ.د. رئيس جامعة جدارا/ الأردن.
19- سعادة أ.د. رئيس جامعة القادسية / العراق.
20- سعادة أ.د. مدير جامعة الأمير عبد القادر/ الجزائر.
21- سعادة أ.د. رئيس جامعة سومر/ العراق

فضيلة الشيخ / صالح الطائي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:ــ
تلقينا خطابكم رقم 224 وتأريخ 4/5/1430هــ .. ومشفوعه نسخة من كتابكم (معالم الإيمان في تفسير القرآن) الجزء(67).
نشكركم على هذا الإهداء متمنين لكم دوام التوفيق.. ولكم تحياتنا. ،،،

سماحة الأخ الكريم الشيخ/ صالح الطائي المحترم
أستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق

تحية طيبة وبعد…
تلقينا مع الشكر تهنئتكم الكريمة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، مع إهدائكم الطيب من الجزء الحادي والخمسين من تفسير “معالم الإيمان” والذي تناولتم فيه تفسير قوله تعالى [كنتم خير أمة أخرجت للناس] الآية 110 من سورة آل عمران.
ويسرنا ان نعرب لكم عن خالص تقديرنا لمبادرتكم الكريمة، مشيدين بجهودكم الطيبة التي تبذلونها لخدمة الإسلام، وإيضاح معاني الكتاب الشريف، آملين ان تسهموا بهذا العمل الصادق في تقريب المقاصد الربانية للآيات بما يعود بالخير على أمتنا الإسلامية.
نكرر الشكر، آملين لكم دوام التوفيق والسداد في خدمة كتاب الله، وان يحفظ أمتنا العربية والإسلامية، ويجمع كلمة المسلمين ويوحدهم لما فيه خيرهم.
مع أطيب التمنيات.

فضيلة الشيخ/ صالح الطائي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
تلقينا خطابكم رقم 455 في تأريخ19/5/2012م ومشفوعة بنسخة من كتاب الجزء الثاني والتسعين من التفسير من القسم الثاني من تفسير الآية(135) من سورة (آل عمران).
نشكركم على هذا الإهداء متمنين لكم دوام التوفيق. ولكم تحياتنا.,,,

سعادة الشيخ صالح الطائي المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إشارة إلى خطابكم رقم 781/16 وتأريخ 18/2/2016م والمرفق به الجزء الثامن والعشرون بعد المائة من (معالم الإيمان في تفسير القرآن).
نشكركم على ذلك متمنين التوفيق للجميع، ولكم تحياتنا. والسلام عليكم.

23 نوفمبر 2016

فضيلة الشيخ محمد الشيخ صالح الطائي المحترم

مدير مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطائي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
تسلمت بجزيل الشكر نسخة من الجزء الأربعين بعد المائة من تفسيركم المستنير وتدبركم الحكيم في الآية القرآنية الكريمة [وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ] مقدراً ما بذلتموه من جهد كبير وما استنبطتموه من مسائل وقوانين تفيد كافة المسلمين ، مقدراً جهودكم الدينية والتوعوية الملموسة والدؤوبة، سائلاً الله تعالى لكم موفور الصحة والعافية ودوام التوفيق والسداد.

وتفضلوا بقبول فائق تحياتي.

سماحة المرجع الديني الشيخ صالح الطائي حفظه الله ورعاه
صاحب أحسن تفسير للقرآن الكريم
أستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…وبعد,
فقد تسلمنا بيد الشكر والتقدير نسخة من كتاب”معالم الإيمان في تفسير القرآن” الجزء التسعون-الآية 134 من سورة آل عمران، والذي تفضلتم بإهدائه إلى معالي البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلي، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، ويشرفنا أن نتقدم إليكم بجزيل شكرنا على جهودكم المتواصلة لتفسير أي الذكر الحكيم، فجزاكم الله عنا خير الجزاء وبارك فيكم وفيما تقومون به من جهد مبارك خدمة للإسلام والمسلمين.
وتفضلوا بقبول وافر الشكر والتقدير.

فضيلة الشيخ الجليل/صالح الطائي المحترم
المرجع الديني _ أستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق.
المنامة- مملكة البحرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بوافر التقدير، تلقينا إهداؤكم الكريم نسخة من الجزء السابع والأربعين من تفسير “معالم الإيمان في تفسير القرآن”.
يطيب لي، بهذه المناسبة، أن أعرب لفضيلتكم عن التقدير والثناء على جهودكم العلمية الحثيثة، وإسهاماتكم الموفقة من خلال تعاهدكم كتاب الله العزيز، وحبله المتين، الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم.
شاكراً تفضلكم بالإهداء القيم، ومشهداً، على نحو خاص، بما تشتمل عليه إصدارات أجزاء التفسير من البحث العميق والاستقراء الشامل والاستنباط الدقيق الذي يجسد حقيقة الإعجاز الذي تناولتموه فضيلتكم بعمق وشمولية، ويسند ذلك ما توافر لكم من العلم الغزير والفقه المتمكن والمرجعية العريقة.
بارك الله جهودكم، وأمدكم بعونه وتوفيقه، وكتب لكم المثوبة والأجر، وجزاكم خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين.
وتفضلوا فضيلتكم بقبول وافر التقدير والاحترام.

السيد صاحب الفضيلة المرجع الديني الشيخ/صالح الطائي
أستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد،…..
فلقد تلقيت بحمد الله رسالتكم الرقيقة وبها الجزء الحادي والخمسون في تفسير آية واحدة من سورة آل عمران من القرآن الكريم.
نتضرع إلى الله العلي القدير أن يلهمكم العلم النافع وان يجعله في ميزان حسناتكم.
وشكر الله لكم حسن عملكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المرجع الديني الشيخ/صالح الطائي
صاحب أحسن تفسير للقرآن وأستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…وبعد،
فإنه ليسعدني أن أتقدم لسيادتكم بخالص الشكر والتقدير والإحترام على تفضلكم بإهدائنا نسخة من من الجزء الثاني والثمانين.
وأتمنى من الله أن يديم عليكم نعمة الصحة والعافية وأن يسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه وان يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
شاكرين لكم، ولكم تحياتي

السلام عليك عليكم ورحمة الله وبركاته
ببالغ الإمتنان والغبطة تلقينا هديتكم الكريمة (الجزء السادس عشر بعد المائتين ) من التفسير المبارك شاكرين حسن معالجتكم لهذا الموضوع المهم ونشد على عضدكم لتقدموا للأمة كل ما ينفعهم وينير بصيرتهم ويجلي الرين عن قلوبهم ليفهموا كتاب الله كما أراد سبحانه أن يفهموه ويعملوا بأحكامه ليكون لهم في الدنيا , مرشداً وفي الآخرة شفيعاً . ونضع أنفسنا وامكاناتنا لخدمة هذا المجهود المبارك سائلين المولى القدير أن يوفقكم لكل خير .

المرجع الديني الشيخ صالح الطائي المحترم

تحية طيبة

تلقينا ببالغ الاعتزاز اهداءكم القيم (الجزء (223) من تفسيركم للقرآن خاصاً بالآية (188) من سورة آل عمران.
نقدم شكرنا وتقديرنا مع وافر التقدير .

فضيلة الشيخ العلامة صالــــح الطـــــــــائي المحترم
مكتب المرجع الديني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…وبعد:
فبيد الشكر والتقدير تلقيت خطابكم المؤرخ في 2/11/2010م المرفق به هديتكم المباركة كتاب تفسير القرآن الجزء الثمانون .
شاكراً لكم تواصلكم الدائم معنا، والله يوفقكم لما فيه الخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،

فضيلة الشيخ صالح الطائي
المرجع الديني
وأستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق
المنامة – مملكة البحرين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
فإنه ليسعدني أن أتقدم لفضيلتكم بخالص الشكر على تفضلكم بإهدائنا الجزء الرابع والخمسين بعد المائتين من تفسيركم ” معالم الإيمـان”.
وإذ نقدر جهودكم العلمية المتواصلة في خدمة كتاب الله وتفسيره ، أرجو أن تتفضلوا فضيلتكم بقبول فائق التقدير وبالغ الاحترام .

إلى/ سماحة المرجع الديني للمسلمين الشيخ صالح الطائي المحترم
صاحب أحسن تفسير للقرآن
أستاذ الفقه والأصول والتفسير والأخلاق
م/شكر وتقدير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
وأسأل الله تعالى ان يوفقكم ويحفظكم ويرعاكم انه سميعّ مجيب الدعاء.
عزيزي سماحة الشيخ المحترم :
تسلمت بمزيد من الفخر والاعتزاز الجزء (الواحد والعشرين بعد المائتين) من موسوعة (معالم الإيمان في تفسيرالقرآن) وهو الجزء الخاص بقانون (النزاع المسلح بين القرآن والإرهاب) التي تدلل على ما حباكم الله تعالى به من رعاية ربانية علمية في انجاز هذا العمل العلمي الكبير ، وهو أول عمل علمي في العالم الإسلامي بهذا الحجم وبهذا العمق وبهذا المنهج ، وأسأل الله تعالى أن يديم عليكم نعمة العافية والستر والتوفيق والسداد من أجل تقديم المزيد من العطاء الفكري والعلمي في هذا التخصص النادر ، والله يحفظكم ويرعاكم بعين حفظه ورعايته إنه سميعّ مجيب الدعاء.
أكرر شكري وتقديري وامتناني العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فضيلة الشيخ/ مدير مكتب المرجع الديني للشيخ صالح الطائي الموقر
ص.ب -21168 – المنامة – مملكة البحرين

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد
تلقيت بكل الثناء والتقدير خطاب فضيلتكم رقم 2420/16 وتأريخ 16/10/2016م المرفق طيه نسخة من كتاب بعنوان “معالم الإيمان في تفسير القرآن ” الجزء الأربعون بعد المائة.
أشكر فضيلتكم جزيل الشكر على إهتمامكم بتزويد إدارة الجامعة بهذه النسخة القيمة، وستحال إلى مكتبة الجامعة للإطلاع عليها والاستفادة منها، سائلاً المولى جلت قدرته للجميع التوفيق والسداد.
وتقبلوا خالص تحياتي وتقديري،،،

السادة/ مكتب المرجع الديني
الشيخ صالح الطائي
صاحب أحسن تفسير للقرآن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تهديكم جامعة كردفان أطيب التحايا، مقرونةً بأحر التهاني وأبهى التبريكات بمناسبة عيد الفطر المبارك ، أعاده الله علينا وعليكم والأمة المسلمة بالخير واليمن والبركات، وعطفاً على خطابكم الصادر بتأريخ 20/5/2016 بالرقم 1857/16، والمرسل معد إصدار الجزء الثاني والثلاثون بعد المائة من(معالم الإيمان في تفسير القرآن) فإن الواجب يقتضي أن نزجى لكم وافر الشكر وفائق التقدير على هذا المدد والفيض العميم من العلم القرآني النافع، ترسيخاً لمعاني التدبر، وتحريكاً لملكة العقل من الجمود، فهى المعرفة ذات الحدود الواسعة، لإكتشاف مكنونات عظمة هذا القرآن ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تعظيماً لقدرة الله جل وعلا والإعتراف له بالوحدانيه، وهذا ما يقوم به مكتب المرجع الديني لخدمة الإسلام والمسلمين عبر مؤسساتهم الأكاديمية والعلمية والبحثية، وختاماً لا يسعنا إلا أن نقول جزاكم الله خيراً وأن يتقبل منكم هذا العمل المبارك، وكل عام وأنتم بخير .
وتفضلوا بقبول فائق عبارات التقدير والإحترام

معالي الشيخ/ صالح الطائي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، وبعد

فأسال الله لمعاليكم العون والتوفيق، ويسرني إفادتكم بأني تلقيت بكل تقدير وإمتنان إهداءكم للجامعة نسخة من الجزء التاسع بعد المائة من(معالم الإيمان في تفسير القرآن).
وإنني إذ أتقدم لمعاليكم بخالص الشكر والعرفان على هذا الإهداء، لأدعو الله العلي القدير أن يمدكم بعونه وتوفيقه، وأن يسدد خطاكم ويكلل أعمالكم بالنجاح إنه سميع مجيب يحفظكم الله ويرعاكم.
ولكم تحياتي وتقديري
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المرجع الديني الشيخ صالح الطائي المحترم
صاحب أحسن تفسير للقرآن
تحية طيبة…
نشكر مبادرتكم الطيبة بإهدائكم لنا نسخة من كتابكم الموسوم الجزء الثلاثون بعد المائة من(معالم الإيمان في تفسير القرآن) سائلين الباري عز وجل أن يوفقكم في مسيرتكم العلمية والعملية خدمة لبلدنا العزيز.
ومن الله التوفيق…

سيادة الأخ الشيخ صالح الطائي المحترم
صاحب أحسن تفسير للقرآن الكريم
وأستاذ الفقه والأصول والأخلاق
بكل فخر وإعتزاز تلقيت رسالتكم الموقرة التي تحمل العدد (532) تأريخ 26/5/2012م، ومرفقها الجزء التسعون من التفسير في الآية(133) من سورة آل عمران.
وانني إذ أشكركم جزيل الشكر وعظيم الإمتنان على اهدائكم هذا، سائلاً المولى عز وجل أن يديم عليكم نعمة الصحة والعافية، وأن يجعلكم سنداً وذخراً للأمة الأسلامية متمنياً لكم كل التقدم والإزدهار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إلى / مكتب المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ صالح الطائي المحترم
صاحب أحسن تفسير للقرآن
م/شكر على اهداء

تحية طيبة …
تسلمنا ببالغ الشكر والتقدير الجزء السابع بعد المائة من التفسير وهو القسم الأول من تفسير(أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس) شاكرين لكم اهداءكم متمنين لكم مزيداً من الإرتقاء والأزدهار والتطور.
…مع التقدير

إلى السيد المحترم/الشيخ صالح الطائي
صاحب أحسن تفسير للقرآن
مكتب المرجع الديني

شكر وتقدير
تحية طيبة وبعد :
تلقينا نحن أ.د/ عبدالله بو خلخال مدير جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة، هديتكم القيمة المتمثلة في كتاب(معالم الإيمان في تفسير القرآن) الجزء الثالث عشر بعد المائة.
وإذ نعبر لكم عن شكرنا على هذه الإلتفاتة الكريمة، نهديكم نحن بدورنا نسخة من مجلة الجامعة العدد 33 ونسخة من نشرية أخبار الجامعة.

تقبلوا فائق الإحترام والتقدير.

مكتب المرجع الديني الشيخ صالح الطائي
صاحب أحسن تفسير للقرآن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تلقينا إهداءكم لنا نسخة من الجزء الخامس والخمسين بعد المائة من “معالم الإيمان في تفسير القرآن” لا يسعنا إلا أن نتقدم لشخصكم الكريم بالشكر الجزيل متمنين لكم دوام الصحة والعافية، وأن يجعلكم سنداً وذخراً للأمة الإسلامية متمنياً لكم كل التقدير والإزدهار.

الفهرس
الصفحة الموضوع الصفحة الموضوع
3 المقدمة 46 خصال أولي الألباب
8 الآية 193 48 نعمة التفكر
8 الإعراب واللغة 51 قانون التفكر إقرار
10 في سياق الآيات 52 مسألتان
10 الوجه الأول : صلة آية البحث بالآية السابقة [رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ 40 قانون الآيات الكونية تعضيد للنبوة
21 قراءة في الآية السابقة 58 النسبة بين النجم والكوكب
24 دروس من الآية السابقة 60 معجزة سرعة الضوء
26 قانون مصاحبة الخزي للكفر 61 تعاقب الليل والنهار
27 قانون تبرأ المسلمين من الظالمين 64 قانون كل اكتشاف في الفضاء آية لأولي الألباب
29 تقدير الجمع بين خاتمة الآية السابقة مع آية البحث 65 معنى الألباب
31 الوجه الثاني : صلة آية البحث بالآية قبل السابقة [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ِ 66 الوجه الثالث : صلة آية البحث بقوله تعالى [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
45 تقدير الجمع بين الآيتين 71 رفع السماء بغير عمد

الفهرس
الصفحة الموضوع الصفحة الموضوع
73 الوجه الرابع : صلة آية البحث بقوله تعالى [وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 109 الصلة بين أول وآخر الآية
79 إعجاز صلة الآية بآيات القرآن الأخرى 117 من غايات الآية
81 أجزاء الصلة بين الآيات 120 التفسير قوله تعالى [رَبَّنَا]
82 إعجاز الآية الذاتي 122 بداية الآية (ربنا)
85 إعجاز الآية الغيري 124 بحث نحوي / وجوه النداء
87 الآية سلاح 126 دلالات تعدد النداء [رَبَّنَا]
88 مفهوم الآية 128 قانون نداء (ربنا) شهادة الإيمان
90 إفاضات الآية 130 قانون المسلمون ينادون للإيمان
94 الآية لطف 131 قانون تعاهد الإيمان
97 تقدير اللطف في آية البحث 132 المنافع اليومية لآيات القرآن
99 الآية بشارة 133 قانون النداء للإيمان دائم ومتصل
101 الآية إنذار 135 الدنيا دار النداء السماوي
102 آية البحث شكر لله 136 أركان النداء في آية البحث
104 الخطاب إلى النبي (ص) في القرآن 138 بحث عرفاني


الفهرس
الصفحة الموضوع الصفحة الموضوع
139 قوله تعالى [إِنَّنَا سَمِعْنَا] 172 النسبة بين النداء والدعوة إلى الإيمان
141 قانون دلالة زيادة المبنى على زيادة المعنى 173 إنتفاء موضوع الجزية هذا الزمان
144 تقدير [إِنَّنَا سَمِعْنَا] 174 النسبة المنطقية بين الآخرة ويوم القيامة
145 عموم النداء الرسالي 175 تخصيص الكتاب بخبر الواحد
153 معجزة [سَمِعْنَا] 177 العام القرآني
155 قانون التكامل بين حواس الإنسان 178 العام الذي يراد منه الخصوص
156 علم المناسبة 183 المطلق والمقيد
159 قوله تعالى [مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ] 186 فتوى في خبر الواحد
160 مَن المنادي 187 هل خبر الواحد حجة
163 قانون نفي [سَمِعْنَا مُنَادِيًا] لنسخ آيات السلم 187 المعجزات الجامعة للأنبياء
165 قانون النداء للإيمان عام 193 آية البحث من آيات السلم
166 علم المناسبة 197 قانون اقتران النبوة بالمعجزة
168 أيهما اكثر نداءات الدنيا ، أم يوم التناد 202 قانون من الإيمان حرمة الإعتداء
170 بحث بلاغي 204 خطبة حجة الوداع سلام وصلاح

الفهرس
الصفحة الموضوع الصفحة الموضوع
209 قانون سماع أجيال المسلمين لخطبة الوداع 244 عدد أصحاب موسى عليه السلام
210 رؤيا يوحنا عن نهاية العالم 249 سؤال العفو والهداية
212 الجملة الخبرية والإنشائية 250 بين الذكر والإستغفار
215 قانون اتصال الرزق 252 قانون عدم التعارض بين المناجاة وطلب الرزق
217 أسماء النبي محمد (ص) 253 قوله تعالى [أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا]
218 قانون كثرة أسماء النبي محمد (ص) إكرام له 256 خصال المسلمين الحميدة
223 اسم (عبد الله) للنبي محمد (ص) 258 علوم مستحدثة في هذا السِفر
224 أسماء النبي محمد (ص) في السنة النبوية 259 قوله تعالى [رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا]
226 الجمع بين اسم وكنية النبي محمد (ص) 260 فكاك أسرى بدر بالتعليم
228 دعاء الأنبياء توطئة لبعثة النبي محمد (ص) 266 لفظ (مالك) في القرآن
230 قانون المعجزة توليدية 269 قوله تعالى [وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا]
231 قانون ذخائر القرآن غير المستخرجة هي الأكثر 270 قانون الثناء على المؤمنين
232 علوم القرآن مستقبلاً 271 قانون بيان ضروب العبادة
239 معجزات موسى (ع) 273 الدعاء بالمأثور
الفهرس
الصفحة الموضوع الصفحة الموضوع
275 قوله تعالى [وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ] 289 اجتماع الضدين في شهر رمضان
280 علم المناسبة 291 إمساكية شهر رمضان ــ 1445هـ
282 بحث كلامي 293 يوميات علمية للمرجعية الإسلامية
284 قانون التباين في قبض الأرواح 301 ردود كريمة
288 رؤية الهلال الفهرس

رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد
416 لسنة 2023

مشاركة

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn